توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك إن وأخواتها:
لإن أن ليت لكل لعل ... كأن عكس ما لكان من عمل
يعني: أن "كان" ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهذه الأحرف تنصب الاسم وترفع
الخبر خلافا للكوفيين في قولهم إن الخبر باق على رفعه، وبعض العرب ينصب
بهذه الأحرف الجزأين معا، وحكى ابن السيد1 أن ذلك لغة2.
وأما معاني هذه الأحرف "فإن وأن" للتوكيد, "ولكن" للاستدراك، وليست
مركبة على الأصح, "وليت" للتمني, ويكون في الممكن والمستحيل ولا يكون
في الواجب، "لعل" للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه، ولا يكون إلا
في الممكن, ولا تكون للتعليل3 ولا للاستفهام4، ولا للشك عند البصريين
خلافا لمن قال بذلك5، وليست مركبة على الأصح6.
و"كأن" للتشبيه ولا تكون للتحقيق ولا للتقريب، ولا للظن7, خلافا لمن
قال بذلك، وهي مركبة من "كاف" التشبيه، "وأن" قيل: بلا خلاف، وليس
بصحيح8 بل "قيل"9 ببساطتها.
__________
1 هو: أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي نزيل بلنسية، كان
عالما باللغات والآداب متبحرا بها, انتصب لإقراء علوم النحو واجتمع
إليه الناس للانتفاع بعلمه, وكان له يد في العلوم القديمة، وقد صنف
كثيرا من الكتب, ومن تصانيفه شرح أدب الكاتب, وسقط الزند, والحلل في
شرح أبيات الجمل، والمسائل المنثورة في النحو, وتوفي ببلنسية سنة
210هـ.
2 ومن ذلك:
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
3 رأي الأخفش والكسائي.
4 للكوفيين.
5 أكثر الكوفيين.
6 الجمهور.
7 التحقيق: رأي الكوفيين والزجاج. والتقريب: للكوفيين. والظن: إذا كان
خبرها اسما مشتقا. رأي الكوفيين والزجاج. ا. هـ. السيوطي في الهمع 1/
122.
8 واختلف في كأن أبسيطة أم مركبة؟ فقال بالأول شرذمة واختاره أبو حيان؛
لأن التركيب خلاف الأصل، وبالثاني الخليل وسيبويه والأخفش وجمهور
البصريين والفراء. ا. هـ. الهمع 1/ 133 وأميل إلى الثاني.
9 ج.
(1/523)
ثم مثل بقوله:
كإن زيدا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن
وتمثيل البواقي سهل، قال:
وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أو هنا غير البذي
الإشارة إلى تقديم الاسم وتأخير الخبر.
يعني: أنه لا يجوز تقديم خبرها على اسمها لضعفها إلا إذا كان ظرفا نحو
"ليت هنا غير البذي" أو مجرورا نحو "ليت فيها غير البذي".
وإنما جاز تقديم الظرف والمجرور للتوسع فيهما، ولأنهما في الحقيقة ليسا
بالخبر بل معمولاه.
قال في العمدة1: ويجب أن يقدر العامل في الظرف بعد الاسم كما يقدر
الخبر وهو غير ظرف.
ثم قال:
وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر
"إن" المكسورة أصل، والمفتوحة فرعها على أصح الأقوال، فلذلك يستدام
كسرها ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فتفتح وجوبا إن لزم التأويل نحو
"بلغني أنك فاضل" أي: فضلك، وجوازا إن لم يلزم, وذلك في مواضع ستأتي.
وقد نبه "على مواضع"2 الكسر فقال:
فاكسر في الابتدا......
يعني: في ابتداء الكلام حقيقة نحو: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا
مُبِينًا} 3 أو حكما نحو: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ} 4.
ثم قال:
...... وفي بدء صله
__________
1 كتاب لابن مالك اسمه عمدة الحافظ وعدة اللافظ.
2 أ، ب.
3 سورة الفتح 1.
4 سورة يونس 62.
(1/524)
يعني: أول صلة موصول كقوله تعالى:
{وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} 1
واحترز بالبدء من نحو: "جاء الذي في ظني أنه فاضل".
ثم قال:
وحيث إن ليمين مكمله
يعني: إذا وقعت جواب قسم مطلقا مع "اللام" أو دونها نحو: {وَالْعَصْرِ،
إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} 2 ونحو: {حم، وَالْكِتَابِ
الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} 3.
فإن قلت: فقد ذكر بعد هذا جواز الفتح والكسر "بعد"4 اليمين إذا لم توجد
"اللام" فيكون إطلاقه هنا مقيدا بما بعد كما قال بعضهم.
قلت: الصحيح وجوب كسرها إذا وقعت جواب القسم مطلقا، فإطلاقه صحيح ولا
يعارضه إجازته للوجهين بعد؛ لأن من فتح لم يجعلها جوابا، وسيأتي
بيانه5.
ثم قال:
أو حكيت بالقول......
مثاله: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} 6: فإن سيقت بعد القول
للتعليل فتحت، لأنها غير محكية نحو: "أخصك بالقول أنك ذكي" أي لأنك
"ذكي"7 وعنه احترز بقوله "حكيت".
واحترز أيضا من القول "المضمن"8 معنى الظن، فإنه يجوز بعد الفتح
والكسر. بقوله:
أتقول إنك بالحياة ممتع9 ... ...............................
__________
1 سورة القصص 76.
2 سورة العصر 1-2.
3 سورة الدخان 1-3.
4 أ، ب وفي ج "مع".
5 وبالفتح على تأويل أن بمصدر معمول لفعل بإسقاط الخافض أي: على أني.
ا. هـ. مرادي.
6 سورة المائدة 12.
7 ب.
8 ب، ج وفي أ "المضمر".
9 قال العيني: قيل: إن قائله هو الفرزدق همام, وهو من الكامل, وعجزه:
وقد استبحت دم امرئ مستسلم
=
(1/525)
فمن فتح جعل القول عاملا و"إن" غير محكية،
ومن كسر حكى به، لأن الحكاية بالقول مع استيفاء شروط إجرائه مجرى الظن
جائزة.
ثم قال:
أو حلت محل حال.....
يعني: مع واو، ونحو قوله "كزرته وإني ذو أمل" أو دون "واو" كقوله
تعالى: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 1.
وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كاعلم إنه لذو تقى
حق أن بعد أفعال القلوب أن تفتح ما لم يعلق الفعل باللام فيجب كسرها
نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} 2، وكقوله "اعلم إنه
لذو تقى" فلولا اللام لفتحت, فهذه ستة مواضع يجب "فيها"3 كسرها.
وزاد المصنف في غير هذا الكتاب سابعا، وهو أن تقع خبر اسم عين4 نحو:
"زيد أنه فاضل".
__________
= الشرح: "تقول" يحتمل أنه مضارع القول بمعنى الظن، أو مضارع القول
بمعنى النطق والتكلم "ممتع": اسم مفعول من قولهم: متعه الله بكذا،
ويقال متعه -بتضعيف العين- وأمتعه وتمتع به, قال تعالى:
{وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} ، {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا} ،
{فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} ، {سَنُمَتِّعُهُمْ} , وأصل هذه المادة
المتوع بضم الميم, وهو الامتداد والارتفاع. يقال: متع النهار، ومتع
النبات، إذا ارتفع. "مستسلم" منقاد خاضع.
الإعراب: "أتقول" الهمزة للاستفهام تقول فعل مضارع فاعله ضمير مستتر
فيه, "إنك" حرف توكيد والكاف اسمه, "بالحياة" جار ومجرور متعلق بممتع,
"ممتع" خبر إن. وإن واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول إذا اعتبرت
تقول بمعنى التكلم فالجملة محكية والملة سدت مسد مفعولي تقول إذا جعلته
مأخوذا من القول بمعنى الظن, "وقد" الواو للحال, قد حرف تحقيق,
"استبحت" فعل وفاعل, "دم" مفعول به, "امرئ" مضاف إليه, "مستسلم" صفة
لامرئ.
الشاهد: في "أتقول أنك" حيث روي بكسر همزة "إن" على اعتبار الجملة
محكية بتقول، وبفتحها على إجراء "تقول" مجرى تظن.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه الألفية 1/ 128.
1 سورة الفرقان 20.
2 سورة المنافقون 1.
3 ب.
4 التسهيل ص63.
(1/526)
وزاد غيره ثامنا وهو بعد "حيث"1.
"قال وقد أولع عوام الفقهاء بالفتح بعدها".
قلت2: "ويتخرج على مذهب الكسائي"3.
ثم انتقل إلى مواضع الوجهين فقال:
بعد إذا فجاءة أو قسمِ ... لا لام بعده بوجهين نمي
مثال ذلك بعد "إذا" قول الشاعر:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم4
يروى بالكسر على عدم التأويل، وبالفتح على تأويل أن "ومعموليها"5 بمصدر
مرفوع بالابتداء والخبر محذوف.
__________
1 نحو: "اجلس حيث إن زيدا جالس" وأيضا زاد ابن عقيل ج1 ص203.
"إذا وقعت بعد "ألا" الاستفتاحية نحو قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
السُّفَهَاءُ} .
2 أ، ج.
3 قول الكسائي: "يجوز إضافة حيث للمفرد فلا إشكال في الفتح". ا. هـ.
