توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك الاستغاثة:
هي نداء من يخلِّص من شدة، أو يعين على مشقة.
وللمستغاث ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يجر بلام مفتوحة، وهذا أكثر أحواله.
الثانية: أن يجاء في آخره بألف معاقبة للام.
الثالثة: أن يجرد من اللام والألف ويجعل كالمنادى المطلق نحو: "يا زيد
لعمرو" وهذه أقلها. ومنها قوله1:
ألا يا قوم لِلعجَبِ العجيبِ ... .........................
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله وهو من الوافر.
وتمامه:
......................... ... ولِلغفلات تَعْرِضُ للأَرِيبِ
اللغة: "الغفلات" جمع غفلة -مصدر غفل عن الشيء- لم يلتفت إليه ولم يلقَ
إليه باله "تعرض له" تنزل به "الأريب" العالم بالأمور البصير بالعواقب.
المعنى: أستغيث وأدعو قومي ليعجبوا العجب كله، وينظروا كيف تحدث الغفلة
وعدم الانتباه للبصير بالأمور الخبير العواقب.
الإعراب: "ألا" أداء تنبيه "قومي" مستغاث به منادى، منصوب بالفتحة
المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء بكسر الميم، ويجوز أن
يكون مبنيا على الضم إذا قدر قطعه عن الإضافة "للعجب" جار ومجرور
مستغاث لأجله -متعلق بيا- أو بالفعل المحذوف "العجيب" صفة للعجب
"وللغفلات" معطوف عليه "تعرض" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله
مستتر فيه وهو يعود على الغفلات، والجملة من الفعل المضارع وفاعله في
محل نصب حال من الغفلات "للأريب" جار ومجرور متعلق بقوله: تعرض.
الشاهد فيه: "يا قوم" حيث جاء بالمستغاث به خاليا من اللام المفتوحة في
أوله، ومن الألف في آخره.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 25/ 3، وابن الناظم، والسيوطي
ص105.
(3/1110)
وقد ذكر الثلاثة في الكافية، واقتصر هنا
على الأولين كالتسهيل؛ لقلة الثالث. فأشار إلى الأول بقوله:
إذا استُغيث اسمٌ منادى خُفِضَا ... باللام مفتوحا كَيَا للمُرْتَضَى
إنما جر المستغاث باللام للتنصيص على الاستغاثة، وفتحت لوقوعه موقع
المضمر، ولكونه منادى، وليحصل بذلك فرق بينه وبين المستغاث من أجله،
وإنما أعرب مع كونه منادى مفردا معرفة؛ لأن "تركيبه"1 مع اللام أعطاه
شبها بالمضاف. وقد فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن "استغاث" متعد بنفسه لقوله: "إذا استُغيث اسم منادى".
والنحويون يقولون: مستغاث به.
قال في شرح التسهيل: وكلام العرب بخلاف ذلك، والمعروف في اللغة تعدي
فعله بنفسه.
قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} 2.
وقيل: بل هو يتعدى بوجهين، وقد جاء "تعديه"3 بالباء في أبيات.
الثانية: أن المستغاث معرب؛ لقوله: "خفضا" وتقدم بيانه.
الثالثة: أنه يجوز أن يكون بأل، وإن كان منادى؛ لأن حرف النداء لم
يباشرها. فُهِمَ "ذلك"4 من تمثيله، وهو مجمع عليه.
فإن قلت: يرد على عبارته ثلاثة أشياء:
الأول: أنه قال: "اسم منادى" وأطلق فأوهم أنه يجوز نداؤه بغير ياء،
وذلك غير جائز، فإن المستغاث لا يُنادى إلا بيا.
__________
1 "أ" وفي ب، ج "تركبه".
2 من الآية 9 من سورة الأنفال.
3 ب، ج، وفي أ "تعديته".
4 ب، وفي أ، ج "بذلك".
(3/1111)
والثاني: أنه قال "خفضا باللام" بصيغة
الجزم، وقد تقدم أنه ليس بلازم، وبل هو الأكثر.
