توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك

المفعول فيه, وهو المسمى ظرفًا:
قال:
الظرف: وقت أو مكان ضُمِّنا ... في باطِّراد: كهُنا امكثْ أزمُنا
"وقت أو مكان" جنس "ضمن" مخرج لوقت أو مكان لم يضمن معناه نحو: "يومنا يوم مبارك", و"نحن في مكان حسن".
"ثم قال"1: "باطراد"؛ احترازا مما نصب بدخل من المكان المختص نحو: "دخلت الدار" فهو منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا، لا نصب الظرف، إذ لو كان ظرفا لم يختص بدخل؛ لأن "الظرف"2 لا يختص بعامل دون عامل.
بل الظرف غير المشتق من اسم الحدث, يتعدى إليه كل فعل.
قال الشارح: وإذا كان كذلك, فلا حاجة إلى الاحتراز "عنه"3 بقيد الاطراد؛ لأنه يخرج بقولنا: "مضمن معنى في" ا. هـ4.
قلت: وفي نصب المختص من المكان بعد دَخَلَ ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا كما سبق، وهو مذهب الفارسي والمصنف، ونسبه إلى سيبويه.
والثاني: أنه منصوب على الظرفية تشبيها له بالمبهم, ونسبه الشلوبين إلى "سيبويه5 ونسب"6 إلى الجمهور.
__________
1 أ.
2 أ، جـ, وفي ب "المطرد".
3 أ، ب.
4 الشارح ص113.
5 قال سيبويه جـ1 ص15: "وقد قال بعضهم: ذهبت الشام؛ شبهه بالمبهم إذا كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب".
6 أ، جـ.

(2/657)


والثالث: أنه مفعول به ودخل, تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر، وهو مذهب الأخفش"1" 2.
وقوله: "كهنا" مثال لظرف المكان, "وأزمنا" مثال لظرف الزمان.
ثم قال:
فانصبه بالواقع فيه مُظْهَرا ... كان وإلا فانْوِهِ مقدَّرا
يعني: أن حكم الظرف النصب، وأن الناصب له هو الواقع فيه من فعل أو ما "في"3 معناه, وأن الناصب له يكون ظاهرا نحو: "جلست أمام المسجد" و"سرت يومَ الخميس", وقد يكون مقدرا إما جوازا نحو: "يوم الجمعة" لمن قال: "متى قدمتَ؟ ".
وإما وجوبا كالواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة4.
ثم قال:
وكلّ وقت قابل ذاك ... ... .....................
يعني: أن جميع أسماء الزمان قابلة للظرفية؛ مبهمها ومختصها.
وأما المعدود فهو من المختص, خلافا لمن جعله قسما ثالثا.
فالمبهم: ما دل على قدر من الزمان غير معين كحين، والمختص بالمحدود: ما له مقدار من الزمان معلوم نحو: "يومين".
والمختص غير المعدود: كأعلام الأيام, وما اختص "بأل"5 أو بالصفة أو بالإضافة، ثم قال:
__________
1 وقد ارتضيت المذهب أول؛ لأنه يحتاج إلى قيد "اطراد", ولا عبرة بمخالفة ابن الناظم حيث قال: لا يحتاج إلى هذا القيد.
قال الصبان ج2 ص95: "وجعل الحق مع ابن الناظم ناشئ عن عدم التدبر". وقال الأشموني: "وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد "باطراد", وعلى الأول يحتاج إليه خلافا للشارح" ا. هـ.
2 راجع الأشموني 1/ 218.
3 ب، جـ, وفي أ "فيه".
4 الخبر "زيد عندك", والصفة نحو: "مررت بطائر فوق غصن" -فوق صفة لطائر- والحال نحو: "رأيت الهلال بين السحاب"، والصلة نحو: "رأيت الذي عندك"، فعندك صلة للذي. والناصب محذوف وجوبا في الأحوال الأربعة، ويقدر: مستقرا أو استقر, إلا في الصلة فيقدر: استقر؛ لأن الصلة جملة. ا. هـ. أشموني 1/ 219.
5 ب، جـ, وفي أ "بإلا".

