أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك

ج / 2 ص -77-          [باب الفاعل]:
هذا باب الفاعل:
[تعريف الفاعل]:
الفاعل1: اسم2 أو ما في تأويله، أسند إليه فعل أو ما في تأويله، مقدم، أصلي المحل والصيغة.
فالاسم نحو: "تبارك الله" والمؤول به3 نحو:
{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}4، والفعل كما مثَّلْنَا، ومنه: "أتى زيد" و: "نعم الفتى"، ولا فرق بين المتصرف والجامد، والمؤول بالفعل نحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}5، ونحو: "وجهه" في قوله6: "أتى زيد منيرا وجهه" و: "مقدم" رافع لتوهم دخول نحو: "زيد قام". و: "أصليُّ المحل" مخرج لنحو: "قائم زيد" فإن المسند، وهو قائم، أصله التأخير لأنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معنى الفاعل لغة: من أوجه الفعل، واصطلاحا: ما ذكر المصنف.
2 أي صريح ظاهر، أو ضمير بارز، أو مستتر.
3 أي بالاسم؛ وذلك لوجود سابك ملفوظ به أو مقدر، والسابك في باب الفاعل يكون "بأن" المفتوحة، و"أن" الناصبة للفعل، و"ما" لا غير. أما "كي" و"لو" فلا.
4 "29" سورة العنكبوت، الآية: 51.
موطن الشاهد:
{يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}.
وجه الاستشهاد: المصدر المؤول من "أن ومعموليها" فاعل "يكفهم"؛ والتقدير: أو لم يكفهم إنزالنا؟.
5 "16" سورة النحل، الآية: 69.
موطن الشاهد:
{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}.
وجه الاستشهاد: "فمختلف في تأويل يختلف، وألوانه: فاعل؛ وصح إعمال "مختلف"؛ لاعتماده على موصوف محذوف؛ والتقدير: صنف مختلف ألوانه.
6 أي قول ابن مالك في الألفية.

 

ج / 2 ص -78-          خبر، وذكر الصيغة مخرج لنحو: "ضرب زيد"، بضم أول الفعل وكسر ثانيه، فإنها مفرعة عن صيغة ضرب، بفتحهما.
[أحكام الفاعل]:
وله أحكام:
أحدها: الرفع1، وقد يجر لفظا2 بإضافة المصدر، نحو:
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}3، أو اسمه نحو: "من قُبلةِ الرجل ِامرأتَه الوضوءُ"4، أو بمن أو بالباء الزائدتين نحو: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}6.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وقد ينصب شذوذًا إذا فهم المعنى، سمع من العرب قولهم: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، برفع أولهما، ونصب ثانيهما؛ وقال الأخطل:

مثل القنافذ هداجون قد بلغت                  نجران أو بلغت سوءاتهم هجر

شرح التصريح: 1/ 269 و270.
2 ولكنه في محل رفع، ويجوز في تابعه حينئذ الجر حملا على الفظ، والرفع بالنسبة إلى المحل.
3 2 سورة البقرة، الآية: 251.
موطن الشاهد:
{لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مضافًا إلى المصدر "دفع"؛ وهو فاعل في المعنى؛ ويقال في الإعراب: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله.
4 هذا قول للسيدة عائشة رضي الله عنها، من قبلة: جار مجرور خبر مقدم. الرجل: مضاف إليه من إضافة اسم المصدر وهو "قبلة" إلى فاعله. "امرأته" مفعوله ومضاف إليه. الوضوء: مبتدأ مؤخر.
5 "5" سورة المائدة، الآية: 29.
موطن الشاهد:
{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "بشير" اسما مجرورا لفظا بمن الزائدة مرفوع محلا على أنه فاعل جاء.
6 "48" سورة الفتح، الآية: 28.
موطن الشاهد:
{كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة مجرورا لفظا، بحرف الجر الزائد، مرفوعا محلا لأنه فاعل "كفى". =

 

ج / 2 ص -79-          الثاني: وقوعه بعد المسند، فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقَدَّمَ وجب تقدير الفاعل ضميرا مستترا، وكون المقدم إما مبتدأ في نحو: "زيد قام"، وإما فاعلا محذوف الفعل في نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}1 لأن أداة الشرط مختصة بالجملة الفعلية، وجاز الأمران في نحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}2 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}3، والأرجح الفاعلية4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= هذا وقد يجب جر الفاعل بالباء الزائدة، كما في فاعل أفعل في التعجب. نحو قوله تعالى:
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} وقد يجب بكثرة كفاعل "كفى" كما في الآية التي تلاها المؤلف، ومن أمثلة تجرد فاعل كفى قول سحيم:

عميرة ودع إن تجهزت غازيا                          بما لاقت لبون بني زياد

إذا ذهبت إلى أن "ما لاقت" فاعل "يأتي" كانت الباء زائدة، وإلا كانت متعلقة بتمني وقد خرج العلماء البيت على الوجهين.
1 "9" سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد:
{وَإِنْ أَحَدٌ.... اسْتَجَارَكَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ ولا يجوز تقديره مبتدأ؛ لأن أدوات الشرط لا تدخل على الأسماء، كما بيَّنَ المؤلف - وإنما تدخل على الجمل الفعلية.
2 "64" سورة التغابن، الآية: 6.
موطن الشاهد:
{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}.
وجه الاستشهاد: إما أن يكون "بشر" مبتدأ وجملة "يهدوننا": خبره؛ وإما أن يكون فاعلا لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده؛ والراجح أن يكون فاعلا؛ لأن الغالب في همزة الاستفهام أن تدخل على الفعل.
3 "56" سورة الواقعة، الآية: 59.
موطن الشاهد:
{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}.
وجه الاستشهاد: "أنتم" إما أن تكون في محل رفع مبتدأ؛ وجملة "تخلقونه": خبر، وإما أن تكون فاعلا لفعل محذوف يفسره ما بعده؛ وهذا أرجح لما بينا في الآية السابقة.
4 ذكر المؤلف فيما ظاهره فاعل ثلاث صور:
الأولى: ما يكون المتقدم فيه مبتدأ ليس غير؛ نحو زياد قام، ونقدر الفاعل ضميرا =

 

ج / 2 ص -80-          وعن الكوفي جواز تقديم الفاعل، تمسكا بنحو قول الزباء1: [مشطور الرجز]

201- ما للجمال مشيها وئيدا2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مستترا في الفعل يعود إلى ذلك المبتدأ؛ والجملة في محل رفع خبر المبتدأ؛ والجملة -هنا- واحدة اسمية على الأرجح، وإن كان المبرد يجوز أن يكون "زيد" فاعلا لفعل محذوف، فيكون لدينا جملتان فعليتان، وهذا رأي ضعيف؛ لأن المبرد نفسه يرجح كون "زيد" مبتدأ.
الثانية: ما يكون الاسم المتقدم فيه فاعلا ليس غير، كما في الآية الكريمة:
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِين...} فـ "أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ فيكون لدينا جملتان فعليتان؛ الثانية مفسرة للأولى. ونظير هذا المثال: اسم مرفوع وقع بعد أداة تختص بالفعل؛ كأدوات الشرط والتحضيض.
الثالثة: ما يجوز فيه الوجهان: وهو أن يقع الاسم المرفوع بعد أداة يجوز أن تدخل على الفعل، وعلى الاسم، كهمزة الاستفهام؛ ومثاله: ما ذكر في الآيتين:
{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} و{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَه}.
انظر شرح التصريح: 1/ 270.
1 هي ملكة يقال إن اسمها نائلة ويقال فارعة، كانت توصف بشعرها الطويل الذي يجر وراءها فسميت الزباء لذلك -والأزب: الكثير الشعر- وقيل إنها بنت عمرو بن الظرب بن حسان من نسل العماليق، وقيل اسمه: مليح بن البراء، قتله جذيمة الأبرش ملك الحيرة وطردها إلى الشام، فاستعادت ملك أبيها وقتلت جذيمة، ثم قتلت نفسها بالسم.
الخزانة: 8/ 273.
2 تخريج الشاهد: هذا بيت من مشطور الرجز، وبعده قوله:

أجندلا يحملن أم حديدا                             أم صرفانا باردا شديد

أم الرجال جثما قعودا

وقصة الزباء مع جذيمة، رواها الميداني في المثل: خطب يسير في خطب كبير. مجمع الأمثال "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 1/ 233. رقم 1250. والبيت الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 271، والأشموني: "355/ 1/ 169"، وهمع الهوامع: 1/ 159، والدرر اللوامع: 1/ 141، والمغني: "986/ 758"، وشرح السيوطي: 308 والكامل للمبرد: 279، وأمالي الزجاجي: 166، والعيني: 2/ 448.
المفردات الغريبة: الجمال: جمع جمل. وئيدا: ثقيلا بطيئا، هو صفة مشبهة من التؤدة وهي التمهل والتأني. جندلا، الجندل: ما ينقله الرجل من الحجارة. صرفانا: =

 

ج / 2 ص -81-          ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= النحاس والرصاص، جثما: جمع جاثم، أي لاصقين بالأرض. قعودا: جمع قاعد.
المعنى: ومعنى البيت بات واضحا، قالته الزباء لما رأت الجمال التي أتاها بها قصير، وقد حمل عليها الرجال في الغرائر، فأوهمها أن ذلك بضاعة.
الإعراب: ما: اسم استفهام مبتدأ. "للجمال" متعلق بمحذوف الخبر. مشيُها: "بالرفع" فاعل مقدم لـ "وئيدا" على مذهب الكوفيين، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من الجمال.
موطن الشاهد: "مشيها وئيدا".
وجه الاستشهاد: تروى "مشيها" بالرفع والنصب والجر؛ فعلى روايتي النصب والجر، لا شاهد على الخلاف بين البصريين والكوفيين في مسألة تقدم الفاعل على عامله، وإعراب الروايتين كالآتي:
أ- رواية النصب: مشيها مشي: مفعول مطلق، لفعل محذوف؛ والتقدير: تشمي مشيها، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال منصوب من المصدر؛ وجملة الفعل المحذوف في محل نصب حال من الجمال.
ب- رواية الجر: "مشيها" بدل اشتمال من الجمال، و"ها" مضاف إليه. وئيدا: حال من المشي.
وأما رواية الرفع ففيها الخلاف بين البصريين والكوفيين، حيث زعم الكوفيون -كما أعربنا- أن "مشيها" فاعل لـ "وئيدا" تقدم عليه؛ لأنهم يجيزون تقدم الفاعل على عامله؛ والتقدير عندهم: أي شيء ثابت للجمال حال كونها وئيدًا مشيها؛ وأما البصريون فلا يجيزون تقدم الفاعل على عامله لسببين:
أولهما: أن الفاعل مع فعله ككلمة واحدة ذات جزأين؛ صدرها هو الفعل، وعجزها هو الفاعل، وكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، فلا يجوز تقديم ما هو بمنزلة العجز، على ما هو بمنزلة الصدر.
ثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ. ففي قولنا: "زيد قام" إذا كان تقديم الفاعل جائزا، لا يدري السامع، أنريد الابتداء بـ "زيد" والإخبار عنه بالفعل، المتضمن ضميرا واقعا فاعلا له، يعود إلى زيد، أم نريد إسناد قام وحده إليه؟ والفرق بين الحالين أن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث الشيء بعد أن لم يكن؛ بينما جملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على ثبوت الشيء وتأكيد إسناده إلى من قام به أو وقع منه؛ ولهذا خرج البصريون رواية الرفع.
أحدهما: "مشيها". مبتدأ. و"وئيدا": حال من فاعل فعل محذوف؛ والتقدير: مشيها يظهر وئيدا "وجملة الفعل المحذوف وفاعله": في محل رفع خبر المبتدأ.
ثانيهما: "مشيها": بدل من الضمير المستكن في "الجار والمجرور" الواقع خبرا؛ وهو "للجمال"؛ لأن متعلق هذا الجار والمجرور، كان يتحمل ضميرا مرفوعا بالفاعلية؛ ولما حذف المتعلق، انتقل الضمير إلى الجار والمجرور.
بقي أن نعلم أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن هذا البيت شاذٌّ؛ لا يقاس عليه.
انظر شرح التصريح: 1/ 271، والدرر اللوامع: 1/ 141، وحاشية الصبان: 2/ 46.

 

ج / 2 ص -82-          وهو عندنا ضرورة، أو: "مشيها" مبتدأ حذف خبره، أي يظهر وئيدا، كقولهم: "حكمك مسمطا"1 أي: حكمك لك مثبتا، قيل: أو: "مشيها" بدل من ضمير الظرف.
الثالث: أنه لا بد منه2، فإن ظهر في اللفظ نحو: "قام زيد، والزيدان قاما" فذاك، وإلا فهو ضمير مستتر راجع إما لمذكور، كـ: "زيد قام" كما مر، أو لما دل عليه الفعل كالحديث:
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"3 أي: ولا يشرب هو: أي: الشارب، أو لما دل عليه الكلام أو الحال المشاهدة، نحو: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}4، أي: إذا بلغت الروح، ونحو قولهم: "إذا كان غدا فأتني"5 وقوله6: [الطويل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مثل قالته العرب، مر التعليق عليه في الجزء الأول.
2 أي: لا يمكن حذفه، والاستغناء عنه؛ لأنه جزء أساسي في الجملة، لا تستغني عنه؛ لتكملة معناها مع عامله.
3 هذا حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الأشربة من صحيحه "بولاق": 7/ 104 وفيه:
"ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان: 1/ 54.
وأخرجه أبو داود "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد" برقم: "4659" ففي يشرب ضمير مستتر هو الفاعل، وحسن الحذف لتقدم نظيره: لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق.
4 "75" سورة القيامة: 26.
موطن الشاهد:
{بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}.
وجه الاستشهاد: حذف الفاعل، وعوض عنه بالضمير المستتر المرفوع على الفاعلية والراجع إلى الروح، المدلول عليها في سياق الكلام؛ لأن التقدير: إذا بلغت هي -أي الروح- التراقي؛ والتراقي: أعالي الصدر.
5 قول لبعض العرب، و"كان" يحتمل أن تكون تامة، وغدا: ظرف متعلق بها، وأن تكون ناقصة فيكون "غدا": خبرها، والضمير المستتر المرفوع بكان تدل عليه الحال الواقعة المشاهدة وقت التكلم كما بين المصنف.
6 القائل: هو سواد بن المضرب السعدي، أحد بني سعد بن تميم.

