اللمحة في شرح الملحة

بَابُ الاسْتِثْنَاءِ:
وَكُلُّ مَا اسْتَثْنَيْتَهُ مِنْ مُوْجَبِ ... تَمَّ الْكَلاَمُ عِنْدَهُ1 فَلْيُنْصَبِ
تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلاَّ سَعْدَا ... وَقَامَتِ النِّسْوَةُ إِلاَّ هِنْدَا2
الاستثناء هو: إخراج شيءٍ3 ممّا دخل فيه غيره، أو إدخال شيء فيما خرج منه غيره؛ والاسم المستثنى ضدّ4المستثنى منه5.
والاستثناء نوعان: متّصل، ومنقطع.
فالمتصّل: إخراج مذكور بإِلاَّ أو ما في معناها من حكم شامل له، أو ملفوظٍ [به] 6، أو مقدّر7.
فالإخراج جنسٌ يشمل8 نوعي الاستثناء، ويخرج الوصف ?إِلاّ
____________________
1 في ب: دونه.
2 في متن الملحة 28، وشرح الملحة 209: إِلاَّ دَعْدَا.
3 في أ: الشّيء.
4 في أ: عند، وهو تحريف.
5 هذا تعريف الحريريّ في شرحه على ملحته 209.
وعرّفه ابن مالكٍ في التّسهيل 101 بقوله: "وهو المخرج تحقيقًا أو تقديرًا، من مذكور أو متروك، بـ (إِلاَّ) أو ما بمعناها بشرط الفائدة".
وقيل: "هو المذكور بعد (إلاّ) وأخواتها مخالفًا لِمَا قبلها نفيًا وإثباتًا".
شرح الرّضيّ 1/224.
6 ما بين المعقوفين ساقطة من أ.
7 هذا تعريف ابن النّاظم في شرحه على الألفيّة 287.
8 في أ: يشتمل.

(1/457)


[72/أ] كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} 1.
فقوله: إخراج مذكور ولم يقل: إخراج اسم ليعمّ استثناء2 المفرد، نحو: قام القومُ إلاّ زيدًا، واستثناء الجملة لتأوّلها بالمشتقّ، نحو: ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٌ خيرٌ منه.
وقوله: بإلاّ أو ما في معناها ليخرُج التّخصيص3ونحوه، ويدخل الاستثناء بغَير وسِوَى وحَاشَا وخَلا وعَدا ولَيْسَ ولا يكون.
وقوله: من حكم شامل له ليخرج الاستثناء المنقطع.
وقوله: ملفوظ به أو مقدّر ليتناول الحدُّ الاستثناءَ التّامَّ والمفرّغَ.
والاستثناء التّامّ هو: أن يكون المخرج منه مذكورًا، نحو: قام القوم إلاَّ زيدًا.
____________________
1 من الآية: 22 من سورة الأنبياء.
فـ (إِلاّ) وما بعدها بمعنى (غير) صفة لآلهة؛ لأنّ المراد نفيُ الآلهة المتعدِّدة وإثبات الإله الواحد الفرْد؛ ولا يصحّ أن تكون استثنائيّة؛ لأنّ مفهوم الاستثناء فاسدٌ هُنا، إذْ حاصله أنّه لو كان فيهما آلهة لم يستثن الله منهما لم تفسدا؛ وليس كذلك فإنّ مجرّد تعدّد الآلهة يوجِبُ لزوم الفساد مطلَقًا.
2 في أ: الاستثناء.
3 المراد بالتّخصيص هُنا: التّخصيص بالصّفة، نحو: (اعتق رقبة مؤمنة) ، والمراد بنحوه التّقييد بالشّرط نحو: (اقتل الذّمّيّ إنْ حارَب) ، والتّقييد بالغاية نحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ؛ والتّقييد بالبدل نحو: (أكلتُ الرّغيف ثُلثه) .
يُنظر: المساعد 1/548، والتّصريح 1/346، والصّبّان 2/141.

(1/458)


والمفرّغ هو: أن يكون المخرج منه مقدّرًا في قوّة المنطوق به، نحو: ما قام إلاَّ زيدٌ التّقدير: ما1قام أحدٌ إلاَّ زيدٌ.
والمنقطع هو: الإخراج بإلاَّ أو غير أو بَيْد لِمَا دخل في حكم دلالة المفهوم.
فالإخراج جنس، وقولُه: بإلاّ، أو غير، أوبَيْد مدخل لنحو: ما فيها إنسان إلاَّ وتدًا2 وما عندي أحدٌ غير فرس3، وكنحو قوله - صلّى الله عليه وسلّم -: "أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ؛ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، واسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ" 4.
ومخرج الاستدراك ?لكن، نحو قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ} 5؛ فإنّه إخراجٌ لِمَا دخل في حكم دلالة المفهوم، ولا يسمّى في اصطلاح النّحويّين استثناءً، بل يختصّ6 باسم7 الاستدراك. [72/ب]
____________________
1 في أ: أقام، وهو سهوٌ.
2 في أ: إلاّ زيدٌ، وهو تحريف.
3 في أ: قوس، وهو تحريف.
4 هذا الحديث لا أصل له في كتب السّنّة المعتدّ بها، كما صرّح بذلك جمعٌ ممّن ألّفوا في الموضوعات.
ومعناه صحيح؛ وقد سُمع بألفاظٍ متقارِبة.
يُنظر: المقاصد الحسنة 167، وكشف الخفاء 1/200، والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع 60، 61، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة 289.
5 من الآية: 40 من سورة الأحزاب.
6 في ب: يخصّ، وهو تحريف.
7 في ب: بالاسم.

(1/459)


وقوله: لما دخل تعميمٌ لاستثناء المفرد والجملة - كما سيأتي -.
وقولُه: في حكم دلالة المفهوم مخرج للاستثناء1 المتّصل؛ فإنّه إخراجٌ لِمَا دخل في دلالة المنطوق.
من أمثلة المستثنى المنقطع الآتي مفردًا2، قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 3 [فـ {اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ] 4 مستثنى منقطع، مخرج ممّا أفهمه {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} من نفي الأعمّ من العلم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ يستحضر5 بذكر العلم لكثرة قيامه مقامه، وكأنّه قيل: ما يأخذون6 بشيءٍ إلاَّ اتّباع الظّنّ.
ومنها: قولهم: له عَلَيَّ ألفٌ إلاَّ أَلْفَيْن وإنّ لفلانٍ مالاً إلاَّ أنّه شقيّ وما زاد إلاّ ما نقص وما نفع إلاَّ ما ضَرَّ وما في الأرض أخبث منه إلاَّ إيّاه وجاء الصّالحون إلاَّ الطّالحين7؛ فالاستثناء في هذه الأمثلة كلّها على [نحو] 8 ما تقدّم.
فالأوّل: على معنى له عليَّ ألف لا غير إلاّ ألفين.
والثّاني: على معنى عَدِم فلان البؤس إلاَّ أنّه شقيّ.
____________________
1 في أ: الاستثناء.
2 "والاستثناء المنقطع أكثر ما يأتي مستثناه مفردًا، وقد يأتي جملة. ابن النّاظم 288".
3 من الآية: 157 من سورة النّساء.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في ب: لمستحضر.
6 في أ: يدحذون، وهو تحريف.
7 في كلتا النّسختين: الصّالحين، وهو تحريف.
(نحو) ساقطةٌ من ب.

(1/460)


وعلى هذا فقِس الباقي من الأمثلة1.
وللاستثناء2 عدّة أدوات؛ إلاَّ أنّ3 المستولي عليه4: إلاَّ.
وقال الشّيخ بدر الدّين بن مالك - رحمه الله [تعالى] 5-: "الاسم المستثنى بإلاّ في غير تفريغ يصحّ نصبه على الاستثناء، سواء كان متّصلاً أو منقطعًا. [73/أ]
والنّاصب هو: إلاّ لا ما قبلها بتقويتها، ولا به مستقلاًّ، ولا باستثني مضمرًا، خلافًا لزاعمي ذلك6.
____________________
1 "والثّالث: على معنى (ما عرض له عارضٌ إلاّ النّقص) .
والرّابع: على معنى (ما أفادَ شيئًا إلاّ الضّرّ) .
والخامس: على معنى (ما يليق خبثه بأحدٍ إِلاَّ إيَّاهُ) .
والسّادس: على معنى (جاء الصّالحون وغيرهم إلاّ الطّالحين) .
كأنّ السّامع توهّم مجيء غير الصّالحين، ولم يعبأ بهم المتكلّم فأتى بالاستثناء رفعًا لذلك التّوهُّم".
ومن أمثلة المستثنى المنقطع الآتي جملة قولهم: (لأَفْعَلَنَّ كذا وكذا إلاّ حِلُّ ذلك أن أفعل كذا وكذا) . وابن النّاظم 290. ويُنظر: شرح التّسهيل 2/266، 297.
2 في أ: والاستثناء.
3 في أ: لأنّ، وهو تحريف.
4 في ب: عليها.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 وهو مذهب سيبويه، والجُرجانيّ، واختاره ابن مالكٍ، ونسبه للمبرّد.
وكلامُ المبرّد في كتابيه المقتضب والكامل يفيد أنّ النّاصب هو الفعل المحذوف، و (إلاّ) دليل وبدلٌ منه، وليس لـ (إلاّ) عملٌ في المستثنى.
يُنظر: الكتاب 2/331، والمقتضب 4/390، 396، والكامل 2/613، والمقتصد 2/699، والإنصاف، المسألة الرّابعة والثّلاثون، 1/260، والتّبيين، المسألة السّادسة والسّتّون، 399، وشرح التّسهيل 2/271، 273، وائتلاف النّصرة، فصل الحرف، المسألة الحادية والخمسون، 174، والتّصريح 1/349.

(1/461)


ويدلّ على أنَّ النّاصب هو إلاَّ أنّها حرف مختصّ بالأسماء غير متنزّل1 منها منزلة الجزء، وما كان كذلك فهو عامل؛ فيجب أنْ تكون عاملة ما لم تتوسّط2 بين عامل مفرّغ ومعمول، فتُلغى3 وُجوبًا إنْ كان التّفريغ محقّقًا4، [نحو: ما قام إلاَّ زيدٌ، وجوازًا إنْ كان مقدّرًا] 5، نحو: ما قام أحدٌ إلاّ زيدٌ [فإنّه في تقدير: ما قام إلاّ زيدٌ] 6؛ لأنّ أحدٌ مبدل منه، والمبدَل منه7 في حكم المطروح8.
____________________
1 في أ: مشترك، وهو تحريف.
2 في أ: يتوسّط، وهو تصحيف.
3 في أ: فيُلغى، وهو تصحيف.
4 في أ: مخفّفًا، وهو تصحيف.
5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، من ابن النّاظم 292.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
(منه) ساقطةٌ من كلتا النّسختين.
8 في كلتا النّسختين: المطرح، والتّصويب من ابن النّاظم.

(1/462)


فإنْ قيل: إلاّ تدخُل على الفعل، كقولك: نشدتّك الله إلاّ فعلتَ وما تأتيني إلا قلتَ خيرًا.
الجواب: أنَّ دخولها على الفعل إذا كان في تأويل الاسم؛ فمعنى نشدتُك الله إلاّ فعلتَ: [ما] 1 أسألك إلاَّ فعلك؛ ومعنى الثّاني: ما تأتيني إلاَّ قائِلاً خَيْرًا.
والسّيرافيّ2 يذهبُ إلى أنّ النّاصب هو ما قبل إلاّ من فعل أو غيره بتعدية إلاَّ.
وذهب ابن خروف3 إلى أنّ النّاصب هو ما قبل إلاَّ على سبيل الاستقلال.
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، من ابن النّاظم.
2 يُنظر: شرح الكتاب جـ2/ ق111/ أ.
والسّيرافيّ هو: الحسن بن عبد الله بن المرزبان، أبو سعيد القاضي، السّيرافيّ، النّحويّ: كان عالِمًا بالنّحو، واللغة، والفقه، والشِّعر؛ قرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ النّحو عن ابن السّرّاج ومبرمان؛ ومن مصنّفاته: شرح كتاب سيبويه، وأخبار النّحويّين البصريّين؛ توفّي سنة (368هـ) .
يُنظر: نزهة الألبّاء 227، وإنباه الرّواة 1/348، وإشارة التّعيين 93، والبُلغة 86، وبُغية الوُعاة 1/507.
3 يُنظر رأيُه في: شرح التّسهيل 2/277، والجنى الدّاني 516، والمساعد 1/556، والتّصريح 1/349، والهمع 3/252.

(1/463)


وذهب الزّجّاج1 إلى أنّ النّاصب2 استثني مضمرًا"3.
____________________
1 يُنظر هذا الرّأي في شرح الكتاب جـ2/ ق111/ ب، وشرح المفصّل 2/76، والجنى الدّاني 516، والمساعد 1/556.
وإلى هذا القول ذهب المبرّد. يُنظر: المقتضب 4/390، 396، والكامل 2/613، وشرح الكتاب جـ2/ ق111/ ب.
والتّحقيق: أنّ مذهب الزّجّاج هو أنّ المستثنى منصوب بـ (إلاّ) لكونها بمعنى (استثني) ، وليس منصوبًا بفعل مقدّر تقديره (استثني) .
يُنظر: النّحو القرآنيّ بين الزّجّاج وأبي عليّ الفارسيّ 3/1627.
وقال الزّجّاج في معاني القرآن 2/141 - عند قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكْم بَهِيْمَةُ الأَنْعَام إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} [المائدة: 1]-: "موضع (ما) نصب بـ (إلاّ) ، وتأويله {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيْمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} من الميتة والدّمّ ... ".
وذكر صاحب النّحو القرآنيّ أنّ الزّجّاج حينما يذكر الفعل (استثني) يذكره مصدّرًا بكلمة: المعنى؛ وهذا يُشعر أنّ ما يذكره من ذلك تأويل معنى لا بيان عامل.
يُنظر: النّحو القرآنيّ بين الزّجّاج وأبي عليّ الفارسيّ 2/1132.
2 في أ: إلى أنّه استثني.
3 ينظر: شرح الألفيّة لابن النّاظم 291 - 293.
وهذه أربعة أقوال أوردها الشّارح في خلافهم في العامل في المستثنى.
وأوصلها السّيوطيّ في الهمع 3/252، 253 إلى سبعة أقوال؛ والمراديّ في الجنى الدّاني 516، 517 إلى ثمانية أقوال؛ منها:
أنّه منصوب بـ (إنّ) مقدّرة بعد (إلاّ) ؛ وعليه الكسائيّ، والتّقدير في (قام القوم إلاّ زيدًا) إلاّ أنّ زيدًا لم يقم.
وقيل: بـ (إنْ) المخفّفة المركّبة مع (لا) ؛ ونُسب للفرّاء.
وقيل: إنّه منتصب لمخالفته للأوّل؛ ألا ترى أنّك إذا قلتَ: (قام القومُ إلاّ زيدًا) أن ما بعد (إلاّ) منفيّ عنه القيام، وما قبلها موجِبٌ له القيام؛ وهو مذهب الكسائيّ.
وقيل: إنّ ناصبه تمامُ الكلام كما انتصب (درهمًا) بعد (عشرين) .
يُنظر: الإنصاف، المسألة الرّابعة والثّلاثون، 1/260، وشرح المفصّل 2/76، 77، وشرح الجمل 2/253، 254، وشرح التّسهيل 2/279، والتّصريح 1/349، والهمع 3/252، 253.

(1/464)


وَإِنْ يَكُنْ فِيمَا1 سِوَى الإِيجَابِ ... فَأَوْلِهِ الإِبْدَالَ فِي الإِعْرَابِ
تَقُولُ: مَا المَفْخَرُ2 إِلاَّ الكَرَمُ ... وَهَلْ مَحَلُّ الأَمْنِ إِلاَّ الْحَرَمُ3
[73/ب]
فَصْلٌ:
إذا كان قبل إلاَّ كلامٌ تامٌّ4؛ فلا يخلو من قسمين:
أحدهما: أنْ يكون موجَبًا5- كما تقدّم -، كقولك: قام القومُ إلاَّ زيدًا، أو6 غير موجب وهو: أن يكون الكلام نفيًا، أو استفهامًا، أو نهيًا؛ فالأجود أن يُعرب ما بعد إلاَّ بإعراب ما قبلها
____________________
1 في متن الملحة 28: فِيهِ سِوَى الإِيجَابِ.
2 في أ: الفَخْرُ؛ وعليها ينكسر البيت.
3 تمثيل الحريريّ في النّظم فيه نظر؛ لأنّه مثَّل للاستثناء الّذي يجوزُ فيه الإبدال بالاستثناء المفرّغ؛ وهذا سهو؛ لأنَّ الاستثناء الّذي يجوز فيه الإبدال هو غير الموجب؛ لكنّ الشّارح قد أتى في الشّرح بعد ذلك بالأمثلة الصّحيحة.
وقد تنبّه محقّق شرح ملحة الإعراب لذلك، واعتذر بأنّه ربّما يكون البيتُ قد نقل في غير موضعه سهوًا من النّاسخ. 211.
4 وهو الّذي يذكر فيه المستثنى منه.
5 وهو الّذي لم يتقدّم عليه نفيٌ ولا شبهه.
6 في أ: وغير موجب.

