توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك

العلم:
اسم يعين المسمى مطلقا ... علمه............................
قوله: "اسم" جنس، "ويعين المسمى" مخرج للنكرات، "ومطلقا" مخرج لما سوى العلم من المعارف. فإن العلم يعين مسماه بمجرد الوضع أو بالغلبة لا بقرينة، بخلاف غيره من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية "كأل" أو معنوية كالحضور والغيبة "في أنت وهو".
وحد أبو عصفور العلم بقوله: الاسم الذي علق في أول أحواله على شيء1 بعينه في جميع أحواله من غيبة وخطاب وتكلم.
فإن قلت: العلم ضربان: شخصي وجنسي.
أما الشخصي: فلا إشكال في صدق هذا التعريف عليه.
وأما الجنسي: فلا يصدق عليه هذا التعريف لأنه "لم يعين مسماه إذ هو"2 في المعنى شائع كاسم الجنس النكرة ولكنه جرى مجرى العلم الشخصي في الأحكام اللفظية.
قلت: "التحقيق"3 أن العلم الجنسي ليس كاسم الجنس في المعنى، بل هو معين لمسماه، فالتعريف صادق عليه، وسيأتي بيان هذا.
واعلم أن العلم الشخصي لا يختص بأولى العلم، بل يوضع لما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، فذلك نوع أمثلته "كجعفر"4 علم رجل "خرنقا" علم امرأة5 "وقرن" علم قبيلة وإليها ينسب أويس القرني6 "وعدن" علم بلد, "ولاحق" علم فرس7 "وشدقم" علم جمل8 "وهيلة" علم شاة9 "وواشق" علم كلب.
__________
1 أ، ج وفي ب "وذلك في المضمرات والحضور في اسم الإشارة بخلاف العلم، فإنه".
2 ب، ج.
3 أ، ج.
4 علم لرجل مخصوص منقول عن اسم النهر الصغير.
5 علم لامرأة شاعرة هي أخت طرفة بن العبد لأمه منقول من ولد الأرنب.
6 اسم قبيلة من مراد, أبوهم قرن بن ردمان.
7 علم فرس كان لمعاوية بن أبي سفيان.
8 اسم فحل من الإبل كان للنعمان بن المنذر.
9 علم شاة لبعض نساء العرب.

(1/390)


ثم قال:
واسما أتى وكنية ولقبا ... ..............................
العلم على ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب؛ لأنه إن صدر بأب أو أم فهو كنية1، كأبي بكر وأم كلثوم، وإلا فإن أشعر برفعة المسمى أو ضعته2 فهو لقلب "كالصديق والفاروق" في الأول، "وكبطة، وأنف الناقة"3، في الثاني وإن لم يكن كذلك فهو اسم "كزيد وعمرو"4.
وقوله:
.............................. ... وأخرن ذا إن سواه صحبا
"ذا" إشارة إلى اللقب، أي: إذا اجتمع مع اللقب غيره أخر اللقب، وقدم الاسم أو الكنية نحو، قال: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق؛ لأن اللقب في الغالب منقول من اسم "غير"5 الإنسان "كبطة" فلو قدم لتوهم السامع، أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخيره.
وندر تقدم اللقب على الاسم في الشعر كقول الشاعر:
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها ... عني حديثا وبعض القول تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب6
__________
1 أو ابن, أو بنت, أو أخ, أو أخت: كابن الخطاب.
2 وبالأصل أو ضعته.
3 لقب جعفر بن قريع. وسبب تلقيبه بذلك أن أباه ذبح ناقة وقسمها بين نسائه، فبعثته أمه إلى أبيه ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه: شأنك به، فأدخل يده في أنف الناقة وجعل يجره فلقب به.
وكانوا يغضبون من هذا اللقب حتى مدحهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
4 أ، ج.
5 أ، ج وفي ب "عين".
6 هما لجنوب بنت العجلان إحدى شواعر العرب من قصيدة ترثي فيها أخاها عمرو بن العجلان المعروف بذي الكلب, وهي من البسيط.
الشرح: "هذيلا" اسم قبيلة، "بطن شريان" -بكسر الشين وسكون الراء- اسم مكان، وقيل واد، وأصله اسم شجرة تعمل منه القسي، والشريان بفتح الشين الحنظل، يعوي حوله الذيب كناية عن موته.
الإعراب: "بأن": الباء حرف جر, أن: توكيدية ناصبة, "ذا" اسم أن, "الكلب" مضاف =

(1/391)


وفي بعض نسخ الألفية:
وذا جعل آخرا إن اسما صحبا
وما سبق أولى؛ لأن هذه النسخة لا يفهم حكم اللقب مع الكنية1.
ثم قال:
وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما........................
أي: إذا كان اللقب والمصاحب له مفردين أضيف الاسم إلى اللقب نحو: "هذا سعيد كرز"2 على تأويل الأولى المسمى؛ لأن المعوض للإسناد إليه والثاني بالاسم، والمعنى "هنا"3 مسمى هذا اللقب.
وقوله "حتما" هو مذهب جمهور البصريين؛ لأنهم لا يجيزون "في المفردين إلا الإضافة"4.
وأجاز الكوفيون وبعض البصريين: الاتباع أيضا بدلا أو عطف بيان والقطع إلى النصب بإضمار فعل، وإلى الرفع بإضمار مبتدأ، وإلى هذا ذهب التسهيل5.
__________
= إليه "عمرا" بدل أو عطف بيان, "خيرهم" نعت لعمرو والضمير مضاف إليه, "حسبا" تمييز, "ببطن" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن, "شريان" مضاف إلى بطن. وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء. والجار والمجرور متعلق بقوله "أبلغ" في البيت الذي قبله, "يعوي" فعل مضارع, "حوله" حول: ظرف متعلق به والضمير مضاف إليه, "الذيب" فاعل يعوي. وجملة الفعل والفاعل في محل نصب حال من عمرو، ويجوز أن تكون الجملة في محل رفع خبر أن ويكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف حال من "عمرو".
الشاهد: في "ذا الكلب عمرا" حيث قدمت اللقب وهو قولها "ذا الكلب" على الاسم وهو قولها "عمرا" والقياس أن يكون الاسم مقدما واللقب مؤخرا فلو أتت بما يقتضيه لقالت: "بأن عمرا ذا الكلب".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 65 والأصطهناوي، وداود، والأشموني 1/ 59 والسندوبي، وقد اقتصر على بيت الشاهد وكذا السيوطي ص17.
1 لأن الأول، نص في أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية.
2 كرز هو في الأصل خرج الراعي، ويطلق على اللئيم والحاذق.
3 أ، وفي ب، ج "هذا".
4 أ، ج وفي ب "في المفرد غير ذلك أعني الإضافة".
5 وإلى رأيهم أميل "وهذا هو الحق وجرى عليه في التسهيل". صبان 1/ 110, راجع التسهيل ص30.