 

ج / 2 ص -83-          202- فإن كان لا يرضيك حتى تردني1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

إلى قطري لا إخالك راضيا

وكان الشاعر قد هرب من الحجاج مخافة على نفسه حين أراد أن يرسله لمقاتلة الخوارج.

أقاتليَ الحجاج إن لم أزُرْ له                     دراب، وأتركْ عند هندٍ فؤاديا

والشاهد من شواهد: التصريح: 2/ 272، والأشموني: "354/ 1/ 169" والخصائص: 2/ 433، والمحتسب: 2/ 192، والكامل للمبرد "الحلبي": 445، وأمالي ابن الشجري: 1/ 185، وشرح المفصل: 1/ 80، والعيني: 2/ 451.
المفردات الغريبة: قطري: هو قطري بن الفجاءة التميمي، رأس من رؤوس الخوارج في عهد الدولة الأموية. لا إخالك: لا أظنك.
المعنى: إذا كان ما تشاهده مني ومن حالتي وفراري من ذلك الخارجي، لا يرضيك حتى تردني إليه، فإني لا أظنك ترضى أصلا؛ لأنني معتزم عدم الرجوع إليه، ورضاك معلق على عودتي.
الإعراب: إن: شرطية. كان: فعل الشرط، وفاعله؛ أو اسمه -إذا كان ناقصا- ضمير يعود إلى معلوم من المقام؛ كما أوضح المؤلف. لا يرضيك: لا: نافية، وفعل مضارع، والفاعل: هو، والكاف: مفعول به؛ وجملة "لا يرضيك": في محل نصب على الحال من فاعل "كان" المستتر؛ أو اسمها؛ إن كانت ناقصة. لا إخالك: لا: نافية، إخال: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: أنا، والكاف: مفعول به أول. راضيا: مفعول به ثانٍ؛ وجملة "لا إخالك" جواب الشرط.
فائدة: ارتفع جواب الشرط في الشاهد "لا إخالك" لمجيء فعل الشرط ماضيا؛ وارتفاعه في هذه الحالة جائز، قال ابن مالك: وبعد مَاضٍ رفْعُكَ الجَزَا حَسنْ
موطن الشاهد: "فإن كان لا يرضيك".
وجه الاستشهاد: احتج الكسائي بهذا البيت على جواز حذف الفاعل، وما هو بمنزلة الفاعل اسم الأفعال الناسخة؛ وأما البصريون فأنكروا عليه ذلك؛ لأنهم لا يجيزون حذف الفاعل؛ إلا بأحد أمرين؛ الأول: أن يكون الفاعل مذكورا في الكلام، والثاني: أن يكون مضمرا، ولما لم يكن في هذا الكلام مذكور يصلح أن يكون اسما؛ أو فاعلا لـ "كان" قالوا: إن اسمها مضمر جوازا، تقديره: هو؛ ولما لم يكن في الكلام ما يصلح أن يكون مرجعا لذلك الضمير -الذي لا بد له من مرجع- قالوا: إنه عائد إلى الحال المشاهدة والواقعة للمتكلم والسامع.
وانظر شرح التصريح: 1/ 272.

 

ج / 2 ص -84-          أي: إذا كان هو، أي: ما نحن الآن عليه من سلامة، أو فإن كان هو، أي: ما تشاهده مني، وعن الكسائي إجازة حذفه تمسكا بنحو ما أولناه1.
الرابع: أنه يصح حذف فعله، إن أجيب به نفي، كقولك: "بلى زيد" لمن قال: ما قام أحد، أي: بلى قام زيد، ومنه قوله2: [الطويل]

203- تجلدت حتى قيل: لم يعر قلبه              من الوجد شيء، قلت: بل أعظم الوجد3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي في الحديث والآية والبيت "201".
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 273، والأشموني: "362/ 1/ 172"، والعيني 21/ 453.
المفردات الغريبة: تجلدت: تكلفت الجلد والصبر على الهموم. لم يعر: لم يغش ولم ينزل. الوجد: الشوق والحب.
المعنى: تكلفت الصبر والجلد على بعد المحبوبة وهجرها، ولم أظهر شيئا من الحب والشوق إليها؛ حتى اعتقد الناس أن حبها لم يتمكن من قلبي؛ والحقيقة أن ما حل في قلبي من الشوق، والمحبة أعظم مما يتصور.
الإعراب: تجلدت: فعل ماضٍ وفاعل. حتى: حرف غاية وجر. لم: نافية جازمة. يعره: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف الواو. شيء: فاعل مرفوع. بل: حرف إضراب. أعظم: فاعل لفعل محذوف؛ أي: بل عراه أعظم. الوجد: مضاف إليه.
فائدة: لم يعطف بـ "بل" عطف مفرد على مفرد؛ أي لم تعطف "بل" أعظم" على "شيء"؛ وإنما قدر فعل بعد "بل"؛ لتعطف جملة على جملة؛ لأن "بل" التي تعطف مفردا على مفرد بعد نفي أو شبهه، تُقَرِّرُ ذلك النفي السابق، وتثبت ضده لما بعدها؛ وعلى هذا، يكون المعنى: أنه لم يعر قلبه شيء، وعراه أعظم الوجد؛ وهذا كلام متناقض؛ أما عطفها جملة على جملة؛ فإنها تبطل الأولى، التي نفت عرو شيء من الوجد؛ فإذا بطلت الأولى؛ صح أن تثبت جملة أخرى تدل على أنه عراه أعظم الوجد.
موطن الشاهد: "بل أعظم الوجد".
وجه الاستشهاد: ارتفاع "أعظم" على أنه فاعل لفعل محذوف، يدل عليه سياق الكلام؛ وهذا الفعل المحذوف؛ مجاب به على كلام منفي سابق، وهو قولهم: "لم يعر قلبه من الوجد شيء"؛ والمراد النفي بالجملة الفعلية، فإن كان النفي بالجملة الاسمية؛ فلا يترجح كون المرفوع فاعلا. انظر حاشية الصبان: 2/ 50.

 

ج / 2 ص -85-          أو استفهام محقق1، نحو: "نعم زيد" جوابا لمن قال: هل جاءك أحد؟ ومنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}2، أو مقدر كقراءة الشامي3 وأبي بكر4: "يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ"5، وقوله6: [الطويل]

204- لِيُبْكَ يزيد ضارعٌ لِخُصُومِهِ7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: أجيب به استفهام محقق -أي ملفوظ به ظاهر الأداة، وإن كان في حيز شرط لا يوجد مدلوله في الخارج.
2 "43" سورة الزخرف، الآية: 87.
موطن الشاهد:
{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء لفظ الجلالة فاعلا بفعل محذوف دل عليه مدخول الاستفهام؛ والتقدير: خلقنا الله؛ لأن مثل هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء، يكون جوابا عن سؤال محقق. انظر شرح التصريح: 1/ 273.
3 هو: أبو عمران: عبد الله بن عامر إمام أهل الشام، وقد مرت ترجمته.
4 هو: شعبة بن عياش، وقد مرت ترجمته.
5 "24" سورة النور، الآية: 36 والآية: 37.
موطن الشاهد: "يُسَبَّحُ لَهُ... رِجَالٌ".
وجه الاستشهاد: مجيء "رجال" فاعلا بفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ فكأنه لما قيل: يسبح له فيها بالغدو والآصال بالبناء للمجهول، قيل: من يسبحه؟ فأجيب: يسبحه رجال؛ ثم حذف الفعل؛ لإشعار "يسبح" المبني للمجهول به؛ إذ لا يجوز أن نسند "رجال" إلى الفعل المذكور المبني للمجهول؛ لفساد المعنى؛ لأن الرجال ليسوا مسبَّحين "بفتح الباء" بل مسبِّحين بكسرها؛ والآصال:؛ جمع "أصل" بضمتين، و"أصل": جمع أصيل؛ ويجمع "آصال" على أصائل؛ وأما على قراءة يسبح "بكسر الباء" والبناء للمعلوم، فلا إشكال في الآية و"رجال" فاعل يسبح، كما هو معلوم. وانظر شرح التصريح: 1/ 273.
6 قيل: هو لبيد بن ربيعة العامري، وقيل: غيره، وقد مرت ترجمة لبيد.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

ومختبط مما تطيح الطوائح

وفي ديوان لبيد "طبع ليدن": 50، الشاهد من قطعة، مطلعها:

لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل             حشا جدت تسفي عليه الروائح 

=

 

ج / 2 ص -86-          أي: يسبحه رجال، ويبكيه ضارع، وهو قياسي وفاقا للجرمي1 وابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=

لقد كان ممن يبسط الكف بالندى                إذا ضن بالخير الأكف الشحائح

والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، والكتابه لسيبويه: 1/ 245: وفيه نسب البيت إلى: الحارث بن نهيك، والأشموني: "361/ 1/ 171"، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وفيه نسب البيت إلى ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد، والشعر والشعراء: 47، وتصحيف العسكري: 208، والمقتضب: 3/ 282، والمحتسب: 1/ 230 والخصائص 2/ 353 والشريشي: 1/ 21، والخزانة: 1/ 147، ومعاهد التنصيص: 1/ 70، ومغني اللبيب: "1044/ 807" وقد نسبه الزمخشري إلى: مزرد بن ضرار، ونسبه السيرافي إلى الحارث بن ضرار النهشلي، ونسبه بعضهم إلى نهشل بن حري.
المفردات الغريبة: ضارع: ذليل خاشع. مختبط: هو المحتاج الذي يطلب معروفك من غير أن تكون له وسيلة يمت بها إليك. تطيح: الطوائح: جمع طائح أو طائحة.
المعنى: ليبك يزيد ويندبه شخصان: فقير ذليل مهضوم الحق، لا يجد له نصيرا؛ وطالب معروف يدفع به مصائب الدهر؛ وليس له وسيلة يتقرب بها.
الإعراب: ليبك: اللام، لام الأمر، يبك: فعل مضارع مجزوم؛ وهو مبني للمجهول. يزيد: نائب فاعل. ضارع: فاعل لفعل محذوف، دل عليه مدخول الاستفهام المقدر؛ أي: يبكيه ضارع. "لخصومه". متعلق بالفعل المحذوف. ومختبط: معطوف على ضارع. مما: من حرف جر. "ما". مصدرية. تطيح: فعل مضارع. الطوائح: فاعل؛ والمصدر المؤول من "ما وما بعدها": في محل جر بـ "من"؛ و"الجار والمجرور": متعلق بـ "مختبط".
موطن الشاهد: "ليبك يزيد ضارع".
وجه الاستشهاد: رفع "ضارع" على أنه فاعل لفعل محذوف واقع في جواب استفهام مقدر؛ فكأنه حين قال: ليبك يزيد؛ قيل: فمن يبكيه؟ فقال: يبكيه ضارع، ثم حذف الفعل؛ لدلالة سابق الكلام عليه؛ هذا؛ وقد روي البيت: ليبك يزيد ضارع، ببناء الفعل للمعلوم ونصب يزيد ورفع ضارع على أنه فاعل لـ "يبك"؛ وهذه الرواية أثبتها العسكري، ونفي غيرها، وعليها، فلا شاهد في البيت.
1 هو: أبو عمر؛ صالح بن إسحاق الجرمي البصري، مولى جرم بن زبان، وجرم من قبائل اليمن فقيه عالم بالنحو واللغة؛ دينا ورعا، أخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عدة وحدث عنه المبرد، وناظر الفراء فأفحمه، كان يلقب بالنباح؛ لكثرة مناظرته ورفع صوته فيه. له كتب قيمة: منها: الأبنية، ومختصر في النحو، وغريب سيبويه، مات سنة 225هـ. البلغة: 96، بغية الوعاة: 2/ 8، إنباه الرواة: 2/ 80، وفيات الأعيان: 1/ 228، الأعلام: 2/ 8.

