أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 3 ص -239-
هذا باب نعم وبئس1
[معناهما وشروط
مرفوعهما]:
وهما فعلان عند البصريين والكسائي؛ بدليل "فبها ونعمت"2،
واسمان عند باقي الكوفيين3؛ بدليل "ما هي بنعم
الولد"4؛.......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس
فيتصرفان كسائر الأفعال، تقول: نعم محمد بكذا ينعم به فهو
ناعم، وبئس كذلك. وتارة لإنشاء المدح والذم فلا يتصرفان
لما سيأتي، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.
2 هذا جزء من حديث؛ وتمامه: "من توضأ يوم الجمعة فبها
ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
والحديث أخرجه: أبو داود في سننه: 354، والنسائي: 3/ 94،
والترمذي: 497. والسنن الكبرى للبيهقي: 1091، ومسند أحمد
بن حنبل: 5/ 15-16، 22، وفي شرح السنة للبغوي: 2/ 67،
ومشكاة المصابيح للتبريزي: 540، وتفسير القرطبي: 18/ 106.
موطن الشاهد: "نعمت".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" فعلا؛ بدليل اتصاله بتاء
التأنيث الساكنة؛ وهي لا تدخل إلا على الفعل؛ وحكى
الكسائي: نعما رجلين، ونعموا رجالا؛ وضمائر الرفع البارزة
المتصلة؛ من خصائص الأفعال أيضا؛ فهذا دليل "ثان" على
الفعلية. ضياء السالك: 3/ 81؛ والتصريح: 2/ 94.
3 وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء، ويعربان
مبتدأين، ومعناهما: الممدوح والمذموم، وما هو فاعل على
المشهور يعرب بدلا أو عطف بيان. والخبر هو المخصوص بالمدح
أو الذم، ويجوز العكس. وفي مثل: نعم رجلا محمد؛ يعرب
"رجلا" تمييزا أو حالا.
4 قول لبعض العرب حين بشر بأنثى، وتمامه: "نصرها بكاء،
وبرها سرقة". ووجه الدلالة فيه دخول حرف الجر على "نعم"،
والولد ونحوه فيما استدلوا به مجرور؛ لأنه تابع للمجرور،
أي: ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مرويا بالرفع فلعله
مقطوع عما =
ج / 3 ص -240-
........................... جامدان1، رافعان لفاعلين
معرفين بأل الجنسية2؛ نحو:
{نِعْمَ الْعَبْدُ}3، و{بِئْسَ الشَّرَابُ}4؛ أو بالإضافة إلى ما قارنها؛ نحو:
{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}5
{فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}6؛ أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قبله. ومثال بئس: قول بعضهم: وقد سار إلى محبوبته على
حمار بطيء السير: نعم السير على بئس العير. والصحيح مذهب
البصريين، وإليه ذهب المصنف وابن مالك، وما استدل به
الكوفيون مؤول.
التصريح: 2/ 94. الأشموني وحاشية الصبان: 3/ 26.
1 لخروجهما عن الأصل في الأفعال: من إفادة الحدث والزمان،
ولزومها إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من
معاني الحروف.
2 المراد "أل" المعرفة؛ جنسية كانت أو عهدية، فلا يقال:
نعم زيد ولا بئس رجل على الراجح. والمراد الجنس حقيقة؛ إن
قصد بمدخول "أل" جميع الأفراد ثم نص على الممدوح، أو
المذموم بعد، أو مجازا إن أريد بمدخولها الفرد المعين كأنه
جميع الجنس مبالغة في المدح أو الذم. أما العهد فقد يكون
لشيء معهود في الذهن وتكون للعهد الذهني، وقد تكون للعهد
الذكري، والمعهود هو المخصوص. و"أل" الجنيسة أقوى في تأدية
المقصود، وإن كانت العهدية أظهر.
3 38 سورة ص، الآية: 30.
موطن الشاهد: "نعم العبد".
وجه الاستشهاد: مجيء "نعم" رافعا لفاعله "العبد" المعرف
بـ"أل". الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز
باتفاق.
4 18 سورة الكهف، الآية: 29.
موطن الشاهد:
{بِئْسَ الشَّرَابُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "بئس" رافعا لفاعله "الشراب" المعرف
بـ"أل" الجنسية، كما في الآية السابقة.
5 16 سورة النحل، الآية: 30.
موطن الشاهد:
{لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "دار" فاعلا لـ"نعم"، وقد أضيف إلى
معرف بأل الجنسية، وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز
باتفاق.
6 16 سورة النحل، الآية: 29:
موطن الشاهد:
{فَلَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "مثوى" فاعلا لـ"بئس"، وقد أضيف إلى
معرف بأل الجنسية؛ وحكم مجيئه على هذه الصورة الجواز
باتفاق.
ج / 3 ص -241-
إلى مضاف لما قارنها؛ كقوله1: [الطويل]
383- فنعم ابن أخت القوم غير مكذب2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القائل: هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد
مرت ترجمته.
2 تخريج الشاهد: البيت من كلمة يمدح فيها أبو طالب النبي
صلى الله عليه وسلم، ويعاتب قريشا على ما كان منها، وهذا
البيت يذكر فيه زهير بن أبي أمية -وهو ابن أخته عاتكة-
يذكره بالخير؛ لأنه كان أحد الذين نقضوا الصحيفة التي
كتبتها قريش لتقاطع آل النبي في حديث معروف.
