توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك النعت:
يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل
التابع هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر.
فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ، والمفعول الثاني، والحال المنصوب,
ونحو ذلك.
ولكن يرد عليه "حامض" ونحوه من قولك: "هذا حلو وحامض", فخرج بزيادة غير
خبر1.
والتابع جنس، يشمل خمسة أنواع، وهي: النعت،
والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل, ودليل الحصر الاستقراء.
فإن قلت: كيف قال: "يتبع في الإعراب الأسماء" وبعض التوابع قد يتبع غير
الاسم؟
قلت: لا دليل في كلامه على اختصاصها بالأسماء، وسنبين أن التوكيد
اللفظي والبدل وعطف النسق يتبع غير الاسم.
فإن قلت: ما معنى قوله: "الأول"؟
قلت: فيه إشارة إلى وجوب تقديم المتبوع على التابع.
وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كانت لاثنين أو جماعة
وقد تقدم أحد الموصوفين، تقول: "قام زيدٌ العاقلانِ وعمرٌو".
ومنه قول الشاعر2:
............... ... أبى ذاك عَمِّي الأكرمانِ وخاليا
__________
1 ولا ينافيه قول بعضهم: إنه جزء خبر؛ لأنه ناظر إلى المعنى.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وصدره:
ولست مقرا للرجال ظلامة
اللغة: "مقرا" اسم فاعل من الإقرار, وهو من إثبات الشيء وعدم إنكاره,
"ظلامة" -بضم =
(2/945)
وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بأربعة شروط:
الأول: أن يكون بالواو، وقال هشام: تقديم الفاء وثم وأو ولا، جيد.
الثاني: ألا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرا.
الثالث: ألا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف، فلا يجوز: "أن
وزيدا عمرا ذاهبان".
الرابع: ألا يكون المعطوف مخفوضا، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا في
الشعر بشروطه.
تنبيهان:
الأول: اختُلف في العامل في التابع، فمذهب الجمهور أن العامل فيه هو
العامل في المتبوع إلا البدل، فالجمهور على أن العامل فيه مقدر.
وذهب قوم منهم المبرد إلى أن العامل فيه المبدل منه، واختاره المصنف
وهو ظاهر, وهو العامل في مذهب سيبويه.
الثاني: لم يتعرض هنا لبيان "رتب"1 التوابع، وقال في التسهيل: ويُبدأ
__________
= الظاء وفتح اللام مخففة- اسم لما يدعيه المظلوم قِبَل ظالمه, "أبى"
امتنع, "الأكرمان" مثنى الأكرم، وهو أفعل التفضيل من الكرم, "خاليا"
أخو الأم.
الإعراب: "لست" ليس واسمها, "مقرا" خبرها, "للرجال" متعلق بمقر,
"ظلامة" مفعول به لمقر, "أبى" فعل ماض, "ذاك" اسم إشارة مفعول به لأبى
والكاف حرف خطاب, "عمي" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم
وهو مضاف والياء مضاف إليه, "الأكرمان" نعت لفاعل أبى, "وخاليا" معطوف
على عم وياء المتكلم مضاف إليه.
الشاهد فيه: "عمي الأكرمان وخاليا" حيث قدم الشاعر النعت وهو
"الأكرمان" على أحد المنعوتين وهو "خاليا", فإن قوله: "الأكرمان" صفة
لقوله: "عمي وخاليا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 392/ 2, وذكره السيوطي في
الهمع 120/ 2.
1 أ، جـ, وفي ب "ترتيب".
(2/946)
-عند اجتماع التوابع- بالنعت، ثم بعطف
البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل, ثم بالنسق1, وأجاز بعضهم تقديم
التأكيد على الصفة، نقله صاحب البديع.
وقوله:
فالنعت تابع مُتمّ ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتَلَق
قوله: "تابع" جنس يشمل الخمسة، وقوله: "متم ما سبق" مخرج البدل والنسق،
وقوله: "وسمه أو وسم ما به اعتلق" مخرج لعطف البيان والتوكيد، وذلك
أنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع
اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يُوصِّل إلى ذلك بدلالته على معنى في
المنعوت أو متعلقه، والتوكيد وعطف البيان ليسا كذلك.
فإن قلت: إنما يشمل قوله: "متم ما سبق" ما جيء به من النعوت؛ لتوضيح
وتخصيص، وأما ما جيء لمدح أو ذم أو توكيد أو ترحم فلا.
قلت: لما كان أصل النعت أن يؤتى به للتوضيح والتخصيص, اقتصر عليه.
وقوله:
وليُعطَ في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كامْرُر بقوم كرُما
يجب تبعية النعت للمنعوت في الإعراب والتعريف والتنكير.
فتنعت المعرفة بالمعرفة نحو: "امرر بالقومِ الكرماءِ", والنكرة بالنكرة
نحو: "امرر بقومٍ كرماءَ".
ولا تنعت المعرفة بالنكرة؛ لأن في النكرة إبهاما وفي المعرفة إيضاحا،
فتدافَعَا.
تنبيهات:
الأول: لم يتعرض هنا "لموافقة النعت للمنعوت"2 في الإعراب؛ استغناء
بقوله أولا: "يتبع في الإعراب".
__________
1 فيقال: جاء الرجل الفاضل أبو بكر نفسُهُ أخوك وزيدٌ.
2 جـ, وفي ب "لموافقته النعت".
(2/947)
الثاني: استثنى الشارح من المعارف المعرف
بلام الجنس، قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة
المخصوصة؛ ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله1:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني ... فأعفّ ثم أقول لا يعنيني
إن "يسبني" صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام،
ومثله قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ
النَّهَارَ} 2 وقولهم: "ما ينبغي للرجل مثلك -أو خيرٍ منك- أن يفعل
كذا" انتهى.
قلت: أما نعته بالجملة, فقد نص عليه في التسهيل وغيره, وسيأتي.
__________
1 قائله: هو رجل من بني سلول, وهو من الكامل.
اللغة: "اللئيم" الشحيح الدنيء النفس، وروي: فمضيتُ ثُمَّتْ قُلتُ.
المعنى: يقول: والله إنني لأمرّ على الرجل الدنيء النفس الذي من عادته
أن يسبني، فأتركه وأذهب عنه وأرضي نفسي بقولي لها: إنه لا يقصدني بهذا
السباب.
الإعراب: "ولقد" الواو للقسم والمقسم به محذوف واللام واقعة في جواب
القسم, "أمر" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه, "على اللئيم" متعلق بأمر,
"يسبني" فعل مضارع والفاعل ضمير والنون للوقاية والياء مفعول به،
والجملة في محل جر صفة للئيم, "فمضيت" فعل وفاعل, "ثمت" حرف عاطف
والتاء للتأنيث, "قلت" فعل ماض وفاعله, "وإعراب الرواية الأخرى ظاهر".
"لا" نافية, "يعنيني" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والنون للوقاية
والياء مفعول، والجملة في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه: "اللئيم يسبني" حيث وقعت الجملة نعتا للمعرفة وهو "اللئيم"
المقرون بأل. وإنما ساغ ذلك؛ لأن "أل" فيه جنسية، فهو قريب من النكرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 394/ 2، وابن هشام 121/ 2,
وابن عقيل 148/ 2، والسيوطي ص93، وابن الناظم. وفي كتاب سيبويه 416/ 1,
والشاهد 55 في الخزانة.
2 من الآية 37 من سورة يس.
(2/948)
وأما قولهم: ما يحسن بالرجل خير منك، فمذهب
الخليل في هذا المثال الحكم بتعريف النعت والمنعوت على نية أل مع خير.
ومذهب الأخفش الحكم بتنكيرهما على زيادة أل في "الرجل".
قال المصنف: وعندي أن أسهل مما ذهبا الحكم بالبداية، وتقدير التابع
والمتبوع على ظاهرهما.
الثالث: ما ذكر من وجوب تبعية النعت للمنعوت في التعريف والتنكير, وهو
مذهب جمهور النحويين.
وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا اختصت بالمعرفة1، وجعل "الأوليان" صفة
"آخران" في قوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ
الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} 2.
وأجاز بعض النحويين وصف المعرفة بالنكرة.
وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف, كقول النابغة3:
.................... ... في أنيابها السم ناقع
__________
1 التسهيل ص167.
2 من الآية 107 من سورة المائدة.
3 قائله: هو النابغة الذبياني, واسمه زياد بن عمرو من قصيدة يقولها في
الاعتذار للنعمان بن المنذر, وهو من الطويل.
وصدره:
أبيت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش
اللغة: "ساورتني" واثبتني, "ضئيلة" -بفتح الضاد وكسر الهمزة وفتح
اللام- قليلة اللحم, وهي الحية الدقيقة قد أتت عليها سنون كثيرة, فقل
لحمها واشتد سمها، وأصلها صفة لموصوف محذوف، أي: حية ضئيلة, "من الرقش"
-بضم الراء وسكون القاف- جمع رقشاء وهي حية فيها نقط سود وبيض, "ناقع"
ثابت طويل المكث.
الإعراب: "أبيت" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر
فيه, "كأني" حرف تشبيه ونصب وياء المتكلم اسمه مبني على السكون في محل
نصب, "ساورتني" فعل =
(2/949)
والصحيح مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه
مؤول.
الرابع: لا يمتنع النعت بالأخص في النكرات نحو: "رجلٌ فصيحٌ", و"غلامٌ
يافعٌ".
وأما في المعارف, فلا يكون النعت أخص عند البصريين، بل مساويا، أو أعم.
قيل: وسبب ذلك أن الاختصاص مؤثر, فوجب لذلك أن يبدأ بالأخص؛ ليقع
الاكتفاء به.
فإن عرض اشتراك, لم يوجد ما يرفعه إلا المساوي.
وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح,
وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة, كما توصف كل نكرة بكل
نكرة. وقوله:
وهو لَدَى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فاقفُ ما قَفَوا
يعني: أن النعت "إن"1 رفع ضمير المنعوت, طابقه في الإفراد والتذكير
وأضدادهما, سواء كان معناه له أو "لسببيه"2 نحو: "مررت برجل حسن أو حسن
__________
= ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "ضئيلة"
فاعل ساور, "من الرقش" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لضئيلة, والجملة من
الفعل والفاعل في محل رفع خبر كأن, "في أنيابها" جار ومجرور متعلق
بمحذوف خبر مقدم والضمير مضاف إليه, "السم" مبتدأ مؤخر, "ناقع" صفة
للسم.
الشاهد فيه: "السم ناقع" حيث إن "ناقع" نكرة وقعت صفة المعرفة, وهو
"السم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 294/ 2, وذكره السيوطي في
الهمع 117/ 2.
1 أ، جـ, وفي ب "إذا".
2 أ، جـ, وفي ب "لسببه".
(2/950)
الوجه" وإن رفع سببيه أفرد مطلقا كرفعه
الظاهر، ووافق في التذكير والتأنيث مرفوعه, لا متبوعه نحو: "مررت
برجلين حسنة جاريتهما".
فحكم النعت في ذلك كحكم الفعل الواقع موقعه، وهذا معنى قوله: "كالفعل".
فإن قلت: كيف سوّى بينه وبين الفعل، وهو مخالفه في أمرين:
أحدهما: أن الوصف يجوز تكسيره, مسندا إلى السببي المجموع نحو: "مررت
برجل كرام غلمانه".
والثاني: أن الوصف الرافع لضمير المنعوت قد يعامل معاملة الرافع
للسببي، إذا كان معناه له، فيقال: "مررت برجل حسنة العين", كما يقال:
حسُنت عينه؟ حكى ذلك الفراء، ولا يكون ذلك في الفعل.
قلت: أما الأول فظاهر وروده على النظم، وقد ذكر في التسهيل:
أن الجمع في ذلك أولى من الإفراد، ونص على ذلك سيبويه في بعض نسخ
الكتاب, وهو مذهب المبرد.
وقيل: الإفراد أحسن، ونسب إلى الجمهور، وفصّل بعضهم فقال: الجمع أولى
إن تبع جمعا، والإفراد أولى إن تبع مفردا أو مثنى.
وأما الثاني: فهو وجه ضعيف، ومذهب كثير -منهم الجرمي- منعه.
تنبيهان:
الأول: يجوز تثنية الوصف الرافع السببي وجمعه جمع المذكر السالم على
لغة طيئ، فتقول: "مررت برجلين حسنينِ غلاماهما، وبرجال حسنينَ
غلمانهم".
وقد يفهم ذلك من قوله: "لفعل" أي: على اللغتين.
الثاني: ما ذكر من أن مطابقة النعت للمنعوت مشروطة بألا يمنع مانع
منها, كما في جريح ونحوه وأفْعَل من1.
__________
1 قال الشيخ الصبان 47/ 1: "ككون الوصف يستوي فيه المذكر والمفرد
وأضدادهما، وكونه أفعل تفضيل مجردا أو مضافا لمنكور" هـ.
(2/951)
وقوله:
وانعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسِب
المنعوت به قسمان: مفرد وجملة؛ فالجملة ستأتي.
والمفرد قسمان: مشتق وشبهه.
قال في شرح الكافية: والمراد بالمشتق هنا ما كان اسم فاعل أو اسم مفعول
أو أحد أمثلة المبالغة أو صفة مشبهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل، وكل
ذلك معروف مما سبق "ذكره"1.
ويجمعها كلها أن يقال: المشتق الموصوف به ما دل على فاعل أو مفعول به,
مضمنا معنى فعل وحروفه. انتهى.
وإذا كان هذا مراده بالمشتق, لم يرد عليه اسما الزمان والمكان والآلة,
ولا مشاحة في الاصطلاح.
والمراد بشبه المشتق، ما أقيم مقامه من الأسماء العارية من الاشتقاق
"وهي"2 قسمان: مطرد وغير مطرد.
فالمطرد ضربان:
أحدهما: جارٍ مجرى المشتق أبدا.
والآخر: جارٍ مجراه في حال دون حال.
فالجاري أبدا كذي بمعنى صاحب وأسماء النسب المقصود، والجاري في حال دون
حال كأسماء الإشارة غير المكانية وذو الموصولة وفروعها وأخواتها
المبدوءة بهمزة وصل.
وذهب الكوفيون, وتبعهم السهيلي إلى أن أسماء الإشارة لا ينعت بها؛
لجمودها.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "وهو".
(2/952)
وغير المطرد: المصدر والعدد والقائم بمسماه
معنى "ملازم"1 ينزله منزلة المشتق كأسد.
وللمصدر مزية عليها, وسيأتي.
ثم ذكر الجملة فقال:
ونعتوا بجملة منكرا
الجملة المؤولة بمفرد نكرة.
فلذلك لا ينعت بها إلا النكرة.
قال في التسهيل: أو معرف بأل الجنسية2, وقال في الشرح: "لأنه"3 معرفة
في اللفظ, ونكرة في المعنى.
وفي الارتشاف: لا ينعت بها المعرف بأل الجنسية, خلافا لمن أجاز ذلك.
ثم أشار بقوله:
فأعْطيت ما أُعطيته خبرا
إلى أن الجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على "ضمير يربطها
بالمنعوت"4, وأن حكمه في جواز الحذف للعلم به كحكم الخبرية.
ومن حذفه قوله5:
................ ... وما شيء حميت بمستباح
__________
1 أ, وفي ب، جـ "لازم".
2 التسهيل ص167.
3 أ، جـ, وفي ب "لأنها".
4 أ، جـ.
5 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي، يمدح به يزيد بن عبد الملك بن مروان.
وصدره:
أبحت حِمَى تهامة بعد نجد
وهو من الوافر.
اللغة: "حمى" على وزن فِعَل، أي: محظور لا يقرب, "تهامة" الناحية
الجنوبية من الحجاز, "نجد" الناحية التي بين الحجاز والعراق.
الإعراب: "أبحت" فعل وفاعل, "حمى" مفعول أبحت, "تهامة" مضاف إليه,
"بعد" منصوب على الظرفية, "نجد" مضاف إليه, "ما" نافية, "شيء" اسم ما,
"حميت" فعل وفاعل، والجملة صفة لشيء, "بمستباح" الباء زائدة ومستباح
خبر ما منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة
حرف الجر الزائد.
الشاهد فيه: "حميت" فإنها جملة منعوت بها, والجملة المنعوت بها لا بد
من اشتمالها على ضمير يربطها بالمنعوت.
وحكمه في جواز الحذف للعلم به، إذ أصله: وما شيء حميته.
(2/953)
تنبيهات:
الأول: ليس حذف العائد من النعت كحذفه من الخبرية في القلة والكثرة، بل
ذكر في التسهيل1 أن الحذف من الخبر قليل, ومن الصفة كثير، ومن الصلة
أكثر.
الثاني: قال في شرح التسهيل: وقد يغني عنه الألف واللام كقوله2:
كأن حفيف النبل من فوق عَجْسِها ... عَوَازِب نحل أخطأ الغارَ مُطْنِف
أي: غارها.
__________
1 التسهيل ص167.
2 قائله: هو الشنفرى عمرو بن براق, وهو من الطويل.
اللغة: "حفيف" هو دويّ ذهابه, "النبل" السهم, "عجسها" -بتثليت العين
وسكون الجيم- مقبض القوس, "عوازب" -جمع عازبة- من عزبت الإبل؛ إذا
أبعدت في المرعى, "أخطأ الغار" ضل عنه، والمراد بالغار بيت النحل,
"مطنف" -بضم الميم وسكون الطاء وكسر النون- بمعنى علا الطنف -بفتح
الطاء والنون- وهو حرف الجبل، وأراد به هنا رئيس النحل.
المعنى: يصف قوسا بأنها محكمة الصنع شديدة قوية، فيقول: كأن الصوت الذي
تسمعه من فوق مقبض هذا القوس من شدة دفع الوتر, دوي نحل قد بعدت عن
بيتها، وعند العودة ضلّت وأخطأ رائدها, فصعد بها إلى قنة الجبل يلتمس
البيت.
الإعراب: "كأن" حرف تشبيه ونصب, "حفيف" اسم كأن, "النبل" مضاف إليه,
"من فوق" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من اسم كأن, "عجسها" مضاف إليه،
وهو مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه, "عوازب" خبر كأن مرفوع بالضمة,
"نحل" مضاف إليه, "أخطأ" فعل ماض, "الغار" مفعول به, "مطنف" فاعل أخطأ.
الشاهد فيه: "أخطأ الغار" فإن الألف واللام أغنت عن الضمير العائد إلى
الموصوف.
تقديره: أخطأ غارها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 396/ 2.
(2/954)
وقد منع ذلك, وأوّل البيت على الحذف "أي:
الغار منها"1.
الثالث: إذا نعت بالجملة اسم زمان, جاز حذف عائدها المجرور بفي نحو:
{يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ} 2 أي: فيه.
فحذف برمته عند سيبويه, وبتدريج عند الكسائي والأخفش.
الرابع: ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة
الاسمية.
الخامس: فهم من قوله: "ما أعطيته خبرا" أنها لا تقترن بالواو، بخلاف
الحالية.
فلذلك لم يقل: ما أعطيته حالا، خلافا لمن أجاز اقترانها بالواو
كالزمخشري.
السادس: لما كان إطلاق قوله: "ما أعطيته خبرا" يوهم جواز النعت بالجملة
الطلبية، إذ يجوز الإخبار بها؛ أزال الإبهام بقوله:
وامنع هُنا إيقاع ذات الطلب.....
وسبب ذلك أنها لا تدل على معنى محصل، فلا يفيد النعت بها.
ثم أشار إلى تأويل ما يُوهم وقوعها نعتا بقوله:
.... وإن أتت فالقول أضمر تُصِب
فيكون القول المقدر هو النعت، والجملة محكية به، ومن ذلك قول الراجز3:
__________
1 أ، جـ.
2 من الآية 123 من سورة البقرة.