 

ج / 2 ص -87-          جني1، ولا يجوز في نحو: "يوعظ في المسجد رجل" لاحتماله للمفعولية، بخلاف: "يوعظ في المسجد رجال زيد"، أو استلزمه ما قبله كقوله2: [الطويل]

205- غداة أَحَلَّت لابن أصرم طعنة              حضين عبيطات السدائف والخمر3


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو الفتح؛ عثمان بن جني الموصلي مولدًا ونشأة، وأبوه جني كان مملوكا روميا، لازم ابن جني أبا علي الفارسي وأخذ عنه 40 سنة، حتى صار إماما من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والصرف، ولم يتكلم أحد في التصريف والإعراب أدق منه كلاما، عاصر المتنبي وناظره، وشهد له المتنبي؛ له كتاب: الخصائص، والمحتسب، واللمع، وشرح ديوان المتنبي، مات سنة 392هـ، ودفن ببغداد.
البلغة: 137، بغية الوعاة: 2/ 132، وإنباه الرواة: 2/ 335، تاريخ ابن كثير: 11/ 331، الأعلام: 4/ 364.
ما ذهب إليه ابن جني والجرمي؛ هو ما ذهب إليه المؤلف في المغني، من أنَّ كلَّ واحد من هذه المرفوعات فاعل بفعل محذوف؛ ولا يجوز غير ذلك.
ويرى الجمهور أن كل واحد من هذه المرفوعات خبر مبتدأ محذوف؛ تقدير الكلام في الآية الأولى عندهم: الله خالقهم، وفي الآية الثانية: المسبّح له رجال، وفي البيت: الباكي ضارع... ويجوز أن يقدر المرفوع فاعلا بفعل محذوف، دل عليه سابق الكلام، وأن يقدر خبر مبتدأ محذوف، لكن الأولى؛ تقديره فاعلا بفعل محذوف؛ لأن كون هذا المرفوع فاعلا؛ ثابت في القراءة الأخرى في:
{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} وفي رواية البيت الأخرى:

لِيَبْكِ يزيدَ ضارعٌ.

شرح التصريح: 1/ 274، ومغني اللبيب: 807.
2 القائل: هو الفرزدق، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 274، ومجالس العلماء للزجاجي: 21، والجمل: 212، والإنصاف: 187، وشرح المفصل: 1/ 32، 8/ 70، والعيني: 2/ 456، ومعجم البلدان: 13/ 365، وديوان الفرزدق: 317.
المفردات الغريبة: طعنة: اسم مرة من الطعن، وهو الضرب بالرمح وغيره، عبيطات: جمع عبيطة، وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج، وعبط الذبيحة واعتبطها: نحرها وهي سمينة فتية من غير داء ولا كسر. السدائف: جمع سديف؛ وهو شحم السنام ونحوه مما غلب عليه السمن.
المعنى: كان لحصين بن أصرم قريب، مات قتلا، فحرم حصين على نفسه أكل اللحم الطري وشرب الخمر حتى يأخذ بثأر قريبه؛ فلما أدرك ثأره أحل لنفسه ما كان حرمه عليها من أكل اللحم الطري وشرب الخمر. =

 

ج / 2 ص -88-          أي: "وحلت له الخمر"، لأن "أحلت" يستلزم "حلت"، أو فسره ما بعده، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}1، والحذف في هذه واجب2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: "غداة": متعلق بما قبله. أحلت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. طعنة: فاعل مرفوع. "لابن": متعلق بـ "أحل". أصرم: مضاف إليه ممنوع من الصرف. حصين: بدل من "ابن أصرم"؛ أو عطف بيان عليه. عبيطات: مفعول به لـ "أحل" منصوب، وعلامة نصبه الكسرة، وهو مضاف. السدائف: مضاف إليه. والخمر: "بالرفع" فاعل لفعل محذوف، يدل عليه "أحل" المتقدم، والتقدير: وحلت له الخمر؛ وجملة "حلت له الخمر": معطوفه على جملة "أحلت طعنة".
موطن الشاهد: "الخمر".
وجه الاستشهاد: مجيء "الخمر" فاعلا لفعل محذوف، يدل عليه الفعل السابق، ويستلزمه، وهو "أحلت"، كما ذكر المصنف؛ وروي هذا البيت بنصب "طعنة" على أنه مفعول به، وإن كان فعلا في المعنى، ورفع "عبيطات" على الفاعلية، والخمر بالعطف عليها؛ على حذ "خرق الثوب المسمار" ولكن زاد -هنا- تقديم المنصوب.
وقد حكى محمد بن سلام أن الكسائي سُئِلَ في حضرة يونس بن حبيب شيخ سيبويه عن توجيه رفع "الخمر" في هذا البيت، فقال الكسائي: يرتفع بإضمار فعل؛ أي: وحلت له الخمر، فقال يونس: ما أحسن -والله- توجيهك، غير أني سمعت الفرزدق يسنده بنصب "طعنة" ورفع "عبيطات" على جعل الفاعل مفعولا.
انظر شرح التصريح: 1/ 274، والإنصاف في مسائل الخلاف: 187.
1 "9" سورة التوبة، الآية: 6.
موطن الشاهد:
{إِنْ أَحَدٌ... اسْتَجَارَكَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف، يفسره "استجارك" المذكور؛ والتقدير: وإن استجارك أحد استجارك؛ والحذف من هذه الحالة واجب؛ لأن استجارك المذكور كالعوض من استجارك المحذوف؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، والمفسر والمفسر. وهناك أساليب أخرى، يجب فيها الحذف -أي حذف الفعل؛ نحو: الاختصاص، والتحذير، والإغراء، والمصدر النائب عن فعله، وسيأتي ذلك لاحقا. وانظر حاشية الصبان: 2/ 50.
2 لأن استجارك المذكور كالعوض من "استجارك" المحذوف، ولا يجمع بين العوض والمعوَّض؛ فلذلك لم يجيزوا ذكر العامل في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط ونحوها؛ وهذا الكلام إنما يجري على مذهب البصريين الذين لا يجيزون أن يقع بعد أداة الشرط جملة اسمية، فيكون المرفوع مبتدأً، خبره ما بعده؛ ولا يجوز عندهم أيضا أن يتقدم الفاعل على فعله حتى يكون "أحد" فاعلا باستجارك الذي بعده. =

 

ج / 2 ص -89-          الخامس: أن فعله يوحد مع تثنيته وجمعه، كما يوجد مع إفراده، فكما تقول: "قام أخوك" كذلك تقول: "قام أخواك" و: "قام إخوتك" و: "قام نسوتك"، قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلان}1 {وَقَالَ الظَّالِمُون} {وَقَالَ نِسْوَة}3، وحكى البصريون على طيئ وبعضهم عن أزد شنوءة4، نحو: "ضربوني قومك" و: "ضربتني نسوتك" و: "ضرباني أخواك"5 قال6: [السريع]

206- ألفيتا عيناك عند القفا7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "5" سورة المائدة، الآية: 23.
موطن الشاهد:
{قَالَ رَجُلَانِ}.
وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل المثنى، وحكم إفراد الفعل في هذه الحالة الوجوب.
2 "25" سورة الفرقان، الآية: 8.
موطن الشاهد:
{قَالَ الظَّالِمُونَ}.
وجه الاستشهاد: إفراد العمل مع الفاعل الجمع؛ وحكم إفراد الفعل هنا الوجوب.
3 "12" سورة يوسف، الآية: 30.
موطن الشاهد:
{قَالَ نِسْوَةٌ}.
وجه الاستشهاد: إفراد الفعل مع الفاعل "نسوة"؛ وهو جمع؛ وحكم إفراده -كما في الآيتين السابقتين- الوجوب.
4 بفتح الهمزة وسكون الزاي أو السين، قال في الصحاح: أزد: أبو حي من اليمن، وهو بالسين أفصح، يقال: أزد شنودة وأزد عمان وأزد السراة؛ واختلف في تسميته أزدا وأسدا، فقيل: لأنه كان كثير العطاء فقيل له ذلك؛ لكثرة من يقول: أسدى إلي كذا، أو أزدى إلي كذا؛ وقيل: لأنه كان كثير النكاح، والأزد والأسد النكاح، وشنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة.
شرح التصريح: 1/ 257.
5 أي: بإلحاق علامة الجمع والتأنيث والتثنية بالفعل، ويعبر بعض النحويين عن هذه اللغة بلغة: أكلوني البراغيث؛ لأن البراغيث فاعل أكلوني.
6 القائل هو: عمرو بن ملقط؛ شاعر جاهلي؛ ولم أعثر له على ترجمة وافية.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

أولى فأولى لك ذا واقية

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 257، ونوادر أبي زيد الأنصاري: 62، وأمالي ابن =

 

ج / 2 ص -90-          وقال1: [المتقارب]

207- يلومونني في اشتراء النخيـ                        ـل أهلي فكُلُّهُمُ ألْوَمُ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الشجري: "1/ 132، والخزانة: 3/ 633، والعيني: 2/ 458، ومغني اللبيب: "691/ 485".
المفردات الغريبة: ألفيتا: وجدتا. أولى فأولى لك: كلمة تقال عند التهديد والوعيد؛ وهي. كما قال الأصمعي والمبرد -اسم فعل معناه: قاربك ما يهلكك. ذا: اسم بمعنى صاحب. واقية: مصدر بمعنى الوقاية، كالعافية.
المعنى: يصف الشاعر رجلا بالجبن والفرار من القتال، فيخاطبه قائلا: وجدت عيناك عند قفاك؛ من كثرة نظرك، والتفاتك الشديد إلى الخلف -وأنت فارٌّ- لتنظر الأعداء خشية أن يتبعوك، ثم يدعو عليه بنزول الكوارث، فيقول: حلت بك المصائب، وقاربك ما يهلكك.
الإعراب: ألفيتا: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف: علامة التثنية. عيناك: نائب فاعل، ومضاف إليه. "عند": متعلق بـ "ألفيتا". القفا: مضاف إليه. أولى: مبتدأ: فأولى: معطوف عليه. "لك" خبر المبتدأ؛ ويجوك أن يكون "أولى": خبرا لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: دعائي أولى. ذا: حال من الكاف في "عيناك". واقية: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ألفتيا عيناك".
وجه الاستشهاد: إلحاق ألف الاثنين بالفعل "ألفى" مع كونه مسندا إلى اسم ظاهر مثنى؛ وهو "عيناك"؛ وهذا الإلحاق على لغة جماعة من العرب بأعيانهم؛ واختلف العلماء في بيان أصحاب هذه اللغة، فبعضهم يذكر أنها لغة طيئ، وبعضهم يذكر أنها لغة أزد شنوءة، ومثل الشاهد السابق قول أحدهم:

نسيا حاتم وأوس لدن فا                     ضت عطاياك يابن عبد العزيز

فقد ألحق الشاعر ألف الاثنين بالفعل "نسي" المبني للمجهول. مع أن نائب الفاعل مذكور بعده، وفي هذا الشاهد والذي استشهد به المؤلف دلالة على أن شأن نائب الفاعل في هذه المسألة كشأن الفاعل. وانظر حاشية الصبان: 2/ 46-47.
1 ينسب البيت إلى أمية بن أبي الصلت، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: صوب بعضهم إنشاد البيت هكذا:

يلومونني في اشتراء النخيـ                          ـل قومي فكلهم يَعدِلُ

وأنشدوا بعده:

وأهل الذي باع يلحونه                             كما لُحِيَ البائعُ الأوَّلُ

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 276، والأشموني: "359/ 1/ 170"، وابن عقيل =

 

ج / 2 ص -91-          وقال1: [الطويل]

208- نتج الربيع محاسنا                           ألقحنها غر السحائب2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "143/ 2/ 82" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وشرح المفصل: 3/ 87، و7/ 7 والعيني: 2/ 460، وأمالي ابن الشجري: 1/ 133، والعيني: 2/ 460، ومغني اللبيب: "679/ 478"، وديوان أمية: 48، وفيه برواية: فكلهم ألوم.
المفردات الغريبة: يلومونني: اللوم: العذل والتعنيف. يعذل: "العذل" اللوم. يلحونه: لحا يلحو مثل: دعا يدعو؛ فيقال: لحاه يلحوه؛ ولحاه يلحاه مثل: نهاه ينهاه؛ إذا لامه وعذله؛ فالمعاني السابقة متشابهة.
المعنى: يعتب علي أهلي، ويعنفونني لشراء النخيل، ولا حق لهم؛ فكلهم أكثر استحقاقا للوم.
الإعراب: يلومونني: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ والواو: حرف دال على جماعة الذكور، والنون: للوقاية، والياء: مفعول به. "في اشتراء": متعلق بـ "يلوم". النخيل: مضاف إليه. أهلي: فاعل "يلوم". فكلهم: الفاء عاطفة. كلهم: مبتدأ، ومضاف إليه. يعذل: فعل مضارع، والفاعل: هو؛ وجملة "يعذل": في محل رفع خبر المبتدا.
موطن الشاهد: "يلومونني".
وجه الاستشهاد: اتصال واو الجماعة بالفعل، مع أن الفعل أسند إلى الاسم الظاهر المذكور؛ وهو "أهلي"؛ وهذا لغة طيئ، أو أزد شنوءة، كما أسلفنا؛ ومثل هذا الشاهد قول زيد بن معاوية:

يدورون بي في ظل كل كنيسة              فينسونني قومي وأهوى الكنائسا

فوصل واو الجماعة بالفعل "ينسى" مع أن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعده؛ وهو "قومي". وقول آخر:

نصروك قومي فاعتززت بنصرهم                     ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا

فقد ألحق واو الجماعة بفعل "نصر" مع أن الفاعل مذكور بعده؛ وهو "قومي".
حاشية الصبان: 2/ 47.
1 القائل: هو أبو فراس الحمداني.
2 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة للشاعر؛ ومعها قوله:

يا أيها الملك الذي                          أضحت له جمل المناقب

نتج الربيع محاسنا                         ألقحنها غير السحائب

راقت ورق نسيمها                         فحكت لنا صور الحبائب

=

 