وما ذكره المصنف صدر بيت وعجزه قوله:
زهير حساما مفردا من حمائل
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والأشموني: 739/ 2/ 371،
والسيرة: 176، وتاريخ ابن كثير: 3/ 56، والعيني: 4/ 15،
والهمع: 2/ 85، والدرر: 2/ 109، وديوان أبي طالب: الورقة:
3.
المفردات الغريبة: حسام، الحسام: السيف القاطع سمي بذلك؛
لأنه يحسم الخلاف بين الناس، حمائل: جمع حمالة، وهي علاقة
السيف.
المعنى: يمدح أبو طالب زهيرًا ابن أخته بأنه صادق المودة،
مخلص لرحمه، لا ينسب إلى الكذب، وهو ماضي العزيمة نسيج
وحده، كالسيف الذي يفرد عن حمائله؛ وزهير هذا هو ابن أمية
بن عاتكة بنت عبد المطلب؛ أخت أبي طالب، وعمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكان زهير أحد الرجال الذين اتفقوا على
نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم،
وعلقوها في الكعبة؛ ليلجئوهم إلى حمل النبي على ترك دعوته.
الإعراب: نعم: فعل ماضٍ جامد، دال على إنشاء المدح مبني
على الفتح. ابن: فاعل نعم مرفوع، وهو مضاف. أخت: مضاف
إليه، وهو مضاف. القوم: مضاف إليه. غير: حال من فاعل نعم،
وهو مضاف. مكذب: مضاف إليه؛ وجملة "نعم وفاعله": في محل
رفع خبر مقدم. زهير: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، ويجوز أن
نعرب "زهير": خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبا والتقدير: هو زهير.
حساما -بالنصب- حال من زهير منصوب، وعلامة نصبه الفتحة
الظاهرة؛ خلافا لرواية العيني بالرفع حيث أعربها صفة
لزهير، وإن صحت هذه الرواية -بالرفع- لم يصح الإعراب؛ لأن
زهيرا علم، فهو معرفة وحساما نكرة، ومعلوم أن المعرفة لا
توصف بالنكرة، ولهذا تخرج رواية الرفع على أن "حسام": خبر
لمبتدأ محذوف والتقدير: هو حسام. مفردا: صفة لـ"حسام"
منصوب. من: حرف جر. حمائل: اسم مجرور، وجره =
ج / 3 ص -242-
أو مضمرين مستترين1 مفسرين بتمييز2؛ نحو:
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= بالكسرة ضرورة، وكان ينبغي جره بالفتحة؛ لأنه ممنوع من
الصرف. و"من حمائل": متعلق بـ"مفرد".
موطن الشاهد: "فنعم ابن أخت القوم".
وجه الاستشهاد: الإتيان بفاعل نعم اسما مضافا إلى مقترن
بأل، وهو القوم، وقد جاءت إضافة الفاعل إلى ضمير ما فيه أل
في قول الشاعر: فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
وهو نادر لا يقاس عليه.
وأجاز الفراء، ومن تبعه من الكوفيين إضافة الفاعل إلى
النكرة كما في قول الشاعر:
فنعم صاحب قوم لا سلاح له
وصاحب الركب عثمان بن عفان
وخص الجمهور ذلك بالضرورة.
وورد مجيء الفاعل علما، أو مضافا إلى علم كقول بعض
العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا. وقول النبي صلى
الله عليه وسلم:
"نعم عبد الله هذا" وأول على أن الفاعل ضمير
مستتر حذف تمييزه، والعلم مخصوص بالمدح، وما بعده بدل أو
عطف بيان.
انظر ضياء السالك: 3/ 82-83.
1 أي: رافعان لمضمرين مستترين وجوبا غالبا. ويلتزم هذا
الضمير الإفراد والتذكير، كقول الشاعر:
نعم امرأين حاتم وكعب
كلاهما غيث وسيف عضب
ومن غير الغالب: نعما رجلين، نعموا رجالا كما سبق، وشذ إبراز
الضمير مع الباء الزائدة، حيث سمع قولهم: "نعم بهم قوما".
انظر التصريح: 2/ 95.
2 أي: بعدهما. وهذا من المواضع التي يجوز عود الضمير فيها
على متأخر لفظا ورتبة، ولا بد من مطابقة هذا التمييز
لمعناهما؛ أي: للمخصوص بالمدح أو الذم، إفرادا وغير إفراد،
وتذكيرا وتأنيثا.
خلاصة: "نعم" و"بئس" فعلا جامدان: وهما يرفعان فاعلين
مقترنين بـ"أل"، أو مضافين إلى المقترن بها، ومثل هذا،
بقوله: "نعم عقبى الكرما"، أو يرفعان ضميرا، يفسره تمييز؛
نحو: "نعم قوما معشره". ويشترط في هذا التمييز علاوة على
مطابلقة المخصوص التي ذكرناها: أن يكون نكرة عامة متكثرة
الأفراد؛ فلا يجوز: "نعم شمسا هذا الشمس"؛ لأنه لا ثاني
لها. أما قولهم: نعم شمسا شمس هذا اليوم، =
ج / 3 ص -243-
بَدَلًا}1، وقوله2: [البسيط]
384- نعم امرأ هرم لم تعر نائبة3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فسائغ؛ لتعددها بتعدد الأيام؛ وأن يكون مؤخرا عن العامل؛
فلا يصح تقديمه على نعم وبئس. وأن يتقدم على المخصوص
بالمدح أو الذم، وشذ قولهم: نعم محمد رجلا. ولا يجوز حذفه؛
لئلا يبقى الفاعل المستتر مبهما، ليس له ما يفسره، إلا إذا
وجدت قرينة تدل عيه، كالتاء في قولك: "إن زرت محمدا، فبها
ونعمت، أي: ونعمت زيارة زيارتك، ومنه الحديث المتقدم: "من
توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" ويجب أن يكون صالحا لقبول
"أل" المعرفة، فلا يكون من الكلمات المتوغلة في الإبهام،
ككلمة "غير"، و"مثل"، و"شبه"، و"أي".