(1/465)


على سبيل البَدَل1؛ فتقول: ما قام أحدٌ إلاَّ زيدٌ وما ضربتُ أحدًا إلاَّ زيدًا وما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدٍ2، ولك أن تنصب الاسم المستثنى على الأصل3، فتقول4: ما قام [أحدٌ] 5 إلاَّ زيدًا6.
وَإِنْ تَقُلْ: لاَ رَبَّ إِلاَّ اللهُ ... فَارْفَعْهُ وَارْفَعْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ
____________________
1 هذا مذهب البصريّين.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ (إلاّ) حرفُ عطفٌ بمعنى الواو، وما بعده معطوفٌ على ما قبله.
وردّه البصريّون بأنّ (إلاّ) موضوعة لمخالفة ما بعدها لِمَا قبلها، أمّا الواو فهي موضوعة لمشاركة ما بعدها لِمَا قبلها.
واحتجّ الكوفيّون بنحو قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 150] ، وتأوّله البصريّون بمعنى (لكن) .
يُنظر: الكتاب 2/311، والمقتضب 4/390، 394، والأصول 1/303،والإنصاف، المسألة الخامسة والثّلاثون، 1/266، والتّبيين، المسألة السّابعة والسّتّون، 403، والتّصريح 1/349،والأشمونيّ 2/145.
2 فيُعرب (زيدًا) في المواطن الثّلاثة إعراب (أحد) على البدليّة.
3 قال سيبويه في الكتاب 2/319: "هذا بابُ النّصب فيما يكون مستثنىً مبدلاً؛ حدّثنا بذلك يونس وعيسى جميعًا أنّ بعضَ العرب الموثوق بعربيّته يقول: ما مررتُ بأحدٍ إلاَّ زيدًا، وما أتاني أحدٌ إلاَّ زيدًا؛ وعلى هذا: ما رأيتُ أحدًا إلاَّ زيدًا، فينصب (زيدًا) على غير (رأيتُ) ؛ وذلك أنّك لم تجعل الآخر بدلاً من الأوّل، ولكنّك جعلته منقطعًا ممّا عمل في الأوّل".
4 في ب: تقول.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 وتقول - أيضًا -: (ما مررتُ بأحدٍ إلاّ زيدًا) ؛ وعلى الوجهين قُرئ قولُه تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النّساء: 66] برفع {قَلِيلٌ} ونصبه؛ وإنْ كان أكثرُ القرّاء على رفعه. شرح ملحة الإعراب 212.

(1/466)


[فَصْلٌ] 1:
إذا جِيء بالاسم المستثنى [بـ] 2 إلاَّ بعد عامل3 لم يشتغل4 بما قبلها، ولا بما بعدها، يليها عامل، فمطلوب العامل هو ما يليها؛ لتفريغ5 الطّلب له6، فيُرفع7 إنْ كان [يطلب] 8مرفوعًا - كما9 تقدّم -؛ ويُنصب إنْ كان يطلب منصوبًا، نحو: ما رأيتُ إلاَّ زيدًا، ويُجرُّ بالحرف الّذي يتعدّى به10، نحو: ما مررتُ إلاَّ بزيدٍ.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 الباء ساقط من أ.
3 في أ: بعد أحد.
4 في أ: تشتغل، وهو تصحيف.
5 في ب: التّفريع.
6 يسمّى استثناء مفرّغًا؛ لأنّ ما قبل (إلاّ) تفرّغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل في غيره، وشرطُه كونُ الكلام غير إيجاب؛ وهو النّفي، نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] ؛ والنّهي، نحو: {وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النّساء: 171] ؛ والاستفهام الإنكاريّ، نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35] . يُنظر: أوضح المسالك 2/60، والتّصريح 1/348، والهمع 3/250، 251، والأشمونيّ 2/149.
7 في ب: ويرفع.
(يُطلب) ساقطةٌ من أ.
9 نحو: (ما قام إلاّ زيدٌ) .
10 في أ: يتعد به، وفي ب: يتقد به؛ وكلتاهما محرّفة، والتصويب من شرح عمدة الحافظ 1/382.

(1/467)


وَانْصِبْ إِذَا1 مَا قُدِّمَ المُسْتَثْنَى ... تَقُولُ: هَلْ إِلاَّ العِرَاقَ مَغْنَى2
إذا قُدِّم المستثنى على المستثنى منه نُصِبَ؛ مُوجَبًا كان أو نفيًا، تقول: ما جاء إلاَّ زيدًا [74/أ]
أحدٌ، كقول الكميت3:
وَمَا لِي إِلاَّ آلَ أَحْمَدَ شِيْعَةٌ ... وَمَا لِي إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ4
امتنع جعلُ المستثنى بدلاً5؛ لأنَّ التّابع لا يتقدّم على المتبوع وكان الوجهُ نصبُه6.
____________________
1 في متن الملحة 28: وَانْصِبْ مَا قُدِّمَ.
2 المَغْنَى: المَنْزِلُ الّذي غَنِيَ به أَهْلُه، ثم ظَعَنُوا عنه. اللّسان (غنا) 15/139.
3 هو: الكميت بن زيد بن الأخنس الأسديّ، ويكنى أبا المستهلّ: كوفيّ مقدَّم، عالمٌ بلغات العرب وبأيّامها؛ وهوشاعرُ الهاشميّين، وكان خطيبًا، فارسًا، شُجاعًا؛ وكان شديد التّكلُّف للشّعر، كثير السّرقة له.
يُنظر: الشّعر والشّعراء 385، والأغاني 17/3 - 44، والمؤتلف والمختلف257، ومعجم الشّعراء 237، 238، والخزانة 1/144.
4 هذا بيتٌ من الطّويل.
والشّاهد فيه: (وما لي إلاّ آل أحمد) حيث نصب (آل) وهو مستثنى لتقدُّمه على المستثنى منه؛ ومثلُه قوله: (وما لي إلاّ مذهب الحق مذهبُ) .
يُنظر هذا البيت في: المقتضب 4/398، والكامل 2/614، والجمل 234، واللّمع 124، والتّبصرة 1/377، والإنصاف 1/275، وشرح المفصّل 2/79، وابن النّاظم 298، وأوضح المسالك 2/64، والمقاصد النّحويّة 3/111، وشرح هاشميّات الكميت 50.
5 لزم النّصب لأنّه إذا تأخّر المستثنى جاز إبدالُه، وجاز نصبُه؛ فإذا تقدّم امتنع الإبدال، والعلّة ذكرها الشّارح رحمه الله.
6 ويجوز الاتباع في المسبوق بالنّفي. قال سيبويه - رحمه الله -: "وحدّثنا يونس أنّ بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلاّ أبوك أحدٌ، فيجعلون (أحدًا) بدلاً، كما قالوا: ما مررتُ بمثله أحد، فجعلوه بدلاً". الكتاب 2/337. وهو مذهب الكوفيّين.
ويُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/704، وابن النّاظم 298، والتّصريح 1/355، والأشمونيّ 2/148.

(1/468)


َإِنْ تَكُنْ مُسْتَثْنِيًا بِمَا عَدَا ... وَمَا خَلاَ1وَ2 لَيْسَ فَانْصِبْ أَبَدَا
تَقُولُ: جَاؤوا مَا عَدَا مُحَمَّدًا ... وَ3 مَا خَلاَ زَيْدًا وَلَيْسَ أَحْمَدَا
[فَصْلٌ] 4:
يُنصب المستثنى - من الموجِب - بإلاَّ وعَدَا وخَلا؛ كقولك: قامَ القومُ خلاَ زيدًا وعدا عمرًا بالنّصب؛ وإنْ شئت جررتَ5 فقلت: قام القوم خَلاَ زيدٍ وعَدَا عَمْرٍو؛ فالجرُّ على أنّهما حرفان مختصّان بالأسماء، والنّصبُ على أنّهما فِعْلان ماضيان غير متصرّفين؛ لوُقوعهما موقع الحرف6؛ فإذا تقدّم عليهما ما بَعُدَ من
____________________
1 في متن الملحة 29، وشرح الملحة 214: أَوْ مَا خَلاَ أَوْ لَيْسَ.
2 في ب: أو.
3 في متن الملحة 29، وشرح الملحة 214: مَا خَلاَ عَمْرًا.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 والجرّ بـ (عدا) قليل؛ ولم يذكره سيبويه - رحمه الله - والمبرّد، وإنّما حكاهُ الأخفش.
يُنظر: الكتاب 2/348، والمقتضب 4/426، وشرح المفصّل 2/78، 8/49، وأوضح المسالك 2/72، والتّصريح 1/363.
6 والمستثنى بعدهما مفعولٌ به، وضمير ما سواه من المستثنى منه هو الفاعل؛ فإذا قلت: (قاموا خلا زيدًا) فالتّقدير: قاموا جاوز غير زيدٍ منهم زيدًا، وكذا إذا قلتَ: (قاموا عدا عَمْرًا) .
ابن النّاظم 308.

(1/469)


شبه الحرف؛ [لأنَّ الحرف لا يدخُل على الحرف1] 2؛ فتقول: جاءَ النّاسُ ما خلا زيدًا وما عدا عَمْرًا، كقول لبيد:
أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ3 ... ..........................................
فوجب النّصب بهما؛ لتقدّم ما المصدريّة4.
ومن أدوات الاستثناء: ليس ولا يكون؛ فهما الرّافعان للاسم5، النّاصبان [74/ب] للخبر6؛ فلهذا يجب نصبُ المستثنى بهما؛ لأنّه الخبر.
____________________
1 "وقيل: لأنّ (ما) المصدريّة لا يليها حرفُ جرّ، وإنّما توصل بجملة فعليّة، وقد توصَل بجملة اسميّة". ابن النّاظم 308.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 تقدّم تخريج هذا البيت في ص 104.
والشّاهد فيه هُنا: (ما خلا اللهَ) حيث ورد بنصب لفظ الجلالة بعد (خلا) ؛ فدلّ ذلك على أنّ الاسم الواقع بعد (ما خلا) يكون منصوبًا؛ وذلك لأنّ (ما) هذه مصدريّة، و (ما) المصدريّة لا يكون بعدَها إلاّ فعل؛ ولذلك يجب نصب ما بعدها على أنّه مفعولٌ به، وإنّما يجوز جرّه إذا كانت (خلا) حرفًا، وهي لا تكون حرفًا متى سبقها الحرف المصدري.
4 وحكى الجرميّ الجرّ مع (ما) عن بعض العرب.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/722، وابن النّاظم 308، والتّصريح 1/365، والأشمونيّ 2/164.
5 في أ: للأسماء.
6 في أ: الجبر، وهو تصحيف.

(1/470)


وأمّا الاسم1 فالتزم إضمارُه2؛ لأنّه لو ظهر فَصَلَهُمَا من المستثنى، وجُهِلَ قصد الاستثناء؛ تقول: قاموا ليس زيدًا، ونحو: "يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ خُلُقٍ لَيْسَ الخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ" 3، المعنى: إلاَّ الخيانة والكذب؛ والتّقدير: لَيْسَ بَعْضُ خُلُقِهِ الخِيَانَةَ والْكَذِبَ.
وتقول: قاموا لا يكون زيدًا، وتقديره: قاموا لا يكون بعضهم زيدًا.
وأمّا حاشا فَيَجُرُّ ما بعده، وينصب؛ فالجرُّ على أنّها4حرف، والنّصب على أنّها5 [فعل] 6 غير متصرّف7.
____________________
1 أي: اسمهما.
2 للنُّحاة في عائد الضّمير المستتر في (ليس) من قولك: (قاموا ليس زيدًا) ، وفي (لا يكون) من قولك: (قاموا لا يكون زيدًا) ثلاثةُ أقول:
الأوّل: أنّه عائدٌ على البعض المدلول عليه بكلّه السّابق؛ فتقدير الكلام: قاموا ليس بعضهم زيدًا، وقاموا لا يكون بعضُهم زيدًا؛ وهو مذهب سيبويه والجمهور.
الثّاني: أنّه عائدٌ على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السّابق؛ فتقدير الكلام: قاموا ليس القائم زيدًا، وقاموا لا يكون القائم زيدًا؛ ونُسب إلى سيبويه.
الثّالث: أنّه عائدٌ على المصدر المدلول عليه بالفعل تضمُّنًا؛ فتقدير الكلام: قاموا ليس القيام قيام زيد، وقاموا لا يكون القيام قيام زيد؛ فحذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه؛ وهو مذهب الكوفيّين.
يُنظر: الكتاب 2/347، وشرح التّسهيل 2/311، وأوضح المسالك 2/72، وابن عقيل 560، والتّصريح 1/362، والأشمونيّ 2/162.
3 أخرجه أحمد في مسنده 5/252.
4 في ب: أنّهما، وهو تحريف.
5 في ب: أنّهما، وهو تحريف.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 والمستثنى مفعوله، وضمير ما سواه الفاعل، كما في النّصب بعد (خلا) . ابن النّاظم 309.

(1/471)


فمن الجرّ بها قولُ الشّاعر:
حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ1 ... ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ2
وأنشد الأخفش بإلحاق ما المصدريّة:
رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشًَا ... فَإِنَّا نَحْنُ أَكْثَرُهُمْ فَعَالاَ3
ويُقال في حَاشَا: حَاشَ كثيرًا، وحَشَا قليلاً.
وأنشدوا في حرفيّة عَدَا والجرّ بها:
تَرَكْنَا فِي الْحَضِيْضِ بَنَاتِ عُوْجٍ ... عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ4
أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وَأَسْرًا عَدَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ5
____________________
1 في أ: له، وهو تحريف.
2 تقدّم تخريج هذا البيت في ص 238.
والشّاهد فيه هُنا: (حاشا أبي ثوبان) حيث جاءت (حاشا) حرف جرٍّ، فجرّت ما بعدها (أبي) ، ويجوز أن تأتيَ فعلاً ماضيًا فتنصب ما بعدها.
3 تقدّم تخريج هذا البيت في ص 239.
والشّاهد فيه هُنا: (ما حاشا قريشًا) حيث أدخل (ما) المصدريّة على (حاشا) وهو قليل.
4 في أ: النّشور، وهو تصحيف.
5 هذان بيتان من الوافر، ولم أقف على قائلهما.
و (الحضيض) : القرار من الأرض عند منقطع الجبل، والحضيض - أيضًا -: الأرض. و (بنات عوج) : يريد أفراسًا كريمات الأصول غير مهجّنات. و (عواكف) : جمع عاكفة، والعُكوف: الإقامة على الشّيء وبالمكان ولزومهما. و (خضعن) : ذللن وخشعن. و (أبحنا) : أهلكنا واستأصلنا. و (الحيّ) : القبيلة. و (الشّمطاء) : هي العجوز الّتي يخالِط سواد شعرها بياض.
والشّاهد فيه: (عدا الشّمطاء) حيث استعمل (عدا) حرْفَ جرٍّ؛ وهو قليل، ولِقِلَّته لم يحفظه سيبويه.
يُنظر هذان البيتان في: شرح التّسهيل 2/310، وابن النّاظم 310، وأوضح المسالك 2/72، وابن عقيل 1/563، والمقاصد النّحويّة 3/132، والتّصريح 1/363، والهمع 3/285، والأشمونيّ 2/163، والدّرر 3/178.

(1/472)


وَغَيْرُ إِنْ جِئْتَ بِهَا مُسْتَثْنِيَهْ ... جَرَتْ عَلَى الإِضَافَةِ المُسْتَوْلِيَهْ
وَرَاؤُهَا تَحْكُمُ فِي إِعْرَابِهَا ... مِثْلَ اسْمِ إِلاَّ حِينَ يُسْتَثْنَى بِهَا
غير: يستثنى بها بشرط صلاحيّة إلاَّ مكانها؛ فيجرّ1المستثنى بها، وتعرب هي بما يستحقّه المستثنى بإلاَّ؛ من نَصْبٍ لازمٍ2، أو نصب مرجّح3عليه الإتباع4، [أو نصب مرجّح على الإتباع5] 6، أو تأثّر7بعاملٍ مُفرَّغ؛ تقول في اللاّزم: جاءني القومُ غيرَ زيدٍ، والمرجّح عليه الإتباع8: ما جاءني أحدٌ غيرُ زيد، والمرجّح على9 الإتباع:
____________________
1 في ب: فتجرّ، وهو تصحيف.
2 إذا كان بعد كلام تامّ موجب.
3 إذا كان بعد كلام تامّ غير موجب، وكان الاستثناء متّصلاً.
4 في أ: للأتباع.
5 إذا كان بعد كلامٍ تامّ غير موجب، وكان الاستثناء منقطعًا.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 في أ: يأثر، وهو تصحيف.
8 في أ: للأتباع.
9 في أ: والمرجّح للأتباع.

