توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك المعرف بأداة
التعريف:
قال:
أل حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمط عرفت قل فيه النمط
مذهب الخليل أن حرف التعريف "أل" والهمزة أصلية وهي همزة قطع وصلت
لكثرة الاستعمال وكان يعبر عنها "بأل" ولا يقول: الألف واللام وهو
اختيار الناظم.
ومذهب سيبويه: أن حرف التعريف "أل" أيضًا ولكن الهمزة عنده زائدة معتد
بها في الوضع فحرف التعريف عنده ثنائي.
هذا ما نقله عنه في التسهيل1 وشرحه وهو ظاهر كلام سيبويه، ونقل في شرح
الكافية عن سيبويه أنه اللام وحدها وتبعه الشارح2 وهو اختيار
المتأخرين.
وقوله: "أن حرف تعريف"، يحتمل مذهب الخليل ومذهب سيبويه وقوله: "أو
اللام فقط" هو المذهب الثالث وباقي البيت واضح.
تنبيهات:
الأول: قال في شرح التسهيل: الصحيح عندي قول الخليل لسلامته من وجوه
كثيرة "مخالفته"3 للأصل موجه لعدم "النظائر"4.
أحدها: تصدير زيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف.
الثاني: وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن ولا نظير له في
ذلك.
الثالث: افتتاح بهمزة وصل ولا نظير لذلك 5، 6.
__________
1 قال في التسهيل ص42: "وليست الهمزة زائدة خلافا لسيبويه".
2 قال في الشارح ص40: "مذهب سيبويه أن اللام وحدها هي المعرفة".
3 ب، ج وفي أ "مخالفة".
4 أ، ج وفي ب "النظير".
5 ب، ج.
6 بأن العرب تقف عليها تقول إلى ثم نتذكر فتقول الرجل 10 الهمع 1/ 79.
(1/460)
الرابع: لزم فتح همزة الوصل بلا سبب ولا
نظير لذلك.
قال: واحترزت باللزوم ونفي السبب من همزة "أيمن" في القسم فإنها تفتح
وتكسر وكسرها هو الأصل، وفتحت لئلا ينقل من كسر إلى ضم دون حاجز حصين.
الخامس: أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى
الساكن ولم يفعل ذلك بلام التعريف إلا على شذوذ, بل يبدأ بالهمزة في
المشهور من قراءة ورش1.
السادس: أنها لو كانت همزة وصل لم تقطع في "قولهم"2 بالله ولا في قول
بعضهم: "أفا"3 الله لأفعلن.
قلت: ووجه سابع، وهو أنها لو كانت همزة وصل "للزم"4 بقاء همزة الوصل في
غير الابتداء مسهلة "ومبدلة"5 في نحو: "الذكرين"6, وقد أشار إليه في
شرح التسهيل، واستدل بعضهم للخليل بالوقف عليها وإعادتها في قول
الراجز:
عجل لنا هذا وألحقنا بذا أل ... الشحم إنا قد مللناه بجل7
__________
1 هو: عثمان بن سعيد بن عمرو بن سليمان الملقب بورش شيخ القراء
والمحققين، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه, ولد
سنة عشر ومائة بمصر, ورحل إلى نافع ابن أبي نعيم فعرض عليه القرآن عدة
ختمات في سنة خمس وخمسين ومائة, وقيل: إن نافعا لقبه بالورشان؛ لأنه
كان على قصره يلبس ثيابا قصارا، وكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف
ألوانه فكان نافع يقول هات يا ورشان واقرأ يا ورشان، ثم خفف فقيل ورش.
والورشان: طائر معروف. توفي ورش بمصر سنة سبع وتسعين ومائة عن سبع
وثمانين سنة.
2 ب.
3 أ، وفي "أي".
4 ب، وفي أ، ج "لزم".
5 أ، وفي ب، ج "أو مبدلة".
6 سورة الأنعام: 143، 144.
7 قال العيني: البيت لغيلان بن حريث الربعي الراجز، من الرجز المسدس.
