توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما
قبلها":
إن يَسْكُنِ السابقُ من واو وَيَا ... واتصلا ومن عُرُوض عَريَا
فياءً الواوَ اقلبنَّ مُدْغِما ... وشذَّ معطى غير ما قد رُسِمَا
حاصل هذا الفصل أن الواو والياء إذا اجتمعا وسكن سابقهما وجب إبدال
الواو ياء ثم الإدغام، وذلك مشروط بشروط:
الأول: أن يتصلا، أعني: أن يكون في كلمة واحدة، فلو كانا في كلمتين
نحو: "فويوسفُ" وهذا "فويزيد" لم يجز الإبدال والإدغام.
الثاني: أن يكون سكون السابق أصليا، فلو كان عارضا نحو قَوْى مخفف قوى
لم تبدل ولم تدغم.
الثالث: ألا يكون الساكن بدلا غير لازم نحو رُويَة مخفف رُؤْية، فلا
يبدل لعروضه، وحكى الكسائي الإدغام في رويا إذا خففت، وسمع من يقرأ:
"إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّيَّا تَعْبُرُونَ"1.
فإن كانت بدلا لازما نحو ايّم وهومثال أُبْلُم من الأيمة أصله أؤيم،
فأبدلت الهمزة الثانية واوا؛ لانضمام التي قبلها فصار أويم، وهذا بدل
لازم فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيم، وهذان الشرطان مأخوذان
من قوله: "ومن عروض عريا" أي: من عروض ذات أو من عروض سكون.
فمثال ما اجتمعت فيه الشروط سيّد وأصله سَيْوِد؛ لأنه فيعل من ساد
يسود، ومرمي أصله مرموي؛ لأنه مفعول من رمى يرمي، فأبدلت الواو فيهما
ياء ثم أدغمت أولى الياءين في الأخرى.
تنبيهات:
الأول: لوجوب الإبدال في هذا النوع شرط رابع لم ينبه عليه هنا، وهو ألا
يكون الثاني واوا تحركت لفظا في إفراد وتكسير غير لازم بعد ياء التصغير
نحو جدول، فلك في تصغيره وجهان:
__________
1 من الآية 43 من سورة يوسف.
(3/1596)
أحدهما: جُدَيِّل بالإبدال والإدغام على
القياس، وهو الأرجح.
والآخر: جُدَيْول -بالتصحيح.
وقوله: "وشذ معطى غير ما قد رسما" يشمل ثلاثة أضرب:
أحدها: ما أبدل وأدغم ولم يستوفِ الشروط كقولهم في الرؤيا: ريّا، وقد
قرأ بعضهم: "إن كنتم للريَّا تعبرون"، وحكى الفراء في روية مخفف رؤية
ريّة -بالإدغام- وقال في شرح الكافية: وحكى بعضهم اطرادهم على لغة،
وقاس بعضهم عارض السكون على عارض البدلية فقال: في قوى مخفف قوى في
-بالإدغام- وهو ضعيف.
الثاني: ما صحح مع استيفاء الشروط كقولهم للسِّنَّور ضَيْوَن، وعوى
الكلب عَوْية، ويوم أَيْوَم1.
والثالث: ما أبدل فيه الياء واوا وأدغمت الواو في الواو كقولهم: عوى
الكلب عَوَّة، وهو نَهو عن المنكر.
من واو أو ياء بتحريك أصل ... ألفًا ابدل بعد فتح متصل
يجب إبدال كل ياء أو واو تحركت بعد فتح ألفا بشروط:
الأول: أن يكون التحريك أصليا، احترازا من أن يكون عارضا نحو جَيَل
وتَوَم مخففي جَيْئَل وتَوْءَم.
والثاني: أن يكون الفتح متصلا احترازا من أن يكون منفصلا بحرف نحو زاي
وواو، فإن الألف فاصلة، أو يكون من كلمة أخرى نحو إن يزيد ومق، فإنه لا
يؤثر.
والثالث: أن يكون اتصاله أصليا احترازا من نحو بناء مثل عُلَبِط2 من
الرمي أو الغزو فتقول فيه: رُمِيٍ وغُزَوٍ -منقوصا- ولا تقلب الواو
والياء ألفا؛ لأن اتصال
__________
1 أيوم: أي: كثير الشدة.
2 العلبط -بضم العين وفتح اللام وكسر الموحدة- الضخم.
(3/1597)
الفتحة بها عارض بسبب حذف الألف؛ إذ الأصل
رُمَايِي وغُزَاوِي؛ لأن علبطا أصله علابط.