خضري 1/ 132.
4 هذا عجز بيت من الطويل، وهو من شواهد سيبويه التي لم ينسبوها, وقال
سيبويه قبل أن ينشده ج1 ص274: "وسمعت رجلا عن العرب ينشد هذا البيت كما
أخبرك به". ا. هـ.
الشرح: "اللهازم" جمع لهزمة -بكسر اللام والزاي- وهو طرف الحلق، ويقال
هي عظم ناتئ تحت الأذن و"عبد القفا واللهازم" كناية عن الخسة والدناءة
والذلة وذلك لأن القفا موضع الصفع، واللهزمة موضع اللكز.
المعنى: كنت أظن زيدا سيدا كما قيل، فإذا هو يتبين لي من أمره أنه ذليل
خسيس.
الإعراب: "كنت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه, "أُرى" بزنة المبني للمجهول
ومعناه أظن فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه, "زيدا" مفعوله الأول,
"سيدا" مفعول ثان وجملة أرى في محل نصب خبر كان, "إذا" فجائية, "أنه"
حرف توكيد ونصب والهاء اسمه, "عبد" خبره ,"القفا" مضاف إليه واللهازم
معطوف عليه.
الشاهد: في "إذا أنه" حيث جاز في همزة "أن" الوجهان. فأما الفتح فعلى
تقديرها مع معموليها بالمفرد وإن كان المفرد محتاجا إلى مفرد آخر لتتم
بها جملة على الراجح، وأما الكسر فلتقديرها مع معموليها جملة وهي في
ابتدائها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص67، وابن عقيل 1/ 204، وابن
هشام 1/ 243، والسندوبي, والمكودي ص40، والأشموني 1/ 128، وابن يعيش في
شرح المفصل 4/ 97، والشاهد رقم 846 في خزانة الأدب، وسيبويه ج1 ص472،
والخصائص 2/ 399.
5 ب، وفي أ، ج "ومعمولها".
(1/527)
قال المصنف: والكسر أولى؛ لأنه لا يحوج إلى
تقدير.
قلت: وذهب قوم إلى أنها هي الخبر، وعلى هذا فلا تقدير في الفتح أيضا
فيستوي الوجهان.
ومثال ذلك بعد القسم قول الشاعر:
أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي1
يروى بالكسر على جعل أن جواب القسم "وبالفتح على تأويل أن بمصدر معمول
لفعل القسم"2 بإسقاط الخافض. أي: على أني.
وقد اتضح بهذا: أن من فتح لم يجعلها الجواب، وذلك لأن الفتح متوقف على
كون المحل "معنيا"3 فيه المصدر عن "أن" وصلتها، وجواب القسم ليس كذلك؛
فإنه لا يكون إلا جملة4.
__________
1 هذا بيت من الرجز وقبله:
لتقعدن مقعد القصي ... مني ذي القاذورة المقلي
وقد ذكر في ب.
هما لرؤبة بن العجاج، وقال ابن بري: هما لأعرابي قدم من سفر فوجد
امرأته قد وضعت ولدا فأنكر.
الشرح: "القصي" البعيد النائي, "القاذورة" المراد به الذي لا يصاحبه
الناس لسوء خلقه, "المقلي" المكروه اسم مفعول مأخوذ من قولهم: قلاه
يقليه، إذا أبغضه "ذيالك" تصغير ذلك على غير قياس لأنه مبني.
المعنى: والله لتجلسن أيتها المرأة بعيدة عني حيث يجلس المكروه المبغض
من الناس إلى أن تقسمي بخالقك المنزه عن كل ما لا يليق: أني أبو هذا
الولد الصغير.
الإعراب: "أو" عطف على ما قبله, "تحلفي" فعل مضارع منصوب بأن المضمرة
بعد أو وعلامة نصبه حذف النون وياء المخاطبة فاعل, "بربك" جار ومجرور
متعلق بتحلفي والكاف مضاف إليه, "العلي" صفة لرب, "إني" حرف توكيد ونصب
والياء اسمه, "أبو" خبره, "ذيالك" اسم إشارة مضاف إلى قوله "أبو"
واللام للبعد والكاف حرف خطاب, "الصبي" بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان
أو نعت.
الشاهد: في قوله: "أني" حيث يجوز في همزة "إن" الكسر والفتح لكونها
واقعة بعد فعل قسم لا لام بعده، أما الفتح فعلى تأويل أن مع اسمها
وخبرها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف، والتقدير: أو تحلفي على كوني أبا
لهذا الصبي، وأما الكسر فعلى اعتبار إن واسمها وخبرها جملة لا محل لها
من الإعراب جواب قسم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص67، ابن هشام 1/ 244، ابن
عقيل 1/ 205، الأشموني 1/ 138، المكودي ص40.
2 ب، ج.
3 أ، ب وفي ج "متعينا".
4 راجع الأشموني 1/ 139.
(1/528)
قال في شرح التسهيل: فإن ورد الفتح في جواب
قسم حكم بشذوذه، "وحمل"1 على إرادة "على".
فإن قلت: فهل يجوز الفتح في نحو: "والله إن زيدا قائم"؟
قلت: قد حكى عن الكوفيين تفضيله على الكسر "في"2 هذا المثال وعن بعضهم
تفضيل الكسر عليه.
ومذهب البصريين أن الكسر لازم، وهو الصحيح3.
قال ابن خروف: لم يسمع فتحها بعد اليمين "ولا"4 وجه له، وهو كما قال:
وشبهة من أجاز الفتح في المثال المذكور ونحوه سماع الفتح في نحو "حلفت
أن زيدا قائم".
فكما جاز الفتح مع التصريح بالفعل "كذلك"5 يجوز مع تقديره؛ لأن الفعل
مقدر في المثال المذكور ونحوه.
قيل: وذلك غلط؛ لأن من فتح بعد "حلفت"6 لم يجعلها قسما بل إخبارا عن
قسم، ولا يتصور ذلك في حلفت المضمرة؛ لأن العرب لا تضمر حلفت وتريد بها
غير القسم.
ثم كمل مواضع الوجهين فقال: مع تلو فا الجزا.
مثال ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ
بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ 7 فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 8 الفاء جواب قوله
من عمل، وقد قرئ بالوجهين فالكسر على جعل ما بعد الفاء جملة تامة,
والفتح على
__________
1 أ، ب وفي ج "وحكم".
2 ب، ج وفي أ "على".
3 وأرجح رأي البصريين لقوله: "إن هذا مذهب الكوفيين وهو غلط فالمتعين
فيه الكسر". ا. هـ. خضري 1/ 123.
4 ب، ج وفي أ "ولو".
5 ب، ج وفي أ "كقولك".
6 أ، ب وفي ج "حلف".
7 أ.
8 سورة الأنعام 54.
(1/529)
تقديرها بمصدر هو خبر مبتدأ محذوف. أي:
فجزاؤه "الغفران"1 أو مبتدأ وخبره محذوف. والكسر أحسن في القياس.
قال المصنف: ولذلك لم يجئ الفتح في القرآن إلا مسبوقا "بأن" المفتوحة.
.......................... وذا يطرد ... في نحو خير القول أني أحمد
فالكسر على تقدير: "أول قول أفتتح به هذا المفتتح أني، والفتح على
تقدير"2 أول قولي حمد الله.
فعبارة الفتح تصدق على كل لفظ تضمن حمدا، وعبارة الكسر لا تصدق على حمد
بغير هذا اللفظ الذي أوله "إني" وقد قيل: في وجه الكسر غير هذا، وما
ذكرته هو التحقيق.
وضابط ما يجوز فيه الوجهان من هذا النوع أن تقع "إن" خبر قول "ويكون"3
خبرها قولا فلو كان غير قول تعين الكسر نحو: "أول قولي إنك ذاهب".
ثم قال:
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر
دخول هذه "اللام" بعد "إن" المكسورة متفق عليه، وأجاز بعضهم دخولها بعد
المفتوحة، وحكى عن المبرد، وهو خلاف شاذ، وما سمع منه محمول على
الزيادة4.
وأجاز الكوفيون: دخولها بعد "لكن" وما احتجوا به متأول5.
وقوله "لام ابتداء" يعني أن هذه اللام هي لام الابتداء، وإنما أخرت إلى
الخبر كراهة الجمع بين حرفين لمعنى واحد خلافا لمن قال: هذه غير تلك.
__________
1 أ، ج.
2 أ، ج.
3 أ. ب.
4 "فمن ذلك قراءة بعض السلف: "ألا أنهم ليأكلون الطعام" بفتح الهمزة
وأجازه المبرد". أشموني 1/ 140.
5 ومن ذلك "قول الشاعر:
يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ولكني من حبها لعميد
وخرج عن أن اللام زائدة". ا. هـ. ابن عقيل 1/ 208.
(1/530)
وقوله: "تصحب الخبر" مقيد بقوله:
ولا يلي ذا اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا
والخبر ضربان: مثبت ومنفي.
فالمنفي لا تدخل عليه اللام إلا نادرا كقوله:
وأعلم إن تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء1
والمثبت إما أن يكون ماضيا متصرفا عاريا من "قد" أو غيره، فإن كان
ماضيا متصرفا عاريا من "قد" لم تدخل اللام عليه، فإن وجد مثل: "إن زيدا
لقام"، فاللام لام القسم.