الشرح: "مللناه" -بكسر اللام الأولى- من الملالة، "بجل" بمعنى حسب
وضبطه بعض شراح أبيات الكتاب "بخل" أراد به الخل المعهود، والباء فيه
مكسورة لأنه حرف جر. =
(1/461)
وبالوقف عليها في نصف البيت:
يا خليلي اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس عن حي حلال
مثل سحق البرد عفي بعدك الـ ... ـقطر مغناه وتأويب الشمال1
__________
= الإعراب: "عجل" فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره أنت, "لنا" جار
ومجرور متعلق بالفعل, "هذا" مفعول به, "وألحقنا" بالواو عاطفة وألحق
فعل أمر وفاعله ضمير مستتر ونا مفعول به, "بذا" جار ومجرور متعلق
بألحق, "بالشحم" جار ومجرور بدل من الجار والمجرور السابق, "أنا" إن
حرف توكيد ونصب ونا اسمه, "قد" حرف تحقيق, "مللناه" فعل وفاعل ومفعول،
والجملة في محل رفع خبر إن, "بجل" اسم فعل مضارع بمعنى يكفي، وفاعله
ضمير مستتر فيه وجوبا.
الشاهد: في "بذا أل" أن حرف التعريف هو "أل" وذلك أن الشاعر وقف عليها
ثم أعادها فهذا يدل على قوة اعتقادهم لقطعها وهذا مذهب الخليل.
وروي: دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذا أل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 1/ 83, والشاطبي, والسيوطي في
همع الهوامع 1/ 79, وسيبويه في ج2 ص273, والخصائص 1/ 291.
1 هذان البيتان: أول قصيدة عدتها سبعة عشر بيتا كل أبياتها ينتهي شطرها
الأول بأل كهذين البيتين إلا بيتا واحدا, وهي لعبيد بن الأبرص الأسدي،
وهي من الرمل.
الشرح: "أربعا" أمر للاثنين من ربع يربع إذا وقف وانتظر وهو يفتح العين
فيهما "الدارس" من درس المنزل إذا عفا، "حلال" بكسر الحاء المهملة وفتح
اللام مخففة جمع حال بمعنى نازل ومقيم, "سحق البرد" سحق -بفتح فسكون-
الثوب البالي، وفعله من باب كرم, البرد -بضم فسكون- الثوب المخطط
وإضافة سحق إلى البرد من إضافة الصفة للموصوف، "عفى" -بتضعيف الفاء-
محا وأزال, "القطر" المطر, "مغناه" -بالغين المعجمة- منزله الذي أقام
به أهله ثم ارتحلوا عنه, "تأويب الشمال" -بفتح الشين المعجمة وتخفيف
الميم- وهو الريح التي تهب من ناحية الشمال.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "خليلي" منادى منصوب بالياء لأنه مثنى وياء
المتكلم مضاف إليه, "أربعا" فعل أمر وألف الاثنين فاعله و"واستخبرا"
فعل أمر وألف الاثنين فاعله, "المنزل" مفعول لاستخبرا, "الدارس" نعت
للمنزل, "عن حي" جار ومجرور متعلق باستخبرا, "حلال" صفة لحي, "مثل" حال
من المنزل, "سحق البرد" مضاف إليه, "عفى" فعل ماض, "بعدك" بعد ظرف
متعلق بعفى وكاف الخطاب مضاف إليه, "القطر" فاعل عفى, "مغناه" مفعول به
لعفى وضمير المنزل مضاف إليه, "وتأويب" معطوف على القطر, "الشمال" مضاف
إليه.
الشاهد: في "المنزل ... القطر" حيث فصل الشاعر حرف التعريف وهو "أل" عن
المعرف وجعل حرف التعريف آخر الشطر الأول من البيتين ووقف عليه ثم جاء
بالمعرف أول الشطر الثاني، وهذا عند الخليل يدل على أن حرف التعريف هو
أل" وليست اللام وحدها.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 1/ 83.
(1/462)
وهي أبيات كثيرة اطرد فيها ذلك1.
وأجاب المنتصر لسيبويه عن أكثر هذه الأوجه، وقد ذكرت ذلك في غير هذا
الكتاب، فإن هذا مبني على الاختصار.
الثاني: اعلم أن أداة التعريف قسمان: عهدية وجنسية لأن مصحوبها إن عهد
"بتقديم"2 ذكره نحو: "جاءني رجل فأكرمت الرجل" أو بحضور مدلوله حسا
كقولك "القرطاس" لمن سدد سهما, أو علما كقوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ} 3 فهي عهدية وإلا فهي جنسية.
والجنسية إن خلفها كل دون تجوز فهي لشمول الأفراد نحو: {إِنَّ
الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 4، وإن خلفها بتجوز فهي لشمول الخصائص
مبالغة نحو: "أنت الرجل علما", وإن لم يخلفها فهي لبيان الحقيقة نحو:
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} 5 وهو الذي "يسميه"6
المتكلمون تعريف الماهية.