(1/473)


ما لزيدٍ علم غيرَ ظنِّ، وإيجابُ التّأثّر1 بالعامل المفرّغ: ما جاءني غيرُ2 زيدٍ فغير هُنا3 كإلاَّ4؛ وقد جاءت إلاَّ كغير في قول الشّاعر:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ5
وسُوى وسَواء لغتان في سِوَى6؛ وهي مثل غير
____________________
1 في أ: التّأثير.
2 في ب: ما جاءني أحدٌ غير زيد، وهو سهو.
3 في ب: ها هنا.
4 وليس بينهما من الفرْق إِلاّ أنّ نصب ما بعد (إلاّ) في غير الإتباع، والتّفريغ نصب بـ (إلاَّ) على الاستثناء، ونصب (غير) هُناك بالعامل الّذي قبلها على أنّها حال، تؤدِّي معنى الاستثناء. ابن النّاظم 304.
5 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لعمرو بن معد يكرب، ويُنسب إلى حضرميّ بن عامرٍ الأسديّ.
و (الفرقدان) : نجمان قريبان من القطب لا يفترقان.
والمعنى: كلّ أخوين غير الفرقدين لا بدّ أن يفترقا بسَفرٍ أو موت.
والشّاهد فيه: (إلاّ الفرقدان) حيث استعمل (إلاَّ) بمعنى (غير) .
واستشهد به النُّحاة على نعت (كلّ) بقوله: (إلاّ الفرقدان) على تقدير (غير) .
وفيه ردٌّ على المبرّد الّذي زعم أنّ الوصف بـ (إلاَّ) لم يجيء إلا فيما يجوز فيه البدل؛ فـ (إلاّ الفرقدان) صفة ولا يمكن فيه البدل.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/334، والمقتضب 4/409، والإنصاف 1/268، وشرح المفصّل 2/89، ورصف المباني 177، والجنى الدّاني 519، وتذكرة النُّحاة 90، والمغني 101، 739، والهمع 3/273، والخزانة 3/421، والدّيوان 178.
6 في أ: سوا.

(1/474)


معنىً واستعمالاً؛1 فيستثنى2 بها3 [متّصل] 4، نحو: قاموا سِوى زيد، [منقطع] 5، كقول الشّاعر:
لَمْ أُلْفِ فِي الدَّارِ ذَا نُطْقٍ سِوَى طَلَل ... قَدْ كَادَ6 يَعْفُو وَمَا بِالْعَهْدِ مِنْ قِدَمِ7
[وفي شرح الشّيخ بدر الدّين: "ويوصَف بها"8] 9،
____________________
1 ما ذكره الشّارح هُنا من أنّ (سوى) حكمها كحكم (غير) معنىً واستعمالاً؛ هو ما ذهب إليه الزّجّاج وابن مالك.
وقد احتجّ ابن مالكٍ لهذا في بعض كتبه؛ وذهب سيبويه والجمهور إلى أنّ (سوى) ظرف يلزم النّصب غير متصرّف؛ وقالوا: لا تخرُج عن الظّرفيّة إلاّ في الشّعر.
وذهب الرّمّانيّ والعكبريّ وابن هشام إلى أنّها تستعمل ظرفًا غالبًا، وكـ (غير) قليلاً.
يُنظر: الكتاب 1/407، 409، 2/350، والمقتضب 4/349، 351، والتّبصرة 1/381، 382، والتّبيين، المسألة الحادية والسّبعون، 419، وشرح الكافية الشّافية 2/716، 718، وأوضح المسالك 2/70، 72، والتّصريح 1/362، والأشمونيّ 2/159، 160.
2 في أ: فيستغنى، وهو تحريف.
3 في أ: بها وسوى.
4 ما المعقوفين ساقط من أ.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 في ب: كان، وهو تحريف.
7 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائله.
و (ألف) : أجد. و (الطّلل) : ما شَخَصَ من آثار الدّار. و (يعفو) : يدرُس ويتغيّر.
والشّاهد فيه: (سوى طلل) فإنّه دلّ على أنّ (سوى) يستثنى بها في المنقطع.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/314، وابن النّاظم 304، والارتشاف 2/304، والمقاصد النّحويّة 3/119، والهمع 3/163، والدّرر 3/95.
8 شرح الألفيّة لابن النّاظم 304.
9 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(1/475)


[ومن الاستثناء بها1،] كقول الآخر: [75/ب]
أَصَابَهُمْ بَلاَءٌ كَانَ فِيْهِمْ سِوَى ... مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النَّضِيرِ2
وتقبل أثر العوامل المفرّغة، كقوله - صلّى الله عليه3 وسلّم-: "مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ" 4، وتأتي فاعلةً كقول بعضهم - حكاه الفرّاء -: "أَتَانِي5 سِوَاكَ6"، وكقول الشّاعر:
____________________
1 كذا في النسختين؛ والظاهر أنها مقحمة، بدليل قوله بعد ذلك: (كقول الآخر) ؛ وإلاّ قال: قول الآخر؛ ويدلّ على ذلك: عدم ورودها في شرح ابن الناظم.
2 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لحسّان بن ثابت رضي الله عنه.
و (أصابهم) : نزل بهم.
والشّاهد فيه: خروج (سوى) عن الظّرفيّة ووقوعها صفة.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/314، وابن النّاظم 304، والمقاصد النّحويّة 3/120، والهمع 3/163، والدّرر 3/95، والدّيوان 245.
3 في ب: على.
4 أخرجه البخاريّ في صحيحه، كتاب الرّقاق، باب كيف الحشر، 8/197، 198 - والرّواية فيه: "وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَر" -، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون هذه الأمّة نصف أهل الجنّة، 1/200، 201 - والرّواية فيه كالرّواية في صحيح البخاريّ، وفيه رواياتٌ قريبةٌ من ذلك -، وابن ماجه في سننه، كتاب الزّهد، باب صفة أمّة محمّد - صلّى الله عليه وسلّم -، 2/1432 - والرّواية فيه كالرّواية في صحيح البخاريّ -، وأحمد في مسنده 1/445، 6/441.
5 في أ: أياي، وهو تحريف.
6 هذه الحكاية تفرّد بها الفرّاء عن أبي ثَرْوان - كما ذكر ذلك الأنباريّ في الإنصاف 1/298 -.
يُنظر: شرح التّسهيل 2/315، وابن النّاظم 305، وأوضح المسالك 2/70، وتعليق الفرائد 6/138، والتّصريح 1/362، والأشمونيّ 2/159.

(1/476)


وَلَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا ... نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا1
وأنشد ابن جنّي مجرورًا:
أَلاَ مِنْ مُنَادٍ أَبَا مَالِكٍ ... أَفِي أَمْرِنَا هُوَ أَمْ فِي سِوَاه2
وتأتي مبتدأة، كقول الآخر:
وَإِذَا تُبَاعُ كَرِيْمَةٌ أَو تُشْتَرَى ... فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي3
____________________
1 هذا بيتٌ من الهزج، وهو للفِنْد الزِّمَّانيّ، واسمُه شَهْل بن شيْبان، من قصيدةٍ قالها في حرب البَسوس.
و (العدوان) : الظُّلم الصّريح. و (دنّاهم) : جازيناهم، من الدِّين، وهو: الجزاء والمُكافأَة.
والشّاهد فيه: (ولم يبق سوى العدوان) حيث وقعت سوى) فاعلاً، وخرجت عن الظّرفيّة.
يُنظر هذا البيتُ في: أمالي القالي 1/260، وشرح الحماسة للتّبريزيّ 1/6، وشرح التّسهيل 2/315، وشرح الكافية الشّافية 2/719، وابن النّاظم 305، وأوضح المسالك 2/71، وابن عقيل 1/558، والمقاصد النّحويّة 3/122، والتّصريح 1/362، والهمع 3/161، والأشمونيّ 2/159، والخزانة 3/431.
2 هذا بيتٌ من المتقارِب، وهو للمتنخّل الهذلي.
والشّاهد فيه: (أم في سواه) حيث وقعت (سوى) مجرورة بحرف الجرّ، وخرجت عن الظّرفيّة.
يُنظر هذ البيتُ في: ديوان الهذليّين 2/30، وأمالي المرتضى 1/306، - 307، والخزانة 4/146- 147.
3 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لابن المولى - محمّد بن عبد الله بن مسلم المدنيّ -، يخاطب به يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب، ويمدحه به.
والشّاهد فيه: (فَسِوَاكَ) حيث وقعت (سوى) مرفوعةً بالابتداء، وخرجت عن النّصب على الظّرفيّة.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الحماسة للتّبريزيّ 2/357، وشرح التّسهيل 2/315، وشرح الكافية الشّافية 2/718، وابن النّاظم 305، وابن عقيل 1/557، والمقاصدالنّحويّة 3/125، والهمع 3/161، والأشمونيّ 2/159، والدّرر 3/92.

(1/477)


ولا سِيَّمَا1 يستثنى بها، ومعناها: التّخصيص، ويجرّ ما بعدها2، كقولك: أكرمني النّاس [ولا] 3 سِيَّمَا زيدٍ أي: لا مثل زيدٍ؛
____________________
1 قال ابن مالكٍ في شرح الكافية الشّافية 2/724: "وجرت عادة النّحويّين أنْ يذكُروا (لا سيّما) مع أدوات الاستثناء مع أنَّ الّذي بعدها مُنَبَّهٌ على أَوْلَوِيَّته بما نُسِبَ إلى ما قبلها".
وقال في شرح التّسهيل 2/318: "ومن النّحويين مَن جعل (لا سيّما) من أدوات الاستثناء؛ وذلك عندي غيرُ صحيح؛ لأنّ أصل أدوات الاستثناء هو (إلاّ) ؛ فما وقع موقعه وأغنى عنه فهو من أدواته، وما لم يكن كذلك فليس منها؛ ومعلومٌ أنّ (إلاّ) تقع موقع (حاشا) و (عدا) و (خلا) و (ليس) و (لا يكون) و (غير) و (سِوى) وغير ذلك ممّا لم يختلف في الاستثناء به؛ فوجب الاعتراف بأنّه من أدواته، و (لا سيّما) بخلاف ذلك فلا يعدّ من أدواته، بل هو مضادٌّ لها؛ فإنّ الذي يلي (لاسيّما) داخلٌ فيما قبله ومشهودٌ له بأنّه أحقّ بذلك من غيره".
و (لا سِيَّمَا) بتشديد الياء، ودخول (لا) عليها ودخول الواو على (لا) واجب؛ ويجوز أن تخفّف، وأن يُحذف الواو.
2 الجرُّ على جعل (ما) زائدة مؤكّدة، وجَرّ ما بعدها بإضافة السّي إليه، كأنّه قال: (ولا سي زيدٍ) أي: ولا مثل زيدٍ.
يُنظر: شرح المفصّل 2/85، وشرح الكافية الشّافية 2/724، وشرح التّسهيل 2/318، والمغني 187، والأشمونيّ 2/167.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(1/478)


ويرفع1 ما بعدها، كقول الشّاعر:
............................... ... وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ2
[76/أ]
أي: ولا مثل الّذي هو يوم.
ولا سِيَّمَا زيدًا3 بمعنى: [إلاَّ] 4.
__________
1 الرّفع على أنّه خبرٌ لمبتدأ محذوف، و (ما) موصولة، أو نكرة موصوفة بالجملة، والتّقدير: ولا مثل الّذي هو يوم، أو ولا مثل شيء هو يوم.
ويجوز النّصب في الاسم الّذي بعدها إذا كان نكرة.
يُنظر: المصادر السّابقة.
2 هذا عجُز بيتٍ من الطّويل، وصدرُه:
أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ
وهو لامرئ القيس.
و (دَاْرَةُ جُلْجُلِ) : موضع.
والشّاهد فيه: (ولا سِيَّمَا يَوْمٌ) حيث يجوز في (يوم) الرّفع على أنّه خبرٌ لمبتدأ محذوف، ويجوزُ فيه - أيضًا -: الجرّ على الإضافة، والنّصب على التّمييز.
يُنظر هذا البيت في: شرح المفصّل 2/86، وشرح التّسهيل 2/318، وشرح الكافية الشّافية 2/725، واللّسان (سوا) 14/411، والجنى الدّاني 334، والمغني 186، والمساعد 1/597، والهمع 3/293، والخزانة 3/444، 451، والدّرر 3/183، والدّيوان 10.
3 انتصاب المعرفة منعه الجمهور، وجوّزه بعضهم موجِّهًا إيّاه بأنّ (ما) كافّة، وأنّ (لا سيّما) نزلت منزلة (إلاّ) في الاستثناء؛ فما بعدها منصوبٌ على الاستثناء المتّصل، لإخراجه عمّا قبل (لا سيّما) من حيث عدمُ مساواة ما قبلها له. وضُعِّف بأنّ (إِلاَّ) لا تقترنُ بالواو، ولا يُقال: (جاء القوم وإلاّ زيدًا) . ووجّهه الدّمامينيّ بأنّ (ما) تامّة بمعنى (شيء) ، والنّصب بتقدير: (أعني) أي: ولا مثل شيء أعني زيدًا. يُنظر: المغني 187، والأشمونيّ 2/168، والصّبّان 2/168.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(1/479)


بَابُ لاَ فِي النَّفْيِ:
وَانْصِبْ بِلاَ فِي النَّفْيِ كُلَّ نَكِرَهْ ... كَقَوْلِهِمْ: لاَ شَكَّ فِيمَا ذَكَرَهْ
(لا) حرف له مَعَانٍ:
أحدُها: أنْ تكون ناهيةً1؛ وتختصُّ بالدُّخول على الفعل المضارِع جازمة [له] 2، كقوله تعالى: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} 3.
وقد تقع بمعنى الدُّعاء، كقولك: (لا يفضض الله فاك) .
وتأتي زائدةً لتأكيد النّفي4، كقولك: (ما زيدٌ قائمًا ولا عمرٌو قاعدًا) 5.
وتارةً6 للتّوسُّع في الكلام، كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} 7.
____________________
1 في ب: نافية، وهو تحريف.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 من الآية: 40 من سورة التَّوبة.
4 وهي المصاحِبة لحرف العطف، وليست بعاطفة.
يُنظر: كشف المشكِل 1/365.
5 في كلتا النّسختين: ما زيدٌ لا قائم ولا عمرو، والصّواب ما هو مثبَت.
ويُنظر: شرح ملحة الإعراب 218، والملخّص 1/269.
6 في ب: وتأتي.
7 من الآية: 12 من سورة الأعراف.

(1/481)


وتارةً مع اليمين، كقوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ} 1.
وتأتي نافية معنى الفعل عن أحد الاسمين، كقولك: (جاء زيدٌ لا عمرٌو) ؛ فإنْ قلتَ: (ما جاء زيدٌ2 ولا عمرٌو) فالواو ههنا3 هي العاطفة،
____________________
1 سورة القيامة، الآية: 1.
اختلف العلماء في (لا) في هذه الآية:
فقال البصريّون والكسائيّ وعامّة المفسرين: زائدة، وأنّ معناه: أقسم.
وأنكر الفرّاء هذا، وقال: لا تكون (لا) زائدة في أوّل الكلام، وقال: "إنَّ (لا) هُنا ردّ لكلامٍ من المشركين متقدِّم؛ كأنّهم أنكروا البعث فقيل لهم: لا، ليس الأمر كما تقولون؛ ثم قال: {أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة} ". معاني القرآن 3/207.
وقيل: إنّها زيدَت توطئة لنفي الجواب؛ والتّقدير: لا، أقسم بيوم القيامة لا يُتركون سُدىً.
ورُدّ بقوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1] ؛ فإنّ جوابه مثبت وهو: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] ؛ ومثله: {َلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] .
وقيل: هي نافية، ومنفيّها (أُقْسِمُ) ؛ وذلك على أن يكون إخبارًا لا إنشاءً؛ واختاره الزّمخشريّ، قال: "والمعنى في ذلك: أنّه لا يقسم بالشّيء إلاّ إعظامًا له بذلك، عليه قولُه تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ؛ فكأنّه بإدخال حرف النّفي يقول: إنّ إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام، يعني: أنّه يستأهل فوق ذلك". الكشّاف 4/163.
تُنظر هذه المسألة في: مجاز القرآن 2/277، ومعاني القرآن وإعرابه للزّجّاج 251، والأزهيّة 153- 157، وأمالي ابن الشّجريّ 2/141- 144، والمغني 328، 329.
2 في ب: لا زيدٌ، وهو سهو.
3 في ب: هُنا.

(1/482)


و (لا) زائدة لتأكيد النّفي1.
وتعترض2بين العامل والمعمول، وتكون بمعنى (غير) 3، كقولك: (ضربتُه بلا ذنبٍ) .
وبين المبتدأ والخبر، كقولك: (زيد لا صديق ولا عَدوّ) ، وبين الحال وصاحبها، كقولك [76/ب] : (قَدِم الأمير لا ضاحكًا ولا عابسًا) .
وقد تدخُل على الفعل [الماضي] 4فتحوّل معناه إلى الاستقبال، وتكون5 بمعنى (لَمْ) كقوله تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} 6، وكقول الشّاعر:
____________________
1 لأنّك إذا قلتَ: (ما جاء زيدٌ وعمرٌو) احتمل أنّ المُراد: نفي مجيء كلّ منهما على كلّ حال، وأن يُراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء؛ فإذا جيء بـ (لا) صار الكلام نصًّا في المعنى الأوّل. المغني 322.
2 في أ: وتعرض.
3 والكوفيّون يقولون: إنها اسم، وأنّ الجارّ دخل عليها نفسها، وأنّ ما بعدها خفض بالإضافة.
والبصريّون يرون أنّها حرفٌ، ويسمّونها زائدة، كما يسمّون (كان) في نحو: (زيدٌ كان فاضل) زائدة، وإنْ كانت مفيدة لمعنى المضيّ والانقطاع؛ فعُلم بهذا أنّهم قد يريدون بالزّائد المعترض بين شيئين متطالبين، وإن لم يصحّ أصل المعنى بإسقاطه.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/539، 540، والأزهيّة 160، ورصف المباني 341، والمغني 322.
4 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
5 في أ: يكون، وهو تصحيف.
6 سورة القيامة، الآية: 31.