انظرالتصريح: 2/ 95، وضياء السالك: 3/ 83-84.
1 18 سورة الكهف: الآية: 50.
موطن الشاهد:
{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}.
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "بئس" مضمرا فيها، و"بدلا":
تمييز منصوب مفسر له؛ والتقدير: بئس هو -أي البدل-؛ وحكم
إضماره في هذه الحالة الوجوب؛ خلافا للمبرد، وابن السراج
والفارسي. التصريح: 2/ 95.
2 القائل هو: زهير بن أبي سلمى المزني، وقد مرت ترجمته.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت في مدح هرم بن سنان، وعجزه
قوله:
إلا وكان لمرتاع لها وزرا
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 392، 2/ 95، والأشموني: 746/
2/ 374، وليس في ديوان زهير بن أبي سلمى.
المفردات الغريبة: لم تعر: لم تنزل ولم تعرض. نائبة: كارثة
وحادثة من حوادث الدهر. لمرتاع: أي فزع وخائف، وهو اسم
فاعل من ارتاع. وزرا: ملجأ ومعينا.
المعنى: يمدح هرما بأنه رجل كريم ذو مروءة، وشجاع لا تنزل
بأحد نازلة، أو تحل به كارثة من كوارث الزمان تتطلب النجدة
والعون، إلا أخذ بيده، وكان له معينا وناصرا ومساعدا.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، والفاعل ضمير
مستتر فيه وجوبا تقديره: هو. امرأ: تمييز منصوب، من فاعل
"نعم"، وجملة "نعم وفاعله": في محل رفع خبر مقدم. هرم:
مبتدأ مؤخر مرفوع. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تعر: فعل مضارع
مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف الواو. نائبة: فاعل مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. إلا: أداة استثناء. وكان:
الواو: حالية، كان: فعل ماضٍ ناقص، =
ج / 3 ص -244-
[حكم الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز]:
وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي1: أن يجمع بين التمييز
والفاعل الظاهر، كقوله2: [البسيط].
385- نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= واسمه ضمير مستتر تقديره: هو. "لمرتاع": متعلق بـ"وزر"
الآتي: "بها": متعلق بـ"مرتاع". وزر: خبر كان الناقصة،
وجملة "كان واسمها وخبرها": في محل نصب على الحال؛ وهذه
الحال مستثناة من عموم الأحوال، والتقدير: لم تعر نائبة في
حال من الأحوال إلا من الحال التي يكون فيها هرم وزرا لمن
يرتاع به.
موطن الشاهد: "نعم امرأ هرم".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل "نعم" ضميرا مستترا، وقد فسر
لإبهامه بالتمييز بعده "امرأ"، وفي البيت شاهد آخر في
قوله: "إلا وكان" حيث جيء بواو الحال قبل الفعل الماضي
الواقع بعد إلا، وحكم هذا الإتيان نادر، والفصيح تجرده من
الواو كما في قوله تعالى:
{إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
ونظير الشاهد المذكور قول الشاعر:
نعم امرأين حاكم وكعب
كلاهما غيث وسيف عضب
انظر الأشموني: 2/ 376.
انظر ضياء السالك 3/ 84.
1 مرت ترجمة وافية لكل منهم.
2 لم يُنسب البيت إلى قائل معين.
3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
رد التحية نطقا أو بإيماء
والبيت من شواهد: التصريح: 2/ 95، والعيني: 4/ 32، والهمع:
2/ 86، والدرر: 2/ 112، والمغني: 841/ 604، والسيوطي: 292.
المفردات الغريبة: الفتاة: المرأة الشابة الحديثة السن،
وهي مؤنث الفتى. بذلت: أعطت. بإيماء؛ الإيماء: الإشارة،
مصدر أومأ إلى الشيء، إذا أشار إليه.
المعنى: أن هندا تستحق الثناء، والتقدير، لو تفضلت برد
التحية بالنطق، أو بالإشارة وبعد ذلك منها بذلا ومنحة.
الإعراب: نعم: فعل ماض، دال على إنشاء المدح، مبني على
الفتح، لا محل له من الإعراب. الفتاة: فاعل نعم مرفوع.
فتاة: تمييز مؤكد للفاعل منصوب، وعلامة نصبه =
ج / 3 ص -245-
ومنعه سيبويه والسيرافي1 مطلقا2، وقيل: إن
أفاد معنى زائدا جاز، وإلا فلا؛ كقوله:
فنعم المرء من رجل تهامي3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الفتحة الظاهرة على رأي المبرد والفارسي وابن السراج
وجماعة من المتأخرين، وحال مؤكدة لصاحبها على رأي أنصار
سيبويه؛ وجملة "نعم وفاعلها": في محل رفع خبر مقدم. هند:
مخصوص بالمدح، مبتدأ مؤخر مرفوع. لو: شرطية أو حرف تمن، لا
محل له من الإعراب. بذلت: فعل ماضٍ، مبني على الفتح،
والتاء: للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره: هي.
