اللمحة في شرح الملحة

بَابُ إِنْ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ
هَذَا وَ (إِنْ) فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ... تَجْزِمُ فِعْلَيْنِ بِلاَ امْتِرَاءِ
وَتِلْوُهَا1 (أَيٌّ) وَ (مَنْ) وَ (مَهْمَا) ... وَ (حَيْثُمَا) أَيْضًا وَ (مَا) وَ (إِذْمَا)
وَ (أَيْنَ) مِنْهُنَّ وَ (أَنَّى) وَ (مَتَى) ... فَاحْفَظْ جَمِيْعَ الأَدَوَاتِ يَا فَتَى
[وَزَادَ قَوْمٌ (مَا) فَقَالُوا: إِمَّا ... وَأَيْنَمَا كَمَا تَلَوْا أَيَّامَا] 3
تَقُولُ: إِنْ تَخْرُجْ تُصَادِفْ رُشْدَا ... وَأَيْنَمَا تَذْهَبْ تُلاَقِ سَعْدَا
وَمَنْ يَزُرْ أَزُرْهُ بِاتِّفَاقِ ... وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي البَوَاقِي
فَهَذِهِ جَوَازِمُ الأَفْعَالِ ... جَلَوْتُهَا مَنْظُومَةَ الَّلآلِي
فَاحْفَظْ - وُقِيْتَ السَّهْوَ - مَا أَمْلَيْتُ ... وَقِسْ عَلَى الْمَذْكُورِ مَا أَلْغَيْتُ
[153/ب]
فصل:
اعلم أَنّ الشّرطَ وجوابُه جُملتان يعتمد على استعمالهما لِمَا تقتضيه الحال.
وتعلّق الجواب بالشّرط كتعلُّق الخبر بالمبتدأ، والعامل4 فيه (إِنْ) ؛
____________________
1 في ب: أختها.
2 في أ: لمّا، وهو تحريف.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 اتّفق العلماء على أنّ الشّرط مجزوم بأدوات الشّرط، واختلفوا في جازم الجواب على عدّة أقوال:
القولُ الأوّل: أنّ أدوات الشّرط هي الجازمة له؛ وهو مذهب المحقِّقين من البصريّين، وعزاهُ السّيرافيّ إلى سيبويه.
القولُ الثّاني: أنّه مجزومٌ بفعل الشّرط؛ وهو مذهب الأخفش، واختاره ابن مالكٍ في التّسهيل.
القول الثّالث: أنّه مجزوم بالأَداة وفعل الشّرط معًا؛ ونُسب إلى سيبويه، والخليل، والأخفش، والمبرّد.
القولُ الرّابع: أنّه مجزوم على الجوار؛ وهو مذهب الكوفيّين.
القولُ الخامس: أنّ الشّرط والجزاء مبنيّان لعدم وقوعهما موقع الاسم، ولعدم وقوعهما مُشتركين ثم مختصّين، ولعدم دُخول لام الابتداء عليهما؛ وهو مذهب المازنيّ.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 3/63، والمقتضب 2/49، والإيضاح للزّجّاجيّ 140، وشرح الكتاب للسّيرافيّ جـ2/ ق 255/ب، والإنصاف، المسألة الرّابعة والثّمانون، 2/602، وشرح المفصّل 7/41، 42، وشرح الرّضيّ 2/254، والتّسهيل 237، والارتشاف 2/557، وتوضيح المقاصد 4/245، وائتلاف النّصرة، فصل الفعل، المسألة الرّابعة عشرة، 128، والتّصريح 2/248.

(2/865)


لأنّها تعلّق في الاستقبال جملة بجملة، تسمّى الأولى شرطًا، والثّانية جزاء.
ومن حقِّها: [أنْ يكونا] 1 فعليّتين؛ فإنْ كانا مضارعين جزمتهما؛ لاقتضائهما العمل فيهما.
وأشبهها في ذلك تسع2 أخوات؛ وهي: (مَنْ) و (مَا) و (أيّ)
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 بقي من الأدوات الّتي تجزم فعلين (أيّان) ؛ ولعلّ عذرَه أن سيبويه لم يذكرها في الجوازِم، وتَبِعه في ذلك كثيرون؛ وقد ذكرها في الصّفحة التّالية عندما قام بتقسيم الظّروف.
يُنظر: الكتاب 3/56، والمقتضب 2/46، واللّمع 193.

(2/866)


و (مَهْمَا) 1؛ وهذه أسماءٌ صريحة؛ و (مَتَى) و (أَيْنَ) و (أَنَّى) 2 و (حَيْثُما) ؛ وهذه ظُروف؛ و (إِذْمَا) وهو حرف3.
فهذه تعمل عملها لتضمُّنها معناها4.
وإذا كان الشّرط وجوابُه فعلين جاز أن يكونا مضارعين؛ وهو الأصل5، نحو قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ} 6.
____________________
1 هذا قولُ الجمهور؛ وذهب ابن يسعون، والسّهيليّ إلى أنّها حرف.
يُنظر: الارتشاف 2/547، 548، وتوضيح المقاصد 4/240، والجنى الدّاني 611، والمغني 435، والتّصريح 2/248، والهمع 4/319، والأشمونيّ 4/12.
2 في أ: واي، وهو تحريف.
3 القولُ بحرفيِّتها مذهب سيبويه، والمبرّد في أحد قوليه.
وذهب المبرّد، وابنُ السّرّاج، والفارسيّ إلى أنّها اسم ظرف زمان؛ وأصلُها: إذِ الّتي هي ظرفٌ لِمَا مضى، فزيد عليها (ما) وُجوبًا في الشّرط، فجُزم بها.
يُنظر: الكتاب 3/56، 57، والمقتضب 2/46، 47، والكامل 1/379، والأُصول 2/159، والإيضاح 252، وشرح المفصّل 7/46، 47، وشرح الرّضيّ 2/253، 254، وشرح الكافية الشّافية 3/1620 ـ 1622، والارتشاف 2/547، وتوضيح المقاصد 4/239، والجنى الدّاني 191، والتّصريح 2/248، والهمع 4/321.
4 وإنْ خَرَجَتْ عن معنى (إِنْ) إلى الاستفهام، أو معنى (الّذي) لم تُجزَم، نحو قولك في الاستفهام: (مَن يقوم؟) و (أعجبني مَن تُكرمه) إذا أردتّ معنى الّذي تكرمه.
يُنظر: شرح المفصّل 7/42.
5 وأن يكونا ماضيين، وأن يكون الشّرطُ ماضيًا، والجوابُ مضارِعًا، وأن يكون الشّرط مضارِعًا، والجواب ماضيًا.
وسيتعرّضُ الشّارحُ لها بالشّرح والتّمثيل فيما بعد ينظر: ص 873، 874.
6 من الآية: 284 من سورة البقرة.

(2/867)


والشّرطُ في اللّغة1هو: العلامة؛ فكان وُجود الفعل الأوّل في هذا الباب علامة لوُجود الفعل الثّاني.
والظُّروف2 على ضربين: زمانيّة، ومكانيّة.
فالزّمانيّة: (مَتَى) و (أَيَّان) 3 و (إِذْمَا) 4.
والمكانيّة: (أَيْنَ) و (أَنَّى) و (حَيْثُمَا) 5. [154/أ]
وتوجيهُ الجزم:
قيل: (إِنْ) [وإن] 6 جزمت الشّرط، والشّرط جزم الجواب؛ لأنّه يقتضيه فوجب أن يكون عاملاً [فيه] 7.
وأُجيب عن ذلك بأنّ كلّ واحدٍ منهما يعمل في الآخر؛ فليس أحدهما بأولى من الآخر في العمل8.
____________________
1 اللّسان (شرط) 7/329.
2 في أ: الظّرف.
(متى) و (أيّان) : هما لتعميم الأزمنة؛ وكسر همزة (أَيّان) لغة سليم.
يُنظر: التّسهيل 236، وتوضيح المقاصد 4/241، والهمع 4/316، والأشمونيّ 4/12.
4 هذا على مذهب المبرّد، وابن السّرّاج، والفارسيّ - كما بيّنّا ذلك سابقًا -.
(أين) و (أنّى) و (حيثُما) : هي لتعميم الأمكنة.
يُنظر: التّسهيل 236، وتوضيح المقاصد 4/241، والهمع 4/317، والأشمونيّ 4/12.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
والقائلُ بهذا الأخفش؛ وهو اختيارُ ابنُ مالكٍ في التّسهيل - كما بيّنّا ذلك سابقًا -.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
8 وقال السّيوطيّ في الهمع 4/331: "وَرُدَّ بأنّ النّوع لا يعمل؛ إذْ ليس أحدهما بأولى.
من الآخر، وإنّما يعمل بمزيّة؛ وهو أن يضمّن العامل من غير النّوع أو شبهه كعمل الأسماء في الأسماء".

(2/868)


وقيل: حصل للشّرط مزيّة بالتّقدُّم.
وقيل1: إنّ حرف الشّرط اقتضاهما فعمل فيهما معًا.
وفائدة الأسماء: الاختصار لِمَا فيها من العُموم لِمَا وُضعت له.
فـ (مَنْ) يعمُّ ذوي العلم، كقولك: (مَنْ يقم أقم معه) .
و (مَا) تعمُّ2 غير ذوي العلم.
و (أَيّ) 3 تعمّ الأبعاض من ذوي العلم وغيرهم؛ فجعلت شرطًا في تلك الأبعاض، نحو: (أيّ الرّجال يقم أقم معه) و (أيّ الدّوابّ تركب4 اركب) .
و (مَهْمَا) 5 بمعنى (مَا) ؛ فإذا قلت: (مَهْمَا تفعل أفعَل) فمعناه:
____________________
1 هذا مذهب المحقِّقين من البصريّين، وعزاه السّيرافيّ إلى سيبويه - كما بيّنّا ذلك سابقًا -.
2 في ب: يعمّ.
3 أيّ: اسم مبهم منكور، وهي بعض ما تُضاف إليه، إنْ أضفتَها إلى الزّمان فهي زمان، وإن أضفتها إلى المكان فهي مكان؛ إلى أيّ شيء أضفتها كانتْ منه. يُنظر: شرح المفصّل 7/44.
4 في ب: يركب.
5 قيل: إنّها بسيطة، وزنها (فَعْلَى) ، وألِفُها إمّا للتّأنيث، أو الإلحاق.
وقيل: إنّها مركّبةٌ؛ - وسيتعرّض الشّارحُ لها في حال تركيبِها -.
يُنظر: كتاب حروف المعاني 20، وشرح المفصّل 7/42، وشرح الرّضيّ 2/253، والارتشاف 2/547، وتوضيح المقاصد 4/241، والمغني 436، والهمع 4/316، والأشمونيّ 4/12.

(2/869)


لا أصغُر [عن] 1 كبير فعلِك، و2 لا أكبر عن صغيره.
وقال الخليل3: "هي (مَا) زيدت عليها (مَا) أُخرى4، فكرهوا أن يوالوا بينهما في قولهم: مَا مَا تفعل أفعل، فأبدلوا الألِف الأولى ها".
وقيل5: أصلُها (مَهْ) الّتي للكَفّ، ضُمَّ إليها (ما) من6 التّركيب؛ وهي الشّرط7.
والدّليل على اسميِّتها: عودُ الضّمير إليها في قوله تعالى: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} 8، وكقول زُهير:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ9
[154/ب]
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في ب: أو.
3 يُنظر: كتاب العين 3/358، والكتاب 3/59.
(ما) الأولى: شرطيّة، والثّانية: زائدة للتّوكيد.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/571، وشرح المفصّل 7/42.
5 وهو مذهب الأخفش، والزّجّاج، والبغداديّين.
يُنظر: معاني القرآن للزّجّاج 2/369، وشرح المفصّل 7/43، وشرح الرّضيّ 2/253، والارتشاف 2/547، وتوضيح المقاصد 4/241، والجنى الدّاني 612، والهمع 4/316، والأشمونيّ 4/12.
6 في ب: ما يحدث من التّركيب.
7 في ب: ومتى للشّرط، وهو تحريف.
8 من الآية: 132 من سورة الأعراف.
9 هذا بيتٌ من الطّويل.
والشّاهدُ فيه: (ومهما تكن) ففي (تكن) ضميرٌ مستتر تقديرُه (هي) ؛ وهو اسمُها يعود إلى (مهما) ، والضّمير لا يعود إلاّ على الأسماء.
يُنظر هذا البيتُ في: الكامل 2/878، والجُمل 215، وأمالي ابن الشّجريّ 2/571، والمغني 426، والجنى الدّاني 612، والهمع 4/319، والأشمونيّ 4/10، والدّيوان 28.

(2/870)


ومِنَ العرب1 مَن يقول: (مَهْمَنْ) فيزيد عليهما (مَنْ) الّتي لمن يعقل، قال الشّاعر:
أَمَاوِيَّ2 مَهْمَنْ يَسْتَمِعْ3 فِي صَدِيقِه ... َأَقَاوِيلَ4 هَذَا النَّاسِ مَاوِيَّ يَنْدَمِ5
____________________
1 حكاه الكوفيّون.
يُنظر: شرح المفصّل 7/43، وشرح الرّضيّ 2/253.
2 في ب: أمادي، وهو تحريف.
3 في كلتا النّسختين: تسمعي من صديقنا، والصّواب ما هو مثبَت؛ كما في المصادر الّتي ذكرت البيت.
4 في كلتا النّسختين: أماوي، وهو تحريف.
5 في أ: تقدّمي، وهو تحريف، وفي ب: تندمي، وهو تصحيف.
وهذا البيتُ من الطّويل، ولم أقف على قائله.
و (ماويّ) : منادى مرخّم، وأصلُه: ماويّة؛ وهو: اسمُ امرأة.
والشّاهدُ فيه: (مَهْمَنْ) فإنّه أدخل (مَهْ) على (مَنْ) الشّرطيّة.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح القصائد السّبع الطِّوال 45، والتّهذيب (مه) 5/385، وشرح المفصّل 4/8، وشرح الجُمل 2/196، وشرح الرّضيّ 2/253، واللّسان (مهه) 13/542، والخزانة 9/16.

