توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك

النداء:
فيه لغتان: كسر النون، وضمها.
ومعناه لغة: الدعاء.
واصطلاحا: دعاء بحروف مخصوصة، وهي: يا، وأي، وأَيَا، وهيا، والهمزة، ووا في الندبة.
وزاد الكوفيون: آ، وآيْ بالمد.
وأخبر سيبويه رواية عن العرب أن الهمزة للقريب المصغي، وأن ما سواها للبعيد مسافة أو حكما.
وعلى مذهب سيبويه اعتمد الناظم فقال:
وللمنادى الناءِ أو كالناء يا ... وأَيْ وآ كذا أَيَا ثم هَيَا
والهمز للداني....
فالنائي: هو البعيد مسافة، وكالنائي: هو البعيد حكما كالساهي، والداني: هو القريب، ولا حاجة إلى ذكر سائر المذاهب؛ لأن قائليها لم يعتمدوا إلا على الرأي، والرواية لا تعارض بالرأي، كذا قال المصنف.
وقوله: ووا لمن ندب.
يعني: مختصة بالندبة، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز بعضهم استعمالها في غير الندبة قليلا.
وقوله: "أو يا" يعني: أن "يا" قد تستعمل في الندبة بشرط أمن اللبس1, فإن خِيفَ التباس المندوب بغيره تعينت "وا"2.
__________
1 مثال أمن اللبس قوله:
حُمِّلتَ أمرا عظيما فاصطبرتَ له ... وقمت فيه يأمر الله يا عمرا
فصدور ذلك بعد موت عمر دليل على أنه مندوب، وليس الدليل الألف لأنها تلحق آخر المستغاث والمتعجب منه. هـ 103/ 3 صبان.
2 مثل خوف اللبس فتقول عند قصد ندبة زيد الميت وبحضرتك من اسمه زيد: وا زيد -بالواو- إذ لو أتيت بيا، لتبادر إلى فهم السامع أنك قصدت النداء. هـ 103/ 3 صبان.

(2/1051)


ولذلك قال:
وغير وا لدى اللبس اجتُنب
تنبيهات:
الأول: أجمعوا على أن نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدا، وعلى منع العكس.
الثاني: ذهب بعض النحاة إلى أن هذه الأدوات أسماء أفعال محتملة لضمائر مستترة.
الثالث: ذهب ابن السكيت1 إلى أن ها "هيا" بدل من همزة "أيا" وتبعه ابن الخشاب2.
الرابع: قال في شرح التسهيل: لم يذكر آ، وآي -بالمد- إلا الكوفيون, رووهما عن العرب الذين يثقون بعربيتهم، ورواية العدل مقبولة.
قلت: وذكر غيره أن الأخفش حكى "آ" في الكبير، وجعلها ابن عصفور للقريب كالهمزة.
وقوله:
وغير مندوب ومُضْمَر وما ... جا مستغاثا قد يُعَرَّى فاعلما
المنادى قسمان:
__________
1 هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت, كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة، وأخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبي عمرو الشيباني، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر، ومات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين.
2 هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب أبو محمد النحوي، قال القفطي: كان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال: إنه كان في درجة الفارسي، وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والمنطق والفلسفة، وله تصانيف كثيرة؛ فقد صنف شرح الجمل للجرجاني، والرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل، وشرح اللمع لابن جني ولكن لم يتم، وغير ذلك. توفي عشية الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة.

(2/1052)


فالأول: يمتنع حذف حرف النداء معه، وهو المندوب نحو: "وا زيداه", والمضمر نحو: "يا أنت ويا إياك", والمستغاث نحو: "يا لزيد".
فإن قلت: ما سبب "منع"1 الحذف مع هذه الثلاثة؟
قلت: أما المندوب والمستغاث؛ فلأن المطلوب فيهما مد الصوت، والحذف ينافيه. وأما المضمر فلأن الحذف معه تفوت به الدلالة على النداء.
تنبيه:
فهم من كلامه جواز نداء المضمر، وفيه تفصيل.
فإن كان لمتكلم أو غائب لم يجز، لا يقال: "يا أنا", ولا "يا هو", و"إن كان"2 لمخاطب ففيه خلاف. قال في الارتشاف: والصحيح المنع. انتهى.
وقد سمع ما ظاهره نداء المضمر بصيغة النصب كقوله: "يا إياك قد كفيتُكَ"3 وهو القياس، وبصيغة الرفع كقوله4:
__________
1 أ.
2 أ، جـ.
3 قيل: إن الأحوص اليربوعي وفد مع ابنه على معاوية، فقام الأب فخطب، فلما انتهى قام الابن ليخطب، فقال له الأب ذلك, أي: قد أغنيتك عن القول.
4 قائله: هو الأحوص اليربوعي، قاله العيني، وصوب أنه لسالم بن دارة في مُرّ بن واقع, وتمامه:
أنت الذي طلَّقت عام جُعْتَا
وهو من الرجز.
اللغة: "الأبجر" المنتفخ البطن, "طلقت" فارقت حلائلك, "عام جعتا" أي: في الوقت الذي وقعت فيه المجاعة.
المعنى: يذم المخاطب بأنه عظيم البطن وابن عظيمها، ويقول: أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك وتملأ به بطنك، وأبيت السعي لجلب رزقهن.
الإعراب: "يا" للنداء, "أبجر" منادى مبني على الضم, "ابن" صفة, "أبجر" مضاف إليه, وكان حق أبجر الجر بالفتحة لوزن الفعل ولكنه صرف للضرورة, "يا" للنداء, "أنتا" منادى مبني على ضم مقدر منع منه حركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "يا أنتا", حيث نادى الضمير الذي في موضع الرفع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 443/ 2, وابن هشام 220/ 3.
وذكره ابن يعيش 127/ 1، والسيوطي في الهمع 174/ 1، والشاهد 105 في الخزانة.

(2/1053)


يا أبجرُ بنَ أبجرِ يا أنتا
وهو من نيابة بعض الضمائر عن بعض.
وتأول بعضهم: "يا إياك" على أن "يا" للتنبيه و"إياك" منصوب بمقدر يدل عليه الظاهر بعده.
و"يا أنت" على أن "يا" للتنبيه و"أنت" مبتدأ، و"أنت" الثاني مبتدأ ثانٍ أو توكيد, أو فصل، أو بدل، والخبر الموصول.
والقسم الثاني: يجوز فيه حذف النداء -وهو ما عدا القسم الأول- إلا أن منه ما يقل الحذف معه، ومنه ما يكثر.
وقد نبّه على ما يقل بقوله:
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله
الإشارة إلى تعرِّيه من الحرف. ومن حذفه من اسم الجنس قوله: "ثوبي حَجَر" 1.
وجاءت منه ألفاظ في النثر والنظم.
ومذهب البصريين: أن حذف حرف النداء منه, لا يجوز إلا في شذوذ أو ضرورة.
وهو عند الكوفيين قياس مطرد.
__________
1 قاله عليه الصلاة والسلام حكاية عن موسى -عليه السلام- حين فر الحجر بثوبه حين وضعه عليه ليغتسل, وكان رخاما.

(2/1054)


ومن حذفه من اسم الإشارة قوله1:
..................... ... بمثلك هذا لوعة وغرام
وسمع منه أبيات.
ومذهب البصريين: أنه لا يجوز؛ ولذلك لحنوا أبا الطيب في قوله2:
هذي بَرَزتِ لنا فهجتِ رَسِيسا
__________
1 قائله: هو ذو الرمة -غيلان بن عقبة- وهو من الطويل.
وصدره:
إذا هَمَلت عيني لها قال صاحبي
اللغة: "هملت العين" سال دمعها, "لوعة" اللوعة: حرقة القلب من ألم الحب, "غرام" شدة رغبة.
المعني: كلما بكى وسال دمعه عند تذكر المحبوبة قال له صاحبه: يا هذا, إنك شديد الحب لها والغرام بها, وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئا يخفف من لوعته.
الإعراب: "إذا" شرطية, "هملت" فعل الشرط والتاء للتأنيث, "عيني" فاعله, "لها" متعلق بهملت، واللام للتعليل, أي: لأجل المحبوبة, "قال" فعل ماض جواب الشرط, "صاحبي" فاعله مضاف للياء, "بمثلك" جار ومجرور خبر مقدم, "هذا" ها للتنبيه, وذا اسم إشارة منادى على حذف حرف النداء, "لوعة" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول, "وغرام" عطف على لوعة.
الشاهد فيه: "هذا", حيث حذف منه حرف النداء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 443/ 2، وابن هشام 222/ 3، والمكودي ص124, وذكره السيوطي في الهمع 174/ 1.
2 قائله: هو أبو الطيب -أحمد بن الحسين المتنبي- وهو من الكامل.
وتمامه:
ثم انثنيتِ وما شفيتِ نسيسا
اللغة: "برزت" ظهرت, "فهجت" من هاجه إذا أثاره, "رسيسا" -بفتح الراء وكسر السين- وهو مس الحمى أو الهم, "نسيسا" -بفتح النون وكسر السين- بقية النفس.
الإعراب: "هذي" منادى حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا هذه, "برزت" فعل ماض والتاء فاعل, "لنا" جار ومجرور متعلق ببرزت, "فهجت" الفاء عاطفة وهاج فعل ماض والتاء فاعل والجملة عطف على "برزت", "رسيسا" مفعوله, وإعراب الباقي واضح.
الشاهد فيه: "هذي" حيث حذف منه حرف النداء, وحذف حرف النداء مع اسم الإشارة لا يجوز عند البصريين.
وخُرِّج على أن "هذي" إشارة إلى البرزة, فهي مصدر.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه 444/ 2.