والثالث: أنه قال: "مفتوحا" وأطلق، وثَمَّ موضع يكسر فيه وهو مع ياء
المتكلم في نحو "يَالِي". وقد أجاز أبو الفتح في قوله1:
فَيَا شَوْقِ ما أبقى ويَالِي من النَّوَى
أن يكون استغاث بنفسه "وأن يكون استغاث لنفسه"2.
قلت: الجواب على الأول أن قوله بعد: "إِنْ كرَّرْتَ يا" يرشد إلى ذلك؛
إذ لم يقل: إن كررت حرف النداء.
وعن الثاني: أن قوله بعد: "ولامُ ما استُغيث عَاقَبَتْ أَلِفْ" يوضح أن
جره باللام ليس بلازم.
__________
1 قائله: هو أبو الطيب -أحمد بن الحسين- المتنبي، وهو من الطويل.
وتمامه:
ويا دَمْعُ ما أجرى ويا قلب ما أصْبى
اللغة: "النوى" -بفتح النون والواو مقصورا- البعد "ما أصبى" من صبا
يصبو إذا مال، ومنه الصبى؛ لأنه يميل إلى كل شيء.
الإعراب: "فيا" يا حرف نداء والمنادى محذوف. أي: فيا قوم شوقي ما
أبقاه، أو تكون يا لمجرد التنبيه "شوق" مبتدأ وأصله شوفي بياء المتكلم
فحذفت اكتفاء بالكسر "ما أبقى" ما للتعجب في محل رفع بالابتداء، وجملة
أبقى في محل رفع خبره، والعائد محذوف ما أبقاه، ونفس الكلام تقوله في:
ويا دمع ما أجرى، وفي: يا قلب ما أصبى "يا" حرف نداء واستغاثة "لي" جار
ومجرور متعلقان بفعل ومحذوف تقديره: أدعو نابت عنه "يا" عند الجمهور،
إن كان مستغاثا به، أو بيا نفسها عند الفارسي وابن جني، وإن كان
مستغاثا لأجله فالجار والمجرور متعلقان بوصف محذوف حال من المنادى،
والتقدير: يا لزيد مدعوا إلى.
الشاهد فيه: "ويالي من النوى" فإن اللام فيه لام الاستغاثة وهي مكسورة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 461/ 2، وابن هشام في المغني.
2 أ، ج.
(3/1112)
وعن الثالث: أن كسر اللام مع ياء المتكلم
معلوم وجوبه في كل موضع فهو "يقيد"1 الإطلاق، على أن ان عصفور قال:
الصحيح عندي أن "يالي" حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف.
وعلل ذلك بأن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير: يا
أدعو لي، وذلك غير جائز في غير "ظننت" وما حمل عليها، إلا أن في لزوم
هذا لابن جني نظرا؛ لأن اللام تتعلق عنده بحرف النداء.
تنبيهان:
الأول: اختلفوا في اللام الداخلة على المستغاث، فقيل: هي بقية آل،
والأصل: يا آل زيد، وزيد مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين،
ونقله صاحب النهاية عن الفراء. وفي نسبته إلى الفراء نظر.
لأن الفراء "حكى"2 أن من الناس من زعم أنها بقية من آل، فظاهر حكايته
أنه ليس مذهبا له.
وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا فقيل: زائدة فلا تتعلق
بشيء، وهو اختيار ابن خروف، وقيل: ليس بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به
على هذا قولان:
أحدهما: أنها تتعلق بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه، واختيار ابن
عصفور.
الثاني: أنها تتعلق بحرف النداء، وهو مذهب ابن جني.
الثالث: إذا وصف المستغاث جرت صفته نحو: "يَا لزيد الشجاع لِلمظلوم"،
وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملا على الموضع؛ لأن الجار والمجرور لا
بد له من شيء يتعلق به.
__________
1 أ، ج وفي ب "مقيد".
2 أ، وفي ب، وج "حكم".