"وكذلك"2 لو تقدم "على"3 "أن" ما يقتضي فتحها لفتحت مع هذه اللام نحو:
"علمت أن زيدا لقام"، وإن كان غير ذلك دخلت اللام "عليه"4.
فتدخل على الخبر المفرد نحو: "إن زيدا لقائم" والفعل المضارع نحو:
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} 5 والجملة الاسمية نحو: "إن
زيدا لأبوه فاضل" والماضي غير
__________
1 قائله: أبو حزام -غالب بن الحارث العكلي- وهو من الوافر.
الشرح: "إن" إذا جريت على ما هو الظاهر فالهمزة مكسورة؛ لأن اللام في
خبرها, وإذا جعلت اللام زائدة فتحت الهمزة، والأول أقرب؛ لأن الذي علق
"أعلم" عن العمل هو لام الابتداء لا الزائدة "تسليما" أراد به التسليم
على الناس أو تسليم الأمور إلى ذويها "تركا" أراد به ترك ما عبر عنه
بالتسليم. "متشابهان": متقاربان، "سواء" متساويان.
المعنى: أعتقد أن التسليم على الناس وتركه أو تسليم الأمر وتركه لا
يتساويان ولا يتقاربان.
الإعراب: "أعلم" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "أن" حرف توكيد
ونصب, "تسليما" اسمه, "وتركا" معطوف عليه, "للا متشابهان" اللام زائدة
متشابهان خبر أن, "ولا" الواو عاطفة لا نافية, "سواء" معطوف على خبر
إن.
الشاهد: في "للا متشابهان" حيث أدخل اللام في الخبر المنفي بلا، وهو
شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص69، ابن هشام 1/ 247، ابن
عقيل 1/ 211، الأشموني 1/ 141، السيوطي ص37.
2 ج وفي أ، ب "ولذلك".
3 ب.
4 أ، ب.
5 سورة النحل 124.
(1/531)
المتصرف نحو: "إن زيدا لنعم الفتى"
والمتصرف المقرون بقد نحو "إن زيدا لقد قام".
وإلى هذا أشار بقوله:
وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا
وإنما جاز دخولها عليه مع "قد"؛ لأن "قد" تقرب الماضي من الحال خلافا
لخطاب الماوردي1 في منعه دخولها مع "قد" فإذا وجد "إن زيدا لقد قام"
فهي عنده لام القسم2.
ثم أشار إلى بقية مواضع اللام بقوله:
وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر
يعني: أن هذه "اللام" يجوز دخولها على معمول الخبر المتوسط بينه وبين
الاسم نحو: "إن زيدا لطعامَك آكلٌ".
وشرطه: أن يكون الخبر صالحا لها، فلو كان ماضيا متصرفا عاريا من "قد"
لم تدخل "عليه"3 نحو: "إن زيدا عمرا ضرب" لأن دخولها على المعمول فرع
دخولها على الخبر، خلافا للأخفش, وتدخل أيضا على الضمير المسمى بالفصل,
كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 4.
وعلى الاسم إذا تأخر عن الخبر نحو: "إن في الدار لزيدا" وإنما يصح ذلك
إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا، لأنه لا يتقدم إن كان غيرهما وإنما
اشترط في دخولها "على الخبر"5 مشروطا أيضا بأن يتأخر ولم ينبه عليه.
__________
1 هو: خطاب بن يوسف بن هلال القرطبي أبو بكر الماوردي. قال ابن عبد
الملك: كان من جلة النحاة ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان
على الإطلاق، وروى عن أبي عبد الله بن الفخار وغيره، وروى عنه ابناه
عبد الله وعمر وغيرهما. تصدر لإقراء العربية طويلا، وصنف فيها واختصر
الزاهر لابن الأنباري. وهو صاحب كتاب الترشيح ينقل عنه أبو حيان وابن
هشام كثيرا. مات بعد الخمسين والأربعمائة.
2 حيث ذهب إلى أن لام الابتداء لا تدخل على الماضي المقترن بقد وإذا
سمع دخول اللام عليه قدرت لام جواب قسم، فالتقدير: إن زيدا والله لقد
قام. ا. هـ. صبان 1/ 224.
3 أ، ج وفي ب "على معموله".
4 سورة آل عمران 62.
5 أ، ج.
(1/532)
قلت: اشتراط ذلك في الاسم منبه على اشتراطه
في الخبر، إذ العلة واحدة. ثم قال:
ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يُبَقَّى العمل1
إذا اتصلت "ما" الزائدة بهذه الأحرف ففيه وجهان:
أحدهما: أن تكون كافة فتبطل عملها نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ
وَاحِدٌ} 2.
والثاني: أن تجعل ملغاة فيبقى العمل لعدم الاعتداد بها, وهذا مسموع في
"ليت"3 وقد حكي في "إنما" وأجازه ابن السراج "والزجاج"4 قياسا في
سائرها ووافقهم المصنف، ولذلك أطلق في قوله: "وقد يبقى العمل".
ومذهب سيبويه5 جواز الوجهين في "ليت" خاصة6، ومنع الثاني في سائر
أخواتها؛ لأن "ما" قد أزالت اختصاصها بالأسماء بخلاف ليت فإنها باقية
على اختصاصها، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى وجوب الإعمال في "ليتما"
وبهذا يبطل قوله في شرح التسهيل: يجوز إعمالها وإهمالها بإجماع. ثم
قال:
وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا
بمعنى أنه يجوز رفع المعطوف على اسم "إن" المكسورة بشرط أن تستكمل
خبرها ويكون المعطوف بعد الخبر نحو: "إن زيدا ذاهب وعمرو" والنصب هو
الوجه الظاهر.
ولذلك قال: "وجائز رفعك".
__________
1 أ، ج.
2 سورة النساء 171.
3 لبقاء اختصاصها.
4 أ، ب.
5 قال سيبويه ج1 ص282: "وأما "ليتما زيدا منطلق" فإن الإلغاء فيه حسن,
وقد كان رؤبة بن العجاج ينشد هذا البيت رفعا وهو قول النابغة الذبياني:
قالت ألا ليتما هذا الحمامُ لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فرفعه على وجهين: على أن يكون بمنزلة قول من قال: مثلا ما بعوضة، أو
يكون بمنزلة قوله إنما زيد منطلق". ا. هـ.
6 فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء. ا. هـ. أشموني 1/ 143.
(1/533)
ففهم أن النصب هو الأصل، فإن عطفت قبل
الخبر تعين النصب خلافا للكسائي في إجازته الرفع قبل الخبر مطلقا،
والفراء في إجازة ذلك بشرط خفاء إعراب الاسم1.
ثم قال:
وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن
أي: ألحقت "لكن وأنَّ المفتوحة" بإن المكسورة، في جواز رفع المعطوف على
اسمها بعد الخبر نحو: "لكنَّ زيدا قائم وعمر"، و"علمت أنَّ زيدا قائم
وعمرو".
أما إلحاق "لكنَّ" بها فمتفق عليه، وأما إلحاق "أنَّ" المفتوحة، فمنعه
بعض وأجازه بعض. قال في التسهيل: وأن في ذلك كإن على الأصح. ا. هـ2.
فأطلق كما أطلق هنا، وقيد ذلك في شرحه بأن يتقدمها على كقوله:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق3
__________
1 بأن يكون مبنيا أو مقصورا أو مضافا للياء، ومثل ذلك لو خفي إعراب
المعطوف نحو: "إن محمدا ويحيى مسافران" وعلته الاحتراز من تنافر اللفظ.
2 التسهيل ص66.
3 قائله: بشر بن أبي خازم -بخاء وزاي معجمتين- وقصة ذلك أن قوما من آل
بدر جاءوا الفزاريين فجزوا نواصيهم، وقالوا مننا عليكم ولم نقتلكم،
فغضب بنو فزارة لذلك فقال بشر ذلك. وهو من الوافر.
الشرح: "بغاة" جمع باغ، وهو الظالم لأنه بغي الظلم، أي: طلبه, "شقاق"
-بكسر الشين- وهو العداوة وهو مصدر شاقه، إذا خالفه وعاداه أشد
العداوة، وكأن كل واحد من المتشاقين قد صار في شق وناحية غير الشق
والناحية التي صار فيها الآخر.
المعنى: إذا جززتم نواصيهم فاجمعوها لنا، واحملوا الأسرى معهم، وإلا
فإنا متعادون أبدا.
الإعراب: "وإلا" إن الشرطية الجازمة لفعلين ولا النافية وفعل الشرط
محذوف والتقدير: إلا تفعلوا مثلا, "فاعلموا" الفاء واقعة في جواب
الشرط، اعلموا فعل أمر مبني على حذف النون وواو الجماعة فاعله والجملة
في محل جزم جواب الشرط, "أنَّا" أن حرف توكيد ونصب ونا: اسمه, "وأنتم"
الواو للعطف أنتم مبتدأ وخبره محذوف والتقدير: وأنتم مثلنا, "بغاة" خبر
أن, "ما" مصدرية ظرفية, "بقينا" فعل وفاعل, "في شقاق" جار ومجرور متعلق
بمحذوف خبر ثان لأن.