(1/392)


وقال في شرحه: لم يذكر سيبويه1 فيهما إلا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل، فبين استعمال العرب لها، إذ لا مسند لها إلا السماع، بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل.
تنبيه:
جواز الإضافة مقيد بعدم المانع فإن كان في الاسم مانع منها لم يضف ولو كانا مفردين نحو "الحارث كرز" فإن "أل" تمنع الإضافة.
وقوله:
وإلا أتبع الذي ردف
أي: وإن لم يكونا مفردين فشمل ذلك المركبين نحو "عبد الله أنف الناقة" والاسم المفرد مع اللقب المركب، نحو: "زيد عائد الكلب" وعكسه "عبد الله بطة".
فالحكم في هذه الصور الثلاث, امتناع الإضافة، ووجوب الإتباع أو القطع "بوجهيه"2.
ولم يذكر القطع هنا، وكذلك لم يذكر الشارح، بل قال فلا بد من الإتباع3 وقد ذكره في التسهيل.
ثم قال:
ومنه منقول كفضل وأسد ... وذو ارتجال كسعاد وأدد
العلم قسمان: منقول ومرتجل.
فالمنقول: هو ما استعمل قبل العلمية لغيرها "كفضل" فإنه منقول من المصدر "وأسد" فإنه منقول عن اسم عين.
__________
1 قال سيبويه ج3 ص49: "إذا لقبت مفردا بمفرد أضفته إلى الألقاب وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل، وذلك قولك: هذا سعيد كرز ... ". ا. هـ.
2 ب، ج وفي أ "بوجهين" أي: القطع. " ... ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب". ابن عقيل 1/ 67.
3 قال الشارح ص29: "وأما إذا لم يكن الاسم واللقب مفردين فلا بد من الإتباع سواء كانا مركبين نحو: هذا عبد الله أنف الناقة أو أحدهما مركبا، نحو هذا زيد عائد الكلب وهذا عبد الله بطة".

(1/393)


والمرتجل1: بخلافه "كسعاد" وهو علم امرأة "وأدد" وهو علم رجل2.
تنبيهات:
الأول: ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، وبعضهم إلى أنها كلها مرتجلة، والمشهور الأول.
الثاني: قال بعضهم: تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل، إنما هو بالنسبة إلى الأعم الأغلب، وإلا فالذي علميته بالغلبة لا منقول ولا مرتجل.
الثالث: المنقول، إما من مصدر "كفضل" أو اسم عين "كأسد" أو اسم فاعل "كحارث" أو اسم مفعول "كمسعود" أو صفة مشبهة "كسعيد" أو فعل ماض "كشمر" علم على فرس3. أو مضارع "كيزيد" أو جملة من فعل وفاعل ظاهر "كبرق نحره" أو مضمر بارز "كأطرقا".
في قول الشاعر:
على أطرقا باليات الخيام ... إلا الثمام وإلا العصي4
__________
1 من الارتجال وهو الابتكار وهذا التقسيم للعلم من حيث وضعه, وهو ما استعمل من أول الأمر علما.
2 أبو قبيلة من اليمن، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير.
3 راجع الأشموني 1/ 60.
4 قائله: أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، وهو جاهلي إسلامي، توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه بطريق مكة. وقيل: إنه مات بمصر منصرفا من إفريقية وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير. وهو من قصيدة يائية من المتقارب.
الشرح: "أطرقا" -بفتح الهمزة وسكون الطاء وكسر الراء- اسم موضع من نواحي مكة من منازل كعب بن خزاعة قال أبو عمرو: "أطرقا" اسم لبلد بعينه. مأخوذ من فعل الأمر وفيه ضمير علامته الألف، كأن سالكه سمع نبأة فقال لصاحبيه. أطرقا "باليات" جمع بالية من البلى -بكسر الباء- يقال: بلي يبلى إذا خلق "الخيام" جمع خيمة وهي عند العرب بيت من عيدان، "الثمام" بضم الثاء -بزنة غراب- نبت ضعيف يحشى به خصائص البيوت ويستر به جوانب الخيمة. "العصي" بكسر العين جمع عصا. وأراد بها قوائم الخيمة.
المعنى: عرفت ديار المحبوبة على هذه المفازة قد بليت خيامها إلا ثمامها وعصيها فإنها بقيت وما بليت. =

(1/394)


أو مستتر "كيزيد" في قول الراجز:
نبئت أخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد1
__________
= الإعراب: "على أطرقا" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الديار وأطرقا: مجرورة بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية, "باليات" حال ثانية من الديار, "الخيام" مضاف إليه, "إلا" أداة استثناء لأنه مستثنى من كلام تام موجب، ومن رفع فإنما عمد إلى أنه مبتدأ خبره محذوف والتقدير إلا الثمام باقية أو لم تبل أو نحو ذلك. "وإلا" الواو عاطفة إلا زائدة, "العصي" معطوف على الثمام. والقصيدة تروى مرفوعة القوافي وتروى ساكنتها فمن رواها ساكنة جاز لك عليه أن تجعلها على محملي "الثمام" في روايتيه, ومن رواها مرفوعة فإن كان الثمام مرفوعا فالأمر بين وإن كان منصوبا كان محمله على المعنى, وبيان ذلك أنه لما حكم على الديار بالبلى ثم استثنى منها الثمام كان كأنه قال: بليت الديار وبقي الثمام فاستساغ أن يعطف عليه بالرفع؛ لأنه مرفوع في المعنى وليس الرفع بالعطف على المعنى وإن كان المعطوف عليه غير مرفوع لفظا ببدع في كلامهم.
الشاهد: في "أطرقا" فإنه اسم علم منقول من فعل الأمر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 1/ 60 والشاطبي.
1 قال العيني: قائله رؤبة بن العجاج, وهو من الرجز المسدس.
الشرح: "نبئت" بالتضعيف وبالبناء للمجهول أعلمت وأخبرت, "أخوالي" جمع خال وهو أخ الأم "يزيد" بالياء هكذا وقع في رواية النحويين ومنهم الزمخشري. وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء من فوق وهو اسم رجل تنسب إليه الثياب التزيدية، ويزيد من الأسماء المعروفة لدى العرب، "ظلما" هو وضع الشيء في غير محله أو منعه من محله, "فديد" الصياح والجلبة.
المعنى: أخبرت أن أخوالي بني يزيد يرفعون الصوت عاليا بظلمنا.
الإعراب: "نبئت" فعل ونائب فاعل، وهو مفعوله الأول "أخوالي" مفعول ثان وياء المتكلم مضاف إليه, "بني" بدل من أخوالي, "يزيد" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة الحكاية, "ظلما" مفعول لأجله أو حال بتأويل المشتق أي: ظالمين, "علينا" جار ومجرور متعلق بقوله "ظلما" أو بقوله "فديد" الآتي, "لهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم "فديد" مبتدأ مؤخر, وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثالث لنبئت.
الشاهد: "في يزيد" حيث سمي به وأصله فعل مضارع من "زاد" مشتمل على ضمير مستتر فيه فنقل من الجملة المؤلفة من فعل وفاعل إلى العلمية، وهو مرفوع على الحكاية؛ لأن القوافي مرفوعة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص30, وابن هشام 1/ 92, والأشموني 1/ 60, والشاطبي، وداود، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 28, والشاهد 39 في خزانة الأدب.

