المفتاح في الصرف

الكتاب: المفتاح في الصرف
المؤلف: أبوبكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (المتوفى: 471هـ)
حققه وقدم له: الدكتور علي توفيق الحَمَد، كلية الآداب - جامعة اليرموك - إربد - عمان
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت
الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987م)

(/)


القسم الأول الدراسة
أولاً: المؤلف
ثانياً: الكتاب
ثالثاً: معالم التحقيق

(1/5)


أولًا: المؤلف (1)

هو الإمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد، ولد في جرجان - وهي مدينة معروفة بين طبرستان وخراسان - ونسب إليها، وكان ذلك في مطلع القرن الخامس الهجري.
أخذ علمه عن شيخه أبي الحسيين محمد بن عبد الوارث الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي.
تكاد تجمع المصادر التي ترجمت له أنه إمام العربية واللغة والبيان، مع تديّن وورع وسكون وعفّة.
كان شافعي المذهب، متكلماً على مذهب الأشعريين.
قال عنه الفيروز أبادي "أول من دون علم المعاني (2) ".
ومن تلاميذه: يحيى بن علي الخطيب التبريزي، وعلي بن زيد الفصيحي، وأبو نصر أحمد بن إبراهيم بن محمد الشجري، وأحمد بن عبد الله المهاباذي (الضرير) صاحب شرح "اللمع " لابن جني (3) . دوّت شهرته في الآفاق، فعدّه أبو البركات الأنباري من أكابر النحويين (4) ، وعدّه الباخرزي - معاصره - من الأدباء، وقال فيه: "هو فرد في علمه الغزير، لا بل هو العلم المفرد في الأئمة والمشاهير، واتفقت على إمامته الألسنة (5) ". وقال فيه الفيروز أبادي: إمام العربية واللغة والبيان (6) . وقال عنه السيوطي:
__________
(1) تنظر ترجمته في: نزهة الألبّاء 363، إنباه الرواة 2 / 188، فوات الوفيات للكتبي 2 / 369 (تحقيق د. إحسان عباس) مرآة الجنان 3/ 101، النجوم الزاهرة5 / 108، البلغة 126، شذرات الذهب 3/ 340، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 242 (دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت) وبغية الوعاة 2 / 106.
(2) البلغة 126.
(3) مفتاح السعادة 1 / 218، إنباه الرواة 2 / 190، وشذرات الذهب 3/ 340، ومعجم الأدباء 1/217
(4) نزهة الألباء 363.
(5) دمية القصر 158 (عن عبد القاهر الجرجاني / بلاغته ونقده 18) .
(6) البلغة 126.

(1/7)


"وكان من كبار أئمة العربية والبيان (7) ، فهو أديب عالم لغوي عميق الفكر والثقافة، عمدة في البلاغة العربية (8) ، وإضافة إلى ذلك فله شعر كان ينفث فيه ما في نفسه من لواعج، لكن شعره - القليل - لم يَرْقَ به إلى مرتبة الشعراء، وفي ظني أنه لم يقصد ذلك، ولو قصد لأجاد، لتمكنه وموهبته وبيانه. وقد حفظت الكتب التي ترجمت له بعض أشعاره (9) .
سجل عبد القاهر في بعض شعره موقفه من الزمان، ونفاق أهله، وتكالبهم على الدنيا بكل الوسائل، وتفريطهم في العلم والتنكر له ولأهله، وأجتزئ ما يصور ذلك واضحاً، فهو يقول: هذا زمان ليس فيه سوى النذالة والجهالة
لم يَرْقَ فيه صاعدٌ إلاّ وسلّمه النذالة (10)
ويقول أيضاً:
كَبِّرْ على العلم يا خليلي ... ومِلْ إلى الجهل مَيْلَ هائم
وعش حماراً تعش سعيداً ... فالسعد في طالع البهائم (11)
مكانته العلمية (12)
لعلّ قول من ترجموا له "هو إمام العربية واللغة والبيان " شاهد له على علوّ منزلته العلمية، فإنْ نظرنا إليه من زاوية الأدب فهو أديب، ومن زاوية البلاغة فهو قمة في بلاغته وبيانه، وهو "أول من دوّن علم المعاني " ولو نظرنا إليه من زاوية الدراسات اللغوية لوجدنا جهوده ومؤلفاته - ما وصل إلينا منها وما لم يصل - ترفعه إلى مصافِّ الكبار، إضافة إلى نظراته التجديدية في "دلائل الإعجاز" وفي النظم تحديداً.
ولكن من يتتبع جهود النحويين والذين ترجموا لهم عبر القرون، يحسّ بأن القرن الخامس الذي عاش فيه عبد القاهر لم يُنْصَف، ففي القرن الثاني كان الخليل وسيبويه والكسائي ويونس، وفي القرن الثالث الفرّاء والأخفش الأوسط والمازني والمبرد، وفي
__________
(7) بغية الوعاة 2/ 106.
(8) عبد القاهر الجرجاني / بلاغته ونقده 19.
(9) إنباه الرواة 2 / 189 وما بعدها.
(10) دمية القصر 157، عن عبد القاهر الجرجاني / بلاغته ونقده 22.
(11) البلغة 127، بغية الوعاة 2 / 106.
(12) بسطنا القول في ذلك - ما أمكن - في بحث نشر في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني (عدد 28) ، بعنوان "جهود عبد القاهر في الدراسات التصريفية".