3 قائله: قال العيني: ذكره المبرد ونسبه إلى راجز لم يعين اسمه، وقيل:
لرؤبة بن العجاج وقد نزل ضيفا بقوم وطال انتظاره للطعام حتى جاء الليل،
ثم أتوه بلبن قليل خلطوه بماء كثير, حتى صار لونه مثل لون الذئب في
الزرقة.
وصدره:
حتى إذا جن الظلام واختلط
وهو من الرجز. =
(2/955)
................. ... جاءوا بمَذْق هل
رأيت الذئب قط؟
أي: بمذق مقول عند رؤيته هذا القول.
ثم انتقل إلى النعت بالمصدر فقال:
ونعتوا بمصدر كثيرا ... .................
وكان حقه في الأصل ألا ينعت به؛ لجموده, ولكنه من الجاري مجرى المشتق.
فإن قلت: هل يؤخذ من قوله: "كثيرا" أن النعت به مطرد؟
قلت: لا كما قال في الحال بكثرة, وقد صرح بعدم اطراد وقوعه نعتا وحالا.
__________
= اللغة: "جن" ستر الناس, "اختلط" كناية عن انتشاره واتساعه, "مذق" هو
اللبن الممزوج بالماء.
المعنى: يصف الراجز بالشح والبخل قوما نزل بهم ضيفا، فانتظروا عليه
طويلا حتى أقبل الليل بظلامه، ثم جاءوه بلبن مخلوط يشبه الذئب في لونه؛
لكدرته وغبرته.
الإعراب: "حتى" ابتدائية, "إذا" ظرف تضمن معنى الشرط, "جن" فعل ماض,
"الظلام" فاعل والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "واختلط" فعل ماض
وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة عطف على جملة جن الظلام, "جاءوا" فعل
ماض وفاعله, "بمذق" جار ومجرور متعلق بجاءوا, "هل" أداة استفهام,
"رأيت" فعل ماض وفاعله, "الذئب" مفعول به, "قط" ظرف مبني على ضم مقدر
في محل نصب، وسكن للروي. واستعمله بعد الاستفهام مع أن موضع استعماله
بعد النفي الداخل على الماضي، والذي سهل هذا أن الاستفهام قرين النفي
في كثير من الأحكام، وجملة: هل رأيت في محل نصب مقول لقول محذوف يقع
صفة لمذق.
الشاهد فيه: "بمذق هل رأيت الذئب قط" فإن الظاهر يشعر بوقوع الجملة
الاستفهامية نعتا للنكرة وهو "مذق" وليس كذلك, بل جملة الاستفهام
معمولة لقول محذوف هو الواقع نعتا، والتقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل
رأيت؟
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 369/ 2، وابن هشام 124/ 2،
وابن عقيل 150/ 2، والسيوطي ص93, والمكودي 114، وابن الناظم.
وذكره السيوطي في همع الهوامع 117/ 2، والشاهد 76 في الخزانة.
(2/956)
فإن قلت: فهل هما في الكثرة سواء؟
قلت: لا, بل جعل المصدر حالا أكثر من جعله نعتا، ذكر ذلك في شرح
التسهيل.
قلت: وأطلق في قوله: "بمصدر" وهو مقيد بألا يكون في أوله ميم زائدة
كمزار ومسير، فإنه لا ينعت به، لا باطراد ولا بغيره.
وقوله:
.............. ... فالتزموا الإفراد والتذكير
قال المصنف: كأنهم قصدوا التنبيه على أن أصله ذو عدل، فلما حذف المضاف
ترك المضاف إليه على ما كان عليه.
قلت: في النعت بالمصدر طريقان:
إحداهما: أن يقصد المبالغة، فلا يقدر مضاف.
والأخرى: ألا يقصد فيقدر.
والكوفيون يجعلون ضربا وعدلا واقعين موضع ضارب وعادل.
وقوله:
ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فَرِّقْه لا إذا ائتلف
مثال المختلف: "مررت برجلين كريم وبخيل"، ومثال المتفق: "مررت برجلين
كريمين".
فالمختلف يفرق بالعطف، والمتفق يستغنى عن تفريقه بتثنيته وجمعه.
قلت: وأورد على إطلاقه اسم الإشارة، فإنه لا يجوز تفريق نعته، فلا
يجوز: "مررت بهذين الطويل والقصير"، نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي،
والمبرد، والزجاج.
قال الزيادي: وقد يجوز ذلك على البدل, وعطف البيان.
(2/957)
تنبيهات:
الأول: يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظا مجموع معنى كقول حسان رضي
الله عنه1:
فوافيناهم منا بجمع ... كأُسْد الغاب مُرْدَان وشيب
الثاني: قال في الارتشاف: والاختيار في "مررت برجلين كريم وبخيل"
القطع.
الثالث: قال في التسهيل2: يُغَلَّب التذكير والعقل عند الشمول وجوبا،
وعند التفصيل اختيارا.
وقوله:
ونعت معمولي وحيدَيْ معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا
إذا قصد نعت معمولين, فإما أن يكونا لعامل واحد أو لعاملين.
فإن كانا لعامل واحد, فثلاث صور:
الأولى: أن يتحد العمل "والنسبة"3 نحو: "قام زيد وعمرو العاقلان", فهذه
يجوز فيها الإتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال.
__________
1 قائله: هو حسان بن ثابت, شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.
اللغة: "فوافيناهم" أتيناهم, "بجمع" -بفتح الجيم وسكون الميم- اسم
لجماعات الناس, "أسد" -بضم الهمزة وسكون السين- جمع أَسَد, "الغاب"
-جمع غابة- وهو مأوى السباع والوحوش, "مردان" -بضم الميم- جمع أمرد،
وهو الذي لم يبلغ حد نبات الشعر بوجهه, "شيب" -جمع أشيب- وهو المبيضّ
الشعر.
الإعراب: "فوافيناهم" فعل ماض وفاعله ومفعوله, "منا" متعلق بمحذوف حال
من جمع وأصله صفة, فلما تقدم عليه أعرب حالا, "كأسد" متعلق بمحذوف صفة
لجمع, "الغاب" مضاف إليه, "مردان" صفة ثانية لجمع, "وشيب" عطف على
مردان.
الشاهد فيه: "بجمع ... مردان وشيب" فإن قوله: "مردان وشيب" وقعا نعتين
لجمع. ولما كان معناهما مختلفا فرق بينهما بحرف العطف، وعطف ثانيهما
على أولهما.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 397/ 2.
2 التسهيل ص169.
3 ب.
(2/958)
الثانية: أن يختلف العمل والنسبة "نحو:
"ضرب زيد عمرا الكريمان""1, فهذه يجب فيها قطع من غير إشكال.
والثالثة: أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: "خاصم زيد
عمرا الكريمان".
فالقطع في هذه, واجب عند البصريين.
وأجاز الفراء وابن سعدان2 الإتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع
غُلِّب المرفوع، فتقول: "خاصم زيد عمرا الكريمان".
ونص ابن سعدان على جواز إتباع أي شئت؛ لأن كلا منهما مخاصِم ومخاصَم.
والصحيح مذهب البصريين، قيل: بدليل أنه لا يجوز: "ضارب زيد هندًا
العاقلةُ" برفع العاقلة نعتا لهند.
قلت: ذكر في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين في نحو:
"ضارَبَ زيدٌ عمرًا" ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب، قال:
ولو أتبع منصوبهما بمرفوع، أو مرفوعهما بمنصوب لجاز.
ومنه قول الراجز3:
__________
1 أ، جـ "أي: يختلف العمل, وتختلف نسبة العامل إلى المعمولين من جهة
المعنى".
2 هو أبو جعفر الضرير محمد بن سعدان. نشأ بالكوفة، وأخذ عن أبي معاوية
الضرير وغيره, ثم اشتهر بالعربية والقراءات. صنف كتابا في النحو, وتوفي
سنة 231هـ.
3 قائله: هو أبو حيان الفقعسي, كذا قال ابن هشام الحنبلي، وقال ابن
هشام اللخمي: قائله مساور العبسي، وقال السيرافي: قائله الدبيري.
اللغة: "الأفعوان" -بضم الهمزة- الذكر من الأفاعي, "الشجاع" ذكر
الحيات, "الشجعم" الجريء، وقيل: هو الطويل.
المعنى: وصف رجلا بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، والحيات لا تؤثر فيهما.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق, "سالم" فعل ماض, "الحيات" فاعل سالم, "منه"
جار =
(2/959)
قد سالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما ...
الأُفْعُوَانَ والشجاع الشجْعَمَا
فنصب "الأفعوان" وهو بدل من "الحيات"، وهو مرفوع "لفظا"1؛ لأنه منصوب
معنى؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان.
وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير: قد سالم الحيات منه القدم،
وسالمت القدمُ الأفعوانَ، انتهى.
وإن كان لعاملين لم يخل العاملان من أن يتحدا في المعنى والعمل، أو
يختلفا فيهما أو في أحدهما.
فإن اتحدا في المعنى والعمل جعل النعت تابعا للمعمولين في الرفع والنصب
والجر، سواء اتفق لفظ العاملين نحو: "ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان", أو
اختلف نحو: "ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان".
فالإتباع فيهما جائز، وهذا مفهوم من النظم، إذ لم يشترط اتحاد اللفظ.
وذهب ابن السراج إلى منع الإتباع في الثاني، وفصّل في الأول فقال: إن
قدرت الثاني عاملا فالقطع, أو توكيدا والأول هو العامل جاز الإتباع.
وإن اختلف العاملان في المعنى والعمل، أو في أحدهما وجب القطع, فيرفع
على إضمار مبتدأ، وينصب على إضمار فعل.
__________
= ومجرور متعلق بمحذوف حال من القدم, "القدما" مفعول به لسالم منصوب
بالفتحة الظاهرة, "الأفعوان" بدل من الحيات منصوب بالفتحة, "والشجاع"
معطوف على الأفعوان, "الشجعما" نعت للشجاع منصوب بالفتحة.