(1/395)


كذا أنشده الزمخشري1 بالياء المثناة من تحت2.
قال ابن يعيش3: صوابه بالتاء المثناة من فوق وهو اسم رجل4 وإليه تنسب الثياب التزيدية5.
قال في شرح التسهيل: ولم يرد عن العرب علم منقول من مبتدأ أو خبر6 ولا من فعل أمر دون إسناد إلا "إصمت" اسما للفلاة الخالية.
فإن من العلماء من زعم أنه منقول من الأمر بالصمت، وذلك عندي غير صحيح من وجهين:
أحدهما: أنه متى كان من "أصمت" فالأمر منه مفتوح الهمزة، وإن كان من "صمت" فالأمر منه مضموم الميم "وإصمت" بخلاف ذلك والمنقول لا يغير7.
والثاني: أنه قد قيل فيه "أصمتة"8 بتاء التأنيث ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث. وإذا انتفى كونه منقولا من فعل أمر ولم يثبت له استعمال في غير العلمية تعين كونه مرتجلا.
واعترض بأنه أمر من "صمت يصمت" بكسر الميم.
والجواب عن "لحاق"9 التاء أنهم أرادوا أن يعلموا بذلك كونه فارق موضعه من الفعلية.
__________
1 هو أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الزمخشري نسبة إلى "زمخشر" من أعمال خوارزم كان واسع العلم غاية في الذكاء وقوة القريحة متفننا في كل علم، وجاور بمكة فلقب بجار الله, وكانت له رجل من خشب وله مصنفات كثيرة منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو, وأطواق الذهب، والأحاجي النحوية، ومات سنة 538 ثمان وثلاثين وخمسمائة.
2 راجع الأشموني 1/ 60.
3 هو أبو البقاء يعيش بن عليّ بن يعيش الحلبي النحوي, وكان من كبار أئمة العربية ماهرا في النحو والتصريف, وقد غالب فضلاء حلب وتصدر للإقراء بها زمانا وشاع ذكره وصنف كتاب "المفصل" المعروف. ومات سنة 643هـ ثلاث وأربعين وستمائة.
4 أ، ج.
5 راجع شرح المفصل 2/ 28.
6 قال الأشموني 1/ 60: "لكنه بمقتضى القياس جائز". ا. هـ.
7 راجع الصبان 1/ 112.
8 ج وفي ب "صمتت" وفي أ "اصمتت".
9 أ، ب وفي ج "إلحاق".

(1/396)


وزاد بعضهم في المنقول منقولا من صوت وعني بذلك "ببَّه" وهو ابن لبعض بني هاشم: وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو منقول من الصوت، كانت أمه ترقصه به وهو صبي وذلك قولها:
لأنكحن ببه, جارية خدبه, مكرمة محبه, تجب أهل الكعبه1.
قال ابن مالك: والصحيح أن "ببَّه" منقول من قولهم للغلام السمين ببه.
قال ابن خالويه2: إن "ببَّه" هو الغلام السمين فيكون منقولا من الصفة.
__________
1 قائلته: هي هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وكانت لقبت به ابنها في صغره ترقصه وتقول: لأنكحن ... وابنها هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والي البصرة.
الشرح: "ببَّه" في الأصل الأحمق كذا قاله الخليل، ويقال للشاب الممتلئ البدن نعمة ببه، وقال الجوهري: ببه هو لقب عبد الله بن الحارث.
"خدبه": بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال وتشديد الباء أرادت بها الجارية المشتدة الممتلئة اللحم، ويقال للبعير الشديد الصلب خدب، "تجب" بضم الجيم أي تغلب أهل الكعبة في الحسن والجمال، يقال: جبه إذا غلبه، وجبت فلانة النساء إذا غلبتهن بالحسن.
الإعراب: "لأنكحن" اللام للتأكيد، وأنكحن جملة من الفعل والفاعل, وهو من الإنكاح. "ببه" مفعول أول "جارية" مفعول ثان، وليس مجيء المفعولين لفعل واحد مقتصرا على أفعال القلوب وهذا باب ليس فيه عدد محصور، إنما الفرق أن أفعال القلوب يكون المفعول الثاني عين الأول وفي غيرها غير الأول نحو أعطيت زيدا درهما, "مكرمة محبة" صفة بعد صفة للجارية, "تجب" فعل مضارع والفاعل ضمير, "أهل" مفعول به, "الكعبة" مضاف إليه والجملة صفة أخرى.
الشاهد: في "لأنحكن ببه" فإنه علم منقول من الصوت وهو ببه، فإنه منقول من الصوت الذي كانت هند ترقصه به.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 23، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 72، والخصائص 1/ 217.
2 أبو عبد الله الحسين بن محمد، نشأ بهمذان ووفد إلى بغداد، وأخذ عن ابن الأنباري وابن دريد، وغيرهما، وله مع المتنبي مناظرات، كان كوفي النزعة قصير الباع في النحو طويله في اللغة، يشهد بذلك ما ساقه في انتصاره لثعلب عند رده الاعتراضات العشرة التي فند بها الزجاج نصف كتابه "الفصيح" وذكر ردود ابن خالويه للسيوطي في الأشباه والنظائر.
ومن مؤلفاته في العربية "ليس".
توفي بحلب سنة 370هـ سبعين وثلاثمائة.

(1/397)


وقال في الصحاح: يقال للأحمق الثقيل "ببه" وهو أيضا لقب لعبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة. قال الفرزدق:
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببه قد بايعته غير نادم1
واسم جارية، وقال لأنكحن ببه، جارية خدبة، مكرمة محبة، تجب أهل الكعبة. ا. هـ2.
وقد وهم في استشهاده في الرجز على أنه اسم جارية؛ لأن "ببه" في الرجز هو اللقب لعبد الله بن الحارث كما تقدم وأنشده بفتح الهمزة في قوله: "لأنحكن" والصواب ضمها، وأنشد "تجب أهل الكعبة" "بفتح التاء وكسر الجيم"3 أي تغلبهم حسنا، يقال: جب القوم إذا غلبهم والله أعلم. ثم قال:
وجملة وما بمزج ركبا ... ذا إن بغير ويه تم أعربا
العلم قسمان: مفرد نحو: "زيد" ومركب وهو ثلاثة أقسام:
تركيب إسناد: وهو ما كان جملة في الأصل نحو: "برق نحره" وتقدم أنه لم يسمع النقل من الجملة الاسمية ولو سمي بها لجاز.
__________
1 هو من الطويل، وقائله الفرزدق.
الشرح: "بايعت" من المبايعة وهي المعاقدة، والمعاهدة كأن كل واحد من المتبايعين باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه، وطاعته ودخيلة أمره.
"ببه" أراد به الفرزدق عبد الله بن الحارث.
الإعراب: "بايعت" فعل ماض والتاء فاعل, "أقواما" مفعوله, "وفيت بعهدهم" جملة حالية بتقدير قد أي: حال كوني قد وفيت بعهدهم.
فإن قلت: كيف يكون وافيا بعهدهم في حال المبايعة والوفاء لا يكون إلا بعدها؟
قلت: هذه من الأحوال المنتظرة المقدرة، والتقدير: مقدرا الوفاء على مبايعتي.
"وببه" مبتدأ, "بايعته" فعل ماض والتاء فاعل والهاء مفعوله والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد: في "ببه" أنه علم منقول من الصوت كما سبق.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية.
2 1/ 2 صحاح.
3 ب، وج وفي أ "بفتح الهمزة في قوله لأنكحن وكسر التاء".