الشاهد: في "أنَّا وأنتم بغاة" حيث ورد فيه ما ظاهره أنه عطف بالرفع
قوله "وأنتم" على محل اسم "أن" الذي هو "نا" قبل أن يأتي بخبر "أن"
الذي هو بغاة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص71، ابن هشام 1/ 258،
والسيوطي ص38.
(1/534)
أو معناه كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ
اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 1، 2 وهذا هو
الصحيح.
لأن "أنَّ" ههنا وما عملت فيه بتأويل الجملة فصح أن يعطف على محلها
كالمكسورة.
وقوله:
من دون ليت ولعل وكأن
يعني: أنه لا يجوز في المعطوف على اسم هذه الثلاثة إلا النصب، ولا يجوز
الرفع لا قبل الخبر ولا بعده؛ لأن معنى الابتداء قد يغير بدخولها بخلاف
"إن وأن ولكن" فإنها لا تغير معناه, أجاز الفراء الرفع مع الستة بعد
الخبر مطلقا وقبله بشرط خفاء إعراب الاسم.
وتلخيص هذه المسألة أن نصب المعطوف بعد الخبر وقبل الخبر جائز في
الجميع.
وأما رفعه فيجوز بعد الخبر لا قبله في "إنّ ولكنّ" باتفاق. "وأنّ" بعد
العلم أو ما في معناه على المختار.
فإن قلت: قد ورد الرفع قبل الخبر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} 3.
قلت: حمل سيبويه4 هذه الآية، وما أوهم العطف قبل التمام على التقديم
والتأخير.
__________
1 أ، ب.
2 سورة التوبة 3.
3 سورة المائدة 69. فقد عطف {وَالصَّابِئُونَ} قبل استكمال الخبر وهو:
{مَنْ آَمَنَ ... } إلخ.
4 قال سيبويه ج1 ص290: "وأما قوله عز وجل: {وَالصَّابِئُونَ} فعلى
التقديم والتأخير، كأنه ابتدأ على قوله: {وَالصَّابِئُونَ} بعد ما مضى
الخبر. ا. هـ.
(1/535)
قال المصنف: وأسهل منه تقدير خبر قبل
العاطف، مدلول عليه بخبر ما بعده1.
فإن قلت: ما وجه رفع المعطوف على اسم إن وما ألحق بها؟
قلت: مذهب المحققين: أنه مبتدأ محذوف الخبر، لدلالة خبر "إن" عليه، وهو
من عطف الجمل لا من عطف المفردات، وقد أوضح ذلك في شرح التسهيل.
فإن قلت: ظاهر قوله:
وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إنَّ..................
يخالف ما ذكرته.
قلت: تجوز في تسميته معطوفا على الاسم؛ لأن صورته صورة المعطوف.
ثم قال:
وخففت إن فقل العمل
إهمالها: إذا خففت هو القياس؛ لزوال اختصاصها، وإعمالها ثابت بنقل
سيبويه2.
ومنه: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} 3.
ثم قال:
وتلزم اللام إذا ما تهمل
علة لزومها الفرق بين "إنْ" المخففة و"إن" النافية، وتسمى هذه اللام
الفارقة.
فإن قلت: هل هي لام الابتداء أم غيرها؟
قلت: مذهب سيبويه4 أنها لام الابتداء ألزمت للفرق وهو اختيار المصنف
وهو مفهوم من قوله هنا "وتلزم اللام" يعني اللام المتقدم ذكرها بعد
المشددة.
__________
1 التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن والصابئون والنصارى
كذلك، و {مَنْ آَمَنَ} : مبتدأ خبره {فَلَا خَوْفٌ} والجملة خبر إن. ا.
هـ. صبان 1/ 227.
2 قال سيبويه ج1 ص283: "وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول:
"إن عمرا لمنطلق", وأهل المدينة يقرءون: "وإن كلا لَمَا ليوفينهم",
يخففون وينصبون.
3 سورة هود 111, قراءة نافع بإسكان النون وتخفيف الميم.
4 قال سيبويه ج1 ص273: "فاعلم أنهم يقولون: "إن زيد لذاهب وإن عمرو
لخير "منك" لما خففها جعلها بمنزلة "لكن" حين خففه وألزمها اللام لئلا
تلتبس بإن التي هي بمنزلة "ما" التي ينفي بها ومثل ذلك: {إِنْ كُلُّ
نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} . ا. هـ.
(1/536)
وذهب الفارسي إلى أنها غيرها1 ثم قال:
وربما استغنى عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا
مثال ذلك قول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن2
ثم قال:
والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا
إذا خففت "إن" فالغالب "فيها"3 أن يليها فعل ناسخ للابتداء نحو:
{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} 4 {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} 5
{وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} 6 قال في شرح التسهيل:
ولا يكون غالبا إلا بلفظ الماضي.
__________
1 قال ابن عقيل 1/ 217: "فقال الفارسي: هي لام غير لام الابتداء اجتلبت
للفرق". ا. هـ.
2 قائله: الطرماح الحكم بن حكيم, وكنيته "أبو نفر" والطرماح في اللغة
الطويل وقيل: سمي الطرماح لزهوه، والطرماح: الذي يرفع رأسه زهوا، وهو
شاعر طائي. والبيت من الطويل.
الشرح: "أنا ابن" يروى مكانه "نحن"، "أباة" جمع آب اسم فاعل من أبى
يأبى، أي: امتنع "الضيم" الظلم، "مالك" هو اسم أبي قبيلة الشاعر, "كرام
المعادن" طيبة الأصول، شريفة المحتد.
المعنى: أنا من آل مالك الذين يأبون الظلم والمذلة، وقد كانت قبيلتي
كريمة الأصول والأنساب.
الإعراب: "أنا" مبتدأ, "ابن" خبره, "أباة" مضاف إليه, "الضيم" مضاف
إليه, "من آل" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثان أو حال من الخبر,
"مالك" مضاف إلى آل, "وإن" مخففة من الثقيلة, "مالك" مبتدأ, "كانت" فعل
ماض ناقص والتاء للتأنيث واسمه مستتر فيه, "كرام" خبر كان, "المعادن"
مضاف إليه، والجملة من كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ الذي
هو مالك.
الشاهد: في "وإن مالك كانت" ترك اللام الفارقة بعد "إن" المخففة، لوجود
القرينة المعنوية، وهي كون المقام للمدح والإثبات لا للنفي، والتقدير:
وإن مالك لكانت.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص72، ابن هشام 1/ 273، ابن
عقيل 1/ 216، السندوبي, الأصطهناوي، الأشموني 1/ 145, المكودي ص42,
السيوطي ص39.
3 ب. قال ابن عقيل 1/ 217: "ويقل أن يليها غير الناسخ".
4 سورة البقرة 143.
5 سورة الإسراء 73.
6 سورة الأعراف 102.
(1/537)
وأشار بقوله "غالبا" إلى أنه قد يليها فعل
غير ناسخ كقوله:
شلت يمينك إن قتلت لمسلما1 ...
.........................................
قال الشارح2 "وأما نحو"3 {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 4 وقوله:
"إن قتلت لمسلما" فقليل، وأقل منه "إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه"5.
ثم قال:
وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن
إذا خففت "أن" المفتوحة لم تلغ كما ألغيت "إن"6 المكسورة.
ولكن ينوى اسمها ولا يلفظ به إلا في ضرورة كقوله:
__________
1 صدر بيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، ترثي زوجها
الزبير بن العوام رضي الله عنه وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله وهو من
الكامل.
وعجزه:
حلت عليك عقوبة المتعمد
الشرح: "شلت" -بفتح الشين- وأصل الفعل شللت -بكسر العين- "حلت عليك"
أي: نزلت بك، ويروى في مكانه "وجبت عليك".
المعنى: أشل الله يدك أيها القاتل؛ لأنك قتلت مسلما ووجبت عليك عقوبة
متعمد القتل.
الإعراب: "شلت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "يمينك" فاعل والكاف مضاف
إليه, "إن مخففة من الثقيلة, "قتلت" فعل وفاعل, "لمسلما" اللام فارقة
مسلما مفعول, "حلت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "عليك" جار ومجرور متعلق
بحلت, "عقوبة" فاعل, "المتعمد" مضاف إليه.
الشاهد: في "إن قتلت لمسلما" حيث ولي "إن" المخففة من الثقيلة فعل غير
ناسخ، وذلك شاذ لا يقاس عليه إلا عند الأخفش.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص72، وابن هشام 1/ 264، وابن
عقيل 1/ 218، والسندوبي، والأصطهناوي، والأشموني 1/ 145، والمكودي ص42،
والسيوطي ص93، وكذا في الهمع 1/ 142، والإنصاف 2/ 373.
2 راجع الشارح ص72.
3 ب، ج وأما أ "وإنما".
4 سورة القلم 51.
5 يزينك -بفتح الياء- وكذا يشين وهما مرفوعان بضم النون
6 ب، ج.
(1/538)
فلو أنكِ في يوم الرخاء سألتِني ...
طلاقَكِ لم أبخل وأنتِ صديق1
"ولكون"2 عملها لا يظهر غالبا تجوز بعضهم فقال: ألغيت، ومراده ما ذكرت.
وتجوز المصنف في قوله "استكنَّ"؛ لأن الضمير المنصوب لا يستكن، والحرف
لا يستكن فيه الضمير وإنما هو محذوف لا مستكن.
