أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

ج / 1 ص -290-        [باب أفعال المقاربة]:
هذا باب أفعال المقاربة:
[أفعال هذا الباب ثلاثة أنواع]:
وهذا من باب تسمية الكل باسم الجزء1، كتسميتهم الكلام كلمة.
وحقيقة الأمر أن أفعال الباب ثلاثة أنواع: ما وضع للدلالة على قرب الخبر، وهو ثلاثة: كاد، وأوشك، وكرب، وما وضع للدلالة على رجائه، وهو ثلاثة: عسى2، واخلولق، وحرى، وما وضع للدلالة على الشروع فيه، وهو كثير، ومنه: أنشأ، وطفق، وجعل، وعلق، وأخذ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأولى أن يقول: من باب التغليب؛ لأن تسمية الكل باسم الجزء إنما تكون بإطلاق اسم الجزء على ما تركب منه، ومن غيره، كتسمية المركب كلمة، أما تسمية الأشياء المجتمعة من غير تركيب باسم بعض فيسمى تغليبا كما هنا.
حاشية يس على التصريح: 1/ 203.
2 في "عسى" ثلاثة أقوال للنحاة.
الأول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة، ورجحه المتأخرون.
الثاني: أنها حرف في جميع الأحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم لم يتصل بها، وهو قول جمهرة الكوفيين، وثعلب، وابن السراج.
والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب، كما في قول صخر بن العود الحضرمي.
ومنه قول الراجز:

تقول بنتي: قد أنى أناكا                             يا أبتا علك أو عساكا

ومنه قول عمران بن حطان الخارجي:

ولي نفس تنازعني إذا ما                     أقول بها: لعلي أو عساني 

فهي في مثل هذه الشواهد حرف، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قوله سيبويه شيخ النحاة. مغني اللبيب: 201.

 

ج / 1 ص -291-        [شرط عمل هذه الأفعال]:
ويعملْنَ عمل "كان"، إلا أن خبرهن يجب كونه جملة1، وشذ مجيئه مفردا بعد "كاد" وعسى، كقوله2: [الطويل]

118- فأُبْتُ إلى فهم وما كدت آئبا3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إنما وجب ذلك؛ لأن الحكم يتوجه إلى مضمون الجملة.
2 القائل: هو تأبط شرا، واسمه: ثابت بن جابر بن سفيان، وقيل ثابت بن عمسل، كان شاعرا بئيسا، يغزو على رجليه وحده.
الشعر والشعراء: 1/ 312، الأغاني: 18/ 209، الخزانة: 1/ 66، الاشتقاق: 162.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

وكم مثلها فارقتها وهي تصفر

والبيت من كلمة، اختارها أبو تمام في حماسته، وأولها قوله:

إذا المرء لم يحتَلْ وقد جدَّ جدُّه                   أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 203، وابن عقيل "58/ 1/ 325"، والأشموني: "231/ 1/ 128" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 107، والإنصاف: 544، وشرح المفصل: 7/ 13، 119 والعيني: 2/ 165، والخزانة: 3/ 54، 4/ 90، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: 83.
المفردات الغريبة: أبت: رجعت. فهم: اسم قبيلته، وأبوها فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، تصفر، تخلو، والمراد هنا تتأسف وتتحزن على إفلاتي منها بعد أن ظنوا أنهم قد قدروا عليَّ، وكان ذلك بعد أن أفلت من بني لحيان، وقد أحكموا خطة؛ ليوقعوا به عندما كان يشتار عسلا من فوق جبل.
المعنى: رجعت إلى قبيلتي "فهم" وما كدت أعود إليها بعد مفارقتي لها، وكثير من القبائل مثلها تركتها وهي تتحسر وتتأسف على تركي لها.
الإعراب: فأبت: الفاء عاطفة، أبت: فعل وفاعل. "إلى فهم": متعلق بـ "أبت". وما: الواو حالية "ما" نافية. كدت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: اسمه آئبا: خبر كاد، و"الجملة" في محل نصب على الحال وكم: خبرية، تفيد التكثير، في محل رفع مبتدأ. مثلها: مضاف إليه وهو تمييز كم" و"ها": مضاف إليه ثانٍ. فارقتها: فعل وفاعل ومفعول به، و"الجملة": في محل رفع خبر "كم". وهي: الواو
حالية، والضمير بعدها مبتدأ تصفر: فعل مضارع، والفاعل: هي و"الجملة" في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة "المبتدأ وخبره"، في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "وما كان آئبا".
وجه الاستشهاد: عمل "كاد" عمل "كان" ومجيء خبرها اسما مفردا، وحكم مجيء خبر كاد اسما مفردا شاذ، لا يقاس عليه؛ لأن الأصل في خبرها أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، وبعض النحاة أنكروا رواية البيت على الوجه السابق، وزعموا أن الرواية الصحيحة "وما كنت آئبا".

 

ج / 1 ص -292-        وقولهم: "عسى الغوير أبؤسا"1.
وأما:
{فَطَفِقَ مَسْحًا}2، فالخبر محذوف، أي: يمسح مسحا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا مثل قالته العرب، وذكره الميداني في مجمع الأمثال: "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 17.
وأصله: أن قوما كانوا في غار، فانهار عليهم، فماتوا جميعا، ثم تمثلت به الزباء ملكة الجزيرة، حين رجع إليها قصير ومعه الرجال والغوير: تصغير الغار، وهو اسم ماء لبني كليب. الأبؤس: جمع بؤس أو بأس، ومعناه: العذاب والشدة. والمعنى: لعل الشر يأتيكم من قبل الغوير، فصار مثلا يضرب للرجل يتوقع الشر من جهة بعينها. شرح التصريح: 1/ 204.
موطن الشاهد: "عسى الغوير أبؤسا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" مفردا، وحكم هذا أنه شاذ، ولا يقاس عليه، كما في الشاهد السابق، وهذا تخريج سيبويه وأبي علي الفارسي، وذهب ابن الأعرابي، إلى أن "أبؤسا" منصوب بفعل محذوف، والتقدير: عسى الغوير يصير أبؤسا، وقدره الكوفيون: عسى الغوير أن يكون أبؤسا، وذهب آخرون إلى أن "أبؤسا": مفعول به لفعل محذوف، والتقدير: يأتي بأبؤس، وكان الصواب أن يقدر على هذا الوجه يأتي أبؤسا؛ لأن "أتى" يتعدى بنفسه؛ وأما ابن هشام فيرى أنه مفعول مطلق لعامله المحذوف، والتقدير: عسى الغوير يبأس أبؤسا. انظر شرح التصريح: 1/ 203-204.
2 "38" سورة ص، الآية: 33.
موطن الشاهد:
{طَفِقَ مَسْحًا}.
وجه الاستشهاد: حذف عامل المفعول المطلق، وهو "يمسح" الواقع خبر لـ "طفق"، والذي جوز حذف العامل دلالة المصدر عليه، فأقيم مقامه، واسم "طفق" يعود إلى سليمان عليه السلام، وفي هذه الآية رد على ابن مالك، حيث قال: "وحذف عامل المؤكد امتنع". شرح التصريح: 1/ 204.