(1/398)


وتركيب مزج: وهو كل اسمين جعلا اسما واحدا منزلا ثانيهما منزلة هاء التأنيث نحو: "بعلبك".
وتركيب إضافة1: "كامرئ القيس".
فالإسنادي يحكى2 ولا يعرب مطلقا. قال في التسهيل: وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى "عجزه"3 إن كان ظاهرا. ا. هـ4.
فتقول على هذا: "جاءني برق نحره" بالإضافة، قال بعضهم: وهذا لا يقاس عليه.
والمزجي: إن ختم بويه بني على الكسر على الأشهر، وقد يعرب غير منصرف، وإن لم يختم بويه، أعرب غير منصرف على الأشهر، وقد يبنى تشبيها بخمسة عشر، وقد يضاف صدره إلى عجزه.
وقد علم حكم المزجي من قوله: "ذا إن بغير ويه ثم أعربا" وذا إشارة إلى المزجي.
فإن قلت: أبهم في قوله: "أعرب" إذ لم يبين أنه غير منصرف.
قلت: قد نبه عليه في موضعه من باب ما لا ينصرف5.
وأما الإضافي فقد ذكره في قوله:
وشاع في الأعلام ذو الإضافه ... كعبد شمس وأبى قحافه
__________
1 هو كل اسمين نزل ثانيهما منزل التنوين مما قبله وذلك لأن الجزء الأول يعرب والثاني يلتزم حالة واحدة كالتنوين.
2 أي: على ما كان عليه قبل التسمية فيعرب بحركات مقدرة على آخره للحكاية.
3 أ، ب وفي ج "عجزهما".
4 التسهيل ص30.
5 المركب المزجي: حكم الأول أن يفتح آخره كبعلبك وحضرموت, إلا إن كان ياء فيسكن كمعديكرب وإلا فلا.
وحكم الثاني أن يعرب بالضمة والفتحة نصبا وجرا إعراب ما لا ينصرف للعلمية والتركيب إلا إن كان كلمة "ويه" فيبنى على الكسر كسيبويه وعمرويه. ا. هـ. ابن هشام في أوضح المسالك ج1 ص69.

(1/399)


والإضافي: ضربان: كنية كأبي قحافة، وغير كنية كعبد شمس، وقد نبه على النوعين بالمثالين.
وأشار بقوله: "شاع" إلى أن المضاف أكثر "أقسام"1 المركب إذ "منه"2 الكنى ولا تخفى كثرتها.
فإن قلت: مقتضى ما ذكر انحصار المركب في الأنواع الثلاثة، وأن ما عداها مفرد.
وقد صرح بذلك في التسهيل حيث قال: وما عري من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يعرَ مركب. ا. هـ3. وليس الأمر كما قال؛ لأنه يرد عليه "أشياء"4 كثيرة من المركب نحو: ما تركب من حرفين "كأنما" أو حرف واسم نحو: "يا زيد" أو حرف وفعل نحو: "قد قام".
قلت: عن ذلك جوابان: أحدهما أنه إنما تعرض لذكر ما ورد عن العرب من المركب وأما تركيب الحرفين وما ذكر معه فلم يرد عن العرب بالتسمية به.
والثاني: أن تركيب الحرفين وما ذكر معه شبيه بتركيب الإسناد لأن حكمه أن يحكى ولا يعرب كتركيب الإسناد، فاكتفي بذكر تركيب الإسناد؛ لأن هذا ملحق به.
ثم قال:
ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم
هذا هو الضرب الثاني من ضربي العلم الجنسي، وإنما قال: "لبعض الأجناس"؛ لأنهم لم يضعوا لجميعها، وإنما وضعوا العلم الجنسي لبعض الأجناس التي لا تؤلف غالبا كالسباع والوحوش، وربما جاء في بعض المألوفات "كأبي المضاء"5 لجنس الفرس.
__________
1 أ، ب وفي ج "أسماء".
2 أ، ج وفي ب "فيه".
3 التسهيل ص30.
4 أ، ج وفي ب "أسماء".
5 أ، ج وفي ب "كأبي المضي".

(1/400)


وقوله: كعلم الأشخاص لفظا. يعني أن العلم الجنسي يساوي الشخصي في أحكامه اللفظية فإنه لا يضاف ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بالنكرة، ولا يقبح مجيئه مبتدأ, ولا انتصاب للنكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية "كأسامة" فساوى في ذلك كله العلم الشخصي.
وقوله: وهو عم. يعني أنه فارق العلم الشخصي من جهة المعنى بعمومه إذ ليس بعض الأشخاص أولى به من بعض.
ألا ترى أن "أسامة" صالح لكل أسد بخلاف العلم الشخصي.
فإن قلت: فما الفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة من جهة المعنى؟
قلت: ذهب قوم إلى أن أسامة لا يخالف في معناه دلالة أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية وإنما أطلق عليه أنه معرفة مجازا.
وهذا معنى ما ذكره ابن مالك في باب المعرفة والنكرة من شرح التسهيل، فإنه ذكر فيه أن أسامة ونحوه نكرة معنى معرفة لفظا وأنه في الشياع كأسد.
وأقول: تفرقة الواضع بين "أسامة" و"أسد" في الأحكام اللفظية "تؤذن"1 بفرق من جهة المعنى.
ومما قيل في ذلك: أن "أسدا" وضع ليدل على شخص معين، وذلك الشخص لا يمتنع أنه يوجد منه أمثال فوضع "أسدا"2 على الشياع في جملتها، ووضع أسامة لا بالنظر إلى شخص بل على معنى الأسدية المعقولة التي لا يمكن أن توجد خارج الذهن3 ولا يمكن أن يوجد منها اثنان أصلا في الذهن، ثم صار "أسامة" يقع على الأشخاص لوجود ما هو ذلك المعنى المفرد الكلي في الأشخاص.
والتحقيق في ذلك: أن تقول: اسم الجنس هو الموضوع للحقيقة الذهنية من حيث هي هي "فأسد" موضوع للحقيقة من غير اعتبار قيد معها أصلا، وعلم
__________
1 ب، ج وفي أ "توزن".
2 أ.
3 أ، ب وفي ج النفس بدل الذهن.

(1/401)


الجنس "كأسامة" موضوع للحقيقة باعتبار حضورها الذهني الذي هو نوع شخصي لها مع قطع النظر عن إفرادها، ونظيره المعرف باللام التي للحقيقة والماهية.
وبيان ذلك: أن الحقيقة الحاضرة في الذهن، وإن كان عامة بالنسبة إلى أفرادها، فهي باعتبار حضورها فيه أخص من مطلق الحقيقة، فإذا استحضر الواضع صورة "الأسد" ليضع لها فتلك الصورة الكائنة في ذهنه جزئية بالنسبة إلى "مطلق صورة الأسد"1.
فإن هذه الصورة واقعة لهذا الشخص في زمان ومثلها يقع في زمان آخر "أو في ذهو آخر"2. والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس.
وفي كلام سيبويه إيماء إلى هذا الفرق، فإنه قال في باب ترجمته: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في "الأمة"3 ليس واحد منه بأولى من الآخر، ما نصه: إذا قلت هذا أبو الحارث "إنما"4 تريد هذا الأسد أي: هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت "أشباهه"5 ولا تريد أن تشير إلى شيء "قد عرفته بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا"6 ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم7. ا. هـ.
فجعله بمنزلة المعرف "باللام"8 التي للحقيقة.
وقال ابن مالك بعد ذكره كلام سيبويه: هذا جعله خاصا شائعا في حالة واحدة.
__________
1 أ، ج.
2 أ، ج.
3 هذه عبارة الكتاب 1/ 263, وفي الأصل "هذا باب من المعرفة يكون الاسم الخاص فيه شائعا في أمته".
4 في كتاب سيبويه "فأنت".
5 ب، ج والكتاب, وفي أ "أشبابه".
6 في الكتاب ج1 ص263، وفي الأصل "قد عرفته بمعرفته كزيد".
7 كتاب سيبويه ج1 ص263.
8 أ، ج وفي ب"بالألف واللام".