رد: مفعول به منصوب، وهو مضاف. التحية: مضاف إليه؛ إن
عددنا "لو" حرف تمن، فلا جواب لها، وإن عددناها حرف شرط
غير جازم فجملة "بذلت": فعل الشرط لا محل لها، ويكون
جوابها محذوفا، والتقدير: لو بذلت رد التحية لنعمنا بردها.
نطقا: منصوب على نزع الخافض؛ لأن الأصل: بنطق. أو بإيماء:
معطوف على نطقا بأو.
موطن الشاهد: "نعم الفتاة فتاة".
وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل نعم الظاهر "الفتاة"، وبين
تمييزها "فتاة"، وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل
عليه الفاعل غير أن الغرض منه مجرد التوكيد لا رفع إبهام
شيء، ومثله قول الشاعر:
تزود مثل زاد أبيك فينا
فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وهذا الرأي مؤيد بما ورد كثيرا نظما ونثرا في الفصيح من كلام
العرب، وهو الصحيح، وقد ورد في النثر قول الحارث بن عباد
حين بلغه أن ابنه بجيرا قتل في حرب البسوس: "نعم القتيل
قتيلا أصلح بين بكر وتغلب". وهو من النثر الذي لا ضرورة
فيه.
1 مرت ترجمة لكل منهما.
2 أي سواء أفاد التمييز معنى زائدا عما يفيده الفاعل أم
لا؛ لأن التمييز لرفع الإبهام، ولا إبهام مع ظهور الفاعل.
وقد أولا ما ورد من ذلك بجعل المنصوب حالا مؤكدا. التصريح:
2/ 96.
3 البيت لأبي بكر الأسود بن شعوب الليثي، وقيل: لبجير بن
عبد الله بن سلمة بن قشير. وما ذكره المؤلف عجز بيت وصدره
قوله:
تخيره فلم يعدل سواه
وقد مر تخريج هذا الشاهد والتعليق عليه برقم: 285.
موطن الشاهد: "فنعم المرء من رجل". =
ج / 3 ص -246-
[ما المتصلة بنعم وبئس وإعرابها]:
واختلف في كلمة "ما" بعد نعم وبئس؛ فقيل: فاعل1؛ فهي معرفة
ناقصة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وجه الاستشهاد: الجمع بين فاعل "نعم" الظاهر وهو
"المرء"، وبين التمييز "من رجل"؛ وقد أفاد التمييز معنى
زائدا عما أفاده الفاعل بسبب نعته بكونه تهاميا؛ أي:
منسوبا إلى تهامة؛ وتهامة: اسم لما انخفض عن نجد من بلاد
الحجاز.
1 وعلى ذلك فهي مستثناة من شرط الفاعل المتقدم. ومثل "ما"،
"من"، وتكون موصولة، أو نكرة تامة أو موصوفة، ولا تكون
معرفة. و"ما" الواقعة بعد "نعم" أو "بئس" على ثلاثة أضرب؛
وذلك لأنها إما أن لا يقع بعدها شيء أصلا، وإما أن يقع
بعدها اسم مفرد: أي: ليس جملة ولا شبه جملة، وإما أن يقع
بعدها جملة فعلية.
أ- فإن كانت لم يقع بعدها شيء؛ نحو: صادقت زيدا فنعما، أو
تقول: اختبرت زاهرا فبئسما، فللنحاة فيها قولان:
أحدهما: أن "ما" معرفة تامة فهي فاعل، والتقدير: صادقت
زيدا فنعم الصديق، واختبرت زاهرا فبئس المختبر.
وثانيهما: أن "ما" نكرة تامة فهي تمييز، والتقدير: صادقت
زيدا فنعم صديقا، واختبرت زاهرا فبئس مختبرا.
ب- وإن وقع بعدها اسم مفرد؛ نحو: قولك: "صادقت عليا فنعما
هو"؛ ونحو قولك: بئسما عمل بغير نية، فللنحاة ثلاثة أقوال
في هذه الحالة:
الأول: أنها معرف تامة فهي فاعل.
الثاني: أنها نكرة تامة فهي تمييز، والاسم الذي بعدها -على
هذين القولين- هو المخصوص بالمدح أوبالذم.
الثالث: أن "ما" قد ركبت مع نعم أو بئس، فصار الجميع كله
واحدة، وهي فعل ماضٍ لإنشاء المدح أو الذم، والاسم الذي
يليها فاعل، وهذا القول ينسب للفراء.
ج- وإن وقع بعد "ما" جملة فعلية؛ نحو قوله تعالى:
{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}،
وقوله جل شأنه:
{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ
أَنْفُسَهُمْ}، فللنحاة فيها أربعة أقوال:
الأول: أنها موصولة معرفة في محل رفع فاعل، والجملة بعدها
صلة لا محل لها.
الثاني: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز، والجملة بعدها
في محل نصب صفة لها، وهذا رأي الأخفش والزجاج والفارسي؛ أو
الجملة بعدها صفة لمخصوص بالمدح أو بالذم محذوف.