الشاهد فيه: "قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان" فإن قوله:
"الأفعوان" المنصوب -بدليل أنه عطف عليه المنصوب وهو "الشجاع
والشجعما"- قد وقع بدلا من "الحيات" وهو مرفوع؛ لكونه فاعلا لسالم.
وقد علم أن الفاعل مرفوع، فاختلف إعراب البدل عن إعراب المبدل منه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 399/ 2.
وذكره سيبويه 145/ 1، والسيوطي في الهمع 165/ 1، والشاهد في المقاصد
النحوية 4/ 80.
1 أ، جـ.
(2/960)
مثال المختلفين في المعنى والعمل: "جاء زيد
ورأيت عمرا العاقلين".
ومثال المختلفين في المعنى دون العمل: "جاء زيد وذهب عمرو العاقلين".
ومثال المختلفين في العمل دون المعنى: "مررت بزيد وجاوزت عمرا
العاقلين".
يجوز في ذلك "العاقلان" على تقدير: هما، و"العاقلين" على تقدير: أمدح،
والإتباع في ذلك يمتنع عند الجمهور، إذ العمل الواحد لا يمكن نسبته إلى
عاملين, من شأن كل واحد منهما أن يستقل.
فإن قلت: قوله: "وحيدي" صفة لماذا؟
قلت: لمحذوف تقديره: ونعت معمولي عاملين وحيدي معنى وعمل.
فإن قلت: هل يعني بقوله: "أتبع" إيجاب الإتباع أو الإعلام بجوازه؟
قلت: لا يصح حمله على الإيجاب، فإن القطع في ذلك منصوص على جوازه.
فإن قلت: ما معنى قوله: "بغير استثنا"؟
قلت: يعني في الرفع والنصب والجر كما قال الشارح، وكأنه يشير بذلك إلى
مذهب من خصص جواز الإتباع بنعت فاعلين وخبري مبتدأين، ولا وجه للتخصيص.
وقوله:
وإنْ نعوتٌ كثُرت وقد تلت ... مفتَقِرا لذكرهن أُتبعت
إذا كثرت نعوت الاسم، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون مفتقرا إلى جميعها, لا يتميز بدونها.
والثاني: أن يكون مستغنيا عنها, متميزا بدونها.
والثالث: أن يكون مفتقرا إلى بعضها دون البعض.
فإن كان مفتقرا إلى جميعها وجب إتباع الجميع، وإن كان متعينا بدونها
جاز فيه ثلاثة أوجه:
(2/961)
إتباع الجميع، وقطع الجميع، وإتباع بعض
وقطع بعض.
وإن كان مفتقرا إلى بعض دون بعض, وجب إتباع المفتقر إليه وجاز فيما
سواه الإتباع والقطع.
هذا ما ذكره المصنف.
فإن قلت: كيف يفهم ذلك من النظم؟
قلت: أما الأولى فظاهر من قوله: "وإن نعوت.... البيت".
وأما الثانية فمن قوله: واقطع أو اتبع إن يكن معينا.... بدونها.
وأما الثالثة فمن قوله: أو بعضها اقطع معلنا.
قال الشارح بعد أن ذكر الصورة الثالثة: وإلى هذا الإشارة بقوله: "أو
بعضها اقطع معلنا" أي: وإن يكن معينا ببعضها اقطع ما سواه، وفيه نظر.
تنبيه:
إذا قُطع بعض النعوت دون بعض, قُدِّم المُتبَع على المقطوع ولا يعكس،
وفيه خلاف.
قال ابن الربيع: والصحيح المنع، وقال صاحب البسيط: والصحيح جوازه. ثم
بيّن وجهي القطع بقوله:
وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا
يعني: أنه يجوز القطع إلى الرفع وإلى النصب، فإذا رفع فهو خبر مبتدأ
واجب الحذف، وإذا نصب فبإضمار فعل واجب الحذف.
وإلى وجوب إضمار المبتدأ والفعل الناصب, أشار بقوله: "لن يظهرا".
تنبيه:
قد يوهم كلام الناظم أن القطع مشروط بتكرار النعوت, كما أوهمه كلام
غيره، وليس ذلك بشرط، وإنما ذكر مسألة كثرة النعوت لما فيها من التقسيم
والأوجه المتقدمة.
(2/962)
وتلخيص الكلام على القطع، أن يقال: المنعوت
قسمان: معرفة ونكرة.
فالمعرفة إن كان نعته لمدح أو لذم أو ترحم, جاز القطع بالرفع على إضمار
مبتدأ، وبالنصب على إضمار فعل لائق، فيقدر في المدح: أمدح وفي الذم:
أذم وفي الترحم: أرحم1.
ولا يجوز إظهار المبتدأ، ولا الفعل كما سبق.
وخالف يونس في الترحم, فلا يجوز القطع وإن كان لتوكيد كقوله: {نَفْخَةٌ
وَاحِدَةٌ} 2 أو ملتزما نحو: "الشِّعْرى العَبُور"3 أو جاريا على مشار
به نحو: "هذا العالم" لم يجز القطع.
وإن كان لتخصيص وليس أحد الثلاثة نحو: "مررت بزيد الخياطُ", جاز قطعه
إلى الرفع على إضمار "هو"، وإلى النصب على إضمار "أعني", ويجوز
إظهارهما، بخلاف نعت المدح والذم والترحم.
وأما النكرة فيشترط في جواز قطع نعته تأخره عن آخر, كقول أبي الدرداء:
"نزلنا على خالٍ لنا ذو مال وذو هيبة".
فإن لم يتقدمه نعت آخر, لم يجز القطع إلا في الشعر.
وما ذكرته من جواز قطع نعت التخصيص على الوجه المذكور, نص عليه ابن أبي
الربيع وهو مفهوم من التسهيل4.
__________
1 مثال المدح: "الحمدُ لله ربِّ العالمين", والذم: "أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم", والترحم: "اللهم أنا عبدك المسكين".
2 من الآية 13 من سورة الحاقة.
3 قال الشيخ الصبان 53/ 3: "والملتزم: الذي التزمت العرب النعت به نحو:
"الشعرى العبور" والمراد أنه إذا وقع بعدها وصف كان نعتا لا أنه يلزم
بعدها نعت, فلا يرد قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}
وسميت العبور؛ لعبورها المجرة.
4 التسهيل ص169.
(2/963)
قوله:
وما من المنعوت والنعت عُقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل
يعني: أنه إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، ويكثر ذلك في المنعوت،
ويقل في النعت.
فمن الأول: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 1, ومن
الثاني قول العباس بن مرداس2:
................... ... فلم أعط شيئا ولم أمنع
تنبيه:
إنما يكثر حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه بشرطين:
__________
1 من الآية 52 من سورة ص.
2 قائله: العباس بن مرداس الصحابي من كلمة يقولها في رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وكان الرسول قد قسم الغنائم في حنين, فأعطى منها قوما
من المؤلفة قلوبهم ومنهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس عطاء كثيرا
يتألفهم به على الإسلام، ولم يعط العباس مثلهم، فكره العباس ذلك.
وصدره:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
وهو من المتقارب.
اللغة: "تدرأ" -بضم التاء وسكون الدال وفتح الراء- أي: ذو عدة وقوة على
دفع الأعداء عن نفسه، وهو اسم موضوع للدفع، والتاء فيه زائدة كما زيدت
في تتفل.
الإعراب: "وقد" حرف تحقيق, "كنت" كان واسمها, "في الحرب" متعلق بكان,
"ذا" خبر كان منصوب بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة،
"تدرأ" مضاف إليه, "فلم" الفاء عاطفة ولم حرف نفي وجزم وقلب, "أعط" فعل
مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفاعل
ضمير مستتر فيه، وهو مفعوله الأول, "شيئا" مفعول ثان, "ولم" حرف حرف
نفي, "أمنع" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم, وحرك بالكسر للروي
ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد فيه: "فلم أعط شيئا" حيث حذف منه النعت، والتقدير: فلم أعط شيئا
طائلا.
ولولا هذا التقدير, لتناقض مع قوله: "ولم أمنع".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2، والسيوطي ص93،
والمكودي ص116، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 120/ 2، وابن هشام
في المغني 166/ 2.
(2/964)
أحدهما: أن يعلم جنس المنعوت إما باختصاص
النعت به نحو: "مررت بكاتب", وإما بمصاحبة ما يعينه نحو: {أَنِ اعْمَلْ
سَابِغَاتٍ} 1.
والآخر: أن يكون صالحا لمباشرة العامل.
فلو كان جملة أو شبهها لم يقم مقامه في الاختيار؛ لكونه غير صالح لها
إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن، حكى سيبويه: "ما منهما
مات حتى رأيته يفعل كذا" فهذا مثال الجملة.
ومثال شبهها قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} 2.
وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3.
التقدير: أحد مات، وإن أحد من أهل الكتاب، وقوم دون ذلك، فهذا ونحوه
كثير مطرد.
وقول الشارح: وهو مطرد في النفي، يفهم أنه غير مطرد في الإيجاب، وليس
كذلك.
وأما نحو قوله4:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضُلُها في حَسَب ومَيْسَم
__________
1 من الآية 11 من سورة سبأ -أي: دروعا سابغات- بدليل {وَأَلَنَّا لَهُ
الْحَدِيدَ} .
2 من الآية 159 من سورة النساء.
3 من الآية 11 من سورة الجن.
4 قائله: نسبه ابن يعيش إلى الأسود الحماني يصف امرأة، ونسبه سيبويه
إلى حكيم الربعي, وهو من الرجز.
اللغة: "لم تيثم" -بكسر التاء- لغة قوم، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر
كسرة, أي: لم تأثم من الإثم وهو الخطيئة, "يفضلها" يزيد عليها, "حسب"
ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه, "ميسم" -بكسر الميم- وسامة وجمال.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة أحد يفضلها، ويزيد عليها في
عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا في ذلك.
الإعراب: "لو" شرطية, "قلت" فعل ماض فعل الشرط وفاعله, "ما" نافية, "في
قومها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ محذوف، أي: أحد, "لم"
نافية جازمة =
(2/965)
فأجازه المصنف في الاختيار, وجعل الجر بفي
كالجر بمن، وجعله ابن عصفور ضرورة.