(2/871)


وأمّا قولُ الرّاجز1:
مَهْمَا لِيَ اللَّيْلَةَ2 مَهْمَا لِيَهْ ... أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وَسِرْبَاليَهْ3
فإنّ (مَا) 4 الأولى استفهاميّة؛ فقلبت ألفُها هاءً؛ لزيادة (ما) الثّانية عليها.
وأمّا (إِذْ) فلا يجازى بها إلاّ مقرونةً بـ (ما) ، كـ (حيث) ؛ لِتُعَزِّزَ5 زمانها وهو الماضي إلى المستقبَل؛ تقول: (إذْ ما تفعل أفعل) .
وهي حرف عند سيبويه6 إذا جُوزِيَ بها؛ لأنّها صارت تدلّ على خلاف ما وُضعت له؛ لأنّها وُضعت للماضي، والشّرطُ يدلّ على المستقبَل.
____________________
1 هذا سهوٌ من الشّارح - رحمه الله -؛ لأنّ هذا البيت من السّريع، وليس من الرّجز.
2 في أ: البلبله، وهو تحريف.
3 هذا بيتٌ من السّريع، وهو لعمرو بن مِلْقَطٍ الطّائيّ.
والشّاهدُ فيه: مجيء (مهما) للاستفهام.
وقد ذهب إلى هذا جماعةٌ من النُّحاة - ومنهم ابنُ مالك -؛ واستدلّوا بهذا البيت؛ ولا حُجّة فيه؛ لاحتمال أنّ التّقدير (مَهْ) اسم فعل بمعنى (اكفُف) ، ثمّ استأنف استفهامًا بـ (ما) وحدها.
يُنظر هذا البيتُ في: نوادر أبي زيد 62، والأزهيّة 256، وشرح المفصّل 7/44، وأمالي ابن الحاجب 3/135، وشرح التّسهيل 4/69، والجنى الدّاني 51، 611، والمغني 146، 437، والهمع 4/319، والخزانة 9/18، وشعر طيّء 2/454.
4 أي: في كلتا الكلمتين.
5 في ب: لتعذر.
6 يُنظر: الكتاب 3/56، 57.

(2/872)


والشّرطُ يكون مضارِعًا، والجواب1 ماضيًا، [ومنه] 2:
إِنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُمْ وَإِنْ تَصِلُوا ... مَلأْتُمُ أَنْفُسَ الأَعْدَاءِ إِرْهَابَا3
وأكثرُ النّحويِّين4يخصّون هذا النّوع بالضّرورة، وليس بصحيح5؛ بدليل ما رواه6 البخاريّ78 من قول النّبي - صلّى الله عليه9 وسلّم: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ" 10. [155/أ]
____________________
1 في أ: والجزاء.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائِله.
والشّاهدُ فيه: (إنْ تصرمونا وصلناكم) حيث جاء فعلُ الشّرط مضارِعًا وجوابُه ماضيًا؛ وهذا جائزٌ عند الفرّاء، وابن مالك، وابنه، والشّارح.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح الكافية الشّافية 3/1586، وابن النّاظم 698، والمقاصد النّحويّة 4/428، والهمع 4/322، والأشمونيّ 4/17، والدّرر 5/73.
4 يُنظر: الارتشاف 2/563، والتّصريح 2/249، والهمع 4/322، والأشمونيّ 4/16.
5 الشّارِحُ متابِعٌ في هذا للفرّاء، وابن مالك، وابنه بدر الدّين.
يُنظر: معاني القرآن 2/276، وشرح الكافية الشّافية 3/1586، وابن النّاظم 698.
6 في ب: روى.
7 هو: أبو عبد الله، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة الجُعفيّ - بالوَلاء -، البخاريّ: جبل الحفظ، وإمامُ الدنيا في الحديث؛ له: الجامع الصّحيح، والتّأريخ الكبير؛ توفّي سنة (256هـ) .
يُنظر: وفيات الأعيان 4/188، وتقريب التّهذيب 825، وشذرات الذّهب 2/134.
8 في ب: البخاريّ رضي الله عنه.
9 في ب: على.
10 تكملَةُ الحديث: " ... غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
يُنظر: صحيح البخاريّ، كتاب الإيمان، باب قيام ليلة القدْر من الإيمان، 1/27.

(2/873)


وأن1 يكونا ماضيين، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} 2.
وأن3 يكون الشّرطُ ماضيًا والجوابُ مضارِعًا؛ فيقدَّرُ4 جزمُ الأوّل5؛ وجزم الثّاني6 مختار، والرّفع [كثيرٌ] 7 حسن.
قال زُهير:
وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي8 وَلاَ حَرِمُ9
____________________
1 في أ: فإن.
2 من الآية: 8 من سورة الإسراء.
3 في أ: فإن.
4 في ب: فنقدّر.
5 ما كان ماضيًا من شرط أو جواب فهو مجزوم تقديرًا؛ لأنّ الفعل الماضي مبنيّ.
وأمّا المضارع فإنْ كان شرطًا وجب جزمُه لفظًا، وكذا إنْ كان جوابًا والشّرط مضارع.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1588، وابن النّاظم 698، 699.
6 أي: لفظًا.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
8 في أ: منّي، وفي ب: لي؛ وكلتاهُما محرّفة، والصّواب ما هو مثبَت.
9 هذا بيتٌ من البسيط.
و (الخليل) : الفقير المحتاج.
والشّاهدُ فيه: (يقول) حيث جاء الجواب مرفوعًا (يقول) ؛ لأنّ فعل الشّرط ماض؛ وهو (أتاه) .
فأمّا سيبويه فيرى أنّ هذا المضارِع ليس هو جوابُ الشّرط، بل الجواب محذوف، والمذكور دليلٌ عليه؛ وهو على نيّة التّقديم وإنْ كان متأخّرًا في اللّفظ، فكأنّه قال: (يقول: لا غائبٌ مالي ولا حرم إنْ أتاه خليل) .
وأمّا عند الكوفيّين والمبرّد فالمضارِع هو نفس الجواب؛ وهو على تقدير الفاء، وكأنّ الشّاعر قد قال: (إنْ أتاه خليلٌ يوم مسألة فيقول: لا غائبٌ مالي ... ) .
وأمّا عند الشّارح فإنّه ليس على التّقديم والتّأخير، ولا على حذف الفاء، بل لَمّا لَم يظهر لأداة الشّرط تأثيرٌ في فعل الشّرط؛ لكونه ماضيًا ضعفت عن العمل في الجواب.
فمجموع الأقوال ثلاثة. يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/66، والمقتضب 2/70، والمحتسب 2/65، والإنصاف 2/625، وشرح المفصّل 8/157، وشرح الكافية الشّافية 3/1589، وابن النّاظم 699، ورصف المباني 187، والمغني 552، والدّيوان 105.

(2/874)


فرفع (يقول) 1؛ لأنّ الشّرط غير معرب؛ وعلّلوا هذه بعدم ظهور تأثير2 العامل في الشّرط، لم يظهر له أثرٌ في الجزاء لتقع3 المناسبة.
وقد جاء الجواب مرفوعًا والشّرطُ مضارِعًا4، كقول الرّاجز:
يَا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ5
____________________
1 في أ: تقول.
2 في أ: ظهور ما بين العامل.
3 في أ: ليقع.
4 في أ: مضارع.
5 هذان بيتان من مشطور الرّجز، نُسبا إلى جرير بن عبد الله البَجَليّ الصّحابيّ - رضي الله عنه -، أو لعمرو بن خُثَارِم البَجَليّ؛ من رجز أنشده في المنافرة الّتي وقعت بين جرير ابن عبد الله البَجَلي - رضي الله عنه - وخالد بن أَرْطاة الكلبيّ؛ وكانا قد تنافرا إلى الأقرع بن حابس ليحكُم بينهُما.
ولهذا الرّجز قصّةٌ طويلةٌ ذُكرتْ في كتب الأدب.
والشّاهدُ فيه: (تصرع) حيث رفع جواب الشّرط.
يُنظر هذان البيتان في: الكتاب 3/67، والمقتضب 2/72، وما يحتمل الشّعر من الضّرورة 134، وفرحة الأديب 107، وأمالي ابن الشّجريّ 1/125، والتّبصرة 1/413، والإنصاف 2/623، وشرح المفصّل 8/158، والمقرّب 1/275، وشرح الكافية الشّافية 3/1590، وابن النّاظم 700، والتّصريح 2/249.

(2/875)


وقول1 الآخر:
فَقُلْتُ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إِنَّهَا ... مُطَبَّعَةٌ2مَنْ يَأْتِهَا لاَ يَضِيرُهَا3
وأمّا المجزوم [بعد متى] 4 فهو كقول الحُطَيئة5:
____________________
1 في ب: كقول.
2 في أ: مصته، وفي ب: مطيه؛ وكلتاهُما محرّفة، والصّواب ما هو مثبَت.
3 في أ: من يلها لا يغيرها.
وهذا البيتُ من الطّويل، وهو لأبي ذُؤيب الهذليّ.
و (الطّوق) : الطّاقة. و (مطبَّعة) : مملوءة بالطّعام؛ ويقصد القرية. و (يضيرها) : يضرّها؛ يصف قرية بكثرة طعامها.
والشّاهدُ فيه: (لا يضيرها) حيث جاء مرفوعًا؛ وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/70، والمقتضب 2/72، وشرح أشعار الهذليّين 1/208، والأصول 2/193، والتّبصرة 1/414، وشرح المفصّل 8/158، وشرح الكافية الشّافية 3/1591، وابن النّاظم 700، وأوضح المسالك 3/192، والمقاصد النّحويّة 4/431، والخزانة 9/57، وديوان الهذليّين 1/154.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 الحُطَيْئَة: لقب؛ واسمه: جَرْوَل بن أَوْس العبسيّ، يكنى أبا مُليكة: شاعرٌ مخضرَم، من فُحول الشّعراء ومتقدِّميهم، راوية زُهير بن أبي سُلمى؛ أدرك النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فأسلم ولم يَفِد؛ وكان هَجَّاءً، هجا أُمَّهُ وأبَاهُ ونَفْسَهُ؛ ومات في خلافة معاوية - رضي الله عنه -.
يُنظر: طبقات فُحول الشّعراء 1/104، والشّعر والشّعراء 199، والأغاني 2/149، والإصابة 2/150.

(2/876)


مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ1
وبعد (أَنَّى) 2: [155/ب]
فَأَصْبَحْتَ أَنَّى3 تَأْتِهَا4 تَلْتَبِسْ بِهَا ... كِلاَ مَرْكَبَيْهَا تَحْتَ رِجْلِكَ شَاجِرُ5
____________________
1 هذا بيتٌ من الطّويل.
و (عشا إلى النّار، يعشو) : رآها ليلاً من بُعْد فقصدَها.
والشّاهدُ فيه: (مَتَى تَأْتِهِ ... تَجِدْ) حيث جزم بـ (متى) فعلين؛ أوّلهما: (تأْتِه) وهو فعلُ الشّرط، وثانيهما: (تجد) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/86، وإصلاح المنطق 198، والمقتضب 2/65، ومجالس ثعلب 2/399، وما ينصرف وما لا ينصرف 116، وجمهرة اللّغة (شعو) 2/871، والجُمل 214، وأمالي ابن الشّجريّ 3/12، وشرح المفصّل 7/45، وشرح الكافية الشّافية 3/1608، والدّيوان 81.
2 في كلتا النّسختين: أي، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبت.
3 في كلتا النّسختين: أي، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
4 في ب: تأتها أي.
5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للَبِيد بن ربيعة - رضي الله عنه -.
و (شجر رجليه) : إذا فرّق بينهما إذا ركِب. و (كلا مركبيها) : كلتا ناحيتيها اللّتين تُرام منهما.
والشّاهدُ فيه: (أنّى تأتها تلتبس) حيث جزم بـ (أنّى) فعلين؛ أوّلهما: (تأت) وهو فعلُ الشّرط، وثانيهما: (تلتبس) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/58، والمقتضب 2/48، والجُمل 216، وشرح المفصّل 7/45، وشرح الكافية الشّافية 3/1582، واللّسان (فجر) 5/47، والخزانة 7/91، والدّيوان 65.

(2/877)


وبعد (حَيْثُمَا) ، [كما قال:] 1
حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللَّـ ... ـهُ نَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ2
وبعد (أَيَّامَا) ، كقوله تعالى: {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 3، ومنه قولُ الشّاعر:
إِذَا النَّعْجَةُ العَيْنَاءُ كَانَتْ بِقَفْرَةٍ ... فَأَيَّامَا4 تَعْدِلْ بِهَا الرِّيحُ تَنْزِلِ5
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 هذا بيتٌ من الخفيف، ولم أقف على قائله.
والشّاهدُ فيه: (حيثما تستقم يقدِّر) حيث جزم بـ (حيثُما) فعلين؛ أوّلهما: (تستقم) وهو فعلُ الشّرط، وثانيهما: (يقدِّر) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/365، وابن النّاظم 695، وتذكرة النُّحاة 736، وشرح شذور الذّهب 317، والمغني 178، وابن عقيل 2/338، والمقاصد النّحويّة 4/426، وشرح شواهد المغني 1/391، والأشمونيّ 4/11.
3 من الآية: 110 من سورة الإسراء.
4 في أ: فأيَّانَمَا.
5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لأُميّة بن أبي عائذ.
والشّاهدُ فيه: (فأيّاما تعدل بها الرِّيح تنزل) حيث جزم بـ (أيّاما) فعلين؛ أوّلهما: (تعدل) وهو فعل الشّرط، وثانيهما: (تنزل) وهو جوابُ الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح أشعار الهذليّين 2/526، وشرح عمدة الحافظ 1/363، وشرح قطر النّدى 97، والهمع 4/341، والأشمونيّ 4/10، والدّرر 5/95.
والرّواية في جميع هذه المصادر (فأيَّان ما تعدل) بدل (فأيّاما تعدل) .