ج / 2 ص -92-          والصحيح أن الألف والواو والنون في ذلك أحرف دلوا بها على التثنية والجمع، كما دل الجميع1 بالتاء في نحو: "قامت" على التأنيث2؛ لا أنها ضمائر الفاعلين وما بعدها مبتدأ على التقديم والتأخير أو تابع على الإبدال من الضمير، وأن هذه اللغة3 لا تمتنع من المفردَيْن أو المفردات المتعاطفة، خلافا لزاعمي ذلك،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت للتمثيل وليس للاستشهاد، وقد مثل به: التصريح: 1/ 276، والعيني: 2/ 460، وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 142، وحاشية يس: 1/ 276، والشذور: "82/ 233".
المفردات الغريبة: نتج: بالبناء للمعلوم، أو للمجهول، ويقال: نتجت الناقة، بالبناء للمجهول؛ إذا ولدت. الربيع: المراد هنا المطر الذي ينزل وقت الربيع. محاسنا: جمع لا واحد من لفظه مثل ملامح، وقيل جمع حسن على غير قياس. ألقحنها؛ الإلقاح: أصله الإيلاد، من أقلح الفحل الناقة إلقاحا: أحبلها، ثم استعير للشجر. غر: جمع غراء: أبي بيضاء. السحائب: جمع سحابة.
المعنى: أنبت المطر الذي ينزل في فصل الربيع نباتا حسنا، وكسا الأرض حلة ناضرة بوساطة تلك السحب الغراء، وما أنتجته من نبات حسن.
الإعراب: نتج: فعل ماضٍ. الربيع: فاعل؛ أو نائب فاعل، إذا عد "نتج" مبنيا للمجهول. محاسنا: مفعول به أول؛ أو ثان؛ لما أسلفنا. ألقحنها: فعل ماضٍ، والنون: علامة جمع النسوة، و"ها" مفعول به. غر: فاعل مرفوع. السحائب: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ألقحنها".
وجه الاستشهاد: وصل نون النسوة بالفعل "ألقح" مع أنه مسند إلى اسم ظاهر بعده، وهو "غر السحائب"؛ وإلى مثل هذا يشير الناظم بقوله:

"وقد يقال: سعدا وسعدوا                     والفعل للظاهر -بعد- مسندُ"

أي: جاء في بعض اللغات: "سعدا وسعدوا" بزيادة علامة التثنية والجمع على أنهما مجرد علامة، ليس أكثر، والفعل مسند إلى الفاعل الظهر بعده.
1 أي: جميع العرب.
2 والجامع بينهما: الفرعية عن الغير، فالمثنى والجمع فرع الإفراد، والمؤنث فرع المذكر. والفرق بين الاثنين أن لحاق علامة التأنيث لغة جميع العرب، ويجب أحيانا. أما لحاق الثانية فلغة قوم، ولا يجب مطلقا.
شرح التصريح: 1/ 276.
3 هذا معطوف على قوله "والصحيح أن الألف والواو...". أي والصحيح أيضا أن هذه اللغة -وهي لحاق علامة التثنية والجمع- لا تمتنع مع المفردين -إلخ. وقوله "خلافا لزاعمي ذلك" أي في المسألتين، ورد على زاعمي الأول بقوله: "لقول الأئمة... إلخ". وردَّ على زاعمي الثاني بقوله: "ولمجيء قوله -إلخ".

 

ج / 2 ص -93-          لقول الأئمة: إن ذلك لغة لقوم معينين، وتقديم الخبر والإبدال لا يختصان بلغة قوم بأعيانهم، ولمجيء قوله1: [الطويل]

209- وقد أسلماه مبعد وحميم2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ولَقَبُ الرقيات أطلق عليه؛ لأنه كان يشبب بثلاث نسوة؛ كل واحدة منهن تسمى رقية، وهو شاعر مبدع، أكثر شعره في الغزل؛ وله مدائح جيدة في مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله؛ وكان قد خرج معهما على بني أمية، ولما قتلا أمنه عبد الملك بن مروان، ومات سنة 85هـ.
الشعر والشعراء: 1/ 539، الجمحي: 2/ 647، الأغاني: 4/ 154، واللآلي: 294، والخزانة: 3/ 265.
تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

تولى قتال المارقين بنفسه

وهو من قصيدة يرثي فيها مصعب بن الزبير، وأولها قوله:

لقد أورث المصرين حزنا وذلة                        قتيل بدير الجاثليق مقيم

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، وابن عقيل: "142/ 2/ 81" والأشموني: "256/ 1/ 170" وهمع الهوامع: 1/ 160، والدرر اللوامع: 1/ 141، والكتاب لسيبويه: 1/ 132، والعيني: 2/ 461 والمغني: "681/ 481" "692/ 485" والشذور "81/ 232" وديوان ابن الرقيات: 196.
المفردات الغريبة: المارقين: الخارجين عن الدين، أسلماه: خذلاه وأسلماه إلى أعدائه. مبعد: أجنبي بعيد الصلة. حميم: صديق أو قريب.
المعنى: لقد تولى مصعب بنفسه قتال الخارجين بالعراق على أخيه عبد الله بن الزبير، ولم يركن إلى غيره في ذلك، وقد تجشم المصاعب، وخذله البعيد والقريب؛ وأسلماه إلى عدوه.
الإعراب: تولى: فعل ماضٍ، والفاعل: ضمير مستتر جوازا؛ تقديره هو؛ يعود إلى مصعب. قتال: مفعول به منصوب. المارقين: مضاف إليه. "بنفسه": متعلق بـ "تولى"؛ أو توكيد للفاعل، على زيادة الباء. وقد: الواو حالية، قد: حرف تحقيق. أسلماه: فعل ماضٍ، والألف: علامة التثنية، والهاء: مفعول به. مبعد: فاعل مرفوع. وحميم: الواو عاطفة، حميم: اسم معطوف على مبعد. وجملة "أسلماه مبعد وحميم": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "أسلماه مبعد وحميم".
وجه الاستشهاد: وصل الفعل بألف التثنية مع أن الفعل ظاهر، ومعطوف عليه؛ والقياس أن يقول: وقد أسلمه مبعد وحميم.

 

ج / 2 ص -94-          وقوله1: [الوافر]

210- وإن كانا له نسب وخير2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو عروة بن الورد العبسي، المشهور بعروة الصعاليك؛ لعطفه عليهم، واحتضانهم، وقوله فيهم شعرا كثيرا، وأشهره: الأصمعية العاشرة من الأصمعيات، وعروة جاهلي جواد فارس. الشعر والشعراء: 2/ 275، الأغاني: 2/ 184، الخزانة: 4/ 194.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

وأحقرهم وأهونهم عليهم

وقبل البيت الشاهد قوله:

ذريني للغنى أسعى فإني                       رأيت الناس شرهم الفقير

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 277، والعيني: 2/ 463، والبيان والتبيين: 1/ 234، وليس في ديوان عروة بن الورد.
المفردات الغريبة: ذريني: دعيني واتركيني. خِير "بكسر الخاء" كرم أو شرف، أو هيئة، أو أصل.
المعنى: يقول للائمته: ارتكيني أسعى وأجد في تحصيل الغنى والمال؛ فإنني رأيت الفقير شر الناس وأذلهم، وأحقرهم شأنا، وأهونهم عليهم؛ لأجل فقره، وإن كان شريف الأصل، حسن الأخلاق، كريم السجايا.
الإعراب: وأحقرهم: الواو عاطفة. أحقر: معطوف على شر، في البيت السابق، وهو مضاف، و"هم" مضاف إليه. وأهونهم: معطوف على "شر" أيضا، و"هم" مضاف إليه. "عليهم": متعلق بـ "أهون". وإن: الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف؛ والتقدير: إن لم يكن له نسب وخير وإن كانا له نسب وخير؛ والمعنى: أنه كذلك على كل حال. إن: شرطية جازمة. كانا: فعل ماضٍ ناقص؛ وهو فعل الشرط في محل جزم؛ والألف: حرف دال على التثنية. "له": متعلق بمحذوف خبر كان المتقدم على اسمه. نسب: اسم كان مؤخر مرفوع. وخير: معطوف على نسب؛ وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة سابق الكلام عليه. 
موطن الشاهد: "كانا له نسب وخير".
وجه الاستشهاد: إلحاق علامة التثنية "الألف" بالفعل الناقص "كان" مع أنه مسند إلى اثنين عطف أحدهما على الآخر؛ وفي هذا دلالة على أن من يلحق بالفعل علامة التثنية وعلامة الجمع، لا يفرق بين أن يكون الفاعل مثنى كالزيدين والعمرين، أو أن يكون في معنى المثنى بأن يكون اسمين مفردين، عطف أحدهما على الآخر.

 

ج / 2 ص -95-          السادس: أنه إن كان مؤنثا أنث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي1، وبتاء المضارعة في أول المضارع.
[إذا كان الفاعل مؤنثا أنث فعله]:
ويجب ذلك في مسألتين:
إحداهما: أن يكون ضمير متصلا2، كـ: "هند قامت" أو: تقوم"، و: "الشمس طلعت" أو: "تطلع" بخلاف المنفصل نحو: "ما قام، أو يقوم، إلا هي" ويجوز تركها في الشعر إن كان التأنيث مجازيا، كقوله3: [المتقارب]

211- ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سواء أكان جامدا أم منصرفا تاما أم ناقصا، وسواء في ذلك التأنيث الحقيقي أو المجازي.
2 أي مستترا، عائدا على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازيه. وقد مثل لهما المصنف. وإنما وجب التأنيث في هذا؛ لئلا يتوهم أن هنالك فاعلا مذكرا منتظرا، كأن يقال: هند قام أبوها والشمس طلع قرنها.
3 القائل: هو عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران الطائي، أحد بني جرم من طيئ، كان سيدا شاعرا فارسا شريفا، قيل: هو من معمري العرب وأنه عاش مائتي سنة. خزانة الأدب: 1/ 53، والمعمرين: 41.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

فلا مزنة ودقت ودقها

وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، وابن عقيل: "146/ 2/ 92"؛ والأشموني: "369/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 240، والخصائص: 2/ 411، والمحتسب: 2/ 112، وأمالي ابن الشجري: 1/ 158، 1/ 161، وشرح المفصل: 5/ 94، والمقرب: 66، والخزانة: 21، 3/ 330، والعيني: 2/ 264 والهمع: 2/ 171، والدرر: 2/ 224، وحاشية يس على التصريح: 2/ 32، ومغني اللبيب: "115/ 860" "1130/ 879". =

 

ج / 2 ص -96-          وقوله1: [المتقارب]

212- فإن الحوادث أودى بها2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات الغريبة: مزنة: هي السحابة البيضاء المثقلة بالماء، ودقت: أمطرت. الودق: المطر. أبقل: أنبت البقل، والبقل: ما نبت في بذرة لا في أرومة ثابتة.
المعنى: ليس هنالك سحابة أمطرت مطرا غزيرا نافعا كهذه السحابة، وليست هنالك أرض أنبتت بقلا عظيما كهذه الأرض.
الإعراب: لا: نافية تعمل عمل ليس. مزنة: اسمها مرفوع. ودقت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. والفاعل: هي. ودقها: مفعول مطلق لـ "ودقت"؛ والجملة: خبر "لا"؛ ويجوز عد "لا" مهملة، ومزنة: مبتدأ، والجملة: خبره. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية عاملة عمل "إن". أرض: اسمها: وجملة "أبقل إبقالها": في محل رفع خبر "إن".
موطن الشاهد: "ولا أرض أبقل".
وجه الاستشهاد: حذف تاء التأنيث من الفعل "أبقل" المسند إلى فاعله المضمر العائد إلى اسم مجازي وروي البيت على وجه آخر: ولا أرض أبقلت أبقالها؛ بكسر التاء للتخلص من الساكنين، ووصل همزة القطع من إبقالها، وهو تخلص من ضرورة، للوقوع في أخرى، كما بين المؤلف.
ومن العلماء من خرج البيت تخريجا آخر، وهو أن الشاعر أتى بالضمير العائد إلى الأرض مذكرا؛ لأنه أراد بالضمير المكان؛ فهو من الحمل على المعنى؛ ولهذا نظائرُ كثيرةٌ في الشعر، نحو قول عروة بن حزام:

وعفراء أرجى الناس عندي مؤدة                وعفراء عني المعرض المتداني

ففي قوله: "عفراء المعرض المتداني"؛ ذكر الخبر، مع أن المبتدأ مؤنث؛ لأنه أراد شخص عفراء. وذهب ابن كيسان إلى جواز التذكير والتأنيث في الفعل المسند إلى ضمير مؤنث مجازي التأنيث؛ فكما يجوز في الفعل المسند الاسم الظاهر المجازي التأنيث تذكير الفعل وتأنيثه، فإنه يجوز مع المضمر، لأنه لا فرق بين المضمر والمظهر. انظر حاشية الصبان: 2/ 53-54. والدرر اللوامع: 2/ 224-225.
1 القائل: هو الأعشى ميمون بن قيس؛ وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

فإما تريني ولي لمة

وهو من قصيدة يمدح فيها رهط قيس بن معديكرب الكندي ويزيد بن عبد الدار الحارثي. وهو من شواهد: التصريح: 1/ 278، والأشموني: "368/ 1/ 174" والكتاب: 1/ 239، وأمالي ابن الشجري: 2/ 345، والإنصاف: 1/ 464، وشرح =

 