(3/1113)
وقوله:
وافْتَحْ مع المعطوفِ إِنْ كررْتَ يا ... وفي سِوَى ذلك بالكسر
ائْتِيَا
إذا عطف على المستغاث فإما أن تتكرر "يا" أو لا.
فإن تكررت فتحت اللام كقوله1:
يا لَقومي ويا لأمثال قومي ... لأناس عُتُوُّهُمْ في ازدياد
وإن ولم تتكرر كسرت نحو2:
__________
1 قائله: لم أقف على قائله، وقال العيني: أنشده الفراء ولم يعزه إلى
قائل، وهو من الخفيف.
اللغة: "عتوهم" العتو: الاستكبار "في ازدياد" زيد يوما بعد يوم.
المعنى: أستغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة ليمنعوني من قوم
يزدادون علوا واستكبارا عليَّ، ويظلمونني بغير سبب.
الإعراب: "يا" حرف نداء واستغاثة "لقومي" اللام حرف جر أصلي وهي مقتوحة
وقومي مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو، وقيل: اللام
زائدة لا يتعلق بشيء. والمستغاث منصوب بفتحة مقدرة منع منها حرف الجر
الزائد، وذهب الكوفيون إلى أن اللام اسم مضاف لما بعده وأن الأصل يا آل
فحذفت الهمزة للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين "ويا لأمثال"
إعرابه كذلك "قومي" مضاف إليه "لأناس" متعلق بمحذوف؛ أي: أدعوكم لأناس
"عتوهم" مبتدأ ومضاف إليه "في ازدياد" جار ومجرور خبر، والجملة في محل
جر صفة لأناس.
الشاهد فيه: "يا لقومي" و"يا لأمثال" حيث فتحت اللام فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، والمكودي ص129،
والسيوطي ص104، وابن هشام 254/ 3، وفي القطر ص220.
2 قائله: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.
وصدره:
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب
اللغة: "يبكيك" يبكي عليك "ناء" اسم فاعل من نأى ينأى بمعنى بعد
"مغترب" غريب "الكهول" -جمع كهل- وهو من جاوز الثلاثين، وقيل:
الأربعين.
المعنى: يبكيك ويحزن لفقدك الأباعد الغرباء، حينما كنت تسدي إليهم من
معروف، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك، فهيا معشر الكهول
والشبان لمشاركتنا في العجب من ذلك. =
(3/1114)
......................... ...
يالَلْكَهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ
وإنما كسرت لأمن اللبس.
فإن قلت: فهل هي لازمة في المعطوف؟
قلت: لا؛ لقوله1:
يا لَعَطَّافِنَا ويَالرباح ... وأبي الحشرج الفتى النَّفَّاح
فجمع بين الأمرين.
واعلم أن قوله: "سوى ذلك" يعني به سوى ما ذكر من المستغاث والمعطوف
المعاد معه "يا" فشمل شيئين:
__________
= الإعراب: "يبكيك" فعل ومفعول "ناء" فاعل يبكي "بعيد الدار" صفة لناء
وإضافته للدار غير محضة؛ ولذلك وقع صفة للنكرة "مغترب" صفة ثانية "يا
للكهول" يا حرف نداء واستغاثة واللام حرف جر والكهول مجرور بها والجار
والمجرور متعلق بمحذوف -كما سبق- وهو مستغاث له.
الشاهد فيه: "للشبان" حيث كسرت فيه اللام وإن كان القياس فتحها؛ لكونها
معطوفة على اللام الأولى، لكن لما زال اللبس ولم يتكرر حرف النداء
كسرت، وأيضا "للعجب".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، وابن هشام 256/ 3، وفي
القطر ص221، والسيوطي ص104، وفي الهمع 180/ 1، والشاهد 107 في الخزانة.
1 قائله: هو من أبيات سيبويه المجهولة، وهو من الخفيف.
اللغة: "عطاف" و"رباح" و"أبي الحشرج" -أسماء الشاعر- فالشاعر يرثي
هؤلاء "النفاح" -بالنون والفاء المشددة-الكثير العطاء.