 

ج / 1 ص -293-        وشرط الجملة: أن تكون فعلية، وشذ مجيء بعد "جعل" في قوله1: [الوافر]

119- وقد جعلت قلوص بني سهيل                     من الأكوار مرتعها قريب2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "233/ 1/ 128"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 108، والخزانة: 4/ 92، والعيني: 2/ 170، والمغني: "423/ 310" والسيوطي: 206.
المفردات الغريبة: قلوص: بفتح القاف: الشابة من النوق. بني سهيل: ويروى مكانه ابني سهيل، الأكوار: جمع كور وهو الرحل بأدواته، وقد يكون "الكور" بفتح الكاف: الجماعة من الإبل: مرتعها: المكان الذي ترعى فيه.
المعنى: أخذت هذه النوق الفتية ترعى بالقرب من رحالها أو من جماعة الإبل التي تجاورها، وذلك لما بها من الإعياء والتعب، فلم تستطع البعد عن الرحال.
الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان"، والتاء: للتأنيث. قلوص: اسم جعل مرفوع. بني: مضاف إليه. سهيل: مضاف إليه ثانٍ. "من الأكوار": متعلق بـ "قريب" مرتعها: مبتدأ، و"ها": مضاف إليه. قريب: خبر مرفوع، وجملة "مرتعها قريب": في محل نصب على الحال.
وذهب آخرون إلى أن "جعل" بمعنى "صار"، وليست من أفعال الشروع، وعليه، فـ "قلوص": اسم جعل، وجملة مرتعها قريب: خبر، ولا شاهد في البيت على هذين التخريجين.
وانظر شرح التصريح: 1/ 204، وحاشية الصبان: 1/ 259-260.

 

ج / 1 ص -294-        وشرط الفعل ثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون رافعا لضمير الاسم1، فأما قوله2: [البسيط]

120- وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني                  ثوبي ........................ 3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: الاسم الذي لهذه الأفعال نحو:
{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}، وذلك؛ لأن أفعال هذا الباب إنما جاءت؛ لتدل على أن مرفوعها هو الذي قد تلبس بالفعل، أو شرع فيه لا غيره، فلا بد في الفعل من ضمير يعود على المرفوع؛ ليتحقق ذلك.
التصريح: 1/ 204.
2 القائل هو: عمرو بن أحمر الباهلي، شارع مجيد من مخضرمي الجاهلية والإسلام، يُعرَف بكثرة غريبه في الشعر، وبصحة كلامه؛ وذلك لأنه كان في أفصح بقعة من الأرض أهلا، وهذا الموضع هو "يذبل" جبل مشهور لباهلة، وكان عمرو أعور العين؛ وذلك لسهم أصابه في عينه، عمَّر تسعين سنة وسقي بطنه فمات.
الشعر والشعراء: 1/ 356، والجمحي: 2/ 580، المؤتلف: 37، الخزانة: 3/ 38، اللآلي: 307.
3 تخريج الشاهد: البيت بتمامه هو:

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني             ثوبي، فأنهض نهض الشارب السكر

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204 برواية "الثمل"، والأشموني: "245/ 1/ 130" وهمع الهوامع: 1/ 128، 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 102، 1/ 109، والخزانة: 4/ 93، "الثمل" والمقرب: 18، والعيني: 2/ 173، والمغني: "984/ 754" برواية "ثمل" والسيوطي: 308 وشذور الذهب: "87/ 252، 359".
وقد ذكر الرواة بيتا مثله من كلام أبي حية النميري، وهو:

وقد جعلت إذا ما قمت يوقعني              ظهري، فقمت قيام الشارب السكر

ويروى أيضا:

وقد جعلت إذا ما نمت أوجعني               ظهري وقمت قيام الشارف الظهر

حاشية الصبان: 1/ 263.
المفردات الغريبة: يثقلني: يجهدني ويتعبني، أنهض: أقوم، ومصدره النهض. السكر: صفة مشبهة بمعنى الثمل وهو الذي أخذ منه الشراب، وأضعف قواه.
المعنى: جعلت إذا قمت يجهدني ويتعبني ثوبي الذي ألبسه؛ لِما بي من ضعف، فأقوم بمشقة، كما يقوم السكران الذي أخذ منه من الشراب وأضعف قواه.
الإعراب: جعلت: فعل ماضٍٍ من أفعال الشروع، يعمل عمل "كان" والتاء: اسمه. إذا: ظرفية متضمنة معنى الشرط. ما زائدة. قمت: فعل ماضٍٍ وفاعل: يثقلني: فعل مضارع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. ثوبي: فاعل يثقل، وهو مضاف،  =

 

ج / 1 ص -295-        وقوله1: [الطويل]

121- وأسقيه حتى كاد مما أبثّه                     تكلمني أحجاره وملاعبُهْ2

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والياء: مضاف إليه، وهذا الإعراب على الوجه الذي استشهد المؤلف بالبيت لإبرازه. فأنهض: الفاء عاطفة، أنهض: فعل مضارع، وفاعله مستتر وجوبا، تقديره: أنا: نهض: مفعول مطلق مبين لـ "النوع". ونهض: مضاف، والشارب: مضاف إليه. السكر: صفة لـ "الشارب" مجرورة.
موطن الشاهد: "جعلت يثقلني ثوبي".
وجه الاستشهاد: وقوع خبر "جعل" فعل مضارعا "يثقلني" وقد رفع اسما ظاهرا، هو "ثوبي" مضاف إلى ضمير عائد إلى اسم جعل كما يدل ظاهر البيت وذلك غير جائز عند النحويين؛ لأنهم يشترطون في أفعال الشروع أن تكون أخبارهم مضارعة رافعة لضمير مستتر يعود إلى الاسم، فكان عليه أن يقول: "جعلت أثقل".
وذهب العلامة العيني إلى أن "جعلت" فعل واسمه، و"يثقلني": خبره وقوله: "ثوبي" بدل من اسم جعلت، بدل اشتمال، وليس فاعل يثقلني.
انظر شرح الشواهد للعيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 263-264.
1 القائل هو: ذو الرمة، غيلان بن عقبة، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة طويلة للشاعر، مطلعها:

وقفت على ربع لمية ناقتي                   فما زلت أبكي عنده وأخاطبه.

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 204، والأشموني: "244/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131، والدرر اللوامع: 1/ 108، وكتاب سيبويه: 2/ 235، وشرح شواهد الشافية للبغدادي: 41، والعيني: 2/ 176، وديوان ذي الرمة: 38.
المفردات الغريبة: أبثه: أظهر له بثي، والبث: شدة الحزن. ملاعبه: جمع ملعب، وهو مكان اللعب، والضمير عائد على ربع مية.
المعنى: وقفت أسقي ربع مية بدموعي؛ أو أدعو له بالسقيا وأظهر ما عندي من أسى وألم وحزن، حتى كادت أحجاره وأماكن اللعب فيه تجيبني إشفاقا علي ورحمة بي.
الإعراب: أسقيه: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، و"الهاء" مفعول به. حتى: حرف غاية وجر. كاد: فعل ناقص، واسمه يعود إلى الأحجار والملاعب. "مما": متعلق بـ "تكلمني:" أبثه: فعل مضارع، والفاعل: أنا و"الهاء": مفعول به، وجملة "أبثه": صلة للموصول "ما" لا محل لها. تكلمني: فعل مضارع مرفوع، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به، والفاعل: هو، يعود إلى "أحجاره" الواقع بدلا من الضمير المستتر في "كاد" العائد إلى الربع؟ والأصل: كاد هو أحجاره وملاعبه تكلمني.
موطن الشاهد: "كاد تكلمني أحجاره".
وجه الاستشهاد: وقوع خبر كاد فعلا مضارعا رافعا الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير الاسم، وهو كالشاهد السابق، ولذا أعربناه الإعراب الذي يتفق والقاعدة.