ج / 2 ص -97-          والثانية: أن يكون متصلا حقيقي التأنيث نحو: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ}1 وشذ قول بعضهم2: "قال فلانة" وهو رديء لا ينقاس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفصل: 5/ 95، 9/ 6، 9/ 41، والخزانة: 4/ 578، والعيني: 2/ 466، 4/ 327، وديوان الأعشى برواية: ألوى بها.
المفردات الغريبة: لمة: هي شعر الرأس الذي يجاوز شحمة الأذن؛ فإذا زاد عن ذلك، وبلغ المنكبين فهو جمة. الحوادث: النوازل والكوارث، جمع حادثة. أودى بها: ذهب بها، وأهلكها، وأبادها.
المعنى: يخاطب محبوبته قائلا: إذا كانت ترين فيما مضى من شبابي لمة تنزل إلى أذني؛ فلا تعجبي اليوم من منظري؛ لأن حوادث الدهر وكوارثه؛ ذهبت بها وأزالتها؛ ولعله يريد: أنه أصبح أصلع الرأس؛ وذلك من دلالات التقدم في السن، والضعف بعد القوة.
الإعراب: إما: إن الشرطية مدغمة في "ما" الزائدة. تريني: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون، والنون: للوقاية، والياء: فاعل، والياء الثانية: مفعول به، ورأى -هنا- بصرية تتعدى إلى واحد. ولي: الواو حالية، "لي": متعلق بخبر مقدم. لمة: مبتدأ مؤخر. فإن: الفاء واقعة في جواب الشرط، إن: حرف مشبه بالفعل. الحوادث: اسمه. أودى: فعل ماضٍ وفاعله: ضمير مستتر يعود إلى الحوادث، وجملة "أودى بها": في محل رفع خبر "إن"؛ وجملة "إن الحوادث أودى بها": في محل جزم جواب الشرط.
موطن الشاهد: "الحوادث أودى بها".
وجه الاستشهاد: تجريد فعل أودى" من علامة التأنيث؛ وحكم هذا التجريد الضرورة الشعرية؛ لأنه مسند إلى ضمير مستتر عائد إلى مؤنث مجازي، وهو "الحوادث"؛ والذي سوغ ذلك كون "الحوادث مجازي التأنيث.
ولا يقال في هذا البيت: إنه لا ضرورة فيه؛ لأنه لو قال: أودت بها؛ لاستقام الوزن؛ لأن القافية مؤسسة، والألف في أودى ملتزمة في أبيات القصيدة، وتسمى عند العروضيين: "حرف الردف" وتركها في بعض الأبيات عيب غير مقبول. انظر شرح العيني في ذيل حاشية الصبان: 2/ 53.
1 "3" سورة آل عمران، الآية: 35.
موطن الشاهد:
{قَالَتِ امْرَأَةُ}.
وجه الاستشهاد: اتصال علامة التأنيث بالفعل "قال"؛ لأن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث ولم يفصل بينهما فاصل؛ وحكم تأنيث الفعل في هذه الحالة الوجوب.
2 هو قول بعض العرب حكاه سيبويه، وفلانة: ليس دالا على مؤنث، كفاطمة وزينب... إلخ ولكنه يدل على لفظ مؤنث.

 

ج / 2 ص -98-          وإنما جاز في الفصيح نحو: "نعم المرأة" و: "بئس المرأة" لأن المراد الجنس، وسيأتي أن الجنس يجوز فيه ذلك.
[جواز التأنيث والتذكير]:
ويجوز الوجهان في مسألتين: إحداهما: المنفصل1، كقوله2: [الوافر]

213- لقد ولد الأخيطلَ أمُّ سُوءٍ3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي المؤنث الحقيقي الظاهر، المنفصل من فعله بفاصل.
2 هو: جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

على باب استها صُلُبٌ وشَامُ

وهو في هجاء الأخطل التغلبي النصراني.
وهو من شواهد: التصريح: "1/ 279، والأشموني: "364/ 1/ 173"، والمقتضب: 2/ 148، 3/ 349 والخصائص: 2/ 414، وأمالي ابن الشجري: 2/ 55، والإنصاف: 1/ 175، وشرح المفصل: 5/ 92، والعيني: 2/ 468، وديوان جرير: 515.
المفردات الغريبة: الأخيطل: تصغير الأخطل الشاعر واسمه: غياث بن غوث. استها: دبرها: صلب: جمع صليب وهو للنصارى. شام: جمع شامة، وهو الخال والعلامة.
المعنى: إن من وَلَدَ الأخطلَ امرأةٌ سيئة، لم تتحصن بالعفة؛ فهو سليل الفجور.
الإعراب: لقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق. ولد: فعل ماضٍ، الأخيطل: مفعول به تقدم على الفاعل. أم: فاعل مرفوع. سوء: مضاف إليه. "على باب": متعلق بخبر مقدم محذوف. استها: مضاف إليه، و"ها": مضاف إليه. صلب: مبتدأ مؤخر. وشام: معطوف عليه مرفوع.
موطن الشاهد: "ولد الأخيطل أم".
وجه الاستشهاد: تجرد فعل "ولد" من علامة التأنيث، على الرغم من أن فاعله مؤنث حقيقي التأنيث؛ لأنه فصل بينهما بالمفعول به المتقدم على الفاعل "أم"؛ وحكم هذا التجرد الجواز؛ لأنه لما فصل بين الفعل وفاعله، بَعُدَ الفعل بالفصل عن فاعله، وضعفت عنايته به؛ غير أن الاقتران في هذه الحالة أفضل من التجرد؛ ومثل هذا الشاهد؛ قول الشاعر:

إنَّ امرأً غره منكنَّ واحدةٌ                   بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

غير أن الفصل -هنا- بالجار والمجرور؛ وإن كان الحكم واحدا.

 

ج / 2 ص -99-          وقولهم: "حضر القاضي اليوم امرأة" والتأنيث أكثر، إلا إن كان الفاصل "إلا" فالتأنيث خاص بالشعر1، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث2: [الرجز]

214- ما برئت من ريبة وذم                         في حربنا إلا بنات العم3

وجوزه ابن مالك في النثر، وقرئ: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ"4، "فَأَصْبَحُوا لا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التخصيص بالشعر مذهب الجمهور. ومثل "إلا" في الفصل: غير أو سوى، وإن كان مذكرا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، ويلاحظ أن لفظ "غير" أو "سوى" هو الذي يعرب فاعلا.
2 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 1/ 279، والأشموني: "316/ 1/ 174"، والعيني: 2/ 471، والهمع: 2/ 271، والدرر: 2/ 226، والشذور: "80/ 231".
المفردات الغريبة: برئت: تخلصت وسلمت. ريبة: هي التهمة والشك. ذم: عيب.
المعنى: لم تسلم امرأة من التهمة والشك والعيب في حربنا إلا بنات الأعمام.
الإعراب: ما: نافية. برئت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. "من ريبة": متعلق بـ "برئت". وذم: معطوف على ريبة. "في حربنا": متعلق بـ "برئت". إلا: أداة حصر؛ أو حرف استثناء ملغى. بنات: فاعل مرفوع، وهو مضاف. العم: مضاف إليه.
موطن الشاهد: "ما برئت إلا بنات العم".
وجه الاستشهاد: لحقت تاء التأنيث فعل "برئ"؛ لأن الفاعل حقيقي التأنيث، مع وجود الفصل بـ "إلا"؛ وحكم حذف التاء واجب في هذه الحالة؛ لأن الفاعل في الحقيقة، ليس الاسم المؤنث المذكور بعد "إلا"، وإنما هو مذكر محذوف؛ والتقدير: ما برئ أحد إلا بنات العم؛ وهذا رأي الأخفش ومن تبعه؛ وحكم لحوق التاء -على رأيهم- الجواز للضرورة الشعرية؛ وجوَّز ابن مالك تأنيث الفعل مع الفصل بـ "إلا" على قلة؛ حيث قال: "والصحيح جوازه في النثر أيضا" وأشار إلى هذا، بقوله:

والحذف معْ فصلٍ بـ "إلا" أفضلا                         كما زكا إلا فتاةُ ابنِ العَلا

فلفظه "أفضلا" تفيد جواز عدم الحذف، غير أن الحذف أرجح.
وانظر شرح التصريح: 1/ 279-280، وحاشية الصبان: 2/ 53.
4 "36" سورة يس، الآية: 29.
أوجه القراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث والأعرج "صيحة" بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب. 
توجيه قراءة الرفع: في قراءة الرفع تقدير ضمير في "كانت"؛ والتقدير: إن كانت عقوبتهم أو بليتهم إلا صيحة، أو نحو ذلك، الإتحاف: 264، البحر المحيط: 7/ 332، ومعاني القرآن: 2/ 375.
موطن الشاهد: "إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ".
وجه الاستشهاد: مجيء "صيحة" مرفوعة بـ "كان"؛ وفي هذه القراءة دليل على جواز تأنيث الفعل إذا فعل بينه وبين فاعله أو ما يقوم مقام الفاعل بـ "إلا".

 

ج / 2 ص -100-        تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ"1.
الثانية: المجازي التأنيث، نحو:
{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}2، ومنه3 اسم الجنس، واسم الجمع، والجمع4؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، فلذلك جاز التأنيث، نحو: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ}5، و: {قَالَتِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "46" سورة الأحقاف، الآية: 25.
أوجه القراءات:
أوجه القراءات: قرأ مالك بن دينار والحسن وأبو رجاء وعاصم والأعمش وجماعة من التابعين: "لا تُرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ أهل الحرمين، وأبو عمر، والكسائي، وابن كثير، ونافع، وأبو جعفر، ومجاهد، وعلي: "لا تَرَى إلا مساكنهم"؛ وقرأ الأعمش وحمزة، وابن مسعود:
{لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}.
موطن الشاهد: "لا تُرَى إلا مساكنهم" وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 157، ومعاني القرآن: 2/ 55 وقرأ الأزرق وورش: "لا تَرَى إلا مسكنهم". اتحاف الفضلاء: 392.
وجه الاستشهاد: مجيء "ترى" مبنيا للمجهول؛ على هذه القراءة، ومساكنهم نائب فاعل؛ والحكم كما في الآية السابقة؛ وقراءة هذه الآية وقراءة الآية السابقة المستشهد بهما، ليستا سببيتين.
2 "75" سورة القيامة: 9.
موطن الشاهد:
{جُمِعَ الْشَمْسُ وَالْقَمَرُ}.
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع المؤنث المجازي، وذلك جائز؛ وفي غير القرآن، يجوز: "وجمعت الشمس".
3 أي: من مجازي التأنيث.
4 المراد جمع التكسير؛ لأن جمع المذكر السالم، يجب تذكير فعله، كما أن جمع المؤنث السالم المستوفي للشروط؛ يجب تأنيث فعله على الصحيح.
5 "26" سورة الشعراء، الآية: 105,
موطن الشاهد:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٌ}.
وجه الاستشهاد: أنت الفعل "كذب" لأن فاعله أتى اسم جمع مذكر؛ فهو يلحق بمجازي التأنيث وحكم التأنيث هنا الجواز.

 

ج / 2 ص -101-        الْأَعْرَابُ}1، و: "أورقت الشجر"، والتذكير نحو: "أورق الشجر" {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُك} {وَقَالَ نِسْوَة}3، و: "قام الرجال"، و: "جاء الهنود" إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح أوجبت التذكير في نحو: "قام الزيدون" والتأنيث في نحو: "قامت الهندات"، خلافا للكوفيين فيهما، وللفارسي في المؤنث، واحتجوا بنحو: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}5، وقوله6: [الكامل]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "49" سورة الحجرات، الآية: 14.
موطن الشاهد:
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ}.
وجه الاستشهاد: أنت الفعل مع "الأعراب" وهو جمع تكسير؛ وحكم التأنيث؛ -هنا- الجواز.
2 "6" سورة الأنعام، الآية: 66.
موطن الشاهد:
{كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ}.
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع "قوم" وهو اسم جمع مذكر؛ وحكم تذكيره الجواز.
3 "12" سورة يوسف، الآية: 30.
موطن الشاهد:
{قَالَ نِسْوَةُ}.
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع اسم الجمع المؤنث؛ وحكم هذا التذكير الجواز.
4 "8" سورة يونس، الآية: 90.
وجه الاستشهاد: موطن الشاهد:
{آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائيلَ}.
وجه الاستشهاد: "تأنيث الفعل مع جمع تصحيح المذكر؛ وأجاب المؤلف بأن هذا الجمع لم يسلم فيه لفظ الواحد، بل تغير شكله؛ لأن الأصل "بنو" فحذفت لامه؛ وزيد عليه واو ونون في التذكير وألف وتاء في التأنيث.
5 "60" سورة الممتحنة، الآية: 12.
موطن الشاهد:
{جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}.
وجه الاستشهاد: تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث؛ وأجيب بأن التذكير هنا للفصل، أو لأن الأصل: النساء المؤمنات، أو لأن "إلا" مقدرة باللاتي وهي اسم جمع، كما في المتن.
6 القائل: هو عبدة بن الطيبب، أحد بني عبد شمس بن كعب بن سعد من تميم، شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم، وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز؛ وله في ذلك مواقف مشهورة. له شعر حسن، منه وصيته لبنيه حين أَسَنَّ ورابه بصره، وهي من أغلى الوصايا وأعلاها ذكرها صاحب المفضليات برقم "27".
الشعر والشعراء: 2/ 727، واللآلي: 69، والأغاني: 18/ 163، والإصابة: 51/ 101.