(1/8)


القرن الرابع ابن السراج والزجّاج والزجّاجي والسيرافي والفارسي وابن جني. وفي السادس الزمخشري والأنباري، وفي السابع ابن مالك. . .، فنكاد نحسّ بأنهم أرادوا أن يقولوا إنّ القرن الخامس خالٍ من المشاهير- وأقول إنّ عبد القاهر سار في خط النحو التقليدي، وله كتاب عظيم وهو "المغني في شرح الإيضاح " (13) - إيضاح الفارسي -، وهو في ثلاثين مجلداً، واختصره في كتاب "المقتصد في شرح الإيضاح (14) وله أيضاً: الإيجاز- وهو مختصر لإيضاح الفارسي (15) ، وكتاب التكملة أو التتمة (16) ، والجمل (17) ، والعوامل المائة (18) وغيرها. وهو في الوقت نفسه مجدد في مجال الدراسات اللغوية (النحوية والصرفية) ، فهو يربط الشكل بالمعنى، وقد ربط بين علم النحو وعلم المعنى، وهذا ملحظ راقٍ متقدم، تنزع إليه الدراسات اللغوية الحديثة، ولو أحسن استثماره وتبنيّه منذ عهد عبد القاهر لتقدمت الدراسات اللغوية العربية تقدّماً كبيراً. ونستطيع القول إِنّ جهود عبد القاهر العلمية تشعّبت وتنوعّت، وأبدع في كل مجال خاضه وصنّف فيه، فهو إمام في اللغة، كما هو إمام في الدراسات النقدية والبلاغية، والأدبية والأسلوبية، والدراسات القرآنية وإعجاز القرآن، والعروض (19) . ويليق أن نذكر ما قاله طاش كبري زاده فيه: "ولو لم يكن له سوى كتاب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لكفاه شرفاً وفخراً (20) . ولعلّ ما يوضح منزلته العلمية وأصالته ما كتب عنه وعن كتبه في الماضي والحاضر (21) ، فهو رجل شغل الناس بعلمه، فهو أمّة برأسه ونسيج وحده.
__________
(13) لم يعثر عليه بعد-فيما أعلم -
(14) حققه وطبعه د. كاظم بحر المرجان.
(15) كشف الظنون 1 / 211.
(16) الأعلام 4 / 174.
(17) كتاب مطبوع.
(18) مطبوع.
(19) له كتاب في العروض /، وهو قصيدة تتضمن قواعد الأوزان الشعرية، وطبعت في ذيل كتاب "الإقناع في العروض وتخريج القوافي " للصاحب بن عباد، 1960 م بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين. (عبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده 45) .
(20) مفتاح السعادة 1 / 170.
(21) انظر ذلك في بحث جهود عبد القاهر في الدراسات التصريفية "مجلة مجمع اللغة العربية الأردني (عدد 28) .