الإعراب: "يا لعطافنا" يا حرف نداء واللام مفتوحة، وأبي الحشرج عطف على
ما قبله، والتقدير: يا لأبي الحشرج "الفتى" بدل من أبي الحشرج "النفاح"
صفته.
الشاهد فيه:
1- "يا لرباح" حيث فتحت فيه اللام لتكرار "يا".
2- ترك اللام في المعطوف كما في قوله: "وأبى الحشرج" إذ أصله ويا لأبي
الحشرج.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، وذكره سيبويه 319/ 1،
وابن يعيش 131/ 1، والسيوطي في الهمع 180/ 1، والشاهد 108 في الخزانة.
(3/1115)
أحدهما: المعطوف الذي لم تعد معه "يا" كما
تقدم، والآخر المستغاث من أجله.
تنبيهات:
الأول: ما ذكره عن كسر اللام مع المستغاث من أجله، إنما هو في الأسماء
الظاهرة، فأما الضمير فتفتح اللام معه إلا مع الياء نحو: "يا لَزيد
لك".
وإذا قلت: "يا لك" احتمل الأمرين، وقيل في قوله1:
فيَا لَك من ليل كأن نجومه
......................... ... إن اللام فيه للاستغاثة.
الثاني: اختلف فيما تتعلق به اللام الجارة للمستغاث من أجله، فقيل:
بحرف النداء.
وقيل: بفعل محذوف؛ أي أدعوك لزيد2، وقيل: بحال محذوفة؛ أي مدعوا لزيد.
وقد علم بهذا أن قول ابن عصفور أنها تتعلق بفعل مضمر تقديره: أدعوك
قولا واحدا ليس كما قال.
__________
1 قائله: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من الطويل.
وتمامه:
بكل مُغَار الفَتْل شدَّتْ بِيَذْبُلِ
اللغة: "مغار الفتل" محكم الفتل "بيذبل" -بفتح الياء وسكون الذال وضم
الباء- اسم جبل.
الإعراب: "فيا لك" يا حرف نداء، واللام في لك للاستغاثة. كأنه قال: يا
ليل ما أطولك "من ليل"، من حرف جر وليل مستغاث من أجله وجر بمن؛ لأنها
للتعليل "كأن" للتشبيه "نجومه" اسم كأن والهاء مضاف إليه "شدت بيذبل"
جملة في محل رفع خبر كأن.
الشاهد فيه: "فيا لك" حيث جاءت اللام فيه للاستغاثة، وفتحت اللام فيه
مع أنه مستغاث من أجله.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 463/ 2.
2 بفعل محذوف؛ أي: مقدر بعد المستغاث، والكلام على هذا جملتان بخلافه
على الأول والثالث.
(3/1116)
الثالث: قد يجر المستغاث من أجله بمن لأنها
قد تأتي للتعليل بمعنى اللام كقوله1:
يا لَلرجال ذوي الألباب من نَفَر ... لا يَبرحُ السفه الْمُرْدي لَهم
دينا
الرابع: قد يحذف المستغاث قيل "يا" المستغاث من أجله؛ لكونه غير صالح
لأن يكون مستغاثا كقوله2:
يا لأُنَاس أَبَوْا إلا مُثابرة ... على التوغل في بَغْيٍ وعدوان
الخامس: قد يكون المستغاث مستغاثا من أجله نحو: "يا لَزيد لزيد" أي:
أدعوك لتنصف من نفسك.
ثم أشار إلى ثاني أحوال المستغاث بقوله:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "ذوي الألباب" -جمع لُب بضم اللام- وهو العقل "النفر" الرجال من
ثلاثة إلى عشرة "السفه" خفة العقل "المردي" فاعل من أردى من الإرداء،
وهي الدناءة.
الإعراب: "يا للرجال" يا حرف نداء واللام للاستغاثة، وهي مفتوحة،
والرجال مجرور بها "ذوي" صفة للرجال "الألباب" مضاف إليه "من نفر" من
حرف جر ونفر مستغاث من أجله "لا يبرح" بمعنى لا يزال من أخوات كان
"السفه" اسمه "المردي" صفته "دينا" خبره، والجملة في محل الجر؛ لأنها
صفة لنفر.