(1/402)


فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج.
ثم شرع في تمثيله فقال:
من ذاك أم عريط للعقرب ... وهكذا ثعالة للثعلب
علم الجنس ضربان: عيني ومعنوي.
فالعيني يكون اسما نحو: "شبوة" للعقرب، و"ثعالة" للثعلب، ويكون كنية نحو: "أم عريط" للعقرب، "وأبي الحصين" للثعلب.
والمعنوي مثل: "برة وفجار" فبرة علم للمبرة، وفجار علم للفجرة.
قال النابغة:
أنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار1
__________
1 البيت: من قصيدة للنابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية, وسببها أن زرعة بن عمرو ابن خويلد كان قد لقي النابغة بسوق عكاظ فأشار عليه أن يحرض قومه على قتال حلفائهم من بني أسد فأبى النابغة ذلك، ثم بلغه أن زرعة يتهدده فقالها يهجوه. وهي من الكامل.
الشرح: "أنا اقتسمنا خطتينا" بفتح همزة أنا؛ لأنه مفعول لعلمت في البيت قبله. ا. هـ. صبان 1/116: أي: كانت لي ولك خطتان فأخذت أنا البرة وأخذت أنت الفاجرة والخطة: القصة والخصلة, "برة" اسم علم وضع من البر فلم يصرفه؛ لأنه معرفة مؤنث، لأنه اسم للخطة. "فجار" اسم معدول عن الفجور معرفة فبناؤه كما في حذام وقطام.
فإن قلت: لم قال، في الإخبار عن نفسه فحملت، وفي الإخبار عن نفس زرعة احتملت؟
أقول: أراد النابغة أن يهجو زرعة بكثرة غدره وإيثار الفجور فذكر اللفظة التي يراد بها الكثيرة خاصة، لتكون أبلغ في الهجو، ولو قال: حملت فجار لاحتمل إلا يكون غدرا لا مرة واحدة.
الإعراب: "أنا" أن حرف توكيد ونصب ونا: اسمها, "اقتسمنا" فعل وفاعل, "خطتينا" مفعول به ونا: مضاف إليه. والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر أن, "بيننا" ظرف متعلق باقتسم والضمير مضاف إليه, "فحملت" الفاء عاطفة، حملت: فعل وفاعل, "برة" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة, "واحتملت" الواو عاطفة. احتملت: فعل وفاعل. "فجار" مفعول به على الكسر في محل نصب.
الشاهد: في "برة وفجار" فإنهما من أعلام الجنس المعنوي, فإن برة علم للمبرة، وفجار علم للفجور.

(1/403)


وإلى هذا أشار بقوله:
ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجره
وفجار, علم مؤنث مبني على الكسر مثل حذام.
تنبيه:
لما كان للعلم الجنس خصوص من وجه وشياع من وجه جاء في بعضه عن العرب وجهان:
إعطاؤه حكم المعارف، وإعطاؤه حكم النكرات، وطريق ذلك السماع.
ومن المسموع فيه الوجهان "فينة"1, وغدوة وبكرة وعشية.
__________
1 أ، ج.

(1/404)


اسم الإشارة:
لم يحد اسم الإشارة؛ لأنه كما قيل محصور بالعد فلا يحتاج إلى الحد.
وحده في التسهيل بقوله: ما وضع لمسمى وإشارة إليه1. ا. هـ. وقال بعضهم هو الموضوع لمعين في حال الإشارة. وقال ابن الحاجب2: وهو ما وضع لمشار إليه3.
والمشار إليه إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما إما مفرد أو مثنى أو مجموع.
فهذه ستة أقسام:
فبدأ بما يشار به إلى الواحد المذكر فقال: بذا لمفرد مذكر أشر.
للمفرد المذكر لفظ واحد وهو "ذا".
وقد يقال: "ذاء" بهمزة مكسورة بعد الألف، و"ذائه" بهاء مكسورة بعد الهمزة.
تنبيه:
مذهب البصريين: أن "ذا" ثنائي لفظا ثلاثي وضعا، لقولهم في التصغير "ذيا" وسيأتي تقريره في باب التصغير, فهل المحذوفة عينه أو لامه؟ قولان أظهرهما الثاني، وهل هو من باب طويت أو من باب حييت؟ قولان أشهرهما الثاني، "وهل"4 وزنه فعل -بالإسكان- أو فعل -بالتحريك- قولان: أصحهما الثاني5.
__________
1 التسهيل ص39.
2 هو: أبو عمر عثمان جمال الدين عمر الكردي الأصل المشهور بابن الحاجب؛ لأن أباه كان حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي بالقاهرة, ولد ابن الحاجب بإسنا ثم تعهده أبوه بالقاهرة فحفظ القرآن, وكان أصفى الناس ذهنا, ومن مؤلفاته في النحو: الإيضاح شرح المفصل للزمخشري، والأمالي، والكافية والشافية, توفي بالإسكندرية سنة 646هـ ست وأربعين وستمائة.
3 أ، ج، وراجع الكافية 2/ 29.
4 أ، ج.
5 قال السيوطي في همع الهوامع ج1 ص75: "فالأصح أنه فعل بتحريك العين؛ لأن الانقلاب عن المتحرك ... ". ا. هـ.

(1/405)


وذهب الكوفيون والسهيلي: إلى أنه على حرف واحد وضعا، وأن ألفه زائدة استدلوا بسقوطها في قولهم "ذان"1.
وأجيب بأنها حذفت لالتقاء الساكنين، وبأنها صيغة مرتجلة لا تثنية حقيقية.
واستدلوا بقولهم "ذه أمة الله".
وأجيب: باحتمال أن تكون الهاء بدلا من الباء.
قلت: والظاهر أن يقال: "ذه" صيغة مرتجلة للمؤنث.
وذهب قوم منهم السيرافي: إلى "أن ذا ثنائية"2 الوضع، فالألف على هذا أصل كألف "ما" "و"3 ليست منقلبة عن شيء4.
ثم انتقل إلى الواحدة المؤنثة فقال:
بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر
أي: اقتصر بهذه الألفاظ الأربعة على المؤنث فلا تشر بها إلى "غيره"5, وليس مراده حصر ما يشار به إلى المؤنث في هذه الألفاظ.
وقد حكى في التسهيل: للمؤنثة عشرة ألفاظ: "ذي وتي وذه وته -بإسكان الهاء- وذه وته -بكسر الهاء- وذهي وتهي -بالإشباع- وتا وذات -مبنية على الضم"6.
__________
1 قال السيوطي في همع الهوامع ج1 ص75: "ورد بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد، وأما حذفها في التثنية فلالتقاء الساكنين وقد عوض منها تشديد النون". ا. هـ.
2 ب، ج وفي أ "أنه ثنائي".
3 ج.
4 قال السيوطي في همع الهوامع ج1 ص75: "قال أبو حيان: لو ذهب ذاهب إلى أن "ذا" ثنائي الوضع نحو "ما" وأن الألف أصل بنفسها غير منقلبة عن شيء إذ أصل الأسماء المبنية أن توضع على حرف أو حرفين لكان مذهبا جيدا سهلا قليل الدعوى ... ". ا. هـ.
5 ج وفي أ، ب "غيرهما".
6 قال في التسهيل ص39: "وللمؤنثة تي وتا وته وذي وذه وتكسر الهاءان باختلاس وإشباع وذات". ا. هـ.