(1/9)


ولكن، يبقى سؤال محير قائماً، وهو: ما سرّ ذمّه زمانه وعصره وأهل عصره؟ في رأي أن الشيخ لم ينل ما كان يستحقه من الفهم والتقدير لعلمه، فهو ذو نزعات تجديدية مخالفة - نوعاً ما - للموروث في زمانه، فكأني به أنه كان يحسّ أنه في واد وأهل زمانه في واد، ولم تُجْدِ صرخاته التجديدية التي كان يأمل لها أن تجد آذاناً صاغية، وأن يتفهمها معاصروه ويسيروا على خطاها. إضافة إلى شدة ورعه وعفته وتديّنه، مما ولّد لديه عزوفاً عن الدنيا التي فتنت - وتفتن - الناس، وحساسية زائدة مما كان يجري حوله. أما مذهبه في دراساته اللغوية، فأميل إلى أنه كان على خطّ مدرسة فكرية مستنيرة خاصة، ربما تبدأ بيونس فالأخفش الأوسط، فالجرمي، فالمبرد، فابن السراج فالفارسي - أبي علي - فابن جني، إذ إن آراء هؤلاء تكشف عمقهم وفكرهم، ومخالفتهم معاصريهم وسابقيهم، ونزوعهم إلى التجديد نوعاً ما.
أما مصنفاته وآثاره العلمية فقد حاول حصرها الدكتور أحمد مطلوب في كتابه "عبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده "، والدكتور البدراوي زهران في كتابه "عاِلم اللغة - عبد القاهر الجرجاني - المفتنٌ في العربية ونحوها" (22) وتوفي سنة 471 هـ، وقيل سنة 474 هـ (23) .
ثانياً: الكتاب
(1) عنوانه: اختار عبد القاهر عنواناً مناسبا دالاًّ على موضوعات الكتاب، فسماه "المفتاح " وهو مفتاح لعلم الصرف إذ هو كتاب موجز، وقد وصفه وصفاً معبّراً في الخطبة بقوله: "هذا كتاب قليل الإفاض، كثير المعاني، سهل للحفظ، قريب التناول " (24) .
__________
(22) عبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده:25 - 47، وعاِلم اللغة. . . . .:25 - 26. (23) نزهة الألباء 363، إنباه الرواة 2 / 190، وطبقات الشافعية للسبكي 3 / 242، البلغة 127، النجوم الزاهرة5 / 108، مرآة الجنان 3/ 101، شذرات الذهب 3/ 340، بغية الوعاة 2/106.
(24) الكتاب (المفتاح) - المخطوطة - ظ 1.

(1/10)


وموضوعاته وإيجازه يدلاّن على أنه مفتاح لعلم الصرف، فهو على إيجازه ضمّ موضوعات تعد أصولاً في هذا العلم، واقتصر فيها على الأصول والأسسِ في كل باب، ولم يسهب، أو يستشهد بشواهد قرآنية أو شعرية أو أقوال إلا قليلاً جدّاَ، فهو في هذا يشبه المختصرات أو الكتب الموجزة كالملوكي في التصريف لابن جني، ونزهة الطرف في علم الصرف للميداني، وشافية ابن الحاجب.
(2) نسبته:
للكتاب مخطوطة وحيدة - في ما أعلم -محفوظة بدار الكتب الوطنية الظاهرية في دمشق، وكتب على ورقة الغلاف: "المفتاح في الصرف للجرجاني رحمه الله ". وقد ذكرته كتب الطبقات والتراجم ضمن آثار عبد القاهر الجرجاني (25) ، وما يؤنس - أيضاً - أن الكتاب لعبد القاهر، ما ورد في شرح الشافية: أنّ عبد القاهر يجيز الوزن في المبدل عن الحرف الأصلي بالبدل (26) ، وهذا يوافق ما ورد في هذا الكتاب - المفتاح -، إذ قال: "وفي البدل من الأصل جاز فيه المثالان، فمثل كِساء: فِعال أو فِعاء، أصله كِساو، قلبت الواو همزة لتطرّفها (27) ". (3) مادته:
تضمن الكتاب اثني عشر بابا موجزا، علاوة على خطبة قصيرة في صدر الكتاب، وختمه بباب خصّصه لبحث مسائل وقضايا صرفية متفرقة، أطلق عليه باب العقد (28) . أما الأبواب الأساسية فهي: باب التصريف، أبنية الأسماء، أبنية الأفعال، والمعاني في الأفعال، والمصدر، والفعل، والاشتقاق، وأبنية المصادر، والأمثلة - وهو يقابل تصريف الأفعال -، ثم باب الزيادة، فالإبدال، ثم الحذف.
__________
(25) إنباه الرواة 2/ 189 (هامش 3) عن طبقاتّ ابن قاضي شهبه، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 242، فوات الوفيات 2 / 369، شذرات الذهب 3/ 340، 10، وعبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده 47، عاِلم اللغة 29.
(26) شرح الشافية 1 / 18.
(27) المخطوطة و 2.
(28) وهذا الباب موجود في آخر كتاب الملوكي لابن جني، وشرحه لابن يعيش 461، ونزهة الطرف للميداني 41.