 

ج / 2 ص -102-       215- فبكى بناتي شجوَهُنَّ وزوجتي1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

والظاعنون إليَّ ثم تصدَّعوا

وهو من قصيدة رواها المفضل الضبي، وهو من شواهد: التصريح: 1/ 280، وفيه برواية: والطامعون إليَّ. والأشموني: "270/ 1/ 175"، والعيني:4/ 472، والمفضليات: 148، والخصائص: 3/ 295، ومجالس العلماء للزجاجي: 195.
المفردات الغريبة: شجوهن، الشجو: الحزن والهم -من شجاه الأمر يشجوه- إذا أحزنه. زوجتي؛ الأفصح أن يقال: زوج للرجل والأنثى، وجمعه أزواج، قال تعالى:
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}. تصدعوا: تفرقوا وانشعب شملهم.
المعنى: إن بناتي بكين علي من الحزن، وكذلك زوجي، والذين وفدوا علينا؛ ليشاركونا أحزاننا وهمومنا من المحبين، ثم انصرفوا بعد ذلك، وتفرقوا إلى شئونهم.
الإعراب: بكى: فعل ماضٍٍ. بناتي: فاعل ومضاف إليه. شجوهن: مفعول لأجله، ومضاف إليه. وزوجتي: معطوف على بناتي، ومضاف إليه. والظاعنون: معطوف على بناتي. "إلي": متعلق بـ "الظاعنون". ثم: حرف عطف. تصدعوا: فعل ماضٍٍ، والواو: فاعل؛ وجملة "تصدعوا": معطوفة على جملة "بكى بناتي": لا محل لها.
موطن الشاهد: "بكى بناتي".
وجه الاستشهاد: مجيء فعل بكى مجردا من التاء الدالة على التأنيث مع أن المسند إليه -الفاعل- بناتي أتى جمع مؤنث سالما؛ وبهذا وأمثاله احتج الكوفيون وأبو علي الفارسي على جواز تذكير الفعل مع جمع المؤنث؛ وخالفهم البصريون، وردوا عليهم بأن "بنات" وإن كان جمع مؤنث سالما؛ فقد أشبه جمع التكسير في عدم سلامة لفظ مفرده -كما أسلفنا- فلما أشبه جمع التكسير؛ في هذا، أخذ حكمه، كما أن "بني" لما لم يسلم فيه لفظ مفرده، أشبه جمع التكسير؛ فلما أشبهه في هذا، أخذ حكمه، وساغ دخول تاء التأنيث في فعله في الآية الكريمة:
{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}.
هذا وفي البيت شاهد آخر على مجيء "شجوهن" مفعولا لأجله؛ وهو معرفة؛ لأنه مصدر أضيف إلى الضمير خلافا للجرمي الذي زعم أن المفعول لأجله لا يكون إلا نكرة. انظر شرح التصريح: 1/ 280.

 

ج / 2 ص -103-        وأجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما لفظ الواحد1، وبأن التذكير في {جَاءَكَ} للفصل، أو لأن الأصل النساء المؤمنات، أو لأن "أل" مقدرة باللاتي، وهي اسم جمع.
السابع: أن الأصل فيه أن يتصل بفعله ثم يجيء المفعول، وقد يعكس، وقد يتقدمهما المفعول، وكل من ذلك جائز وواجب.
[الأصل تقدم الفاعل على المفعول]:
فأما جواز الأصل فنحو:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}2.
[وجوب تقدم الفاعل على المفعول]:
وأما وجوبه ففي مسألتين:
إحداهما: أن يخشى اللبس3، كـ: "ضرب موسى عيسى" قاله أبو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بل تغير شكله؛ إذ الأصل "بنو" فحذفت لامه وزيد عليه واو ونون في التذكير، وألف وتاء في التأنيث. والكلام في الجمعين إذا لم يحدث فيهما تغيير. أما ما تغير منهما كبنين وبنات فيجوز فيهما الوجهان اتفاقا.
هذا: ولم يذكر المصنف ولا الناظم حكم إسناد الفعل إلى المثنى، وحكمه حكم المفرد؛ فإن كان لمذكر وجب تذكير الفعل، نحو: قال المحمدان، وإن كان لمؤنث وجب التأنيث، تقول: قامت الهندان.
شرح التصريح: 1/ 280، 281.
2 "27" سورة النمل، الآية: 16.
موطن الشاهد:
{وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الفاعل متصلا بالفعل ثم وليه المفعول به؛ وحكم هذا التقدم الجواز على الأصل.
3 فلا يمكن تمييز الفاعل من المفعول، وذلك كأن يكون كل منهما اسما مقصورا كما مثل المصنف، أو مضافا إلى ياء المتكلم، نحو: أكرَمَ صديقي أخي، وكذلك المبنيات وأسماء الإشارة، وليست هنالك قرينة تعين المراد، وتميز الفاعل من المفعول، فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية لم يكن الترتيب واجبا، فاللفظية مثل: أكرمت يحيى ليلى، والمعنوية مثل: أزعجت ليلى الحمى.

 

ج / 2 ص -104-        بكر1 والمتأخرون كالجزولي2 وابن عصفور وابن مالك3، وخالفهم4 ابن الحاج5 محتجا بأن العرب تجيز تصغير عمر وعمرو، وبأن الإجمال من مقاصده العقلاء، وبأنه يجوز: "ضرب أحدهما الآخر" وبأن تأخير البيان لوقت الحاجة جائز عقلا باتفاق وشرعا على الأصح، وبأن الزجاج نقل أنه لا خلاف في أنه يجوز في نحو: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}6، كون "تلك" اسمها، و: "دعواهم" الخبر، والعكس7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو: محمد بن السري، المعروف بابن السراج، وقد مرت ترجمته.
2 هو: أبو موسى، عيسى بن عبد العزيز الجزولي -جزولة بطن من البربر- كان إماما في العربية مع جودة التفهم وحسن العبارة، لزم ابن بري بمصر لما حج وعاد، وتصدر للإقراء بالمرية "بلد بالأندلس" وغيرها، أخذ عنه العربية جماعة منهم الشلوبين وابن معطٍ، له حواشٍ على الجمل للزجاجي، وكتاب القانون في النحو، مات سنة 607، وقيل 667 هـ.
البلغة: 179، بغية الوعاة: 2/ 236، إنباه الرواة: 2/ 378، وفيات الأعيان: 1/ 394.
3 مرت ترجمة لكل منهما.
4 وذلك في نقده على المقرب لابن عصفور، فقال: لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية. شرح التصريح: 1/ 281.
5 هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي الإشبيلي، كان عالما بالعربية حافظا للغات قيل إنه برع في لسان العرب حتى لم يكن في زمنه من يفوقه أو يدانيه، قرأ على الشلوبين وغيره، له مصنفات كثيرة منها: مختصر خصائص ابن جني، ومختصر المستصفى، وله نقود على الصحاح، وإيرادات على المقرب لابن عصفور، وأمالي على كتابه سيبويه، مات سنة: 647 هـ.
البلغة: 31، بغية الوعاة: 1/ 359، أعيان الشيعة: 9/ 275، معجم المؤلفين: 2/ 64.
6 21 سورة الأنبياء، الآية: 15.
موطن الشاهد:
{مَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}.
وجه الاستشهاد: جوز الزجاج كون "تلك" الاسم، و"دعواهم" الخبر؛ أو العكس، كما في المتن؛ وهنا، لم يبالوا بالتباس الاسم بالخبر.
7 قال المرادي تعليقا على كلام ابن الحاج الذي استدل بقول الزجاج بجواز اعتبار تلك الاسم ودعواهم الخبر؛ أو العكس: بأنه يجوز قياسا على الآية الحكم على الفاعل والمفعول من حيث التقديم والتأخير: "ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في ضرب موسى عيسى؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول، ليس كالتباس اسم "زال" بخبرها وذلك واضح.
انظر شرح التصريح: 1/ 282. وحاشية الصبان: 2/ 56. وابن عقيل: 1/ 381.

 

ج / 2 ص -105-        الثانية: أن يحصر المفعول بإنما، نحو: "إنما ضرب زيد عمرا"1 وكذا الحصر بإلا عند الجزولي وجماعة وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري2 تقديمه على الفاعل3، كقوله4: [الطويل]

216- ولما أبى إلا جماحا فؤاده5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فيجب تقديم الفاعل على المفعول في هذه الصورة؛ لأنه لو أخر انقلب المعنى.
2 هو الإمام: أبو بكر؛ محمد بن القاسم الأنباري، النحوي اللغوي، ولد سنة 271 هـ، كان أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا، قيل إنه حفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن وكان يملي من حفظه لا من كتاب، وكان مع هذا ثقة دينا ورعا، أخذ عن ثعلب، وروى عنه الدارقطني وجماعة، له تصانيف مفيدة منها: كتاب الزاهر في اللغة، وكتاب هاءات القرآن وكتاب الأمالي، وكتاب غريب الحديث، والإنصاف وغيرها كثير. مات ببغداد وله 67 سنة وذلك سنة 328 هـ البلغة: 245، بغية الوعاة: 1/ 212، إنباه الرواة: 3/ 201، وفيات الأعيان: 1/ 502، الأعلام: 7/ 226.
3 أي تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل بشرط أن يتقدم معه "إلا".
4 القائل هو دعبل الخزاعي: أبو علي ابن علي بن رزين، وقيل اسمه الحسن ولقبه دعبل؛ شاعر إسلامي جيد الشعر، عاصر خلفاء بني العباس؛ ومنهم المعتصم الذي هجاه؛ فطلبه لكن دعبلا هرب واستتر، وكان دعبل يجالس أبا نواس وأبا الشيص.
الشعر والشعراء: 2/ 489، الأغاني: 18/ 29، ابن خلكان: 1/ 178، تاريخ بغداد: 8/ 382.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:

ولم يسلُ عن ليلى بمال ولا أهل

وذكر العيني بعده قوله:

تسلى بأخرى غيرها فإذا التي             تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي 

=

 

ج / 2 ص -106-        وقوله1: [الطويل]

217- فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيت للتمثيل؛ لأن دعبلا ممن لا يحتج بقولهم على قواعد النحو والتصريف؛ والبيت من شواهد:
التصريح: 1/ 282، والأشموني: "374/ 177"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والعيني: 2/ 480، والمصون لأبي أحمد العسكري: 249، وديوان دعبل: 183.
المفردات الغريبة: أبى: امتنع. جماحا: مصدر جمح الفرس -إذا أسرف إسراعا لا يرده شيء. والجموح من الرجال: الذي يركب هواه ولا يمكن ردعه. لم يسلُ: مضارع سلا: بمعنى صبر وتعزى.
المعنى: إن هذا المبحب حين تعلق بليلى، وهام بها، ولم يصرفه عن التمادي في هواه زينة الدنيا من المال، والأهل -أراد أن يتسلى بغيرها، فلم يغنه ذلك، بل زادته الأخرى إغراء بليلى وتعلقا بها.
الإعراب: أبى: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. جماحا: مفعول به لـ "أبى". فؤاده: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. ولم يسلُ: الواو عاطفة، لم: جازمة نافية. يسل: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل هو: "عن ليلى": متعلق بـ "يسل". "بمال": متعلق بـ "يسل" أيضا. ولا أهل: معطوف على مال.
موطن الشاهد: "أبى إلا جماحا فؤاده".
وجه الاستشهاد: تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" وهو "جماحا" على الفاعل "فؤاده"؛ وهذا التقديم جائز؛ وقد استدل بهذا الشاهد جمهور البصريين، والفراء، وابن الأنباري، والكسائي، فقالوا: يجوز أن يتقدم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل؛ لأن المفعول -وإن تقدم- فهو في منزلة التأخير؛ وأكثر هؤلاء، لا يجيزون تقديم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ لانتفاء العلة التي أجازوا من أجلها تقديم المفعول المحصور بها؛ وهؤلاء فرقوا بين الحصر بـ "إلا" والحصر بـ "إنما"؛ فأجازوا تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" لانتفاء اللبس، ولم يجيزوا تقديم المحصور بـ "إنما"؛ لأنه لم يَقُمْ دليل على أن المحصور هو تاليها؛ هذا، وقد أوجب الجزولي وعدد من المتأخرين تأخير المفعول المحصور بـ "إلا" والصواب ما ذكرناه.
انظر شرح التصريح: 1/ 282. وابن عقيل: 1/ 382.
1 هو: مجنون بن عامر قيس بن الملوح، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

تزودت من ليلى بتكليم ساعة 

=

 

ج / 2 ص -107-        وقوله1: [الطويل]

218- وتغرس إلا في منابتها النخل2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وهو من شواهد التصريح: 1/ 282، والأشموني: "373/ 1/ 177"، وابن عقيل: "148/ 2/ 103"، والهمع: "1/ 161، 230، والدرر: 1/ 143، 195، والعيني: 2/ 481، ونحوه لذي الرمة في ديوانه: 637.
المفردات الغريبة: تزودت: اتخذت زادا، والزاد: طعام يُتَّخَذُ للسفر.
المعنى: اتخذت من تكليم ليلى ساعة زادا أتبلغ به وأطفئ جذوة حبي لها؛ فلم يفدني ذلك، ولم يشف غلتي، بل زاد كلامها ما بي من وجد ولوعة.
الإعراب: تزودت: فعل ماضٍ، وفاعل. "من ليلى": متعلق بـ "تزود". "بتكليم": متعلق بـ "تزود". ساعة: مضاف إليه. فما: الفاء عاطفة، ما: نافية. زاد: فعل ماضٍٍ. إلا: أداة حصر. ضعف: مفعول به مقدم. ما: اسم موصول، مضاف إليه، "بي": متعلق بمحذوف الصلة؛ والتقدير: ما ثبت بي، ونحو ذلك. كلامها: فاعل مؤخر و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها".
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ضعف" المحصور بـ "إلا" على الفاعل "كلامها"؛ وهذا جائز عند الكسائي؛ والأصل: فما زاد كلامها إلا ضعف ما بي.
1 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