(1/483)


إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ1 عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا2
أي: لم يُلِمَّ.
وتدخل على [الفعل] 3 المضارع نافيةً؛ فلا يتأثّر4، كقوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} 5.
وتكونُ بمعنى (ليس) مختصّة بالنّكرات6، ومنه قولُ الشّاعر:
____________________
1 في ب: وإنِّي، وهو تحريف.
2 هذا بيتٌ من الرّجز، يُنسب لأبي خِراشٍ الهذليّ، أو لأميّة بن أبي الصّلت.
و (جما) : بمعنى كثير. و (أَلَمَّ) : من اللّمم وهو صغار الذّنوب.
والشّاهد فيه: (لا ألَمّا) حيث جاءت (لا) بمعنى (لم) ، والماضي بمعنى المضارِع، والمعنى: (لم يُلِمَّ) .
يُنظر هذا البيت في: طبقات فحول الشّعراء 1/267، وتأويل مشكل القُرآن548، وشرح أشعار الهذليّين 3/1346، والأزهيّة 158، وأمالي ابن الشّجريّ 1/218، 2/536، والإنصاف 1/76، والجنى الدّاني 298، والمغني 321، والمقاصد النّحويّة 4/216، والخزانة 2/295، 4/4، 7/190، وديوان أميّة 264، 265.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 في أ: تتأثّر، وهو تصحيف؛ وفي ب: يأثّر، وهو تحريف.
5 من الآية: 255 من سورة البقرة.
(لا) النّافية تعمل عمل (ليس) عند الحجازيّين، ومذهب بني تميم إهمالُها.
ويُشترط لعملها عمل (ليس) عند الحجازيّين ثلاثة شروط:
1- أنْ يكون اسمها وخبرها نكرتين، نحو: (لا رجلٌ أفضلَ منك) .
2- أن لا يتقدّم خبرها على اسمها، فلا نقول: (لا قائمًا رجلٌ) .
3- ألا ينتقض النّفي بـ (إلاَّ) ، فلا تقول: (لا رجلٌ إلاَّ أفضلَ من زيد) بنصب (أفضل) بل يجب رفعُه.
تُنظر هذه المسألة في: شرح المفصّل 2/109، وشرح الكافية الشّافية 1/440، وابن النّاظم 150، وشرح الرّضيّ 1/270، وشرح ألفية ابن معطٍ 2/894، 895، وأوضح المسالك 1/203، وابن عقيل 1/288 ـ 292، والتّصريح 1/199، والهمع 2/118 - 120، والأشمونيّ 1/252 - 254.

(1/484)


تَعَزَّ فَلاَ شَيْءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيًا ... وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِيَا1
وقول2 الآخر:
مَنْ صَدَّ عَنْ نِيْرَانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ3
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
و (تعزّ) : تصبّر وتسلّ. و (وزر) : ملجأ. و (واقيًا) : حافظًا وراعيًا.
والشّاهد فيه: (لا شيء باقيًا) و (لا وزر واقيًا) حيث أعمَل (لا) النّافية عمل (ليس) في الموضعين، واسمها وخبرها نكرتان.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 1/216، وابن النّاظم 150، والجنى الدّاني 292، وأوضح المسالك 1/204، وتخليص الشّواهد 294، وابن عقيل 1/289، والمقاصد النّحويّة 2/102، والتّصريح 1/199، والهمع2/119، والأشمونيّ 1/253.
2 في أ: وقال.
3 هذا بيتٌ من مجزوء الكامل، وهو لسعد بن مالك القيسيّ.
والشّاهد فيه: (لا براح) حيث أعمل (لا) عمل (ليس) ؛ فرفع اسمها - براح - وحذف خبرها.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/58، والمقتضب 4/360، وأمالي ابن الشّجريّ 1/431، والإنصاف 1/367، وشرح المفصّل 1/108، 109، وابن النّاظم 150، ورصف المباني 337، والمغني 315، والتّصريح 1/199، والخزانة 1/467.

(1/485)


أراد: لا بَراح لي.
وقد تُزاد التّاء مع (لا) 1لتأنيث اللّفظ، والمبالغة في معناه2؛ فتعمل العمل المذكور في أسماء الأحيان لا غير، نحو: (حينٍ) و (ساعةٍ) و (أوانٍ) 3.
____________________
1 أي: النّافية.
2 الّذي ذكره الشّارح هو مذهب الأخفش والجمهور.
وقيل: إنّها مركَّبةٌ من (لا) والتّاء؛ فلو سمّيت بها حكيتْ.
وذهب أبو عبيد القاسم بن سلاّم وابن الطّراوة إلى أنّها كلمة وبعضُ أخرى، أصلُها: (لا تحين) التّاء متّصلة بـ (حين) .
وذهب ابن أبي الرّبيع إلى أنّ الأصل في (لات) : (ليس) ، فقُلِبَتْ ياؤها ألِفًا، وأُبدلت سينُها تاءً كراهةَ أن تلتبس بحرف التّمنّي.
الملخّص 1/272، 273، والبسيط 2/753.
وتُنظر هذه المسألة في: الإنصاف 1/108، وشرح الرّضيّ 1/271، والجنى الدّاني 485، 486، والارتشاف 2/111، والمغني 334، والتّصريح 1/199، 200، والهمع 2/121.
3 هذا مذهب ابن مالكٍ، وابنه.
يُنظر: شرح التّسهيل 1/377، وشرح الكافية الشّافية 1/443، وابن النّاظم 151.
وذهب سيبويه والجمهور إلى أنّها تعمل العمل المذكور، وهو عمل (ليس) في لفظ (الحين) خاصّة. الكتاب 1/57.
وقيل: إنّها لا تعمل شيئًا؛ فإنْ ولِيَها مرفوع فمبتدأ حذف خبره؛ أو منصوب فمعمول لفعلٍ محذوف؛ وهذا أحدُ قولي الأخفش.
والقول الثّاني: أنها تعمل عمل (إنّ) وهي للنّفي العامّ.
وقيل: إنّها حرف جرّ تخفض أسماء الزّمان. قاله الفرّاء. معاني القرآن 2/397، 398.
وتُنظر هذه المسألة في: شرح الرّضيّ 1/271، والجنى الدّاني 488، والارتشاف 2/111، والمغني 335، والتّصريح 1/200.

(1/486)


والأعرف - حينئذٍ - في1 ذلك حذف2 الاسم، كقوله تعالى: {وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصٍ} 3.
المعنى: ليس هذا الحين حين مَنَاصٍ، أي: فِرَارٍ4.
____________________
1 في أ: وذلك.
2 في كلتا النسختين: بحذف والتصويب من ابن الناظم 151.
3 من الآية: 3 من سورة ص.
4 وقد قرئ شذوذًا: {وَلاَتَ حِينُ مَنَاص} برفع (الحين) على أنه اسم (لات) ، والخبر محذوف؛ والتّقدير: ولات حينُ مناص كائنًا لهم.
وقُرئ - أيضًا -: {وَلاَتَ حِينِ مَنَاصٍ} بخفض (حين) ؛ فزعم الفرّاء أنّ (لات) تستعمل حرفا جارًّا لاسم الزّمان خاصّة.
فتحصّل في (حين) ثلاثُ قراءات: الرّفع، والنّصب، والجرّ؛ وفي الرّفع ثلاثة أقوال: إما على الابتداء، أو على الاسميّة لـ (لات) إنْ كانت عاملة عمل ليس، أو على الخبريّة لها إنْ كانت عاملةً عمل (إنّ) .
وفي النّصب ثلاثةُ أقوال - أيضًا -: إما على الاسميّة لـ (لات) إنْ كانتْ عاملة عمل (إنّ) ، أو على الخبرية لها إنْ كانت عاملة عمل (ليس) ، أو على أنّه مفعولٌ بفعلٍ محذوف تقديرُه: لا أرى حين مناص.
وفي الخفض وجهٌ واجد.
يُنظر: مختصر في شواذ القرآن 129، ومعاني القرآن للفرّاء 2/397، 398، وشرح الكافية الشّافية 1/442، 443، وأوضح المسالك 1/205، وابن عقيل 1/294.

(1/487)


قال الشّاعر:
نَدِمَ البُغَاةُ وَلاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ ... وَالْبَغْيُ مَرْتَعُ1 مُبْتَغِيْهِ وَخِيمُ2
وقد تكون ناصبةً للاسم، رافعةً للخبر، حملاً على (إِنَّ) في العمل؛ لأنَّ (إِنَّ) لتوكيد الإيجاب، و (لا) لتوكيد النّفي؛ فهي ضدّها، [77/أ]
____________________
1 في ب: مصرع.
2 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لمحمّد بن عيسى بن طلحة، أو للمهلهل بن مالك الكنانيّ، أو لرجلٍ من طيّء.
و (البُغاة) : جمع باغ، والباغي: الّذي يتجاوز قدره. (ولات ساعة مندَم) : أي وليست السّاعة ساعة ندامة. و (مرتع) : اسم مكان من رتع في المكان جعله ملهىً وملعبًا. و (وخيم) : ثقيل.
والشّاهد فيه: (ولات سَاعةَ مندمِ) حيث حذف اسم (لات) وهو الأعرف.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 1/443، وشرح التّسهيل 1/377، وابن النّاظم 151، وتخليص الشّواهد 294، وابن عقيل 1/295، والمقاصد النّحويّة 2/146، والهمع 2/122، والأشمونيّ 1/255، والخزانة 4/168.
وقد استشهد الشّارحُ ـ رحمه الله ـ لـ (حين) و (ساعة) ؛ وبقي (أوان) ، والشّاهدُ عليها قولُ الشّاعر:
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءُ
يُنظر: شرح التّسهيل 1/377، 378، وابن النّاظم 151.

(1/488)


والشّيء يُحمل1 على ضدّه، كما يُحمل2 على نظيره.
وتكون النّكرة بعدها مُضافةً، كقولك: (لا طالبَ جَهْلٍ مشكورٌ) ، أو شبيهةً بالمضافة3، كقولك: (لا جاهلاً قُربه مقصود) .
فإنْ كانت النّكرة مُفْرَدةً غير مُضافَةٍ، ولا شبيهة به، بنيت على الفتح لتركيبها4مع (لا) تركيب5 خمسة عشر6؛ ولتضمّنها معنى (مِنْ) الجنسيّة، بدليل ظهورها في قول الشّاعر:
فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِه ... وَقَالَ: أَلاَ لاَ مِنْ سَبِيْلٍ إِلَى هِنْدِ7
فتقول من ذلك ناوِيًا استغراق8 الجنس: (لا رجل في الدّار) .
____________________
1 في ب: يعمل عمل ضدّه، وهو تحريف.
2 في ب: كما يعمل عمل نظيره، وهو تحريف.
3 في أ: بالمضاف.
4 في أ: كتركيبها.
5 في كلتا النسختين: كتركيب، وما أثبته هو الأولى.
6 في ب: عشره، وهو سهو.
7 هذا بيتٌ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
و (يذود) : يدفع. و (سبيل) : طريق.
والشّاهد فيه: (ألا لا من سبيل) حيث ظهرت (مِنْ) بعد (لا) فدلَّ ذلك على أنّ اسم (لا) إذا لم تُذكر معه (مِنْ) فهو متضمّنٌ معناها.
يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 2/54، وابن النّاظم 186، واللّسان (ألا) 15/434، والجنى الدّاني 292، وأوضح المسالك 1/281، وتخليص الشّواهد 396، والمقاصد النّحويّة 2/332، والتّصريح 1/239.
8 في ب: للاستغراق.

(1/489)


وَإِنْ بَدَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضُ ... فَارْفَعْ وَقُلْ: لاَ لأَبِيكَ مُبْغِضُ
فَإِنْ فَصَلَ بينها وبين النّكرة فاصل عادَ إلى أصله وهو الإعراب1، وزال عنه ما عرض له من البناء، كقوله تعالى: {لاَ فِيْهَا غَوْلٌ} 2.
وَارْفَعْ إِذَا كَرَّرْتَ نَفْيًا وَانْصِبِ ... وَغَايِرِ3 الإِعْرَابَ فِيهِ4 تُصِبِ
تَقُولُ: لاَ بَيْعٌ وَلاَ خِلاَلُ ... فِيهِ وَلاَ عَيْبٌ5وَلاَ إِخْلاَلُ
[وَالرَّفْعُ فِي الثَّانِي وَفَتْحُ الأَوّلِ ... قَدْ جَازَ وَالْعَكْسُ كَذَاكَ فَافْعَلِ] 6
وَإِنْ تَشَأْ فَانْصِبْهُمَا7 جَمِيعَا ... وَلاَ تَخَفْ رَدًّا وَلاَ تَقْرِيعَا
[77/ب]
____________________
1 من شروط عمل (لا) عمل (إن) : ألاّ يفصل بينها وبين اسمها فاصل، ولا خبرها؛ فإنْ فصل بينهما أهملت كما في الآية.
2 من الآية: 47 من سورة الصّافّات.
3 في متن الملحة 29، وشرح الملحة 222: أَوْ غَايِرِ الإِعْرَابَ.
4 في ب: فيها.
5 في كلتا النّسختين: ولا بيع، والتّصويب من متن الملحة 34، وشرح الملحة 222.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من كلتا النّسختين؛ وإكمالُه من متن الملحة 30، وشرح الملحة 222.
7 في متن الملحة 30: وَإِنْ تَشَأْ فَافْتَحْهُمَا.

(1/490)


فصل:
يجوز إذا عطفت النّكرةعلى اسم (لا) في العمل خمسة أوجه1ٍ؛ لأنّ العطف يصحّ معه2إلغاء (لا) وإعمالها؛ فإن أعملت الأولى فتحت الاسم بعدها، وجاز لك في الثّاني ثلاثة أوجُهٍ:
الأوّل: الفتح على إعمال (لا) 3 الثّانية؛ مثالُه: (لا حول ولا قوّة إلا بالله) ، وكقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 4.
الثّاني: النّصب على جعلها مؤكّدة، وعطف الاسم بعدها على محلّ الاسم قبلها؛ مثالُه: (لا حولَ ولا قوّةً) ، ومنه قولُ الشّاعر:
لاَ نَسَبَ الْيَوْمَ وَلاَ خُلَّةً ... اتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ5
____________________
1 يقصد أنّك إذا عطفت النّكرة المفردة على اسم (لا) وكرّرت (لا) جاز خمسة أوجُه.
2 في ب: مع.
3 في أ: إلاّ.
4 من الآية: 197 من سورة البقرة.
5 هذا بيتٌ من السّريع، وهو لأنس بن العبّاس بن مرداس السّلميّ، وقيل: لأبي عامر جّد العبّاس بن مرداس السّلميّ.
والشّاهد فيه: (ولا خلّة) حيث نصب على تقدير أن تكون (لا) زائدة للتّأكيد، ويكون (خلّة) معطوفًا بالواو على محلّ اسم (لا) وهو (نَسَب) .
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/258، والأصول 1/403، واللّمع 98، وشرح المفصّل 2/113، وشرح الجمل 2/275، والارتشاف 2/172، وأوضح المسالك 1/287، والمقاصد النّحويّة 2/351، والتّصريح 1/241.

(1/491)


الثّالث1: الرّفع على أحد وجهين2؛ إلغاء (لا) ، أوزيادتها3 وعطف الاسم على محلّ (لا) الأولى مع اسمها؛ فإنّ موضعها رفع بالابتداء؛ مثالُه: (لا حولَ ولا قوّةٌ إلاّ بالله) ، و [منه] 4 قولُ الشّاعر:
هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصَّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لاَ أُمَّ لِي - إِنْ كَانَ ذَاكَ - وَلاَ أَبُ5
فلم6 ينوّن لأجل القافية. [78/أ]
____________________
1 في ب: والثّالث.
2 ويجوز وجه ثالثٌ: وهو أنْ تكون (لا) الثّانية عاملة عمل (ليس) .
يُنظر: ابن النّاظم 188، وابن عقيل 367، والتّصريح 1/242، والأشمونيّ 2/10.
3 في أ: وزيادتها.
4 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
5 هذا بيتٌ من الكامل، واختلف في نسبته فقيل: لرجل من مذحج، وقيل: لهمّام بن مرّة، وقيل: لرجلٍ من بني عبد مناة، وقيل: لهُنّى بن أحمر، وقيل: لضمرة بن ضمرة، وقيل: لزرافة الباهليّ.
و (العَمْر) - بفتح فسكون -: الحياة. و (الصّغار) الذّلّ والهوان.
والشّاهد فيه: (ولا أبُ) حيث جاء مرفوعًا، ورفعه على أحد الوجهين اللذين ذكرهما الشارح؛ ويجوز فيه وجهٌ ثالثٌ، وهو أن تكون (لا) الثانية عاملة عمل (ليس) ، و (أب) اسمها، وخبرها محذوف.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/292، ومعاني القرآن للفرّاء 1/121، والمقتضب 4/371، والأصول 1/386، والجمل 239، واللّمع 99، والمقتصد 2/804، وشرح المفصّل 2/110، وابن النّاظم 189، وتخليص الشّواهد 405، 408.
6 في ب: ولم ينوّنا.

