توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك

المقصور والممدود:
المقصور: هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة.
والممدود: هو الذي حرف إعرابه همزة قبلها ألف زائدة.
وكلاهما مقيس ومسموع، وقد أشار إلى ضابط المقصور القياسي بقوله:
إذا اسمٌ استوجَبَ من قبل الطرَفْ ... فَتْحًا وكان ذا نظيرٍ كالأَسَفْ
فَلِنَظِيره الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبوتُ قصرٍ بقياس ظاهِرِ
اعلم أن القصر والمد لا يكونان إلا في المعتل الآخر، فكل اسم معتل الآخر له نظير من الصحيح، يطرد فتح ما قبل آخره، فهو مقصور كقولك: جَوِيَ جَوّى، فإن نظيره من الصحيح: أسف أسفا، وهو يطرد فتح ما قبل آخره؛ لأن فَعِلَ اللازم قياس مصدره فعَل.
فقوله: "إذا اسم" يعني: من الصحيح، وقوله: "وكان ذا نظير" يعني: من المعتل، وقوله: "كالأسف" مثال للصحيح الذي استوجب من قبل الطرف فتحا.
فإن قلت: قوله: "استوجب" ليس بجيد؛ لأنه يقتضي أن شرط ذلك أن يلزم فتحه فلا يكفي غلبة الفتح، وليس كذلك، بل هي كافية، قال في التسهيل: كل المعتل الآخر فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح لزوما أو غلبة فقصره مقيس. انتهى. فمثال ما فتح لزوما اسم مفعول ما زاد على الثلاثة، ومثال ما فتح غلبة مصدر فعل اللازم، فإنه قد جاء على فعالة نحو: شكس شكاسة، وعلى مفعول نحو: صهب صهوبة، وعلى فعل نحو: سكر سكرا.
قلت: معنى قوله: "استوجب" أنه استحق ذلك في القياس فيشمل القسمين، ألا ترى أن مصدر فعل اللازم يتوجب فتح ما قبل آخره في القياس، وإن كان السماع قد ورد في بعضه بخلاف ذلك، والذي يوضح لك أن هذا معنى كلامه تمثيله بالأسف للمستوجب الفتح، وهذا واضح.
كفِعَلْ وفُعَلْ في جَمْع مَا ... كفِعْلةٍ وفُعْلةٍ نحو الدُّمَى
هذان من أمثلة المقصور المقيس، ففعل جمع فعلة نحو: مرية ومرى، وفعل

(3/1362)


جمع فُعلة نحو: دمية ودمى1، وإنما وجب قصرهما لأن نظيرهما من الصحيح قِرب جمع قِربة، وقُرب جمع قُربة، ثم شرع في بيان ضابط الممدود فقال:
وما استَحقَّ قبل آخر ألفْ ... فالمد في نظيره حَتْمًا عُرِفْ
يعني: أن الاسم الصحيح إذا استحق زيادة الألف قبل آخره، فإن نظيره المعتل واجب المد قياسا، فالمدود المقيس إذا كان معتل الآخر له نظيره في الصحيح يطرد زيادة الألف قبل آخره، وقوله: "استحق" يعني: في القياس سواء لزم ذلك كمصدر ما أوله همزة وصل كما سيذكر أو غلب ولم يلزم كمفعال صفة نحو: مهداء2، فإن نظيره من الصحيح مهذار، وقد جاء منه شيء على مفعل نحو: مدعس3.
وقوله:
كمصدر الفعل الذي قد بُدئا ... بهمز وصل كارْعَوَى وكارْتَأَى
هذا مما يجب مده قياسا؛ لأن نظيره من الصحيح تجب زيادة ألف قبل آخره، فتقول: ارعواء وارتياء -بالمد- لأن نظيرهما احمرار واقتدار، ثم قال:
والعادمُ النظير ذا قَصْرٍ وذَا ... مَدٍّ بنَقْلٍ كالحِجَا وكالحِذَا
يعني: أن ما كان معتل الآخر ولا نظير له من الصحيح يطرد فتح ما قبل آخره، أو زيادة ألف قبل آخره، فلا يؤخذ قصره ومده إلا من السماع.
فمن المقصور سماعا: الحجا -وهو العقل- ومن الممدود سماعا: الحذاء وهو النعل، وقد صنف الناس في ذلك كتبا فلا نطول بكثرة الأمثلة.
تنبيه:
كلامه مخصص كما قيل مما تقدم ذكره من ألفي التأنيث. ثم ختم الباب بالكلام على قصر الممدود ومد المقصور فقال:
وقَصْرُ ذي المد اضطرارا مُجْمَعُ ... عليه والعَكْسُ بخُلْفٍ يَقَعُ
قصر الممدود للضرورة يشبه صرف ما لا ينصرف، فلذلك أجمع على جوازه، ومد المقصور شبيه بمنع ما يستحق الصرف؛ فلذلك اختلف فيه فمنعه
__________
1 الدمية -بضم الدال- وهي الصورة من العاج ونحوه والصنم، والمراد بها هنا الصورة، وربما تستعار للذات الجميلة.
2 المهداء: المرأة الكثيرة الإهداء.
3 المدعس: الرمح الذي يطعن به.