الشاهد فيه: "من نفر" حيث جر المستغاث من أجله بكلمة "من".
مواضعه: ذكره الأشموني 463/ 2، والسيوطي في الهمع 180/ 1.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "أبوا" -من الإباء- وهو الامتناع "مثابرة" مواظبة ومداومة
"التوغل" -بتشديد الغين- وهو التعمق في الدخول في الشيء "البغي" الظلم.
الإعرب: "يا لأناس" يا حرف نداء واللام في لأناس مكسورة وهو مستغاث له،
والمستغاث به محذوف، تقديره: يا لقومي لأناس "أبوا" جملة من الفعل
والفاعل "إلا" أداة استثناء "مثابرة" منصوب على الاستثناء "على التوغل"
جار ومجرور متعلق بمثابرة "في بغي" جار ومجرور متعلق بالتوغل "وعدوان"
عطف على بغي.
الشاهد فيه: "يا لأناس" فإنه مستغاث به اتصل بيا، مجرورا باللام
المكسورة وحذف منه المستغاث "يا لقومي لأناس".
مواضعه: ذكره الأشموني 464/ 2، والسيوطي في الهمع 181/ 1.
(3/1117)
ولام ما استغيث عاقبت ألف ...
...........................
يعني: أن الألف تعاقب لام الاستغاثة فلا يجتمعان، تقول: "يا لزيد"
و"زيدا" ولا يجوز "يا لزيدا".
ومن وروده بالألف قوله1:
يا يزيدا لآمل نيل عز
وقوله:
........................... ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
يعني: أن المتعجب منه إذا نودي عومل معاملة المستغاث من غير فرق، فيجوز
جره بلام مفتوحة نحو قولهم: "يا لَلماء" و"يا لَلعجب".
ويجوز الاستغناء عن اللام بالألف نحو: "يا عجبا"، وقد يخلو منهما، نحو:
"يا عجب".
تنبيهات:
الأول: جاء عن العرب في نحو: "يا للعجب" فتح اللام باعتبار استغاثته،
وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله، وكون المستغاث محذوفا.
الثاني: التعجب بالنداء على وجهين:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.
وتمامه:
وغنى بعد فاقة وهوان
اللغة: "آمل" اسم الفاعل من الأمل، وهو الرجاء والتوقع "نيل" حصول
"فاقة" فقر وحاجة "هوان" مذلة واحتقار.
المعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يرجو الثراء والقوة، بعد الفقر
والذلة.
الإعراب: "يا" حرف نداء واستغاثة "يزيدا" منادى مستغاث به مبني على ضم
مقدر منع منه حركة مناسبة ألف الاستغاثة في محل نصب، والألف عوض عن لام
الاستغاثة "لآمل" متعلق بيا أو بالفعل المحذوف "نيل" مفعول لآمل "عز"
مضاف إليه، وفيه ضمير هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل "وغنى" معطوف على عز
"بعد" منصوب على الظرفية "فاقة" مجرور بالإضافة "وهوان" عطف عليه.
الشاهد فيه: يا يزيدا، فإنه مستغاث به اختتم بالألف، ولم يؤتَ معه
باللام المفتوحة التي تدخل عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 463/ 2، وابن هشام 257/ 3،
والسيوطي ص104، وابن الناظم.
(3/1118)
أحدهما: أن ترى أمرا عظيما فتنادي جنسه
نحو: "يا للماء".
ثانيهما: أن ترى أمرا تستعظمه فتنادي مَن له نسبة إليه ومكنة فيه نحو:
"يا للعلماء".
والثالث: إذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز
الوقف بهاء السكت.
(3/1119)
الندبة:
هي نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وهي من كلام النساء غالبا،
والمندوب هو المذكور بعد "يا" أو "وا" تفجعا لفقده حقيقة؛ كقول جرير
يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه1:
.......................... ... وقُمتَ فيه بأمر الله يا عُمَرا
أو حكما؛ كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "واعمراه واعمراه" حين
أُعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب.