(1/492)


وإنْ ألغيتَ الأولى1 رفعتَ الاسم بعدها، وجاز لك في الثّاني وجهان:
أحدهما: الفتح على إعمال (لا) الثّانية؛ مثالُه: (لا حولٌ ولا قوّةَ إلاَّ بِالله) ، ومنه قولُ الشّاعر:
فَلاَ لَغْوٌ وَلاَ تَأْثِيمَ فِيهَا ... وَمَا فَاهُوا بِهِ أَبَدًا مُقِيمُ2
الثّاني: الرّفع على إلغاء (لا) ، أو زيادتها وعطف الاسم بعدها على ما قبلها؛ مثالُه: (لا حولٌ ولا قوّةٌ إلاَّ بالله) ، ومنه قولُ الشّاعر:
وَمَا هَجَرْتُكِ حَتَّى قُلْتِ مُعْلِنَةً ... لاَ نَاقَةٌ لِي فِي3 هَذَا وَلاَ جَمَلُ4
____________________
1 في أ: وإن ألغيت لا.
2 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لأميّة بن أبي الصّلت، وهو ملفّقٌ من بيتين، وصوابُ الإنشاد - كما في الدّيوان 475، 477 - هكذا:
وَلاَ لَغْوٌ وَلاَ تَأْثِيمَ فِيهَا ... وَلاَ غَوْلٌ وَلاَ فِيهَا مُلِيمُ
وَفِيهَا لَحْمُ سَاهِرَةٍ وبَحْرٍ ... وَمَا فَاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ
و (السّاهرة) : هي الأرض، وهي في مقابِلة البحر. والأبياتُ في وصف نعيم أهل الجنّة.
والشّاهد فيه: (فَلاَ لَغْوٌ وَلاَ تَأْثِيمُ) حيث رفع الاسم الواقع بعد (لا) الأولى؛ على أنّها ملغاة؛ وفتح الاسم الواقع بعد (لا) الثّانية على أنّها نافية للجنس، عاملة عمل (إنّ) .
يُنظر هذا البيت في: معاني القرآن للفرّاء 1/121، واللّمع 99، وشرح الكافية الشّافية 1/525، وابن النّاظم 189، وتخليص الشّواهد 406، 411، وابن عقيل 1/369، والمقاصد النّحويّة 2/346، والتّصريح 1/241، والخزانة 4/494، والدّيوان 475، 477.
3 في أ: فيها.
4 هذا بيتٌ من البسيط، وهو للرّاعي النّميريّ.
والشّاهد فيه: (لا ناقةٌ لي في هذا ولا جَمَلُ) حيث رفع الاسم الواقع بعد (لا) الأولى؛ على أنّها ملغاة؛ ورفع الاسم الواقع بعد (لا) الثّانية على أنّها زائدة، والاسم بعدها معطوفٌ على الاسم الّذي بعد (لا) الأولى؛ أو على أنّها ملغاة، والاسم بعدها مرفوع بالابتداء وخبره محذوف.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 2/295، ومجالس ثعلب 1/28، واللّمع 98، وشرح المفصّل 2/111، 113، وشرح التّحفة الورديّة 165، وتخليص الشّواهد 405، والمقاصد النّحويّة 2/336، والتّصريح 1/241، والدّيوان 198.

(1/493)


ولا يجوز نصب الثّاني ورفع الأوّل؛ لأنَّ (لا) الثّانية إنْ أعملت1 وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح؛ لأنّه مفرد، وإن لم تعملها وجب فيه الرّفع؛ لعدم نصب المعطوف عليه لفظًا ومحلاًّ.
____________________
1 في ب: إن عملت.

(1/494)


فصل:
وإذا وُصِفَ1 اسم (لا) المبنيّ معها على الفتح بصفةٍ مفردة متّصلة؛ جاز فيها ثلاثة أوجهٍ:
البناء على الفتح، كقولك: (لا رجلَ ظريفَ فيها) .
والنّصب، نحو: (لا رجلَ ظريفًا فيها) .
والرّفع، نحو: (لا رجل ظريفٌ فيها) .
فالبناء على أنّه رُكّب الموصوف مع الصّفة تركيب خمسة عشر، ثم دخلت (لا) عليها، والنّصب على اتباع [الصّفة] 2 محلّ اسم3 (لا) ، والرّفع على اتباعها لمحلّ (لا) مع اسمها. [78/ب]
وإنْ فصل النّعت عن اسم (لا) تعذّر بناؤها على الفتح؛ لزوال التّركيب بالفصل، وجاز النّصب، نحو: (لا رجلَ فيها ظريفًا) ، والرّفع أيضًا، نحو: (لا رجل فيها ظريفٌ) ، وكذلك إذا كان النّعت غير مفرَد؛ تقول: (لا رجلَ قبيحًا فعله عندك) 4.
فإن عطفت على اسم (لا) بدون تكرارها امتنع إلغاء (لا) ، وجاز في المعطوف الرّفع بالعطف على موضع (لا) مع اسمها؛
____________________
1 في ب: إذا وصفت.
2 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق، وهي من ابن النّاظم.
3 في أ: المحلّ لاسم الا، وهو تحريف.
4 وكذلك: (لا رجلَ قبيحٌ فعله عندك) .

(1/495)


نحو: (لا رجل وامرأةٌ في الدّار) ، والنّصبُ بالعطف على [موضع] 1 اسم (لا) 2، ومنه قولُ الشّاعر:
فَلاَ أَبَ وَابْنًا مِثْلَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ ... إِذَا هُوَ بِالمَجْدِ اِرْتَدَى وَتَأَزّرَا3
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، وهي من ابن النّاظم.
2 ولا يجوز بناء المعطوف على الفتح؛ لأجل فصل العاطف، وقد حكى الأخفش: (لا رجل وامرأةَ فيها) بالبناء على الفتح، وهو شاذّ؛ مخرّج على أنه ركّب المعطوف مع (لا) فبني، ثم حذفت، وأبقي حكمها.
يُنظر: شرح المفصّل 2/110، وابن النّاظم 191، وأوضح المسالك 1/289، 290، وابن عقيل 1/373، والتّصريح 1/243.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لرجل من بني عبد مناة بن كِنانة، يمدح فيه مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان؛ ويُنسب للفرزدق - وليس في ديوانه -، كما يُنسب لغيرهما.
و (المجد) : العزّ والشّرف. و (ارتدى) : لَبِسَ الرّداء، وهو ما يستُر النّصف الأعلى. و (تأزّر) : لَبِسَ الإزار وهو الثّوب الّذي يستر النّصف الأسفل؛ والارتداء والاتّزار بالمجد كِناية عن غاية الكرم ونهاية الجُود، فكأنّهما متلبّسان به لا يفارقانه.
والشّاهد فيه: (فلا أبَ وابنًا) حيث عطف على اسم (لا) النّافية للجنس ولم يكرِّرها؛ وجاء بالمعطوف منصوبًا؛ لأنّه عطفه على محلّ اسم (لا) ؛ وهو مبنيّ على الفتح في محلّ نصب؛ ويجوز فيه الرّفع، ووجهه أن يكون معطوفًا على محلّ (لا) مع اسمها، فإنّهما معًا في محلّ رفع بالابتداء.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/285، ومعاني القرآن للفرّاء 1/120، والمقتضب 4/372، واللّمع 99، وشرح المفصّل 2/101، 110، وابن النّاظم 191، وتخليص الشّواهد 413، والمقاصد النّحويّة 2/355، والتّصريح 1/243، والخزانة 4/67.

(1/496)


وتدخل همزة الاستفهام على (لا) النّافية للجنس؛ فيبقى ما كان لها1 من العمل، وجواز الإلغاء إذا كرّرت، والاتباع لاسمها على محلّه [من النّصب، أو على محلّ (لا) معه] 2 من الابتداء.
وأكثر ما يجيء ذلك إذا قُصد بالاستفهام التّوبيخ والإنكار، كقوله:
أَلاَ ارْعِوَاءَ لِمَنْ وَلَّتْ شَبِيْبَتُهُ ... وَآذَنَتْ بِمَشِيْبٍ بَعْدَهُ هَرَمُ؟ 3
وقد يجيء ذلك؛ والمراد مجرّد الاستفهام عن النّفي، كقول الشّاعر: [79/أ]
أَلاَ اصْطِبَارَ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ؟ ... إِذَا أُلاَقِي الَّذِي لاَقَاهُ أَمْثَالِي4
____________________
1 في أ: فيبقى مالا.
2 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق وهي من ابن الناظم.
3 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائله.
و (ارعواء) : انكفاف وانزجار. (وَلَّتْ) : أدبرت. (وآذنت) : أعلمت.
والشّاهد فيه: (ألا ارعواء) حيث قصد بالهمزة التّوبيخ والإنكار مع إبقاء عمل (لا) النافية للجنس كما لو كانت مجرّدة من الهمزة.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 1/319، وابن النّاظم 192، وتخليص الشّواهد 414، والمغني 96، وابن عقيل 1/375، والمقاصد النّحويّة2/360، والتّصريح 1/245، والهمع 2/205، والأشمونيّ 2/14.
4 هذا بيتٌ من البسيط، ويُنسب لمجنون بني عامر قيس بن الملوّح، والّذين نسبوه إليه قَدْ رَوَوْا صدره على وجهٍ آخر، وهو:
أَلاَ اصْطِبَارَ لِلَيْلَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ؟
و (اصطبار) : تصبّر وتجلّد. و (لا قاهُ أمثالي) : كناية عن الموت.
والشّاهد فيه: (ألا اصطبار) حيث عامل (لا) بعد دخول همزة الاستفهام، بمثل ما كان يعاملها قبل دخولها؛ والمراد بالهمزة: الاستفهام، ومن (لا) : النّفي؛ فيكون معنى الحرفين معًا الاستفهام عن النّفي.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/320، وابن النّاظم 192، والجنى الدّاني 384، والمغني 97، وابن عقيل 1/375، والمقاصد النّحويّة 2/358، والتّصريح 1/244، والهمع 2/205، والخزانة 4/70، والدّيوان 228.

(1/497)


وقد يُراد بالاستفهام1التّمنّي2، كقوله:
أَلاَ عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ3 ... ...............................
____________________
1 في كلتا النّسختين: بالاسم، وهو تحريف؛ والتّصويب من ابن النّاظم 192.
2 مذهب سيبويه، والخليل، والجرميّ أنّ (ألا) هذه ملاحظ فيها معنى الفعل والحرف؛ فهي بمنزلة (أتمنّى) فلا خبر لها، وبمنزلة (ليتَ) فلا يجوز مراعاة محلّها مع اسمها، ولا إلغاؤها إذا تكرّرت.
وخالفهم المازنيّ فجعلها كالمجرّدة من همزة الاستفهام.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 2/307، والمقتضب 4/383، والأصول 1/397، وشرح المفصّل 7/48، وشرح الكافية الشّافية 1/534، وشرح الرّضيّ 1/261، 262، وأوضح المسالك 1/293، والتّصريح 2/205، 206، والأشمونيّ 2/15.
3 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزُه:
فَيَرْأَبَ مَا أَثَأتْ يَدُ الغَفَلاَتِ
ولم أقف على قائله.
(ولّى) : أدبر وذهب. (فيرأب) : يُجبر ويُصلح. (أثأت) : صدعت وأفسدت.
والشّاهد فيه: (ألا عمر) حيث أُريد بالاستفهام مع (لا) مجرّد التّمنِّي؛ وهذا كثير.
يُنظر هذا البيت في: شرح عمدة الحافظ 1/318، وابن النّاظم 193، والجنى الدّاني 384، والارتشاف 2/177، والمغني 97، وابن عقيل 1/376، والمقاصد النّحويّة 2/361، والتّصريح 1/245، والخزانة 4/70.

(1/498)


ويجب ذكر خبر (لا) إذا لم يُعْلم1، كقول الشّاعر:
وَرَدَّ جَازِرُهُمْ2 حَرْفًا مُصَرَّمَة ... وَلاَ كَرِيمَ مِنَ الْوِلْدَانِ مَصْبُوحُ3
____________________
1 وإنْ عُلِم التزم حذفه بنو تميم والطّائيّون، وأجاز حذفه وإثباته الحجازيّون.
يُنظر: المفصّل 52، وشرح المفصّل 1/107، وشرح الكافية الشّافية 1/535 - 537، والارتشاف 2/166، 167، وأوضح المسالك 1/294، وابن عقيل1/377، والتّصريح 1/246، والأشمونيّ 2/17.
2 في ب: جازوهم، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من البسيط، وهو لحاتم بن عبد الله الطّائيّ، أو لأبي ذؤيب الهذليّ، أو لرجلٍ جاهليّ من بني النّبيت بن قاسط.
وقد ورد البيتُ هُنا ملفّقًا من بيتين؛ وهما:
وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حَرْفًا مُصَرَّمَةً ... فِي الرَّاْسِ مِنْهَا وَفِي الأَصْلاَءِ تَمْلِيحُ
إِذَا اللِّقَاحُ غَدَتْ مُلْقًى أَصِرَّتُهَا ... وَلاَ كَرِيمَ مِنَ الْوِلْدَانِ مَصْبُوحُ
(جازرهم) الجازر: الّذي ينحر الإبل. و (الحرف) : الإبل النّجيبة الّتي أنضتها الأسفار، شُبِّهت بحرف السّيف في مضائها ونجائها ودقّتها؛ وقيل: هي الضّامِرة الصّلبة، شُبِّهت بحرف الجبل في شدّتها وصلابتها؛ ويُقال: الحرف النّاقة المهزولة. اللّسان (حرف) 9/42. و (المصرّمة) يُقال ناقة مصرّمة: وذلك أن يُصَرَّم طُبْيُها، فيُقْرح عَمْدًا حتى يفسد الإحليل، فلا يخرُج اللّبن، فييبس، وذلك أقوى؛ وقيل: ناقة مُصَرَّمةٌ: هي الّتي صَرَمها الصّرار فوقذّها، وربّما صرمت عَمْدًا لتَسْمَنَ فتُكوى. اللّسان (صرم) 12/338. و (الأصلاء) : جمع صلا، وهو: ما حول الذّنب. و (التّمليح) : شيءٌ من ملح أي: شحم.
والمعنى: أنّهم في جدْب، واللّبن عندهم عزيز، ولا يُسقاهُ الوليد الكريم النّسب، فَضْلاً عن غيره؛ فجازرهم يردّ عليهم من المرعى ما ينحرون للضّيف، إذْ لا لبن عندهم.
والشّاهد فيه: (ولا كريم من الولدان مصبوح) حيث ذكر خبر (لا) وهو: (مصبوح) لأنّه لم يكن ممّا يُعْلم؛ فإذا لم يُعلم يجب ذكره.
ويجوز أن يكون (مصبوح) نعتًا لاسمها محمولاً على الموضع، والخبر محذوف لعلم السّامع، تقديره: موجود.
يُنظر هذان البيتان في: الشّعر والشّعراء 145، وفرحة الأديب 126، وإيضاح شواهد الإيضاح 1/271، وشرح المفصّل 1/107، واللّسان (صرر) 4/452، والمقاصد النّحويّة 2/369، وملحق ديوان حاتم 293، 294.
وورد الشّاهد ملفّقًا من صدر الأوّل وعجز الثّاني في: الكتاب 2/299، والمقتضب 4/370، والأصول 1/385، والإيضاح 240، والتّبصرة 1/392، وأمالي ابن الشّجريّ 2/512، وابن النّاظم 194، والارتشاف 2/166، وتخليص الشّواهد 422، وملحق أشعار الهذليّين 3/1307.