 

ج / 1 ص -296-        فثوبي وأحجاره بدلان من اسمي جعل وكاد، ويجوز في "عسى" خاصة أن ترفع السببيَّ1، كقوله2: [الطويل]

122- وماذا عسى الحجاج يبلغُ جُهْدَُهُ3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد بالسببي: الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير يعود على الاسم المرفوع بعسى، وانظر إلى قوله "جهده" في رواية الرفع، تجده اسما مرفوعا بعسى ظاهرا مضافا إلى ضمير يعود إلى الحجاج، وهو المرفوع بعسى.
2 القائل هو البرج التميمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
3 تخريج الشاهد: البيت كما نسبه ياقوت للبرج التميمي، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ألزمه البعث إلى المهلب بن أبي صفرة لقتال الأزارقة، فهرب منه إلى الشام. وقد نسبه العيني، والشيخ خالد الأزهري إلى الفرزدق. انظر شرح العيني بذيل حاشية الصبان: 1/ 264 وشرح التصريح: 1/ 205، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 205، والأشموني: "246/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 131 والدرر اللوامع: 1/ 108، والعيني: 2/ 180، وليس في ديوان الفرزدق، والشاهد صدر البيت، وعجزه:

إذا نحن جاوزنا حفير زياد

المفردات الغريبة: جهده، الجهد: الطاقة والوسع. حفير زياد: هو موضع على خمس ليالٍ من البصرة. وزياد هو ابن أبي سفيان أخو معاوية، وكان واليا على العراق.
المعنى: ما الذي يرجو الحجاج أن يناله منا إذا نحن جاوزنا هذا الموضع، وأصبحنا في أمن من اللحاق بنا؟ والاستفهام إنكاري أي: إنه لا يرجى له شيء مما يريد.
الإعراب: ماذا: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، أو ما: في محل رفع مبتدأ، و"ذا" اسم موصول: خبر، وعلى هذا، فجملة "عسى": صلة للموصول، لا محل لها؛ لأن المعنى: ما الذي يقال فيه عسى؟، ومعلوم أن الإنشاء لا يقع صلة. عسى: فعل ماضٍ ناقص. الحجاج: اسمه. يبلغ فعل مضارع وفاعل. جهده: مفعول به، والهاء: مضاف إليه على رواية النصب. أما على رواية الرفع فجهده فاعل يبلغ مرفوع بالضمة الظاهرة، والهاء: مضاف إليهظ وجملة "يبلغ جهده": في محل نصب خبر "عسى".
موطن الشاهد: "عسى الحجاج يبلغ جهده".
وجه الاستشهاد: رفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى وهو "يبلغ" اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير عائد إلى اسم عسى، وهو "جهده"، وهذا سائغ في "عسى" من دون أخواتها على رأي الجمهور، وبعضهم يرى أن "جهده" بالنصب مفعول "يبلغ" والفاعل يعود إلى الحجاج، فلا شاهد إذًا، على رواية النصب.
وفي البيت شاهد آخر على مجيء خبر ليس فعلا مضارعا غير مقترن بـ "أن" المصدرية.

 

ج / 1 ص -297-        يروى بنصب "جهده" ورفعه.
الثاني: أن يكون مضارعا1، وشذ في "جعل" قول ابن عباس2 رضي الله عنهما: "فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا"3.
الثالث: أن يكون مقرونا بأن إن كان الفعل حرى أو اخلولق، نحو: "حرى زيد أن يأتي" و"اخلولقت السماء أن تمطر"4، وأن يكون مجردا منها إن كان الفعل دالا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: في اللفظ والإعراب، ولكن معناه ماضٍٍ قريب من الحال في الزمن، مثل "كا" وأخواتها.
2 ابن عباس: هو أبو العباس، عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، حبر الأمة وترجمان القرآن، وفقيه عصره، ولد سنة 3 ق. هـ، لازم النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث، شهد مع علي بن أبي طالب "الجمل" "وصفين"، وله في الصحيحين 1660 حديثا، ينسب إليه كتاب في تفسير القرآن، جمعه بعض أهل العلم، مات سنة 68هـ.
سير أعلام النبلاء: 3/ 331، وفيات الأعيان: 3/ 62، البداية والنهاية: 8/ 295، الإصابة: 2/ 330.
3 قال ابن عباس ذلك مبنيا حال الناس عندما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة. وأما الإعراب، فـ "جعل": فعل ناقص. الرجل: اسمه. إذا: ظرفية زمانية. لم: جازمة. نافية. يستطع: مضارع مجزوم، والفاعل هو، أن: حرف مصدري ونصب، يخرج: فعل مضارع منصوب، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب مفعول به، والتقدير: لم يستطع الخروج. أرسل: فعل ماضٍٍ، والفاعل: هو رسولا: مفعول به، وجملة "أرسل رسولا": في محل نصب خبر "جعل".
موطن الشاهد: "جعل الرجل........... أرسل رسولا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "جعل" فعلية، فعلها ماضٍ، وحكم مجيئه ماضيا شاذ ولا يقاس عليه.
4 المقصود بـ "أن" المقترن بها -هنا- أن المصدرية الناصبة وجوبا، وذلك للإشعار بأن الفعل السابق عليها، يفيد الرجاء في المستقبل، وأما خبر الفعل الناسخ السابق لها، فيكون مصدرا منسبكا من "أن وما دخلت عليه"، وفي هذه الحال، يحصل إشكال، وهو الإخبار بالمعنى عن الجثة، وهذا غير جائز، وللتخلص من هذا الإشكال؛ فإما أن يظل الأمر على ظاهره، ويقصد به المبالغة، وإما أن يقدر مضاف قبل أو بعد الناسخ، ففي نحو: عسى زيد أن يذهب، يكون التقدير: عسى زيد صاحب قيام، وهذا أفضل، وقيل: يغتفر في هذا الباب الإخبار بالمعنى عن الجثة.
وانظر شرح التصريح: 1/ 206.

 

ج / 1 ص -298-        على الشروع1، نحو: {وَطَفِقَا يَخْصِفَان}2، والغالب في خبر "عسى" و"أوشك" الاقتران بها، نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}3، وقوله:4 [الطويل]

123- ولو سُئِل الناسُ الترابَ لأوشكوا                 إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن الشروع في الفعل والأخذ فيه ينافيان الاستقبال الذي تفيده "أن".
2 "7" سورة الأعراف، الآية: 22، و"20" سورة طه، الآية: 121.
موطن الشاهد:
{طَفِقَا يَخْصِفَانِ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "طفق" دالا على الشروع، ومجيء خبره "يخصفان" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرُّد الخبر من "أن" مع أفعال الشروعِ الوجوبُ، ومعنى "يخصفان" في الآية الكريمة: يلصقان.
3 "17" سورة الإسراء، الآية: 8.
موطن الشاهد:
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}.
وجه الاستشهاد: مجيء خبر عسى جملة فعلية، فعلها مضارع مقترن بـ "أن"، وحكم اقتران "أن" بالفعل المضارع الواقع جوابا لـ "عسى" الجواز مع التغليب.
4 لم ينسب إلى قائل معين.
5 تخريج الشاهد: يروى قبل البيت الشاهد قوله:

أبا مالك، لا تسأل الناس والتمس                  بكفيك فضل الله، والله واسعُ

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 206، والأشموني: "238/ 1/ 129" وابن عقيل: "89/ 1/ 332"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، ومجالس ثعلب: 433، وأمالي الزجاجي: 197 والعيني: 2/ 182، واللسان: "وشك" وشذور الذهب: "127/ 353".
المفردات الغريبة: لأوشكوا: لَقَربوا. يملوا: يسأموا ويضجروا.
المعنى: لو سئل الناس إعطاء التراب وهو شيء تافهٌ لا قيمة له لكرهوا الطلب، وكادوا يمنعونه، إذا قيل لهم: هاتوا؛ وذلك لما طبعوا عليه من الحرص، أو لكراهة الطلب.
الإعراب: لو: شرطية غير جازمة. سئل: فعل ماضٍٍ مبني للمجهول. الناس: نائب فاعل. التراب: مفعول به ثانٍ منصوب، والمفعول الأول انقلب نائب فاعل؛ لِبناء =

 

ج / 1 ص -299-        والتجرد قليل، كقوله1: [الوافر]

124- عسى الكرب الذي أمسيت فيه                      يكون وراءه فرجٌ قريبُ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الفعل للمجهول. لأوشكوا: اللام واقعة في جواب "لو"، أوشكوا: فعل ماضٍ ناقص، والواو: اسمه. إذا: ظرف متضمن معنى الشرط قيل: فعل ماضٍ مبني للمجهول، وهو فعل الشرط لـ "إذا"، ونائب الفاعل محذوف، والتقدير: قيل لهم، أو قيل القول. هاتوا: فعل أمر، والواو: فاعل، وجملة "هاتوا": مقول القول في محل نصب. أن: حرف مصدري ونصب. يملوا: فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، و"المصدر المؤول": في محل نصب خبر "أوشك". ويمنعوا: معطوف على "يملوا".
موطن الشاهد: "أوشكوا..... أن يملوا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "أوشك" فعلا مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم اقتران جواب "أوشك" بـ "أن" الجواز مع التغليب. وفي البيت شاهد آخر، على مجيء "أوشك" بصيغة الماضي، وفي هذا رد على من لا يجوز وقوعها إلا بصيغة المضارع.
1 القائل هو: هدبة بن خشرم العذري، شاعر إسلامي من أهل بادية الحجاز، توفي سنة 50هـ. الشعر والشعراء: 2/ 691، الاشتقاق: 320، الأغاني: 21/ 169، الخزانة: 4/ 81.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من قصيدة، قالها وهو في الحبس، وقد روى أكثر هذه القصيدة أبو علي القالي في أماليه، وروى أبو السعادات بن الشجري في حماسته أكثر مما رواه القالي، وأول هذه القصيدة:

طربت وأنت أحيانا طروبُ                        وكيف وقد تعلَّاك المشيبُ؟

يجدَّ النأي ذكرك في فؤادي                     إذا ذهلت على النأي القلوبُ

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 206، وابن عقيل: "86/ 1/ 327"، والأشموني: "234/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 478، والمقتضب: 3/ 70 والجمل للزجاجي: 209، والمرزباني: 483، وشرح المفصل: 7/ 117، 121، والمقرب: 17 والخزانة: 4/ 81، والعيني: 2/ 184، والمغني: "270/ 203" "983/ 754" وشرح السيوطي لأبيات المغني: 152.
المفردات الغريبة: الكرب: الهمّ والغمّ. أمسيت: يروى بفتح التاء وضمّها، والمراد صرت. فرج: أي كشف للكرب والغم.
المعنى: عسى هذا الخطب الذي ألم بي أن يكشفه الله تعالى عن قريب.
الإعراب: عسى: فعل ماضٍٍ ناقص. الكرب: اسم عسى. الذي: صفة لـ "الكرب".
أمسيت: فعل ماضٍٍ ناقص، والتاء: اسمه. "فيه" متعلق بالخبر المحذوف، =

 

ج / 1 ص -300-        وقوله1: [المنسرح]

125- يوشك من فر من منيته          في بعض غراته يوافقها2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وجملة "أمسيت فيه": صلة للموصول، لا محل لها. يكون: فعل مضارع ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه يعود إلى الكرب. "وراءه" متعلق بخبر مقدم محذوف، وهو مضاف، و"الهاء": مضاف إليه. فرج: مبتدأ مؤخر مرفوع. قريب: صفة لـ "فرج"، وجملة "وراءه فرج": في محل نصب خبر "يكون"، وجملة "يكون وراءه فرج قريب": في محل نصب خبر "عسى".
موطن الشاهد: "يكون وراءه......".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "عسى" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرَّد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع القلة.
فائدة: في الشاهد السابق، لا يجوز أن نعرب "فرج" "يكون" و"وراءه" متعلق بخبر محذوف تقدم عليه؛ لأن ذلك، يقتضي أن يرفع المضارع الواقع خبرا لـ عسى" اسما ظاهرا، وهو ممتنع بالإجماع. انظر شرح التصريح: 1/ 206.
1 القائل هو: أمية بن أبي الصلت، واسم أبيه عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي رغب في جاهليته عن عبادة الأوثان، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث بعث، كان شعره بأحاديث أهل الكتاب، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين أنشد شعره:
"آمن لسانه وكفر قلبه" مات سنة: 5هـ. الشعر والشعراء: 1/ 459، الأغاني: 3/ 179، الخزانة: 1/ 118، شعراء الجاهلية: 219-237.
2 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "90/ 1/ 333"، والأشموني: "239/ 1/ 129" وهمع الهوامع: 1/ 129، 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 103، 1/ 106، والكتاب لسيبويه: 1/ 479 والكامل للمبرد: 43، وشرح المفصل: 7/ 126، والمقرب: 17، والعيني: 2/ 187 وحاشية الدمنهوري: 87، 91، 96، وشذور الذهب: "129/ 355"، وديوان أمية: 42.
المفردات الغريبة: منيته، المنية: الموت. غراته، جمع غرة، بكسر الغين: وهي الغفلة. يوافقها: يصيبها، ويقع عليها.
المعنى: إن من فر وهرب من الموت جبنا وخوفا في حرب أو نحوها يقرب أن يدركه الموت، وينزل به في بعض غفلاته.
الإعراب: يوشك: فعل مضارع ناقص. مَن: اسم موصول، في محل رفع اسم "يوشك". فر: فعل ماضٍ، والفاعل: هو. وجملة "فر": صلة للموصول، لا محل لها. "من منيته": متعلق بـ "فر"، والهاء: مضاف إليه "في بعض": متعلق بـ "يوافقها". غراته: مضاف إليه، وهو مضاف، والهاء: مضاف إليه. يوافقها: فعل مضارع، والفاعل: هو، و"ها" مفعول به، وجملة "يوافقها": في محل نصب خبر "يوشك".
موطن الشاهد: "يوشك من....... يوافقها".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "يوشك" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم تجرده منها الجواز مع القلة.