(2/658)


........ وما ... يقبله المكان إلا مبهما
يعني: أن أسماء المكان لا تقبل الظرفية إلا إذا كانت مبهمة، فإن كانت مختصة لم تقبل الظرفية نحو: "الدار" و"المسجد".
ثم قال:
نحوُ الجهات والمقادير، وما ... صِيغَ من الفعل كمرمَى مِن رَمَى
فمثّل المبهم بثلاثة أنواع:
الجهات: نحو: خلف "وقُدَّام"1 وأمام.
والمقادير: نحو: "ميل" و"فرسخ"2.
وما صيغ من اسم الحدث نحو: "مرمى ومذهب".
فظاهره أن هذه الثلاثة أنواع للمبهم, أما الجهات فلا إشكال في أنها مبهمة.
وأما المقادير فظاهر كلام الفارسي أنها داخلة تحت المبهم، وصححه بعض النحويين.
وقال الشلوبين: ليست داخلة تحته، وصحح بعضهم "أنها شبيهة"3 بالمبهم, لا مبهم.
وأما ما صيغ من "اسم"4 الحدث، فالظاهر أنه من المختص, لا من المبهم كما نص عليه غيره، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية.
قال فيه: وأما المكان فلا يكون من أسمائه "ظرفا"5 صناعيا إلا ما كان مبهما أو مشتقا من اسم الحدث6 ا. هـ. فجعله قسيمه.
قلت: وقد قسم المصنف المصدر إلى مبهم ومختص، وصرح بأن المعدود من المختص, وقياسه أن يجعل المعدود في الظرف من المختص أيضا.
__________
1 ب.
2 الميل: ألف باع, والفرسخ: ثلاثة أميال.
3 أ, وفي جـ "أنه مشبه", وفي ب "أيضا شبّهه".
4 أ، حـ.
5 أ، ب, وفي جـ "مختصا".
6 شرح الكافية, ورقة 42.

(2/659)


فإن قلت: ما يعنى بالفعل في قوله: "وما صيغ من الفعل"؟
قلت: ظاهر كلامه أنه الفعل الصناعي؛ لقوله: "كمرمى من رمى" وليس ذلك بجيد؛ لأنه لم يصغ من الفعل وإنما صيغ من المصدر, "وإن"1 حمل على الفعل اللغوي وهو المصدر "فهو صحيح"2, "لولا"3 "أن"4 قوله: "من رمى" يبعده.
ثم قال:
وشرط كون ذا مَقِيسا أن يقع ... ظرفا لما في أصله معه اجتمع
الإشارة إلى ما اشتق من اسم الحدث, يعني: أن هذا النوع لا يكون ظرفا مقيسا إلا إذا كان العامل فيه موافقا له في الاشتقاق نحو: "رميت مرمى زيد"، "وقعدت مقعده", "فلذا"5 عد من الشواذ قولهم: "هو مني مقعد القابلة"6 ونحوه7.
وتقدير قوله: "لما في أصله معه اجتمع" مع الظرف في أصله, وهو اسم الحدث.
فإن قلت: يخرج من كلامه نحو: "سرني "جلوسي"8 مجلسك"؛ لأن العامل فيه أصله لا شيء اجتمع معه في أصله.
قلت: هذا, وإن لم تشمله عبارته فقد "تقرر"9 أن المصدر يعمل عمل فعله.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "وإنما".
2 أ، ب, وفي جـ "فصحيح".
3 أ، جـ, وفي ب "إلا".
4 أ، ب.
5 أ، جـ, وفي ب "ولذلك".
6 القابلة: المولّدة، والمعنى: أنه قريب كقرب مكان قعود القابلة عند ولادة المرأة.
7 ونحوه: "هو مني مزجر الكلب، ومناط الثريا، ومعقد الإزار" ووجه الشذوذ, إذ التقدير: هو مني مستقر في مزجر الكلب, فعامله الاستقرار، وليس ما اجتمع في أصله. ولو أعمل في المزجر زجر، وفي المناط ناط، وفي المقعد قعد لم يكن شاذا. ا. هـ. أشموني جـ1 ص22.
8 ب، جـ, وفي أ "جلوسك".
9 أ، جـ, وفي ب "تقدم".