(1/499)


وندَر حذْفُ الاسم وإثبات الخبر في قولهم: (لا عليك) أي: لا بأس عليك.
وتكونُ (لا) نافية للمعرفة، وذلك بتقدير محذوفٍ1، ومنه قولُ الرّاجز2:
لاَ هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ لِلْمَطِيِّ3
____________________
1 قال الرّضيّ في شرحه على الكافية 1/260: "ولتأويله بالمنكر وجهان:
إمّا أن يقدّر مضافٌ هو: (مثل) فلا يتعرّف بالإضافة لتوغُّله في الإبهام، وإنما يُجعل في صورة النّكرة بنزع (اللاّم) ، وإن كان المنفيّ في الحقيقة هو المضاف المذكور الّذي لا يتعرّف بالإضافة إلى أيّ معرفة كان.
وإمّا أن يُجعل العلم لاشتهاره بتلك الخلّة كأنه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى".
2 في ب: الشّاعر.
3 هذا بيتٌ من الرّجز المشطور، ولم أقف على قائله.
و (هيثم) هو: هيثم بن الأشتر، وكان مشهورًا بين العرب بحُسن الصوت في حدائه وبمعرفة البيْداء.
والشّاهد فيه: (لا هيثم) حيث نصب (هيثم) بـ (لا) وهو علم معرفة لتأوّله بالنّكرة؛ لأنّه أراد: لا مثل هيثم.
أو أنّه لاشتهاره صار شائعًا كأنّه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى قبل دخول (لا) عليه.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 2/296، والمقتضب 4/362، والأصول1/382، وتحصيل عين الذّهب 350، والمفصّل 106، وأمالي ابن الشّجريّ 1/365، وأسرار العربيّة 250، وشرح المفصّل 2/103، وشرح الكافية الشّافية 1/530، وشرح الرّضيّ 1/260، والملخّص 507، والخزانة 4/57.

(1/500)


ومن ذلك قيل: (قَضِيَّةٌ وَلاَ أَبَا حَسَنٍ لَهَا) 1.
فإنّما القصد فيه إلى عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -2، وتقدير الكلام: لا مِثل عليّ، ولا مثل الهيثم؛ لأنّ (لا) لا تنصب إلا نكرة - كما تقدّم -، وجواز ذلك بتقدير: مثل.
__________
1 قال الرّضيّ في شرح الكافية 1/260: "معنى قضيّة ولا أبا حسن لها: لا فيصل لها؛ إذْ هو ـ كرّم الله وجهه ـ كان فيصلاً في الحُكومات على ما قالِ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -: "أَقْضَاكُمْ عَلَيّ" فصار اسمُه - رضي الله تعالى عنه - كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع كلفظ (الفيصل) . وعلى هذا يمكن وصفُه بالمنكّر؛ وهذا كما قالوا: (لكلّ فرعون موسى) أي: لكلّ جبّار قهّار؛ فيصرف (فرعون) و (موسى) لتنكيرهما بالمعنى المذكور".
ويُنظر هذا القولُ في: الكتاب 2/297، والمقتضب 4/363، وأمالي ابن الشّجريّ 1/366، وشرح المفصّل 4/123، وشرح الكافية الشّافية 1/530، وتخليص الشّواهد 401.
وجاءت الرّواية في الكتاب والأمالي بطرح (لها) .
2 في أ: عليه السّلام.

(1/501)


بَابُ التَّعَجُّبِ:
وَتُنْصَبُ الأَسْمَاءُ فِي التَّعَجُّبِ ... نَصْبَ الْمَفَاعِيلِ فَلاَ تَسْتَعْجِبِ1
تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ زَيْدًا إِذْ خَطَا ... وَمَا أَحَدَّ سَيْفَهُ حِينَ2 سَطَا
التَّعجُّب هو: استعظام فعل فاعلٍ ظاهر المزيّة فيه. [79/ب]
وقيل: إنّ التعجُّب يكون ممّا يظهر معناه، ويخفى سببه، وَيُدَلُّ عليه بصيغ3 مختلفة، كقولك: (كيف تعصي مَن أنتَ تتقلّب في نعمه!) ، وقولهم: (للهِ أنتَ!) ، وقولِ الشّاعر:
وَاهًا لِلَيْلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهَا4
____________________
1 في أ: ولا تستعجب.
2 في أ: إذا سطا.
3 في ب: على صيغ.
4 هذا بيتٌ من الرّجز، وبعده:
هِيَ الْمُنَى لَوْ أَنَّنَا نِلْنَاهَا
يُنسب إلى رؤبة بن العجّاج، كما يُنسب إلى أبي النّجم العجليّ، وروى أبو زيد الأنصاريّ في نوادره 58، 164 أكثر الأبيات الّتي يروونها مع بيت الشّاهد، ونسبها لأبي الغول الطّهويّ بعض أهل اليمن.
(واهًا) : كلمة يقولها المتعجِّب؛ فإذا تعجّبتَ من طيب شيء قلتَ: (واهًا له ما أطيَبَه) ؛ وكلمة (واهًا) هُنا اسم بمعنى أعجب.
يُنظر هذا البيتُ في: مجالس ثعلب 1/228، وشرح المفصّل 4/72، وشرح الكافية الشّافية 2/1076، وابن النّاظم 455، وأوضح المسالك 3/181، والمقاصد النّحويّة 1/133، 3/636، والتّصريح 2/197، والأشمونيّ 3/17، والخزانة 7/455، وملحق ديوان رؤبة 168.

(1/503)


وقول الآخر:
................................... ... يَا جَارَتَا1 مَا أَنْتِ جَارَهْ! 2
وقولك3لمن أنكرتَ منه حالاً ما: (سبحان اللهِ ما أعلمُ منك هذا!) .
والأشهر في استعماله بصيغتين4:
أحدهما: (مَا أَفْعَلَهُ!) ، والأُخرى: (أَفْعِلْ بِهِ!) .
____________________
1 في ب: حارتنا، وهو تحريف.
2 هذا نصف بيتٍ من مجزوء الكامل؛ وهو للأعشى الكبير؛ ومن العلماء مَن جعل هذا عجز البيت، وجعل صدره:
بَانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَارَهْ
ومنهم مَن عكس؛ فجعل المذكور في الكتاب صدرًا، وجعل الّذي ذكرناه عجزًا؛ وهو المثبت في الدّيوان.
و (بانتْ) : فارقتْ. (وَعَفَارَهْ) : اسمُ امرأة.
والشّاهد فيه: (ما أنت جاره) حيث يدلّ على التّعجُّب، إذ التّقدير: عظمت من جارة.
يُنظر هذا البيت في: الصّاحبيّ 270، والمقرّب 1/165، وشرح عمدة الحافظ 1/435، وابن النّاظم 455، ورصف المباني 513، وشرح شذور الذّهب 243، وابن عقيل 1/605، والأشمونيّ 3/17، والخزانة 3/308 - 310، 5/486، 488، والدّيوان 153.
3 في أ: وكقولك.
4 هُما صيغتاه القياسيّتان؛ وما عداهُما سماعيّ كالأمثلة الّتي ذكرها الشّارح؛ وهما اللّتان عقد النُّحاة (باب التّعجُّب) لبيانهما؛ لاطّرادهَما في كلّ معنىً يصحّ التّعجُّب منه؛ ولم يُبوّب لغيرهما من الصّيغ السّابقة؛ لأنّ تلك الصّيغ لم تدلّ على التّعجُّب بالوضع، بل بالقرينة.

(1/504)


وتقول مِن ذلك: (مَا أَحْسَنَ زَيْدًا!) و (أَحْسِنْ بِهِ!) .
فـ (ما) عند سيبويه1 نكِرة غير موصوفة، في موضع رفع بالابتداء؛ وساغ الابتداء بها2؛ لأنّها في تقدير: التّخصيص3.
والمعنى: شيءٌ عظيمٌ أحسنَ4 زيدًا، أي: جعلهُ حسنًا؛ وهذا كقولهم: (شيءٌ جاء بك) و (شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ) 5.
و (أَحْسَنَ) : فعلٌ ماضٍ6، لا يتصرّف7، مسندٌ إلى ضمير (ما) ؛
____________________
1 رأيُه في الكتاب 1/72 حيث قال: "هذا بابُ ما يعمل عمل الفعل ولم يَجر مجرى الفعل ولم يتمكّن تمكُّنه؛ وذلك قولُك: ما أحسن عبد الله. زعم الخليل أنّه بمنزلة قولك: شيءٌ أحسن عبد الله، ودخله معنى التّعجُّب". وهو مذهب جمهور البصريّين.
وما بعد (ما) من الجملة الفعليّة خبر؛ فموضعه رفع.
يُنظر: المقتضب 4/173، والأصول 1/99، والتّبصرة 1/265، وأسرار العربيّة 112، وشرح المفصّل 7/142، 149، وشرح التّسهيل 3/31، وابن النّاظم 456، والتّصريح 2/87.
2 في أ: الابتداها.
3 مُرادُ الشّارح بهذا: أنّ هذا التّخصيص مقيّدٌ بالتّعجُّب؛ لأنّه لا معنى لـ (ما) هُنا إلا التّعجُّب؛ سيق لأجل هذا.
4 في ب: حسّن.
5 هذا مثلٌ يُضربُ في ظُهور أمارات الشّرّ ومَخَايِله؛ كأنّهم سمعوا هرير كلبٍ في وقتٍ لا يهرّ في مثله إلا لسوء، فقالوا ذلك؛ أي: إنّ الكلب إنّما حمله على الهرير شرّ.
يُنظر: مجمع الأمثال 2/172، والمستقصى 2/130.
6 في ب: فعل مكرر.
7 هذا عند البصريّين، والكسائيّ.
تُنظر هذه المسألة مفصّلةً في: الكتاب 1/72، 73، والمقتضب 4/173، والأصول 1/98، 99، والتّبصرة 1/265، وأمالي ابن الشّجريّ 2/381، وأسرار العربيّة 113، والإنصاف، المسألة الخامسة عشرة، 1/126، والتّبيين، المسألة الثّانية والأربعون، 285، وشرح المفصّل 7/142، 143، وشرح التّسهيل 3/31، وأوضح المسالك 2/272،والتّصريح 2/87، والأشمونيّ 3/18.

(1/505)


والدّليل على فعليّته: لزومه متّصلاً بياء المتكلِّم نُونُ الوقايةِ، نحو: (ما أعرفني بكذا!) و (ما أَرْغَبَنِي في عفو الله) .
وقد قيل فيه [80/أ] إنّه اسم1 لمجيئه مُصَغَّرًا في قولِ الشّاعر:
يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلاَنًا شَدَنَّ لَنَا2 ... ........................................
____________________
1 هذا عند بقيّة الكوفيّين.
تُنظر هذه المسألة مفصّلة في: المصادر السّابقة.
2 هذا صدرٌ بيتٍ من البسيط، وعجزه:
مِنْ هَؤُليَّائِكُنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ
وهو للعرجيّ، وقيل: لكثيّر عزّة، وقيل: لمجنون ليلى، وقيل: لغيرهم.
و (شدنّ) أصلُه قولهم: شدن الضّبي يشدن شدونًا: إذا قويَ، وطلع قرناه واستغنى عن أمّه. و (هؤلياء) : تصغير هؤلاء. (والضَّالُ) : شجر السّدر البريّ. و (السَّمُرُ) : شجر الطّلح.
والشّاهد فيه: (أُميلح) فإنّه تصغير (أَمْلَح) ، والتّصغير من خصائص الأسماء؛ ولهذا قال الكوفيّون: إنّ صيغة (أفعل) في التّعجُّب اسم؛ بدليل مجيئها مصغّرة في هذا البيت.
وردّه البصريّون بما ذكره الشّارح تبعاً لابن الناظم.
يُنظر هذا البيت في: التّبصرة 1/272، وأمالي ابن الشّجريّ 2/383، وأسرار العربيّة 115، والإنصاف 1/127، والتّبيين 290، وشرح المفصّل 7/143، وشرح الجمل 1/583، وشرح التّسهيل 3/40، وابن النّاظم 457، وشرح الرّضيّ 2/308، وديوان المجنون 168، وديوان العرجيّ 183.

(1/506)


ولا حجّة في هذا؛ لشذوذه، واحتمال1 أن يكون التّصغير دخله لشبهه بـ (أَفْعَل) التّفضيل لفظًا ومعنىً؛ والشّيء قد يخرج عن بابه لمجرّد الشّبه بغيره2.
وذهب الأخفش3 إلى أنَّ (ما) في نحو: (ما أحسن زيدًا) موصولة،
____________________
1 في ب: فاحتمال.
2 وهُناك ردود أُخرى على احتجاج الكوفيّين - بأنّ أفعل اسم لمجيئه مصغّرًا -؛ منها:
أنّ التّصغير ههنا لفظيّ؛ والمراد به تصغير المصدر لا تصغير الفعل؛ لأنّ هذا الفعل منع من التّصرُّف، والفعل متى مُنع من التّصرُّف لا يؤكّد بذكر المصدر؛ فلمّا أرادوا تصغير المصدر صغّروه بتصغير فعله؛ لأنّه يقوم مقامه، ويدلّ عليه؛ فالتّصغير في الحقيقة للمصدر لا للفعل.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/383 - 388، والإنصاف 1/138 - 142، وأسرار العربيّة 116، والتّبيين 290، والتّصريح 2/88.
3 وهُناك قولٌ آخر له على أنّها نكرة موصوفة بمعنى (شيء) ؛ والجملة بعدها في محلّ رفع صفة لها، والخبر محذوف وُجوبًا تقديره: شيءٌ عظيم.
وروي عنه قولٌ ثالث موافِقٌ لقول سيبويه والجمهور.
ونقل عن الكوفيّين أنّها استفهاميّة.
تُنظر هذه المسألة في: المقتضب 4/177، والمقتصد 1/375، وأسرار العربيّة112، وشرح المفصّل 7/149، وشرح التّسهيل 3/31، 32، وشرح الكافية الشّافية 2/1081، وابن النّاظم 457، والارتشاف 3/33، وأوضح المسالك 2/272، وابن عقيل 2/141، 142، والتّصريح 2/87، والأشمونيّ 3/17، 18.

(1/507)


وهي مبتدأ، و (أحسن) صلته، والخبر محذوف وُجوبًا تقديرُه: الّذي أَحْسَنَ [زَيْدًا] 1 شَيءٌ عظيم.
واحْتَجَّ هو ومَن تابعه: أنّهم لم يجدوا (ما) إذا كانت غير استفهامٍ وغير شرطٍ إلاّ موصولة أو موصوفةً؛ فجعلوها في التّعجُّب موصولة.
وهذا الاستدلال ينتقض بقولهم: (إنِّي مِمّا أَنْ2 أَفْعَلَ) 3 تقديرُه: إِنِّي من الأَمْر فِعْلي.
وقيل: إنَّ4 ما ذهب إليه سيبويه أوْلى؛ لأنَّ (ما) لو كانت موصولةً لَمَا كان حذفُ الخبر واجبًا؛ لأنّه لا يجب حذفُ الخبر إلاَّ إذا عُلِمَ وسدَّ غيره مسدّه؛ وههنا لم يسدّ مسدّ الخبر شيء؛ لأنّه ليس بعد المبتدأ الموصول5 إلاَّ صلته؛ والصّلة من تمام المبتدأ؛ فليست في محلّ خبره،
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في أ: إنّي ممّا أفعل.
3 ينتقض استدلالُهم في حصر (ما) في هذه الأقسام؛ أنّ هُناك قسمًا آخر لـ (ما) ما ذُكِر؛ وعليه فحمل (ما) على أحد الأقسام المذكورة لا يتمّ الاستدلال به؛ لأنّها تحتمل أن تكون القسم الّذي لم يذكروه، وهو أن تكون معرفة تامّة - على ما ذكره السّيرافيّ -.
يُنظر: الجنى الدّاني 340، 341.
4 في أ: إنّه.
5 في أ: الوصول الأصليّة، وهو تحريف.

(1/508)


وإنّما هي1 في محلّ بقيّة حروف الاسم؛ فلا تصلُح2 للسّدّ مسدّ الخبر. [80/ب]
فالمُتَعَجَّبُ منه مَنْصُوبٌ على المفعوليّة، والفاعل لا خلاف3 في أنّه مُضْمَرٌ في (أحسن) ؛ ولا خلاف في أنَّ هذا المُضْمَر لا يظهر قطّ في مُفْرَدٍ ولا تَثْنِيَةٍ ولا جَمْع؛ وكُلمّا أُضْمِر الشّيء وسُتِرَ كان أفخم له، وأَزْيَد في معناه.
ولا خلاف [في] 4 أنّه لا يجوز العطف على ذلك المضمَر، ولا أن يبدل منه، ولا أن يُخبَر عنه.
وأمَّا (أَفْعِلْ) [في] 5 نحو: (أَحْسِنْ بزيدٍ) فَفِعْلٌ6: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، وعُدِل عن ذكر الخبر لاحتماله الصّدق والكذب؛ والأمرُ ليس كذلك؛ فكان وُرودُه به أبلغ وأفخم؛ وهو مسند إلى المجرور بعده، و (الباء) زائدة7، مثلُه
____________________
1 في أ: إنّ، وهو تحريف.
2 في أ: فلا يصلح، وهو تصحيف.
3 في أ: فلا خلاف، وفي ب: لاختلاف؛ والصّواب ما هو مثبَت.
(في) ساقطةٌ من ب.
(في) ساقطةٌ من ب.
6 أجمع النُّحاة على فعليّة (أَفْعِلْ) لأنّه على صيغة لا تكون إلاّ للفعل؛ فأمّامجيء (إِصْبِعْ) عليها فنادر. التّصريح 2/88.
7 هذا عند جمهور البصريّين.
وذهب الفرّاء، والزّمخشريّ، والزّجّاج، وابن كيسان، وابن خروف إلى أنّ لفظه ومعناه الأمر.
ثم اختلف هؤلاء في فاعله؛ فقال ابن كيسان: إنّه ضمير يعود إلى المصدر، وهو (الحُسْن) ، وقال غيرُه: بل الفاعل ضمير المخاطِب.
تُنظر هذه المسألة في: الأصول 1/99، 101، والمفصّل 367، وشرح المفصّل 7/147، 148، وشرح الجمل 1/588، وشرح التّسهيل 3/33، وشرح الرّضيّ 2/310، والارتشاف 3/34، 35، وأوضح المسالك 2/273، 274، والمساعد 2/149، 150، والتّصريح 2/88، 89، والهمع 5/57، 58، والأشمونيّ 3/18، 19.