(1/406)


وحكى ابن أبي الربيع1 في شرح الإيضاح2 أن من العرب من يقول "ذهي" في الوصل "وذه" في الوقف -بسكون الهاء- تشبيها بالمضمر، وأن منهم من يقول: "ذى" في الوصل فإذا وقف أبدل من الياء هاء فقال "ذه".
ثم انتقل إلى المثنى فقال:
وذان تان للمثنى المرتفع ... وفي سواه ذين تين اذكر تطع
أي نقول: في تثنية المذكر "ذان" في الرفع و"ذين" في الجر والنصب, وفي تثنية المؤنث "تان" في الرفع و"تين" في الجر والنصب تعربهما إعراب المثنى. "وإن كانا مشابهين للمبني"3؛ لأن التثنية عارضت شبه الحرف، لكونها من خواص الأسماء فلم يؤثر شبه الحرف ولم يثن "من"4 أسماء الإشارة غير "ذا وتا".
ومذهب المحققين كالفارسي: أن "ذين وتين" ليسا تثنية حقيقية بل ألفاظ وضعت لمثنى. واستدل الفارسي على ذلك في التذكرة5 بأن التثنية تستلزم تقدير التنكير.
ألا ترى أن العلم إذا ثني قدر تنكيره، واسم الإشارة، لازم التعريف لا يقبل التنكير.
ثم انتقل إلى الجمع فقال:
وبأولى أشر الجمع مطلقا
أي مذكرا كان أو مؤنثا: فتقول: "أولى خرجوا وأولى خرجن" ويشار به إلى العاقل وغيره.
__________
1 هو أبو الحسن عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الإشبيلي إمام النحو في زمانه، قرأ على الدباج وأذن له في التصدر للقراءة، ولما استولى الفرنجة على إشبيلية جاء إلى سبتة، وأقرأ بها النحو وصنف فيه الإفصاح شرح مسائل الإيضاح, وشرح سيبويه وشرح الجمل في عشرة مجلدات لم يشذ عنه مسألة في العربية. ومات سنة 688هـ لثمان وثمانين وستمائة.
2 هو كتاب لابن أبي الربيع في النحو.
3 أ، ج.
4 أ، ب وفي ج "في".
5 هو كتاب لأبي علي الفارسي.

(1/407)


قال الشارح1: وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل، وقد يجيء لغيره، وفيه لغتان: القصر: وهي لغة بني تميم، والمد: وهو لغة أهل الحجاز، وهي الفصحى، وبها جاء القرآن2 ولهذا قال: "والمد أولى" وقد حكي فيه لغات أخر، وهي "هلاء" -بإبدال الهمزة هاء- و"أولاء" -بضم الهمزتين- "وإلًى" -بالتنوين- حكاه قطرب.
قال في شرح التسهيل: وتسمية هذا تنوينا مجاز3، والجيد أن يقال: إن صاحب هذه "اللغة"4 زاد بعد همزة "أولي" نونا وأولي بإشباع الضمة قبل اللام هو ما حكاه الشلوبين5 عن بعض العرب "وإلا" بالقصر والتشديد, حكاها بعض أهل اللغة.
تنبيه:
في همزة "أولاء"6 ثلاثة مذاهب: أحدها أنها عن ياء وهو مذهب المبرد، والثاني: أن أصلها ألف وهو مذهب الزجاج، والثالث: أنها أصلية غير مبدلة من شيء بل مما فاؤه همزة نحو: "أجاء "وأدآء"7 وهو مذهب الفارسي8.
ثم قال:
.................................. ... ........... ولدى البعد انطقا
بالكاف حرفا دون لام أو معه ... ...................................
__________
1 قال الشارح ص21: "وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل وقد يجيء لغيره كقوله:
ذم المنازل بعد منزلة الهوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
وفي أولاء لغتان: المد والقصر، فالمد لأهل الحجاز وبه نزل القرآن العظيم، والقصر لبني تميم". ا. هـ.
2 قال الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ} .
3 لأنه غير مناسب لواحد من أقسام التنوين.
4 ب، ج.
5 هو: الأستاذ أبو عليّ عمر بن محمد الإشبيلي الأزدي المعروف بالشلوبين وهو بلغة الأندلس: الأبيض الأشقر، كان إمام عصره في العربية بلا مدافع، وآخر أئمة هذا النوع بالمشرق والمغرب, أخذ عن ابن ملكون وغيره وانتفع به أكثر أهل الأندلس واشتهر ذكره، وصنف تعليقات على كتاب سيبويه، وله كتاب في النحو سماه "التوطئة", وتوفي سنة 645هـ خمس وأربعين وستمائة.
6 ب وفي أ "أولى" وج "أولا".
7 أ، ب وفي ج "أآ اء".
8 وإليه أميل لعدم التكلف.

(1/408)


فأشار بذلك إلى أن لأسماء الإشارة مرتبتين قريبة وبعيدة، فما تجرد عن كاف الخطاب فهو القريب، وقد مثلنا به، وما لحقته الكاف وحدها أو مع اللام فهو للبعيد.
فتقول للمذكر "ذاك وذلك", وقالوا "آلك" في معنى ذلك.
وفي المؤنثة "تيك وتلك وتالك"، وفي المثنى "ذايك وتايك" "ولا تلحقه"1 اللام، وفي الجمع "أولئك وأولاكَ "وأولالِكَ"2", ولا تلحق اللام "أولئك" على لغة المدة.
تنبيهات:
الأول: لا تلحق الكاف من أسماء الإشارة إلى المؤنث إلا "تي "تا"3 ذي"، قالوا: تيك وتلك وتيلك -بكسر التاء- في الثلاثة، وتيك وتلك، بفتح التاء فيهما, "وتالك وذيك" "بإسكان الياء"4.
وقال ثعلب5 لا يقال "ذيك" وقد حكاه غيره, فهذه سبعة ألفاظ للمؤنثة "في البعد"6.
الثاني: للنحويين في أسماء الإشارة مذهبان: أحدهما أن لها مرتبتين قريبة وبعيدة، والآخر أن لها ثلاث مراتب: قريبة وبعيدة ومتوسطة، وهذا هو المشهور.
وزعموا أن المقرون بالكاف وحدها للمتوسط، والمقرون بالكاف مع اللام للبعيد، وجعلوا التشديد للنون في المثنى قائما مقام اللام في الدلالة على البعد.
__________
1 أ، ج وفي ب "ولا تلحقهما".
2 ب، ج.
3 ج وفي أ، ب "ذا".
4 ب.
5 هو: أبو العباس أحمد بن يحيى بن سبار الشيباني, كان إمام الكوفيين والبصريين في النحو واللغة في زمانه، ثقة، دينا مشهورا بصدق اللهجة والمعرفة بالغريب والحفظ, وكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء يسأله عنه, وقد درس كتب الفراء والكسائي, وكانت بينه وبين المبرد منافرات، وله كتاب يسمى "مجالس ثعلب" في المكتبة العامة بالقاهرة, وعنه أخذ الأخفش الأصغر ونفطويه وابن الأنباري, وتوفي سنة 291هـ في خلافة المكتفي بالله ودفن ببغداد.
6 أ، ج.