(2/1055)


ومذهب الكوفيين جوازه، وجعلوا منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} 1.
تنبيه:
ظاهر كلامه موافقة الكوفيين على الجواز، وقال الشارح: وقول الشيخ: ومن يمنعه فانصر عاذله، يوهم اختيار مذهب الكوفيين.
هذا, إن لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك.
قلت: قد صرح بموافقتهم في اسم الجنس في شرح الكافية، فقال: وقولهم هذا أصح. انتهى. والإنصاف القياس على اسم الجنس؛ لكثرته نثرا ونظما.
"وقصر"2 اسم الإشارة على السماع، إذ لم يرد إلا في الشعر.
وأما نحو: "ثم أنتم هؤلاء" فمتأول3.
فإن قلت: فهم من كلامه أن ما سوى هذه الخمسة يجوز معه حذف حرف النداء، وليس على إطلاقه.
فقد ذكر في التسهيل4: أن مما يلزمه الحرف لفظ الجلالة والمتعجب منه، ولم يذكرهما هنا، وقد ذكر الأول في الكافية دون الثاني.
__________
1 من الآية 85 من سورة البقرة.
2 ب، جـ, وفي أ "وقصره على".
3 مؤولة على أن "هؤلاء" بمعنى الذين، وهو خبر عن "أنتم" أو بالعكس وجملة "تقتلون" صلة, أو "هؤلاء" اسم إشارة وجملة "تقتلون" حال.
4 التسهيل ص179.

(2/1056)


قلت: لما كان الأكثر في لفظ الجلالة تعويض الميم عن حرف النداء, لم يذكره مع ما يلزمه الحرف.
وأما المتعجب منه، فلما كان كالمشتقّات لفظا وحكما نحو: "يا للماء" استغنى بذكره عنه.
فإن قلت: إذا كان حرف النداء غير لازم مع لفظ الجلالة؛ لكونه قد يحذف إذا عوض عنه. فما وجه ذكره في التسهيل والكافية مع ما يلزم الحرف؟
قلت: وجهه أنه مما يلزمه الحرف إذا لم يعوض.
فإن قلت: أطلق في اسم الجنس، والمراد إنما هو اسم الجنس المبني للنداء، فإنه محل الخلاف.
فأما اسم الجنس المفرد غير المعين, فقد نص في الكافية وشرحها على أن الحرف يلزمه.
قلت: أجاز بعضهم حذف الحرف منه أيضا نحو: "رجلا خذ بيدي".
فلعله ذهب هنا إلى ذلك، فيكون إطلاقه مرادا.
فإن قلت: وأطلق أيضا في "اسم"1 الإشارة، وهو مقيد بألا يصحب كاف الخطاب, فإن صحبها ففي ندائه مع ثبوت الحرف خلاف، وممن منع السيرافي.
فإن لم يصحبه الحرف, فلا خلاف في جواز ندائه, ذكره في الارتشاف.
قلت: كأنه اعتمد على تقييده بالواقع؛ لقلته.
تنبيه:
قال في الكافية, بعد ذكر لفظ الجلالة والمضمر والمستغاث واسم الإشارة واسم الجنس:
وغير ذي الخمسة ناده بيا ... أو غيرها أو أوله تعريا
وذكر في شرحها أن ذلك بإجماع.
__________
1 أ، جـ.

(2/1057)


فقد يقال: يرد عليه المندوب والمتعجب منه.
والجواب: أنه ذكر المندوب قبل ذلك, فقال: وألزم المندوب وا أو لفظ يا, وتقدم الجواب عن المتعجب منه.
والحاصل: أن حرف النداء يجوز حذفه من العلم نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 1.
والمضاف نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} ، والموصول نحو: "من لا يزال محسنا أحسن إليَّ"، وأي نحو: "أيها المؤمنون", والمطول نحو: "خيرا من زيد أقبل".
ويختلف في جواز حذفه من اسم الجنس المبني للنداء، واسم الإشارة، والنكرة غير المقصودة.
ويمتنع مع الأشياء المتقدم ذكرها.
قوله:
وابن المعرَّف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عُهدا
المعرف: يشمل ما له تعريف قبل النداء نحو: "يا زيد", وما "حصل"2 له تعريف في النداء نحو: "يا رجل".
أما نحو: "يا زيد" فقيل: باقٍ على علميته، وهو مذهب ابن السراج، وقيل: سلب تعريف العلمية وتعرف بالإقبال، وهو مذهب المبرد والفارسي.
وإلى الأول ذهب المصنف، واحتج بنداء ما لا يمكن سلب تعريفه كاسم الله تعالى واسم الإشارة.
وأما نحو: "يا رجل"، فقيل: تعرف بالإقبال والقصد3, وإليه ذهب المصنف وقيل: بأل محذوفة.
__________
1 من الآية 29 من سورة يوسف.
2 أ، جـ، وفي ب "حدث".
3 قال الصبان 105/ 3: القصد: قصد المنكر بعينه، والإقبال أي: إقبال المتكلم على المنادى، أي: إلقاؤه الكلام نحوه.

(2/1058)


والمراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا ولا شبيها به كما في باب "لا", فيشمل المثنى والجمع والمركب تركيب مزج.
وقوله:
على الذي في رفعه قد عُهدا
يعني: أنه يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء من ضمة ظاهرة نحو: "يا زيد" و"يا رجال" و"يا مسلمات"، أو مقدرة نحو: "يا زيدون".
فإن قلت: ما علة بناء المنادى المفرد؟
قلت: شبهه بالمضمر من نحو: "يا أنت" في التعريف والإفراد, وتضمين معنى الخطاب.
وقيل: إجراؤه مجرى الأصوات, ونسب إلى سيبويه.
تنبيهات:
الأول: قال في التسهيل: ويجوز نصب ما وُصف من معرّف بقصد وإقبال1، وحكاه في شرحه عن الفراء، وأيده بما روي من قوله -عليه الصلاة والسلام- في سجوده: "يا عظيما يُرجَى لكل عظيم".
وجعل منه2:
أَدَارًا بجُزْوَى هجتِ للعين عَبْرة....
__________
1 التسهيل ص180.
2 قائله: هو ذو الرمة, وهو من الطويل.
وتمامه:
فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق
اللغة: "بجزوى" -بضم الجيم وسكون الزاي وفتح الواو- اسم موضع بعينه, "هجت" حركت, عبرة" العبرة: الدمعة, "فماء الهوى" يعني: الدمع, "يرفض" يسيل بعضه في إثر بعض, "يترقرق" يبقى في العين متحيرا يجيء ويذهب، وقيل: يتدفق.
المعنى: أنه نظر إلى دار بعينها عهد فيها من يحب فهاجت شوقه وحزنه, والدمع يسيل بعضه إثر بعض، أو يبقى في العين متحيرا. =

(2/1059)


فظاهر مذهب البصريين أن النصب في هذا البيت ونحوه؛ لقصد التنكير.
الثاني: ذهب الكسائي والزيادي إلى أن ضمة "يا زيد" ونحوه ضمة إعراب, ونقله ابن الأنباري عن الكوفيين.
الثالث: ذهب بعض الكوفيين, إلى أن نداء المثنى والمجموع على حده بالياء, تشبيها بالمضاف.
قال في البسيط: وهو فاسد؛ لأنه ليس مركبا.
الرابع: إذا ناديت "اثني عشر" و"اثنتي عشرة" قلت: يا اثنا عشر ويا اثنتا عشرة, بالألف.
وقال الكوفيون: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة -بالياء- إجراء لهما مجرى المضاف.
وأشار بقوله:
وانوِ انضمام ما بنوا قبل الندا
إلى أن ما كان مبنيا قبل النداء، يقدر بناؤه على الضم نحو: ""يا سيبويه" و"يا رقاش" و"يا خمسة عشر" و"يا برق نحره""1.
__________
= الإعراب: "أدارا" الهمزة للنداء ودارا نكرة منادى, "بجزوى" جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: أدارا مستقرة "بجزوى", هجت "هاج" فعل ماض والتاء فاعل, "للعين" جار ومجرور متعلق به, "عبرة" مفعول به, "فماء" مبتدأ, "الهوى" مضاف إليه, "يرفض" خبره, "أو يترقرق" عطف عليه.
الشاهد فيه: "أدارا" نصب؛ لأنه منادى منكور في اللفظ، لاتصاله بالمجرور بعده ووقوعه في موضع صفته، كأنه قال: أدارا مستقرة بجزوى، فجرى لفظه على التنكير وإن كان مقصودا بالنداء معرفة في التحصيل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 445/ 2, وذكره سيبويه 311/ 2، والشاهد 113 في الخزانة.
1 أ، جـ.

(2/1060)


"ويظهر أثر التقدير في التابع فيجوز"1: "يا سيبويه الظريف" -بالنصب- اتباعا للمحل -وبالرفع- اتباعا للبناء المقدر2.
وإلى هذا أشار بقوله:
.... وليُجْزَ مجرى ذي بناء جُدِّدا
ثم قال:
والمفرد المنكور والمضافا ... وشِبْهه انصب عادما خلافا
مثال المفرد المنكور -يعني: الذي لم يقصد به معين- قول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي", وقوله3:
__________
1 أ، جـ.
2 وإنما لم يجر مراعاة لكسرة البناء؛ لأنها لأصالتها بعيدة عن حركة الإعراب بخلاف الضم, فإنه لعروضه بيا أشبهت حركة الإعراب العارضة بالعامل المتأصلة في المتبوعية، وإطلاق الرفع على حركة التابع فيه مسامحة؛ لأن التحقيق أنها حركة إتباع. هـ 107/ 3 صبان.
3 قائله: هو عبد يغوث بن وقاص, من قصيدة ينوح فيها على نفسه عندما أسرته تيم الرباب.
وتمامه:
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وهو من الطويل.
اللغة: "عرضت" تعرضت, أو أتيت العروض وهو مكان, "نداماي" المؤنس على الشراب, "نجران" بلد باليمن.
المعنى: يندب حظه وينادي الركبان وهو في الأسر، ويقول: إذا بلغتم العروض فبلغوا ندمائي وأحبائي أنه لا تلاقي بيننا، فإننا لا ندري ما الله صانع بنا.
الإعراب: "أيا" حرف نداء, "راكبا" منادى منصوب بالفتحة, "إما" إن شرطية وما زائدة, "عرضت" فعل ماض فعل الشرط, والتاء فاعل, "فبلغن" الفاء واقعة في جواب الشرط, وبلغن فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل جزم جواب الشرط, "نداماي" مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف وياء المتكلم مضاف إليه, "من نجران" متعلق بمحذوف حال من نداماي, "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن, "لا" نافية للجنس, "تلاقيا" اسمها والألف للإطلاق والخبر محذوف أي: لنا، والجملة في محل رفع خبر "أن" وجملة أن في محل نصب مفعول ثانٍ لبلغن.
الشاهد فيه: أيا راكبا" حيث نصب "راكبا"؛ لكونه نكرة غير مقصودة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 445/ 2، وابن هشام 216/ 3، وابن عقيل 193/ 2، وابن الناظم. وذكره ابن يعيش 128/ 1، وفي الشذور ص107، وفي القطر ص204، وسيبويه 312/ 1، والشاهد 115 في الخزانة.