(1/509)


[قولُهم] 1: (كفى بزيدٍ رجلاً) 23، وهو في قوّة: (حَسُنَ زَيْدٌ) بمعنى: ما أحسنَهُ4، [و] 5 تقول: (ما أَحْسَنَ زَيْدًا!) فتنصب ما
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 لكن زيادة الباء في هذا المثال ليست لازِمة، بل يجوز تركُها، نحو قولِ الشّاعر:
كَفَى الشَّيْبُ وَالإِسْلاَمُ لِلْمَرْءِ نَاهِيَا
أمّا في (أَحْسِنْ بزيد) فلازمة؛ صونًا للّفظ عن القبح.
إلاّ إذا كان المجرور بها - وهو الفاعل - مصدَرًا مؤوّلاً من (أنّ) أو (أنْ) وصلتهما؛ لاطّراد حذف الجارّ في ذلك، كقول الشّاعر:
وَأَحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ المُقَدَّمَا
أي: بأنْ تكون.
يُنظر: شرح المفصّل 7/148، وشرح الجمل 1/588، وشرح التّسهيل 3/34، 35، والتّصريح 2/88، والأشمونيّ 3/19.
3 بعد المثال (كفى بزيد رجلاً) وردت الجملة التالية في كلتا النّسختين: "فينصب ما بعد أفعل بالمفعوليّة"؛ وهو سهوٌ من النُّسّاخ؛ لأنّها غير مناسِبة للسّياق؛ وسيأتي موضعها المناسِب وهو ما أفعله.
4 في ب: ما أحسن.
5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.

(1/510)


بعد [أَفْعَل] 1 بالمفعوليّة؛ [وهو في] 2 الحقيقة فاعل الفعل المتعجّب منه3، لكن دخلت عليه همزة النّقل، فصار الفاعل مفعولاً بعد إسناد الفعل إلى غيره.
ولا يجوز حذف المتعجّب منه لغير دليل؛ لأنّك لو4قلت: (ما أحسن! وما أجمل!) لم يكن كلامًا5.
وأمّا نحو: (أفعل [به] 6) فلا يُحذف منه المتعجّب منه7 إلاّ إذا دَلَّ على المتعجّب [81/أ] منه دليل؛ وكان المعنى واضحًا عند الحذف8؛ ومنه قولُ عليّ [بن أبي طالب] 9 - رضي الله عنه - 10:
____________________
1 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن النّاظم 459.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 قال ابن النّاظم في شرحه على الألفيّة 459: "والمراد بالمتعجّب منه: المفعول في (ما أفعله!) والمجرور في (أفعل به) ؛ وفيه تَجَوّز؛ لأنّ المتعجّب منه هو فعله لا نفسه، إلاّ أنه حذف منه المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه للدّلالة عليه".
4 في أ: إذا.
5 هذا في: (ما أفعله!) لعرائه إذْ ذاك عن الفائدة؛ لأنّ معناه أنّ شيئًا صيّر الحسن واقعًا على مجهول؛ وهذا ما لا ينكر وُجوده، ولا يُفيد التّحدّث به.
يُنظر: ابن النّاظم 459، والتّصريح 2/90.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 لأنّه الفاعل. يُنظر: ابن النّاظم 459، والتّصريح 2/90.
8 في ب: عند الحذف جاز حذفه.
9 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
10 في أ: كرّم الله وجهه.

(1/511)


جَزَى اللهُ عَنِّي وَالْجَزَاءُ بِلُطْفِهِ ... رَبِيْعَةَ خَيْرًا: مَا أَعَفَّ! وَأَكْرَمَا! 1
وتقول: (أَحْسِنْ بِزَيْدٍ! وَأَجْمِلْ!) بالحذف، كما قال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِم وَأَبْصِرْ} 2.
[و] 3 يسوغ ذلك في (أفعل به) إذا كان معطوفًا على آخر مذكور معه الفاعل4.
وينبغي معرفة الفعل الّذي يبنى منه فعلا التّعجُّب؛ ولذلك5أحكامٌ:
منها: أنّه6 لا يكون منقولاً إلاّ من فعلٍ غير متعدٍّ غالبًا، ثم عُدِّي بالهمزة إلى مفعولٍ، نحو: (ما أظرفَ أباك! وأكرمَ أخاك!) ؛ لأنَّ المتعجّب
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبْلَتْ معه يوم صفّين.
والشّاهد فيه: (ما أعفّ! وأكرما!) حيث حذف المتعجّب منه - وهو المنصوب بعد أَفْعَلَ -؛ لأنّه ضمير يدلّ عليه سياقُ الكلام؛ ولوضوح المعنى والتّقدير: ما أعفّها وأكرمها.
يُنظر هذا البيتُ في: ابن النّاظم 460، وتخليص الشّواهد 291، وأوضح المسالك 2/275، والمقاصد النّحويّة 3/649، والتّصريح 2/88، والهمع 5/59، والأشمونيّ 3/20، والدّرر 5/240، والدّيوان 171.
2 من الآية: 38 من سورة مريم.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 كما في الآية الكريمة السّابقة.
5 في أ: وكذلك، وهو تحريف.
6 في ب: أن.

(1/512)


منه فاعلٌ في الأصل؛ فَوَجَبَ أن يكون فعله غير متعد.
[و] 1منها: أنّه لا يكون منقولاً2إلاَّ من فعلٍ ثُلاثيٍّ، نحو: (ظَرُفَ) و (شَرُفَ) و (عَلِمَ) و (سَمِعَ) ؛ ولا يكون من [فعل] 3 رُباعيٍّ حروفه أصول، نحو: (دحرج) ؛ لأنّ صيغة (أفعل) من هذا هدم لا بِناء4؛ فإن5 كان الرّباعيّ بزوائد6 فإنّه مختلف7 فيه؛
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في ب: مفعولاً، وهو تحريف.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 ولأنّه يؤدّي إلى حذف بعض الأصول، ولا خفاء في إخلاله بالدّلالة.
التّصريح 2/91.
5 في ب: وإن.
6 لأنّه يؤدِّي إلى حذف الزّيادة الدّالّة على معنى مقصود؛ ألا ترى أنّك لو بنيت (أفعل) من (ضارب) و (انطلق) و (استخرج) ، فقلت: (ما أضربه، وأطلَقه، وأخرجه) لفاتت الدّلالة على معنى المشارَكة، والمطاوعة، والطّلب. التّصريح 2/91.
7 اختلف النّحاة في التّعجّب من الرّباعيّ إذا كان بزوائد نحو: (أَكْرَمَ) :
فقيل: يجوز مطلَقًا؛ وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالكٍ.
يُنظر: الكتاب 4/99، 1/72، 73، وشرح التّسهيل 3/46.
وقيل: يمتنع مطلَقًا؛ وهو مذهب المازنيّ، والأخفش، والمبرّد، وابن السّرّاج، والفارسيّ.
يُنظر: الأصول 1/103 ـ 105، والإيضاح 116، وشرح المفصّل 7/144، وشرح الجمل 1/579، 580، وشرح الرّضيّ 2/308، والارتشاف 3/42، والتّصريح 2/91، والأشمونيّ 3/21.
وقيل: بالتّفصيل؛ فيمتنع إنْ كانت همزته للنّقل، نحو: (أذهب) ؛ ويجوز إنْ كانت لغيره، نحو: (ما أظلم اللّيل) و (ما أقفر هذا المكان) ؛ وما شذّ مخالِفًا يُحفظ ولا يقاسُ عليه؛ وهذا قولُ ابن عصفور.
يُنظر: المقرّب 1/73.

(1/513)


[من] 1 نحو: (أَكْرَمَ) و (أَعْطَى) و (أجمل) ؛ فمنهم مَن يُجيز التّعجُّب [به] 2 بتعويضه همزة التعجُّب [عن همزتها] 3، [وحُجّته] 4: ما سمع [من العرب] 5 من قولهم: (ما أيسر6 فلانًا! وما أسنّه!) ؛ ومنهم من لا يُجيز ذلك قياسًا على الرّباعيّ الّذي7حروفه أصول؛ ومنه حكاية الكتاب8: "ما أبغضني [81/ب] له! "، وهو من أبغض يُبغض؛ ووجهه أن يُقدَّر له فعل
ثلاثيّ، كقولك: (بَغُضَ) 9.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 في ب: ما أسرّ، وهو تحريف.
7 في أ: في الّذي.
8 أي: كتاب سيبويه 4/99، 100.
9 قال السّيرافيّ في شرحه على الكتاب جـ 2/ ق 209: "اعلم أنّ سيبويه قد ذكر التّعجُّب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلّم بها العرب؛ والأصل: أنّ المفعول لا يتعجّب منه لعلّتين:
أحدُهما: أنّ دخول الهمزة لنقل الفعل إنّما تدخل على الفاعل، كقولك: (لبس زيدٌ) و (ألبسه عمرو) و (دخل زيد) و (أدخله غيرُه) و (قعد) و (أقعده غيرُه) ؛ ولو قلت: (ضرب زيد) لم تدخُل عليه الهمزة لنقل الفعل؛ وبابُ التّعجُّب باب نقل فيه الفعل عن فاعله إلى فاعلٍ آخر.
والوجه الآخر: أنه لو تعجّب من المفعول لوقع اللّبس بينه وبين الفاعل؛ فقال سيبويه: ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدّر له فعل؛ فإذا قال: (ما أبغضه إليَّ) فكأن فعله: (بَغُضَ) وإن لم يُستعمَل".

(1/514)


وقال ابن بابشَاذ1: "هَا هُنا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ؛ وهي: ما أبغضني له، وما أبغضني إليه، وما أمقتني له، وما أمقتني إليه، وما أحبَّني له، وما أحبّني إليه؛ فكلّ ما كان باللاّم فهو للفاعل، وما كان2 بـ (إلى) فهو للمفعول؛ فإذا قلتَ: ما أبغضني له، فأنت المُبْغِضُ الكارهُ، وإذا قلتَ:
____________________
1 في كلتا النّسختين: ابن باب شاذ.
و (با بشاذ) : كلمةٌ أعجميّة تتضمّن الفرح والسّرور - كما في بُغية الوُعاة 2/17-.
وهو: طاهر بن أحمد بن با بشاذ، أبو الحسن النّحويّ المصريّ: أحدُ الأئمّة في هذا الشّأن، والأعلام في فنون العربيّة وفصاحة اللّسان؛ وهو من حُذّاق نُحاة المصريّين، على مذهب البصريّين؛ ومن مصنّفاته: شرح جمل الزّجّاجيّ، ومقدِّمة سمّاها: المحتسب، وشرحها؛ توفّي سنة (454هـ) .
يُنظر: نزهة الألبّاء 263، وإنباهُ الرُّواة 2/95 - 97، وإشارة التّعيين151، 152، وبُغية الوُعاة 2/17.
2 في ب: فكلّ ما كان.

(1/515)


[ما أبغضني] 1 إليه، فأنت المَبْغُوضُ المَكْرُوه"2.
ولا يبنى إلاَّ من فعل، ثلاثيّ، متصرّف، قابل للتّفاوُت، غير ناقص3 كـ (كان) وأخواتها، ولا ملازم للنّفي4، نحو: (ما عَاجَ زيدٌ بهذا الدَّوَاءِ) أي: ما انتفع به؛ فإنّ العرب لم تستعمله إلاَّ في النّفي؛ فلا5 يبنى منه فعل التّعجّب؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى مخالفة الاستعمال بالخروج من النّفي إلى الإيجاب.
وَإِنْ تَعَجَّبْتَ مِنَ الأَلْوَانِ ... أَوْ عَاهَةٍ تَحْدُثُ فِي الأَبْدَانِ
فَابْنِ لَهُ فِعْلاً مِنَ الثُّلاَثِي ... ثُمَّ اِئْتِ بِاللَّوْنِ وَبِالأَحْدَاثِ6
تَقُولُ: مَا أَنْقَى بَيَاضَ الْعَاجِ ... وَمَا أَشَدَّ ظُلْمَةَ الدَّيَاجِي
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من كلتا النّسختين؛ وهو من شرح الجمل.
2 شرح الجمل جـ1/ ق 80/أ.
3 أي: تامّ.
4 في ب: وملازم النّفي، وهو سهو.
أي: بأن يكون مثبتًا؛ فلا يبنيان من منفيّ؛ سواء كان ملازِمًا للنّفي ـ كما مثَّل ـ، أم غير ملازم كـ (ما قام) .
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/1084، 1085، وأوضح المسالك 2/282، والتّصريح 2/92، والأشمونيّ 3/22.
5 في ب: ولا.
6 في متن الملحة 30:
فَابْنِ لَهَا فِعْلاً مِنَ الثُّلاَثِي ... ثُمَّ ائْتِ بِالأَلْوَانِ وَالأَحْدَاثِ

(1/516)


اعلم أنّه لا يبنى فعل التّعجّب من فعل اسم فاعله على (أَفْعَل) 1، نحو: (شَهِلَ) 2 فهوأَشْهَلُ، وَ (عَوِرَ) فهو أَعْوَرُ، و (عَرِجَ) فهو أَعْرَجُ؛ لأنَّ (أَفْعَلَ) هو لاسم الفاعل ما كان لونًا أو خلقة3. [82/أ]
____________________
1 هُناك شرطٌ آخر من شروط بِناء فعل التّعجُّب لم يذكره الشّارح؛ وهو: أن لا يكون مبنيًّا للمفعول، فلا يبنيان من نحو: (ضُرِبَ) .
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 2/1084، 1085، وأوضح المسالك 2/281، والتّصريح 2/92، والأشمونيّ 3/22.
2 الشُّهْلَةُ في العين: أن يشوب سوادَها زُرقة؛ وقيل: الشّهلة أقلُّ من الزّرق في الحدقة وأحسن منه؛ وقيل: أن يكون سواد العين بين الحُمرة والسّواد. اللّسان (شَهِلَ) 11/373.
3 اختُلف في المنع من ذلك:
فقيل: لأنّ حق صيغة التّعجُّب أن تُبنى من الثُّلاثي المحْض؛ وأكثر أفعال الألوان والخلْق إنّما تجيء على (أَفْعل) بزيادة مثل اللاّم نحو: (اخضرَّ) ، فلم يبن فعلا التّعجّب في الغالب ممّا كان منها ثلاثيًّا إجراءً للأقل مجرى الأكثر.
وقيل: لأنّ الألوان والعُيوب الظّاهرة جَرتْ مجرى الخلْق الثّابتة الّتي لا تزيد ولا تنقص، كـ (اليد) و (الرّجل) وسائر الأعضاء في عدم التّعجُّب منها.
وقيل: لأنّ بناء الوصف من هذا النّوع على (أفعل) لم يُبْنَ منه أفعل تفضيل لئلاّ يلتبس أحدُهما بالآخر؛ ولَمّا امتنع صوغ أفعل التّفضيل منه امتنع صوغ فعلي التّعجّب منه؛ لجريانهما مجرى واحد في أمورٍ كثيرة، وتساويهما في الوزن والمعنى.
يُنظر: شرح التّسهيل 3/45، وابن النّاظم 462، والتّصريح 2/92، 93.

(1/517)


أمّا الألوان1 فتقول: (مَا أَحْمَرَهُ) تريد2: البلادَة؛ وإن قصدتّ اللّون لم يجُز3؛ وكذلك تقول: (مَا أَسْوَدَ زيدًا) من السُّودَدِ4 لا من السَّوَادِ، و (مَا أَبْيَضَ5الطّير) ، و (مَا أَصْفَرَ العبدَ) من الصَّفير، والمكان إذا خلا من قولهم: (صَفِرَ الإناء) إذا خلا6، و (ما أَسْمَرَهُ) من السَّمَر؛ فإن أردتّ بجميع ذلك اللّون لم يجز7.
____________________
1 اختلف النّحاة في العاهات والألوان:
فذهب جمهور البصرييّن إلى أنّه لا يتعجّب من العاهات.
وأجاز ذلك الأخفش، والكسائيّ، وهشام، نحو: (ما أعوره!) .
وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز من الألوان.
وأجاز ذلك الكسائيّ، وهشام مطلَقًا، نحو: (ما أحمره!) .
وأجاز بعضُ الكوفيّين ذلك في السّواد والبياض خاصّة دون سائر الألوان.
تُنظر هذه المسألة في: الأصول 1/104، والإنصاف، المسألة السّادسة عشرة،1/148، وشرح المفصّل 7/146، 147، وشرح الجمل 1/578، والارتشاف 3/45، والمساعد 2/162.
2 في أ: وتريد به البلادة.
3 ولأنّ فعله يزيد على الثّلاثة، نحو: (احْمَرّ) و (احْمَارّ) .
يُنظر: التّبصرة 1/267، وكشف المشكل 1/514، وشرح المفصّل 7/145.
4 السُّوَددُ: الشّرف؛ وقد يُهمز. اللّسان (سود) 3/228.
5 تريد أنّه كثيرُ البَيْض، ولا تقصد اللّون.
6 اللّسان (صفر) 4/461.
7 ولأنّ أفعالها تزيد على الثّلاثة، من نحو: (اسْوَدّ) و (ابْيَضَّ) و (اصْفَرَّ) و (اسْمَرّ) و (اسْوَادّ) و (ابْيَاضّ) و (اصْفَارّ) و (اسْمَارّ) .
يُنظر: التّبصرة 1/267، وكشف المشكل 1/514، وشرح المفصّل 7/145.