(2/660)


ثم قال:
وما يرى ظرفا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف
كلٌّ من ظرف الزمان وظرف المكان "قسمان"1: متصرف وغير متصرف:
فالمتصرف: ما لا يلزم, بل يستعمل ظرفا تارة وغير ظرف أخرى نحو: "يوم وليلة" من الزمان، و"يمين وشمال" من المكان.
وغير المتصرف: ما لا يخرج عن الظرفية أصلا "كقَطّ" و"عَوْض"2, أو لا يخرج عنها إلا "إلى"3 "شبهها"4.
والمراد بشبه الظرفية الجر "بمن".
وإنما يثبت تصرف الظرف بالإخبار عنه والجر بغير "من" "في الاختيار"5؛ لأن "من" كثرت زيادتها فلم يعتد بها.
فلذلك حكم على "قبلُ وبعدُ وعندَ ولدُن" بعدم التصرف مع "أنها تجر"6 بمن. وإلى هذا أشار بقوله:
وغير ذي التصرف....
البيت
ثم قال:
وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر
نيابة المصدر عن الظرف من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وشرط "ذلك"7 إفهام تعيين "وقت"8 أو مقدار، وذلك قليل في المكان كقولهم: "جلست قرب زيد، وقصده" أي: مكان قربه, ومكان قصده.
__________
1 أ، جـ.
2 قط وعوض لا يستعملان إلا بعد نفي، وقط لاستغراق الماضي من الزمان, وعوض لاستغراق المستقبل مثل أبدا، وقط: مشتقة من: قططت الشيء إذا قطعته، وعوض: مشتقة من العوض, قط: مبنية على الضم، وعوض: تبنى على الحركات الثلاث إذا لم تضف.
3 في النسخ لم تذكر "إلى", والسياق يقتضي زيادتها.
4 أ، جـ, وفي ب "يشبهها".
5 أ، جـ.
6 أ، جـ, وفي ب "الجر".
7 ب، جـ, وفي أ "ذلك".
8 أ, وفي ب "مكان".

(2/661)


وكثير في الزمان نحو: "كان"1 ذلك "خفوق"2 النجم، و"طلوع الثريا" أي: وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الثريا.
وكثرته تقتضي القياس عليه.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "فعلت".
2 ب، جـ, وفي أ "حقوق".

(2/662)


المفعول معه:
قال:
يُنصَب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعه
المفعول معه: هو الاسم المنصوب بعد "واو بمعنى"1 مع، نحو: "سيري والطريقَ" أي: مع الطريق.
وهذا الباب مقيس على الأصح2، وقد فهم ذلك من قوله: "نحو".
ثم قال:
بما من الفعل وشَبَهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحقّ
ناصب المفعول معه: إما فعل نحو: "استوى الماءُ والخشبةَ", وإما اسم يشبهه نحو: "زيد سائرٌ والطريقَ".
ومذهب سيبويه3 أنه لا يعمل فيه العامل المعنوي كاسم الإشارة وحرف التشبيه4 والظرف المخبر به.
وأجاز أبو علي في قول الشاعر:
............................. ... هذا ردائي مطويا وسربالا5
__________
1 أ، جـ, وفي ب "الواو التي بمعنى".
2 قال الأخفش: هذا الباب سماعي، وذهب غيره إلى أنه مقيس في كل اسم استكمل الشروط، وهو الصحيح، أشموني 1/ 277.
3 جـ1 ص150 الكتاب.
4 ب، جـ, وفي أ "التنبيه".
5 هذا عجز بيت من البسيط. قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر على اسم قائله.
وصدره:
لا تحسبنك أثوابي فقد جمعت
وذكر البيت كله في نسخة ب.
الشرح: "سربالا" -بكسر السين- وهو القميص. قاله الجوهري.
الإعراب: "لا" حرف نهي, "تحسبنك" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم بلا الناهية, ونون التوكيد حرف, والكاف ضمير المخاطب =

(2/663)