 

ج / 1 ص -301-        وكاد وكرب بالعكس1، فمن الغالب قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُون}2، وقول الشاعر3: [الخفيف]

126- كرب القلب من جواه يذوب4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: يغلب في خبرهما التجرد من "أن"؛ وذلك لأنهما يدلان على شدة مقاربة الفعل، فأشبها أفعال الشروع واقترانهما بأن في النادر بالنظر لأصلهما.
التصريح: 1/ 207.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 71.
موطن الشاهد:
{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كاد" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن" وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب.
3 الشاعر: هو الكلحبة اليربوعي، ويقال له: العريني، واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين من بني تميم وساداتها، ويعرف بفارس العرادة. الخزانة. 1/ 392، الاشتقاق: 226.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

حين قال الوشاة: هند غضوب.

ينسب البيت أيضا إلى رجل من طيء، وهو من شواهد، التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "91/ 1/ 335"، والأشموني: "242/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 130، والدرر اللوامع: 1/ 105، والعيني: 2/ 189، وشذور الذهب: "130/ 356".
المفردات الغريبة: جواه: الجوى، شدة الوجد. الوشاة، جمع واشع، من وشى به إذا نم عليه. ويروى: حين قال العذول: وهو اللائم في المحبة. غضوب: فعول بمعنى فاعل، وهي صفة من الغضب.
المعنى: قرب قلبي من شدة وجده وحزنه وحرقته يسيل، حين قال الساعون المفسدون بين الأحبة. هند غاضبة عليك.
الإعراب: كرب: فعل ماضٍ ناقص. القلب: اسمه. "من جواره" متعلق بـ "يذوب" الآتي، أو بقوله "كرب" والهاء: مضاف إليه. يذوب فعل مضارع، والفاعل: هو، وجملة "يذوب": في محل نصب خبر كرب. "حين": متعلق بـ "يذوب". قال: فعل =

 

ج / 1 ص -302-        ومن القليل، قوله1: [الخفيف]

127- كادت النفس أن تفيض عليه2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ماضٍٍ. الوشاة: فاعل. هند: مبتدأ. غضوب: خبره، وجملة "هند غضوب": في محل نصب مقول القول، وجملة "الفعل وفاعله ومفعوله" في محل جر بالإضافة.
موطن الشاهد: "كرب القلب...... يذوب".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" جملة فعلية، فعلها مضارع مجرد من "أن"، وحكم مجيئه مجردا منها الجواز مع التغليب.
1 القائل: هو محمد بن مناذر، أبو ذريح، وقيل أبو جعفر، أحد شعراء البصرة، كان مولى لنبي يربوع، أدرك المهدي العباسي ومدحه، وكان كثير المعرفة يجالس سفيان بن عيينة أحد الفقهاء المشهورين فيسأله سفيان عن غريب الحديث ومعانيه. مات في أيام المأمون. الشعر والشعراء: 2/ 869-871، الأغاني: 17/ 9-30، معجم الأدباء: 19/ 55.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

إذ غدا حشو ريطةٍ وبرودِ

البيت من قصيدة لابن مناذر، يرثي فيها رجلا اسمه عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وكان ابن مناذر يحبه، ويشغف به، وكان الآخر يحب ابن مناذر، ويعينه على دنياه.
وأول هذه القصيدة قوله:

ما لحي مؤمل من خلودِ                     كل حي لاقى الحمام فَمُودِ

وقبل الشاهد قوله:

إن عبد المجيد يوم توفي                      هَدَّ رُكنًا ما كان بالمهدودِ

ليت شعري وهل درى حاملوه                ما على النعش من عفاف وجودِ

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "88/ 1/ 330"، والأشموني: "235/ 1/ 129"، والشذور: "131/ 357"، والمغني: "1123/ 868"، وشرح السيوطي: 321.
المفردات الغريبة: تفيض: من فاضت نفس فلان، وهي لغة تميم، ويروى مكانه "تفيظ" على لغة قيس وكل الرواة يجيزون أن تقول: فاظت نفسه، إلا الأصمعي، فأبى أن تقول إلا: فاظ فلان، أو تقول: فاضت نفس فلان، ريطة "بفتح الراء": الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، وأراد بها الأكفان التي يلف بها الميت.
المعنى: قاربت النفس أن تخرج من جسدها، حزنا على هذا الميت، حين صار مدرجا في أكفانه.

 

ج / 1 ص -303-        وقوله1: [الطويل]

128- وقد كربت أعناقها أن تقطعا2

ولم يذكر سيبويه في خبر كرب إلا التجرد من أن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإعراب: كادت النفس: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. النفس: اسم "كاد" مرفوع. أن: حرف مصدري ونصب. تفيض: فعل مضارع منصوب لـ "أن" والفاعل: هي، وجملة "تفيض": صلة للموصول الحرفي، لا محل لها، والمصدر المؤول من "أن وما بعدها": في محل نصب نصب خبر "كاد". "عليه" متعلق بـ "تفيض". إذ: ظرف للزمان الماضي، متعلق بـ "تفيض". غدا: فعل ماضٍٍ بمعنى صار، واسمه، ضمير مستتر جوازا، تقديره: هو، يعود إلى المرثي. حشو: خبر "غدا" منصوب، وهو مضاف. ريطة: مضاف إليه. وبرود: معطوف على ريطة مجرور مثله.
موطن الشاهد: "أن تفيض".
وجه الاستشهاد: اقتران خبر "كاد" بـ "أن" وحكم اقتران خبرها بها الجواز مع القلة كما في المتن.
1 القائل: هو أبو هشام بن زيد الأسلمي. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
2 هذا عجز بيت، وصدره قوله:

سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما

وهو من كلمة للشاعر يهجو فيها إبراهيم بن اسماعيل بن المغيرة والي المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان، وكان قد مدحه من قبل، فلم ترقه مدحته فلم يعطه، وأمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة:

مدحت عروقا للندى مصت الثرى                  حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا

نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى                    وحلَّبت الأيامَ والدهر أضرُعا

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 207، وابن عقيل: "92/ 1/ 335"، والأشموني: "241/ 1/ 130"، وهمع الهوامع: 1/ 30، والدرر اللوامع: 1/ 105، والمقرب: 17 وشذور الذهب: "132/ 358".
المفردات الغريبة: الأحلام: العقول، جمع حلم. سجلا: دلوا عظيمة. الظمأ: العطش. الأعناق: جمع عنق وهو الرقبة.
المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني، إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس، حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت؟ ويقصد بذوي الأرحام بني مروان ويريد الشاعر أن يقول: إن الذين مدحتهم حديثو عهد بالنعمة واليسار، ومثل هؤلاء لا يرتجى خيرهم.