(2/878)


وبعد (أَيْنَمَا) :
صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرٍ1 ... أَيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ2
وبعد (إِذْ مَا) ، كقول الشّاعر3:
وَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ4 مَا أَنْتَ آمِرٌ ... بِهِ تُلْفِ5 مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا6
____________________
1 في أ: جابر، وهو تحريف.
2 هذا بيتٌ من الرّمل، وهو لكعب بن جُعَيْل، أو الحسام بن ضِرار الكلبيّ.
و (الصَّعْدة) : القناة الّتي تنبُت مستوية. و (الحائر) : المكان الّذي يكون وسطُه منخفضًا وحُروفه مرتفعة عالية؛ وإنّما جعل الصّعدة في هذا المكان؛ لأنّه يكون أنعم لها وأسدّ لنَبْتَتِها.
والشّاهدُ فيه: (أينما الرّيح تميّلها تمل) حيث جزم بـ (أينما) فعلين؛ أوّلهما: (تميلها) وهو فعلُ الشّرط، وثانيهما: (تمل) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيت في: الكتاب 3/113، والمقتضب 2/75، والأُصول 2/233، وأمالي ابن الشّجريّ 2/82، 3/130، والإنصاف 2/618، وشرح المفصّل 9/10، وشرح الكافية الشّافية 3/1599، وابن النّاظم 695، والمقاصد النّحويّة4/424،والأِشمونيّ4/10.
3 في ب: قول.
4 في أ: تأب، وهو تصحيف.
5 في ب: تلق، وهو تصحيف.
6 في كلتا النّسختين: آنيًا، وهو تصحيف؛ والصّواب ما هو مثبَت.
وهذا البيتُ من الطّويل، ولم أقف على قائِلِه.
و (تلف) : تَجِدْ. و (آتِيًا) : فاعِلاً.
والشّاهدُ فيه: (إذْ ما تأت تلف) حيث جزم بـ (إذْ ما) فعلين؛ أوّلهما: (تأت) وهو فعلُ الشّرط، وثانيهما: (تلف) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/365، وابن النّاظم 695، وشرح قطر النّدى 99، وابن عقيل 2/338، والمقاصد النّحويّة 4/425، والأشمونيّ 4/11.

(2/879)


وبعد (أَيَّانَ) بمعنى (متى) ، [كقوله] 1:
أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ2 تَأْمَنْ3 غَيْرَنَا وَإِذَ ... لَمْ تُدْرِكِ الأَمْنَ4 مِنَّا لَمْ تَزَلْ حَذِرَا5
ومن الجزم بـ (إذا) 6 [كقول الشّاعر] 7:
اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ8
[156/أ]
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 في أ: ترمنك، وهو تحريف.
3 في ب: يأمن، وهو تصحيف.
4 في أ: الأمر، وهو تحريف.
5 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف على قائله.
والشّاهدُ فيه: (أيّان نؤمنك تأمن) حيث جزم بـ (أيّان) فعلين؛ أوّلهما: (نؤمنك) وهو فعل الشّرط، وثانيهما: (تأمن) وهو جواب الشّرط.
يُنظر هذا البيتُ في: ابن النّاظم 694، وشرح شذور الذّهب 316، وابن عقيل 2/337، والمقاصد النّحويّة 4/423، والأشمونيّ 4/10.
6 المشهور أنّه لا يجزم بـ (إذا) إلاّ في الشّعر.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1583، والجنى الدّاني 367، والمغني 127، والهمع 3/180، والأشمونيّ 4/13.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
8 في أ: فَتَحَمَّل، وهو تصحيف.
وهذا البيتُ من الكامل، وهو لعبد القيس بن خفاف البرجميّ، وقيل: لحارثة ابن بدر الغدّانيّ.
والشّاهدُ فيه: (وإذا تصبك) حيث جزم بـ (إذا) ؛ وهذا خاصٌّ بالشّعر.
يُنظر هذا البيتُ في: المفضّليّات 385، ومعاني القرآن للفرّاء 3/158، والأصمعيّات 230، وأمالي المرتضى 1/383، وشرح عمدة الحافظ 374، والمغني 128، والهمع 1/180، والأشمونيّ 4/13.

(2/880)


والجزم بـ (مَنْ) كقوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوْءًا يُجْزَ بِه} 1، و {مَن كَان يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} 2.
[وبـ (ما) ] 3: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} 4.
و [بـ (أينما) ] 5: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} 6.
____________________
1 من الآية: 123 من سورة النّساء.
2 من الآية: 15 من سورة هود.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
4 من الآية: 197 من سورة البقرة.
5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق.
6 من الآية: 78 من سورة النّساء.

(2/881)


فصل:
وأمّا جواب الشّرط فثلاثة أشياء: الفعل، والفاء، وإذا.
أمّا الفعل فقد تقدّم.
وأمّا الفاء فإذا كانت الجملة اسميّة فلا بُدّ من الفاء، نحو: (إِنْ يقم زيدٌ فهو مكرم) ؛ لأنّ الجملة الاسميّة كلامٌ مستقلٌّ بنفسه فاحتاجتْ إلى رابط؛ بخلاف الجملة الفعليّة؛ لأنّ حرف الشّرط يربط بين الجملتين الفعليّتين، ولا يربط بين [الجملة] 1 الفعليّة والاسميّة2؛ لأنّه لا يصحّ دُخوله على الاسميّة، وكانت الفاء أولى من الواو؛ لكونِها للتّعقيب بغير مهلة، وجوابُ الشّرط كذلك؛ لأنّه يقع عقيب الشّرط بلا مهلة؛ قال الله تعالى: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا} 3 أي: فهو لا يخاف؛ فحذف المبتدأ للعلم به.
واعلم أنّه إذا صحّ أن يُجعل الجوابُ شرطًا، وذلك إذا كان ماضيًا، متصرِّفًا، مجرَّدًا عن4 (قد) ، أو مضارِعًا، مجرَّدًا، أو منفيًّا5، فالأكثرُ خُلُوُّهُ من الفاء6. [156/ب]
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 في ب: الاسميّة، والفعليّة.
3 من الآية: 13 من سورة الجنّ.
4 في ب: من.
5 منفيًّا بـ (لا) أو (لَمْ) .
6 ويجوز اقترانُه بها.
فإنْ كان مضارِعًا رفع، وذلك كقوله تعالى: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا} [الجن: 13] .
يُنظر: ابن النّاظم 700.

(2/882)


ومتى لم يصحّ أن يُجعل الجوابُ شرطًا وذلك إذا كان جملة اسميّة، أو طَلَبيّة، أو فعلاً غير متصرّف، أو مقرونًا بـ (السّين) 1 أو (قد) ، أو منفيًّا [بـ (ما) ] 2، أو (لن) 3؛ فإنّه يجب اقترانُه بـ (الفاء) 4، نحو قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} 5، و {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي} 6، و {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} 7،
____________________
1 مقرونًا بـ (السّين) أو (سوف) ؛ ولو قال: (بالتّنفيس) لشملهما.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 في ب: (لا) ؛ وهو تحريف.
4 وجملة ما ذكره الشّارح من المواضع الّتي تجب فيها (الفاء) سبعة؛ نظمها بعضُهم في قوله:
طَلَبِيّةٌ وَاسْمِيّةٌ وَبِجَامِدِ ... وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيْسِ
يُنظر: الصّبّان 4/20.
5 من الآية: 5 من سورة الحجّ.
وسببُ الاقتران بالفاء؛ لأنّ الجملة اسميّة.
6 من الآية: 31 من سورة آلِ عمران.
وسبب الاقتران بالفاء؛ لأنّ الجملة فعليّة طلبيّة.
7 من الآية: 77 من سورة يوسف.
وسبب الاقتران بالفاء؛ لأنّه مقرون بـ (قد) .

(2/883)


و {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} 1.
فـ (الفاء) في هذه الأجوِبَة ونحوها2 - ممّا لا يصلح3 أن يُجعل شرطًا - واجبة الذّكر، ولا يجوز تركُها إلاّ في ضرورة، أو نُدُور.
فحذفها في الضّرورة كقول الشّاعر:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ... وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلاَنِ4
وحذفُها في النُّدور كما أخرجه البخاريّ من قولِه - صلّى الله عليه
____________________
1 من الآيتين: 39، 40 من سورة الكهف.
وسبب الاقتران بالفاء؛ لأنّه فعلٌ غير متصرّف.
2 ترك الشّارحُ - رحمه الله - الاستشهاد لبعض المواضع؛ وهي:
إذا كان الجواب مقرونًا بحرف التّنفيس، نحو قولِه تعالى: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ} [المائدة: 54] ، وقوله تعالى: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطّلاق: 6] .
أو مقرونًا بـ (ما) أو (لن) نحو: (إِنْ قام زيدٌ فما يقومُ عمرو) أو (فلن يقوم) .
3 في أ: لا تصلح.
4 تقدّم تخريجُ هذا البيت في ص 558.
والشّاهدُ فيه هنا: (الله يشكُرُها) حيث حذف الفاء ضرورة؛ وكان عليه أن يقول: فالله يَشكُرُها.
والمبرّد يمنع ذلك، ويزعُم أنّ الرّواية: فالرّحمن يشكُره.
يُنظر: المغني 218.

(2/884)


وسلّم - لأُبيّ ابن كَعْب1: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ2 اسْتَمْتِعْ بِهَا "3.
وتقوم4 مقام الفاء في الجملة الاسميّة (إذا) المفاجأة، كقوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} 5، وذلك لأنّ [إذا] 6 المفاجأة لا يُبتدأُ بها، ولا تقع إلاّ بعد ما هو معقّب بما بعدها، فأشبهت الفاء؛ فجاز أن تقوم مقامَها.
____________________
1 هو: أُبَيّ بن كعْب بن قيْس الأنصاريّ: سَيِّدُ القُرّاء؛ قرأ على النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -، وقرأ عليه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - القرآن، وقرأ عليه ابن عبّاس، وأبو هريرة، وغيرهما؛ توفّي في خلافة عثمان - رضي الله عنه - سنة (30هـ) .
يُنظر: معرفة القُرّاء 1/28، وغاية النّهاية 1/31، والإصابة 1/181.
2 في أ: فالاّ.
3 أخرجه البخاريّ في صحيحه، كتاب اللّقطة، باب إذا أَخبره رَبُّ اللّقطة بالعلامة دفع إليه، 3/249، ومسلم في صحيحه، كتاب اللّقطة، 3/1350، وأبو داود في سننه، كتاب اللّقطة، باب التّعريف باللّقطة، 2/328، 330، وأحمد في مسنده 4/115، 5/126.
وكلّها بإثبات الفاء؛ وهو في كتب النّحو بحذف الفاء.
4 في ب: ويقوم.
5 من الآية: 36 من سورة الرّوم.
6 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق، من ابن النّاظم 702.

(2/885)


فصل:
إذا دخلت الفاء في جواب الشّرط فإنْ كان مرفوعًا مثل: (مَنْ يقم فأقومَ معه) ، تقديرُه: فأنا أقومُ معه؛ فهو يكونُ أبدًا على [تقدير] 1 مبتدأ، ولا يجوزُ نصبُه، ولا جَزْمُه؛ إلاّ أن يأتيَ بعد جواب الشّرط المجزوم مضارِعٌ مقرون بالفاء أو الواو2، فيجوز جزْمُه عطفًا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبُه على إِضْمَار (أَنْ) ، مثل: (إِنْ تُكرمني أكرمك وأُكافئك) 3. [157/أ]
وإذا تقدّم على الشّرط ما هو الجواب في المعنى أغنى ذلك عن ذكره، نحو: ( [تصدّق] 4 إِنِ استطعتَ [أَنْ] 5 تتصدّق) 6 يريد7: فتصدّق.
وإذا لم يتقدّم على الشّرط ما هو الجوابُ في المعنى فلا بُدَّ من ذكره إلاّ إذا دَلَّ عليه دليلٌ فإنّه - حينئذ - يسوغُ حذفُه؛ كما في قوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} 8 تتمّتُه: ذهبتْ9 نفسُك عليهم10
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في أ: بالواو والفاء.
3 في أ: وأكاتبك.
4 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 في ب: تصدّق.
7 في أ: تريد: تتصدّق.
8 من الآية: 8 من سورة فاطر.
9 في أ: تذهب.
10 في أ: عليه.