فإن قلت: لا يؤخذ هذا الشرط من النظم.
قلت: بل من قوله: "متصل" فإن هذا منفصل تقديرا واتصاله عارض، فيكون
المعنى بعد فتح متصل لفظا وتقديرا، فهذه الشروط لا بد من اعتبارها في
الإعلال المذكور، ولا يشترط معها في إعلال اللام إلا شرط واحد وهو ألا
يتصل بها ألف ولا ياء مشددة، وأما العين فيشترط في إعلالها مع هذه
الشروط الثلاثة شروط آخر.
أولها: ألا يسكن ما بعدها، وثانيها: ألا يكون ما هي فيه فعلا على فعل
ذا أفعل أو متصرفا منه، وثالثها: ألا يكون ما هي فيه فعلا واويا على
افتعل بمعنى تفاعل أو مصرفا منه، ورابعها: ألا يعل ما وليها، وخامسها:
ألا يكون ما هي فيها اسما مختوما بزيادة تختص بالأسماء، وسادسها: ألا
تكون هي بدلا من حرف لا يعل، وسيأتي الكلام على هذه الشروط مفصلا إن
شاء الله تعالى.
فمثال ما يعل لاستيفاء الشروط وهي لام رمى ودعا أصلهما رمي ودعو، فقلبت
الياء والواو ألفا لما تقدم.
ومثال ذلك وهو عين باع وقال: أصلهما بيع وقول، فقلبت الياء والواو ألفا
لذلك، وقد أشار إلى أول هذه الشروط الستة بقوله:
إن حُرك التالي وإن سُكن كف ... إعلال غير اللام..............
يعني: أن إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير مشروط بأن
يتحرك تاليهما كما مثلنا به، فإن سكن تاليهما منع الإعلال وكفه مطلقا
نحو بيان وغيور وطويل وخَوَرْنَق، وأما اللام فقد بين حكمها بقوله:
....................... ... .......... وهي لا يكف
إعلالها بساكن غير ألف ... أو ياء التشديد فيها فيها قد أُلف
(3/1598)
لما كانت اللام محل التغيير لم يكف إعلالها
الساكن كما كف إعلال العين ما لم تكن ألفا أو ياء مشددة فإنهما يكفان
إعلالها دون غيرهما من السواكن، فالألف نحو رَمَيَا وغَزَوَا، والياء
المشددة نحو عَلويّ؛ لأنهم لو أعلوا قبل الألف لاجتمع ساكنان، فيحذف
أحدهما فيصير اللفظ رمى وغزا، فلا يُدرى للمثنى هو أم للمفرد.
وأما: رحيان وعصوان، فمحمول عليه لأنه من باب، وأما نحو علويّ، فلا
تبدل واوه ألفا لأنها في موضع تبدل فيه الألف واوا، فإن ولي اللام غير
الألف والياء المشددة من السواكن أعلت نحو يَخْشَوْن أصله يخشيون،
فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الألف
لالتقاء الساكنين، وكذلك تقول في جمع عصا -مسمى به- قام عَصَوْن،
والأصل عَصَوُون، ففعل به ما ذكر في يخشون، وعلى هذا لو بنيت من الرمي
مثل عنكبوت قلت رَمْيَوْت والأصل رَمْيَيُوت ثم قلب وحذف لملاقاة
الساكن وسهل ذلك أمن اللبس إذ ليس في الكلام فَعْلَوْت، وذهب بعضهم إلى
تصحيح هذا؛ لكون ما هي فيه واحدا، ثم أشار إلى ثانيها بقوله:
وصحَّ عينُ فَعَل وفَعِلا ... ذا أفْعَل كأَغْيَد وأَحْوَلا
ما كان من الأفعال على فَعَل وعينه ياء أو واو واسم فاعله على أفعل لزم
تصحيحه حملا على افعلّ لموافقته له في المعنى؛ لأن فعل من هذا النوع
مختص بالألوان والخلق نحو غيد فهو أغيد1 وحول فهو أحول، ومصدر فعل هذا
محمول عليه في التصحيح أيضا نحو غيد غيدا وحول حولا.
واحترز بقوله: "ذا أفعل" من نحو خاف ونحوه فإن وزنه فَعِل، ولكن فاعله
متزن بفاعل، ثم أشار إلى ثالثها بقوله:
وإن يَبِنْ تَفَاعُلٌ من افْتَعَلْ ... والعينُ واو سَلِمَتْ ولم تُعَل
__________
1 الأغيد: الناعم البدن، ويقال في الأنثى: غيداء وغادة.