(1/11)


وهذه الأبواب هي جملة الأبواب الأصول الرئيسة التي يتناولها علم الصرف. وثمة تشابه واضح بين أبواب الكتاب ومادته من جهة، وما جاء في الملوكي لابن جني وشافية ابن الحاجب ونزهة الطرف للميداني، وقد أشرنا إلى ذلك في موضعه من التحقيق.
واعتمد- إلى حد بعيد في بعض الأبواب - على ما جاء في كتاب التكلمة للفارسي. ومن أهم القضايا التي ضمها الكتاب إجازته الوزن على البدل، فكِساء وزنه فِعال أو فِعاء (29) ، وقد أشرنا إليه في موضع سابق.
(4) منهجه:
اعتمد الجرجاني في هذا الكتاب طريقه الإيجاز، فهو يكتفي بإيراد القاعدة، والتمثيل لها بمثال أو اثنين، شأنه في ذلك شأن الكتب الموجزة كالملوكي في التصريف لابن جني، والشافية لابن الحاجب. فقد خلا الكتاب من الشواهد الشعرية، وضم ثلاثة شواهد قرآنية فقط، إضافة إلى ذكر أربعة أعلام فقط، وهذا أمر يبرّره منهجه الذي ارتضى الإيجاز واختاره. ونلاحظ خلوّ الكتاب من المسائل المعقدة الغريبة التي لم يقصد بها سوى الترويض والمعاياة، كما نلاحظ خلوّه من مسائل التمرين التي اختتمت بها بعض كتب الصرف الأخرى (30) .
(5) مصطلحاته وآراؤه: استخدم عبد القاهر الجرجاني مصطلحات قلّما نعثر عليها في كتب أخرى، فكأنه تميز باستخدامها. ومن هذه المصطلحات:
أ - أطلق لقب المُطابِق على الفعل المضاعف، ولقب النبر على المهموز العين، والهمزة على المهموز اللام، والقطع على المهموز الفاء (31) .
__________
(29) المفتاح - المخطوطة - و 2.
(30) مثل كتاب المنصف لابن جني، وشرح الملوكي لابن يعيش، والممتع لابن عصفور، وشافية ابن الحاجب.
(31) و 3
ظ 3.

(1/12)