والبيت في مدح هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المريين بالكرم وشرف العنصر وهو من شواهد: التصريح: 1/ 282، والعيني: 2/ 482، وديوان زهير بن أبي سلمى: 115.
وقبل البيت الشاهد قوله:

فما كان من خير أتوه فإنما                             توارثه آباء آبائهم قبل

المفردات الغريبة: الخطي: الرمح المنسوب إلى الخط، والخط: جزيرة ترفأ إليها سفن الرماح بالبحرين. وشيجه: جمع وشيجة، وهي العروق الملتفة من شجر الرماح.
المعنى: إن الرماح المشهورة بالجودة والصلابة، لا تتخذ إلا من شجرها الأصيل، ولا ينبت النخل إلا في المواطن الصالحة لإنمائه؛ والمراد: أن الكريم لا يأتي إلا من عنصر كريم. =

 

ج / 2 ص -108-        [توسط المفعول جوازا]:
وأما توسط المفعول جوازا فنحو:
{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}1، وقولك: "خاف ربه عمر" وقال2: [البسيط]

219- كما أتى رَبَّهُ موسى على قدر3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: هل: حرف استفهام يفيد الإنكار، جاء بمعنى النفي. ينبت: فعل مضارع مرفوع. الخطي: مفعول به مقدم منصوب. إلا: أداة حصر. وشيجه: فاعل مرفوع، والهاء: مضاف إليه. وتغرس: الواو عاطفة، تغرس: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع. إلا: أداة حصر. "في منابتها": متعلق بـ "تغرس". النخل: نائب فاعل مرفوع.
موطن الشاهد: "تغرس إلا في منابتها النخل".
وجه الاستشهاد: تقدم الجار والمجرور "في منابتها" على نائب الفاعل "النخل"؛ على الرغم من أن "الجار والمجرور" أتى محصورا بـ "إلا"؛ ولما كان الجار والمجرور بمنزلة المفعول، وكان نائب الفاعل بمنزلة الفاعل، جاز الاستدلال بهذا الشاهد على جواز تقديم المفعول المحصور بـ "إلا" على الفاعل، كما أسلفنا من قبل.
1 "54" سورة القمر، الآية: 41.
موطن الشاهد:
{جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}.
وجه الاستشهاد: توسط المفعول به "آل" بين الفعل والفاعل؛ وحكم هذا التوسط الجواز؛ لامتناع اللبس.
2 هو: جرير بن عطية، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

والبيت من كلمة لجرير يمدح فيها الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.
وهو من شواهد التصريح: 1/ 283، والأشموني: "375/ 1/ 178"، وابن عقيل: "296/ 3/ 233"، وأمالي ابن الشجري: 2/ 317، والعيني: 2/ 485، 4/ 145، والهمع: 2/ 134، والدرر: 2/ 181، ومغني اللبيب: "95/ 89" وشرح السيوطي: 70.
المفردات الغريبة: قدرا: أي مقدرة في الأزل. على قدر أي على تقدير من الله.
المعنى: تولي عمر منصب الخلافة كان بتقدير الله تعالى؛ فانتشل المسلمين من الظلم، وأقام بينهم صرح العدل؛ كما أن موسى عليه السلام -أتى ربه وكلمه بقضائه =

 

ج / 2 ص -109-        [وجوب توسط المفعول بين الفعل والفاعل]:
وأما وجوبه ففي مسألتين:
إحداهما: أن يتصل بالفاعل ضمير المفعول نحو:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ}1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقدره؛ فأبان للخلق طريق الحق؛ ولعله يشير إلى الآية الكريمة:
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوْسَى}.
الإعراب: جاء: فعل ماضٍ، والفاعل: هو؛ يعود إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. الخلافة: مفعول به. أو: حرف عطف بمعنى الواو؛ ويروى مكانها "إذ". كانت: فعل ماضٍ ناقص، والتاء: للتأنيث، واسمه: هي، يعود إلى الخلافة. "له": متعلق بـ "قدرا". قدرا: خبر كانت منصوب. كما: الكاف حرف جر، "ما": مصدرية. أتى: فعل ماضٍ. ربه: مفعول به مقدم لـ "أتى" ومضاف إليه؛ والمصدر المؤول من "ما وما دخلت عليه": في محل جر بالكاف؛ و"الجار والمجرور": متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف؛ واقع مفعولا مطلقا لـ "جاء"؛ والتقدير: جاء الخلافة إتيانا مثل إتيان موسى. موسى: فاعل مؤخر لـ "أتى". "على قدر": متعلق بـ "أتى".
موطن الشاهد: "أتى ربَّهُ مُوسى".
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "ربه" على الفاعل "موسى" وقد أعاد الضمير المتصل بالمفعول المتقدم على الفاعل المتأخر لفظا؛ وهذا شائع في كلام العرب؛ لأن الضمير عاد على متأخر لفظا، ولكنه متقدم رتبة، ويسمى هذا بالمتقدم حُكْمًا وإلى هذا أشار الناظم:

وشاع نحو "خاف ربَّه عُمَرْ                      وشذ نحو "زان نورُه الشَّجَرْ

أي: شاع في الأساليب العربية عود الضمير من المفعول المتقدم على فاعله المتأخر، نحو: خاف ربَّه عمر؛ وشذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على مفعوله المتأخر، نحو: زان نوره الشجر؛ لأنه يكون عائدا على متأخر لفظا ورتبة، وهذا ممتنع، لا يقاس عليه. خلافا للأخفش وابن جني وغيرهما، كما في المتن.
انظر شرح التصريح: 1/ 283.
1 "2" سورة البقرة، الآية: 124.
موطن الشاهد:
{ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ}.
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على الفاعل؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل؛ وحكم تقدم المفعول في هذه الحالة الوجوب؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

 

ج / 2 ص -110-        {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ}1، ولا يجوز أكثر النحويين نحو: "زان نوره الشجر" لا في نثر ولا في شعر، وأجازه فيهما الأخفش وابن جني2 والطوال3 وابن مالك، احتجاجا بنحو قوله4: [الطويل]

220- جزى ربُّه عني عديَّ بن حاتِمِ5

والصحيح جوازه في الشعر فقط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "40" سورة غافر، الآية: 52.
موطن الشاهد:
{لَا يَنْفَع ُالظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ}.
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "الظالمين" على الفاعل معذرتهم؛ لِاتصال ضمير يعود إلى المفعول بالفاعل، كما في الآية السابقة؛ والحكم نفسه أيضا.
2 مرت ترجمة كل منهما.
3 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة، وأحد أصحاب الكسائي والفراء، حدث عن الأصمعي، وقدم بغداد وقرأ فيها، وكان حاذقا بارعا في إلقاء المسائل العربية، ولم يشتهر له تصانيف. مات سنة: 343 هـ. الأعلام: 7/ 93، معجم المؤلفين 10/ 231، في البلغة: محمد بن عبد الله بن قادم؛ البلغة: 227، بغية الوعاة: 1/ 140، إنباه الرواة: 3/ 156 وله هنا كتاب: الملوك، وكتاب غريب الحديث، وترجم له باسم: محمد بن قادم ص244.
4 القائل هو: أبو الأسود الدؤلي: ظالم بن عمرو بن سفيان الديلي "يقال الدؤلي" قبيلة من كنانة بصري، وأحد سادات التابعين، صحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد معه صفين يشهد له بسداد عقله وحسن رأيه، وهو أول من وضع علم النحو، وكان ورعا ديِّنًا يغزو عاما، ويحج عاما، وهو يعد من الشعراء والتابعين والمحدثين والنحاة، مات سنة 99 هـ وله 85 عاما. الشعر والشعراء: 2/ 729، وفيات الأعيان: 2/ 535، تهذيب ابن عساكر: 7/ 104، الخزانة: 1/ 134.
5 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

جزاء الكلاب العاويات، وقد فَعَلْ

وهو في هجاء عدي بن حاتم الطائي.
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 283، والأشموني: "380/ 1/ 178"، وابن عقيل: "152/ 2/ 108"، والأغاني: 11/ 111، والخصائص: 1/ 294، والعيني: 2/ 483، والهمع: 1/ 66، والدرر: 1/ 44، والعمدة: 1/ 94، وأمالي ابن الشجري: 1/ 102، وشرح المفصل: 1/ 76، والخزانة: 1/ 134، وجمل الزجاجي: 131، وشذور=

 

ج / 2 ص -111-        ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الذهب "66/ 186"، وديوان النابغة "مفردا": 79، وملحقات ديوان أبي الأسود: 124.
المفردات الغريبة: العاويات: الصائحات، من عوى الكلب إذا صاح. وقد فعل: أي أنه سبحانه وتعالى استجاب دعاءه، وجزاء الكلاب العاويات -ويروى العاديات- هو: الضرب والرمي بالحجارة، وقيل إنه دعاء عليه بالأبنة؛ لأن الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد؛ هذا وإن عده العلماء من الكنايات الجميلة من الهجاء؛ إلا أن عدي بن حاتم صحابي جليل لا يقال فيه مثل ذلك الهجاء، وإن صح فلعله كان في زمن الجاهلية قبل أن يسلم.
المعنى:
الإعراب: جزى: فعل ماضٍ. ربه: فاعل مرفوع، ومضاف إليه. "عني": متعلق بـ "جزى". عدي: مفعول به لـ "جزى". ابن: صفة لـ "عدي"، وهو مضاف. حاتم: مضاف إليه. جزاء: مفعول مطلق من "جزى"، وهو مضاف. الكلاب: مضاف إليه. العاويات: صفة لـ "الكلاب". وقد الواو حالية. قد حرف تحقيق. فعل: فعل ماضٍ، وسكن للروي؛ والفاعل: هو؛ وجملة "فعل": في محل نصب على الحال.
موطن الشاهد: "جزى ربُّه عديَّ".
وجه الاستشهاد: اشتمال الفاعل المتقدم "ربه" على ضمير يعود إلى المفعول المتأخر لفظا ورتبة؛ وحكم تقدم الفاعل في هذه الحالة الشذوذ عند الجمهور، ولهذا أشار الناظم:

وشذ نحو "وزان نوره الشجر"

كما أسفلنا.
غير أن بعض النحاة يجيزون ذلك في الشعر من دون النثر، وهذا ما أخذ به ابن هشام الأنصاري؛ وبعضهم أجاز ذلك في الشعر والنثر، وقد ذكر المؤلف في المتن عددا منهم؛ والصواب ما ذهب إليه ابن هشام، وهو جواز تقدم الفاعل على المفعول في هذه الحالة في الشعر فقط؛ لكثرة الشواهد الواردة عمن يُحتَجُّ بكلامهم، ومنها؛ قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ولو أن مجدًا أخلد الدهر واحدا             من الناس أبقى مجدُهُ الدهر مطعما

وقوله الآخر:

وما نفعت أعماله المرء راجيا               عليها ثوابا من سوى من له الأمر

وقول سليط بن سعد:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر                 وحسن فِعْلٍ؛ كما يُجزَى سِنِمَّارُ

وقول آخر:

كساحلمه ذا الحلم أثواب سؤدد              ورقى نداه ذا الندى في ذرى المجد

والأمثلة على هذا كثيرة؛ ومعلوم أن ما جاء منه في الشعر، يكون ضرورة، فلها يقاس عليه.
انظر شرح التصريح: 1/ 283.
وحاشية الصبان: 2/ 59.
وابن عقيل: 1/ 286-390.

 

ج / 2 ص -112-        والثانية: أن يحصر الفاعل بإنما، نحو: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}1 وكذا الحصر بإلا عند غير الكسائي2، واحتج بقوله3: [البسيط]

221- ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم                      ولا جفا قط إلا جبا بطلا4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "35" سورة فاطر، الآية: 28.
موطن الشاهد:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع لفظ جلالة في الآية الكريمة على الفاعل "العلماء" وحكم تقدمه الوجوب؛ لانحصار الفاعل بـ "إنما"؛ لأن المعنى: ما يخشى الله من عباده إلا العلماء.
2 مرت ترجمته.
3 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
4 تخريج الشاهد: البيت من شواهد التصريح: 1/ 284، والأشموني: "372/ 1/ 177"، والهمع: 1/ 161، والدرر: 1/ 143، والعيني: 2/ 487.
المفردات الغريبة: عاب: من العيب، وهو أن تذكر المتكلم فيه بالذم والثلب. لئيم: المراد به الشحيح البخيل؛ بدليل مقابلته بذي الكرم. جفا: من الجفاء. وهو البعد وعدم الصلة. جبأ: جبان. بطلا: شجاعا.
المعنى: لا يعيب عمل الكرام إلا الأشحاء اللئام، ولا يبتعد عن الأبطال الشجعان إلا الجبناء؛ لأنه لا تآلف بين أصحاب الصفات المتنافرة.
الإعراب: ما: نافية. عاب: فعل ماضٍ. إلا: أداة حصر. لئيم: فاعل مرفوع. فعل: مفعول به. ذي: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء؛ لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. كرم: مضاف إليه. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي. جفا: فعل ماضٍ. "قط": متعلق بـ "جفا"؛ ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب. إلا: أداة حصر. جبا: فاعل "جفا" مرفوع. بطلا: مفعول به لـ "جفا" منصوب.
موطن الشاهد: "ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم، ولا جفا إلا جبأ بطلا".
وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" في الموضعين؛ وهذا التقدم ممنوع عند الجمهور؛ فهم لا يجوزون تقديم المحصور بـ "إلا" إلا إذا كان مفعول، كما بينا سابقا؛ ويعربون فعل "لئيم" و"بطلا" في هذا الشاهد: مفعولا به لمحذوف يدل عليه المذكور؛ غير أن الكسائي أجاز تقدم الفاعل المحصور واحتج بهذا الشاهد وأمثاله.