أن يكون العامل فيه هذا.
وذهب الجرجاني إلى أن ناصبه الواو نفسها؛ لاختصاصها بالاسم، ورُد بأنها لو كانت ناصبة، لاتصل الضمير بها1.
ولم يشترط "تقديم"2 فعل أو شبهه، وإليه أشار بقوله: "بالواو", وفهم من قوله: "سَبَق" أن المفعول معه لا يتقدم على عامله, "وهذا"3 متفق عليه.
وأما تقديمه على مصاحبه نحو: "استوى والخشبةَ الماءُ" فمذهب الجمهور، والصحيح منعه، وأجازه ابن جني4.
__________
= مفعول مبني على الفتح في محل نصب, "أثوابي" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه, "فقد" الفاء للتعليل, وقد حرف تحقيق, "جمعت" فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي, "هذا" ها حرف تنبيه, وذا اسم إشارة مبتدأ مبني على السكون في محل رفع, "ردائي" خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهي مضاف إليه, "مطويا" حال من رداء منصوب بالفتحة الظاهرة, "وسربالا" الواو للمعيّة, وسربالا مفعول معه منصوب بفتحة ظاهرة.
الشاهد: في "هذا.... سربالا", "حيث إن سربالا مفعول معه ولم يتقدمه الفعل, بل قد تقدمه ما يتضمن معنى الفعل وحروفه وهو هذا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص116, والأشموني 1/ 244.
1 كما في سائر الحروف الناصبة, فكان يقال: جلست وك، وذلك ممتنع، والصحيح الأول، قال السيوطي في الهمع 1/ 219: "أحدها وهو الأصح أن ما تقدمه من فعل أو شبهه".
2 أ، وفي ب، جـ "تقدم".
3 أ، جـ, وفي ب "وهو".
4 تمسك ابن جني بقوله:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعوي
وقوله:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقبا
على رواية من نصب السوءة واللقب. يعني أن المراد في الأول جمعت غيبة ونميمة مع فحش. وفي الثاني ولا ألقبه اللقب مع السوءة؛ لأن من اللقب ما يكون لغير سوءة، ولا حجة له فيهما؛ لإمكان جعل الواو فيهما عاطفة قدمت هي ومعطوفها, وذلك في البيت الأول ظاهر، وأما الثاني فعلى أن يكون أصله: ولا ألقبه اللقب ولا أسوءه السوءة ثم حذف ناصب السوءة ا. هـ. أشموني جـ1 ص224, وراجع الخصائص 2/ 383 لذلك أقول: والمنع أولى.

(2/664)


ثم قال:
وبعد "ما" استفهام أو "كيف" نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب
من كلامهم: "كيف أنت, وقصعة من ثريد" و"ما أنت وزيدٌ" برفع ما بعد الواو على أنها العاطفة، وبعضهم ينصب على أنها التي للمعية وما قبلها مرفوع بفعل مضمر هو الناصب لما بعدها، تقديره: كيف يكون؟ وما يكون؟ والصحيح أن "كان" المقدرة ناقصة، وكيف خبر مقدم، وكذلك "ما". واعلم أن الصالح؛ لكونه مفعولا معه على ثلاثة أقسام:
قسم: يجوز فيه العطف والنصب على المعية، والعطف أرجح.
وقسم: يجوز فيه الأمران, والنصب على المعية أرجح.
وقسم: يمنع فيه العطف.
فالأول: "هو"1 ما أمكن فيه العطف بلا ضعف من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى نحو: "قمت أنا وزيد" وإن شئت نصبت.
والثاني: ما لا يمكن فيه العطف إلا بضعف من جهة اللفظ نحو: "قمت وزيد"؛ لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل ضعيف، أو من جهة المعنى كقولهم: "لو تركتَ الناقةَ وفصيلَها لرضعَها", فإن العطف فيه ممكن على تقدير: لو تركت الناقة ترأَمُ فصيلها وترك فصيلها لرضاعها لرضعه2.
هذا تكلف وتكثير عبارة3، فهو "ضعيف"4, والوجه النصب على معنى: لو تركت الناقة مع فصيلها.
__________
1 أ، جـ.
2 جـ, وفي أ "لو تركت الناقة ترأم فصيلها وترك فصيلها لرضاعها فأرضعها", وفي ب "لو تركت الناقة وفصيلها لرضاعها لرضعها", والتقدير مع العطف لو تركت الناقة ترأم فصيلها لرضاعها لرضعها.
3 أي: تكثير للعبارة المقدرة، والعطف من عطف السبب على المسبّب. ا. هـ. صبان 1/ 105.
4 أ، جـ, وفي ب "مضعف".

(2/665)