ب - أطلق لقب ذي الثلاثة على الفعل الأجوف، لصيرورته على ثلاثة أحرف في المتكلم، نحو: قلت (32) .
ج - أطلق لقب ذي الأربعة على الفعل المعتل الناقص لصيرورته على أربعة أحرف في المتكلم، وهو: دعوت ورميت (33) .
د - استخدم مصطلح القلب المستوي، وهو أن تكون حروف الثاني مثل حروف الأول، ويختلفان في ترتيب حروف الكلمتين فقط، كما في قوله تعالى "وربّك فكبّر" (34) .
هـ - استخدم مصطلح الأفعال المنشعبة، ويعني بها المزيدة على الأصول الثلاثية أو الرباعية (35) .
و استخدم مصطلح الفعل الواقع والمجاوز للفعل المتعدي، وغير الواقع والمطاوع للفعل اللازم (36) .
ز - استخدم مصطلح "مصدر للنوع " ويعني به اسم الهيئة (37) . ومن الآراء التي وضّحها وتبناها، وقلّما تشيع في كتب الصرف:
أ - فرّق في الاستخدام بين الجحد والنفي (38) .
ب - يرى أن لاسم الفاعل صيغ مبالغة خاصة، تختلف عن تلك التي تستخدم لاسم المفعول، فبعد اسم الفاعل ذكر المبالغة منه: نصّار ونَصر مُطلقاً، وبعد اسم المفعول ذكر المبالغة منه: مِنْصار ومِنْصر مطلقاً (39) .
__________
(33) ظ 3، وقد ذكر الفارابي هذين المصطلحين "ذا الثلاثة وذا الأربعة" في مقدمة ديوان الأدب 135، تحقيق د. أحمد مختار عمر. (انظر هامش 50من بحث جهود عبد القاهر في الدراسات التصريفية، - مجلة مجمع اللغة العربية الأردني (عدد 28) .
(34) ظ 1.
(35) ظ 1. ظ 3، وقد استخدم الميداني هذا المصطلح بالمعنى نفسه في كتابه نزهة الطرف 11، 19، 25، 64.
(36) و 6.
(37) ظ 6.
(38) و 6.
(39) و 9.

(1/13)


ج- يرى أن عين "قلت وبعت" ثابت تقديراً لا سقاط، أي أنه أصلي انماز من الزائد.
د- تبنى رأي الأخفش والفراء في أصل أشياء ووزنها فأصلها أشيئاء على وزن
أفعلاء، ثم حذفت الهمزة التي هي لام الكلمة من وسط "أشياء" لكثرتها، وانفتحت
الياء لأجل الألف، فصار وزنها أفعاء (40) .
وما في الكتاب يوافق بشكل عام ما جاء في الكتب المتخصصة السابقة
واللاحقة، والفرق بين كتاب وآخر في الإيجاز أو الإسهاب، ووفرة الشواهد أو قلتها.

ثالثاً: معالم التحقيق
(1) وصف المخطوطة:
كتاب "المفتاح في الصرف " كتاب صغير الحجم، فهو يقع في سبع عشرة ورقة،
من القطع الصغير، في كل صفحة 19 سطراً، وفي السطر ما بين 8 كلمات -11
كلمة تقريباً، وهو مكتوب بخط فارسي معجم مشكول أحياناً قليلة، حيث يكون
الشكل لازما جداً -. وللكتاب نسخة وحيدة محفوظة في دار الكتب الوطنية الظاهرية
بدمشق.
وعلى صفحة الغلاف نجد العنوان:
"المفتاح في الصرف للجرجاني رحمه الله".
ونجد ختماً لدار الكتب الوطنية الظاهرية بدمشق، ورقم التصنيف:
"الهدايا رقم 10603 عام " وقد وضعت أرقام (من 1 -18) في أعلى
الصحائف، في وقت يبدوا أنه لاحق ومتأخر.
ولم يذكر اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ أيضاً.
(2) مظاهر النسخ
الكتاب ذو حواشي على جوانب الصحائف وأسفلها، وبين الأسطر أحياناً،
وهذا واضح في ظ 1 و 2، ظ2، و3. وهذه الحواشي بقلم مخالف وخط
مختلف تقريباً، وقد أشرت إليها في هامش التحقيق في أماكن ورودها.
__________
معني القرآن للفراء 1/21، المنصف 2/94 وما بعدها، الممتع 2/513، الإنصاف
(م 118) .

(1/14)