الثالث: أن "ما" هي المخصوص بالمدح أو بالذم، وهي اسم
موصول، والفاعل ضمير مستتر فيه، وهذا قول الكسائي، ونقل عن
الفراء أيضا. =
ج / 3 ص -247-
أي: موصولة، في نحو:
{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}1؛
أي: نعم الذي يعظكم به، ومعرفة تامة في نحو:
{فَنِعِمَّا هِيَ}2؛ أي: فنعم الشيء هي، وقيل: تمييز؛ فهي نكرة
موصوفة في الأول وتامة في الثاني3.
[حكم المخصوص
بالمدح والذم بعدهما]:
فصل:
ويذكر المخصوص بالمدح، أو الذم بعد فاعل نعم وبئس4؛ فيقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الرابع: أن "ما" كافة لنعم أو بئس عن العمل.
انظر التصريح: 2/ 96-97، همع الهوامع: 2/ 86.
1 4 سورة النساء، الآية: 58.
موطن الشاهد:
{نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}.
وجه الاستشهاد: مجيء "ما" في محل رفع فاعل؛ وجملة
{يَعِظُكُمْ بِهِ}: صلة للموصول، والمخصوص بالمدح محذوف؛ والتقدير:
نعم الذي يعظكم به؛ وهذا منقول عن الفارسي؛ وقيل: هي نكرة.
موصوفة بالجملة الفعلية، في محل نصب تمييز.
التصريح: 2/ 96.
2 2 سورة البقرة، الآية: 271.
موطن الشاهد:
{فَنِعِمَّا هِيَ}.
وجه الاستشهاد: وقوع "ما" معرفة تامة؛ لأنه تلاه المفرد
"هي"؛ وهو المخصوص؛ وهو منقول على سيبويه؛ والأصل: فنعم
الشيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لها في الصدقات؛
وقيل: هي نكرة تامة -لعدم وجود الجملة- واقعة في محل نصب
تمييز.
التصريح؛ 2/ 96.
3 يذكر هنا أنه إذا كان فاعل "نعم وبئس" ضميرا مستترا، فلا
يجوز أن يكون له تابع؛ من نعت أو عطف أو توكيد أو بدل،
وإذا كان فاعلهما مفردا ظاهرا امتنع توكيده توكيدا معنويا؛
فإن كان مثنى أو جمعا جاز، نقول: نعم الصديقان كلاهما محمد
وعلي، ونعم الأصدقاء كلهم محمد وعلي وعمر. والمؤنث
كالمذكر. أما التوكيد اللفظي فجائز، وكذلك العطف والبدل،
أما النعت فيجوز إذا أريد به الإيضاح لا التخصيص؛ لأن
التخصيص منافٍ للتعميم المفهوم من أل الجنسية.
4 يشترط في المخصوص: أن يكون معرفة، أو نكرة مختصة بوصف أو
إضافة أو غيرهما من وسائل التخصيص. وأن يكون أخص من الفاعل
لا مساويا له ولا أعم؛ وذلك ليحصل التفصيل بعد الإجمال،
فيكون أوقع في النفس. وأن يكون مطابقا له =
ج / 3 ص -248-
"نعم الرجل أبو بكر"، و"بئس الرجل أبو لهب"، وهو: مبتدأ،
والجملة قبله: خبره1؛ ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ واجب
الحذف؛ أي: الممدوح أبو بكر، والمذموم أبو لهب2.
وقد يتقدم المخصوص؛ فيتعين كونه مبتدأ، نحو: "زيد نعم
الرجل".
وقد يتقدم ما يشعر به فيحذف؛ نحو:
{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ}3
أي: هون وليس منه "العلم نعم المقتنى"4؛ وإنما ذلك من
التقدم5.
[بناء "فعل"
الثلاثي وإجراؤه مجرى "نعم" و"بئس"]:
فصل:
وكل فعل ثلاثي صالح للتعجب منه؛ فإنه يجوز استعماله على
فَعُل بضم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في المعنى: تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا. وأن
يكون متأخرا عنه ليكون أدعى للتشويق. وكذلك يجب تأخيره عن
التمييز إذا كان الفاعل ضميرا مستترا له تمييز، نحو: نعم
رجلا المجاهد؛ فإن كان الفاعل اسما ظاهرا جاز تقديم
المخصوص على التمييز وتأخيره، تقول: نعم المجد تلميذا
محمد، ونعم المجد محمد تلميذا. وإذا كان المخصوص مؤنثا،
جاز تذكير الفعل وتأنيثه، وإن كان الفاعل مذكرا.
1 والرابط عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه، وهذا
مذهب سيبويه ومن تبعه، وهو الراجح.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.
2 وهذا مذهب الجمهور.
3 38 سورة ص، الآية: 44.
موطن الشاهد:
{نِعْمَ الْعَبْدُ}.
وجه الاستشهاد: حذف المخصوص بالمدح، وهو ضمير "أيوب"؛
لدلالة ما قبله عليه، وهو يصلح أن يكون مخصوصا؛ والتقدير:
نعم العبد هو.
4 هذا من أمثلة ابن مالك في الألفية.