(2/886)


حسرة1، فحُذف لدلالة {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} 2.
وإذا دلّ على فعل الشّرط دليل فحذفُه بدون (إِنْ) قليل، وحذفُه معها كثير.
فمِن حذفِه بدون (إِنْ) قوله:
فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ ... وَإِلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسَامُ3
[157/ب] يريد: وَإِلاَّ تُطَلِّقْهَا يَعْلُ.
ومِن حذف الشّرط مع (إِنْ) قولُه تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} 4، تقديرُه: إِنْ افتخرتُم بقتلهم فلم تقتُلوهم أنتم {وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ} 5.
____________________
1 في ب: حسرات.
2 من الآية: 8 من سورة فاطر.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للأحوص.
و (المَفْرِق) : وسطُ الرّأس.
والشّاهدُ فيه: (وإلاّ يعل) حيث حذف فعلَ الشّرط لدلالة ما قبله عليه؛ والتّقدير: وإلاّ تطلِّقها يَعْلُ مفرقك الحُسام.
يُنظر هذا البيتُ في: أمالي الزّجّاجيّ 82، وأمالي ابن الشّجريّ 2/96، والإنصاف 1/72، والمقرّب 1/276، وشرح الكافية الشّافية 3/1609، وابن النّاظم 705، ورصف المباني 188، والمغني 848، وابن عقيل 2/349، والمقاصد النّحويّة 4/435، والدّيوان 238.
4 من الآية: 17 من سورة الأنفال.
5 من الآية: 17 من سورة الأنفال.

(2/887)


وقد يُحذف الشّرط والجزاء ويكتفى بـ (إِنْ) ؛ كقوله:
قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْ ... كَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا قَالَتْ: وَإِنْ1
فالشّرطُ في احتياجِه إلى جواب، وجوابُ القَسَم يؤكَّد بـ (إِنَّ) و (اللاّم) أو حرف نفي2؛ فإذا اجتمع الشّرطُ والقسَمُ اكتُفيَ بجواب أحدهما عن جواب الآخر.
فإن لم يتقدّمهما ما يحتاج إلى خبر اكتُفيَ بجواب السّابق منهما؛ فيُقال في تقدُّم الشّرط: (إِنْ تقُمْ والله أَقُمْ) ، وفي تقدُّم القسَم: (والله إِنْ تَقُمْ لأقُومَنَّ) .
وإنْ تقدّم عليهما3 ما يحتاج إلى خبر فاعتبار الشّرط4 مرجَّحٌ على
____________________
1 هذان بيتان من مشطور الرّجز، وهما لرُؤبة.
والشّاهدُ فيهما: (قالت: وإن) حيث حذف الشّرط والجزاء جميعًا بعد (إِنْ) ؛ والتّقدير: قالت: وإنْ كان فقيرًا معدَمًا رضيتُه.
يُنظر هذان البيتان في: المقرّب 1/277، وشرح الكافية الشّافية 3/1610، وابن النّاظم 707، ورصف المباني 189، والمغني 852، والمقاصد النّحويّة 4/436، والتّصريح 1/195، والهمع 4/336، والأشمونيّ 4/26، والخزانة 9/14، وملحقات ديوان رؤبة 186.
2 هذه عبارةٌ مستفادة من ابن النّاظم بتصرُّفٍ يسير؛ ونصُّها: "القسَم مثل الشّرط في احتياجِه إلى جواب؛ إلاّ أنّ جوابَ القسَم مؤكَّدٌ بـ (إِنَّ) أو (اللاّم) أو منفيّ؛ وجوابٌ الشّرط مقرونٌ بالفاء أو مجزومٌ".
يُنظر: ابن النّاظم 707.
3 في أ: عليها.
4 في أ: المشروط.

(2/888)


القسَم؛ تقدّم عليها أو تأخّر، فيُقال1: (زَيْدٌ والله إِنْ تُكرمه2 يُكْرِمْكَ) بالجزم3 لا غير.
وفعلُ الأمر يكون جوابه4 مجزومًا؛ لأنّه مضمَّنٌ5 معنى الشّرط؛ وذلك إذا جازيتَه على فعل الأمر، كقولك: (اطع الله يرحمك، واشكُره يزدك) ، تقديرُه: إِنْ تشكُره يزدك.
ولا يجوز أن يُجعل النّهي جواب مجزوم، إلاّ إذا كان الشّرطُ المقدَّر موافِقًا للمطلوب فيصحّ أن يدلّ6 عليه؛ وعلامةُ ذلك: أن يصحّ7 المعنى بتقدير دُخول (إِنْ) على: (لا تَدْنُ من الأَسَدِ تَسْلَمْ) ، والنّهي - هنا - جوابٌ مجزوم؛ لأنّ المعنى يصحّ بقولك: (إن لا تدن من الأسد تسلم) ، بخلاف قولك: (لا تدن من الأسد يأكلك) فإنّ الجزم ممتنع فيه؛ لعدم صحّة المعنى، تقول: (إن لا تدن من الأسد يأكلك) فتجعل تباعُده من الأسد سببًا لأكله. [158/أ]
وأجاز الكسائيّ [جزم] 8 جواب النّهي مطلَقًا9؛
____________________
1 في أ: فتقول.
2 في أ: أن يكرمك يكرمه.
3 في ب: بجزم.
4 في أ: جزاؤه.
5 في أ: متضمّنًا.
6 في ب: تدلّ.
7 في ب: أيصحّ.
8 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن النّاظم 684.
9 وهو مذهب الكوفيّين أيضًا.
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1552، وابن النّاظم 684، وتوضيح المقاصد 4/213، 214، والتّصريح 2/243، والأشمونيّ 3/311.

(2/889)


[و] 1 مِمّا يُحتجّ له به من نحو قولِ الصّحابي2: "يَا رَسُولَ اللهِ لاَ تُشْرِفْ يُصِبْكَ سَهْمٌ"3 فهو مُخَرَّجٌ على الإبدال من فعل النّهي، لا على الجواب.
وإذا لم يجز جوابُ النّهي فأحرى وأولى أن لا يجوز جوابُ النّفي.
وألحق الفرّاءُ الرَّجاءَ بالتّمنِّي، فجعلَ له4 جوابًا منصوبًا5.
____________________
1 العاطِف ساقطٌ من أ.
2 وهو: أبو طَلْحَة، زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاريّ، النّجّاريّ - رضي الله عنه -؛ مشهورٌ بكُنيته، شهدَ بدْرًا؛ وتوفّي سنة (50هـ) ، وقيل: (51هـ) .
يُنظر: الاستيعاب 2/123، والإصابة 2/502.
3 يُنظر: صحيح البخاريّ، كتاب المناقب، باب مناقب أبي طلحة- رضي الله عنه - 5/119.
ورُوي بالرّفع: (يصيبك) ، يُنظر: صحيح البخاريّ، كتاب المغازي، باب ما جاء في قول الله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَان مِنكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} ، 5/220.
ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسّيَر، باب غزوة النّساء مع الرّجال، 3/1443 هكذا: (لاَ تُشْرِفْ لاَ يُصِبْكَ) .
4 في ب: لها.
5 يُنظر: معاني القرآن 3/9.
وتابعَ الفرَّاءَ في هذا الحكمِ الكوفيّون، وابن مالك، وابنُه، وتبعهما الشّارح.
ومذهب البصريّين أنّ الرّجاء ليس له جواب منصوب؛ وتأوّلوا قراءة النّصب بأنّ (لعلّ) أُشربت معنى (ليت) ؛ لكثرة استعمالها في توقُّع المرجوّ، وتوقُّعُ المرجوّ ملازِمٌ للتّمنِّي.
قال أبو حيّان في الارتشاف 2/411: "والصّحيح مذهبُ الكوفيّين؛ لوُجوده نظمًا ونثْرًا".
يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1554، وابن النّاظم 684، 685، وتوضيح المقاصد 4/217، والمغني 206، 714، 715، والتّصريح 2/243، والهمع 4/123، والأشمونيّ 3/312، 313.

(2/890)


ويجب قبوله لثُبوته سماعًا، لقراءة1حفص عن2عاصم3: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} 4.
وقد يُنصب5 بـ (أَنْ) المضمرة، وهو قليل ضعيف؛ وممّا روي من ذلك قولُ بعض العرب6: "خُذِ اللِّصَّ قَبْلَ يَأْخُذَكَ"7، تقديرُه: قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَكَ.
__________
1 قرأ العشرة إلاّ عاصمًا في رواية حفص برفع {فَأَطَّلِعُ} عطفًا على {أَبْلُغُ} .
وقرأ حفصٌ بالنّصب على أنّه جواب للتّمنِّي تشبيهًا لـ (لعلّ) بـ (ليْت) ؛ لأنّ (ليت) في التّمنّي أخت (لعلّ) في التّرجِّي.
يُنظر: السّبعة 570، والمبسوط 390، وحجّة القراءات 631، والكشف 2/244، والتّيسير 155، والإتحاف 2/437.
2 في كلتا النّسختين: وعاصم، والتّصويب من ابن النّاظم.
3 هو: عاصم بن بَهْدَلَة بن أبي النُّجُود، الأَسَديّ - ولاءً -: شيخُ الإِقراء بالكوفة، وأحدُ القُرّاء السّبعة؛ أخذ القراءة عن أبي عبد الرّحمن السُّلَمِيّ؛ توفّي سنة (129هـ) .
يُنظر: معرفة القُرّاء 1/88، وغاية النّهاية 1/346.
4 من الآيتين: 36، 37 من سورة غافِر.
5 في أ: تُنصب.
6 في أ: قولهم.
7 يُنظر: مجمَع الأمثال 1/462، بإظهار (أَنْ) .

(2/891)


بَابُ الْمَبْنِيِّ:
ثُمَّ تَعَلَّمْ أَنَّ فِي بَعْضِ الْكَلِمْ ... مَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وَضْعٍ رُسِمْ1
فصل: [158/ب]
الكلمات قسمان: معرب، ومبنيّ.
فالمعرب: ما تغيَّرَ آخرُه لتغيُّر العوامِل2 الدّاخلة عليه، لفظًا أو تقديرًا.
والبِنَاء: يقع في بعض الأسماء؛ لشبه3 الحروف، ويقع في الأفعال، وجميع الحروف.
فَسَكَّنُوا مَنْ إِذْ بَنَوْهَا وَأَجَلْ ... وَمُذْ وَلَكِنْ وَنَعَمْ وَكَمْ وَهَلْ
أصلُ البناء: هو سكون4 آخر المبنيّ؛ فإنْ وُجِدَ متحرّكًا فالسّؤال لِمَ حُرِّكَ؛ ثمّ اختُصَّ بتلك الحركة دون غيرها.
فـ (مَنْ) و (كَمْ) اسمان، ووجهُ بنائهما وُقوعهما موقع همزة الاستفهام؛ لأنّ (مَن) يُستفهم به عمّن يعقل، كقولك: (مَنْ أخوك؟) ، وتُستعمل في الشّرط، نحو: (مَنْ يكرمني أُكرمه) ؛ وبمعنى الّذي مبتدأة،
____________________
1 في شرح الملحة 360: عَلَى وَضْعٍ وُسِمْ.
2 في أ: العامل الدّاخل.
3 في ب: المشبّهة بالحرف.
4 إنّما كان الأصل في البناء السُّكُون لخفّته، واستصحابًا للأصل؛ وهو عدمُ الحركة.
يُنظر: شرح المفصّل 3/82، والتّصريح 1/58، والأشمونيّ 1/62.

(2/893)


كقولك: (مَنْ قصدني زيدٌ) ، ونكرة موصوفة، كقول الشّاعر:
يَا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضَائِهِ وَاغْتَدَيْنْ1
وكقول الآخر:
يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفُنُونَهُ ... بَلَى2 كُلُّ مَنْ تَحْتَ التُّرَابِ بَعِيْدُ3
(كَمْ) اسم يُستفهم4به عن عدد مجهول، وتكون خبريّة تَجُرُّ5
____________________
1 هذا بيتٌ من السّريع، وهو لعمرو بن قميئة، أو لعمرو بن لأي التّيميّ.
و (الأذواد) : جمع ذَوْد؛ وهو: القطيعُ من الإِبل ما بين الثّلاث إلى الثّلاثين.
والمعنى: نحن محسّدون لشرفنا وكثرة مالِنا، والحاسد لا ينالُ مِنّا أكثر من إظهار البَغْضاء لنا لعزّنا وامتِناعِنا.
والشّاهدُ فيه: (يا ربّ من يبغض) حيث جاءت (مَنْ) نكرة موصوفة بالجملة بعدَها.
يُنظرُ هذا البيتُ في: الكتاب 2/108، والوحشيّات 9، والمقتضب 1/41، والأصول 2/325، والبغداديّات 566، والتّبصرة 1/289، والأزهيّة 101، وأمالي ابن الشّجريّ 3/64، وشرح المفصّل 4/11، والحماسة البصريّة 1/280، وديوان عمرو بن قميئة 196.
2 في أ: ألا.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لأبي عطاء السّنديّ.
والشّاهدُ فيه: (كلّ مَن تحتَ التّراب بعيد) حيث جاءت (مَنْ) نكرة موصوفة.
يُنظرُ هذا البيتُ في: الحماسة 1/391، واللسان (عهد) 3/313، وشعرُه - ضمن مجلّة المورِد، المجلّد التّاسع، العدد الثّاني - 282.
4 في أ: استفهم.
5 في ب: عن.