وكلامه في شرح الكافية يقتضي أنها هي العهدية7, وقد جعلها بعضهم قسما
برأسه.
فإن قلت: ما الفرق بين المعرف بهذه التي للحقيقة نحو "اشتر اللحم" وبين
اسم الجنس النكرة نحو "اشتر لحما"؟
قلت: الفرق بينهما كالفرق بين علم الجنس واسم الجنس وقد تقدم.
__________
1 منها بعد هذين البيتين:
ولقد يغني به جيرانك الـ ... ممسكو منك بأسباب الوصال
ثم أودى ودهم إذا أزمعوا الـ ... بين والأيام حال بعد حال
فانصرف عنهم بعنس كالوأي الـ ... جأب ذي العانة أو شاة الرمال
نحن قدنا من أهاضيب الملا الـ ... خيل في الأرسان أمثال السعالى
2 أ، وفي ب، ج "بتقدم".
3 سورة التوبة: 40.
4 سورة العصر: 2.
5 سورة الأنبياء: 30.
6 ب، ج وفي أ "يسموه".
7 راجع شرح الكافية ورقة 12.
(1/463)
ولما كانت أداة التعريف قد ترد زائدة غير
معرفة نبه على ذلك بقوله: "وقد تزاد" ثم إن زيادتها على ضربين: لازمة
وغير لازمة.
فاللازمة هي ألفاظ محفوظة منها "كاللات" علم صنم "والآن" اسم الزمان
الحاضر وهو مضمن معنى حرف التعريف، ولذلك بني.
ومنها بعض الموصلات "كالذين ثم اللاتي".
وإنما حكم على "أل" في هذه الكلمات بالزيادة لأنها تعرفت بغيرها.
أما "اللات" فبالعلمية، وأما "الآن" فبتضمنه معنى حرف التعريف.
وأما الموصلات، فلأن تعريفها بالصلات، وإنما حكم عليها بأنها لازمة
لأنه لم يعهد حذفها.
فإن قلت: قد رد في شرح التسهيل قول من جعل سبب بناء "الآن" تضمن معنى
حرف التعريف "والقول بزيادة "أل" فيه مبني على ذلك".
قلت1: والقول بزيادتها فيه يستلزم أن يكون تعريفه بغيرها ولا يلزمن أن
يكون بتضمن معنى حرف التعريف "بل يجوز أن يكون بوجه آخر من وجه
التعريف"2.
وقد قال في التسهيل: إن "الآن" بني لتضمن معنى الإشارة3. وهو قول
الزجاج فهو على هذا معرف بما تعرفت به أسماء الإشارة، وإذا كان تعريفه
بذلك "فأل" فيه زائدة، وذهب قوم إلى أن "أل" في الآن لحضور لا زائدة.
وذهب قوم إلى أن "أل" في الموصلات "كلها"4 للتعريف, والصحيح الأول5.
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 التسهيل ص95.
4 أ.
5 وارتضيته لقوته.
(1/464)
فإن قلت: قد حكى في التسهيل1 حذف "أل" من
"الذين واللاتي" وذكر في شرحه أن ذلك لغة.
قال أبو عمرو: سمعت أعرابيا يقرأ: "صراط لذين"2 بتخفيف اللام فكيف
جعلها لازمة؟
قلت: كأنه أراد أنها لازمة عند أكثر العرب، وهو صحيح، فجزم هنا بأفصح
اللغتين.
ثم انتقل إلى غير اللازمة فقال: "ولاضطرار كبنات الأوبر".
الزائدة غير اللازمة قسمان: قسم يزاد لمعنى، وقسم يزاد لضرورة.
فالأول: "هو الذي"3 للمح الصفة.
والثاني: ضربان: ضرب يزاد مع معرفة، وضرب يزاد مع نكرة لا يقبل
التعريف.
وقد أشار إلى الضربين، فالأول كقول الشاعر:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر4
__________
1 قال في التسهيل ص33 "وقد يقال لذين ولاتي".
2 سورة الفاتحة: 7.
3 أ، وفي ب "هي التي" وفي ج "هو التي".
4 قال العيني في هذا البيت: أنشده أبو زيد ولم يعزه إلى قائله. وهو من
الكامل.