(2/1061)


أيا راكبا إما عرضت فبلغَنْ ... ........................
والمضاف نحو: "يا غلام زيد", والمشبه بالمضاف -ويسمى المطول والممطول- وهو طول بعمل أو عطف نحو: "يا عظيما فضله" و"يا راحما عبده" و"يا لطيفا بالعباد", ونحو: "يا ثلاثةً وثلاثين" اسم رجل.
فلو ناديت جماعة هذه عدتهم قلت: يا ثلاثة والثلاثون فيمن قال: والحارثُ, والثلاثين فيمن قال: والحارثَ.
وفصل الأخفش فقال: إن أريد بذلك جماعة مبلغها هذا العدد, فلا يجوز إلا نصب الاسمين؛ لأنهما إذ ذاك وقعا على مسمى واحد.
وإن "كان"1 الثلاثة على حدة والثلاثون على حدة، حكم لهما بحكم المعطوف "والمعطوف"2 عليه.
قيل: وينبغي أن يفصل فيما إذا كان كل منهما على حدة بين أن يكون كل منهما مقصودا بالنداء، فالحكم كذلك، وبين أن يقصد ثلاثة مبهمة فينصبا معا.
تنبيه:
لا يطول المنادى بمعموله، إلا إذا كان ملفوظا به، فلا يعتدّ بالضمير المستكن.
"فرعان" على ذلك:
لو قلت: "يا ذاهبُ" لبنيت على الضم؛ لعدم الاعتداد بالضمير.
ولو قلت: "يا ذاهبُ وزيد" فإن عطف على ذاهب فالبناء، أو على الضمير نصبت لعمله في "زيد" بواسطة الحرف.
ومن ثم وجب: "يا مشتركا وزيدا" بالنصب, عطفا على الضمير؛ لعدم استغنائه بواحد.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ.

(2/1062)


فإن قلت: كيف قال: "عادما خلافا" مع أن في بعض ذلك خلافا؟
ذهب المازني: أنه لا يتصور وجود للنكرة غير المقبل عليها، وأن ما جاء منونا نحو:
أدارا بجزوى هجت للعين عبرة
ضرورة.
وذهب ثعلب: إلى جواز ضم المضاف الصالح للألف واللام نحو: "يا حسن الوجه".
قلت: أما الأول: فخلاف في وجود قسم، لا في حكمه.
وأما الثاني: فجوابه أن مراده: "عادما خلافا" في صحة النصب، ولم يختلف في صحته، وإن أجاز بعضهم معه الضم في بعض المواضع.
وقوله:
ونحو زيد ضُمَّ وافتحن من ... نحو أزيدُ بنَ سعيد لا تهن
يجوز في المنادى المضموم أن يفتح بخمسة شروط:
الأول: أن يكون عَلَما.
الثاني: أن ينعت بابن.
الثالث: أن يضاف الابن إلى علم.
الرابع: ألا يفصل بين ابن وموصوفه.
الخامس: أن يكون المنادى مما يُضم لفظا.
فلو كان غير علم نحو: "يا غلام ابن زيد" أو منعوتا بغير ابن نحو: "يا زيد الكريم", أو أُضيف الابن إلى غير علم نحو: "يا زيد ابن أختنا", أو كان المنادى لا تظهر الحركة فيه نحو: "يا عيسى بن مريم" تعين الضم.
وقد جمع هذه الشروط قوله: "أزيد بن سعيد".
فيجوز في "زيد" ضمه على الأصل، وفتحه إتباعا لفتحة "ابن" ولا يعتد بفصل الساكن.

(2/1063)


وقد نص على اشتراط عَلَمية المنادى والمضاف إليه واتصاله بقوله:
والضم إن لم يَلِ الابنُ علمًا ... أو يل الابنَ علمٌ قد حُتما
فإن قلت: من أين يفهم اشتراط الاتصال؟
قلت: من قوله: "يَلِ".
فإن قلت: قد أخل بالشرط الخامس.
قلت: هو شرط مختلف فيه، فإن الفراء أجاز في نحو: "يا عيسى بن مريم" تقدير الفتحة والضمة، إلا أن المصنف شرطه في التسهيل1 وأوجب تقدير الضمة, إذ لا فائدة في تقدير الفتحة.
فإن قلت: كان ينبغي أن ينص على أن شرط الفتح في ذلك جعل الابن صفة؛ لأنه لو جعل بدلا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولا بفعل مقدر تعيّن الضم، ولا يغني تمثيله عن ذلك؛ لأن المثال يحتمل هذه الأوجه.
قلت: هي احتمالات مرجوحة، وكونه نعتا هو الظاهر، ولو نص على ذلك لكان أولى.
فإن قلت: لم يبيّن أي الوجهين أرجح.
قلت: ذهب المبرد إلى أن الضم أجود، وقال ابن كيسان: الفتح أكثر في كلام العرب.
قيل: والفتح اختيار البصريين.
تنبيهات:
الأول: لا إشكال في أن فتحة "ابن" فتحة إعراب إذا ضم موصوفه، وأما إذا فُتح فمذهب الجمهور أنها أيضا فتحة إعراب، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء؛ لأنك ركَّبته مع "زيد".
__________
1 التسهيل ص108.

(2/1064)


الثاني: حكم "ابنة" حكم "ابن" فيما ذكر، فيجوز الضم والفتح في نحو: "يا هند بنةَ زيدٍ" خلافا لبعضهم.
وأما النعت ببنت, فلا أثر له في النداء1.
الثالث: يلحق بالعَلَم نحو: "يا فلانُ بنَ فلان" و"يا ضُلُّ بنَ ضل"2 و"يا سيد بن سيد" ذكره في التسهيل3, وهو مذهب الكوفيين.
ومذهب البصريين في ذلك ونحوه مما ليس بعلم, التزام الضم.
الرابع: أجاز الكوفيون فتح المنعوت بغير "ابن", إذا كان المنعوت مفردا نحو:
يا زيد الكريم" وأنشدوا4
__________
1 نحو: "يا هند بنت عمرو" واجب الضم.
2 ضل -بضم الضاد- علم جنس لمن لا يعرف هو ولا أبوه.
3 التسهيل ص180.
4 قائله: هو جرير بن الخطفي, من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز, وهو من الوافر.
وتمامه:
فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك...............
اللغة: "كعب بن مامة" هو كعب الإيادي الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه, "ابن سعدى" هو أوس بن حارثة، وسعدى: اسم أمه.
الإعراب: "فما" نافية حجازية, "كعب" اسمها, "ابن مامة" صفة ومضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث, "وابن سعدى" معطوف عليه ومضاف إليه, "بأجود" الباء زائدة وأجود خبر ما, "ومنك" متعلق بأجود, "يا" حرف نداء, "عمر" منادى مبني على الفتح, "الجوادا" صفته.
الشاهد فيه: "يا عمر الجواد" حيث إن "عمر" منادى مبني على الفتح، وقد وصف بغير "ابن" وهو "الجوادا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 447/ 2، وابن هشام 230/ 3, وذكره السيوطي في الهمع 176/ 1.

(2/1065)


............. ... يا عمرَ الجوادا
بالفتح.
وخرج على وجهين: أحدهما: أن أصله "يا عمرا" -بالألف- عند من يجيز إلحاقها من غير الندبة والاستغاثة والتعجب.
والآخر: أصله "عمرًا" -بالتنوين- ضرورة، ثم حذفه؛ لالتقاء الساكنين.
الخامس: حكى الأخفش عن بعض العرب: "يا زيدُ بنُ عمرو" بضم النون, إتباعا لضمة الدال.
وقوله:
واضمم أو انصب ما اضطرارا نُوِّنا ... مما له استحقاق ضم بُيِّنا
الذي يستحق البناء على الضم هو المعرفة، فإذا اضطر شاعر إلى تنوينه جاز له فيه وجهان:
أحدهما: الضم, تشبيها بمرفوع، اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف.
والثاني: النصب، تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين.
وكلاهما مسموع من العرب.
والضم اختيار الخليل وسيبويه، والنصب اختيار أبي عمرو وعيسى ويونس والجرمي والمبرد.
قال المصنف: وعندي أن بقاء الضم راجح في العلم، والنصب راجح في النكرة المعينة؛ لأن شبهها بالمضمر أضعف.
وقوله:
وباضطرار خُص جمع يا وأل ... إلا مع الله ومحكِيِّ الجُمَل

(2/1066)