(2/894)


النّكرات بالإضافة، وتكون (كَأيَّن) بمعناها، نحو: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} 1 أي: وكم من قرية.
وفيها لغتان2: التّشديد3، والتّخفيف؛ كقول الشّاعر: [159/أ]
وَكَائِنْ بِالأَبَاطِحِ4 مِنْ صَدِيقٍ5 ... ...................................
فهذه لم يبق عنها سؤال؛ لبنائها على السّكون.
____________________
1 من الآية: 8 من سورة الطّلاق.
2 فيها خمسُ لغات:
(كَأيِّن) ، و (كَاءٍ) على وزن كَاعٍ، و (كَيْءٍ) على وزن كَيْعٍ، و (كَأيٍ) على وزن كَعْيٍ، و (كَإٍ) على وزن كَعٍ.
يُنظر: المفصّل 183، وإيضاح شواهد الإيضاح 1/263، وتوضيح المقاصد 4/338، والأشمونيّ 4/87.
3 في أ: بالتّشديد.
4 في أ: بالأبطح.
5 هذا صدرُ بيتٍ من الوافر، وعجزُه:
يَرَانِي لَوْ أُصِبْتُ هُوَ المُصَابَا
وهو لجرير.
والشّاهدُ فيه: (وكائن بالأَباطح) حيث جاءت (كَأَيِّنْ) على لغة التّخفيف.
يُنظر هذا البيت في: الإيضاح 187، وأمالي ابن الشّجريّ 1/160، وشرح شواهد الإيضاح 200، وشرح المفصّل 3/110، 4/135، والمقرّب 1/119، ورصف المباني 209، 281، والمغني 643، وشرح شواهد المغني 2/875، والأشمونيّ 4/87، والخزانة 5/397، والدّيوان 1/244.

(2/895)


ومن ذلك في فعل الأمر1، نحو: (اكتُب) و (قُمْ) .
وفي الحروف نحو: (هل) و (بل) للإضراب.
و (هل) تكون استفهامًا، [و] 2 بمعنى (قد) 3 كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} 4؛ ويدخلها من معنى التّقرير5 والتّوبيخ ما يدخل الألِف الّتي يُستفهَمُ بها، كقوله تعالى: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} 6؛ فهذه7 استفهامٌ فيه تقرير وتوبيخ.
____________________
1 في ب: الفعل.
2 العاطفُ ساقطٌ من ب.
3 اختلف النُّحاة في (هَلْ) هل تأتي بمعنى (قَدْ) أو لا؟ على عدّة أقوال:
القولُ الأوّل: أنّ (هَلْ) أبدُا بمعنى (قَدْ) ، وأنّ الاستفهام إنّما هو مستفادٌ من همزة مقدَّرة؛ وهو مذهبُ الزّمخشريّ، ونقله في المفصّل عن سيبويه.
القولُ الثّاني: أنّ (هَلْ) بمعنى (قَدْ) دون استفهام مقدّر؛ وهو مذهب الفرّاء، والمبرِّد، والكسائيّ.
القولُ الثّالث: أنّها تتعيّن لمعنى (قَدْ) إنْ دخلتْ عليها همزة الاستفهام، وإن لم تدخُل فقد تكون بمعنى (قد) ، وقد تكون للاستفهام؛ وهو مذهب ابن مالك.
القولُ الرّابع: أنّها لا تأتي بمعنى (قد) وإنّما هي للاستفهام؛ وهو مذهب ابن هشام.
تُنظر هذه المسألة في: الكتاب 3/189، ومعاني القرآن للفرّاء 3/213، والمقتضب 1/43، 3/289، وحروف المعاني 2، والمفصّل 319، وشرح المفصّل 8/152، والتّسهيل 243، والجنى الدّاني 344، والمغني 460، والخزانة 11/261 - 268.
4 من الآية: 1 من سورة الإنسان.
5 في كلتا النّسختين: التّقدير، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
6 من الآية: 34 من سورة يونس.
7 في أ: هذه.

(2/896)


وتكون بمعنى (مَا) ، كقوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} 1.
و2 (مُذْ) اسمٌ يرفع ما بعدَه، وذهب [بعضُهم] 3 إلى حرفيّته بِجَرِّه4 ما أتت فيه من الزّمان5.
و (لَكِنْ) للاستدراك6 بعد جَحْد.
و (أَجَلْ) بمعنى (نعم) ، وهو حرفُ تصديق في الخبر خاصّة7، ولا يُستعمَل8 في جواب الاستفهام9.
و (نَعَمْ) عِدَةٌ [و] 10 تَصْدِيقٌ11؛ وهي تقع12 جوابًا للسّؤال
____________________
1 من الآية: 35 من سورة النّحل.
2 في ب: أو.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 في أ: جرّ.
5 إذا انْجَرَّ ما بعد (مُذْ) ففيها مذهبان:
الجمهور على أنّها حرف جرّ، وبعضُ البصريّين على أنّها اسم.
وإذا لم يَنْجَرَّ ما بعدها فلا خلافَ في كونها اسم. يُنظر: حروف المعاني 14، وشرح الرّضيّ 2/118، ورصف المباني 385، والجنى الدّاني 304، والمغني 441.
6 في ب: لاستدراك.
(أَجَلْ) تكون لتصديق الخبر، ولتحقيق الطّلب؛ تقول لمن قال: (قام زيدٌ؟) : أَجَلْ، ولمن قال: (اضربْ زيدًا) : أَجَلْ. الجنى الدّاني 359.
8 في أ: ولا تُستعمَل.
9 يرى الأخفش أنّها تكون في الخبر، والاستفهام، إلاّ أنّها في الخبر أحسن من نَعَمْ، ونَعَمْ في الاستفهام أحسنُ منها. يُنظر: الجنى الدّاني 361.
10 العاطِف ساقطٌ من ب.
11 هذه عبارة سيبويه حيث قال: "وأمّا (نَعَمْ) فَعِدَةٌ وتصديقٌ". الكتاب 4/234.
قال بعض النّحويين: "يعني: أنّها إنْ كان قبلها طلبٌ فهي عِدَة لا غير؛ وإنْ كان قبلَها خبرٌ فهي تصديق لا غير". يُنظر: رصف المباني 426، والجنى الدّاني 506.
12 في ب: وهو يقع.

(2/897)


الموجود، كقولك: (أَخَرَجَ زيد؟) ، فيُقال: نعم.
ولا تقع1 جوابًا للنّفي2، كما أنَّ (بَلَى) لا تقع3 جوابًا للواجب4.
[و] 5 ممّا بُني على الضّمّ:
وَضُمَّ فِي الغَايَةِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ... بَعْدُ وَأَمَّا بَعْدُ فَافْقَهْ وَاسْتَبِنْ6
وَحَيْتُ ثُمَّ مُنْذُ ثُمَّ نَحْنُ ... وَقَطُّ فَاحْفَظْهَا عَدَاكَ اللَّحْنُ
[159/ب]
وُجوب بناء (قَبْلُ) و (بَعْدُ) من اقتطاعها عن الإضافة، وجعلِها7 غاية بمعنى آخر الكلام، صارت كأنّها بعض الكلمة8.
ولأنّ الفتح والكسر9 قد يدخلان فيهما عند الإضافة، كقولك: قصدتّك قبلَ طلوع الشّمس، من قبلِ سفر زيد، ومن بعدِ تجهيزه.
____________________
1 في ب: ولا يقع.
2 في ب: لنفي.
3 في ب: لا يقع.
4 يُنظر: حروف المعاني 6.
5 العاطفُ ساقطٌ من أ.
6 في متن الملحة 56: فَافْهَمْ وَاسْتَبِنْ.
7 في أ: وجعلها آخر الكلام غاية.
8 وبعضُ الكلمة لا يكون مبنيًّا. يُنظر: شرح الملحة 362.
9 هذا مضمون كلام الحريريّ في شرحه على الملحة 362 وقد صدّره بسؤال؛ وهو: "فإنْ قيل: لِمَ بُنِيَتْ (قبل) و (بعد) على الضّمّ دون الفتح والكسر؟ فالجواب عنه: ... ".

(2/898)


فلمّا كانت الفتحة والكسرة [حركتي] 1 إعراب لـ (قبل) و (بعد) وَجَب بناؤُهما؛ لانقطاعهما2 وبنيا3 على الحركة الّتي لم تكن4 لهما قطّ - وهي الضّمّة -.
وقيل5: الضّمّ عِوَضٌ بنقلهما عن المضاف إليهما6.
وكذلك قولُهم: (مِن قُدَّامُ) ، قال الشّاعر:
لَعَنَ الإِلَهُ تَعِلَّةَ بْنَ مُسَافِرٍ ... لَعْنًا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ7
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في ب: لاقتطاعهما.
3 في كلتا النّسختين: بناء؛ والصّواب ما هو مثبت.
4 في أ: يمكن، وهو تحريف.
5 أي: إنّهما حُرِّكا بأقوى الحركات وهي الضّمّة؛ لتكون كالعِوَض من حذف ما أُضيفا إليه.
يُنظر: شرح المفصّل 4/86.
6 وقيل: بُنِيَتْ على الضّمّ لشبهها بالمنادى المفرَد. يُنظر: المرجع السّابق 4/86.
7 هذا بيتٌ من الكامل، وهو لرجلٍ من بني تميم.
والشّاهدُ فيه: (مَن قُدَّامُ) حيث بنى الظّرف (قُدّامُ) على الضّمّ؛ لأنّه حذف المضاف إليه ولم ينو لفظَه، بل نوى معناه.
يُنظر هذا البيتُ في: أمالي ابن الشّجريّ 2/76، وتذكرة النُّحاة 279، وأوضح المسالك 2/216، والمقاصد النّحويّة 3/437، والتّصريح 2/51، والهمع 3/196، والأشمونيّ 2/286، والدّرر 3/114.

(2/899)


وقيل1: يُعرب2 إذا لم ينو المضاف إليه، كقوله:
فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلاً3 ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الزُّلاَلِ4
____________________
1 يجب إعراب (قبل) و (بعد) في ثلاث صور:
إحداها: أن يُصرَّح بالمضاف إليه، كـ (جئتُك بعد الظُّهر) ، و (قبل العصر) ، و (من قبله) و (من بعدِه) .
الثّانية: أن يُحذف المضاف إليه وينوى ثُبوت لفظِه، فيبقى الإعراب وترك التّنوين كما لو ذكر المضاف إليه، كقوله: (وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلَى قَرَابَةً) أي: ومن قبل ذلك.
الثّالثة: أن يُحذف ولا ينوى شيء، فيبقى الإعراب، ولكن يرجع التّنوين؛ لزوال ما يُعارضه في اللّفظ والتّقدير.
والبيتُ الّذي ذكره الشّارحُ شاهدٌ على هذه الصّورة. يُنظر: أوضح المسالك 2/211.
2 في ب: تعرب.
3 في كلتا النّسختين: قدمًا، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
4 هذا بيتٌ من الوافر، وهو ليزيد بن الصَّعِق.
والشّاهدُ فيه: (قبلاً) حيث قطعه عن الإضافة فلم ينوِ لفظ المضاف إليه ولا معناه؛ ولذلك أُعرب منوَّنًا.
يُنظرُ هذا البيتُ في: معاني القرآن للفرّاء 2/320، 321، والمقتصد 1/151، وشرح المفصّل 4/88، وشرح الكافية الشّافية 2/965، وتذكرة النُّحاة 527، وشرح الشّذور 103، وابن عقيل 2/69، والمقاصد النّحويّة 3/435، والتّصريح 2/50، والخزانة 1/426، وشعرُه ـ ضمن أشعار العامريّين الجاهليّين ـ 61.
وورد البيتُ في بعض المصادر (الفُرات) بدل (الزُّلال) ، وفي بعضِها (الحميم) بدل (الزُّلال) ؛ والصّحيح رواية (الحميم) ؛ لأنّه من قصيدة ميميّة مطلعُها:
أَلاَ أَبْلِغْ لَدَيكَ أَبَا حُرَيْثٍ ... وَعَاقِبَةُ المَلاَمَةِ لِلمُلِيمِ
يُنظر: أشعار العامريّين الجاهليّين 60.

(2/900)


[وأَمَّا] 1 بعد: فمعناه: (أمّا بَعْدَ حَمْدُ الله، والصَّلاةُ على نبيِّيهِ؛ فقد كان كذا) على ما يقتضي الكلام؛ فلمّا قُطِعَ2 المضاف إليه جُعل غاية. [160/أ]
(حَيْثُ) تُستعمل ظرفًا من نحو: (أكون حيث تكون) ، وتُستعمَل اسمًا، كقوله تعالى: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِهِ} 3؛ فليست (حيث) هُنا ظرفًا؛ لأنّ القديم4- سبحانه - لا يكون أعلم في مكان ولا جهة من الجهات دون جهة ولا دون مكان؛ لخُروجه عن حيِّز المحدودات والمجسَّمات؛ فثبت أنّها اسم.
وكقولك: (أنا5 أرمي حيث ترمي) 6 أي: إنّك ترمي نفس المكان
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 في أ: اقتطع.
3 من الآية: 124 من سورة الأنعام.
وقولُه: {رِسَالاَتِهِ} - بالجمع - قراءة القُرَّاء السّبعة ما عدا ابن كثير وحفصًا؛ فإنّهما قرآها: {رِسَالَتَهُ} - بالإفراد -.
يُنظر: حجّة القراءات 270، والكشف عن وُجوه القراءات 1/449، والتّيسير 88.
4 في ب: التّقديم، وهو تحريف.
5 في أ: ما، وهو تحريف.
6 في ب: أرى حيث ترى.