وقوله:
والخبر اجعل جملة.....
يشمل الاسمية والفعلية.
أما الاسمية فلا تحتاج إلى فاصل بينها وبين "أن" كقوله:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل3
__________
1 قال العيني: أنشده الفراء ولم يعزه إلى قائله، وبحثت فلم أعثر على
قائله، وهو من الطويل.
المعنى: لو أنك سألتني إخلاء سبيلك قبل إحكام عقدة النكاح بيننا لم
أمتنع من ذلك ولبادرت به مع ما أنت عليه من صدق المودة لي, وخص يوم
الرخاء؛ لأن الإنسان ربما يفارق الأحباب في يوم الشدة.
الإعراب: "فلو" شرطية غير جازمة, "أنك" أن مخففة من الثقيلة والكاف
اسمها, "في يوم" جار ومجرور متعلق بسألتني, "الرخاء" مضاف إليه,
"سألتني" فعل وفاعل والنون للوقاية والياء مفعول أول, "فراقك" مفعول
ثان والكاف مضاف إليه, "لم" حرف نفي وجزم وقلب, "أبخل" فعل مضارع مجزوم
بلم وفاعله مستتر فيه، والجملة جواب الشرط, "وأنت" الواو للحال أنت
ضمير مبتدأ, "صديق" خبره، والجملة في محل نصب حال.
الشاهد: في "أنك" حيث خففت "أن" المفتوحة وبرز اسمها وهو الكاف وذلك
قليل، والكثير أن يكون اسمها ضمير الشأن واجب الاستتار وخبرها جملة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 219، والأشموني 1/ 146،
والسندوبي.
2 أ، ج وفي ب "ولكن".
3 قائله: الأعشى ميمون بن قيس, وقيل: عبد الله بن الأعور، وقيل: غير
ذلك، كذا قال العيني. وهو من البسيط.
الشرح: "فتية" بكسر الفاء وسكون التاء جمع فتى، وهو السخي الكريم،
وكذلك الفتيان، "من يحفى" من حفي يحفى من باب علم يعلم, وهو الذي يمشي
بلا خف ونعل، ولكن أراد به ههنا الفقير, "منتعل" من انتعل إذا لبس
النعل، وأراد به الغني.
المعنى: هم بين فتية كالسيوف الهندية في مضائهم وحدتهم وأنهم موطنون
أنفسهم على الموت موقنون به لأنهم قد علموا أن الإنسان هالك سواء كان
غنيا أو فقيرا. =
(1/539)
وأما اللفظية ففيها تفصيل.
فإن كانت مصدرة بفعل دعاء أو بفعل متصرف لم يحتج إلى فاصل مثال الدعاء
قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} 1 ومثال
غير المتصرف: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 2 وإن
صدرت بفعل غير هذين غالبا بقد نحو: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا}
3.
أو حرف تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 4 أو حرف
نفي نحو: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} 5 أو لو نحو: {تَبَيَّنَتِ
الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا} 6.
وإلى هذا أشار بقوله: "وإن يكن فعلا ... إلخ".
وأشار بقوله "فالأحسن الفصل"7 إلى أنه قد يرد غير مفصول. ومنه:
علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل8
__________
= الإعراب: "في فتية" جار ومجرور في محل النصب على الحال من كلمة في
بيت قبله, "كسيوف" جار ومجرور صفة لفتية, "الهند" مضاف إليه, "قد" حرف
تحقيق, "علموا" فعل وفاعل والجملة صفة أيضا لفتية, "أن" مخففة من
الثقيلة, "هالك" خبر مقدم, "كل" مبتدأ مؤخر, "من" اسم موصول مضاف إليه,
"يحفى" فعل مضارع والفاعل ضمير, و"ينتعل" عطف عليه وجملة يحفى لا محل
لها من الإعراب صلة الموصول والجملة في موضع مفعول علموا.
الشاهد: في "أن هالك": حيث خفف "إن" عن المثقلة وجاء خبرها جملة اسمية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن الناظم ص73، والسندوبي، والمكودي
ص43، والسيوطي 39، والشاهد رقم 59 في الخزانة, وسيبويه 10 ص282.
1 من الآية 9 من سورة النور.
2 الآية 30 من سورة النجم.
3 من الآية 113 من سورة المائدة.
4 من الآية 20 من سورة المزمل.
5 من الأية 20 من سورة المزمل.
6 من الآية 14 من سورة سبأ.
7 ب، ج.
8 قال العيني: لم أقف على اسم قائله. وبحثت فلم أعثر على قائله, وهو من
الخفيف.
الشرح: "يؤملون" على صيغة المجهول، "فجادوا" من جاد يجود إذا تكرم,
"يسألوا" على صيغة المجهول "سؤل" -بضم السين- مسئول. =
(1/540)
وخصه بعضم بالضرورة.
وأشار بقوله: "وقليل ذكر لو" إلى قلة ذكرها في كتب النحو لا إلى قلة
استعمالها في كلام العرب.
ثم قال:
وخففت كأن أيضا فنوى ... منصوبها وثابتا أيضا روى
تخفف "كأن" فلا تلغى "فهي"1 مثل أن المفتوحة، وقد أطلق بعضهم الإلغاء2
عليها واسمها في الغالب منوي كاسم "أن" ولا يلزم في خبرها أن يكون جملة
بل يكون جملة ومفردا.
فمثال كونه جملة:
ووجه مشرق النحر ... كأن ثدياه حقان3
__________
= المعنى: علموا أن الناس يرجون معروفهم فلم يخيبوا وجادوا لهم، ولم
يحوجوهم إلى السؤال بل تكرموا عليهم قبل أن يسألوا شيئا بأعظم مسئول.
الإعراب: "علموا" فعل وفاعل, "أن" مخففة من الثقيلة واسمها محذوف,
"يؤملون" فعل مضارع مبني للمجهول وواو الجماعة نائب الفاعل، والجملة في
محل رفع خبر أن المخففة, "فجادوا" فعل وفاعل, "قبل" ظرف متعلق بجاد,
"أن" مصدرية, "يسألوا" فعل مضارع مبني للمجهول وواو الجماعة فاعل وأن
وما دخلت عليه في تأويل مصدر مضاف إلى قبل, "بأعظم" جار ومجرور متعلق
بجاد, "سؤل" مضاف إلى أعظم.
الشاهد: في "أن يؤملون" حيث جاء خبر "أن" المخففة من الثقيلة فعلا
مضارعا، ولا فاصل بين "أن" وجملة الخبر -وهو نادر- والكثير: أن
سيؤملون.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص73, ابن هشام 1/ 367، ابن
عقيل 1/ 221، داود، السندوبي، الأصطهناوي، الأشموني 1/ 147، المكودي
ص43، السيوطي ص39، وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 143.
1 أ، ج وفي ب "فهو".
2 وعليه الكوفيون. ا. هـ. همع 1/ 143.
3 قال العيني: هذا البيت، احتج به سيبويه في كتابه ولم يعزه إلى أحد
وهو من الهزج.
الشرح: "ووجه" وروي: "ونحر"، وعلى هاتين الروايتين تكون الهاء في قوله:
"ثدييه" عائدة إلى "وجه" أو نحوه، بتقدير مضاف، وأصل الكلام، كأن ثديي
صاحبه، فحذف المضاف وهو الصاحب وأقام المضاف إليه مقامه، وأنشده
الزمخشري: ونحر مشرق اللون. =
(1/541)
ومثال كونه مفردا قوله:
............................................ ... كأن ظبية تعطو إلى
وارق السلم1
__________
= "مشرق اللون" مضيء اللون، "حقان" تثنية حقة وحذفت التاء التي في
المفرد من التثنية كما حذفت في "خصية وألية", فقالوا: "خصيان وأليان".
المعنى: إن هذا الصدر مضيء أعلاه، وكأن الثديين فيه حقان في الاستدارة
والصغر.
الإعراب: "ووجه" الواو واو رب, وجه مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره
منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد, "مشرق" صفة,
"اللون" مضاف إليه, "كأن" مخففة من الثقيلة, "ثدييه" اسمها, "حقان"
خبرها.
وعلى رواية الرفع "ثدياه حقان" مبتدأ وخبر والجملة في محل رفع خبر كان
واسمها محذوف والتقدير: كأنه -أي: الحال والشأن- ثدياه حقان.
الشاهد: في "كأن ثدياه حقان" حيث خففت "كأن" وألغي عملها وحذف اسمها
ووقع خبرها جملة، وأصله "كأنه"، والضمير للوجه أو للنحر أو للشأن
والجملة الاسمية خبر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص73, وابن هشام 1/ 271, وابن
عقيل 1/ 223، والأشموني 1/ 147، والمكودي ص43، وذكره السيوطي في همع
الهوامع 1/ 143، وابن يعيش في شرح المفصل 8/ 82، والشاهد رقم 871 من
خزانة الأدب. وسيبويه ج1 ص281، والإنصاف 1/ 125.
1 قائله: هو أرقم بن غلباء اليشكري يذكر امرأته ويمدحها، وقال النحاس:
هو لابن صريم اليشكري، وقال ابن هشام: هو لباعث اليشكري، ويشكر مضارع
منقول من شكر، وهو من الطويل. وصدره:
ويوما توافينا بوجه مقسم
الشرح: "توافينا" تجيئنا وتزورنا، "وجه مقسم" -بضم الميم وفتح القاف
وتشديد السين- جميل حسن, "تعطو" تتناول, "وارق السلم" شجر السلم
المورق، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والسلم شجر العضاة الواحدة سلمة.