أو توجعا؛ لكونه محل ألم، نحو قوله2:
فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء
__________
1 البيت من البسيط وصدره:
حُمِّلتَ أمرا عظيما فاصطبرت له
اللغة: "حملت" بالبناء للمجهول مع تشديد الميم -أي: كلفت أمرا عظيما،
أراد به الخلافة "اصطبرت" بالغت في الصبر والاحتمال.
المعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين في وقت عم فيه الظلم
وفشا الجور فصبرت على تلك المشاق وقمت بما أمرك به الله ونشرت العدل
بين الناس.
الإعراب: "حملت" فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل مفعول أول
"أمرا" مفعول ثان "فاصطبرت" معطوف على حملت "له" جار ومجرور متعلق في
محل نصب مفعول فاصطبرت "يا عمرا" يا حرف نداء وندبة وعمرا منادى مندوب
مبني على الضم المقدر منع ممن ظهوره فتحة مناسبة ألف الندبة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2، وابن هشام 260، 218/
3.
2 قائله: لم أقف على قائله، وهو من الطويل.
الإعراب: "واكبدا" وا للندبة، كبدا مندوب "من حب" جار ومجرور "من" اسم
موضول مضاف إليه "لا يحبني" لا نافية، ويحبني عل مضارع والنون للوقاية
والياء مفعول والفاعل ضمير، والجملة لا محل لها صلة الموصول "ومن
عبرات" جار ومجرور "ما" نافية للجنس "لهن" جار ومجرور خبرها مقدم
"فناء" اسمها.
الشاهد: قوله "واكبدا" حيث ختم بألف الندبة
للتوجع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2.
(3/1120)
أو سببه كقوله1:
وتقول سلمى وازيتيه
وحكم المندوب حكم المنادى، فلهذا قال: ما للمنادى اجعل لمندوب.
يعني: أنه يضم إذا كان مفردا نحو "وازيد" وينصب إذا كان مضافا أو مطولا
نحو: "واعبد الله" و"واضربا عمرا"2.
وإذا اضطر شاعر إلى "تنوينه"3 جاز ضمه ونصبه كقوله4:
__________
1 قائله: عبد الله بن قيس الرقيات يرثي قوما من قريش قتلوا بالمدينة
يوم الحرة.
وصدره:
تبكيهم أسماء معولة
وهو من الكامل.
اللغة: "معولة" من أعولت المرأة إعوالا: الصياح "وارزيتيه" الرزية:
المصيبة.
الإعراب: "تبكيهم" تبكي فعل مضارع والضمير مفعول "أسماء" فاعل مرفوع
بالضمة الظاهرة "معولة" -بالنصب- حال من أسماء "تقول" فعل مضارع "سلمى"
فاعل مرفوع بضمة مقدرة "وارزيتيه" وا للندبة والهاء للسكت، مقول القول.
الشاهد: قوله: "وارزيتيه" حيث أغنى عن اسم المندوب ذكر لفظ الرزية.
مواضعه: ذكره سيبويه 321/ 1.
2 أ، ج. وفي ب "وضاربا عمرا".
3 ب، ج. وفي أ "تنويه".
4 قائله: لم اقف على اسم راجزه، ونسبه الكسائي إلى رجل من بنى أسد، وهو
من الرجز.
وعجزه:
أإبلي يأخذها كرَوَّس
اللغة: "فقعس" اسم حي من أسد "كروس" -بفتح الكاف والراء وتشديد الواو-
وفي الأصل الكروس الرجل الغليظ، وكان كروس أغار على إبل الشاعر؛ فلذلك
ندب بقوله: "وافقعسا".
الإعراب: "وافقعسا" وا للندبة "أين" اسم استفهام خبر مقدم "مني" جار
ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: أين صار مني فقعس "فقعس" مبتدأ مؤخر
"أإبلى" الهمزة للاستفهام، إبلى مبتدأ والياء مضاف إليه "يأخذها" فعل
مضارع ومفعوله "كروس" فاعل مرفوع بالضمة، والجملة في محل رفع خبر
المبتدأ.