 

ج / 1 ص -304-        [أفعال المقاربة ملازمة لصيغة الماضي إلا أربعة]:
وهذه الأفعال ملازمة لصيغة الماضي، إلا أربعة استعمل لها مضارع، وهي "كاد" نحو:
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}1، وأوشك، كقوله:
يوشك من فر من منيته2
وهو أكثر استعمالا من ماضيها، و"طفق"، حكى الأخفش: طفق يطفق كضرب يضرب، وطفق يطفق كعلم يعلم، و"جعل"، حكى الكسائي: "إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه".
[استعمال اسم فاعل ثلاثة منها]:
واستعمل اسم فاعل لثلاثة، وهي: "كاد" قاله الناظم، وأنشد عليه3: [الطويل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: سقاها: فعل ماضٍ، ومفعول به أول. ذوو: فاعل مرفوع. الأحلام: مضاف إليه. سجلا: مفعول به ثانٍ منصوب. "على الظما": متعلق بـ "سقاها". وقد: الواو حالية. قد: حرف تحقيق. كربت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث. أعناقها: اسم كَرُبَ، و"ها" مضاف إليه. أن: حرف مصدري ونصب. تقطعا: فعل مضارع، حذفت إحدى تاءيه تخفيفا، منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والألف للإطلاق، والفاعل: ني، والمصدر المؤول في محل نصب خبر "كرب"، الجملة من "كرب واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "أن تقطعا".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "كرب" مضارعا مقترنا بـ "أن" وحكم هذا الاقتران جائز مع القلة، وفي الشاهد رد على سيبويه الذي لم يحك فيه غير التجرد، فالبيت حجة عليه، ومثل هذا الشاهد، قول العجاج:

لقد برئت أو كربت أن تبورا                           لما رأيت بيهسا مثبورا

فاقترن جواب كرب بـ "أن" وهو قليل نادر، كما أسلفنا.
1 "24" سورة النور، الآية: 35.
موطن الشاهد:
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}.
وجه الاستشهاد: استعمال مضارع "كاد" الناقصة، واستعمال مضارعها جائز شائع في لغة العرب، وزيت: اسمها، وجملة "يضيء": في محل نصب خبرها.
2 مر تخريج هذا الشاهد، والتعليق عليه.
3 هذا البيت لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثير عِزَّة، يكنى أبا صخر، ويعرف بابن أبي جمعة، وهو جده لأمه، وكثير شاعر فحل من شعراء الطبقة الأولى، وأحد شعراء الغزل في عصره، عرف بحبه لعزة وتغزله بها، على الرغم من قبحها، وكان أحمق، غاليا في التشيع، ورافضيا، اتصل بعبد الملك بن مروان، فأكرمه. مات سنة 150هـ. الشعر والشعراء: 1/ 503، تجريد الأغاني: 3/ 1008، الجمحي: 1/ 121، الخزانة: 2/ 376. اللآلي: 61.

 

ج / 1 ص -305-                     129-............ وإنني        يقينا لرهن بالذي أنا كائد1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة في رثاء عبد العزيز بن مروان أبي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل. وتمام البيت قوله:

أموت أسى يوم الرجام، وإنني                      يقينا لرهن بالذي أنا كائد

وقبل البيت الشاهد قوله:

وكدت وقد سالت من العين عبرة                سها عاند منها وأسبل عاند

قذيت بها والعين سهو دموعها                   وعوارها في باطن الجفن زائد

فإن تركت للكحل لم يترك البكى                 وتشري إذا ما حثحثتها المزاود

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، وابن عقيل: "94/ 1/ 339"، والأشموني: "249/ 1/ 131، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 98، وديوان كثير: 2/ 114.
المفردات الغريبة: الأسى: الحزن وشدة اللوعة. الرجام: اسم موضع حدثت فيه موقعة. اليقين: العلم والجزم. رهن مرهون
المعنى: كدت أموت من الحزن واللوعة في هذا اليوم الذي غاب فيه عبد العزيز، وإنني لمرهون ومحبوس، بالذي لا بد عما قريب سيكون، فالموت أمر لا مفر منه.
الإعراب: أموت: فعل مضارع وفاعل. أسى مفعول له، ويجوز أن يكون حالا بتقدير: آسيا، أي: حزينا، وبعضهم أعربه: تمييزا، والأول أفضل. "يوم": متعلق بـ "أموت". الرجام: مضاف إليه. وإنني: الواو حالية، إن: حرف مشبه بالفعل، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب اسمها. يقينا: مفعول مطلق لفعل محذوف، لرهن: اللام لام المزحلقة، رهن: خير "إن" مرفوع. "بالذي" متعلق بـ "رهن" أنا مبتدأ. كائد: خبر، وجملة "أنا كائد": صلة للموصول، لا محل لها، واسم كائد: ضمير مستتر وجوبا تقديره: أنا، وخبره محذوف، والتقدير: ألقاه، والهاء المحذوفة في محل نصب مفعول به، وهذه الهاء هي العائد إلى الاسم الموصول.
موطن الشاهد: "أنا كائد".
وجه الاستشهاد: استعمال "كائد" اسم الفاعل من "كاد" على هذه الرواية غير أن المؤلف صوب رواية "كابد" بالباء، من المكابدة، وعلى تلك الرواية فلا شاهد فيه، وقد اعتمد تلك الرواية ابن السكيت في شرح ديوان كثير عزة.
انظر شرح التصريح: 1/ 208.

 

ج / 1 ص -306-        و"كرب" قال جماعة، وأنشدوا عليه1: [الكامل]

130- أبُنِيَّ إن أباك كارب يومه2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا البيت لعبد قيس بن خفاف البرجمي، أحد بني عمرو بن حنظلة، شاعر تميمي جاهلي وفحل مجيد، وهو من شعراء المفضليات، والبرجمي، أي: من البراجم، وهو بطون من أولاد حنظلة بن مالك بن تميم.
الأعلام: 4/ 49، سمط اللآلي: 937.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

فإذا دعيت إلى المكارم فاعجلِ

وبعده قوله:

 أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح                     طبن بريب الدهر غير مغفل

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "250/ 1/ 131"، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 114، والعيني: 2/ 202، والمفضليات، للمفضل الضبي: 384، والأصمعيات: 229.
المفردات الغريبة: كارب يومه: قريب يوم وفاته. المكارم: جمع مكرمة، وهي الخصلة من خصال البر.
المعنى: يوصي الشاعر ابنه، فيقول: اعلم يا بني أن أباك قريب يوم وفاته وانتهاء حياة الدنيا، فإذا دعيت إلى فعل المكرمات وعمل البر فأسرع إلى ذلك، ولا تتأخر.
الإعراب: أبني: "الهمزة" حرف نداء، بني: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، والياء: مضاف إليه. إن: حرف مشبه بالفعل. أباك: اسم إن منصوب، وعلامة نصبه الألف؛ لأنه من الأسماء الستة، والكاف: مضاف إليه. كارب: خبر "إن" مرفوع. يومه: مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى ظرفه، واسم "كارب": ضمير مستتر، تقديره: هو. والخبر محذوف، والتقدير: كارب هو في يومه يموت.
موطن الشاهد: "كارب يومه".
وجه الاستشهاد: استعمال اسم فاعل "كرب" الناقصة على زعم جماعة من النحاة. كما أعربنا الشاهد، والتقدير: كارب هو في يومه يموت، فالخبر محذوف، غير أن الجوهري وبعض النحاة وتبعهم المؤلف، يذهبون إلى أن "كارب" في البيت اسم =

 

ج / 1 ص -307-        و "أوشك"، كقوله1: [الوافر]

131- فإنك موشكٌ أن لا تراها2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فاعل لـ "كرب" التامة، لا الناقصة، وهو لا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما هو محتاج إلى فاعل وحسب، وعلى هذا فهو مضاف إلى فاعله، في قوله: "كارب يومه". وانظر شرح التصريح: 1/ 208.
فائدة: بني: تصغير "ابن" مضاف إلى ياء المتكلم، وقد دخلت عليه همزة النداء، وأصله قبل الإضافة "بنيو" فاجتمع الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فانقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، ثم أضيفت إلى المتكلم، فاجتمع ثلاث ياءات، فحذفت الثانية منهن، التي هي لام الكلمة، ولم تحذف الأولى؛ لأنها ياء التصغير، وقد أتى بها لغرض خاص، ولم تحذف الثالثة، التي هي ياء المتكلم؛ لأنها كلمة برأسها.
انظر أوضح المسالك "تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد": 1/ 320.
1 القائل: هو كثير بن عبد الرحمن، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه، قوله:

وتعدو دون غاضرةَ العوادي

وهو من قصيدة لكثير، يشبب فيها بغاضرة، جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 208، والأشموني: "248/ 1/ 131"، وهمع الهوامع: 1/ 129، والدرر اللوامع: 1/ 104، والعيني: 2/ 205، وليس في ديوان كثير.
المفردات الغريبة: العوادي: عوائق الدهر وغوائله التي تعدو على الإنسان، واحدها: عادية.
المعنى: إن القريب إلى الفعل والغالب أنك لا ترى غاضرة، وأن تحول دون رؤيتها موانع وعوائق، لا تستطيع التغلب عليها.
الإعراب: إنك: حرف مشبه، واسمه. موشك: خبر: "إن" مرفوع، وهو اسم فاعل من أوشك، واسمه: أنت. ألا: أن مصدري ونصب، ولا: نافية. تراها: فعل مضارع منصوب بـ "أن" والفاعل: أنت، و"ها" مفعول به، وجملة "تراها": صلة للموصول الحرفي، والمصدر المؤول، في محل نصب خبر "موشك" على الوجه المراد من الاستشهاد بالبيت، تعدو: فعل مضارع مرفوع "دون": متعلق بـ "تعدو". غاضرة مضاف إليه. العوادي: فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "موشك".
وجه الاستشهاد: استعمال اسم الفاعل "موشك" من أوشك الناقصة، وإعماله عمل فعله، فرفع الاسم، وهو الضمير المستتر فيه، ونصب الخبر، وهو المصدر المؤول من "أن وما بعدها" وما يدل على عمله عمل فعله اقتران خبره بـ "أن" المصدرية كذلك.

 

ج / 1 ص -308-        والصواب أن الذي في البيت الأول كابد، بالباء الموحدة، من المكابدة والعمل، وهو اسم غير1 جارٍ على الفعل، وبهذا جزم يعقوب2 في شرح ديوان كثير.
وأن كاربا في البيت الثاني اسم فاعل كرب التامة3 في نحو قولهم: "كرب الشتاء" إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري4.
[استعمال مصدر طفق وكاد]:
واستعمل مصدر لاثنين، وهما: "طفق، وكاد" حكى الأخفش: طفوقا عمن قال: طفق بالفتح، وطفقا عمن قال: طفق بالكسر، وقالوا: كاد كودا ومكادا ومكادة.
[اختصاص عسى واخلولق وأوشك باستغنائها عن الخبر]:
وتختص "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" بجواز إسنادهن إلى "أن يفعل"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فعل المكابدة هو "كابد" مثل: قاتل وشارك، واسم فاعل هذا الفعل هو "مكابد" هل: مقاتل؛ لِهذا كان "كابد" غير جار على قياس الفعل المستعمل.
2 هو أبو يوسف، يعقوب بن السكيت، وقد مرت ترجمته، وقد ورد في بعض النسخ "ابن يعقوب" وليس بشيء.
3 وعليه، فلا يحتاج إلى اسم وخبر، وإنما يحتاج إلى فاعل، وحسب.
4 الجوهري: هو الإمام اللغوي، أبو نصر الفارابي: إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب الصحاح في اللغة، كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً وعلمًا، طاف البلاد، ودخل العراق، وقرأ على أبي علي الفارسي والسيرافي، له فضلا عن الصحاح المشهور كتاب في العروض، ومقدمة في النحو: مات سنة 393هـ. البلغة: 36، بغية الوعاة، 1/ 446ن إنباه الرواة: 1/ 491، معجم المؤلفين: 2/ 267.

 

ج / 1 ص -309-        مستغنى به عن الخبر1، نحو: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا}2، وينبني على هذا فرعان.
أحدهما: أنه إذا تقدم على إحداهن اسم هو المسند إليه في المعنى وتأخر عنها "أن" والفعل نحو: "زيد عسى أن يقوم"، جاز تقديرها خالية من ضمير ذلك الاسم، فتكون مسندة إلى "أن" والفعل مستغنى بهما عن الخبر، وجاز تقديرها مسندة إلى الضمير، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبر.
ويظهر أثر التقديرين في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على تقدير الإضمار "هند عست أن تفلح" و"الزيدان عسيا أن يقوما" و"الزيدون عسوا أن يقوموا" و"الهندات عسين أن يقمن"، وتقول على تقدير الخلو من الضمير "عسى" في الجميع، وهو الأفصح، قال الله تعالى:
{لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُن}3.
الثاني: أنه إذا ولي إحداهن "أن" والفعل وتأخر عنهما اسم هو المسند إليه في المعنى، نحو: "عسى أن يقوم زيد"، جاز في ذلك الفعل أن يقدر خاليا من الضمير، فيكون مسندا إلى ذلك الاسم، وعسى مسندة إلى أن والفعل مستغنىً بهما عن الخبر،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: تكون تامة، لا تحتاج إلى خبر، والمصدر المؤول من "أن والفعل" بعدها: فاعل لها، ويشترط في هذه الحال أن يكون مرفوع المضارع ضميرا يعود إلى اسم سابق، ويرى الناظم "ابن مالك" وبعض النحاة: أنها في هذه الحالة ناقصة، والمصدر المؤول من "أن والفعل" سد مسد المعمولين.
2 "2" سورة البقرة، الآية: 216.
موطن الشاهد:
{عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا}.
وجه الاستشهاد: مجيء عسى "تامة" والمصدر المؤول من "أن وما بعدها" في محل رفع فاعل لـ "عسى".
3 "49" سورة الحجرات، الآية: 11.
موطن الشاهد:
{عَسَى أَنْ يَكُونُوا}، {عَسَى أَنْ يَكُنَّ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "عسى" تامة، و"أن وما بعدها" في محل رفع فاعل في الموضعين، وهذا الوجه الأفضل.

 