وقد سار الناسخ على طريقة التعقيبة، وأعني بها كتابة الكلمة الأولى من أول الصحيفة الجديدة في أسفل الصحيفة التي تسبقها.
- على المخطوطة ثلاثة أختام لدار الكتب الوطنية الظاهرية: الأول على صحيفة العنوان، والثاني في أعلى الصحيفة الأولى، والثالث في الزاوية اليمنى العلوية من ظ 5.
- خلط الناسخ في رسم الألفات، فرسم كلمة "دعا" بألف مقصورة كالياء (ظ 3، ظ 14) ، ورسم "أمسجا" بألف كالياء أيضاً (و 16) .
- حدث تصحيف في الفعل "وفى: وَفَيا: وَفَوْا، وَفَتْ وَفَتا: وَفَيْن، فِ "، فجاءت هذه الأفعال مصحّفة بالقاف المثنّاة بدلاً من الفاء الموحدة، ولو كانت هذه الأفعال بالقاف لكانت سليمة جائزة، لكن شكل الفاء واضح متميّز في صيغة الأمرِ فِ، ممّا يدل على أنّ الفعل المقصود بالفاء لا بالقاف.
- أسقط الناسخ الفاء من جواب الشرط وجواب أمّا (ظ 14، و15) .
-حدث خطأ في كتابة الهمزات، من ذلك: هناء يهنئ، وسباء يسباء، وصدء يصدء وجَرُء يَجْرُء (و 3، ظ 3) تبتداء (ظ 5) ، النسأ (و 9) ، التأ واليأ (ظ 5) ، ادّرا، والصواب ادّراء (و 16) .
- حدث خلط وخطأ في كتابة التاء بين المربوطة والمبسوطة (المفتوحة) ، مثل النوناة (و 9) ، جماعات (ظ 8) ، همزت، والصواب همزة (ظ 10) ، قسمت، والصواب قسمة (ظ 0 1، ظ 17) ، الاضافة (ظ 11) ، لالالتقاء، وصوابها لالتقاء (و10) .
- عرّف الناسخ العدد وتمبيزه معاً - على مذهب الكوفيين -، وذلك في قوله: العشرة الأبنية (و 2) .
ومن مظاهر النسخ الملحوظة الممّيزة أن الناسخ كان يضع في آخر كل فقرة هذه العلامة (51) ، وكأنه يعني بها "انتهى": "ا. هـ ". وكذلك فقد كان يضع خطاً أفقياً فوق الكلمة أو العبارة التي يريدها عنواناً لباب أو فصل أو بحث جديد مستقل عن سابقه، مثل:

(1/15)


- المثال، الأجوف، المقرون، المفروق (ظ 3) .
- بناء المعاني في الأفعال، والمتعدي إلى واحد،. . . (ظ 4) .
- اسم الآلة، الاشتقاق. (و 7) .
- مصادر الأفعال المنشعبة (و 8) .
- اسم الفاعل، اسم المفعول (و 10) .
- أمر الحاضر، اسم المفعول (ظ 11) .
- المهموز الفاء (و 12) .
- المهموز العين (ظ 12) .
- المنشعبة (و 13) .
- الأمر، ومن المضاعف، الزيادة (ظ 13) .
- فأمّا الواو والياء (ظ 14) .
- وأما الهمزة (و15) .
(3) دواعي التحقيق:
هو الكتاب المتخصص الوحيد في علم الصرف للجرجاني، أمّا رسالته "العمدة في التصريف " فرسالة موجزة لم تتضمّن الأبواب الموجودة في كتاب المفتاح، كأبنية الأسماء والزيادة والاشتقاق والمصدر وأبنية المصادر والإبدال، والحذف.
والجرجاني نفسه يقول في خطبة "العمدة في التصريف ": "هذه جمل من القول في التصريف. . . . . ".
إضافة إلى أنّ الجزء الخاص الذي يتناول الأبواب الصرفية في كتابه المقتصد على شرح الإيضاح، لم يحقق أو يطبع بعد. إضافة إلى شهرة عبد القاهر في الدراسات التي صنّف فيها، وفوق هذا كله، فهو كتاب من كتب التراث الذي نتحمل واجب تحقيقه ونشره.
(4) منهج التحقيق:
نهجت في التحقيق المنهج العلمي السائد، وكان غرضي أن أخرج النص المخطوط، وأنشره في أضبط شكل وأدّق صورة، وأقربها إلى الصورة التي وضعها المصنف.