 

ج / 2 ص -113-        وقوله1: [البسيط]

222- وهل يعذِّبُ إِلَّا اللهُ بالنارِ2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو يزيد بن الطثرية القشيري؛ والطثرية أُمُّهُ، واسم أبيه سلمة بن سمرة بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويزيد شاعر أموي مقدم عندهم، يعرف بأنه كامل الأدب، وافر المروءة لا يعاب ولا يطعن عليه؛ كان سخيا شجاعا؛ له محل في قومه، مع فصاحة وتعقل. الشعر والشعراء: 1/ 427، والأغاني: 7/ 104، وابن خلكان: 2/ 395، واللآلى: 103.
2 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت وصدره قوله:

نبئتهم عذبوا بالنار جارتهم

وروى أبو الفرج الأصبهاني قبله:

يا سخنة العين للجرمي إذ جمعت                  بيني وبين نوار وحشة الدار

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والعيني: 2/ 492.
المفردات الغريبة: نبئت: أخبرت. جارهم: الجار: من يجاورك في المسكن، أو من أجرته واستجار بك من ظلم.
المعنى: أخبرت وأعلمت أن هؤلاء الناس يعذبون جيرانهم؛ أو من استجار بهم بالنار، وذلك بدل من أن يغيثوه ويكرموه؛ وهذا عمل شائن؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله تعالى.
الإعراب: نبئتهم: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل؛ وهي المفعول الأول. و"هم": ضمير متصل في محل نصب مفعول به ثانيا. عذبوا: فعل ماضٍ وفاعل. "بالنار": متعلق بـ "عذبوا". جارهم: مفعول به، ومضاف إليه؛ وجملة "عذبوا": في محل نصب مفعول به ثالثا لـ "نبأ". وهل: الواو عاطفة، هل: حرف استفهام يفيد الإنكار بمعنى "ما". يعذب: فعل مضارع. إلا: أداة حصر. الله: فاعل مرفوع. "بالنار": متعلق بـ "يعذب.
موطن الشاهد: "هل يعذب إلا الله بالنار".
وجه الاستشهاد: "تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا"؛ وهو لفظ الجلالة على الجار والمجرور "بالنار" ومعلوم أن الجار والمجرور بمنزلة المفعول؛ وهذا، كما في الشاهد السابق حجة للكسائي، وممنوع لدى الجمهور؛ فهم يقولون: إن قوله "بالنار" متعلق بفعل محذوف، يدل عليه المذكور -كما سبق- والتقدير: لا يعذب إلا الله يعذب بالنار؛ وظاهر أن هذا تكلف لا داعي له؛ والأفضل ما ذهب إليه الكسائي.

 

ج / 2 ص -114-        وقوله1: [الطويل]

223- فلمْ يَدْرِ إلا الله ما هَيَّجَتْ لَنَا2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو: غيلان بن عقبة، المعروف بذي الرمة وقد مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:

عشيةَ آناءُ الديارِ وشامُهَا

وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة وأولها قوله:

مررنا على دار لمية مرة                     وجاراتها قد كاد يعفو مقامها

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 284، والأشموني: "371/ 1/ 177"، وابن عقيل: "147/ 2/ 101"، وهمع الهوامع: 1/ 161، والدرر اللوامع: 1/ 143، والمقرب: 5، والعيني: 2/ 493، وديوان ذي الرمة: 636 وفيه برواية:

أهلَّةَ آناء الديار وشامها

المفردات الغريبة: هيجت: أثارت، آناء، ويروى أناء: جمع نؤي، وهو الحفيرة التي تحفر حول الخباء لتمنع عنه المطر. شامها؛ الشام: جمع شامة وهي العلامة.
المعنى: لا يعلم إلا الله تعالى ما أثارته في نفوسنا آثار ديار المحبوبة ورسومها من الشوق واللوعة والحنين إليها.
الإعراب: لم: جازمة نافية. يدر: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة. إلا: أداة حصر. الله "لفظ الجلالة": فاعل مرفوع. ما: اسم موصول، مفعول به صلة للموصول، لا محل لها؛ والعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: ما هجيته لنا. "عشية": متعلق بـ "هيج"؛ وعشية، منون حذف تنوينه للضرورة. آناء: فاعل مرفوع؛ وقد وصل فيه همزة القطع، وآناء: مضاف. والديار: مضاف إليه. وشامها: الواو عاطفة، شامها: معطوف على آناء، و"ها": مضاف إليه.
موطن الشاهد: "لم يدر إلا الله ما هيجت".
وجه الاستشهاد: تقدم الفاعل المحصور بـ "إلا" على المفعول؛ وهذا الشاهد كسابقيه حجة للكسائي، ومنعه الجمهور، وأعربوا "ما" اسما موصولا واقعا مفعولا به لمحذوف دل عليه المذكور، والتقدير: فلم يدر إلا الله درى ما هيجت لنا؛ وفي هذا التقدير تكلف لا داعي إليه، كما أسلفنا.

 

ج / 2 ص -115-        [جواز تقدم المفعولين على الفعل والفاعل معا]:
وأما تقدم المفعول جوازا فنحو:
{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}1.
[تقدم المفعول على الفعل والفاعل وجوبا]:
وأما وجوبا ففي مسألتين:
إحداهما: أن يكون مما له الصدر2، نحو:
{فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} {أَيًّا مَا تَدْعُوا}4.
الثانية: أن يقع عامله بعد الفاء5، وليس له منصوب غيره مقدم عليها، نحو:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "2" سورة البقرة، الآية: 87.
موطن الشاهد:
{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به "فريقا" في الموضعين على الفعلين وفاعليهما معا؛ وحكم هذا التقدم الجواز.
2 أي اسما له الصدر في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط، وكذلك إذا كان مضافا لاسم له الصدارة، نحو: صديق من قابلت؟ وصاحب أي صديق تكرم أكرم.
3 "40" سورة غافر، الآية: 81.
موطن الشاهد: "أي آيات الله تنكرون".
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به الواقع اسم استفهام على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الاستفهام لها الصدارة في الكلام.
4 "17" سورة الإسراء، الآية: 110.
موطن الشاهد:
{أَيًّا مَا تَدْعُوا}.
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول به الواقع اسم شرط جازم، وهو "أيا" على الفعل والفاعل معا؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لأن أسماء الشرط، لها الصدارة في الكلام.
5 أي فاء الجزاء، وذلك في جواب "أما" الظاهرة أو المقدرة؛ ويشترط ألا يفصل بين أما والفاء بشيء آخر.

 

ج / 2 ص -116-        {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}1، ونحو: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}2 بخلاف: "أما اليوم فاضرب زيدا"3.
تنبيه: إذا كان الفاعل والمفعول ضميرين ولا حصر في أحدهما وجب تقديم الفاعل كضربته، وإذا كان المضمر أحدهما: فإن كان مفعولا وجب وصله وتأخير الفاعل كضربني زيد، وإن كان فاعلا وجب وصله وتأخير المفعول أو تقديمه على الفعل كضربت زيدا، وزيدا ضربت، وكلام الناظم يوهم امتناع التقديم؛ لأنه سوى بين هذه المسألة ومسألة: "ضرب موسى عيسى" والصواب ما ذكرنا4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "74" سورة المدثر، الآية: 3.
موطن الشاهد:
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}.
وجه الاستشهاد: "تقدم المفعول به على عامله "كبر"؛ لوقوع العامل بعد الفاء، وحكم تقدم المفعول هنا الوجوب؛ ولا بد من تقدير "أما" في الآية؛ لأن المعنى: وأما ربك فكبر.
2 "93" سورة الضحى، الآية: 9.
موطن الشاهد:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تقهر}.
وجه الاستشهاد: تقدم المفعول "اليتيم" على فعل تقهر؛ وحكم هذا التقدم الوجوب؛ لِيكون فاصلا بين أما والفعل؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" ولا يقال: إن ما بعد فاء الجزاء، لا يعمل فيما قبلها، فكيف عملت هنا؟ فالجواب: ذلك ممنوع، إذا كانت الفاء في موضعها الأصلي، وهي هنا مؤخرة من تقديم. فكان من حقها أن تدخل على المفعول المتقدم.
انظر شرح التصريح: 1/ 285.
3 لا يجب تقديم المفعول هنا؛ لأن العامل؛ وهو فعل الأمر، له منصوبان، وهما الظرف والمفعول به؛ فتقدم الظرف، وحصل الفصل به بين الفعل و"أمَّا" فاستغنى عن تقديم المفعول. انظر شرح التصريح: 1/ 285.
4 أي: من جواز نحو: زيدا ضربت؛ لعدم اللبس، وامتناع نحو: عيسى ضرب موسى؛ لئلا يتوهم أن "عيسى" مبتدأ و"ضرب" وضميره خبر، وموسى مفعول. هذا ويمتنع تقديم المفعول على عامله: إذا كان مفعولا "لأفعل" في التعجب نحو: ما أجمل الصدق. أو مفعولا لفعل مؤكد بالنون، نحو: خالفنَّ هواك. أو كان عامله مسبوقا بقد أو سوف، نحو: "قد يدرك المتأني بعض حاجته" سوف أعمل الخير ما استطعت =

 

ج / 2 ص -117-        ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أو بلفظ "لقما" أو "ربما" وغير ذلك من المواضع. والخلاصة فيما تقدم:
1- يجب تقديم الفاعل على المفعول في ثلاث مسائل:
أ- أن يخشى اللبس بينهما.
ب- أن يكون المفعول محصورا فيه.
ج- أن يكون كل من الفاعل والمفعول ضميرين متصلين.
2- ويجب توسط المفعول في ثلاث مسائل أيضا:
أ- أن يكون الفاعل ملتبسا بضمير المفعول.
ب- وأن يكون الفاعل محصورا فيه.
ج- أو أن يكون المفعول ضميرا متصلا والفاعل اسما ظاهرا.
3- ويجب تقديم المفعول على عامله في مسألتين:
أ- أن يكون له صدر الكلام.
ب- وأن يكون معمولا لما بعد الفاء بشرطه المتقدم.
4- ويجب تأخير الفاعل: إذا كان المفعول ضميرا متصلا، والفاعل اسما ظاهرا.
ويلاحظ: أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول وجوبا.
والمواضع التي يجب فيها تقديم المفعول على عامله هي المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبا ويمتنع تقديمه عليه. ولا يجوز تقديم الفاعل على عامله مطلقا.
خاتمة:
لا يجيز الجمهور عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة. وخالفهم الأخفش وابن مالك وغيرهما في ذلك. وهنالك مواضع يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لحكمة بلاغية لا ينكرها الجميع، وهي:
1- الضمير المرفوع بنعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد. وبئس رجلا أبو جهل؛ بناء على أن المخصوص مبتدأ لخبر محذوف. أما على أنه مبتدأ وخبره الجملة قبله -فهو مما عاد فيه الضمير على متقدم رتبة.
2- الضمير المرفوع بأول المتنازعين المعتمل ثانيهما، نحو: جفوني ولم أجفُ الأخلاء. وسيأتي القول في ذلك، وخلاف البصريين والكوفيين فيه.
3- ضمير الشأن والقصة، كما تقدم في باب المبتدأ والخبر، نحو: قوله:
{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
4- الضمير المجرور برب، نحو: ربه رجلا. ويجب أن يكون بعده نكرة تميزه وتفسره، وأن يكون هو مفردا مذكرا فيقال: ربه امرأة -لا ربها.
5- الضمير الواقع مبتدأ، والمخبر عنه باسم ظاهر يفسره -غير ضمير الشأن- نحو:
{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}،=

 

ج / 2 ص -118-        ..........................................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والضمير فيه راجع إلى الموصوف، وهو الحياة بقطع النظر عن الصفة.
6- الضمير المبدل منه الظاهر المفسر له، نحو أكرمته محمدا.
انظر شرح التصريح: 1/ 258-286، وحاشية الصبان: 2/ 60-61، وضياء السالك: 2/ 36.
فائدة: هنالك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مطلقا، منها: "كان" الزائدة مثل: الفقر -كان- مذلة. والفعل المؤكد لفعل قبله توكيدا لفظيا، نحو: ظهر الحق. والأفعال التي تتصل بها "ما" الكافة مثل: طالما، قلما، كثرما. وقد أشرنا سابقا إلى أن "ما". كافة عن العمل.
وبعض المحققين يعرب "ما" مصدرية، والمصدر منها ومن صلتها في محل رفع فاعل؛ وذلك التزاما للأصل الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل.
ففي مثل: طالما أديت الواجب، يكون التقدير: طال أداؤك الواجب وهكذا... إلخ. ضياء السالك: 2/ 36.