يعني: أن الجمع بين حرف النداء وحرف التعريف مخصوص بالضرورة كقوله1:
فيا الغلامان اللذان فرا ... ...................
إلا في موضعين:
أحدهما: "مع"2 الله، فيجوز "يا الله" بوصل الهمزة وقطعها؛ للزوم أل لهذا الاسم حتى صارت بمنزلة الحروف الأصلية.
والآخر: ما سمي به من الجمل المصدّرة بأل نحو: "يا المنطلق زيد" -في رجل مسمى بذلك- نص عليه سيبويه.
تنبيه:
قاس المبرد ما سمي به من موصول مصدر بأل على الجملة نحو: "يا الذي قام", قال في شرح التسهيل: وهو قياس صحيح. انتهى. ونص سيبويه على منعه. فإن قلت: أهمل هنا موضعا ثالثا ذكره في التسهيل3 وهو اسم الجنس المشبه به نحو:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من السريع.
وتمامه:
إياكما أن تعقبانا شرا
وروي بدل "تعقبانا": تكسبانا, وفي الإنصاف: تكسباني.
الإعراب: "فيا" حرف نداء, "الغلامان" منادى مبني على الألف في محل نصب, "اللذان" صفة لقوله "الغلامان" باعتبار اللفظ, "فرا" فعل ماض وألف الاثنين فاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول, "إياكما" منصوب على التحذير لفعل مضمر وجوبا تقديره: احذر, "أن" مصدرية, "تعقبانا" فعل مضارع منصوب بحذف النون وألف الاثنين فاعل ونا مفعول أول، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة, "شرا" مفعول ثانٍ.
الشاهد فيه: "فيا الغلامان" حيث جمع بين حرف النداء وأل في غير اسم الله تعالى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 449/ 2, وابن عقيل 197/ 2، والمكودي ص126، والسيوطي ص102، وذكره في الهمع 174/ 1.
وذكره ابن يعيش 9/ 2، وابن الأنباري في الإنصاف 208/ 1, والشاهد 129 في الخزانة.
2 أ، جـ.
3 التسهيل ص181.

(2/1067)


"يا الأسدَ شدةً"1.
قلت: إنما لم يذكره هنا لأن مذهب الجمهور منعه، والجواز مذهب ابن سعدان في شرح التسهيل, وهو قياس صحيح؛ لأن تقديره: يا مثلَ الأسد, فحسن لتقدير دخول "يا" على غير الألف واللام.
وأجاز الكوفيون والبغداديون دخول حرف النداء على ما فيه "أل" مطلقا، ولا حجة لهم في نحو: "يا الغلامان" لأنه ضرورة.
وقوله:
والأكثر اللَّهُمَّ بالتعويض
يعني: أن الأكثر في نداء هذا الاسم الشريف تعويض الميم المشددة في آخره عن حرف النداء، فيقال: "اللهم" وهذا من خصائصه.
ثم قال:
وشذ يا اللهم في قريض
وجه شذوذه أن فيه جمعا بين العِوَض والمعوَّض، ومنه قوله2:
__________
1 قال المصنف, وتبعه البعض: الظاهر أنه من الشبيه بالمضاف؛ لأن شدة تمييز. هـ 111/ 3 صبان.
2 قائله: هو أبو خراش الهذلي، وقيل: لأمية بن أبي الصلت, وهو من الرجز.
اللغة: "حدث" -بفتحتين- وهو الأمر الذي يحدث من مكاره الدنيا, "ألما" نزل.
المعنى: يريد أنه إذا نزلت به حادثة, أو أصابه مكروه؛ لجأ إلى الله تعالى في كشف ما ينزل به.
الإعراب: "إني" حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمه, "إذا" ظرف يتعلق بأقول الآتي, "ما" زائدة, "حدث" فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده, "ألما" فعل ماض والألف للإطلاق والفاعل ضمير مستتر فيه, "أقول" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة في محل رفع خبر إن, "يا" حرف نداء, "اللهم" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة زائدة.
الشاهد فيه: "يا اللهم يا اللهم" حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة التي يؤتى بها للتعويض عن حرف النداء, فجمع بين العوض والمعوض عنه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 449/ 2, وابن هشام 235/ 3, وابن عقيل 197/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص126، والسيوطي ص102، وفي همعه 178/ 1. وذكره ابن يعيش 16/ 2، وابن الأنباري في الإنصاف 212/ 1, والشاهد 130 في الخزانة.

(2/1068)


إني إذا ما حَدَثٌ ألمّا ... أقول يا اللهم, يا اللهما
تنبيهات:
الأول: مذهب الكوفيين أن الميم في "اللهم" بقية جملة محذوفة وهي: "أمّنا بخير", وليست عوضا عن حرف النداء؛ فلذلك أجازوا الجمع بينهما في الاختيار.
الثاني: شذ أيضا حذف "أل" منه كقوله1:
لاهُمَّ إن كنت قَبِلت حجتج ... ..............
وهو في الشعر كثير.
الثالث: قال في الارتشاف: لا يستعمل "اللهم" إلا في النداء، وشذ استعماله في غير النداء.
__________
1 قائله: هو رجل من اليمانيين, وهو من الرجز.
وتمامه:
فلا يزال شاحج يأتيك بِجْ
اللغة: "حجتج" الأصل: حجتي، بإبدال الجيم من الياء, وهي جعجعة قضاعة, "شاحج" البغل الذي يشحج، أي: يصوِّت, "بج" أي: بي.
المعنى: يريد: يا اللهم إن كنت قبلت حجتي، فلا يزال بي شاحج هذه صفته.
الإعراب: "لاهم" منادى حُذف منه حرف النداء وعوض عنه الميم, "إن" شرطية, "كنت" فعل ماض فعل ناقص وهو فعل الشرط والتاء اسمه, "قبلت" فعل وفاعل, "حجتج" مفعول به مضاف إلى الياء التي انقلبت جيما، وجملة قبلت في محل نصب خبر كان, "فلا يزال" الفاء واقعة في جواب الشرط ولا نافية ويزال من أخوات كان, "شاحج" اسم زال, "يأتيك" فعل مضارع والفاعل ضمير والكاف مفعول، والجملة في محل نصب خبر زال, "بج" جار ومجرور متعلق بيأتي.
الشاهد فيه: "لاهم" حيث حذف "أل" من اللهم شذوذا.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 449/ 2، والسيوطي في الهمع 155/ 1.

(2/1069)


قلت: أنشد الفراء لبعض العرب1:
كحلفة من أبي رِيَاح ... يسمعها لاهم الكبار
وفيه شذوذان:
أحدهما: استعماله في غير النداء؛ لأنه فاعل يسمعها.
والثاني: تخفيف ميمه.
الرابع: إذا قلت: "اللهم" ففي جواز وصفه خلاف؛ منعه سيبويه والخليل، قال بعضهم: لأنه لما اتصلت به الميم صار بمنزلة صوت كقولك: "يا هناه", وأجازه المبرد والزجاج.
الخامس: قال في النهاية: استعمل "اللهم" على ثلاثة أنحاء:
__________
1 قائله: قال العيني: أنشده الفراء ولم يبين قائله، وقيل: الأعشى, وهو من البسيط.
اللغة: "كحلفة" كيمين, "أبي رياح" كناية عن رجل من بني ضبيعة واسمه حصن بن عمرو, "يسمعها" روي بدلها "يشهدها", "الكبار" -بضم الكاف وتخفيف الباء- صيغة مبالغة للكبير, بمعنى العظيم.
قال البغدادي: وإنشاد العامة: "يسمعها لاهه الكبار" وقال: أورده جماعة من النحويين منهم المرادي في شرح الألفية: "يسمعها لاهم الكبار".
وقد ذكر في العين, وفي همع الهوامع: "يسمعها اللهم الكبار".
وكان أبو رياح قد قتل رجلا من بني سعد بن ثعلبة, فسألوه أن يحلف أو يعطي الدية, فحلف ثم قتل بعد حلفته، فضربه العرب مثلا لما لا يغني من الحلف.
الإعراب: "كحلفة" الكاف للتشبيه وحلفة مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: حلف كحلف أبي رياح, "من" حرف جر, "أبي" مجرور بمن, "رياح" مضاف إليه، والجار والمجرور صفة للحلفة تقديره: كحلفة كائنة من أبي رياح, "يسمعها" يسمع فعل مضارع وها مفعول به, "لاهم" فاعله, "الكبار" صفته.
الشاهد فيه: "لاهم" حيث استعمل "اللهم" في غير النداء.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 178/ 1، والشاهد 125 في الخزانة.

(2/1070)


أحدها: أن "يراد به"1 النداء المحض، كقولهم: "اللهم أمنا".
والثاني: أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السامع، يقول لك القائل: "أزيد قائم؟ " فتقول: اللهم نعم، أو اللهم لا.
الثالث: أن تستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور, كقوله:
"أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني".
ألا ترى أن وقوع "الزيارة"2 مقرونا بعدم الدعاء قليل؟ انتهى.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "مرادا به".
2 ب, وفي أ، جـ "الزيادة".

(2/1071)


فصل "في تابع المنادى":
تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزِمْه نصبا كأزيد ذا الحيل
اعلم أن المنادى إن كان معربا فتابعه منصوب لا غير، نحو: يا أخانا الفاضلَ "ما لم يكن"1 بدلا أو عطف نسق، فحكمهما بعد المعرب كحكمهما بعد المبني على الضم وسيأتي.
وإن كان مبنيا على الضم نحو: "يا زيدُ" و"يا رجل" و"يا سيبويه" فتابعه إن كان بدلا أو عطف نسق, فسيأتي الكلام عليهما.
وأما غيرهما, فإن كان مضافا غير مقرون بأل لزم نصبه مطلقا، مثال النعت: "يا زيدُ ذا الحِيَل" والتوكيد: "يا زيد نفسَهُ" وعطف البيان: "يا زيدُ عائدَ الكلبِ".
وإن كان مضافا مقرونا بأل, أو مفردا ففيه وجهان: الرفع إتباعا للفظ المنادى, والنصب إتباعا لمحله.
وإلى ذلك الإشارة بقوله:
وما سواه ارفع أو انصب
فشمل قوله: ما سواه المضاف المقرون بأل نحو: "يا زيدُ الحسنَ الوجهِ", والمفرد نحو: "يا زيد الظريف", و"يا تميم أجمعين", و"يا سعيد كرز", فيجوز في جميع ذلك الرفع والنصب على ما تقدم.
فإن قلت: أما النصب إتباعا للمحل فظاهر؛ لأن المنادى مفعول بفعل مقدر.
وأما الرفع إتباعا للفظ فمشكل؛ لأن ضمة المنادى بناء، وحركة البناء لا تتبع.
قلت: لما كان البناء في باب النداء مشابها للإعراب في اطراد حركته جاز إتباعه.
فإن قلت: فهلا جاز الرفع أيضا في المضاف العاري من أل؟
__________
1 أ، جـ, وفي ب "ما يكون ما لم يكن".