فلو لم يكن المنعوت بالجملة وشبهها بعض ما قبلها من مجرور بمن أو في,
لم تقم الجملة أو شبهها مقامه إلا في الضرورة كقوله1:
.................. ... لكم قُبصه من بين أثرى وأقترا
__________
= "تيثم" جواب الشرط, "يفضلها" الجملة صفة لأحد المحذوفة, "في حسب" جار
ومجرور متعلق بيفضلها, "وميسم" عطف عليه.
الشاهد فيه: "ما في قومها.... يفضلها" حيث إن جملة "يفضلها" جاءت نعتا
لمنعوت محذوف وهو "أحد", وهو بعض اسم مقدم مجرور بفي وهو "قومها".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 400/ 2، وابن هشام 132/ 3،
وذكره ابن يعيش 59/ 3، وسيبويه 375/ 1، والسيوطي في الهمع 120/ 2،
والشاهد 344 في الخزانة.
1 قائله: هو الكميت في مدح بني أمية, وهو من الطويل.
وصدره:
لكم مسجدا الله المزوران والحصى
اللغة: "مسجدا الله" أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة, "المزوران"
تثنية مزور -بفتح الميم وضم الزاي- "الحصى" العدد من الأهل, "قبصه"
-القبص بكسر القاف وسكون الباء- العدد الكثير من الناس, "أثرى" كثر
ماله, "وأقترا" افتقر وقل ماله.
المعنى: يمدح بني أمية بأن الله تعالى قد جعل لهم الولاية على مسجديه
اللذين يزورهما الناس, وجعل لهم العدد والعديد من الأهل والأتباع
والأنصار الذين لكثرتهم يوجد بينهم الغني والفقير.
الإعراب: "لكم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "مسجدا" مبتدأ مؤخر
مرفوع بالألف لأنه مثنى, "الله" مضاف إليه, "المزوران" نعت للمسجدين
مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى, "والحصى" عطف على المبتدأ,
"لكم" متعلق بمحذوف خبر مقدم, "قبصه" مبتدأ مؤخر وضمير الغائب مضاف
إليه, "من بين" جار ومجرور, "أثرى" فعل ماض مبني على الفتح المقدر على
الألف منع من ظهوره التعذر وفاعله ضمير مستتر فيه, "وأقترا" فعل ماض
عطف على أثرى وفاعله ضمير مستتر فيه.
الشاهد فيه: "من بين أثرى وأقترا" حيث حذف المنعوت وأبقى النعت،
والتقدير: من بين من أثرى وبين من أقتر، أي: من بين رجل أثرى ورجل
أقتر، فحذف منعوتين؛ "من" الأولى و"من" الثانية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2.
(2/966)
التوكيد:
التوكيد مصدر سمي به التابع لأنه
يفيده، ويقال: أكّد تأكيدا، ووكّد توكيدا, وهو: معنوي ولفظي.
فالمعنوي تابع بألفاظ مخصوصة؛ فلذلك استغني عن حده بذكرها.
ثم المعنوى نوعان:
أحدهما: يرفع توهم الإضافة إلى المتبوع.
والثاني: يرفع توهم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم.
والأول بالنفس والعين, والثاني بكل وأخواته.
وبدأ بالأول فقال:
بالنفس أو بالعين الاسم أُكِّدا
فتقول: ""جاء زيد"1 نفسه أو عينه" والمراد بهما حقيقته, وينفردان عن
سائر ألفاظ التوكيد بجواز جرهما بباء زائدة2.
فإن قلت: فهل يجوز الجمع بينهما؟
قلت: نعم.
وإنما عطف بأو؛ للتنبيه على أن كلا منهما يصح التوكيد به وحده.
فإن قلت: فبأيهما يبدأ عند الاجتماع؟
قلت: بالنفس؛ لأنها عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن
الجملة.
فإن قلت: هل هذا التركيب لازم, أم على سبيل الأولوية؟
__________
1 ب، جـ.
2 مثل ذلك: "جاء زيد وهند بعينها" ومحل المجرور إعراب المتبوع.
(2/967)
قلت: الظاهر أنه لازم، وقيل: إنه على طريق
الأحسنية.
ثم قال:
........... ... مع ضمير طابق المؤكَّدَا
فنبه على أنه لا بد من إضافة النفس والعين إلى ضمير المؤكد, مطابقا له
في الإفراد والتذكير وفروعهما, وتمثيل ذلك سهل.
ثم قال:
واجمعهما بأفْعُل إن تبعا ... ما ليس واحدا تكن مُتَّبعا
وإنما قال: بأفعُل احترازا عن جمع الكثرة، فإنه لا يؤكد بنفوس ولا
عيون. وهو أولى من قوله في التسهيل: جمع قلة1, فإن عينا جمع على أعيان
ولا يؤكد به.
وشمل قوله: "ما ليس واحدا" المثنى نحو: " قام الزيدان أو الهندان
أنفسهما", والجمع نحو: "قام الزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن".
وترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع؛ لأن
التثنية جمع في المعنى.
تنبيه:
قال الشارح بعد ذكره أن الجمع في المثنى هو المختار: ويجوز فيهما أيضا
الإفراد والتثنية.
ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل به أحد من النحويين.
قلت: وأجاز ابن إياز -في شرح الفصول- التثنية, فقال: ولو قلت "نفساهما"
لجاز.
وكان الناظم أشار إلى منع الإفراد والتثنية بقوله: "تكن متبعا", ثم
انتقل إلى النوع الثاني من نوعي التأكيد المعنوي, فقال:
وكُلًّا اذكر في الشمول وكِلَا ... كِلْتَا جميعا بالضمير مُوصَلا
__________
1 التسهيل ص164.
(2/968)
وأما كل, فلا يؤكد بها إلا ذو أجزاء يصح
وقوع بعضها موقعه غير مثنى.
وأما كلا وكلتا فللمثنى، وأما جميع فبمنزلة كل.
ثم أشار إلى وجوب إضافة كل وما بعدها إلى ضمير المؤكد بقوله: "بالضمير
موصلا".
فتقول: جاء الجيشُ كلُّه، والقبيلةُ كلُّها، والزيدان كلهم، والرجال
كلهم أو كلها، أو كله على قياس "هم أحسن الفتيان وأجمله" وهو ضعيف,
"وجاء الهندات كلهن أو كلها" وحكى الخليل كلتهن عن بعض العرب، وكذلك
تقول في جميع.
وتقول في المثنى: "جاء الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما".
وقد فهم من قوله: "بالضمير موصلا" فوائد:
الأولى: "أنه"1 ضمير مطابق للمؤكد؛ لأن أل فيه للعهد السابق في النفس
والعين.
الثانية: أنه لا يحذف استغناء بنيته، خلافا للفراء والزمخشري، ونقله
بعضهم عن الكوفيين، وجعلوا منه قراءة من قرأ: "إنَّا كُلًّا فيها"2,
"أي: إنا كلنا"3.
وخرج على وجهين:
أحدهما: أنه حال من الضمير المرفوع في "فيها"4.
والآخر: "أنه"5 بدل من اسم "إن"6.
__________
1 أ، جـ.
2 من الآية 48 من سورة غافر.
3 أ، جـ.
4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها". قال في المغني: وفيه
ضعفان: تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل" بقطعها عن الإضافة
لفظا ومعنى، والحال واجبة التنكير.
5 أ، جـ.
6 أي: بدل كل من اسم "إن", وهو لا يحتاج إلى ضمير.
(2/969)
الثالثة: أن كلا لا يضاف في التوكيد إلى
ظاهر، وعلى ذلك نصوص النحويين, وذكر في التسهيل1 أنه قد يستغنى عن
الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجَعَلَ منه
قول كثير2:
............... ... يا أشبهَ الناس كلِّ الناس بالقمر
__________
1 التسهيل ص164.
2 قائله: كثير عزة, وهو من البسيط.
وصدره:
كم قد ذكرتُكِ لو أُجزَى بذكركم
اللغة: أجزى: مضارع مبني للمجهول من الجزاء، وهو المكافأة.
الإعراب: "كم" خبرية بمعنى كثير، وهي اسم مبني على السكون إما في محل
رفع على أنه مبتدأ، وإما في محل نصب على أنه مفعول مطلق عامله ذكر, أي:
ذكرتك ذكرا كثيرا، أو في محل نصب على أنه مفعول فيه لتأوله بالوقت, أي:
ذكرتك في أوقات كثيرة, "قد" حرف تحقيق, "ذكرتك" ذكر فعل ماض والتاء
ضمير المتكلم فاعل والكاف ضمير المؤنثة المخاطبة مفعول به والجملة في
محل رفع خبر كم إن جعلتها في محل رفع مبتدأ، فإن جعلتها في محل نصب
فهذه الجملة لا محل لها لأنها ابتدائية, "لو" حرف دال على التمني أو
حرف شرط غير جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب, "أجزى" فعل
مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر
ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا, "بذكركم" جار ومجرور متعلق
بأجزى وذكر مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه من إضافة المصدر إلى
مفعوله، وإن قدرت لو شرطية فجوابها محذوف: لو أجزى بذكري إياكم
لاسترحت, "يا أشبه" حرف نداء ومنادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "الناس"
مضاف إليه, "كل" توكيد للناس, "بالقمر" جار ومجرور متعلق بأشبه.
الشاهد فيه: "الناس كل الناس" فكلمة "كل" توكيد للناس, ومن حق الكلام
أن يضيف لفظ التوكيد إلى ضمير غيبة عائد على المؤكد فيقول: يا أشبه
الناس كلهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 404/ 2.
وذكره السيوطي في الهمع 123/ 2.
(2/970)
ونحوه، قيل: ولا حجة فيه؛ لاحتمال كون "كل"
نعتا بمعنى الكاملين، فلم يفضله إلا على الناس الكاملين، وهو أمدح.
تنبيهان:
الأول: ما ذكر أن "كلا" للمذكر و"كلتا" للمؤنث، هو المشهور.