5 هذا إذا أعرب "العلم" مبتدأ، أما إذا أعرب "العلم" خبرا
لمبتدأ محذوف، أي: الممدوح العلم، أو عكسه، أو أعرب مفعولا
لمحذوف أي: الزم العلم، وجملة "نعم المقتنى": مستأنفة
فيكون من تقديم المشعر لا المخصوص؛ لعدم صلاحيته للتأخير؛
لأنه من جملة أخرى، وعلى هذا يحمل كلام الناظم.
التصريح: 2/ 97. الأشموني مع الصبان: 3/ 37.
ج / 3 ص -249-
العين؛ إما بالأصالة: كـ"ظرف وشرف" أو
بالتحويل1: كـ"ضرب" و"فهم"، ثم يجري، حينئذ، مجرى نعم
وبئس: في إفادة المدح والذم، وفي حكم الفاعل، وحكم
المخصوص؛ تقول في المدح: "فهم الرجل زيد"، وفي الذم: "خبث
الرجل عمرو".
[حكم ساء]:
ومن أمثلته "ساء"2 فإنه في الأصل سوأ بالفتح؛ فحول إلى
فعل، بالضم، فصار قاصرا، ثم ضمن معنى "بئس" فصار جامدا،
قاصرا، محكوما له ولفاعله بما ذكرنا؛ تقول: "ساء الرجل أبو
جهل"، و"ساء حطب النار أبو لهب" وفي التنزيل:
{وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}3، و{سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: إذا كان في الأصل مفتوح العين أو مكسروها كمثالي
المصنف. ثم إن كان الفعل معتل العين بقي قلبها ألفا مع
تقدير تحويله إلى "فعل"؛ نحو: طال الرجل محمد، وباع رجلا
علي، أي: ما أطوله وأبيعه، وإن كان معتل اللام ظهرت الواو
وقلبت الياء واوا: تقول: غزو، ورمو، وقيل: يقر على حاله،
والحكمة في التحويل لحاقه بأفعال الغرائز ليصير قاصرا.
التصريح: 2/ 98. الهمع: 2/ 87-88.
2 خصها المصنف والناظم بالذكر؛ لأنها للذم العام فهي أشبه
ببئس، ولكثرة استعمالها وللخلاف فيها، أهي مثل بئس في
المعنى والحكم؟ أم هي مثلها في المعنى، أما في الأحكام
فكالأفعال المحولة؟.
3 18 سورة الكهف، الآية: 29.
موطن الشاهد:
{سَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.
وجه الاستشهاد: وقوع فاعل "ساء" ضميرا مستترا، يعود على
النار. ومرتفقا: تمييز على حذف مضاف؛ أي: نار مرتفق؛ لأن
التمييز، ينبغي أن يكون عير المميز في المعنى. والمرتفق:
المتكأ.
انظر التصريح: 2/ 98.
4 29 سورة العنكبوت، الآية: 4.
موطن الشاهد:
{سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.
وجه الاستشهاد: جواز كون "ما" فاعلا لـ"ساء"، أو تمييزا؛
فعلى الأول: هي اسم موصول "والجملة": صلة لها؛ والتقدير:
ساء الذي يحكمونه؛ وعلى الثاني: هي =
ج / 3 ص -250-
ولك في فاعل فعل المذكور أن تأتي به اسما
ظاهرا مجردا من "أل"، وأن تجره بالباء، وأن تأتي به ضميرا
مطابقا؛ نحو: "فهم زيد"1، وسمع "مررت بأبيات جاد بهن
أبياتا" و"جدن أبياتا"2؛ وقال3: [المديد]
386- حب بالزور الذي لا يرى4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= نكرة موصوفة؛ والتقدير: ساء شيئا يحكمونه؛ وعلى الوجهين،
فالمخصوص بالذم محذوف.
انظر شرح التصريح: 2/ 98.
1 بهذا خالف الفعل المحول إلى فعُل -بضم العين- نعم وبئس،
فقد علمت أن فاعل نعم وبئس لا يكون إلا مقترنا بأل، أو
مضافا لما قارنها أو إلى مضاف إلى ما قارنها، ومن المحول
إلى فعل بالضم "حب" إذا لم يكن معها "ذا" وهذا الذي ذكره
المؤلف من حكم هذه الأفعال هو في أصله رأي الأخفش والمبرد،
وهو المشهور عن العلماء، ولكن الدماميني قد بحث أنه يلتزم
في فاعل ساء ما التزم في فاعل بئس، وجزم الشاطبي بأن فاعل
"حب" إذا لم يكن معه "ذا" يلتزم فيه ما لزم في فاعل نعم.
حاشية يس على التصريح: 2/ 98، الأشموني: 2/ 380. والأشموني
مع الصبان: 3/ 40.
2 حكى ذلك الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده
منها ثانيا، وهو سبب تمثيل المصنف به. وجاد بهن؛ من جاء
الشيء إذا صار جيدا، وأصله: جود، فحول إلى "فعُل"؛ لقصد
المبالغة والتعجب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير
الرفع ضمير الجر، فقيل: بهن، و"أبياتا" تمييز، و"جدن" فعل
وفاعل، و"أبياتا" تمييز أيضا. وقد جمع فيهما بين الفاعل
والتمييز.
3 القائل: هو الطرماح بن حكيم، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت وعجزه قوله:
منه إلا صفحة أو لمام
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 99، والأشموني: 55/ 2/ 380،
والعيني: 4/ 15، والمقرب: 11، والهمع: 2/ 89، والدرر: 2/
119، وديون الطرماح: 79.