(2/1072)


قلت: لأنه يستلزم تفضيل فرع عن أصل، إذ لو كان منادى لوجب نصبه.
فإن قلت: فلِمَ ألحق المضاف المقرون بأل المفرد في جواز الوجهين؟
قلت: لأن إضافته غير محضة، فلم يعتدّ بها.
فإن قلت: فهل الرفع والنصب في المفرد سيان؟
قلت: لم ينص المصنف على تسوية ولا ترجيح، ولكن النصب أقيس.
وفي الفرخ: أكثر قول العرب الرفع في: "يا زيد العاقل".
تنبيهات:
الأول: شمل قوله: "تابع" الخمسة، ومراده النعت والتوكيد وعطف البيان, علم ذلك مما بعد.
الثاني: شمل قوله: "ذي الضم" العلم والنكرة المقصودة والمبني قبل النداء؛ لأنه يقدر ضمة، و"قد"1 تقدم تمثيل الثلاثة.
الثالث: أجاز الكسائي والفراء والطوال وابن الأنباري الرفع في نحو: "يا زيدُ صاحبُنا"، والصحيح المنع؛ لأن إضافته محضة2.
وأجاز الفراء رفع التوكيد والمنسوق المضافين, قياسا على النعت.
وقد سمع الرفع في "يا تميمُ كلكم" وحمل على القطع، أي: كلكم مدعوّ. ثم قال:
واجعلا.... كمستقل نسقا وبدلا
يعني: أن حكم النسق والبدل في الإتباع حكمهما في الاستقلال، ولا فرق في ذلك بين الواقع بعد مضموم، والواقع بعد منصوب، فما كان منهما مفردا غير معين أو مضافا أو مطولا نصب نحو: "يا زيد رجلا صالحا" و"يا زيد وغلاما" و"يا زيد أخانا" و"يا زيد وأخانا" و"يا زيد خيرا من عمرو" و"يا زيد وخيرا من عمرو".
__________
1 ب.
2 أي: لغلبة الاسمية على صاحب، وفيه إشارة إلى أن ما إضافته غير محضة يجوز رفعه. هـ 113/ 3 صبان.

(2/1073)


وما كان منهما مفردا علما أو معينا, بُني على الضم نحو: "يا زيد وعمرو" و"يا زيد ورجل".
وذهب الأخفش وخطاب إلى أنه لا يجوز عطف النكرة المقبل عليها على العلم.
فلا يجوز: يا زيد ورجل.
وإنما جعل البدل والنسق كالمستقل؛ لأن البدل في قوة تكرار العامل, والعاطف كالنائب عن العامل.
تنبيهان:
الأول: أجاز المازني والكوفيون النصب في نحو: "يا زيدُ وعمرًا".
قال في شرح التسهيل: وما رواه غير بعيد من الصحة, إذا لم تنوِ إعادة حرف النداء.
فإن المتكلم قد يقصد إيقاع نداء واحد على الاسمين.
قال: ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان؛ حال يجعل فيها كالمستقل وهو الكثير نحو: "يا غلام زيد"، وحال يعطى فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بأل في عدم الصحة؛ لتقدير حرف نداء قبله نحو:
"يا تميم الرجال والنساء".
الثاني: ما ذكر من أن المنسوق كالمستقل إنما هو في غير المقرون بأل, وأما المقرون بأل فقد ذكر حكمه في قوله:
وإن يكن مصحوب أل ما نُسِقا ... ففيه وجهان ورفع يُنتقَى
إذا كان المنسوق مقرونا بأل, جاز فيه وجهان: الرفع والنصب نحو: "يا زيد والحارث".
وإنما لم يجعل كالمستقل؛ لامتناع مباشرته لحرف النداء.

(2/1074)


واختلف في المختار من الوجهين؛ فقال الخليل وسيبويه والمازني: الرفع، ووجهه مشاكلة الحركة، وحكاية سيبويه أنه أكثر، وإليه ذهب الناظم.
وقال أبو عمرو وعيسى بن عمرو الجرمي: النصب، ووجهه أن ما فيه أل لم يَلِ حرف النداء, فلم يجعل كلفظ ما وليه، وإجماع القراء -ما عدا الأعرج- على النصب في قوله تعالى: {أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} 1.
وقال المبرد: إن كان معرفة فالنصب وإلا فالرفع، ووجهه أن المعرفة بأل تشبه المضاف.
تنبيه:
هذا الخلاف في الاختيار, والوجهان مجمع على جوازهما إلا فيما عطف على نكرة مقصودة نحو: "يا رجلُ والغلام", فلا يجوز فيه على مذهب الأخفش ومن تبعه إلا الرفع.
وقوله:
وأيها مصحوب أل بعد صفهْ ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفهْ
إذا نُوديت "أي" فهي نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه مفتوحة الهاء، وضمها إذا لم يكن بعدها اسم إشارة -لغة بني مالك من بني أسد- وقد قُرئ بها.
فإن قلت: لِمَ لزمها "ها"2 التنبيه؟
قلت: لتكون "ها" عوضا مما فات "أيا" من الإضافة، ويلزم وصفها بأحد ثلاثة أشياء:
الأول: مصحوب "أل" نحو: "يا أيها الرجل".
__________
1 من الآية 10 من سورة سبأ.
2 ب.

(2/1075)


والثاني: اسم الإشارة نحو1:
أيُّهذانِ كُلا زادكما ... ودعاني واغِلًا فيمن وغل
والثالث: الموصول المصدَّر بأل نحو: "يا أيها الذي فعل".
وإلى هذين أشار بقوله:
وأي هذا أيها الذي وَرَد
ثم أشار إلى أن نعت "أي" بغير هذه الثلاثة ممنوع, بقوله:
ووصف أيّ بسوى هذا يُرَد
فلا يقال: "يا أيها صاحب عمرو".
وقد فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن "ها" تلزم "أيا"2؛ لنطقه بهما معا.
والثاني: أن تابع "أي" صفة لها، وقيل: عطف بيان، قال ابن السيد: وهو الظاهر.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرمل.
اللغة: "دعاني" تركني, "واغلا" -بالغين- وهو الذي يدخل على القوم يشربون ولم يُدْعَ إلى ذلك الشراب, الوغل "وغل" -يغل- أصله: يوغل؛ لأنه من وغل, حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة.
الإعراب: "أيهذان" أي: يا أيهذان، حذف منه حرف النداء، أي منادى وصف باسم الإشارة، وهو هذان, "كلا" فعل وفاعل, "زادكما" مفعول به والضمير مضاف إليه, "ودعاني" دعا فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول والفاعل ضمير مستتر, والجملة معطوفة على "كلا", "واغلا" حال من الضمير المنصوب في دعاني, "فيمن وغل" جار ومجرور متعلق بواغلا.
الشاهد فيه: "أيهذان", حيث وصف المنادى فيه باسم الإشارة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 454/ 2، والمكودي ص127, وذكره السيوطي في الهمع 175/ 1.
2 ب، جـ, وفي أ "أيها".

(2/1076)


وقيل: إن كان مشتقا فهو نعت نحو: "أيها الفاضل"، وإن كان جامدا فهو عطف بيان.
والثالثة: أن وصف "أي" بأحد هذه الأشياء الثلاثة لازم؛ لقوله "تلزم".
فإن قلت: ولِمَ لزم نعتها "بأحد الثلاثة"1؟
قلت: لأن "أيا" مبهم، فلا بد من تخصيصه، ولأنه وصلة إلى نداء ما فيه أل، فكان المقصود بالنداء وصفه.
والرابعة: أن صفة "أي" ترفع، ولا يجوز فيها النصب بخلاف صفة غيرها, فهي مستثناة مما تقدم. هذا مذهب الجمهور، وذهب المازني إلى نصب صفة "أي" قياسا على صفة "غيرها"2 من المناديات المضمومة.
قال الزجاج: لم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه أحد بعده، وعلة ذلك: أن المقصود بالنداء هو نعتها، وأي وصلة إلى ندائه، وقالوا: والنصب مخالف لكلام العرب.
قلت: ذكر ابن الباذش أن النصب فيه مسموع من كلام العرب.
وإلى التعريض بمذهب المازني أشار بقوله: لدى ذي المعرفه.
تنبيه:
نسب الجواز في شرح الكافية إلى المازني والزجاج وتبعه الشارح، ونسبته إلى الزجاج مستبعدة، وقد نقل عنه في شرح التسهيل كلامه المتقدم.
والخامسة: أن اسم الإشارة إذا نعت به "أي" فليس من شرطه أن يكون منعوتا بذي أل, وفاقا لابن عصفور وشاهده البيت السابق.
وذكر غيرهما أن ذلك شرط في صحة النعت به.
قيل: وما ذهب إليه ابن عصفور وابن مالك بنياه على بيت نادر شاذ، لا تُبنَى على مثله القواعد، وهو قول الشاعر:
أيهذان كلا زادكما
__________
1 أ، جـ, وفي ب "يأخذ هذه الأشياء الثلاثة".
2 ب، جـ, وفي أ "غيره".