وقال في التسهيل1: وقد يستغنى "بكليهما" عن "كلتيهما".
ومنه قول الشاعر2:
يَمُتّ بقربى الزينبينِ كِلَيْهِما ... إليك وقربى خالد وحبيب
وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملا على المعنى للضرورة، كأنه
"قال"3: بقربى الشخصين.
الثاني: ذكر في التسهيل4 أيضا أنه قد يستغنى "بكلهما" عن "كليهما"
__________
1 التسهيل ص164.
2 قائله: هو هشام بن معاوية, وهو من الطويل.
اللغة: "يمت" يتقرب, "بقربى" -بضم القاف وسكون الراء- القرابة,
"الزينبين" -مثنى زينب- وهو علم امرأة.
المعنى: ينسب إليك بقرابة الزينبين, وقرابة خالد وحبيب.
الإعراب: "يمت" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "بقربى" جار ومجرور
متعلق بقوله يمت وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر, "الزينبين"
مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى, "كليهما" توكيد مجرور بالياء نيابة
عن الكسرة لأنه ملحق بالمثنى, "إليك" متعلق بيمت, "وقربى" معطوف على
قربى السابق, "خالد" مضاف إليه, "حبيب" عطف عليه.
الشاهد فيه: "الزينبين كليهما" حيث أكد المثنى المؤنث "الزينبين"
بالاسم الموضوع للاستعمال في توكيد مثنى المذكر وهو "كليهما", فقد وقع
"كليهما" موقع "كلتيهما".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 407/ 2.
3 ب.
4 التسهيل ص164.
(2/971)
و"كلتيهما" في تأكيد المثنى, فيقال على
هذا: "جاء الرجلانِ كلُّهُمَا" والمرأتان كلهما.
ثم قال:
واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله
أي: واستعملت العرب في التوكيد وزن "فاعلة من عم" يعني عامة، وتوصل إلى
ذكرها بذكر وزنها لتعذر دخولها في النظم.
وأشار بقوله: "ككل" إلى أنها يؤكد بها ما سوى المثنى مما يؤكد بكل،
وأنها تضاف إلى ضمير المؤكد.
فيقال: "جاء الجيشُ عامتُهُ، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم،
والهندات عامتهن".
قال في شرح التسهيل: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه.
وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا، وإلى ذلك أشار بقوله: "مثل
النافلة".
قال الشارح: يعني أن ذكر عامة في ألفاظ التوكيد مثل النافلة أي:
الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو
في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه؛ لأن من أجلِّهم سيبويه -رحمه الله-
لم يغفله. انتهى.
قلت: خالف المبرد في "عامة" وقال: إنما "هي"1 بمعنى أكثرهم.
ثم ذكر توابع "كل" فقال:
وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جَمْعَاء أجمعين ثم جُمَعا
فيقال: جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ, والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ، والزيدون
كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع".
__________
1 ب، وفي أ، جـ "هو".
(2/972)
وقد فهم من قوله: "وبعد كل" أمران:
أحدهما: واجب، وهو أن "أجمع" وفروعه لا يتقدم على "كل"، وفي الارتشاف
بدأت بكل ثم بأجمع مرتبا، وقيل: على طريق الأولوية.
والثاني: غالب لا واجب، وهو أنها لا تستعمل دون "كل".
وقد أشار إلى جوازه بقوله:
ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع
وهو معنى قوله في التسهيل1: وقد يغنين عن "كل".
قال الشارح: وهو قليل، وفي الارتشاف كثر ورود "أجمعين" في القرآن بدون
"كل"2، فهو توكيد كما يؤكد بكل، وليس من باب الاستغناء عن كل كما زعم
ابن مالك.
تنبيهات:
الأول: ذهب الفراء إلى أن "أجمعين" تفيد اتخاذ الوقت، والصحيح أنها ككل
في إفادة العموم مطلقا, بدليل قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}
3.
الثاني: قد يتبع "أجمع" وأخواته بأكْتَع وكَتْعاء وأكتَعِين وكُتَع,
وقد يتبع "أكتع" وأخواته بأبْصَع وبَصْعاء وأبصَعِين وبُصَع4.
وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته: أبْتَع وبَتْعاء وأبتَعِين وبُتَع.
وإنما لم يتعرض في النظم لذلك؛ لقلة استعماله.
الثالث: قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا الترتيب.
__________
1 التسهيل ص165.
2 مثال ذلك قوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ,
{لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .
3 من الآية 82 من سورة ص.
4 نقول: "جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ أكتعُ أبصعُ، والقبيلة كلها جمعاء
كتعاء بصعاء، والقوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، والهندات كلهن جُمَعُ
كُتَعُ بُصَعُ".
(2/973)
وقال في شرح الكافية: ولا يجاء بأكتع
وأخواته غالبا إلا بعد أجمع وأخواته على هذا الترتيب. انتهى.
ومراعاة هذا الترتيب هو المشهور.
وأجاز ابن كيسان أن تبدأ بأي الثلاثة شئت بعد أجمع, وهو ظاهر قوله في
التسهيل1 بهذا الترتيب أو دونه.
وقال ابن عصفور: وأما أبصع وأبتع فلا تبال بأيهما قدمتَ على الآخر.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم أكتع على أجمع.
ومذهب الجمهور أنه لا يتقدم عليه.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان أيضا الاستغناء بأكتع وأخواته عن أجمع
وأخواته، ومذهب الجمهور المنع.
وقوله2: حولا أكتعا
__________
1 التسهيل ص165.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرجز.
وتمامه:
يا ليتني كنت صبيا مرضعا ... تحملني الذَّلْفَاء..........
اللغة: "الذلفاء" -بفتح الذال وسكون اللام- أصله وصف لمؤنث الأذلف, وهو
مأخوذ من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة، ثم نُقل إلى العلمية
فسميت به امرأة, "حولا" عاما, "أكتعا" تاما كاملا، وهو من ألفاظ
التوكيد مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع أي: تام.
الإعراب: "يا" حرف تنبيه أو حرف نداء حذف المنادى منه, "ليتني" حرف تمن
ونصب والنون للوقاية والياء اسمه, "كنت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه,
"صبيا" خبره, "مرضعا" نعت، وجملة كان واسمه وخبره في محل رفع خبر ليت,
"تحملني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول, "الذلفاء" فاعل
والجملة في محل نصب صفة ثانية لقوله: "صبيا", "حولا" ظرف زمان متعلق
بتحمل, "أكتعا" تأكيد.
الشاهد فيه: "حولا أكتعا" حيث أكد بأكتع وهو غير مسبوق بأجمع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 406/ 2, وابن عقيل 157/ 2،
والسيوطي 94، والمكودي ص117، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 123/
2، والشاهد رقم 363 في الخزانة.
(2/974)
ونحوه من الضرورات "وشذ"1 قول بعضهم: "أجمع
أبصع", وإنما حق أبصع أن يجيء بعد أكتع.
وأشد منه قول بعضهم: "جُمَع بُتَع"، وإنما حق "بتع"2 وأخواته أن يجاء
بهن آخرا توابع لأبصع.
الرابع: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني تأكيدا
"للتأكيد"3.
الخامس: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا إلى النصب4.
السادس: لا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض، فلا يقال: "قام زيدٌ نفسُهُ
وعينُهُ", ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون"، وأجاز العطف بعضهم وهو قول
ابن الطراوة.
السابع: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير فظاهر, وأما
أجمع "وتوابعه"5 ففي تعريفه قولان:
أحدهما: أنه بنية الإضافة، ونسب إلى سيبويه6.
والثاني: أنه بالعلمية عُلِّق على معنى الإحاطة7.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "وهو مثل".
2 أ، ب.
3 جـ, وفي أ، ب "التأكيد".
4 أي: على المختار لمنافاة القطع مقصود التوكيد هـ. صبان 58/ 3.
5 وفي أ "وأخواته".
6 قيل: هذا ينافي ما قدمه من امتناع حذف الضمير استغناء بنية الإضافة،
والحق أنه لا منافاة؛ لأن ما تقدم في غير أجمع وتوابعه هـ. صبان 38/ 3.
7 أي: وضع على معنى هو الإحاطة, ولا يخفى أن جعل مدلوله الإحاطة يورث
اختلال الكلام؛ إذ يكون حينئذ معنى "جاء القوم أجمع": جاء القوم
الإحاطة, فلعل في العبارة حذف مضاف أي: ذي الإحاطة, على أن الإحاطة
مصدر المبني للمفعول هـ. صبان 59/ 3.
(2/975)
قال محمد بن مسعود الغزني1 في البديع:
وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة انتهى، ولكون هذه الألفاظ معارف منع
البصريون نصبها على الحال.
وقوله:
وإن يُفِد توكيد منكور قُبِل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل
مذهب الكوفيين والأخفش جواز توكيد النكرة إذا كانت مؤقتة "وأجاز بعض
الكوفيين مطلقا مؤقتة كانت, أو غير مؤقتة"2, ومنع ذلك البصريون3 وإلى
الجواز ذهب المصنف؛ لإفادته ولورود السماع به4.
فإن قلت: على أي "المذهبين"5 يحمل كلامه؟
قلت: ظاهر النظم موافقة الثاني، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة.
وقوله في التسهيل6: وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين,
يقتضي موافقة الأول إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة
على ما نقل عنهم.
وقوله: "المنع شمل" المقيد وغيره.
__________
1 محمد بن مسعود الغرني, هكذا سماه أبو حيان. وقال ابن هشام بن الذكي
صاحب كتاب البديع: أكثر أبو حيان من النقل عنه، وذكره ابن هشام في
المغني وقال: إنه خالف فيه أقوال النحويين.
2 قال السيوطي في البغية: ولم أعرف شيئا من أحواله.
3 أ، جـ.
4 سواء أكانت محدودة كيوم وليلة وشهر وحول, أو غير محدودة كوقت وزمن
وحين, تقول: "اعتكفتُ شهرا كله".