(3/1599)
إذا كان افتعل واوي العين بمعنى تفاعل صح
حملا على تفاعل؛ لكونه بمعناه نحو اجْتَوَرُوا وازدرجوا بمعنى تجاوروا
وتزاوجوا، واحترز بقوله: "وإن يَبِن تفاعل من افتعل" من أن يكون افتعل
لا يدل على التفاعل، وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية، فإنه يجب
إعلاله مطلقا نحو اختان بمعنى خان واجتاز بمعنى جاز، واحترز بقوله:
"والعين واو" من أن تكون عينه ياء فإنه يجب إعلاله.
ولو كان دالا على التفاعل، نحو: امتازوا وابتاعوا واستافوا1 أي:
تضاربوا بالسيوف؛ لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فكانت أحق بالإعلال
منها، ثم أشار إلى رابعها بقوله:
وإِنْ لحرفين ذا الإعلال اسْتُحق ... صُحِّح أول وعكس قد يَحِق
إذا اجتمع في الكلمة حرفا علة واوان أو ياءان أو ياء وواو، وكل منهما
مستحق لأن يقلب ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله، فلا بد من تصحيح أحدهما
لئلا يجتمع إعلالان والآخر أحق بالإعلال، فاجتماع الواوين كالحوى مصدر
حَوِيَ إذا اسودّ، ويدل على أن ألف الحوى منقلبة عن واو قولهم في
مثناه: حووان، وفي جمع أحوى: حُوّ، وفي مؤنثه: حواء، فأصل الحوى حوو،
فكل واحدة من الواوين تستحق الانقلاب، فإن قلبناهما لالتقى ألفان فيجب
حذف أحدهما لالتقاء الساكنين، ثم حذف الآخر لملاقاة التنوين فيبقى اسم
متمكن على حرف واحد، وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع، فلما
امتنع إعلالهما معا وجب إعلال أحدهما، وكان الثاني أحق بذلك لأن الطرف
محل التغيير والعين متحضنة بوقوعها حشوا واجتماع الياءين كالحيا للغيث،
وأصله حيي، فأعلت الياء الثانية لما تقدم، واجتماع الواو والياء
كالهوى، أصله هَوَي، فأعلت الياء على ما ذكر في الحوى.
__________
1 بمعنى: تمايزوا وتبايعوا وتسايفوا.
(3/1600)
وهكذا يفعل في كل ما جاء من هذا النوع إلا
ما شذ من نحو غاية وأصله غَيَيَة، فأعلت الياء الأولى وصحت الثانية،
وسهل ذلك كون الثانية لم تقع طرفا، ومثل غاية في ذلك ثَاية، وهي حجارة
صغار يضعها الراعي عند متاعه فيثوى عندها، وطاية وهي السطح والدكان
أيضا، وكذلك آية عند الخليل أصلها أيية، فأعلت العين شذوذا، وفي آية
خمسة مذاهب غير مذهب الخليل ذكرتها في غير هذا الموضع، وإلى غاية
وأخواتها أشار بقوله: "وعكس قد يحق"، ثم أشار إلى خامسها بقوله:
وعينُ ما آخره قد زِيدَ ما ... يخص الاسم واجبٌ أن يَسْلَما
لما كان الإعلال فرعا والفعل فرع كان أحق به من الاسم؛ ولهذا إذا كان
آخر الاسم زيادة تختص بالأسماء وجب سلامة عينه إذاكانت واوا أو ياء
تحركتا وانفتح ما قبلهما؛ لأنه بتلك الزيادة بعد شبهه بما هو الأصل في
الإعلال، وذلك نحو: جَوَلان وسَيَلان، فإنهما قد ختما بزيادة تختص
بالأسماء، وهي الألف والنون فصحت عينهما لذلك، وما جاء من هذا النوع
معلا عد شاذا نحو: داران وماهان1 وقياسهما دَوَران ومَوَهان، وخالف
المبرد في هذا فزعم أن الإعلال هو القياس، وعليه جاء داران وماهان،
والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه.
تنبيهات:
الأول: زيادة تاء التأنيث غير معتبرة في التصحيح؛ لأنها لا تخرجه عن
صورة فعل؛ لأن تاء التأنيث تلحق الماضي، فلا يثبت بلحاقها مباينة في
نحو: قَالَة وبَاعَة، وأما الْحَوَكَة فتصحيحه شاذ باتفاق.
__________
1 قيل: إن داران وماهان أعجميان؛ فلا يحسن عدهما فيما شذ.
(3/1601)
الثاني: اختلف في ألف التأنيث المقصورة في
نحو صَوَرَى -وهو اسم ماء- فذهب المازني إلى أنها مانعة من الإعلال؛
لاختصاصها بالاسم.