المعنى: إن هذه المحبوبة تأتي إلينا في بعض الأحيان بوجه نضر, كأنها في
قدها واعتدالها وخفتها ظبية تتناول الشجر المخصوص.
الإعراب: "ويوما" ظرف منصوب بتوافينا, "توافينا" توافي فعل مضارع مرفوع
بضمة مقدرة على الياء وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي ونا مفعول به,
"بوجه" جار ومجرور متعلق بتوافي, "مقسم" صفة لوجه, "كأن" حرف تشبيه
ونصب مخفف من المثقل, "ظبية" بالرفع خبر "كأن" واسمها محذوف كأنها
ظبية, وبالنصب اسم كأن والخبر محذوف, وبالجر الكاف حرف جر وأن حرف زائد
"وظبية" مجرور بالكاف, "تعطو" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا
يعود على الظبية والجملة صفة لظبية, "إلى وارق" جار ومجرور متعلق
بتعطو, "السلم" مضاف إليه.
الشاهد: في "كأن" حيث خففت "كأن" وحذف اسمها وجاء خبرها مفردا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص73، ابن هشام 1/ 270،
السندوبي، الأشموني 1/ 147، المكودي ص43، السيوطي ص39، وأيضا ذكره في
همع الهوامع 1/ 143, وذكره ابن هشام في المغني 1/ 22، وابن يعيش في شرح
المفصل 8/ 83، والشاهد رقم 870 من خزانة الأدب، وسيبويه ج1 ص281.
(1/542)
على رواية الرفع.
وأشار بقوله: وثابتا أيضا روى إلى "كأن ثدييه حقان"، وكأن ظبية في
رواية النصب في كلامه في التسهيل يشعر باختصاص ذلك بالشعر.
قال فيه: وقد يبرز اسمها في الشعر.
فإن قلت: قد ذكر المصنف تخفيف "إنّ وأنّ وكأنّ "وسكت عن" لعلّ ولكنّ"
فما حكمهما؟
قلت: أما "لعل" فلا تخفف1.
وأما "لكن" فإذا خففت لم2 تعمل وستأتي في حروف العطف3.
وأجاز يونس والأخفش إعمالها مخففة قياسا4.
وقد حكي عن يونس أنه حكاه عن العرب5.
__________
1 قال السيوطي في الهمع 1/ 143: "لا تخفف لعلَّ. وقال الفارسي: تخفف
وتعمل في ضمير الشأن محذوفا". ا. هـ.
2 أ، ج وفي ب "فلا".
3 قال السيوطي في الهمع 1/ 143: "تخفف لكن فلا تعمل أصلا لعدم سماعه
وعلل بمباينة لفظها لفط الفعل ويزاول موجب إعمالها وهو الاختصاص إذ
صارت يليها الاسم والفعل". ا. هـ.
4 على "أن وإن وكأن". ا. هـ. همع 1/ 143.
5 راجع الأشموني 1/ 148.
(1/543)
"لا" التي لنفي
الجنس:
قال:
عمل إن اجعل للا في نكره
اعلم أن "لا" حرف مشترك, فأصلها ألا تعمل، وقد أعملت عمل "ليس" تارة
وعمل "إن" أخرى.
وإنما تعمل عمل إن بشروط:
الأول: أن يكون اسمها نكرة فلا تعمل في المعارف، وأما نحو:
لا هيثم الليلة للمطي1 ... .............................
فموؤل بنكرة.
الثاني: أن يتصل بها، فلو فصل بطل عملها. قال في التسهيل: بإجماع2 وفيه
خلاف ضعيف.
__________
1 صدر بيت لم يتعرض العيني لقائله، وقال في الدرر اللوامع: البيت لبعض
بني دبير, وبعده:
ولا فتى مثل ابن خيبري
وهو من شواهد سيبويه الخمسين التي لا يعلم قائلها.
الشرح: "هيثم" المراد به هيثم به الأشتر, وكان مشهورا بين العرب بحسن
الصوت في حدائه الإبل, "ابن خيبري" المراد به: جميل صاحب بثينة فيكون
نسبه إلى أحد أجداده، ونعته بالفتوة لأنه كان شجاعا يحمي أدبار المطي
من الأعداء.
الإعراب: "لا" نافية للجنس, "هيثم" اسمها مبني على الفتح في محل نصب,
"الليلة" ظرف زمان متعلق بمحذوف خبر لا، وقد أفاد الإخبار بالزمان عن
الذات, "للمطي" جار ومجرور متعلق بما تعلق به الظرف.
الشاهد: في "لا هيثم" حيث دخلت "لا" النافية للجنس على علم معرفة وهي
لا تعمل إلا في النكرة فهو مؤول؛ إما بتقدير مضاف، وهو "مثل" وإما
بتأويل العلم باسم الجنس وقد أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى:
{فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} أنه على
تقدير مثل ملء فحذفت مثل كما حذفت من لا هيثم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 1/ 149، والشاطبي, وذكره ابن
يعيش في شرح المفصل 2/ 103، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 145، والشاهد
رقم 261 من خزانة الأدب، وسيبويه ج1 ص344.
2 قال في التسهيل ص68: "فصل: إذا انفصل مصحوب "لا" أو كان معرفة بطل
العمل بإجماع".
(1/544)
الثالث: أن يقصد نفي الجنس على سبيل
الاستغراق.
فإذا استكملت هذه الشروط عملت عمل "إن" مفردة نحو "لا رجل في الدار"
ومكررة نحو "لا حول ولا قوة"1.
ولكن يجب العمل إن أفردت، ويجوز إن كررت.
ثم قال:
فانصب بها مضافا أو مضارعه
اسم "لا" هذه ثلاثة أقسام:
مضاف، ومضارع للمضاف أي: مشابه له ويسمى المطول وهو ما كان عاملا فيما
بعده عمل الفعل أو مركبا من معطوف ومعطوف عليه، ومفرد.
فالمضاف ومضارعه منصوبان بها نحو: "لا طالب علم محروم ولا طالعا جبلا
ظاهر", والمفرد يأتي حكمه.
ثم قال:
وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه
أي: اذكر "الخبر"2 بعد نصب الاسم رافعا له "بلا" لأنها تعمل عمل "إن",
قال الشلوبين: لا خلاف "في أن رفع الخبر بها"3 عند عدم تركيبها، فإن
ركبت مع الاسم ففيه خلاف.
مذهب الأخفش4: أنها أيضا رافعة له، وذكر في التسهيل أنه الأصح5.
ومذهب سيبويه6: أنه مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، وأنها لم تعمل
إلا في الاسم.
__________
1 الشروط عند الأشموني سبعة:
1- أن تكون نافية.
2- وأن يكون منفيها الجنس.
3- وأن يكون نفيه نصبا.
4- وألا يدخل عليها جار.
5- وأن يكون اسمها نكرة.
6- وأن يتصل بها.
7- وأن يكون خبرها أيضا نكرة. ا. هـ. 1/ 149.
2 ب، ج.
3 أ، ج وفي ب "في ألا يرتفع الخبر بها".
4 دليله: أن ما استحقت به العمل باق والتركيب لا يبطله. ا. هـ. صبان 2/
5 وإليه أميل.
5 قال في التسهيل ص67: "ورفع الخبر إن لم يركب الاسم مع "لا" بها عند
الجميع وكذا مع التركيب على الأصح".
6 قال سيبويه ج1 ص345: "واعلم أن لا وما عملت فيه في موضع ابتداء كما
أنك إذا قلت: هل من رجل؟ فالكلام بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ". ا. هـ.
(1/545)
وفهم من قوله: "وبعد ذاك".
أن خبرها لا يتقدم على اسمها, وهو واضح1.
ثم انتقل إلى المفرد فقال:
وركب المفرد فاتحا......
سبب بنائه عند سيبويه2 والجماعة تركيبه مع "لا" كخمسةَ عشرَ.
والمفرد في هذا الباب ما ليس مضافا، ولا شبيها به، فشمل المثنى
والمجموع.
ويبنى على ما ينصب به، فإن كان ينصب بالفتحة بني عليها نحو: "لا رجل"
أو بالياء فكذلك نحو: "لا غلامين, ولا حامدين لزيد" وإن كان ينصب
بالكسرة جاز فيه وجهان:
استصحاب كسرة وفتحة خلافا لابن عصفور في التزام فتحه.
قال المصنف: والفتح أولى. ا. هـ3، وبالوجهين روي قوله:
............................. ... ..... ولا لذات للشيب4
__________
1 راجع الأشموني في 1/ 150.
2 قال سيبويه ج1 ص345: " ... ونصبها لما بعدها كنصب إن لما بعدها وترك
التنوين لما تعمل فيه لازم؛ لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد
نحو خمسةَ عشرَ ...
فجعلت وما بعدها كخمسةَ عشرَ في اللفظ وهي عاملة فيما بعدها كما قالوا:
يابن أم. فهي مثلها في اللفظ وفي أن الأول عامل في الآخر". ا. هـ.
3 قال في التسهيل ص67: "والفتح في نحو ولا لذات للشيب أولى من الكسر".