الشرح: "جنيتك" أي جنيت لك، ومثله في حذف اللام وإيصال الفعل إلى ما
كان مجرورا قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} ,
{وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} ، و {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ،
و"أكمؤا" -بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم الميم وفي آخره همزة- جمع كمء
بزنة فلس وأفلس ويجمع الكمء على كمأة أيضا فيكون المفرد خاليا من التاء
وهي في جمعه على عكس تمرة وتمر، وهذا من نوادر اللغة.
و"عساقلا": جمع عسقول -بزنة عصفور- وهو نوع من الكمأة بيض، وقيل هي
الكمأة التي بين البياض والحمرة, وكان أصله عساقيل فحذفت الياء كما
حذفت في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ، "بنات الأوبر"
هي: كمأة صغار مزغبة كلون التراب.
المعنى: جنيت لك النوع الجيد ونهيتك عن الرديء.
الإعراب: "ولقد" الواو للقسم واللام للتأكيد وقد حرف تأكيد, "جنيتك"
فعل وفاعل ومفعول أول, "أكمؤا" مفعول ثان, "وعساقلا" معطوف عليه,
"ولقد" الواو عاطفة واللام =
(1/465)
يعني: بنات أوبر، وهو علم على ضرب من
الكمأة رديء1.
والثاني كقول الشاعر:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو2
أراد: "نفسا" لأنه تمييز، والتمييز واجب التنكير "خلافا للكوفيين"3.
__________
= للقسم وقد حرف تحقيق, "نهيتك" فعل وفاعل ومفعول, "عن" حرف جر, "بنات"
مجرور به, "الأوبر" مضاف إليه.
الشاهد: في "بنات الأوبر" حيث زاد "أل" في العلم مضطرا؛ لأن "بنات
أوبر" علم على نوع من الكمأة رديء، والعلم لا تدخله "أل" فرارا من
اجتماع معرفين: الإضافة وأل, فزادها هنا ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص41, وابن عقيل 1/ 102,
والمكودي ص26, والشاطبي, وداود، والسندوبي, والأشموني 1: 85,
والأصطهناوي, والسيوطي ص24، وابن هشام 1/ 127، وأيضا ذكره في مغني
اللبيب 1/ 50, والخصائص 3/ 58.
1 راجع الأشموني 1/ 85.
2 قال العيني: ذكر التوزي نقلا عن بعضهم أن هذا البيت مصنوع، وقيل: هو
لرشيد بن شهاب اليشكري, وهو من الطويل.
الشرح: "رأيتك" خطاب لقيس بن مسعود بن خالد اليشكري، وهو المراد من
قوله يا قيس عن عمرو, "وجوهنا" أراد بالوجوه الأنفس والذوات، ويروى
"لما عرفت جلادنا" أي: ثباتنا في الحرب وشدة وقع سيوفنا, "صددت" أي:
أعرضت ونأيت، "طبت النفس" يريد أنك رضيت, "عمرو" كان صديقا حميما لقيس
وكان قوم الشاعر قد قتلوه.
المعنى: يندد بقيس؛ لأنه كان يتهددهم, ثم حين رأى وقع أسيافهم ترك
صديقه عمرا وفر عنه ورضي من الغنيمة بالإياب.
الإعراب: رأيتك: فعل وفاعل ومفعول رأى بصرية, "لما" ظرفية بمعنى حين
تتعلق برأى, "أن" زائدة, "عرفت" فعل وفاعل, "وجوهنا" مفعول والضمير
مضاف إليه, "صددت" فعل وفاعل وهو جواب "لما", "وطبت" فعل وفاعل,
"النفس" تمييز, "يا قيس" منادى بحرف نداء, "عن عمرو" جار ومجرور متعلق
بطبت.
الشاهد: "طبت النفس" حيث ذكر التمييز معرفا باللام، وكان حقه أن يكون
نكرة وإنما زاد الألف واللام فيه للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 1/ 129، وابن الناظم ص41، وابن
عقيل 1/ 103, والشاطبي، وداود، والأشموني 1/ 85، والأصطهناوي, والمكودي
ص26، والسيوطي ص25.
3 أ، ب. قال ابن عقيل 1/ 103: "هذا مذهب البصريين وذهب الكوفيون إلى
جواز كونه معرفة، فالألف واللام عندهم غير زائدة".
(1/466)
فإن قلت: تمثيله ببنات الأوبر ليس بجيد؛
لأن مذهب "المبرد"1 أنه نكرة وأل فيه للتعريف.