ج / 1 ص -310-        وأن يقدر1 متحملا لضمير ذلك الاسم، فيكون الاسم مرفوعا بعسى، وتكون "أن" والفعل في موضع نصب على الخبرية، ومنع الشلوبين2 هذا الوجه؛ لضعف هذه الأفعال عن توسُّط الخبر، وأجازه المبرد3 والسيرافي4 والفارسي5.
ويظهر أثر الاحتمالين أيضا في التأنيث والتثنية والجمع، فتقول على وجه الإضمار: "عسى أن يقوما أخواك" و"عسى أن يقوموا إخوتك" و"عسى أن يقمن نسوتك" و"عسى أن تطلع الشمس" بالتأنيث لا غير6 وعلى الوجه الآخر توحِّدُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الفعل المنصوب بأن المصدرية.
2 الشلوبين: هو أبو علي: عمر بن محمد الأشبيلي الأزدي، المعروف بالشلوبين، أي: الأبيض الأشقر بلغة الأندلس، إمام عصره في العربية، وآخر أئمة هذا النوع بالمشرق والمغرب، أخذ عن ابن ملكون، وغيره، وأقرأ نحو ستين سنة، فاشتهر وعلا صيته، له تعليق على كتاب سيبويه، وكتاب آخر في النحو، سماه التوطئة. توفي سنة: 645هـ. البلغة: 172، إنباه الرواة، 2/ 332، بغية الوعاة: 2/ 224، وفيات الأعيان: 1/ 382، الأعلام: 5/ 224.
3 المبرد: هو أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، إمام العربية ببغداد، أخذ عن المازني والجرمي، وقرأ عليهما كتاب سيبويه، وروى عنه نفطويه، والصولي، وغيرهما، كان فصيحا بليغا، وصاحب نوادر، سماه المازني بالمبرد: أي المثبت للحق، له مؤلفات كثيرة، منها: الكامل في الأدب، والمقتضب في النحو، وشرح شواهد الكتاب وغيره. مات بالكوفة سنة 286هـ.
البلغة: 250، إنباه الرواة: 3/ 241، بغية الوعاة: 1/ 269، الفهرست: 95، الأعلام: 8/ 15.
4 السيرافي: أبو سعيد: الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي: وكان اسم أبيه: بهزاد، فسماه ابنه عبد الله، والسيرافي نسبة إلى سيراف، "مدينة بفارس" وهو إمام في النحو والفقه واللغة والشعر، وكثير من العلوم، أخذ عن ابن السراج، وعن أبي بكر بن مجاهد، وابن دريد. له: شرح كتاب سيبويه، وهو شرح حسده عليه أبو علي الفارسي، وله كتب أخرى، مات سنة 368هـ.
البلغة: 61، إنباه الرواة: 1/ 313، بغية الوعاة: 1/ 507، طبقات ابن قاضي شهبة: 256، الأعلام: 2/ 210.
5 هو أبو علي الفارسي، وقد مرت ترجمته.
6 لأن: "تطلع" حينئذ مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الشمس، والشمس مجازي التأنيث؛ وكل فعل أسند إلى ضمير عائد إلى اسم مجازي التأنيث، وجب تأنيثه.

 

ج / 1 ص -311-        "يقوم" وتؤنث "تطلع" أو تذكره1
[جواز كسر سين عسى]:
يجوز كسر سين "عسى" خلافا لأبي عبيدة2، وليس ذلك مطلقا خلافا للفارسي، بل يتقيد بأن تسند إلى التاء أو النون أو نا، نحو:
{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِب} {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُم}4، قرأهما....................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إنما وجب أن توحّد "يقوم" لأنه أسند إلى الاسم الظاهر التالي له، وكل فعل أسند إلى اسم ظاهر، وجب في اللغة الفصحى ألا تلحقه علامة تثنية، ولا علامة جمع، وإنما جاز في "تطلع" التذكير والتأنيث؛ لأنه حينئذ مسند إلى اسم ظاهر مجازي التأنيث، وكل فعل أسند إلى الاسم الظاهر المجازي التأنيث، جاز إلحاق تاء التأنيث به، وعدم إلحاقها.
التصريح: 1/ 210.
2 أبو عبيدة: هو معمر بن المثنى، لغوي بصري، ومولى لبني تيم "تيم قريش رهط أبي بكر الصديق" أخذ عن يونس بن حبيب، وأبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه أبو حاتم والمازني، وهو أول من صنف في غريب الحديث، قيل: إنه أعلم من الأصمعي، وأبي زيد بأنساب العرب وأيامهم، له تصانيف تقارب المائتين؛ منها: النقائض بين جرير والفرزدق، وأيام العرب، والمجاز في غريب القرآن، والأمثال في غريب الحديث، وغيرها. توفي سنة 213هـ، وقد قارب المائة.
البلغة: 261، إنباه الرواة: 3/ 276، بغية الوعاة: 2/ 294، وفيات الأعيان: 2/ 105.
3 "2" سورة البقرة، الآية: 246.
أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها.
توجيه القراءات: عسيت وعسيت: لغتان، وقد منع الكسر أبو عبيدة، والصواب جوازه وإن كان الفتح أشهر؛ لِجريانه على القياس، وانظر في هذه المسألة.
حجة القراءات: 140، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 277، والبحر المحيط: 2/ 255، وتفسير القرطبي: 3/ 244، ومجمع البيان للطبرسي: 2/ 249، وتفسير الرازي: 2/ 292، والكشف للقيسي: 1/ 33، وشرح التصريح: 1/ 210.
4 47 سورة محمد "ص"، الآية: 22.
أوجه القراءات: قرأ نافع "عَسِيتم" بالكسر، وقرأ الباقون بالفتح.
توجه القراءات: جواز فتح وكسر سين "عسى" كما في الآية السابقة؛ لأن الفتح والكسر لغتان فيها، وإن كان الأشهر فيها الفتح، ومعلوم أن القراءة ينبغي أن توافق لغة من لغات العرب، حتى تصح بها القراءة، ولهذا قرأ نافع بكسر السين في عسِيتم؛ لِموافقتها إحدى لغات العرب.
انظر مراجعة توجيه قراءات الآية السابقة.

 

ج / 1 ص -312-        نافع1 بالكسر، وغيره، وهو المختار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نافع: هو أبو الحسن، نافع بن عبد الرحمن المدني، أحد أصحاب القراءات السبع، أصله من أصبهان، كان إمام الناس بالقراءة في المدينة وانتهت إليه رياسة الإقراء بها، قيل: إنه قرأ على سبعين من التابعين، وأجمع عليه الناس بعدهم. مات سنة 169هـ. وفيات الأعيان: 5/ 368، المعارف: 582 غاية النهاية: 2/ 330، طبقات القراء: 2/ 330، الشذرات: 1/ 270.
فائدة: "أ": يجوز حذف خبر هذه الأفعال إن علم، وهو كثير في خبر "كاد" قليل في خبر "كان"، نحو: من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد.
"ب": يتعين في مثل: عسى أن يكرم محمد الضيف، أن تكون "عسى" تامة، و"محمد" فاعلا لها، ولا يجوز أن يعرب "محمد" مبتدأ مؤخرا، ولا اسما لعسى على أنها ناقصة، و"أن يكرم" خبرها مقدما؛ لِئلا يلزم الفصل بين أجزاء صلة "أن" بأجنبي؛ وهو "محمد"، ومثل هذا يقال في إعرابه كلمة "ربك" في قوله تعالى:
{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}، و"مقاما" ظرف. حاشية الصبان: 1/ 266.
"ج": اختلف فيما يتصل بعسى من الضمائر: الكاف والهاء والياء، فذهب سيبويه، إلى أنها في محل نصب اسم لعسى، وهي حينئذ حرف ترجٍّ، مثل "لعل"، وما بعدها خبر لها، وفي هذه الحالة لا تقع بعدها "ما" الزائدة. وذهب المبرد والفارسي إلى أن "عسى" على ما هي عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، وهذه الضمائر أخبارها مقدمة في محل نصب، وما بعدها الاسم، وقد عكس الإسناد، ويلزم على هذا: جعل خبر "عسى" اسما صريحا. وهذا نادر كما تقدم، وذهب الأخفش إلى أن "عسى" على ما كانت عليه أيضا، وهذه الضمائر أسماؤها، وقد ناب ضمير النصب عن ضمير الرفع ونيابة بعض الضمائر عن بعض جائزة، واختار الناظم قول الأخفش حاشية الصبان: 1/ 267.