4 جزء من بيت لسلامة بن جندل السعدي, يأسف على فراق الشباب من قصيدة
بائية من البسيط.
وتمامه:
إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذ............................
ويروى: أودى الشباب.
الشرح: "مجد عواقبه" المراد أن نهايته محمودة "الشيب" -بكسر الشين- أي:
لذي الشيب.
المعنى: إن الشباب الذي تحمد عواقبه وترتاح له النفوس, فيه نجد اللذة،
ولا لذة في زمن الشيخوخة.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "الشباب" اسمها, "الذي" اسم موصول نعت
للشباب, "مجد" يجوز أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو مجد,
"وعواقبه" على هذا نائب فاعل مجد لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول، ويجوز
أن يكون "مجد" خبرا مقدما و"عواقبه" مبتدأ مؤخرا وجاز الإخبار بالمفرد
وهو مجد عن الجمع وهو عواقب؛ =
(1/546)
وخالف المبرد في نحو "لا غلامين ولا
حامدين" فقال هما معربان1 وفي عبارته هنا قصور حيث قال: "فاتحا" بل
الصواب على ما ينصب به ليشمل ما فصلناه.
ولو قال: وركب المفرد كالنصب لأجاد، ثم مثل: "كلا حول ولا قوة" ثم بين
ما يجوز في هذا المثال ونحوه فقال:
.................. والثان اجعلا ... مرفوعا أو منصوبا أو مركبا
يعني: مع فتح الأول، فإن رفع الأول امتنع نصب الثاني، إذ لا وجه له،
وجاز رفعه وتركيبه فلهذا قال:
وإن رفعت أولا تنصبا
فالحاصل خمسة أوجه:
الأول: "لا حولَ ولا قوةَ" بفتحهما على التركيب، والكلام جملتان.
الثاني: لا حولَ ولا قوةَ" بفتح الأول على التركيب ونصب الثاني على
موضع اسم "لا" باعتبار عملها، وزيادة "لا" الثانية والكلام جملة واحدة.
الثالث: "لا حولَ ولا قوةٌ" بفتح الأول على التركيب أيضا ورفع الثاني
عطفا على موضع "لا" واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء، و"لا"
الثانية عاملة عمل "ليس" فيكون الكلام جملتين.
__________
= لأنه مصدر، والمصدر لا يثني ولا يجمع, وعلى كل حال فجملة "مجد
عواقبه" -سواء أقدرت مبتدأ أم لم تقدر- لا محل لها من الإعراب صلة
الموصول, "فيه" جار ومجرور متعلق بنلذ, "نلذ" فعل مضارع وفاعله ضمير
مستتر فيه, "ولا" نافية للجنس, "لذات" اسمها مبني على الكسرة نيابة عن
الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم في محل نصب, "للشيب" جار ومجرور متعلق
بمحذوف خبر "لا".
الشاهد: في "ولا لذات" حيث يجوز في "لذات" البناء على الكسر والفتح
جميعا لأن اسم لا إذا كان جمعا بألف وتاء يجوز فيه الوجهان البناء على
الفتح والبناء على الكسر والفتح أشهر كذا قاله ابن مالك.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 226، داود، السندوبي،
الأصطهناوي، الأشموني 1/ 151، ابن هشام 1/ 176، وذكره في شذور الذهب
75، والتسهيل لابن مالك ص6.
1 لأنه لم يعهد فيهما التركيب مع شيء آخر، بل ولا وجد في كلام العرب
مثنى وجمع مبنيان, ونقض بأنه قال ببنائهما في النداء فكذا هنا. ا. هـ.
الهمع 1/ 146.
(1/547)
الرابع: "لا حول ولا قوة" برفع الأول
والثاني، فرفع الأول على وجهين1 "على"2 الابتداء و"لا" ملغاة أو
إعمالها عمل "ليس", ورفع الثاني على وجهين: إعمال "لا" عمل "ليس" وعطفه
على الأول.
الخامس: "لا حولٌ ولا قوةَ" برفع الأول على الوجهين وفتح الثاني على
التركيب.
ثم قال:
ومفردا نعتا لمبني يلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل
يجوز في نعت اسم "لا" المبني ثلاثة أوجه:
فتحه ونصبه، ورفعه بشرطين: أحدهما أن يكون مفردا، والثاني: أن يتصل
بالاسم، ولهذا قال: "يلي" أي: يلي المنعوت فتقول: "لا رجل ظريف" بالفتح
على تركيب الصفة مع الموصوف وبالنصب اعتبارا لعمل "لا" وبالرفع اعتبارا
لعمل الابتداء.
فلو تفضل عن المنعوت نحو "لا رجل في الدار ظريفا" أو كان غير مفرد
أعني: مضافا أو شبيها به نحو "لا رجل طالعا جبلا"3 امتنع البناء على
الفتح وجاز النصب والرفع، وهذا معنى قوله:
وغير ما يلي وغير المفرد ... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
فإن قلت: هذا حكم نعت المبني, فما حكم نعت العرب؟
قلت: فيه وجهان: الرفع والنصب مطلقا، وقد وهم من منع الرفع.
ثم كمل حكم المعطوف فقال:
والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى
يعني: أن المعطوف عطف نسق، إن لم يتكرر معه "لا" جاز رفعه ونصبه كالنعت
المفصول.
__________
1 أ، ج.
2 أ، ب.
3 أ، ب.
(1/548)
كقوله:
فلا أبَ وابنًا مثلُ مروانَ وابنِه1 ...
.....................................
وحكى الأخفش فتحه على نية "لا" وهو قليل2.
__________
1 هو صدر بيت من الطويل, قال العيني: رجل من بني عبد مناة فيما زعمه
أبو عبيد البكري وأنشده سيبويه في كتابه ولم يعزه إلى أحد ج1 ص349, ولم
ينسبه أحد من شراحه.
وعجزه:
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
وهو من الخمسين المجهولة القائل.
الشرح: "مروان" هو ابن الحكم بن العاص بن أمية "وابنه" هو: عبد الملك
بن مروان لأنه يمدحهما, "المجد" العز والشرف وكرم النجار، ورجل ماجد:
شريف كريم المحتد، "ارتدى" لبس الرداء, "تأزرا" لبس الإزار والارتداء
والاتزار بالمجد كناية عن غاية الكرم ونهاية الجود، فكأنهما متلبسان به
لا يفارقانه, "مثل" يحتمل أن يكون خبرا مرفوعا فلا حذف. وأن يكون صفة
بالرفع على المحل، وبالنصب على اللفظ والخبر محذوف.
الإعراب: "لا" نافية للجنس "أب" اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح
في محل نصب "وابنا" معطوف على محل اسم لا "مثل" بالنصب على أنه صفة
لاسم لا وما عطف عليه، وعلى هذا خبر لا محذوف، والتقدير: لا أب وابنا
مماثلين لمروان وابنه موجودان، والرفع على أن يكون خبر لا, "مروان"
مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه لا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون,
"وابنه" معطوف على مروان وضمير الغائب على مروان مضاف إليه, "إذا" ظرف
تضمن معنى الشرط, "هو" فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والجملة في محل
جر بإضافة إذا إليها, "بالمجد" متعلق بالفعل المحذوف, "ارتدى" فعل ماض
وفاعله ضمير مستتر فيه والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة, "وتأزرا"
فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه والألف للإطلاق، والجملة لا محل لها
معطوفة على الجملة التفسيرية.
الشاهد: في "لا أب وابنا" حيث عطف على اسم "لا" النافية للجنس، ولم
يكرر "لا" وجاء المعطوف منصوبا، ويجوز فيه الرفع, وذلك أن "لا" إذا لم
تكرر وعطف على اسمها، وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص76، وابن هشام 1/ 289،
وداود، والسندوبي، والأشموني 1/ 153، والمكودي ص45، والسيوطي ص41,
وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 143، وابن يعيش في شرح المفصل 2/ 101,
والشاهد رقم 263 في خزانة الأدب وكتاب سيبويه ج1 ص349.
2 وأما حكاية الأخفش لا رجل ولا امرأة بالفتح -فشاذة -إذ لا يصح البناء
لوجود الفصل بحرف العطف, وخرجه بعضهم على أن الأصل ولا امرأة، فحذفت
"لا" وأبقي البناء بحاله على نيتها. ا. هـ. أوضح المسالك وشرحه 1/ 290.
(1/549)
فإن تكررت "لا" فقد تقدم حكمه.
فإن قلت: قد فهم من كلامه حكم النعت "وحكم"1 النسق فما حكم بقية
التوابع؟
قلت: أما البدل الصالح لعمل "لا" وعطف البيان عند من أجازه في النكرات
فهما كالنعت المفصول يجوز فيهما الرفع والنصب, فإن كان البدل معرفة
تعين رفعه إذ المعرفة لا تصلح لعمل "لا".
وأما التوكيد فقيل لا يدخل في هذا الباب لأن النكرة لا تؤكد.
قلت: إنما يمتنع توكيد النكرة عند البصريين بالتوكيد المعنوي، وأما
اللفظي فلا يمتنع.
ثم قال:
وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام
إذا دخلت الهمزة على "لا" فله أربعة معان:
"أحدها"2: وهو الأكثر أن تكون للتوبيخ والإنكار كقوله:
ألا طعان ألا فرسان عادية3 ... ..................................