قلت: نص سيبويه على أنه علم جنس، وأفادنا تمثيله به أنه موافق لسيبويه،
ثم انتقل إلى القسم الأول وهو الذي يزاد لمعنى. فقال:
وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا
إنما قال "بعض الأعلام" لأن منها ما لا يدخل عليه للمح كالمنقول من قبل
نحو "يزيد" إلا في الضرورة2، وظاهر قوله: "للمح ما قد كان عنه نقلا"
أنها تدخل للمح الأصل لا للمح الوصف، وهو ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه،
ويؤيده أنه مثل بالمنقول من صفة "كحارث", ومن مصدر "كفضل", ومن اسم عين
"كنعمان" وهو من أسماء الدم.
كالفضل والحارث والنعمان3
وقول الشارح، وقد يكون "في"4 المنقول من مصدر أو اسم عين؛ لأن المصادر
وأسماء الأعيان قد تجري مجرى الصفات في الوصف بها على التأويل5 فيقتضي
أن اللمح للوصف.
وهذا هو المشهور في عباراتهم.
تنبيه:
اعلم أن في تمثيله "بالنعمان" نظر.
لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة نقله، وعلى هذا فالأداة
فيه لازمة، وإذ كانت للمح لم تكن لازمة6.
__________
1 أ، ج وفي ب "للخليل".
2 كقول الشاعر:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله
فضرورة سهلها تقدم ذكر الوليد. ا. هـ. أشموني ج1 ص85.
3 أ، ج.
4 أ، ج وفي ب "من".
5 الشارح ص1.
6 راجع الأشموني 1/ 86.
(1/467)
وقوله: فذكر ذا وحذفه سيان.
يعني: أن "أل" في ذلك ليست للتعريف فحذفها لا يخل به فذكر "أل" وحذفه
في ذلك سيان.
فإن قلت: كيف "قال"1 سيان والوجهان مرتبان على مقصدين, إن قصد "لمح
الصفة"2 جيء بأل، وإن لم يقصد استديم تجريده.
قلت: أما كونهما "مرتبين"3 على مقصدين فصحيح، وهو مفهوم "مرضي"4 من
قوله: "دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا".
وقوله: "سيان" يعني من جهة التعريف كما قررته.
ثم قال:
وقد يصير علما بالغلبه ... مضاف أو مصحوب أل كالعقبه
يعني: أن من المعرف بالإضافة أو الأداة ما يغلب على بعض ما له معناه
فيصير علما بالغلبة خلافا لمن ذهب إلى أنه ليس بعلم, بل أجرى مجراه.
ومثال المضاف "ابن عمر، "وابن الزبير، وابن عمرو"5 وابن عباس" في
العبادلة رضي الله عنهم6.
ومثال مصحوب أل "العقبة والبيت والمدينة والكتاب" في عقبة أيلة والبيت
الحرام وطيبة ومصنف سيبويه.
ثم قال:
وحذف أل ذي إن تناد أو تضف ... أوجب..............................
"ذي" إشارة إلى التي صحبت ما صار علما بالغلبة.
__________
1 ب، ج.
2 ب، وفي أ، ج "اللمح".
3 أ، ب وفي ج "مترتبين".
4 ج.
5 ج.
6 العبادلة: جمع عبدل بزنة جعفر، وعبدل يحتمل أمرين: أولهما: أن يكون
أصله عبد فزيدت لام في آخره كما زيدت اللام على زيد حتى صار زيدلا.
الثاني: أن يكونوا قد نحتوه من عبد الله، فاللام هي لام لفظ الجلالة،
والنحت باب واسع.
(1/468)
ومثال حذفها في النداء قولهم: في الصعق، يا
صعق.
ومثال حذفها في الإضافة قولهم في الأعشى "أعشى قيس"1.
ولا يحذف في غير النداء والإضافة إلا قليلا كقولهم "هذا يوم اثنين
مباركا فيه".
ومجيء الحال منه في الفصيح يوضح فساد قول المبرد في جعله "أل" في
الاثنين وسائر الأيام التعريف، فإذا زالت صارت نكرات.
وأشار إلى حذفها في ذلك بقوله:
..... وفي غيرهما قد تنحذف
__________
1 أصله الأعشى فحذفت منه أل وأضيف إلى قيس، والأعشى في الأصل اسم لكل
من لا يبصر ليلا.
(1/469)
|