(1/409)


واختلفوا في "أولئك "بالمد"1 فقيل: هو للمتوسط، لعدم اللام، وقيل: هو للبعيد.
قال المصنف: والمذهب الأول هو الصحيح، وهو الظاهر من كلام المتقدمين. يعني: القول بأن لها مرتبتين فقط.
قلت: ونسبه الصفار2 إلى سيبويه، وقد استدل له في شرح التسهيل بأوجه:
أولها: وهو أقواها: أن الفراء روى أن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام وأن التميميين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، وأن بني تميم يقولون: "ذاك وتيك" حيث يقول الحجازيون "ذلك وتلك".
فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان.
وثانيها: أن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد عن اللام والكاف معا، أو مصاحب لهما معا, أعني غير المثنى والمجموع.
فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها، لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة.
وهذا مردود بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 3.
وثالثها: أن التعبير "بذلك" عن مضمون كلام على أثر انقضائه شائع في القرآن وغيره، ولا واسطة بين النطقين.
__________
1 أ، ج.
2 هو قاسم بن عليّ بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليوسي الشهير بالصفار, قال في البلغة: صحب الشلوبين وابن عصفور, وشرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال: إنه أحسن شروحه، ويرد فيه كثيرا على الشلوبين بأقبح رد. مات بعد الثلاثين وستمائة.
3 سورة الأنعام 38.

(1/410)


ورابعها: "أنها"1 لو كانت مراتب الإشارة ثلاثا لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين لأن في ذلك رجوعا عن سبيل الإفراد، ولا التفات إلى قول من قال: إن تشديد النون دليل على البعد؛ لأن التشديد عوض "عما"2 حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع المجرد من الكاف. انتهى, وفيه اختصار, ولا خفاء فيما في الوجه الثاني من الضعف.
وقوله: "حرفا" يعني: أن الكاف في ذلك حرف خطاب تبين أحوال المخاطب يقال: "ذلك وذلك وذلكما وذلكم وذلكن" كما تفعل بالكاف الاسمية, هذه أفصح اللغات.
والثانية: أن تكون مفتوحة في التذكير ومكسورة في التأنيث، ولا يلحقها دليل تثنية ولا جمع.
والثالثة: أن تكون مفتوحة مجردة من الزوائد في الأحوال كلها، ولا خلاف في حرفية الكاف هنا.
وقوله:
......... دون لام أو معه
تقدم أن اللام لغة الحجازيين، وتركها لغة بني تميم, وذكر بعضهم في هذه اللام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها دليل البعد.
والثاني: أنها عماد.
والثالث: أنها عوض من هاء التنبيه؛ لأنها لا تجامعها.
تنبيه:
قوله: "أو معه" لا يصح في جميع أسماء الإشارة، وإنما ذلك في المفرد "وأولى"3 المقصور، وقد تقدم أن المثنى "وأولاء"4 الممدود لا تلحقه اللام وقوله:
واللام إن قدمت ها ممتنعه
__________
1 أ، وفي ج "أنه".
2 ج وفي أ، ب "مما".
3 ب وفي أ، ج "ألى".
4 ج، أ، ب "ألاء".

(1/411)


يعني: أنك إن قدمت قبل اسم الإشارة لفظ "ها" التي للتنبيه امتنع الإتيان باللام فلا يقال "هَذَا لِكَ".
قال في شرح التسهيل: كراهية لكثرة الزوائد، وقد فهم من كلامه أن "ها" تدخل على المجرد فيقال: "هذا" وعلى المصاحب للكاف "وحدها فيقال: هذاك"1, "إلا أن دخولها على المجرد كثير وعلى المصاحب للكاف"2 قليل ومنه قوله:
رأيت بنى غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد3
تنبيه:
مقتضى ما ذكر جواز "هاذانك "وهاتانك"4 وهؤلائك".
وقال في شرح التسهيل: إن المقرون بالكاف في التثنية والجمع لا يصحبه "ها" فلا يقال "هذانك" ولا "هؤلائك؛ لأن واحدهما "ذاك" أو "ذلك", فحمل
__________
1 أ.
2 أ، ج.
3 البيت لطرفة بن العبد البكري من معلقته المشهورة, وهو من الطويل.
الشرح: "بني غبراء"؛ الغبراء هي الأرض، سميت بذلك لغبرتها، وأراد ببني الغبراء الفقراء الذين لصقوا بالأرض لشدة فقرهم، أو الأضياف أو اللصوص.
"الطراف" بكسر الطاء, البيت من الجلد وأهل الطراف السعداء والأغنياء "الممدد" الذي قد مد الأطناب، يريد أنه معروف للناس عامة.
المعنى: يريد أن جميع الناس من غير تفرقة بين فقيرهم وغنيهم يعرفونه ولا ينكرون محله من الكرم والمواساة للفقراء وحسن المعاشرة وطيب الصحبة للأغنياء، وكأنه يتألم من صنيع قومه معه.
الإعراب: "رأيت" فعل وفاعل, "بني غبراء" مفعول أول ومضاف إليه, "لا ينكرونني" جملة من فعل وفاعل ومفعول في محل نصب مفعول ثان لرأى, "ولا" الواو عاطفة. لا: زائدة لتأكيد النفي, "أهل" معطوف على ضمير الجمع في: "ينكرونني" الواقع فاعلا وهو الواو ولم يحتج للتأكيد بالضمير المنفصل للفصل, "هذاك" اسم إشارة في محل جر بإضافة أهل إليه, والكاف حرف خطاب, "الطراف" بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان, "الممدد" صفة للطراف.
الشاهد: في "هذاك"، حيث جاء بها للتنبيه مع الكاف ولم يجئ باللام وهذا قليل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية، ابن الناظم ص32، وابن عقيل 1/ 74، والأشموني 1/ 65، والمكودي ص21، والسيوطي ص19، وأيضا في الهمع 1/ 76.
4 أ، ج.