__________
1 ب، ج وفي أ "وعطف".
2 أ، ب وفي ج "أحدهما".
3 صدر بيت: قائله: حسان بن ثابت الأنصاري، وهو من قصيدة يهجو بها
الحارث بن كعب المجاشعي.
وعجزه:
إلا تجشؤكم حول التنانير
وذكر البيت في ب, وهو من البسيط.
الشرح: "طعان" من طاعن تطاعن مطاعنة وطعانا، "فرسان" الفوارس جمع فارس
وهو جمع شاذ لا يقاس عليه "عادية" من العدو -بالعين- ويقال بالغين
المعجمة من الغدو, "تجشؤكم" -بالجيم والشين- من تجشأت تجشؤا وهو من
الجشاء, وهو دليل الامتلاء من الطعام, "التنانير" جمع تنور وهو ما يخبز
فيه.
المعنى: يقول هذا لبني الحارث بن كعب ومنهم النجاشي وكان يهاجيه فجعلهم
أهل نهم وحرص على الطعام لا أهل غارة وقتال.
الإعراب: "ألا" الهمزة للاستفهام ولا النافية للجنس والحرفان للتوبيخ
والإنكار, "طعان" =
(1/550)
الثاني: أن تكون لمجرد الاستفهام عن النفي
كقوله:
ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد1
__________
= اسم لا وخبرها محذوف أي: لكم, "ألا" مثل السابقة, "فرسان" اسمها,
"عادية" بالنصب صفة لفرسان, وقيل: حال منه وخبر لا محذوف، وبالرفع يجوز
أن يكون صفة لاسم لا باعتبار محله مع لا، أو تجعله خبر لا, "إلا" أدة
استثناء, "تجشؤكم" يجوز رفعه على أنه بدل من اسم لا باعتبار محله،
ويجوز نصبه على الاستثناء المنقطع, "حول" ظرف متعلق بتجشؤ, "التنانير"
مضاف إليه.
الشاهد: في "ألا طعان" حيث جاء فيه التوبيخ والإنكار مع بقاء عملها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص77، والسندوبي، وداود,
والأصطهناوي، والأشموني 1/ 153، والسيوطي ص41، وأيضا ذكره في همع
الهوامع 1/ 147، وذكره ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 66، وسيبويه في
كتابه ج1 ص358.
1 صدر بيت قائله: قيس بن الملوح, وروي: ألا اصطبار لليلى. وهو من
البسيط.
وعجزه:
إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
وذكر البيت في "ب".
الشرح: "اصطبار" تصبر وجلد وسلوان واحتمال، "لاقاه أمثالي" كناية عن
الموت.
المعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت أيمتنع الصبر على
سلمى أم يبقى لها تجلدها وصبرها؟
الإعراب: "ألا" الهمزة للاستفهام ولا: نافية للجنس, "اصطبار" اسم لا
مبني على الفتح في محل نصب, "لسلمى" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر, "لا"
عاطفة, "لها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "جلد" مبتدأ مؤخر،
والجملة معطوفة على جملة "لا" واسمها وخبرها, "إذا" ظرف, "ألاقي" فعل
مضارع والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "الذي"
اسم موصول مفعول ألاقي, "لاقاه" فعل ماض والهاء مفعول, "أمثالي" فاعل
وياء المتكلم مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها
صلة الموصول.
الشاهد: في "ألا اصطبار" حيث عامل "لا" بعد دخول همزة الاستفهام مثل ما
كان يعامله قبل دخولها والمراد من الهمزة و"لا" جميعا الاستفهام عن
النفي, وبهذا البيت يندفع ما ذهب إليه الشلوبين من أن الاستفهام عن
النفي لا يقع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص77، وابن هشام ص1/ 291,
وابن عقيل 1/ 234، والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 153، والسيوطي في
همع الهوامع 1/ 247، وابن هشام في المغني 1/ 66.
(1/551)
وللا مع الهمزة في هذين المعنيين من تركيب
وعمل وإلغاء ما لها مجردة من الهمزة.
والثالث: أن تكون للتمني كقوله:
ألا عمر ولي مستطاع رجوعه1 ...
.......................................
ولها عند المازني والمبرد في التمني مالها مجردة من جميع الأحكام
السابقة.
وذهب الخليل وسيبويه2 والجرمي ومن وافقهم إلى أنها تعمل في الاسم خاصة،
ولا خبر لها, ولا يتبع اسمها إلا على اللفظ، ولا تلغى ولا تعمل عمل
"ليس"3.
__________
1 قال العيني: احتج بهذا البيت جماعة من النحاة ولم ينسبه أحد إلى
قائل، وبالبحث لم أعثر على قائله, وهو من الطويل.
وعجزه:
فيرأب ما أثأت يد الغفلات
الشرح: "ولى" أدبر، وذهب، "فيرأب" من رأبت الإناء إذا أصلحته يجبر
ويصلح، "أثأت" فتقت وصدعت وشعبت وأفسدت، وتقول: رأب فلان الصدع، ورأب
فلان الإناء إذا أصلح ما فسد منهما.
المعنى: أتمنى رجوع العمر الذي مضى لأصلح ما أفسدته في زمن الغفلة
والجهل.
الإعراب: "ألا" كلمة واحدة للتمني، ويقال: الهمزة للاستفهام وأريد بها
التمني, ولا: نافية للجنس، وليس لها خبر لفظا ولا تقديرا, "عمر" اسمها,
"ولى" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب صفة لعمر,
"مستطاع" خبر مقدم, "رجوعه" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب صفة ثانية
لعمر, "فيرأب" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب
التمني والفاعل مستتر فيه, "ما" اسم موصول مفعول, "أثأت" فعل ماض
والتاء للتأنيث, "يد" فاعل, "الغفلات" مضاف إليه, والجملة من الفعل
والفاعل لا محل لها صلة الموصول والعائد محذوف تقديره أثاته.
الشاهد: في "ألا عمر" حيث أريد بالاستفهام مع "لا" مجرد التمني وهذا
كثير في كلام العرب, ومما يدل على كون "ألا" للتمني في البيت نصب
المضارع بعد فاء السببية في جوابه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص77، وابن عقيل 1/ 335،
والسندوبي، وداود، والأصطهناوي، والأشموني 1/ 153، والسيوطي ص41، وابن
هشام 1/ 293، وأيضا ذكره في مغني اللبيب 661، وسيبويه في كتابه ج1
ص358.
2 راجع الكتاب ج1 ص359.
3 قال الأشموني ج1 ص153: "فعند الخليل وسيبويه أن "ألا" هذه بمنزلة
أتمنى فلا خبر لها، وبمنزلة "ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها ولا
إلغاؤها إذا تكررت.
وخالفهما المازني والمبرد فجعلاها كالمجرد من الهمزة ولا حجة لهما في
البيت، إذ لا يتعين كون "مستطاع" خبرا أو صفة، "ورجوعه" فاعلا، بل يجوز
كون "مستطاع" خبرا مقدما، "ورجوعه" مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة ثانية،
ولا خبر هناك". ا. هـ. وإلى مذهب سيبويه أميل.
(1/552)
والرابع: أن تكون للعرض والتحضيض, فلا
يليها حينئذ إلا فعل ظاهر أو مقدر أو معمول فعل مؤخر, ولا تعمل عمل
"إن" ولا عمل "ليس" لأنها مختصة بالفعل.
وما ذكره ابن الحاجب من أن التي للعرض تعمل عمل "إن" لم يصح1.
وقد ذهب بعضهم إلى أن التي للعرض ليست مركبة من الهمزة و"لا" النافية
بل هي حرف بسيط.
وأما "ألا"2 "التي"3 للاستفتاح فهي غير مركبة على الأظهر خلافا لمن قال
بتركيبها.
إذا تقرر هذا، فاعلم أن كلام المصنف مناقش من وجهين: أحدهما: أنه أطلق
فشمل التي للعرض.
فإن قلت: فلعله يقول بأنها غير مركبة من الهمزة ولا فلم يشملها
الإطلاق.
قلت: قد استثناها في الكافية والتسهيل: فدل على أنها عنده "مركبة"4.
والآخر أن مقتضى كلامه هنا موافقة المازني والمبرد في تسوية التي
للتمني بالتي للتوبيخ والإنكار، والتي لمجرد الاستفهام، وهو خلاف ما
ذهب إليه في غير هذا الكتاب.
ثم قال:
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر
__________
1 الكافية 1/ 261.
2 أ، ج.
3 ج، ب.
4 أ، ج.
(1/553)
إذا علم خبر "لا" كثر حذفه عند الحجازيين
ووجب عند التميميين والطائيين ومن حذفه قوله تعالى: {قَالُوا لَا
ضَيْرَ} 1.
وإن لم يعلم وجب ذكره عند جميع العرب2، ولذلك قال: "إذَا المراد مع
سقوطه ظهر".
ولا فرق بين الظرف وغيره خلافا لمن فصل.
ثم انتقل إلى القسم الثالث من نواسخ الابتداء فقال:
__________
1 سورة الشعراء: 50.
2 قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أغير من الله".
وقول الشاعر:
ورد جازرهم حرفا مصرمة
ولا كريم من الولدان مصبوح
ا. هـ. ابن عقيل 1/ 236.
(1/554)
|