(2/901)


الّذي يرمي فيه غيرُك، لا أن ترمي فيه1؛ فيكون مفعولاً؛ وتقول: (أقمتُ حيثُ أمرتني) .
وأمّا إضافتها إلى المفرد فكقول الشّاعر:
وَنَطْعَنُهُمْ حَيْثُ الحُبَا بَعْدَ ضَرْبِهِمْ2 ... بِبِيضِ المَوَاضِي حَيْثُ لَيِّ العَمَائِمِ3
ذكر ذلك ابن بابشاذ4.
وأمّا استعمالُها ظرفَ زمان فكقول5 الشّاعر:
لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ ... حَيْثُ تَهْدِي6 سَاقَهُ قَدَمُهْ7
____________________
1 في ب: أي: إنّك ترى نفس المكان الّذي يرى فيه غيرك، لا أن ترى فيه.
2 في كلتا النّسختين: ضربنا، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
3 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو للفرزدق.
و (الحُبَا) : جمع حُبْوَة؛ وهو: أن يجمع الرّجلُ ظهره وساقيه بعمامته؛ وقد يحتبي بيديه.
والشّاهدُ فيه: إضافة (حيث) إلى المفرد؛ وهذا نادرٌ عند جمهور النُّحاة، وأجازه الكسائيّ.
يُنظر هذا البيتُ في: شرح المفصّل 4/92، والمغني 177، والمقاصد النّحويّة 3/387، والتّصريح 2/39، والهمع 3/206، وشرح شواهد المغني 1/389، والأشمونيّ 2/254، والخزانة 6/553.
4 يُنظر: شرح الجُمل لابن بابشاذ جـ2/ ق 151/أ.
5 في أ: كقول.
6 في ب: يهدي.
7 هذا بيتٌ من المديد، وهو لطرفة بن العَبْد.
والشّاهدُ فيه: مجيء (حيث) للزّمان، والأكثر مجيئُها للمكان.
يُنظر هذا البيتُ في: مجالس ثعلب 1/197، وإيضاح الشّعر 209، وأمالي ابن الشّجريّ 2/599، وشرح المفصّل 4/92، وشرح التّسهيل 2/233، واللّسان (سوق) 10/168، والهمع 3/207، والخزانة 7/19، والدّيوان 80.

(2/902)


وهي مبنيّة على الضّمّ من أنّها أشبهت الغايات من حيث ملازمتها الإضافة1.
ويُقال: (حَيْثُ) و (حَيْثَ) معًا، والكسائيّ حكى كسرَها، وقيل فيها: (حَوْث) 2 معًا؛ وأشهر لغاتها الضّمّ3.
ولا تُضاف إلى غير الجملة إلاّ ما روي:
أَمَا4 تَرَى حَيْثُ سُهَيْلٍ طَالِعَا5 ... …………………….
[160/ب]
أي: مكان سُهيل.
____________________
1 في أ: للإضافة.
2 في كلتا النّسختين: حاث، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
و (حيث) استعملوها في الأحوال الثّلاثة بالواو؛ فقالوا: (حَوْثَ) و (حَوْثُ) و (حَوْثِ) .
3 تُنظر لغات حيث، وحكاية الكسائيّ في: المفصّل 169، وأمالي ابن الشّجريّ 2/599، وشرح المفصّل 4/91، والمغني 176.
4 في أ: ألا ترى.
5 هذا صدر بيتٍ من الرّجز، وعجزُه:
نَجْمًا يُضِيءُ كَالشِّهَابِ سَاطِعَا
ولم أقف على قائله.
والشّاهد فيه: إضافة (حيث) إلى المفرَد؛ وهذا نادرٌ عند جمهور النُّحاة، وأجازه الكسائيّ.
يُنظرُ هذا البيتُ في: إيضاح الشّعر 207، وشرح المفصّل 4/90، وشرح الكافية الشّافية 2/937، والمغني 178، وابن عقيل 2/54، والمقاصد النّحويّة 3/384، والهمع 3/206، وشرح شواهد المغني 1/390، والأشمونيّ 2/254، والخزانة7/3.

(2/903)


(نَحْنُ) بُنِيَتْ1 لكونها كناية عن جمع كالواو الّتي2 تدلّ على الجمع من قولك: (فَعَلوا) ؛ وبُنِيَتْ على حركة؛ لالتقاء3 السّاكنَيْن.
واختصّت بالضّمّ؛ لقُربها من الواو4.
(مُنْذُ) ذُهِبَ إلى حرفيّته5، ولم يُبْنَ من الحروف على الضّمّ سواه6؛ وبُنِيَتْ لوُقوعها لابتداء الغاية في معنى الحرف7.
____________________
1 في أ: ثبت كونها.
2 في أ: والّتي.
3 في أ: للالتقاء.
4 اختُلف في علَة بنائه على الضّمّ:
فقال الفرّاء وثعلب: لَمَّا تضمّن معنى التّثنية والجمع قُوِّيَ بأقوى الحركات.
وقال الزّجّاج: (نحن) لجماعة، ومن علامة الجماعة الواو؛ والضّمّة من جنس الواو.
وقال الأخفش الصّغير: (نحن) للمرفوع، فحرِّك بما يشبه الرّفع.
وقال المبرّد: تشبيهًا بـ (قبل) و (بعد) ؛ لأنّها متعلِّقة بشيء، وهو الإخبار عن اثنين فأكثر.
وقال هشام: الأصل: (نَحُنْ) ـ بضمّ الحاء، وسكون النّون ـ، فنُقلت حركة الحاء على النّون، وأُسكنت الحاء.
يُنظر: شرح المفصّل 3/94، واللّسان (نحن) 13/427، والهمع 1/208.
(منذ) لفظٌ مشتَرك؛ يكون حرفَ جرٍّ، ويكون اسمًا، والمشهور أنّه حرف إذا انجرَّ ما بعده، واسم إذا ارتفع ما بعده؛ وقيل: هو اسمٌ مطلَقًا.
يُنظر: شرح الرّضيّ 2/118، ورصف المباني 393، والجنى الدّاني 500.
6 في ب: ولم يبن على الضّمّ من الحروف سواه.
7 علّة البناء؛ أمّا في حال رفع ما بعده فلما يجئ من كون المضاف إليه جملة كما في (حيث) .
وأمّا في حال جرّه فلتضمُّنه معنى الحرف؛ لأنّ معنى (مُذْ يوم الجمعة) : مِن حَدِّ يوم الجمعة، ومِن تأريخه؛ فهما بمعنى الحدّ المضاف إلى الزّمان متضمِّنًا معنى (مِن) . يُنظر: شرح الرّضيّ 2/118.

(2/904)


و (مُنْذُ) هو أصل (مُذْ) 1؛ وإذا كانا اسمين فالكلام جملتين، وإذا كانا حرفين فهو جملة.
و (قَطّ) و (عَوْضُ) معًا: هما لزمانيّ الماضي والاستقبال على سبيل الاستغراق2؛ تقول: (ما رأيتُه قَطّ) ، و (لا أفعَلُه عَوْض) ؛ ولا يُستعملان إلاّ في النّفي.
وحُكي (قُطُّ) بضمّ القاف، و (قَطُ) بتخفيف الطّاء3.
____________________
1 هذا مذهب الجُمهور.
وقال بعضُ النُّحاة: أنّ (مذ) حرفٌ قائمٌ بنفسه غير مقتطع من (منذ) .
وقال صاحبُ الرّصف: "والصّحيح أنّه إذا كان اسمًا فهو مقتطع من (منذ) ؛ بدليل التّصغير؛ وهو يردُّ الأشياء إلى أُصولها، وأمّا إذا كان حرفًا فهو لفظٌ قائمٌ بنفسه لا يُطلب له اشتقاق ولا وزن ولا أصل؛ فهو لفظٌ مشتَركٌ بين الاسم والحرف".
يُنظر: شرح الرّضيّ 2/117، ورصف المباني 387، والجنى الدّاني 304، والمغني 442، والتّصريح 2/21، والهمع 3/221، 222.
2 قطّ: ظرف لاستغراق الماضي من الزّمان.
وعَوْض: ظرف لاستغراق المستقبَل من الزّمان. يُنظر: المغني 200، 233.
3 أفصح لغات هذه الكلمة: فتح القاف وتشديد الطّاء مع الضّمّ.
وقد تُكسر على أصل التقاء السّاكنَيْن.
وقد تتبع قافُه طاءَهُ في الضّمّ.
وقد تُخفَّف طاؤه، مع ضمِّها أو إسكانِها. المغني 233.
ويُنظر: الصّحاح (قطط) 3/1153، ودرّة الغوّاص 16، 17، والمفصّل 174، وشرح المفصّل 4/108.

(2/905)


ويقال: (عَوْضَ العَائِضين لا أفعل) 1، كقولك: دَهْرَ الدَّاهِرين.
وَالْفَتْحُ فِي أَيْنَ وَأَيَّانَ وَفِي ... كَيْفَ وَشَتَّانَ وَرُبَّ فَاعْرِفِ
وَقَدْ بَنَوْا مَا رَكَّبُوا مِنَ الْعَدَدْ ... بِفَتْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَ يُعَدّ
المبنيّ على الفتح من الأسماء، والأفعال، والحُروف:
فالأسماء نحو: (أين) و (أَيَّان) [161/أ] و (كيف) و (شتّان) .
بُنِيَتْ لتضمُّنها معنى [همزة] 2 الاستفهام.
[فـ (أَيْنَ) ] 3 يُستفهم4 به عن مكان مجهول.
و (أيّان) بمعنى (متى) 5، عن زمان مجهول، كقوله تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} 6.
____________________
1 يُنظر: الجُمل 75، والصّحاح (عوض) 3/1093، واللّسان (عوض) 7/193.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
4 في أ: فيستفهم.
5 والفرْقُ بينها وبين (متى) : أنّ (متى) لكثرة استعمالها صارت أظهر من (أَيّان) في الزّمان.
ووجهٌ آخر من الفرْق؛ وهو: أنّ (متى) يُستعمل في كلّ زمان، و (أيّان) لا يُستعمل إلاّ فيما يُراد تفخيم أمره وتعظيمه.
يُنظر: شرح المفصّل 4/106.
6 سورة القيامة، الآية: 6.

(2/906)


و (كيف) يُستفهم به عن حال مجهول، وتقع بمعنى التّعجُّب، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} 1.
وحُرِّكت2 الفاء فَرارًا من التقاء السّاكنَيْن، واختِير لها أخفّ الحركات وهي الفَتْحَة3.
و (شَتَّان) بُني لوُقوعه موقع الفعل الماضي بمعنى (بَعُدَ) ؛ وهو من التّفريق.
و (الآن) 4 وهو الزّمان الّذي يقعُ فيه كلامُ المتكلِّم، وزمان فعل الفاعل، وعلّة البناء لُزومها الألِف5 واللاّم6.
____________________
1 من الآية: 28 من سورة البقرة.
2 في أ: وتحرّكت الياء، وهو تحريف.
3 كيف: بُنِيَتْ على السُّكون فالتقى في آخرها ساكنان؛ وهما الياء والفاء، فحرّكوا الفاء بالفتح استثقالاً للكسرة بعد الياء؛ والعربُ يجيزون الخِفّة فيما يكثُر استعمالُه.
يُنظر: شرح المفصّل 4/109.
4 في أ: للأن.
5 في أ: للألف.
6 علّة بناء (الآن) من مواضع الخلاف بين البصريّين والكوفيّين؛ وقد عقد لها أبو البركات الأنباريّ المسألة الحادية والسّبعون في الإنصاف 2/520.
وما ذكره الشّارح هو مذهب المبرّد، وبه قال الزّمخشريّ.
وذهب الكوفيّون إلى أنّ (الآن) مبنيّ؛ لأنّ الألِف واللاّم دخلتا على فعل ماضٍ من قولهم: (آن يئين) أي: حان، وبقي الفعل على فتحته.
وذهب البصريّون إلى أنّه مبنيّ؛ لأنّه شابه اسم الإشارة.
وهُناك آراءٌ أخرى.
يُنظر: معاني القرآن للزّجّاج 1/153، وأمالي ابن الشّجريّ 2/596، 597، والمفصّل 173، وشرح المفصّل 4/103، 104، واللّسان (أين) 13/41، والهمع 3/185.

(2/907)


والعدد المركّب هو: من أحد1 عشر إلى تسعة عشر2؛ الأصل: أن يُعطف الآخر على الأوّل، فيُقال: (عندي أحد وعشر) ، فلمّا حُذف حرف العطف، وجُعل الاسمان بمنزلة اسم واحد بُنيا للتّركيب، واختِير لهما الفتح طلَبًا للخِفّة.
ومن ذلك (بَيْنَ بَيْنَ) 3 أي: بين الجيِّد والرّدي؛ و (لقيتُه صباح مساء) إذا أردتّ أنّك لقيتَه صباحًا ومساءً؛ فحصل التّركيبُ بحذف الواو، وبُنيا على الفتح كـ (خمسة عشر) .
والبناء في الأفعال على الفتح يختصّ بالماضي، وحُرِّك لوُقوعه [161/ب] موقع المتحرِّك؛ وهو المضارِع من قولك: (زيدٌ قام) 4 و (زيد يقوم) ؛ فوقع5 خبرًا كالفعل المضارع، [و] 6 كقولك: (إنّ زيدًا يفعل) و (إنّ عمرًا فعل) فبُنِي على أخفّ الحركات؛ وهي الفتحة إذا كان خاليًا من الضّمائر،
____________________
1 في أ: إحدى.
2 في ب: إلى تسعة وتسعين.
3 الأصل: (بين هذا وبين هذا) فلمّا سقطت الواو تخفيفًا والنيّة نيّة العطف بُني لتضمُّنه معنى الحرف. يُنظر: شرح المفصّل 4/117.
4 في أ: زيد يقوم، وزيد قائم.
5 في ب: فرفع.
6 العاطِف ساقطٌ من ب.