(2/1077)


والسادسة: أن اسم الإشارة المنعوت به "أي" شرطه ألا يصحبه حرف الخطاب؛ لقوله: "وأيهذا" خلافا لابن كيسان، فإنه أجاز: "يا أيها ذاكَ الرجلُ"، وبالمنع قال السيرافي.
فإن قلت: أطلق في قوله: "مصحوب أل" وشرط في التسهيل أن تكون جنسية.
فإذا قلت: "يا أيها الرجل" فأل جنسية وصارت بعد "أي" للحضور, كما صارت كذلك بعد اسم الإشارة.
قلت: اشتراط ذلك صحيح، وليس في كلامه ما يرشد إليه.
وقد أجاز الفراء والجرمي إتباع "أي" بمصحوب أل التي للمح الصفة نحو: "يا أيها الحارث", والمنع مذهب الجمهور.
ويتعين أن يجعل عطف بيان عند من أجازه.
تنبيهات:
الأول: تؤنث "أي" لتأنيث موصوفها نحو: "يا أيتها المرأة".
وقال في البديع: الاختيار إثبات التاء, ولا تثنى ولا تجمع.
الثاني: ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد "أي" خبر لمبتدأ محذوف, وأي موصولة بالجملة.
ورُدَّ بأنه لو كان كذلك, لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى، ولجاز وصلها بالفعلية والظرف.
الثالث: ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن "ها" دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة.
وإذا قال: "يا أيها الرجل" يريد: يا أيهذا الرجل، حذف "ذا" اكتفاء بها1.
__________
1 فإعراب "يا أيهذا الرجل" هو: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب, و"ها" للتنبيه, و"ذا" صفة أي في محل رفع, "الرجل" صفة لذا أو عطف بيان مرفوع بضمة ظاهرة.

(2/1078)


الرابع: يجوز أن تُوصَف صفة "أي" ولا تكون إلا مرفوعة، مفردة كانت أو مضافة، كقول الراجز1:
يا أيها الجاهلُ ذُو التنزي ... ................
وقوله:
وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه
لاسم الإشارة في النداء حالتان:
إحداهما: أن يُجعل وصلة لنداء ما فيه أل, فيساوي إذ ذاك "أيا" في لزوم نعته ووجوب رفعه، وأنه لا ينعت إلا بمصحوب أل الجنسية، أو بموصول مصدر بأل فتقول: "يا هذا الرجل" و"يا هذا الذي فعل".
وهو في هذه الحالة غير مكتفٍ به, لو قدر الوقف عليه لفات المراد؛ لأنه وصلة لنداء غيره ... والأخرى: أن يقدر مكتفى بندائه، لا وصلة لغيره، فيكون إذ ذاك كغير "أي", فلا يلزم نعته.
ويجوز رفعه ونصبه، وينعت بمصحوب أل وبالمضاف فتقول: "يا هذا الطويل", بالرفع والنصب.
__________
1 قائله: هو رؤبة بن العجاج, وهو من الرجز.
وتمامه:
لا تُوعِدَنِّي حية بالنكز
اللغة: "ذو التنزي" -بفتح التاء والنون وتشديد الزاي المكسورة- وهو نزع الإنسان إلى الشر, "بالنكز" -بفتح النون وسكون الكاف- من نكزت الحية بأنفها.
وقال ابن فارس: النكز بالشيء المحدد كالغرز.
الإعراب: "يا أيها" يا حرف نداء وأي منادى وها صفته, "الجاهل" صفة ها التي هي اسم الإشارة, "ذو" صفة الجاهل, "التنزي" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "يا أيها الجاهل", وصف "أيا" بما فيه أل، ووصف ما فيه "أل" بمضاف إلى ما فيه أل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 453/ 2، وابن الناظم، وذكره سيبويه 308/ 1.

(2/1079)


وذلك مفهوم من قوله:
إن كان تركها يُفِيت المعرفه
فإن قلت: مقتضى قوله: "كأي في الصفة" أن ينعت بما تنعت به "أي" و"أي" تنعت باسم الإشارة، واسم الإشارة لا ينعت بمثله.
قلت: ترك التنبيه به على ذلك؛ لوضوحه.
تنبيه:
مذهب السيرافي أن اسم الإشارة إذا لحقته كاف الخطاب لم يجز نداؤه، ومذهب سيبويه وابن كيسان الجواز، وحكى فيه ابن كيسان عن بعض النحويين سماعا من العرب.
وقوله:
في نحو سعدُ سعدَ الأوس ينتصب ... ثان وضم وافتح أولا تُصِب
إذا تكرر لفظ المنادى مضافا نحو1:
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية يهجو عمر بن لحأ التيمي وقومه, وهو من البسيط.
وتمامه:
لا يُلقينكم في سوءة عمر
اللغة: "تيم عدي" إنما أضاف التيم إلى عدي؛ ليفرق بين تيم مرة وغيره, "لا أبا لكم" للغلظة في الخطاب، وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم احتقارا له, "سوءة" -بفتح السين وسكون الواو وفتح الهمزة- الفعلة القبيحة, والخطاب في ذلك إلى قومه.
المعني: احذروا يا تيم عدي أن يرميكم عمر في بلية لا قِبَل لكم بها, ومكروه لا تتحملونه بتعرضه لي، يريد أن يمنعوه من هجائه حتى يأمنوا الوقوع في خطره؛ لأنهم إذا تركوا عمر وهجاءه جريرا فكأنهم رضوا بذلك، وحينئذ يسلط عليهم لسانه.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "تيم" -بالنصب- منادى مضاف مع تأكيده وحذف المضاف إليه من الأول؛ لدلالة الثاني عليه, وتقديره: يا تيم عدي, يا تيم عدي, "لا أبا لكم" لا نافية للجنس, "أبا" اسم لا, "لكم" اللام حرف زائد والكاف في محل جر بهذه اللام، ولكنها في التقدير مضافة إلى اسم لا، وخبر لا محذوف أي: لا أبا لكم في الحضرة, "لا" ناهية, "يلقينكم" في موضع جزم بلا مبني لدخول النون الثقيلة عليه والكاف مفعول به, "في سوءة" جار ومجرور متعلق بالفعل, "عمر" فاعل. الشاهد فيه: "يا تيم تيم" حيث تكرر لفظ المنادى، وقد أُضيف ثاني اللفظين فيجب في الثاني النصب, ويجوز في الأول الضم والنصب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 454/ 2، وابن عقيل 201، والمكودي ص127. وذكره ابن يعيش 10/ 2، والسيوطي في الهمع 122/ 2، وسيبويه 26, 314/ 1, والشاهد 132 في الخزانة.

(2/1080)


يا تيمَ تيمَ عدي لا أبا لكم ... ............
فلا بد من نصب الثاني، وأما الأول ففيه وجهان: ضمه وفتحه.
فإن ضم فإنه منادى "مفرد"1 معرفة، ونصب الثاني حينئذ لأنه منادى مضاف أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو إضمار أعني. ذكر ذلك المصنف، ونُوزع في التوكيد. وأجاز السيرافي أن ينصب على النعت, وتأول فيه الاشتقاق.
وإن فتح الأول, ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه منادى مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مُقْحَم بين المضاف والمضاف إليه.
فإن قلت: فما وجه نصب الثاني إذا جُعل مقحما؟
قلت: قال بعضهم: إن نصبه على التوكيد.
الثاني: أن الأول منادى مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر ونصبه من خمسة أوجه كما سبق.
الثالث: أن الاسمين رُكِّبا تركيب خمسةَ عشرَ، وجعلا اسما واحدا، وفتحتهما فتحة بناء، ومجموعهما منادى "مضاف"2 كما قالوا: "ما فعلتْ خمسة عشر له" وهو مذهب الأعلم.
فإن قلت: أي الوجهين أرجح: أضم الأول أم فتحه؟
قلت: بل ضمه لوضوح وجهه, وقد صرح في الكافية بأنه الأمثل.
__________
1 ب.
2 ب.

(2/1081)


فإن قلت: فهل يشترط في ذلك أن يكون الاسم المكرر عَلَمًا كما مثل؟
قلت: مذهب البصريين أنه لا يشترط، بل اسم الجنس نحو: "يا رجلُ رجلَ قوم", والوصف نحو: "يا صاحبُ صاحبَ زيد" كالعلم في جواز ضم الأول وفتحه بلا تنوين.
وخالف الكوفيون في اسم الجنس؛ فمنعوا نصبه, وفي الوصف فذهبوا إلى أنه لا ينتصب إلا منونا، فتقول: "يا صاحبًا صاحب زيد" ولم يختلفوا في جواز الضم في جميع ذلك.

(2/1082)


المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
واجعل منادى صح إن يُضَفْ لِيَا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
حكم "المنادى"1 المضاف إلى الياء إذا كان معتل الآخر في النداء, كحكمه في غير النداء وقد تقدم، فاحترز عنه بقوله: "صح".
وأما الصحيح الآخر: فيجوز فيه في النداء ستة أوجه، وقد أشار في النظم إلى خمسة, والسادس: أن يضم اكتفاء بنية الإضافة نحو: "يا عبد".
وأفصحها حذف الياء وإبقاء الكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومتحركة، ثم قلبها ألفا، ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة.
وأقلها الضم، وقد قرئ: "قَالَ رَبُّ السِّجْنُ"2 و"قال ربُّ احكم" بالضم, وحكى يونس "يا أمُّ لا تفعلي" قال الشلوبين: وهذا إذا لم يلتبس.
يعني بالمنادى المقبل عليه.
فإن قلت: فتعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة أو بالإقبال والقصد.
قلت: كلاهما محتمل.
وقد صرح في النهاية بالثاني فقال: جعلوه معرفا بالقصد فبنوه على الضم، وهذه الضمة كما هي في "يا رجل", إذا قصدت رجلا بعينه. انتهى.
والأول أظهر لثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم جعلوه لغة في المضاف، ولو كان تعريفه بالقصد والإقبال لم يكن لغة فيه.
الثاني: لو لم يجعل من قبيل المضاف، لكان مثل "افتدِ مخنوقُ"3, و"أصبِحْ ليلُ"4 وحذف حرف النداء قليل.
__________
1 أ.
2 من الآية 33 من سورة يوسف.
3 مَثَل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وضيق، وهو يبخل بافتداء نفسه بماله، أي: افتد نفسك يا مخنوق.
4 مَثَل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء, أي: انتهِ يا ليل ليجيء الصبح, فقد حذف حرف النداء.