الشاهد: قوله: "وافقعسا" حيث نونه بالنصب للضرورة ويجوز ضمه أيضا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2، وابن الناظم.
(3/1121)
وافقْعَسا وأين مني فَقْعَسُ ...
.......................
ثم نبه على ما لا تصح ندبته بقوله:
وما نُكِّر لم يُندب ولا ما أُبهما
الغرض من الندبة الإعلام بعظمة المصاب؛ فلذلك لا يندب إلا المعرفة
السالم من إبهام، فلا تندب النكرة.
وأجاز الرياشي ندبة اسم الجنس المفرد، وقد جاء في الأثر: "واجبلاه" وهو
نادر.
ولا يندب المبهم كاسم الإشارة والموصول بصلة لا تعينه، لا يقال:
"واهذاه"1.
ولا "وامن ذَهَباه" لأن ذلك لا يقع به العذر للمتفجع.
ويجوز أن يندب الموصول بصلة تعينه لشهرتها. وإلى هذا أشار بقوله:
ويُندب الموصول بالذي اشْتَهَرْ ... كبئر زمزم يلي وامَنْ حَفَرْ
فتقول: "وامن حفر بئر زمزم" لأنه في الشهرة كالعلم.
ثم نبه على ما يلحق آخر المندوب فقال:
ومُنتهى المندوب صله بالألف
يشتمل منتهى المندوب آخر المفرد نحو: "وازيدا"، أو المضاف نحو: "واعبدا
الملكا" وما طول به نحو: "واثلاثة وثلاثينا" والصلة نحو: "وامن حفر بئر
زمزما" وعجز المركب نحو: "وامعدي كربا".
وقوله: "صله" يعني جوازا؛ لأن المندوب له استعمالان:
أحدهما: أن يجري مجرى غيره من المناديات كما تقدم.
والآخر: أن يوصل بالألف المذكورة.
فإن قلت: أطلق في وصل المندوب بالألف وقيده في التسهيل2 بألا يكون
__________
1 ب، ج. وفي أ "يا هذاه".
2 التسهيل ص185.
(3/1122)
في آخره ألف وهاء، فلا يقال: "واعبد
اللاهاه" ولا "واجهجاهاه في عبد الله" و"جهجاه"1.
قلت: إطلاقه هنا موافق لإطلاق النحويين، وصرح بعض المغاربة بجوازه وفي
ألفية ابن معطي.
وفي المضاف: "يا عبيد اللاهاه".
ولا يخلو ما قبل ألف الندبة من أن يكون ساكنا أو مفتوحا أو مكسورا أو
مضموما، فإن كان ساكنا فتح للألف نحو: "وامن يغزواه" و"وامن يرمياه" ما
لم يكن ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب أو واوا أو
ياء لا يقبلان الحركة، فإن كان ألفا حذفت لتعذر تحريكها نحو:
"واموساه".
وأشار إليه بقوله:
مَتْلُوها إن كان مثلها حُذف
أي: متلو ألف الندبة، يعني: الحرف الذي قبلها إن كان ألفا مثلها حذف
لما تقدم، وأجاز الكوفيون قياسا قلب الألف فقالوا: "وامُوسياه"، وإن
كان تنوينا حذف أيضا؛ لأنه لاحظ له في الحركة وفتح ما قبله، فتقول:
"واغلام زيداه" وهذا مذهب سيبويه والبصريين.
وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين: فتحه، فتقول: "واغلام زيدناه"
وكسره مع قلب الألف ياء فتقول: "واغلام زيدنيه".
قال المصنف: وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت.
وقال ابن عصفور: أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون: "واغلام زيدناه"،
وزعموا أنه سُمع. انتهى.
__________
1 ب، ج.
(3/1123)
وأجاز الفراء وجها ثالثا، وهو حذفه مع
إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء؛ فتقول: "واغلام زيديه".
ولا يجيز البصريون إلا الأول.