(2/908)


قلّت حروفه أو كثُرت، نحو: (ضرب) و (انطلق) و (استخرَج) ، وبناؤُه لازم.
والفعل المضارع يبنى على الفتح إذا دخلت عليه نون التّوكيد؛ مشدّدة كانت أو مخفّفة، كقولك: (لا يستخفنَّك باطل، ولا تُسرعنّ إليه) ، وكقوله [تعالى] 1: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً} 2.
والمبنيّ من الحُروف على الفتح: (رُبَّ) و (ثُمَّ) و (إنّ) 3 وأخواتها؛ وقد تقدّم فيهنّ الكلام.
وَأَمْسِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ فَإِنْ4 ... صُغِّرَ صَارَ مُعْرَبًا عِنْدَ الْفَطِنْ
وَجَيْرِ أَيْ: حَقًّا وَهَؤُلاَءِ ... كَأَمْسِ فِي الْكَسْرِ وَفِي الْبِنَاءِ
فصل:
البناء على الكسر يقع في الأسماء، والحروف، ولا يدخل الأفعال إلاَّ فيما يحتمل الجمع بين ساكنين.
فـ (أمس) 5 مبنيّ على الكسر لتضمُّنِه لام التّعريف، فلمّا تضمّن معنى المبنيّ بُنِي؛ هذا عند الحجازيّين6، وبنو تميم
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 من الآية: 58 من سورة الأنفال.
3 في أ: وأين.
4 في أ: وإنْ.
5 في ب: كأمس.
(أمس) لها استعمالان؛ أن تُستعمل ظرفًا، وأن تُستعمل غير ظرف.
فإذا استُعملت ظرفًا فهي مبنيّة عند الجميع؛ لتضمُّنها معنى لام التّعريف.
وإذا استُعملت غير ظرف ففيها الخلاف الّذي ذكره الشّارح.
ومن بني تميم مَن يوافِق الحجازيّين في حالة النّصب والجرّ في البناء على الكسر؛ وفي حالة الرّفع في إعرابِها إعرابَ ما لا ينصرف.
ومنهم من يُعربها إعراب ما لا ينصرف في حالتي النّصب والجرّ أيضًا.
ومنهم من يعربها إعراب المنصرف فينوّنها في الأحوال الثّلاثة؛ حكاه الكسائيّ.
وحكى الزّجّاج أنّ بعضَ العرب ينوّنها وهي مبنيّة على الكسر؛ تشبيهًا بالأصوات.
يُنظر: الكتاب 3/283، وشرح المفصّل 4/106، وشرح التّسهيل 2/223، وشرح الرّضيّ 2/125، وأوضح المسالك 3/153، والتّصريح 2/226، والهمع 3/187.

(2/909)


يمنعونها1 الصّرف، فيقولون: (ذهب أمسُ بما فيه) و (ما رأيتُه مُذْ أمسُ) ، قال الرّاجز:
إِنِّي رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا ... عَجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسَا
يَأْكُلْنَ مَا فِي رَحْلِهِنَّ هَمْسَا ... لاَ تَرَكَ اللهُ لَهُنَّ ضِرْسَا2
[162/أ]
____________________
1 في ب: منعوا.
2 هذا أربعة أبياتٍ من مشطور الرّجز، وهي للعجّاج.
و (السّعالي) جمع سعلاة: أُنثى الغول، أو ساحرة الجن. و (الْهَمْس) : الخفاء وعدمُ الظُّهور، أو الصّوت الخفيّ.
والشّاهدُ فيها: إعراب (أمس) إعرابَ ما لا ينصرف؛ فهو مجرورٌ بـ (مُذْ) ، وعلامة جرِّه الفتحة.
تُنظر هذه الأبيات في: نوادر أبي زيد 57، وشرح الملحة 366، وأسرار العربيّة 32، وشرح المفصّل 4/107، وشرح الشّذور 97، والمساعد 1/520.
ويُنظر البيتان الأوّلان في: الكتاب 3/285، وما ينصرف وما لا ينصرف 124، والجُمل 299، وأمالي ابن الشّجريّ 2/596، والتّصريح 2/226، وملحقات الدّيوان 2/296.

(2/910)


و (أمس) إذا نُكِّر، أو أُضيف، أو دخل عليه الألِف واللاّم أُعرب1.
(جَيْرِ) حرف2 بمعنى (حقًّا) ، وقيل: بمعنى (نعم) 3؛ وحُرِّك لالتقاء السّاكنَين4، وكسر ككسر بعض الحروف؛ وهي: (الباء) و (اللاّم) ، نحو: (بزيد) و (لزيد) ؛ إذْ هما مبنيّان على الكسر.
____________________
1 وإنّما استحقّ الإعراب في هذه الأحوال الثّلاث لزوال تضمُّنه معنى لام التّعريف.
يُنظر: أمالي ابن الشّجريّ 2/596.
(جير) فيها خلاف:
منهم من قال: إنّها حرفُ جوابٍ بمعنى (نعم) .
ومنهم من قال: إنّها اسمٌ بمعنى (حقًّا) .
والشّارح جعلها حرفًا بمعنى (حقًّا) وهذا سهوٌ منه؛ لأنّ ما حَلّ من الألفاظ المشكلة في الحرفيّة والاسميّة محلّ الاسم حُكِمَ عليه بالاسميّة، إلاّ إنْ قام دليلٌ على حرفيّته، ككاف التّشبيه الّتي معناها (مثل) - كما قال صاحب الرّصف -.
يُنظر: معاني الحروف للرّمّانيّ 106، وشرح الملحة 366، وشرح المفصّل 8/124، وشرح الكافية الشّافية 2/883، ورصف المباني 252، 253، والجنى الدّاني 433، والمغني 162، والهمع 4/374.
3 قال ابن يعيش 8/124: "وأمّا جير فحرفٌ، معناه: (أجل) و (نعم) ؛ ... وأكثرُ ما يُستعمَلُ مع القَسَم".
4 السّاكنان هما: الرّاء والياء؛ وكانت الحركة كسرة على أصل التقاء السّاكنين.
يُنظر: شرح المفصّل 8/124، ورصف المباني 253.

(2/911)


ومجيئُه بمعنى (نعم) قولُ الشّاعر:
إِذَاً تَقُولُ (لاَ) ابْنَةُ1 العُجَيْر2 ... تَصْدُقُ (لاَ) إِذَا تَقُولُ3 جَيْرِ4
أي: لا [إذا] 5 تقول نعم.
____________________
1 في أ: لابنة، وهو تحريف.
2 في ب: الغوير.
3 في أ: يقول.
4 هذان بيتان من مشطور الرّجز، ولم أقف على قائلهما.
والشّاهدُ فيهما: (جير) حيث جاءت بمعنى (نعم) .
والنُّحاة استشهدوا به على مقابَلة (لا) النّافية بـ (جير) ممّا يدلّ على انتفاء الاسميّة منها.
يُنظر هذان البيتان في: شرح الكافية الشّافية 2/884، والجنى الدّاني 434، والمغني 163، وشرح شواهده 1/362، والهمع 4/258، 374، والدّرر 4/249.
5 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

(2/912)


وَقِيلَ فِي الْحَرْبِ: نَزَالِ مِثْلَ مَا ... قَالُوا: حَذَامِ وَقَطَامِ فِي الدُّمَى
[فصل] 1:
المعدول إلى (فَعَالِ) 2 مبنيّ على الكسر؛ وهو يأتي على أضرُب3:
أحدها4: بمعنى الأمر5، كقولك6: (نَزَالِ) بمعنى: انزل، و (تَرَاكِ) بمعنى: اترُك؛ قال الشّاعر:
وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أَنْتَ إِذَا ... دُعِيَت: نَزَالِ وَلُجَّ فِي7 الذُّعْرِ8
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
2 صيغة (فَعَالِ) ممّا اختصّ به المؤنّث، ولا يكون إلاّ معرفة معدولاً عن جهته.
يُنظر: شرح المفصّل 8/50.
3 تُنظر هذه الأضرُب في: الجُمل 228، وشرح الملحة 367، والمفصّل 155، وأمالي ابن الشّجريّ 2/352، وشرح المفصّل 4/49.
4 في ب: أحدهم.
5 أي: اسمٌ لفعل الأمر.
6 في ب: تقول.
7 في كلتا النّسختين: ومجّ ذو، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت كما في المصادر الّتي ذكرت البيت.
8 هذا البيتُ من الكامل، وهو لزُهير بن أبي سُلمى.
والشّاهدُ فيه: (نَزَالِ) حيث بني (نَزَال) على الكسر؛ لأنّها بمعنى انزل.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/271، والمقتضب 3/370، وما ينصرف وما لا ينصرف 101، والأُصول 2/132، والجُمل 228، والتّبصرة 1/252، وشرح الملحة 367، وأمالي ابن الشّجريّ 2/354، والإنصاف 2/535، وشرح المفصّل 4/26، 50، 52، والدّيوان 116.

(2/913)


الثّاني: أسماء لا تُستعمل إلاّ في النّداء؛ كقولك: (يَا لَكَاعِ) و (يَا فَجَارِ) و (يا خَبَاثِ) ؛ يقولون ذلك للمرأة اللُّكَعَةِ1- أي: الوسِخة -، وكذلك الفاجرة، والخبيثة، عَدْلاً عن هذه الألفاظ للمبالغة؛ وقد [جاء] 2 (لَكَاعِ) مبنيًّا على الكسر في غير النّداء في قول الشّاعر: [162/ب]
أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ3
الثّالث: اسم المصدر، نحو: (فَجَارِ) و (يَسَارِ) ؛ قال الشّاعر:
فَقُلْتُ امْكُثِي حَتَّى يَسَارِ لَعَلَّنَا نَحُجُّ مَعًَا قَالَتْ أَعَامًَا وَقَابِلَهْ4
____________________
1 في أ: المتلكِّعة.
واللّكيعة: الأَمَةُ اللّئيمة، ولَكِعَ الرّجُل يَلْكَعُ لَكَعًا وَلَكَاعَةً: لَؤُمَ وحَمُقَ.
يُنظر: اللّسان (لكع) 8/322، 323.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو للحُطيئة.
والشّاهدُ فيه: مجيء (لَكَاعِ) مبنيًّا على الكسر في غير النّداء للضّرورة.
يُنظر هذا البيتُ في: المقتضب 4/238، والجمهرة (قعد) 2/662، والجُمل 164، وأمالي ابن الشّجريّ 2/347، وشرح المفصّل 4/57، واللّسان (لكع) 8/323، وشرح الشّذور 92، والمقاصد النّحويّة 1/473، 4/229، والتّصريح 2/180، والهمع 1/282، وملحق ديوان الحُطيئة 330.
4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لحميد بن ثور الهلاليّ، وقيل: لحميد الأرقط.
والشّاهد فيه: (يَسَارِ) حيث وقع (فَعَالِ) علم جنس معدولاً عن المصدر، مبنيًّا على الكسر.
يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 3/274، والجُمل 229، والمخصّص 17/64، وشرح الملحة 368، وأمالي ابن الشّجريّ 2/356، ونتائج الفكر 188، وشرح المفصّل 4/55، والتّصريح 1/125، والخزانة 6/327، وديوان حميد بن ثور 117.

(2/914)


الرّابع: منه ما عُدِل عن (فَاعِلَةٍ) ، كـ (حَذَامِ) و (قَطَامِ) و (رَقَاشِ) 1 و (غَلاَبِ) ؛ وهذا الضّرْب فيه خلاف2؛ أمّا أهل الحجاز فيستعملونه مبنيًّا على الكسر، وعليه قوله:
إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ3
وبنو تميم يجرون هذا بوُجوه الإعراب، ولا يرون صرفه؛ تقول: جَاءَتْ حَذَامُ، وقَطَامُ، ورَقَاشُ؛ بالضّمّ في الرّفع، وبالفتح في الجرّ
____________________
1 في ب: رواش، وهو تحريف.
2 حكى هذا الخلاف سيبويه، والمبرّد، وابن سيده، والزّمخشريّ، وابن الشّجريّ، وغيرهم.
يُنظر: الكتاب 3/277، 278، والمقتضب 3/373، وما ينصرف وما لا ينصرف 101، والمخصّص 17/66، والمفصّل 159، وأمالي ابن الشّجريّ 2/360، وشرح المفصّل 4/64، والتّصريح 2/225.
3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لِلُجَيْم بن صَعْب، أو دَيْسَم بن طارق.
والشّاهدُ فيه: (حَذَامِ) حيث جاء هذا الاسم مبنيًّا على الكسر على لغة الحجازيّين.
يُنظر هذا البيتُ في: الكامل 2/591، وما ينصرف وما لا ينصرف 101، والخصائص 2/178، وأمالي ابن الشّجريّ 2/360، وشرح المفصّل 4/64، وإيضاح شواهد الإيضاح 2/692، واللّسان (رقش) 6/306، وأوضح المسالك 3/153، والمقاصد النّحويّة 4/370، والتّصريح 2/225.