(2/1083)


والثالث: أنه لو كان غير منوي الإضافة، لكان في الأصل صفة لأي، وأسماء الله تعالى لا توصف بها "أي", فتعين كون الأصل "يا ربي" ثم حُذف المضاف إليه تخفيفا، وبني على الضم؛ لشبهه حينئذ بالنكرة المقصودة، وهذا اختيار المصنف.
تنبيهات:
الأول: نقل عن الأكثرين منع الألف؛ اكتفاء بالفتحة نحو: "يا عبد", وأجازه الأخفش والفارسي والمازني.
الثاني: أطلق هنا جواز هذه الأوجه كما أطلقه أكثرهم، وقيده في التسهيل بإضافة التخصيص احترازا من اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال نحو: "يا مُكرِمِي", فإن إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال لم تمازج ما اتصلت به, فيشبه بيا قاضٍ فتشاركها في الحذف، فلا تحذف ولا تقلب، ولا حظ لها في غير الفتح والسكون. قاله في شرحه، وهو موافق لقول ثعلب في المجالس: "يا غلام أقبل" تسقط من الياء, و"يا ضاربي أقبل" لا تسقط الياء منه.
وذلك فرق بين الاسم والفعل.
وذكر في النهاية: أنه لا يجوز حذف الياء في اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال.
الثالث: إنما كثر تخفيف المضاف للياء في النداء؛ لكثرة إضافة المنادى للياء، والكثرة تستتبع التخفيف.
وأما في غير النداء، فالأصح إثباتها ساكنة ومتحركة، وقد سمع حذفها استغناء بالكسرة نحو: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} 1 وقلبها ألفا كقوله2:
__________
1 من الآية 17 من سورة الزمر.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الوافر.
وصدره:
أُطوِّف ما أُطوِّف ثم آوى. =

(2/1084)


................. ... إلى أُمّا ويُروِيني النَّقِيع
وأجاز المازني: "قام غلاما", وقال ابن عصفور: هذا في الضرورة.
وحذف الألف استغناء بالفتحة كقوله1:
__________
= اللغة: "أطوف" من طوّف تطويفا وتطوافا -والتشديد فيه للتكثير- ومعناه: أكثر من الدوران والطوفان, "آوي" من أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويا، "النقيع" -بفتح النون وكسر القاف- اللبن المحض يبرد.
الإعراب: "أطوف" فعل مضارع والفاعل ضمير, "ما أطوف" ما مصدرية, أي: أطوف الطواف الكثير، وأطوف فعل مضارع والفاعل ضمير, "ثم" عاطفة, "آوي" جملة من فعل وفاعل عطف على أطوف, "إلى أما" جار ومجرور, "ويرويني" يروي فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول, "النقيع" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "إلى أما" إذ أصله: أمي, فقلبت الياء ألفا.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الوافر.
وصدره:
ولست براجع ما فات مني
اللغة: "راجع" اسم فاعل من رجع, "بلهف" من لهف يلهف, حزن وتحسر.
المعنى: أن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة، ولا بكلمة التمني، وقولي: ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني فعلت كذا, لكان كذا.
الإعراب: "ولست" ليس واسمها, "براجع" خبر ليس والباء زائدة منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وفيه ضمير فاعله؛ لأنه اسم فاعل, "ما" اسم موصول مفعول به, "فات" فعل ماض والجملة صلة ما, "بلهف" الباء جارة ولهف منادى بحذف حرف النداء.
"ولا" الواو عاطفة ولا زائدة لتأكيد النفي, "بليت" الباء جارة وليت -قصد لفظه- مجرور بالباء, "ولا" مثل السابقة, "لو أني" -قصد لفظه- معطوف على ليت.
الشاهد فيه: "بلهف" حيث إن "لهف" منادى بحرف نداء محذوف، وهو مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة، والفتحة دليل عليها, وأصله: يا لهفي.
وقيل: إن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية, لا على النداء ولا شاهد فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني ص456/ 2، وابن هشام 244/ 3، وفي القطر ص206، وذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.

(2/1085)


.................... ... بلهف ولا بِلَيْتَ ولا لَوَ اني
وأما الضم في غير النداء نحو: "جاء غلام" وأنت تريد الإضافة, فأجازه أبو عمر وغيره على قلة.
واستدلوا بقوله1:
................ ... وإنما أهلكت مال
يريد: مالي.
وردّه أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو.
الرابع: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبُنَيّ2.
__________
1 قائله: هو أوس بن غلفاء, وهو من الوافر.
وتمامه:
ذريني إنما خطئي وصَوْبي ... علي.....................
اللغة: "ذريني" اتركيني, "صوبي" أي: صوابي, "أهلكت مال" أي: إن الذي أهلكته مالي, لا مال غيري.
الإعراب: "ذريني" فعل وفاعل ومفعول, "إنما" إن حرف توكيد ونصب, وما كافة كفتها عن العمل, "خطئي" مبتدأ والياء مضاف إليه, "وصوبي" عطف عليه, "علي" جار ومجرور خبر المبتدأ, "وإنما" إن حرف توكيد ونصب وما كافة, "أهلكت" أهلك فعل ماض والتاء فاعله, "مال" مفعول به.
الشاهد فيه: "مال" إذ أصله: "مالي" فحذف ياء الإضافة, فظهر إعراب ما قبلها.
وردّه أبو زيد الأنصاري وقال: المعنى: إن الذي أهلكته مال لا عرض، فحينئذ لا شاهد فيه؛ لأن "مال" يكون مرفوعا على أنه خبر إن. هـ الدرر اللوامع 69/ 2.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
2 بُنَيّ: تصغير ابن, وأصله بنو -بفتحتين- وإذا صغرته حذفت ألف الوصل ورددت اللام المحذوفة فيبقى بنيو، فقلبت الواو ياء؛ لاجتماع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، وتدغم الياء في الياء، وعلى القول بأن لامه ياء يكون فيه ما عدا القلب. هـ 119/ 3 صبان.

(2/1086)


قيل: يا بني أو يا بني لا غير، فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياءات, مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود الياءين، وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه.
والفتح على وجهين:
أحدهما: أن تكون ياء المتكلم أُبدلت ألفا ثم التزم حذفها؛ لأنها بدل مستثقل.
والثاني: أن تكون ثانية ياءي بُنَيَّ حذفت, ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت؛ لأن أصلها الفتح.
قوله:
وفتح او كسر وحذف الياء استمر ... في يابن أُمَّ يابن عَمَّ لا مفر
إذا نُودي المضاف إلى المضاف إلى الياء كان حكم الياء معه كحكمها في غير النداء نحو: "يابن أخي" إلا "ابن أم" و"ابن عم"، فإنهما لما كثُر استعمالهما في النداء خُصا بالتخفيف, فيقال: "يابن أم" بفتح الميم وكسرها.
أما الفتح, ففيه قولان:
أحدهما: أن الأصل "أُمَّا" و"عمَّا" -بقلب الياء ألفا- فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها.
والثاني: أنهما جعلا اسما واحدا مركبا, وبني على الفتح.
والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش، والثاني قيل: هو مذهب سيبويه والبصريين.
وأما الكسر: فظاهر قول الزجاج وغيره أنه مما اجتزئ فيه بالكسر عن الياء المحذوفة, من غير تركيب.
قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن "ابن أم" و"ابنة أم" و"ابن عم" و"ابنة عم" حكَمَتْ لها العرب بحكم اسم واحد، وحذفوا الياء كحذفهم إياها من "أحدَ عشرَ" إذا أضافوه إليها.

(2/1087)


فإن قلت: ما معنى قوله: "استمر"؟
قلت: يشير إلى أن هذين الوجهين استمرا في كلامهم, واطردا بحيث لا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة، وقد قرئ بهما في السبع.
فإن قلت: فأيهما أجود؟
قلت: نصّ بعضهم على أن الكسر أجود, وهو ظاهر.
فإن قلت: لم يذكر "ابنة أم" و"ابنة عم", وحكمهما حكم "ابن أم" و"ابن عم".
قلت: كأنه استغنى بذكر المذكر عن ذكر فرعه.
فإن قلت: قد يوهم اقتصاره على الكسر والفتح أن غيرهما ممتنع، وقد قال في التسهيل: وربما ثبتت أو قُلبت ألفا1 يعني: الياء.
قلت: الذي يفهم من قوله: "استمرا" أن غيرهما لم يستمر في الكلام, ولم يطرد كاطرادهما.
وهذان الوجهان ضعيفان؛ ولذلك قال: وربما، وفي الكافية: ونَدُرَ، وفي شرحها: ولا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة.
وقال غيره: هما لغتان قليلتان.
ومن إثبات الياء قوله2:
__________
1 التسهيل ص182.
2 قائله: هو أبو زيد الطائي, واسمه حرملة بن المنذر من قصيدة يرثي فيها أخاه, وتمامه:
أنت خَلَّيتني لدهر شديد, وهو من الخفيف
اللغة: "شُقَيق" تصغير شقيق, "لدهر" الأبد الممدود.
المعنى: يا أخي يا من نفسه كنفسي، لقد ذهبت وتركتني وحيدا أقاسي ويلات الزمن, وقد كنت ركنا أستند له، وظهيرا أعتمد عليه.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "ابن" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "أمي" ابن مضاف وأم مضاف إليه وأم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه, "ويا" الواو عاطفة, ويا حرف نداء, "شقيق" =

(2/1088)