(3/1363)


جمهور البصريين مطلقا، وأجازه جمهور الكوفيين مطلقا، وفصل الفراء فأجاز مد ما لا موجب لقصره كالعنى، ومنع مد ما له موجب قصر كسكرى، والظاهر جوازه لوروده، كقول العجاج1:
والمرء يُبليه بِلاءَ السِّربالْ ... تَعاقُبُ الإهلالِ بعد الإهلالْ
وقول الآخر2:
يا لك من تَمْر ومن شِيشَاء ... يَنشَبُ في المسْعَل واللَّهاء
فمد اللهاء، وهي مقصورة.
__________
1 البيت من السريع.
اللغة: "يبليه" من بلي الثوب يَبْلَى إذا خَلَق ومعناه هنا يمتحنه "تعاقب الإهلال" أي: توارده، وهو من أهل الشهر إهلالا.
الإعراب: "المرء" مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده وهي "يبليه" وهي جملة من الفعل والمفعول والفاعل هو قوله: "تعاقب" و"الإهلال" مضاف إليه "بلاء" منصوب على المصدرية و"السربال" مضاف إليه، والمعنى ييليه بلي كبلى السربال، وهو في الحقيقة منصوب بنزع الخافض والجملة صفة للمصدر المحذوف "بعد" ظرف "الإهلال" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "بلاء" حيث مد بلاء، وهو المقصور.
وإنما يصح الاستشهاد به إذا كان بكسر الباء وأما إذا فتحها فلا استشهاد.
مواضعه: ذكره الأشموني 31658، والمكودي ص161.
2 قائله: قال العيني: قائله أعرابي من أهل البادية، ونسبه أبو عبد الله البكري في اللآلئ لأبي المقدام الراجز، وهو من الرجز المسدس.
اللغة: "شيشاء" -بشينين أولاهما مكسورة بينهما ياء- وهو الشيص أي التمر الذي لم يشتد "ينشب" -بفتح الشين- يتعلق "المسعل" موضع السعال من الحلق "واللهاء" جمع لهاة كالحصى جمع حصاة مد للضرورة. واللهاة: لحمة مطبقة في أقصى سقف الحنك.
وقبله:
قد علمت أخت بني السعلاء ... وعلمت ذاك مع الجزاء
أن نعم مأكولا على الخواء ... .........................
الإعراب: "يا" حرف نداء وقصد به هنا التنبيه "لك" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، أي: لك شيء من تمر "من" للبيان وقيل: من زائدة وتمر مبتدأ ولك خبره مقدما، وفي زيادة من في الإثبات خلاف "ومن شيشاء" عطف عليه "ينشب" فعل مضارع والفاعل ضمير، والجملة في محل الجر على الوصفية "في المسعل" جار ومجرور "واللهاء" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "اللهاء" حيث مده للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 31659، وابن الناظم، وابن عقيل 21329.

(3/1364)


وقال طرفة1:
لها كَبدٌ ملساءُ ذاتُ أسِرَّة ... وكشحان لم ينقص طواءَهما الحبل
وممن وافق الكوفيين على جواز ذلك ابن ولاد وابن خروف، وزعما أن سيبويه استدل على جوازه في الشعر بقوله: وربما مدوا فقالوا منابير.
قال ابن ولاد: فزيادة الألف قبل آخر المقصور كزيادة هذه الياء، وأما قراءة طلحة: "يَكَادُ سَنَاء بَرْقِهِ"2 -بالمد- فشاذ؛ إذ لم تثبت لغة، ويمكن أن يكون أراد العلو لا الضوء.
فإن قلت: حُكي الإجماع على قصر الممدود، فليس كذلك؛ لأن مذهب الفراء منعه فيما له قياس يوجب مده نحو فعلاء أفعل.
قلت: هو مجمع على جوازه في الجملة وإن وقع الخلاف في بعض المواضع، والصحيح جوازه مطلقا.
ورد مذهب الفراء بقول الشاعر3:
وأنتِ لَوْ بَاكَرْتِ مشمولةً ... صَفْرَا كَلَونِ الفرس الأشْقَرِ
__________
1 قائله: هو طرفة بن العبد البكري، وهو من الطويل.
اللغة: "كبد" أي: بطن ووسط، ومنه كبد القوس، وهو مقبضها "ملساء" وهو تأنيث أملس، وهو اللين، من الملاسة، وهو ضد الخشونة "أسرة" أراد بها الخطوط التي تكون على البطن، كما يكون في الكف والجبهة واحدها سِرَ ر-بكسرالسين وفتح الراء- "كشحان" تثنية كشح، وهو ما بين الخاصرة إلى الضع الخلفي، وقال الأعلم: الكشحان ما انضمت عليه الأضلاع من الجنين "لم ينقص طواءهما" أراد أنها خميصة البطن ليست بمفاضة، وأصل الحبل: الامتلاء.
الإعراب: "لها" جار ومجرور خبر مقدم "كبد" مبتدأ مؤخر "ملساء" صفة لكبد "ذات" صفة بعد صفة "أسرة" مضاف إليه "وكشحان" عطف على قوله: كبد، أي: ولها كشحان "لم" حرف نفي وجزم وقلب "ينقص" فعل مضارع مجزوم بلم "طواءهما" مفعول به ومضاف إليه "الحبل" فاعل ينقص.
الشاهد: قوله: "طواءهما" حيث مد الطواء، والمعروف فيه القصر.
2 من الآية 43 من سورة النور.
3 قائله: هو الأقيشر، واسمه المغيرة بن عبد الله، وهو من الطويل.
اللغة: "لو باكرت" لو بادرت وأسرعت "مشمولة" أراد بها الخمر، إذا كانت باردة الطعم "صفرا" ويروى: صهباء "وأنت" وروي: فقلت. =

(3/1365)