والثالث: "هو"1 ما لا يمكن فيه العطف لمانع لفظي نحو: "ما لك وزيدًا؟ " فإن العطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور, أو معنوي نحو: "سرت والجبل" مما لا يصلح للمشاركة.
فهذا ونحوه يجب فيه النصب على المعية، ويمتنع "فيه"2 العطف.
وقد أشار إلى الأول بقوله:
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... ..............................
وإلى الثاني بقوله:
.............. ... والنصب مختار لدى ضعف النَّسَق
وإلى الثالث بقوله:
والنصب إن لم يجُز العطف يجب ... ...............................
وأما قوله:
................... ... أو اعتقد إضمار عامل تُصِب
فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون "تخييرا"3 فيما امتنع عطفه بين نصبه على المعية وبين إضمار عامل، حيث يصح إضماره, كقوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} 4.
فإنه لا يصح جعله معطوفا؛ لأن أجمع بمعنى عزم, "فلا"5 ينصب "إلا"6 الأمر والكيد ونحوهما.
ولك أن تجعل "شركاءكم" مفعولا معه، و"لك"7 أن تجعله مفعولا به بفعل مقدر.
تقديره: وأجمعوا من جمع؛ لأن جمع بمعنى ضم المتفرق، فينصب الشركاء ونحوه.
وقد حكي أن أجمع بمعنى جمع, فعلى هذا يصح العطف.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "مخيرا".
4 من الآية 71 من سورة يونس.
5 أ، جـ, وفي ب "لا".
6 أ، ب.
7 ب.

(2/666)


والثاني: أن يكون تنويعا.
والمعنى: أن ما امتنع فيه العطف نوعان: نوع يجب فيه النصب على المعية، ونوع يضمر له عامل؛ لأن المعية فيه أيضا ممتنعة كقوله:
علفتُهَا تبنا وماء باردا1 ... ...................
فماء منصوب بفعل مضمر تقديره: "سقيتها ماء", ولا يجوز عطفه لعدم المشاركة ولا نصبه على المعية لعدم المصاحبة.
ويجوز أن يجعل "قوله"2: "أو اعتقد إضمار عامل" شاملا للناصب كما مثلنا به.
__________
1 هذا صدر بيت. قال العيني: أقول: هذا رجز مشهور بين القوم لم أر أحدا عزاه إلى راجزه. وبحثت فلم أعثر على قائله.
وعجزه:
حتى شتت همالة عيناها
الشرح: "علفتها": أطعمتها وقدمت لها ما تأكله, "تبنا" -بكسر التاء وسكون الباء- قصب الزرع بعد أن يدرس, "شتت" يروى في مكانه "بدت" وهما بمعنى واحد، "همالة" صيغة مبالغة, من هملت العين, إذا همرت بالدموع.
المعنى: قد أشبعت الدابة تبنا, وأرويتها ماء حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع على عادة الدواب.
الإعراب: "علفتها" فعل وفاعل ومفعول أول, "تبنا" مفعول ثانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة, "وماء" الواو عاطفة, ماء مفعول به لفعل محذوف تقديره: وسقيتها ماء, "باردا" صفة لماء منصوبة بالفتحة الظاهرة, "حتى" حرف غاية وجر, "شتت" فعل ماضٍ والتاء للتأنيث, "همالة" حال من فاعل غدت منصوب بالفتحة الظاهرة, "عيناها" فاعل غدت مرفوع بالألف نيابة عن الضمة؛ لأن مثنى وضمير الغائبة مضاف إليه.
الشاهد: في "وماء", فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله؛ لكون العامل في المعطوف عليه لا يتسلط على المعطوف، إذ لا يقال: علفتها ماء.
ومن أجل ذلك كان نصبه على أحد أقوال ثلاثة: إما على تقدير فعل يعطف على "علفتها", وإما على أن "علفتها" بمعنى أنلتها, وإما النصب على المعية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص119، وابن عقيل 1/ 334، والأشموني 1/ 226, وابن هشام 2/ 56. وأيضا في شذور الذهب ص214, والمكودي ص69، والسيوطي ص62، وابن هشام في مغني اللبيب 2/ 169.
2 ب، جـ.

(2/667)


وللجار كقولك: "ما لك وزيد؟ " فيجوز جره لا بالعطف بل بإضمار الجار، كما نص عليه في شرح الكافية1, وكلامه فيه يؤيد هذا الاحتمال "والله أعلم"2.
__________
1 راجع شرح الكافية, ورقة 43.
2 أ، ب.
- فائدة ذكرها الشيخ الصبان عقب المفعول معه:
"قال الفارضي: إذا اجتمعت المفاعيل قدم المفعول المطلق ثم المفعول به الذي تعدى إليه العامل بنفسه، ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول فيه الزماني، ثم المكاني، ثم المفعول له، ثم المفعول معه "كضربت ضربا زيدا بسوط نهارا هنا تأديبا وطلوع الشمس" ا. هـ باختصار.
والظاهر أن هذا الترتيب أولى, لا واجب" ا. هـ 2/ 106.

(2/668)