المفردات الغريبة: الزور: الزائر، وهو مصدر يراد به اسم
الفاعل، ويطلق على الواحد والجمع مذكرا ومؤنثا. صفحة:
المراد صفحة الوجه، وهي جانبه. لمام: جمع لمة، وهي الشعر
الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكب سمي: جمة.
المعنى: ما أحب الضيف الذي لا يثقل على مضيفه بالمكث عنده
ومضايقته، حتى لا =
ج / 3 ص -251-
أصله "حبب الزور"، فزاد الباء، وضم الحاء؛
لأن فعل المذكور، يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها
إلى فائه؛ فتقول: "ضرب الرجل" و"ضرب".
["حبذا" و"لا حبذا" وإعرابهما]:
فصل:
ويقال في المدح: "حبذا" وفي الذم: "لا حبذا" قال1:
[المتقارب]
387- ألا حبذا عاذري في الهوى
ولا حبذا الجاهل العاذل2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= يكاد يتحقق من ملامحه لسرعة انصرافه وتركه المضيف.
الإعراب: حب: فعل ماضٍ، دال على إنشاء المدح. بالزور:
الباء: حرف جر زائد، الزور: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على
أنه فاعل "حب". الذي: اسم موصول في محل رفع صفة لـ"الزور".
لا: نافية لا عمل لها. يرى: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر. "منه": متعلق
بـ"يرى". إلا: أداة حصر، لا عمل لها. صفحة: نائب فاعل
مرفوع. أو: حرف عطف. لمام: اسم معطوف على صفحة مرفوع، وسكن
لضرورة الروي؛ وجملة "لا يرى": صلة للموصول، لا محل لها من
الإعراب.
موطن الشاهد: "حب بالزور".
وجه الاستشهاد: مجيء فاعل حب التي تفيد معنى نعم مقترنا
بالباء الزائدة؛ لأن المعنى قريب من معنى صيغة التعجب، وقد
علمنا سابقا أن الباء تزاد باطراد في فاعل فعل التعجب فحمل
ما في البيت على تلك الزيادة، غير أن الباء ليست واجبة
الزيادة مع الفاعل في "حب"، فيجوز أن نقول: حب زيد، وحب
بزيد: حيث استعمله مجنون ليلى من دون أن يقرن فاعله
بالباء، وأتى بالتمييز بعده حيث قال:
نسائلكم هل سال نعمان بعدنا
وحب إلينا بطن نعمان واديا
1 لم ينسب البيت إلى قائل معين.
2 تخريج الشاهد:
البيت من شواهد: التصريح: 2/ 00، والعيني: 4/ 16، والهمع:
2/ 89، والدرر: 2/ 117.
المفردات الغريبة: العاذر: الذي يقبل العذر، ولا يلوم، من
عذره يعذره؛ والاسم: المعذرة. العاذل: اللائم، من عذله
يعذله، والاسم: العذل.
المعنى: نعم من يعذرني في الهوى، ويكف عن لومي وعذلي، وبئس
الجاهل الغبي الذي يلومني، ولا يلتمس لي عذرا.
الإعراب: ألا: حرف استفتاح وتنبيه، لا محل له من الإعراب.
حبذا: حب: فعل =
ج / 3 ص -252-
ومذهب سيبويه أن "حب" فعل، و"ذا" فاعل،
وأنهما باقيان على أصلهما1، وقيل: ركبا وغلبت الفعلية؛
لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلا وما بعده فاعل2، وقيل: ركبا
وغلبت الاسمية لشرف الاسم، فصار الجميع اسما مبتدأ وما
بعده خبرا3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ماضٍ لإنشاء المدح مبني على الفتح، و"ذا" اسم إشارة في
محل رفع فاعل، وجملة "حبذا": في محل رفع خبر مقدم. عاذري:
مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل
ياء المتكلم، وياء المتكلم: في محل جر بالإضافة. "في
الهوى": متعلق بـ"عاذر". ولا: الواو: عاطفة، لا: نافية، لا
محل لها من الإعراب. حبذا: حب: فعل ماضٍ مبني على الفتح،
و"ذا": اسم الإشارة فاعله، والجملة في محل رفع خبر مقدم.
الجاهل: مبتدأ مؤخر مرفوع. العاذل: صفة للجاهل مرفوع،
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
موطن الشاهد: "حبذا عاذري"، و"لا حبذا صحبة الجاهل".
وجه الاستشهاد: استعمال حبذا للمدح في الشطر الأول من
البيت، و"لا حبذا" للذم في الشطر الثاني.
ومثل هذا البيت قول الشاعر:
ألا حبذا أهل الملا غير أنه
إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا
انظر شرح التصريح: 2/ 99.
1 أي: أنهما جملة فعلية ماضوية؛ لإنشاء المدح، و"ذا" كفاعل
"نعم" لا يجوز إتباعه. وإذا وقع بعده اسم؛ نحو: حبذا
الرجل، فهو المخصوص لا تابع لاسم الإشارة.
2 هذا رأي ضعيف؛ لأنه لم يعهد تركيب فعل من فعل واسم على
أنه قد يحذف المخصوص، والفاعل لا يحذف.