(1/518)


وتقول: (ما أرأسَ زيدًا) من الرّئاسة، و (ما أيدَاه) 1 من اليد الّتي هي النّعمة، و (ما أَرْجَله) من الرّجلة، كقولهم: (رَجَلٌ بَيِّن الرُّجْلة) و (رَجِيلٌ) إذا كان قويًّا على المشي2؛ و (ما أوجهه) بمعنى الوجاهة، وكذلك: (ما أجبهه) من قولك: جَبَهَ3، يجبه4؛ فإن أردتّ بشيءٍ5 من ذلك الخلق الثّابتة من6 الجوارح7 كـ (الرّأس) 8 و (اليد) و (الرّجل) و (الوجه) و (الجبهة) لم يجز9.
وتقولُ: (ما أَعْرَجَ زَيدًا) إذا أردتّ عَرَجَ في السُّلَّم10، وكذلك: (ما أَحْوَله) من حال يحول من التّغيّر، و (ما أعمى قلبه11 عن طاعة الله) ؛
____________________
1 في أ: وما ايده.
2 اللّسان (رجل) 11/267، 270.
3 في أ: حبه، وهو تصحيف.
4 في اللّسان (جبه) 13/ 483، 484: "وَجَبَهَ الرّجل يَجْبَهُه جَبْهًا: رَدّه عن حاجته واستقبله بما يكرَه؛ وجَبَهْتُ فلانًا: إذا استقبلته بكلامٍ فيه غِلْظة؛ وجَبَهْتُه بالمكروه: إذا استقبلتَه به؛ والجَبْهَةُ: المَذَلَّة".
5 في أ: بذلك شيئًا من الخلق الثّابتة.
6 في ب: في.
7 في أ: الحوارج، وهو تصحيف.
8 في أ: والرّأس.
9 لأنّه لا يجوز التّعجّب من الخلْقة الثّابتة. يُنظر: كشف المشكل 1/514.
10 وعَرَجَ في الدَّرَجَة والسُّلَّم يعرُج عُرُوجًا، أي: ارتقى. اللّسان (عرج) 2/321.
11 جاز لأنّه لم يُرد به عمى العينين، وإنما أُريد عَمَى القَلب.
يُنظر: كشف المشكل 1/515، وشرح المفصّل 7/146، واللّسان (عمي) 15/95.

(1/519)


فإن أردتّ به العيوب لم يجز1.
فما زاد على الثُّلاثيّ نحو2: (انطلق) والألوان، والعُيوب، والخلق؛ [82/ب] يُتعجّب من جميع ذلك
بـ (أشدّ) و (أشْدِد) وما جرى مجراهما3؛ تقول: (ما أحسن استخراج زيدٍ) و (اشدد بانطلاقه) و (ما أَشَدّ سَوَاده) و (ما أَصْبَح وجهه) و (ما أَخْفَى عرجَه) و (ما أَحْسَنَ حَوَله) .
____________________
1 لأنّه لا يجوز التّعجُّب من العيوب، وكذلك لأنّه لا يقبل التّفاوُت.
يُنظر: كشف المشكل 1/514، واللّسان (عمي) 15/96.
2 في ب: كانطلق.
3 يفصّل النُّحاة في التّعجّب من فاقد أحد الشّروط السّابقة:
فيتوصّل إلى التّعجُّب من الزّائد على ثلاثة، وممّا وصفه على أفعل فعلاء بـ (ما أشَدَّ) ونحوه، ويُنصب مصدرهما بعده؛ أو بـ (أشْدِدْ) ونحوه، ويُجَرُّ مصدرهما بعده بالباء؛ فتقول: (ما أشدَّ انطلاقه أو حُمرته) و (اشدِدْ بها) .
وكذا المنفيّ والمبنيّ للمفعول؛ إلاّ أنّ مصدرهما يكون مُؤوّلاً لا صريحًا، نحو: (ما أكثر أن لا يقوم) و (ما أعظم ما ضُرِبَ) و (أشْدِدْ بهما) .
وأمّا الفعل النّاقص فإنْ قلنا له مصدر فمن النّوع الأوّل، وإلاّ فمن الثّاني، كـ (ما أشدّ كونه جميلاً) أو (ما أكثر ما كان محسنًا) و (اشدد) أو (أكثر بذلك) .
وأمّا الجامد والّذي لا يتفاوت معناه فلا يتعجّب منهما البتّة.
يُنظر: أوضح المسالك 2/282، وغيره من المصادر.
وصرّح ابن النّاظم، والمراديّ، وأبو حيّان بأنّ ما لا يتفاوت معناه داخلٌ في النّوع الأوّل، وأنّه يُقال: (ما أفجع موت زيد) و (أفجع بموت زيد) .
يُنظر: ابن النّاظم 462، وتوضيح المقاصد 3/71، والارتشاف 3/47.

(1/520)


ويجوز في فعل التّعجُّب أن يعمل في ظرفي الزّمان والمكان والحال؛ لأنَّ هذه الأشياء مُبيّنةٌ1 ما قبلها وموضِّحة؛ تقول: (ما أحسن زيدًا ضاحكًا!) و (ما أكرم أباك يوم الخميس!) و (ما أجمل خالدًا عندك!) .
[ولا يجوز] 2 تقديم3 الظّرفين على فعل التّعجُّب؛ وتقدّمه على المتعجّب منه فيه خلاف، والأقيَسُ جوازُه، وكذلك الجارّ والمجرور4؛
____________________
1 في أ: مبينية؛ وفي ب: مبية؛ وكلتاهما محرفة والصواب ما هو مثبت.
2 ما بين المعقوفين ساقط من ب.
3 في ب: تقدّم.
4 لا خلاف في امتناع تقديم معمول فعل التّعجّب عليه؛ فلا تقول: (ما زيدًا أحسن) ولا (بزيد أحسن) .
وكذلك لا يُفصل بينهما بغير الظّرف والجارّ والمجرور؛ فلا تقول: (ما أحسن يا عبد الله زيدًا) .
وأمّا الفصلُ بالظّرف والجارّ والمجرور ففيه خلافٌ مشهور؛ ذكره الشّارح - رحمه الله -.
تُنظر هذه المسألة في: المقتضب 4/178، والتّبصرة 1/268، وشرح المفصّل 7/150، وشرح الكافية الشّافية 2/1096، وشرح التّسهيل 3/40، وشرح الرّضيّ 2/309، وابن النّاظم 464، والارتشاف 3/37، 38، وتوضيح المقاصد 3/72، والمساعد 2/157، وابن عقيل 2/147، 148، والتّصريح 2/90، والهمع /60، 61، والأشمونيّ 3/25.

(1/521)


وسيبويه1 يمنع الفصل، وكذلك الأخفش2، والمبرّد3.وكثيرٌ من البصريّين يُجيز4 ذلك؛ منهم الجرميّ5.
____________________
1 لم أجد هذا الرأي في كتابه.
وقال ابن يعيش 7/150: "فأمّا سيبويه فلم يصرّح في الفصل بشيء، وإنمّا صرّح بمنع التّقديم، فقال: "ولا يجوزُ أن تقدّم (عبد الله) وتؤخّر (ما) ، ولا تزيل شيئًا عن موضعه"؛ فظاهرُ اللّفظ أنّه أراد تقديم (ما) في أوّل الكلام، وإيلاء الفعل، وتأخير المتعجَّب منه بعد الفعل، ولم يتعرّض للفصل بالظّرف".
وما نقله ابن يعيش عن سيبويه موجودٌ بنصّه في الكتاب 1/73.
وقال ابن النّاظم 465: "وليس لسيبويه فيه نصّ".
وكذلك قال الأزهريّ في التّصريح 2/90.
2 يُنظر: شرح المفصّل 2/309، وشرح الكافية الشّافية 2/1098، وشرح الرّضيّ 2/309، وابن النّاظم 464، والارتشاف 3/38.
3 يُنظر: المقتضب 4/178. ونَسب الصّيمريّ هذا الرّأي إلى سيبويه، يُنظر: التّبصرة 1/268.
4 كالمازنيّ، والفارسيّ، وابن خروف، والشّلوبين؛ وارتضاهُ ابن مالك.
يُنظر: البغداديّات 203، 256، وشرح المقدّمة الجزوليّة 2/892، والتّسهيل 131، وشرح التّسهيل 3/42، وشرح الرّضيّ 2/309، والارتشاف 3/38، والمساعد 2/157.
5 يُنظر: شرح المفصّل 7/150، وشرح الكافية الشّافية 2/1098، وشرح الرّضيّ 2/309، وابن النّاظم 464، والارتشاف 3/38.
والجرميّ هو: صالح بن إسحاق، أبو عمر الجرميّ: نحويّ، بصريّ، ممّن اجتمع له صحّة المذهب وصحّة الاعتقاد؛ أخذ عن الأخفش، ويونس؛ ومن مصنّفاته: كتاب الفرخ، وكتاب غريب سيبويه؛ توفّي سنة (225هـ) .
يُنظر: أخبار النّحويّين البصريّين 84، 85، وطبقات النّحويّين واللّغويّين 74، 75، ونزهة الألبّاء 114، وإنباه الرّواة 2/80 - 82، وإشارة التّعيين 145، وبُغية الوُعاة 2/8، 9.

(1/522)


والّذي يدلّ على جوازه1: استعمال العرب له نظمًا ونثْرًا؛ فالنّظم كقول الشّاعر:
وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينَ تَقَدَّمُوا ... وَأحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ2المُقَدَّمَا3
وأمّا النّثر فقول عمرو بن معد يكرب4: "مَا أَحْسَنَ فِي الهَيْجَاءِ لِقَاءَهَا!، وَأَكْثَرَ فِي اللَّزَبَاتِ5 عَطَاءَهَا! "6.
____________________
1 في ب: جواز.
2 في ب: يكون.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للعبّاس بن مرداس - رضي الله تعالى عنه -.
والشّاهدُ فيه: (وأحبب إلينا أن تكون المقدّما) حيث فصل بين فعل التّعجُّب (أحبب) وفاعله الّذي هو المصدر المؤوّل من (أنّ) وما بعدها بالجارّ والمجرور (إلينا) الّذي هو معمولٌ لفعل التّعجُّب؛ وهذا جائزٌ - في الأصحّ - على مذهب النّحويّين.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح التّسهيل 3/35، 41، وشرح الكافية الشّافية 2/1096، وابن النّاظم 465، والارتشاف 3/34، والجنى الدّاني 49، وتوضيح المقاصد 3/74، والمساعد 2/150، والمقاصد النّحويّة 3/656، والتّصريح 2/89، والدّيوان 142.
4 هو: عمرو بن معد يكرب الزّبيديّ: شاعرٌ جاهليّ من الفُرسان، يكنى أبا ثور؛ قدِم على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في وفد زبيد فأسلم - وذلك في سنة تسع -، وشهد القادسيّة واستُشهد فيها.
يُنظر: الشّعر والشّعراء 235، والأغاني 15/200، والاستيعاب 3/279، والإصابة 4/568.
5 في أ: الزّناة، وفي ب: اللّردبات؛ وكلتاهما مُحرّفة؛ والصّواب ما هو مثبَت.
و (اللّزبات) : الشّدائد. اللّسان (لزب) 1/738.
6 يُنظرُ هذا القول في: شرح الجمل 1/587، والمقرّب 1/76، وشرح الكافية الشّافية 2/1097، وشرح التّسهيل 3/40، وابن النّاظم 466، وتوضيح المقاصد 3/73، والمساعد 2/157، وابن عقيل 2/148.
وله قصّة في الدّرر اللّوامع 5/241.

(1/523)


ويختصّ فعلُ التّعجُّب بزيادة (كان) معه دون غيرها من الأفعال، نحو: (ما كان أحسن زيدًا) ؛ وزيدت [لتدلّ] 1على أنَّ المعنى المتعجّب منه [83/أ] كان فيما مضى؛ واختصّت2 بعد ذلك بالعوض ممّا
منع منه فعل التّعجّب من التّصرّف؛ واختصّت3 (كان) بذلك؛ لأنّها أمّ الأفعال؛ فلا ينفكّ4 [فعل] 5 من معناها غالبًا.
والتّعجّب الّذي يأتي بلفظ6 الأمر وليس بأمرٍ؛ لأنَّ معنى7 قولك: (أحسن بزيد) [صار زيد] 8 ذا حسن؛ فإذا كان فِعلاً في اللّفظ وَجَب أن يكون له فاعل؛ وفي الفاعل قولان؛ أصحّهما أنَّ الجارّ والمجرور في موضع الفاعل بمنزلة (كفى بزيدٍ) 9.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في ب: واختصت؛ وفي شرح الجمل: وصارت بذلك كالعوض.
3 في ب: أو خصّت.
4 في أ: فلا تنفكّ، وهو تصحيف.
5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق؛ وهي من شرح الجمل.
6 في أ: بمعنى.
7 في ب: من، وهو تحريف.
8 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
9 وهو مذهب جمهور البصريّين.
يُنظر: الأصول 1/101، وشرح المفصّل 7/148، وشرح الجمل 1/588، وشرح الكافية الشّافية 2/1078.

(1/524)


والآخر1:ما تقدّم من [أنَّ] 2 الفاعل مضمر لا يظهر قطّ3، والمجرور في موضع نصب4؛ وإنّما لزم هذا حرف الجرّ ليكون فرقًا بين التّعجّب والأمر؛ فلهذا5لم يَجُزْ أن يتقدّم عليه معموله، ولا أن يُجاب بالفاء.
وأمّا قولهم: (مَا أَعْظَمَ اللهَ) 6 فهذا على ظاهره فيه حذف مضاف،
____________________
1 حكاه ابن يعيش عن الزّجّاج 7/148.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 والقائلون بهذا القول اختلفوا:
فمنهم مَن جعل الضّمير يعود على (الحُسن) ، كأنّه قال: (أَحْسِنْ يا حُسُنْ زيدًا) ؛ ولذلك كان مفرَدًا على كلّ حال؛ وهو مذهب ابن كيسان.
ومنهم مَن جعل الضّمير عائدًا على المخاطب، ولم يبرز في تثنية ولا جمع؛ لأنّه جرى مجرى المِثْل؛ فمعنى (أحسن بزيد) : اجعل يا مخاطِبًا زيدًا حسنًا، أي: صِفْهُ بالحسن كيف شئت.
يُنظر: شرح المفصّل 7/147، 148، وشرح الجمل 1/588، وشرح التّسهيل 3/33، وشرح الرّضيّ 2/310، وأوضح المسالك 2/274، والمساعد 2/149، 150، والتّصريح 2/88، والأشمونيّ 3/19، والصّبّان 3/19.
4 على المفعوليّة.
5 في ب: ولهذا.
6 يظهر من كلام الشّارح - رحمه الله - أنّه مبنيّ على ما ذكره بعضُ العلماء من أنّه لا يتعجّب من عظمة الله تعالى؛ بسبب أنّها عندهم لا تقبل الزّيادة والنُّقصان.
فبناءً على ذلك إذا وردَ شيءٌ من كلام العرب وفيه هذا التّعجُّب من عظمة الله يؤوّلونه بمثل ما فعل الشّارحُ هُنا؛ إمّا على حذف المضاف، وإمّا على أنّ عباده عظّموه بما يستحقّه من الثّناء، ونحو ذلك ممّا يكونون به بعيدين عن التّعجُّب من عظمته الّتي لا تقبل الزّيادة والنُّقصان.
والحقُّ أنّ هذا التّعجّب ليس دونه ما نعٌ، بل يتعجّب من عظمة الله تعالى على ما يستحقّه من العظمة.

(1/525)


[كأنّك قلت: (ما أعظم قدرة الله تعالى وعلمه) وهو في تقدير مضاف] 1، كأنّك قلتَ: (شيء2 نبّهني على عظمته وذكّرنيه3) .
وقيل: تقديره: أن يكون المعنى أنّ عباده [سبحانه وتعالى] 4 عظّموه بما استطاعوه5 من الثّناء عليه والتَّمجيد6.
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 في ب: ما شيء.
3 في ب: وذكرته.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 في ب: ما اسطاعوه.
6 في ب: والتحميد.

(1/526)