وقوله:
لكنه شاقَهُ أَنْ قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب
5 وفي ب، جـ "المذهبين الأولين".
6 التسهيل ص165.
(2/976)
وقوله:
واغْنَ بكلتا في مثنى وكِلَا ... عن وزن فَعْلَاء ووزن أَفْعَلا
استغني في تثنية المثنى بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء، فلا يقال:
أجمعان ولا جمعاوان, خلافا للكوفيين وابن خروف في إجازتهم تثنيتهما
قياسا معترفين بعدم السماع.
فإن قلت: هل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء؟
قلت: في كلام بعضهم ما يشعر بإجراء الخلاف فيها، والقياس يقتضي إجراءه,
وقوله:
وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع........... ... .....................
يعني: "أنه"1 إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو بالعين, فلا بد
من توكيده "قبلها"2 بضمير مرفوع منفصل، فتقول: "قُمْ أنتَ نفسُكَ"
و"قمت أنتَ نفسُكَ".
فإن قلت: فهل توكيده بذلك واجب؟
قلت: قال في شرح الكافية: لم يجز إلا بعد توكيده بضمير "مرفوع"3 منفصل.
فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز، وهو موافق لنصوص غيره من النحويين.
وقال في التسهيل4: ولا يؤكد بهما غالبا ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "قبلهما".
3 أ، جـ.
4 التسهيل ص165.
(2/977)
بمنفصل وأشار بقوله: "غالبا" إلى ما ذكره
الأخفش في المسائل من أنه يجوز على ضعف "قاموا أنفسهم" وفي عبارة
الفارسي لا يحسن.
"فرع":
إذا قلت: "هلم لكم أنفسكم" جاز دون توكيد للفصل الذي هو "لكم" وهذا بلا
خلاف. فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد, ذكره في الارتشاف. وقد فهم
من قوله: "المتصل" أن المنفصل يؤكد بهما بلا شرط.
ومن قوله: "عنيت ذا الرفع" أن المنصوب والمجرور "يؤكد"1 بهما بلا شرط,
فتقول: "رأيتُكَ نفسَكَ" و"مررت بِكَ نفسِكَ".
وإن شئت أكدتهما بالمنفصل.
وقوله:
....... وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يُلتزما
يعني: أن ما سوى النفس والعين من ألفاظ التوكيد إذ أكد "بها"2 ضمير
الرفع المتصل, لم يلتزم توكيده بمنفصل، وهو المعني بالقيد، ولكن يجوز
فتقول: "قوموا كلكم".
ولو قلت: "أنتم كلكم", لكان حسنا.
ولما فرغ من التوكيد المعنوي, انتقل إلى التوكيد اللفظي فقال:
وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررا كقولك ادْرُجي ادْرُجي
التوكيد اللفظي: إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى.
فالأول كقولك: "ادرجي ادرجي" ويكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير
الجملة, والجملة، نحو: "جاء زيد زيد".
__________
1 أ، جـ, وفي ب "يؤكدان".
2 ب، جـ، وفي أ "بهما".
(2/978)
.................. ... أتاكِ أتاكِ
اللاحقون1
ونَعَمْ نَعَمْ.
............. ... وحَتَّامَ حَتَّامَ العناء المطول2
__________
1 لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وتمامه:
فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... .... احْبِسِ احْبِسِ
المعنى: أين أذهب؟ وإلى أي مكان أنجو ببغلتي؟ وقد جاء الذين يلاحقونني
ويطلبونني, فلا مفر من أن يستسلم الإنسان للقدر, ويقف حيث هو وليكن ما
يكون.
والظاهر أن الشاعر كان فارًّا من قومه يلاحقونه, فخاطب نفسه بذلك.
الإعراب: "فأين" اسم استفهام مبني على الفتح في محل جر بإلى محذوفة يدل
عليها ما بعدها, والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "إلى أين"
توكيد لفظي, "النجاة" مبتدأ مؤخر, "ببغلتي" جار ومجرور متعلق بالنجاة,
"أتاك" فعل ماض والكاف مفعول, "أتاك" توكيد لفظي, "اللاحقون" فاعل,
"احبس" فعل أمر وفاعله مستتر فيه, "احبس" توكيد لفظي.
الشاهد فيه: "أتاك أتاك", فقد أكد الفعل تأكيدا لفظيا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 160/ 2, وابن هشام 101/ 2،
وابن الناظم.
2 قائله: هو الكميت بن زيد الأسدي, وهو من الطويل.
وصدره:
فتلك وُلَاة السوء قد طال ملكهم
اللغة: "ولاة السوء" الولاة -بضم الواو- جمع والٍ, وهو الذي يتولى أمور
الناس, "حتام" بمعنى: إلى متى؛ فحتى غائية وما بعدها استفهامية, وحذفت
ألفها فرقا بين الخبر والاستفهام, أي: فرقا بين "ما" الموصولة
والاستفهامية, "العناء" -بفتح العين وتخفيف النون- المشقة والتعب,
"المطول" الطويل.
الإعراب: "فتلك" مبتدأ, "ولاة" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة, "السوء"
مضاف إليه, "قد" حرف تحقيق, "طال" فعل ماض, "ملكهم" فاعل والضمير مضاف
إليه, "حتام" حتى حرف جر وما اسم استفهام والمجرور متعلق بمحذوف خبر
مقدم, "حتام" جار ومجرور توكيد للأول, "العناء" مبتدأ مؤخر, "المطول"
نعت للعناء.
الشاهد فيه: "حتام حتام" فإنه توكيد لفظي بإعادة الأول بلفظه, وهو من
نوع توكيد المركب غير الجملة بمركب غير جملة، فإن الجار والمجرور مركب
من كلمتين، ولكنه مركب غير تام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2.
(2/979)
.................. و ... لكَ الله لكَ
الله1
قال الشارح: وأكثر ما يجيء مؤكد لجملة.
والثاني: نحو: انزل نزال.
قال2:
............. ... صَمِّي لما فعلت يهود صَمَام
__________
1 قائله: لم أقف على قائله, وهو من الهزج.
2 قبله:
يا من لستُ أقلاه ... ولا في البعد أنساه
لك الله على ذاك.... ... .........
اللغة: "أقلاه" فعل مضارع من القِلَى، وهو البغض والكراهية الشديدة في
هذا الفعل.
المعنى: يدعو لمخاطبه بأن يكون الله حافظا له, وكالئا إياه, وراعيا.
الإعراب: "لك" اللام حرف جر والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل
جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "الله" مبتدأ مؤخر, "لك
الله" جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، وهذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى.
الشاهد فيه: "لك الله لك الله" فإن الجملة الثانية تأكيد لفظي للجملة
الأولى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.
2 قائله: هو الأسود بن يعفر أحد شعراء العرب في الجاهلية، وكان من
ندماء النعمان بن المنذر, وهو من الكامل.
وصدره:
فرت يهود وأسلمت جيرانها.....
اللغة: "يهود" اسم قبيلة, "صمي" -بفتح الصاد وتشديد الميم- فعل أمر
مسند لياء المخاطبة المؤنثة, بمعنى اخرسي, "صمام" -بفتح الصاد وآخره
مكسور مثل قطام- اسم علم للداهية.
الإعراب: "فرت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "يهود" فاعل, "وأسلمت" الواو
عاطفة وأسلم فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه, "جيرانها"
مفعول به لأسلم منصوب وضمير الغائبة مضاف إليه, "صمي" فعل أمر مبني على
حذف النون وياء المخاطبة فاعله, "لما" اللام حرف جر وما اسم موصول
والجار والمجرور متعلق بصمي, "فعلت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "يهود"
فاعل والجملة لا محل لها صلة الموصول, "صمام" اسم فعل أمر مبني على
السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وهذه الجملة مؤكدة توكيدا لفظيا لجملة
صمي.
الشاهد فيه: "صمي صمام", فإن "صمام" توكيد لفظي لقوله: "صمي" وهي تقوية
للأول.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 409/ 2.
(2/980)
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
ومنه قوله1:
.............. ... أَجَلْ جير إن كانت أُبيحت دعاثره
فإن قلت: عبارته ظاهرة في تناول الأول دون الثاني لقوله: "مكررا".
قلت: إذا حمل على تكرار معنى المؤكد، ولم يختص بتكرار لفظه كما ذكر
الشارح تناولهما.
فإن قلت: ما إعراب صدر البيت؟
__________
1 قائله: هو مضرس بن ربعي, وهو من الطويل.
وصدره:
وقلن على الفردوس أول مشرب ...
اللغة: "الفردوس" -بكسر الفاء وسكون الراء- البستان، وأراد به هنا روضة
دون اليمامة وقيل: لبني يربوع, "أجل" حرف مثل نعم في الوزن, "جير"
-بفتح الجيم وسكون الياء وكسر الراء-على ما هو الأصل في التخلص من
التقاء الساكنين، وربما فتحوا الراء وجعلوها مثل أين وكيف وقصدوا بذلك
التخفيف, "دعاثره" جمع دعثور -بضم الدال وسكون العين وضم الثاء- وهو
الحوض الذي لم يتأنق صاحبه في صنعه.
الإعراب: "قلن" فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة وهي فاعل
مبني على الفتح في محل رفع, "على الفردوس" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر
مقدم, "أول" مبتدأ مؤخر, "مشرب" مضاف إليه, "أجل" حرف جواب مبني على
السكون لا محل له من الإعراب, "جير" حرف جواب تأكيد لحرف الجواب الأول
مبني على الكسر لا محل له من الإعراب, "إن" -بكسر الهمزة- حرف شرط
جازم, "كانت" فعل ماض فعل الشرط في محل جزم, "أبيحت" أبيح فعل ماض مبني
للمجهول والتاء للتأنيث ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه, وجملة الفعل
ونائب فاعله في محل نصب خبر كان تقدم على اسمه, "دعاثره" اسم كان مؤخر
مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "أجل جير" لأن كلتيهما بمعنى الإيجاب، فأكد "أجل" توكيدا
لفظيا بقوله: "جير", وذلك من قبيل إعادة الأول بلفظ مرادف له في
المعنى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.