3 وأجاز بعضهم كون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم بعده مبتدأ
مؤخر، وينسب هذا إلى المبرد وابن السراج، وضعف بأن "حبذا"
لو كان اسما لوجب تكرار "لا" عند إهمالها في نحو: لا حبذا
زيد ولا عمرو، وأيضا: عمل "لا" في معرفة، إن أعملت عمل
"إن" أو ليس، وبقي وجه آخر، وهو: أن يكون "حب" فعلا، و"ذا"
ملغاة، والاسم بعده فاعل.
مغني اللبيب: 725، والتصريح: 2/ 99. حاشية الصبان: 3/ 40،
ابن عقيل "طبعة دار الفكر": 3/ 138.
فائدة: أجاز بعض النحاة أن يكون "حبذا" خبرا مقدما، والاسم
بعده مبتدأ مؤخرا، وهناك وجه آخر، وهو أن يكون "حب" فعلا
و"ذا" ملغاة، والاسم بعده فاعلا؛ وهذا الوجه في العمل
كالوجه الأول من وجوه التركيب المذكورة في المتن، ولكنه
غيره في =
ج / 3 ص -253-
ولا يتغير "ذا" عن الإفراد والتذكير؛ بل
يقال: "حبذا الزيدان والهندان"، أو "الزيدون والهندات"؛
لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل؛ كما في قولهم: "الصيف ضيعت
اللبن"، يقال لكل أحد بكسر التاء وإفرادها1، وقال ابن
كيسان: لأن المشار إليه مضاف محذوف، أي: حبذا حسن هند2.
[لا يتقدم
المخصوص على حبذا]:
ولا يتقدم المخصوص على "حبذا" لما ذكرنا من أنه كلام
جرى مجرى المثل، وقال ابن بابشاذ3: لئلا يتوهم أن في "حب"
ضميرا4، وأن "ذا" مفعول5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= التقدير: وخلاصة القول في "حبذا زيد": أن لها خمسة أوجه
من الإعراب: الأول: أن يكون "حب" فعلا ماضيا، و"ذا" فاعله،
والجملة خبر مقدم وزيد مبتدأ مؤخر. الثاني: أن يكون "حبذا"
برمته فعلا، و"زيد" فاعل. الثالث: أن يكون "حبذا" برمته
مبتدأ، وزيد خبره. الرابع: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا،
وزيد مبتدأ خبره محذوف.
الخامس: أن يكون "حبذا" فعلا وفاعلا، وزيد خبر لمبتدأ
محذوف.
انظر التصريح: 2/ 99، مغني اللبيب: 725.
1 ذلك؛ لأنه في الأصل خطاب لامرأة طلقت زوجا غنيا؛ لكبره،
وأخذت شابا فقيرا، وكان ذلك في زمن الصيف، فلما جاء الشتاء
أرسلت للأول تطلب منه لبنا، فقال لها ذلك، وصار مثلا يضرب
لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، و"الصيف" منصوب على
الظرفية لضيعت.
وهو من أمثال الميداني "تحق عبد الحميد": 2/ 68 رقم: 2725.
2 رد ابن العلج على ابن كيسان؛ بأنه لو كان كما ذكره لظهر
هذا المبتدأ المقدر في بعض التراكيب العربية، ولم يثبت
إطلاقا، فهو قول لا دليل عليه.
التصريح: 2/ 100، حاشية الصبان: 3/ 41.
3 مرت ترجمته.
4 أي مرفوعا على الفاعلية عائدا على المخصوص. وهذا التوهم
بعيد؛ لأن معنى هذا التركيب قد اشتهر في غير ذلك المعنى
المتوهم؛ على أن هذا التوهم الذي يفر منه، لا يمتنع وروده
على الذهب بسبب التأخير؛ لأنه يفهم أن "ذا" مفعول مقدم
"وزيد" فاعل مؤخر.
التصريح: 2/ 100.
5 بقي أن نقول: إن مخصوص "حبذا" يخالف مخصوص "نعم" في
أمور: =
ج / 3 ص -254-
تنبيه: إذا قلت "حب الرجل زيد" فحب هذه من باب فعل المتقدم ذكره، ويجوز في
حائه الفتح والضم، كما تقدم؛ فإن قلت "حبذا" ففتح الجاء
واجب إن جعلتهما كالكلمة الواحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الأول: مخصوص "نعم" يجوز تقدمه عليها؛ نحو: زيد نعم
الرجل، بخلاف مخصوص "حبذا"، وقد ذكر ذلك المصنف.
الثاني: يجوز إعمال النواسخ في مخصوص "نعم"؛ نحو؛ نعم رجلا
كان زيد، بخلاف مخصوص "حبذا"، فإن النواسخ لا تعمل فيه.
الثالث: أن تقديم التمييز على المخصوص بعد "حبذا" وتأخير
التمييز عن المخصوص سواء في القياس كثير في الاستعمال، وإن
كان تقديم التمييز أولى وأكثر، بخلاف المخصوص، بنعم؛ فإن
تأخير التمييز عنه -عند البصريين- شاذ في غاية الندرة.
الرابع: أنه مع اشتراكهما في جواز إعرابهما مبتدأ خبره
الجملة قبله، أو خبرا مبتدؤه محذوف وجوبا، إلا أن الوجه
الثاني في "حبذا" أسهل منه في "نعم"، من جهة أن النواسخ
تدخل عليه مع نعم، وهي لا تدخل إلا على المبتدأ، فيترجح
فيه الوجه.
الأشموني: 2/ 383-383، والأشموني مع حاشية الصبان: 3/
42-43. |