(1/412)


على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعاه، وحمل عليهما مثنى "ذاك" وجمعه لتساويهما لفظا ومعنى. ا. هـ.
والسماع في "الجمع"1 يرد عليه. فقال:
...................................... ... من هؤليائكن الضال والسمر2
وقد أنشد هذا البيت في الشرح:
وبهنا أو ههنا أشر إلى ... داني المكان...........
يعني أن "هنا"3 من أسماء الإشارة المخصوصة بالمكان، وقد تلحقه "ها" التنبيه فيقال: "ههنا" وكلاهما للقريب أعني: المجرد والمقرون "بها" التنبيه وهو معنى قوله: "دان"4 المكان. والداني هو القريب.
__________
1 ب، وفي أ، ج "الجميع".
2 قاله العرجي واسمه عبد الله بن عمر بن عمرو، ولقب بالعرجي لأنه كان يسكن عرج الطائف، وهو من شعراء قريش وممن شهر بالغزل، وهو من قصيدة رائية من البسيط.
وصدره:
ياما أميلح غزلانا شدن لنا
وقد ذكر البيت في نسخة ب، وفي أ، ج الشطر الثاني.
الشرح: "أميلح" تصغير أملح: من ملح الشيء ملاحة، "الغزلان" جمع غزال, "شدن" جمع مؤنث من فعل الماضي. يقال: شدن الظبي شدونا إذا صلح جسمه، ويقال شدن الظبي إذا قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه فهو ولد الظبية، "الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام وهو شجر السدر البري والواحد الضالة بتخفيف اللام، "السمر" وهو ضرب من شجر الطلح الواحدة سمرة.
الإعراب: "يا" حرف نداء والمنادى محذوف أي: يا صاحبي, "ما أميلح غزلانا" فعل تعجب وأصله ما أملح غزلانا، وأميلح على مذهب الكوفيين لأنهم يقولون باسميتها، ما تعجيبة مبتدأ -وخلاف في معناها- أميلح غزلانا خبره "شدن" ماضي شدن الغزال بالفتح يشدن بالضم, والضمير فيه يرجع إلى الغزلان وهي في محل النصب على أنها صفة للغزلان "لنا" جار ومجرور متعلق بشدن "من هؤليائكن" جار ومجرور متعلق بشدن أيضا "الضال" صفة اسم الإشارة أو عطف بيان "والسمر" عطف عليه.
الشاهد: في "هؤليائكن" حيث جاءت أوليائكن مقرونة بالهاء وأوليائكن تصغير أولئكن, وإنما أتى "بكن" لأنه خاطب مؤنثات بقوله "قبله":
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية، وابن هشام في المغني 2/ 192، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 61 والسيوطي في همع الهوامع 1/ 76, والشاهد رقم 6 في خزانة الأدب.
3 أ، ب وفي ج "ها هنا".
4 ب، ج وفي أ "كان".

(1/413)


فإذا أريد بها البعيد جيء بالكاف فيقال هناك "وها هناك"1.
ولهذا قال:
وبه الكاف صلا في البعد
يعني: مجردا أو مع "ها" التنبيه، ويقال أيضا في البعد: "هنالك" باللام مع الكاف، كما يقال: "ذلك", ولا تدخل "هنا" على "هنالك" ولا يقال: "ههنالك"، كما لا يقال "هذا لك".
وقد نبه على "هنالك" بقوله:
........ أو بهنا لك انطقن
تنبيه:
ظاهر كلامه هنا اختصاص "هنا": بالمكان، وقد صرح به في الكافية فقال: وبالمكان اخصص هنا2. ا. هـ.
وقال في شرح التسهيل: وقد يراد "بهناك وهنالك" الزمان، وقد مثل "هناك" في شرحه بقول الشاعر:
وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت ... فهناك تعترفون أين المفزع3
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج وفي أ "وبالمكان اخصص هنا بالمكان".
3 قائله هو الأفوه الأودي, والأفوه لقب، واسمه صلاة بن عمرو بن مالك، وكان غليظ الشفتين ظاهر الأسنان، فلذلك قيل: الأفوه, وهو من الكامل.
الشرح: "تشابهت" اشتبه بعضها ببعض, "تعاظمت" بمعنى عظمت, "المفزع" بالزاي المعجمة والعين المهملة أي الملجأ، وأصل الفزع الخوف، وقال ابن فارس: الفزع الذعر، وهذا مفزع القوم إذا فزعوا إليه فيما يدهمهم، والفزع الإغاثة.
الإعراب: "إذا" للشرط, "الأمور" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده وهو تشابهت, "وتعاظمت" عطف على تشابهت, "فهناك" جواب إذا وهناك إشارة إلى الزمان. "تعترفون" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ محذوف أي: أنتم تعترفون أو هم يعترفون بحسب الفاعل في يعترفون, "أين" خبر مقدم "المفزع" مبتدأ مؤخر.
الشاهد: في "فهناك" فإنه ههنا إشارة إلى الزمان، وأصل وضعه الإشارة إلى المكان.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 78.

(1/414)


ومثل "هنالك" بقوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} 1 ولا حجة فيهما، "لاحتمال"2 أن يكون الإشارة إلى المكان.
وقوله: أو بثم فه ... إلى آخره.
يعني: أنه يشار أيضا للمكان "البعيد"3 "بثم4 وهنا وهنا" بفتح الهاء وكسرها وقد يقال: "هنت" موضع "هنا" وقد يقال:"هناك وهناك" بكاف الخطاب.
وقد يراد "بهنا"5 الزمان كما ذكر في التسهيل6 ومنه قول الشاعر:
حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت7
__________
1 سورة الأحزاب: 11.
2 ب وفي أ، ج "لاحتمالهما".
3 أ، ج.
4 ثم: ظرف لا يتصرف، ولا يتقدمه حرف التنبيه، ولا تتأخر عنه كاف الخطاب.
5 ج وفي أ، ب "بها".
6 قال في التسهيل ص41 "وهنا الزمان".
7 قائله شبيب بن جعيل -بضم الجيم وفتح العين- وهو ابن النوار بنت عمرو بن كلثوم. وكان بنو قينة الباهليون أسروا شبيبا هذا في الحرب وقعت بينهم وبين تغلب فأرنت أمه النوار فقال هذا، وقال ابن بري هو لحجل -بفتح الحاء وسكون الجيم- ابن فضلة -بفتح فسكون- وكان سبى النوار بنت عمرو بن كلثوم، وهو من الكامل.
الشرح: "حنت" من الحنين وهو الشوق وتوقان النفس, "نوار" -بفتح النون والواو المخففة- من أسماء النساء وهو اسم أم الشاعر, وهو مبني على الكسر في لغة جمهور العرب، وبنو تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف، "لات" يعني ليس "هنا" بمعنى حين "وبدا" ظهر "أجنت" -من أجن بالجيم- أخفت وكتمت وسترت.
المعنى: حنت هذه المرأة في وقت ليس وقت الحنين وظهر الذي كانت أجنته من المحبة والعشق.
الإعراب: حنت: فعل ماض والتاء للتأنيث, "نوار" فاعل مبني على الكسر في محل رفع أو مرفوع بضمة ظاهرة, "ولات" الواو للحال لات: حرف نفي, "هنا" ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب خبر لات، واسمها محذوف والتقدير: ولات الحين حين "حنت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل جر بإضافة هنا إليها "وبدا" الواو عاطفة بدا: فعل ماض, "الذي" اسم موصول فاعل بدا, "كانت" فعل ماض ناقص, والتاء للتأنيث, "نوار" اسم كان, "أجنت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر, والجملة في محل نصب خبر كان واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد: في "هنا" أشير بها إلى الزمان وأصلها أن تكون للمكان.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص32، والأشموني 1/ 66، وداود وابن هشام في المغني 2/ 150، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 78، والشاهد رقم 283 في خزانة الأدب.

(1/415)