يابنَ أمي ويا شُقَيِّق نفسي ... .......................
ومن إثبات الألف قوله1:
يا ابنةَ عَمَّا لا تلومي واهجعي ... ..........................
__________
= منادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "نفسي" مضاف إليه وياء المتكلم مضافة إلى نفس, "أنت" ضمير منفصل مبتدأ, "خلفتني" خلف فعل ماض والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به, والجملة في محل رفع خبر المبتدأ, "لدهر" جار ومجرور متعلق بخلف, "شديد" صفة لدهر.
الشاهد فيه: "يابن أمي" حيث أثبت يا المتكلم في "أمي", وهذا ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 2، وابن هشام 248/ 3، والسيوطي ص104، وذكره في الهمع 54/ 2، وسيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2، وفي القطر ص208.
1 قائله: هو أبو النجم العجلي -واسمه الفضل بن قدامة- يخاطب امرأته أم الخيار.
وتمامه:
لا يُخرق اللوم حجاب مَسْمَعي
وهو من الرجز.
اللغة: "لا تلومي" من اللوم، وهو كثرة العتاب, "اهجعي" من الهجوع، وهو الرقاد بالليل, "حجاب مسمعي" كناية عن الأذن.
المعنى: اتركي لومي وعتابي يابنة عمي، وخذي نفسك بالراحة ونامي، فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي ولا أستمع إليه, وكانت كثيرة اللوم له لكبره وضعفه.
الإعراب: "يابنة" يا للنداء وابنة منادى منصوب, "عما" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها فتحة مناسبة الألف، والألف المنقلبة عن الياء مضاف إليه, "لا" ناهية, "تلومي" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل مبني على السكون في محل رفع, "واهجعي" الواو عاطفة واهجعي فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير المؤنثة فاعل.
الشاهد فيه: "يابنة عما" حيث أثبت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 3, وذكره في القطر ص208، وابن الناظم، والسيوطي ص104, وفي الهمع 54/ 2، وذكره سيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2.

(2/1089)


وأما قوله1:
كن لي لا عليّ يابنَ عمَّا ... نَعِشْ عزيزين ونكف الهما
فيحتمل أن تكون الألف فيه للإطلاق.
فإن قلت: فأي هذين الوجهين أجود؟
قلت: قال بعضهم: قلب الياء ألفا أجود من إثباتها.
تنبيه:
إذا ثبت الياء ففيها وجهان: الإسكان والفتح.
فالحاصل: خمسة "أوجه"2 ونص بعضهم على أن الخمسة لغات.
وقوله:
وفي الندا أبت أُمَّت عَرَض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عِوَض
إذا "نودي"3 الأب والأم مضافين إلى الياء, جاز فيهما الوجوه الستة المقدمة في نحو: "يا عبد".
وينفردان بتعويض تاء التأنيث من الياء مكسورة ومفتوحة، وبالفتح قرأ ابن عامر, وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
__________
1 قائله: لم أقف له على قائل، وقال العيني: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وهو من الرجز.
الإعراب: "كن" فعل أمر واسم كان ضمير, "لي" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان, "لا علي" عطف عليه أي: لا تكن علي, "يابن" يا حرف نداء وابن منادى, "عما" مضاف إليه, "نعش" فعل مجزوم؛ لأنه جواب الأمر والفاعل ضمير, "عزيزين" حال من الضمير الذي في نعش, "ونكف" فعل مضارع والفاعل ضمير, "الهما" مفعول به، والجملة عطف على الجملة الأولى والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "يابن عما", حيث قلب الشاعر ياء الإضافة ألفا، وثبتت هذه الألف.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه للألفية ص128، والسيوطي في الهمع 53/ 2.
2 أ، جـ.
3 ب، جـ, وفي أ "نوى".

(2/1090)


ووجه الكسر أن الكسرة كانت مستحقة قبل الياء, فلما عوض عنها التاء -ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا- جعلت الكسرة عليها؛ لتكون المعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة.
وعن الفراء أن الكسر حصل؛ لأن الياء في النية.
ورده أبو إسحاق وقال: كيف تكون الياء في النية، وليس يقال: يا أبتي؟
ووجه الفتح، أن التاء حركت بحركة الياء؛ لكونها عوضا عنها، وقيل: لأن الأصل: "يا أبتا" فحذفت الألف.
ويرده ما رد قول الفراء.
فإن قلت: فأي الوجهين أكثر؟
قلت: نص المصنف وغيره على أن الكسر أكثر، وذكر الشارح أن الفتح أقيس، قال: إلا أن الكسر أكثر.
وقد فُهم من كلام الناظم فوائد:
الأولى: أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم, لا يكون إلا في النداء، لقوله: "وفي الندا".
الثانية: أن ذلك مختصّ بالأب والأم.
الثالثة: أن التعويض فيهما ليس بلازم، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، فُهم ذلك من قوله: "عرض".
الرابعة: أنه لا يجوز الجمع بين الياء والتاء؛ لأنها عوض عنها، ولا بين التاء والألف؛ لأن الألف بدل من الياء.
وأما قوله1:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "أبتي" منادى مضاف, "لا زلت" لا نافية, وزال فعل ماض من أخوات كان والضمير اسم زال, "فينا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر زال, "فإنما" الفاء =

(2/1091)


يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما ... لنا أملٌ في العيش ما دُمْتَ عائشا
وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما في الكلام، ونظيره قراءة أبي جعفر: {يَا حَسْرَتَى} 1.
فجمع بين العوض والمعوض.
وأما قوله2:
..................... ... يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَا
فجعله ابن جني من ذلك، وهو أهون من الجمع بين التاء والياء؛ لذهاب صورة المعوض عنه.
__________
= للتعليل وإن حرف توكيد وما كفتها عن العمل, "لنا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "أمل" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة, "في العيش" جار ومجرور متعلق بأمل, "ما دمت" ما مصدرية زمانية ودام من أخوات كان والتاء اسمها, "عائشا" خبر دام.
الشاهد فيه: "يا أبتي" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض، وهما التاء وياء المتكلم؛ لأن التاء عوض عن ياء المتكلم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 458/ 2، والمكودي ص128.
1 من الآية 56 من سورة الزمر.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج, وهو من الرجز.
وصدره:
تقول بنتي قد أنى أناكا
اللغة: "قد أنى أناكا" قد حان وقتك وزمانك.
المعنى: تقول بنتي: يا أبتي قد جاء زمان سفرك, علك تجد رزقا.
الإعراب: "تقول" فعل ماض, "بنتي" فاعل والياء مضاف إليه, "قد" حرف تحقيق, "أنى" فعل ماض, "أناكا" فاعل والكاف مضاف إليه, "يا" حرف نداء, "أبت" منادى مضاف إلى ياء المتكلم, "علك" لغة في لعلك، والكاف اسم لعل وخبره محذوف تقديره: لعلك تجد رزقا, "أو" عاطفة, "عساكا" الكاف اسم عسى وخبره محذوف, أي: أو عساك تجده.
الشاهد فيه: "أبتا", حيث جمع بين التاء والألف.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية: 458/ 2, وذكره سيبويه 299/ 2، وفي المغني 202/ 2، والإنصاف 136/ 1.

(2/1092)


وقال في شرح الكافية: الألف فيه هي الألف التي يُوصَل بها آخر المنادى إذا كان بعيدا أو مستغاثا به أو مندوبا، وليست بدلا من ياء المتكلم، وجوّز الشارح الأمرين1.
تنبيهات:
الأول: اختلف في ضم التاء في "يا أبت" و"يا أمت"، فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج.
وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: "يا أمتُ" بالضم.
الثاني: مذهب البصريين أن الوقف على هذه التاء بالهاء، ومذهب الفراء بالتاء.
وفي التسهيل: وجعلها هاء في الخط والوقف جائز2.
وقرئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء.
الثالث: قال في شرح التسهيل: وقالوا في "أبا" المقصور: "يا أبات".
قال الشاعر3:
__________
1 أي: كونها عوضا عن الياء، وكونها التي يوصل بها آخر المنادى.
2 التسهيل ص182.
3 قائله: لم أقف على قائله, وهو من الطويل.
وصدره:
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا
اللغة "شاحبا" من شحب لونه يشحب, إذا تغيّر وهو شاحب.
الإعراب: "تقول" فعل مضارع, "ابنتي" فاعل والياء مضاف إليه, "لما" ظرف بمعنى حين, "رأتني" رأى فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية والياء مفعول أول والفاعل ضمير, "شاحبا" مفعول ثانٍ, "كأنك" حرف تشبيه والكاف اسمه, "فينا" جار ومجرور متعلق بغريب, "غريب" خبر كأن مرفوع.
الشاهد فيه: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأن أصله: يا أبا, بالقصر.

(2/1093)


..................... ... كأنك فينا يا أَبَات غريب
ولو لم يعوض "لقال: أباي"1. انتهى.
وزعم بعضهم أنه أراد: "يا أبتي" فقلب، وهو بعيد. وقيل: يخرج على أن الألف إشباع.
__________
1 جـ, وفي أ "ولو لم يعوض يا أباي".

(2/1094)


محتويات المجلد الثاني:
الصفحة الموضوع
581 الجزء الثاني
583 الفاعل
598 النائب عن الفاعل
611 اشتغال العامل عن المعمول
620 تعدي الفعل ولزومه
629 التنازع في العمل
644 المفعول المطلق
654 المفعول له
657 المفعول فيه وهو المسمى ظرفا
663 المفعول معه
669 الاستثناء
692 الحال
726 التمييز

(2/1095)


الصفحة الموضوع
738 حروف الجر
782 الإضافة
834 المضاف إلى ياء المتكلم
837 الجزء الثالث
839 إعمال المصدر
849 إعمال اسم الفاعل
862 أبنية المصادر
869 أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات
873 الصفة المشبهة باسم الفاعل
885 التعجب
902 نعم وبئس وما جرى مجراهما
933 أفعل التفضيل
945 النعت
967 التوكيد

(2/1096)


الصفحة الموضوع
988 العطف
993 عطف النسق
1036 البدل
1051 النداء
1072 "فصل" في تابع المنادى
1083 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

(2/1097)