(2/981)
قلت: "ما" موصولة و"لفظي" خبر مبتدأ محذوف،
والجملة صلة, و"يجي" خبر الموصول.
أي: والذي هو من التوكيد لفظي, يجيء مكررا.
قوله:
ولا تُعِدْ لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وُصِل
تقول: "قمتُ قمتُ" ونحوه؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الاتصال.
ثم قال:
"كذا الحروف" يعني: أن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أولا؛ لكونه
كالجزء منه نحو: "إن زيدا قائم, إن زيدا قائم" و"في الدار, في الدار
زيد" ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص عليه ابن السراج كقوله1:
__________
1 قائله: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي, وقيل: هو لرجل من بني أسد لم
يعين.
وصدره:
فلا والله لا يُلفى لما بي ...
وهو من الوافر.
اللغة: "لا يلفى" لا يوجد، من ألفى إذا وجد، "لما بي" الذي بي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند
خصومه من الحقد والضغينة, علاج، وليس هناك أمل في المودة والمصالحة
وإزالة الأحقاد والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة, و"لا" زائدة لتوكيد القسم, "والله" حرف
قسم وجر متعلق بفعل قسم محذوف, "لا" نافية, "يلفى" فعل مضارع مبني
للمجهول جواب القسم, "لما" ما موصولة مجرورة باللام متعلق بيلفى, "بي"
متعلق بمحذوف صلة, "ولا للما بهم" الواو عاطفة و"لا" زائدة لتأكيد
النفي، واللام الأولى حرف جر واللام الثانية مؤكدة للأولى، وما اسم
موصول مبني على السكون في محل جر باللام الأولى، والجار والمجرور معطوف
بالواو على الجار والمجرور السابق, بهم متعلق بمحذوف صلة الموصولة,
"أبدا" ظرف متعلق بيلفى, "دواء" نائب فاعل يلفى.
الشاهد فيه: "للما" فاللام الثانية توكيد للأولى الجارة، ولم يفصل
بينهما فاصل مع أن اللام ليست من أحرف الجواب وهو شاذ؛ لأن الحرف
المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد لا يكاد يقوم بنفسه, ولو جاء على
الصواب لقال: "لما لما به".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3,
وابن الناظم.
(2/982)
.. ولا لِلِما بهم أبدا دواء
وأجاز الزمخشري: "إن إن زيدا قائم", وتبعه ابن هشام.
قال في شرح التسهيل: وقوله مردود؛ لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد
عليه.
ولا حجة له في قول الشاعر1:
إن إن الكريم يحلُم ما لم ... يَرَيَنْ من أجاره قد ضِيما
فإنه من الضرورات.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الخفيف.
اللغة: "يحلم" من الحلم وهو الأناة والتعقل, "أجاره" جعله في جواره
وحمايته, "ضيم" مبني للمجهول , أي: ظلم وبخس حقه.
المعنى: إن الكريم الخلق يتحلى بالحلم والتعقل في تصرفاته, ما لم ير أن
من أجاره وجعله في حماه قد ظلم واعتدى عليه، فعند ذلك يذهب عنه حلمه
ويبطش بهذا الظالم المعتدي على من التجأ إليه.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "إن" الثانية توكيد لها, "الكريم"
اسمها, "يحلم" الجملة خبر, "ما" مصدرية ظرفية, "يرين" مضارع مؤكد
بالنون الخفيفة في محل جزم بلم, و"ما" دخلت عليه في تأويل مصدر بإضافة
اسم زمان منصوب بيحلم, أي: يحلم مدة عدم رؤيته, "من" اسم موصول مفعول
ليرى, "أجاره" الجملة صلة, "قد ضيما" حرف تحقيق, وفعل ماض مبني للمجهول
ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه, والجملة في محل نصب صفة لمن أو حال إن
جعلت "يرى" بصرية، ومفعول ثانٍ إن كانت علمية.
الشاهد فيه: "إن إن" حيث أكد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما,
مع أنه ليس من حروف الجواب, وهو شاذ لا يقاس عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3،
وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
(2/983)
تنبيه:
قال في التسهيل1: لم يعد في غير ضرورة إلا معمولا بمثل عامله أولا أو
مفصولا. ومثّل الفصل بقوله2:
حتى تراها وكأنّ وكأنْ ... أعناقها مشددات بقرن
وبقوله3:
ليت شعري هل ثم هل آتيَنْهم
__________
1 التسهيل ص166.
2 قائله: هو خطام المجاشعي يصف إبلا, وقيل: الأغلب العجلي, وهو من
الرجز.
اللغة: "أعناقها" -جمع عنق- وهي الرقبة, "قرن" -بفتح القاف والراء- حبل
تربط به الإبل ويقرن بعضها إلى بعض.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل
يستحثونها على السير بنظام واعتدال, حتى إن من يراها يظن أن أعناقها
مربوط بعضها إلى بعض بحبال.
الإعراب: "حتى" حرف غاية وجر, "تراها" فعل مضارع والفاعل ضمير أنت
والضمير البارز مفعول وهو عائد على الإبل في بيت قبله, "وكأن" الواو
للحال وكأن حرف تشبيه ونصب, "وكأن" الثانية توكيد وخُففت للقافية,
"أعناقها" اسم كأنّ الأولى والهاء مضاف إليه, "مشددات" خبرها, "بقرن"
متعلق بمشددات، وسكن للشعر.
الشاهد فيه: "كأن وكأن" حيث أكد "كأن" بمثلها مع عدم الفاصل بمعمول
الأولى -مع أنها ليست من حروف الجواب- وهذا أخف في الشذوذ من سابقه؛
لأنه فصل هذا بواو العطف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3،
وابن الناظم, وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
3 قائله: هو الكميت بن معروف, وهو من الخفيف.
وتمامه:
......... ... أم يحولن دون ذاك الحمام
اللغة: "آتينهم" أزورهم وأراهم, "الحمام" -بكسر الحاء- الموت.
المعنى: يتلهف على أحبابه الذين فارقهم، ويتمنى أن يزورهم ويراهم أو
يمنع من التمتع برؤيتهم وقوع الموت عليه أو عليهم.
الإعراب: "ليت" حرف تمن ونصب, "شعري" اسم ليت منصوب بفتحة مقدرة على ما
قبل ياء المتكلم, وياء المتكلم مضاف إليه, "هل" حرف استفهام, "ثم" حرف
عطف, "هل" توكيد للاستفهام =
(2/984)
قال: ومن الفصل المسموع, الفصل بالوقف
كقوله1:
__________
= السابق, "آتينهم" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد
الخفيفة والفاعل ضمير مستتر وضمير الغائبين مفعول به, "أم" حرف عطف,
"يحولن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة, "دون"
ظرف متعلق بيحول, "ذاك" ذا مضاف إليه والكاف حرف خطاب, "الحمام" فاعل
يحول مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "هل ثم هل" حيث أكد "هل" الأولى بهل الثانية مع الفصل
بينهما بالحرف "ثم", ولكنه لم يأت بمدخول المؤكد فاصلا وهو "آتينهم"
وهذا شاذ, ومع شذوذه فهو أخف من غيره لوجود الفاصل، ولو وافق القياس
لقال: "هل آتينهم, ثم هل آتينهم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2, وذكره السيوطي في
الهمع 125/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرجز.
اللغة: "ينسك" فعل مضارع أصله: النسيان, "الأسى" -بفتح الهمزة والسين
مقصورا- الحزن, "تأسيا" الصبر والاقتداء بغيره من الصابرين, "حمام"
-بكسر الحاء وتخفيف الميم- الموت, "مستعصما" ممتنعا.
المعنى: لا ينسك الحزن على من مات منك حسن التأسي بالصابرين؛ لأن أحدا
لا يعتصم عن الموت, فلا فائدة حينئذ للجزع وترك التأسي بالصابرين.
الإعراب: "لا" ناهية, "ينسك" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه
حذف الياء والكاف ضمير المخاطب مفعول أول, "الأسى" فاعل, "تأسيا" مفعول
ثانٍ لينسي منصوب بالفتحة الظاهرة, "فما" الفاء للتعليل وما حرف نفي
يعمل عمل ليس, "من حمام" جار ومجرور متعلق بمستعصما, "أحد" اسم ما
النافية, "مستعصما" خبر ما منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
الشاهد فيه: "فما ما" فإنه كرر الحرف الواحد للتأكيد اللفظي، ولكن فصل
بينهما بالوقف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 410/ 2, وذكره السيوطي في الهمع
125/ 2.
(2/985)
لا يُنسِكَ الأسى تأسيا فما ... ما من حمام
أحد مستعصما
فظاهره أن مثل ذلك يجوز اختيارا.
وصرح في الكافية وشرحها بقلة:
حتى تراها وكأن وكأن
ولم يجعل للفصل فيه أثرا.
ثم استثنى من الحروف الجوابية فقال:
..... غير ما تحصلا ... به جواب كنَعَمْ وكبَلَى
فيجوز أن يؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء فتقول: "نعم نعم" و"لا
لا " و"بلى بلى".
وذلك لأن الحرف الجوابي كالمستقل؛ لصحة الاستغناء به عن ذكر المجاب به.
وقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكدْ به كل ضمير اتصل
فيؤكد به المرفوع نحو: "قمت أنت", والمنصوب نحو: "رأيتك أنت", والمجرور
نحو: "مررت بك أنت".
وهذا من قبيل التوكيد اللفظي.
"تنبيه":
إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: "رأيتك إياك" فمذهب
البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد.
قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب
المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: "فعلتَ أنتَ"
والمرفوع تأكيد بإجماع.
(2/986)
قيل: وكأنه يعني بقوله: بإجماع أنه يجوز،
لا أنه يتعين فإنهم قد أعربوا "قمت أنت" بدلا.
قلت: قوله في التسهيل1: ولا يبدل مضمر من مضمر, يمنع من إعرابه بدلا.
__________
1 التسهيل ص172.
(2/987)
|