(2/915)


والنّصب؛ للعدل والعَلَميّة1.
فإنْ كان هذا النّوع آخِرُه راء، فإنّ الكلّ2 قد أجمعوا على بنائه؛
وذلك قولُهم: (حَضَارِ) 3 في اسم كوكب، و (سَفَارِ) 4 في اسم ماءٍ.
وإنّما وافق بنو تميم أهلَ الحجاز على بناء مثل هذا؛ لأنّ من مذهب بني تميم الإمالة، والرّاء المضمومة والمفتوحة تمنع الإمالة5؛ فلو [163/أ]
____________________
1 اختُلف في علّة ذلك؛ فقال سيبويه والأكثرون: للعلَميّة والعدل.
وقال المبرّد: للعَلَميّة والتّأنيث المعنويّ فهو كزينب.
يُنظر: الكتاب 3/277، 278، والمقتضب 3/368، 373، والأُصول 2/89، والتّبصرة 2/565، وشرح المفصّل 4/64، وأوضح المسالك 3/151، والتّصريح 2/225.
2 دُخول (أل) على (بعض) و (كلّ) لا يرتضيه كثير من اللّغويّين والنُّحاة؛ ففي الجمل 24: "وإنّما قلنا (البعض) و (الكل) مجازًا على استعمال الجماعة له مسامحة، وهو في الحقيقة غير جائز".
ويُنظر: شرح القطر 335.
3 يُنظر: الكتاب 3/279، والصّحاح (حضر) 2/633، والمخصّص 17/67، واللّسان (حضر) 4/200.
4 سَفَارِ: مَنْهَلٌ قِبَل ذي قار، بين البصرة والمدينة، وهي لبني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. معجم البُلدان 3/223.
ويُنظر: الكتاب 3/279، والصّحاح (سفر) 2/687، والمخصّص 17/68، واللّسان (سفر) 4/371.
5 في أ: للإمالة.
وإنّما امتنعت الإمالةُ ممّا آخرُه راءٌ مضمومة أو مفتوحة؛ لأنّ الرّاء فيها تكرير، فالحركة فيها تقوم مقام حركتين؛ لهذا عدلوا إلى كسر أواخر هذه الأسماء لتصحّ الإمالة.
يُنظر: الكتاب 3/278، 4/136، وأمالي ابن الشّجريّ 2/361.

(2/916)


أُعرب ولم يُصرف لم يكن طريقٌ إلى إمالته، فجنحوا1 إلى لغة غيرهم، فكسروا الرّاء لتصحّ الإمالة؛ فهذه العلّة الّتي لأجلها وقع الإجماع2.
وَقَدْ بُنِيَ يَفْعَلَنْ فِي الأَفْعَالِ ... فَمَا لَهُ مُغَيِّرٌ بِحَالِ
تَقُولُ مِنْهُ: النُّوقُ يَسْرَحْنَ وَلَمْ ... يَسْرَحْنَ3 إِلاَّ لِلَّحَاقِ بِالنَّعَمْ
اعلم أنّه إذا كان الفعل لجمع [مؤنّث] 4يلتحق بآخره نونٌ خفيفة، كقولك: (الهندات يقمن) و (لن5 يقمن) [و (لم يقمن) ] 6، فيستوي لفظُ المرفوع والمنصوب والمجزوم.
فالنّون ههنا دالّة على جمع التّأنيث، وليست هذه النّون كالنّون الّتي بعد الياء في (تذهبين) 7، ولا هي بعلامة شيء من الإعراب؛ ولا يجوز سقوطُها في النّصب والجزم.
فإذا لحقت الفعل الماضي سُكِّن آخره، كقولك: (النّساء خرجن) .
____________________
1 في أ: فنحوا.
2 في ب: الاجتماع.
3 في متن الملحة 57: وَلَمْ يَرُحْنَ.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
5 في أ: كي.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 لأنّ النون هُنا حرف، والنّون في (يقمن) اسم.

(2/917)


وإن لحقت الفعل المضارِع أوجبت بناءه1 بعد أنْ2 كان معربًا، والبناء فيه عارض؛ لأنّه يزول بزوال نون ضمير جمع [163/ب] التّأنيث، وتعود لام الفعل منه على حدٍّ واحدٍ ساكنًا3 في الرّفع والنّصب والجزم.
وكذلك إذا كان آخر الفعل معتلاًّ فيبقى على حالته، كقولك: (الهندات يعفون) 4 و (يرمين) 5 و (لن يعفون) 6 و (لم يرمين) .
وكذلك حكم نوني7 التّأكيد الخفيفة8 والثّقيلة إذا اتّصلت بالفعل المضارِع فإنّه يبنى9 بناءً عارضًا؛ فمتى انفصل من النّون عاد إلى إعرابِه.
فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ مِمَّا بُنِي10 ... جَائِلَةٌ دَائِرَةٌ فِي الأَلْسُنِ
وَكُلُّ مَبْنِيٍّ يَكُونُ آخِرُهْ عَلَى ... سَوَاءٍ فَاسْتَمِعْ مَا أَذْكُرُهْ
____________________
1 في أ: بناؤه.
2 في ب: ما.
3 في ب: كما.
4 الأصل: (يعفو) و (يرمي) ؛ والنّون فيهما للنّسوة، وليست نون الرّفع؛ والواوُ والياء من بنية الكلمة، ووزنُها: يفعلن.
5 في ب: يرمون.
6 في ب: ولن يرمين.
7 في أ: نون.
8 في أ: والخفيفة.
9 في ب: ينبني؛ والبناء يكون على الفتح.
10 في متن الملحة 68، وشرح الملحة 370: لِمَا بُنِيَ.

(2/918)


فصل:
البناء: هو لُزوم آخر الكلمة إمّا بحركة، وإمّا1 بسكون، فلا يتغيّر2 بحالٍ مع وُقوعه موقع رفع، أو نصب، أو جرّ، أو جزم، أو عطفه على ما قبله.
وكذلك3 الأعداد فإنّك تبنيها مع التّركيب، فإذا زال عنها بالعطف أعربت، وتقول: (واحد، واثنان، وثلاثة) ، تعطف بعضَها على بعض.
وكذا إذا وصفتها4، كقولك: (تسعة أكثر من ثمانية) .
فإنْ ذكرتها مرسلة بغير حرف [عطف] 5 بنيتها، فتقول: (واحد، اثنان، ثلاثة) .
وهكذا حروف6 الهجاء، إنْ أجريتها مُجْرى الاسم [أعربتها، تقول: (كتبتُ عينًا مخفّفة، وألِفًا مستوية) .
وإنْ سردتها بنيتها على السّكون، فتقول: (أَلِفْ، بَاءْ، جِيمْ) ] 7.
____________________
1 في ب: أو بسكون.
2 في ب: فلا تتغيّر.
3 في أ: وذلك للإفراد.
4 في ب: وضعتها.
5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
6 في أ: حرف.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

(2/919)


وَقَدْ تَقَضَّتْ مُلْحَةُ الإِعْرَابِ ... مُودَعَةً بَدَائِعَ الإِغْرَابِ1
[164/أ]
المُلْحَةُ2: هي الشّيء اليسير، يقال3: أصبنا مُلْحَةً من الرّبيع، أي: شيئًا يسيرًا.
وهذا البيتُ من أنواع البديع، تجنيس التّصحيف4؛ وهو من الإغراب5 والإعراب.
ومعناه: أنَّ الشّيخ أبا القاسم6- رحمه الله [تعالى] 7- قصد بصدر البيت تقليل ما يشتمل عليه نظمُها، لكنّه كثّر8 أمرها إذْ جعلها حاوية من الإعراب9 بدائعه.
ويُقال: هذا أبدع في فعله، عمّن يأتي بشيء لم يتّبع في وضعه إيّاه غيره.
____________________
1 في أ، وفي متن الملحة 58: بَدَائِعَ الإِعْرَابِ؛ وفي شرح الملحة 371: بَدَائِعَ الآدَابِ.
2 المُلْحَةُ: الكلمة المليحة، وتُطلق على البركة أيضًا.
يُنظر: اللّسان (ملح) 2/602، 604.
3 في أ: فقال.
4 جِناس التّصحيف: - ويسمّى المصحّف، أو الجناس الخطّيّ - هو أن يتّفقا اللّفظان في صورة الوضع، ويختلفا في النّقط.
يُنظر: جنان الجناس 180، وجنى الجناس 67.
5 في أ: الإعراب.
6 أي: أبو القاسم الحريريّ، صاحب ملحة الإعراب.
7 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
8 في أ: كبّر.
9 في أ: الإغراب.

(2/920)


ويقال: (أغرب1 في الأمر) إذا2 جاء بغريب3.
فَانْظُرْ إِلَيْهَا نَظَرَ الْمُسْتَحْسِنِ ... وَحَسِّنِ الظَّنَّ بِهَا وَأَحْسِنِ4
يقول: انظر إليها بعين رضًا، لا بعين عناد، كما قيل:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ5 كَلِيلَةٌ6 ... وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا7
وأحسن الظَّنَّ بما قد جمعتُه من الفوائد، وحَسِّن ظنّ غيرك [كذلك] 8 بها9.
وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلاَ ... فَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ10 وَعَلاَ
يقول - مشيرًا إلى [أنّ] 11 كلّ ما في الوُجود -: لم يوصَف
____________________
1 في كلتا النّسختين: أعرب، وهو تصحيف، والصّواب ما هو مثبَت.
2 في أ: أي.
3 اللّسان (غرب) 1/640.
4 في متن الملحة 58: وَأَحْسِنِ الظَّنَّ بِهَا وَحَسِّنِ.
5 في كلتا النّسختين: عين، وهو تحريف، والصّواب ما هو مثبَت.
6 في أ: عميّة.
7 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
يُنظر هذا البيتُ في: الحيوان 3/488، وعيون الأخبار 3/87، والكامل 1/277، والأغاني 12/272، وبهجة المجالِس 2/711، وشرح شواهد المغني 2/555، والدّيوان 90.
8 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
9 في ب بعد هذه الكلمة: قال النّاظم ـ رحمه الله تعالى ـ، ثُمَّ ذكر هذا البيت.
10 في متن الملحة 58: فَجَلَّ مَنْ لاَ فِيهِ عَيْبٌ.
11 ما بين المعقوفين ساقط من أ.

(2/921)


شيء منه1 بالكمال إلاّ على سبيل [164/ب] المجاز، لِمَا يعتريه من النّقص والتّغيير والزّوال؛ فما هذا الكمال2حتى لا يؤاخذ قائله بما هو متحمّل3من الخلل، فقال لذلك4: (فَإِنْ وَجَدتَّ عَيْبًا فَسُدَّ خَلَلَهُ) ، بتوجيه عذر؛ ٍ إمّا لاختصار وإيضاح لمناسبة مَن وُضعت5له كما قيل، أو لإهمال ما أهمله من أجل أنّه لو وسّع في العبارة لم تكن6 موافِقةً لمن7 وُضعت له؛ لأنّ الثّوب لا يفصّل إلاّ على مقدارٍ يُنتَفعُ8 به؛ ففي زيادته أو نقصه عدم النّفع به؛ [أو] 9 لضيق نطاقها بما10 وسمها به من الملحة عن استيفاء ما يلتزم به أبوابها من لوازم الصّناعة؛ فاعترف بذلك، فقال11: (فَجَلَّ12 مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ وَعَلاَ) فهو13 سبحانه وتعالى.
____________________
1 في أ: لم يوصف منه شيءٌ بجمال.
2 في أ: الكلام.
3 في ب: محتمل.
4 في ب: كذلك.
5 في أ: لمن وضع.
6 في أ: لم يكن.
7 في أ: مَنْ.
8 في ب: من ينتفع.
9 ما بين المعقوفين زيادةٌ يقتضيها السّياق.
10 في ب: عمّا.
11 في أ: وقال.
12 في أ: جَلَّ.

(2/922)


وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَى ... فَنِعْمَ مَا أَوْلَى وَنِعْمَ الْمَوْلَى
قد ختم كلامه بحمد الله [تعالى] 1، [فهو سبحانه] 2 الموجب حمده على كلّ ناطق بما أفاض من كلّ خيرٍ لا يتناهى، خصوصًا العقل الّذي به الوُصول إلى إدراك كلّ شيء أبداه سبحانه في أحسن3 تقويم.
[يقول] 4: فنعم ما أولانا بكرمه5، ونعم المولى هو تبارك وتعالى [وتقدّس اسمه] 6.
ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدَ حَمْدِ الصَّمَدِ ... عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدِ
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ7 ... مَا انْسَلَخَ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ8
____________________
1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.
3 في ب: في الحسن.
4 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
5 في أ: بكرامة.
6 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.
7 في متن الملحة 58: وَآلِهِ الأَفَاضِلِ الأَخْيَارِ.
8 ورد هذا البيتُ في شرح الملحة 372 كالتّالي:
وَآلِهِ الأَئِمَّةِ الأَطْهَارِ ... القَائِمِينَ فِي دُجَى الأَسْحَارِ
وقد ورد في متن الملحة 58، وشرح الملحة 372 بعد هذا البيت بيتٌ آخر؛ وهو قولُه:
ثُمَّ عَلَى أَصْحَابِهِ وَعِتْرَتِهْ ... وَتَابِعِي مَقَالِهِ وَسُنَّتِهْ

(2/923)


تمّ1 بحمد الله وعونه.
وافق الفراغ في ثامن عشر شهر رمضان المعظَّم، سنة (864هـ) .
كاتبه العبد الفقير إلى الله تعالى2: إبراهيم بن عبد العالي محمود.
____________________
1 وجاء في خاتمة (ب) ما نصّه: "نَجَزَ ما ألّفه الشّيخ الإمام شمس الديّن محمّد بن حسن بن سباع الصّائغ رحمه الله تعالى.
علّقه لنفسه العبد الفقير إلى الله تعالى عليّ بن صدقة غفر الله له، ولجميع المسلمين، آمين.
وتيسّر الفراغ من نسخه في ليلة الاثنين المباركة، تاسع عشر لشهر ربيع الأوّل المشرّف بمولد سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من شهور سنة تسعين وثمانمائة.
أحسن الله عاقبتَها إلى خيرٍ لمحمّدٍ وآله. آمين".
2 وردت في المخطوط بعد لفظ الجلالة كلمةٌ غير واضحة؛ ولعلّ ما أثبتّه هو الأقرب إلى الصّواب.

(2/924)