فإن كان الياء المشار إليها فسيأتي الكلام عليها.
وإن كان واوا لا تقبل الحركة كواو الصلة في نحو: "غلامه" أو ياء كذلك
نحو: "غلامه" حذفا، وقلبت الألف إلى مجانس ما قبلها.
وإن كان ما قبل الألف مفتوحا استصحب فتحة نحو: "واعبد يغوثاه" وإن كان
ما قبلها مكسورا أو مضموما، فإما أن يوقع فتحه في لبس أو لا، فإن لم
يوقع فتحه في لبس وجب فتحه كقولك في عبد الملك: "واعبد الملكاه" وفي من
اسمه "قام الرجل" وقام الرجلاه، وإنما فتح لتسلم الألف.
فإن أوقع "في لبس"1 قلبت ألف الندبة ياء بعد الكسرة، وواوا بعد الضمة.
فتقول في ندبة "غلام" مضافا إلى ضمير المخاطبة. "واغلامكيه" وفي ندبته
مضافا إلى ضمير الغائب "واغلامهوه"؛ إذ لو قلت: "واغلامكاه" لالتبس
بالمذكر، ولو قلت: "واغلامهاه" لالتبس بالغائبة.
وذلك مفهوم من قوله:
والشكل حتما أوله مُجانسا ... إن يكن الفتح بِوَهْمٍ لابسا
الشكل: الحركة، ومجانس الكسرة: الياء، ومجانس الضمة: الواو.
وأشار بقوله: "حتما" إلى وجوب ذلك دفعا للبس.
وفهم من الشروط أن الألف لا تغير إذا كان الفتح لا يلبس كما تقدم.
وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون إتباع الألف للكسرة في المثنى نحو:
"وازيدانيه" وفي "المفرد"2 نحو: "واعبد الملكيه" وفي نحو: "رَقاش"
"وارقاشيه"3.
قوله:
__________
1 أ، ج.
2 أ، وفي ب، ج "المعرب".
3 رقاش: اسم امرأة.
(3/1124)
وواقفا زِدْ هاء سَكْتٍ إن تُرِدْ ... وإن
تشأ فالمد والها لا تَزِدْ
إذا وقف على المندوب زيد بعد ألفه أو بدلها هاء السكت، وليست بلازمة بل
غالبة؛ لأنه يجوز الاقتصار على المد فيقال: "وازيدا".
وهذا معنى قوله: "وإن تشأ فالمد والها لا تزد" أي: إن تشأ ألا تزيد
الهاء فالمد كافٍ وهو كالتنصيص على ما فهم من قوله: "إن ترد" ولو قيل:
فالمد بالنصب لأفاد جواز تجريده من المد أيضا، أي: وإن تشأ فلا تزد
المد والهاء، بل تجعله كالمنادى غير المندوب وقد تقدم بيانه أول الباب.
وقد فهم من قوله: "وواقفا" أن هذه الهاء لا تثبت وصلا، وربما ثبتت في
الضرورة مضمومة ومكسورة، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين.
قوله:
وقائلٌ واعبديا واعبدا ... مَن في الندا اليا ذا سكون أبدَى
تقدم أن "في"1 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم "نحو: "يا عبد""2 ست
لغات:
فإذا ندبت على لغة من يقول: "يا عبد" -بالكسر- أو "يا عبد" -بالفتح- أو
"يا عبد" -بالضم- أو "يا عبدا" -بالألف.
قلت: "واعبدا" لما علمت، وإذا ندبت على لغة من أثبت الياء مفتوحة قلت:
"واعبديا". وإذا "ندبت"3 على لغة من أثبتها ساكنة وهو المشار إليه في
البيت فوجهان:
أحدهما: أن تحذفها لالتقاء الساكنين، وتفتح ما قبلها فتقول: "واعبدا".
والثاني: أن تفتحها لقبولها الحركة فتقول: "واعبديا".
والحذف مذهب المبرد، والفتح مذهب سيبويه.
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 ب. وفي أ، ج "قلت".
(3/1125)
|