(1/16)


فقمت بتحرير النص، والتزمت الدقة والأناة والأمانة العلمية، فصوّبت بعض الأخطاء الإملائية وفق قواعد الإملاء الحديثة السائدة.
وضعت الزيادة الضرورية لإتمام المعنى بين حاصرتن، هكذا [. . . . . .] ، ثم قمت بوضع علامات الترقيم المناسبة، للمساعدة في الكشف عن المعنى. ضبطت ما رأيت ضبطه ضروريّاً لازماً كالأمثلة، والشواهد - وهي قليلة -. وأثبت الحواشي في هوامش الكتاب، وأشرت إلى مواضعها. ووضعت خطاً مائلاً عند نهاية كلّ صحيفة من صحائف المخطوطة، هكذالله، وأثبتّ مقابله في هامش الصفحة المطبوعة رقم الصحيفة في المخطوطة، هكذا: و 1، ظ 1، و 2، ظ 2، و 3...................
علّقت على آراء المصنف وشرحتها، وقابلتها بآراء الصرفيين في كتبهم، وشرحت ما يحتاج إلى شرح وتوضيح. وختمت الكتاب المخطوط - بعد إتمام تحقيقه - بوضع مسارد (فهارس) فنية كاشفة، تساعد في الرجوع إلى الكتاب والاستفادة منه. فوضعت مسرداً للآيات القرآنية الكريمة وهي ثلاث آيات فقط، ومسرداً للأمثال والأقوال، وهي مثل وثلاثة أقوال، ومسرداً للأعلام، وهي أربعة، ومسرداً لموضوعات الكتاب، وأخيراً وضعت مسرداً - قائمة - بمصادر التحقيق ومراجعه.
وأودّ أن أنوّه بأن الأخ د. طارق نجم عبد الله من جامعة الملك عبد العزيز في جدّة قد كتب لي - مشكوراً - أنه يشكّ في نسبة هذا الكتاب إلى عبد القاهر لأسباب عديدة، أهمها في نظري: أنّه عثر على نقول نحوية في مخطوطة "عرائس المحصل من نفائس المفصّل "المنسوب للرازي، ذكر الرازي أنها من "مفتاح " عبد القاهر، ومخطوطنا هذا خاصّ بالصرف، خالٍ من مسائل النحو. وكذلك فهو يشكّ بأن اسم عبد القاهر المثبت على غلاف المخطوطة من الخطوط الحديثة ومختلف عن خطّ المخطوطة. وأن لعبد القاهر كتابا خاصّاً بالصرف اسمه "العمدة"، وله شرح على "التكملة" للفارسي. وقد آثرت التنويه بذلك في هذه المقدمة عرفاناً للزميل وخلقه الكريم، ووفاء له وللأمانة العلمية، لكي تكون كلّ الحقيقة بين يدي القارئ.
ولا بدّ من تسجيل شكري للأخ الأستاذ رضوان دعبول ومؤسسة الرسالة وموظفيها والقائمين عليها، لاهتمامهم بنشر التراث العربي وعنايتهم به، ودقّتهم وإجادتهم. كما أشكر للسيد بلال فتحي - الطالب في برنامج الماجستير في دائرة

(1/17)


اللغة العربية في جامعة اليرموك - لمساعدته في رقن الكتاب - نسخه على الآلة الكاتبة ومراجعته وضبط مادته بالشكل. وبعد، فهذا عمل متواضع أقدمه على هذه الصورة، راجياً أن أكون قد وفقت في الدراسة والتحقيق والتحشية والفهرسة -، حتى يكون الإسهام مقبولاً. وقد أفرغت من جهدي ما استطعت، واجتهدت أن يكون هذا العمل دقيقاً نافعاً إن شاء الله، فإن أصبت فالحمد لله، وإن كانت الأخرى فالحمد لله أيضاً، ولا حول ولا قوة إلا باللهّ، وأدرك أنّ الكمال لله سبحانه، وما أنا إلا بشر، طالبا من المولى عز وجلّ ألا يحرمني أجر المجتهد، فلكل مجتهد نصيب، وأن يكتب لي هذا العمل عنده، وأن يكون من باب العلم الذي ينتفع به، وأن يزيد في حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله وآله وأصحابه أجمعن.
الجمعة: التاسع والعشرون من ذي القعدة 1405 هـ.
الموافق: السادس عشر من آب 1985 م.
المحقق

(1/18)


صورة مخطوط

(1/19)


صورة مخطوط

(1/20)


صورة مخطوط

(1/21)


فارغ

(1/22)