وذهب الأخفش إلى أنها لا تمنع الإعلال؛ لأنها لا تخرجه عن شبه الفعل؛
لأنها في اللفظ بمنزلة ألف فَعَلا، فتصحيح صَوَرَى عند المازني مقيس،
وعند الأخفش شاذ لا يقاس عليه؛ فلو بني مثلها من القول لقيل على رأي
المازني: قَوَلَى، وعلى رأي الأخفش: قَالَا، وقد اضطرب اختيار الناظم
في هذه المسألة، فاختار في التسهيل مذهب الأخفش، وفي بعض كتبه مذهب
المازني، وبه جزم الشارح، واعلم أن ما ذهب إليه المازني هو مذهب
سيبويه.
الثالث: لم ينبه الناظم هنا على الشرط السادس، وهو ألا تكون العين بدلا
من حرف لا يُعل وقد ذكره في التسهيل، واحترز به عن قولهم في شجرة:
شَيَرة، فلم يعلوا لأن الياء بدل من الجيم، قال الشاعر1:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ... فأبعدكن الله من شَيَرات
الرابع: قال في الكافية:
وقد يكف سبب الإعلال أن ... يُناب عن حرف بتصحيح قَمِن
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "ولا جنى" -بفتح الجيم- وهو ما يجتنى من الشجر "فأبعدكن الله"
أي: لعنكن الله، يقال: أبعده الله أي: لعنه.
والخطاب للأشجار التي ليس لها ظل ولا ثمر.
والإعراب: "إذا" للشرط "لم" حرف نفي وجزم وقلب، وجملة "لم يكن فيكن ظل"
وقعت فعل الشرط وظل مرفوع لأنه اسم كان وفيكن مقدما خبره "ولا جنى" عطف
على "ظل" "فأبعدكن الله" الفاء واقعة في جواب الشرط، وأبعدكن الله جملة
من الفعل والفاعل والمفعول جوابا للشرط.
الشاهد: قوله: "شيرات" فإن الياء فيه بدل من الجيم؛ لأن أصله شجرات.
مواضعه: ذكره الأشموني 859/ 3.
(3/1602)
فهذا شامل لنوعين:
أحدهما: ما هو بدل من حرف لا يعل نحو: شيرة في شجرة، وقد تقدم.
والثاني: ما هو حال محل حرف لا يعل، وإن لم يكن بدلا نحو: أيس بمعنى
يئس، فيضعون الهمزة موضع الياء، والياء موضع الهمزة، ويصححون الياء،
وإن تحركت وانفتح ما قبلها؛ لأنها وقعت موقع الهمزة، والهمزة لو كانت
في موضعها لم تبدل، فعوملت الياء معاملتها لوقوعها موقعها، هكذا قال في
شرح الكافية.
وهذا النوع الثاني لم يخرج بشيء من الشروط الستة المتقدمة، فيكون هذا
شرطا سابعا.
وذكر بعضهم: أن أيس إنما لم يعل لعروض اتصال الفتحة به؛ لأن الياء فاء
الكلمة، فهي في نية التقديم والهمزة قبلها في نية التأخير، وعلى هذا
فيستغنى عن هذا الشرط بما سبق من اشتراط أصالة اتصال الفتحة.
الخامس: ذكر ابن بابشاذ لهذا الإعلال شرطا آخر، وهو ألا يكون التصحيح
للتنبيه على الأصل المرفوض، قال: واحترز من مثل الخونة والحوكة. انتهى،
وهو غير محتاج إليه؛ لأن هذا مما شذ مع استيفائه الشروط، ومثل ذلك في
الشذوذ قولهم: رَوَح وغَيَب جمع رائح وغائب، وعِفَوة جمع عِفُوْ -وهو
الجحش- قال الشارح: لأن تاء التأنيث غير مختصة بالأسماء، يعني: في
عفوة.
وقبل با اقلب ميما النون إذا ... كان مسكنا كمن بت انبذا
في النطق بالنون الساكنة قبل الباء عسر؛ لاختلاف مخرجيهما مع مباينة
لين النون وغنتها لشدة الباء، فذلك وجب إبدالها قبل الباء ميما؛ لأنها
من مخرج الباء ومثل النون في الغنة، ولا فرق في ذلك بين المنفصلة
والمتصلة، وقد جمعها في قوله:
"كمن بت انبذا" أي: من قطعك فألقه عن بالك واطرحه. وألف "انبذا" بدل من
نون التوكيد الخفيفة.
(3/1603)
تنبيهات:
الأول: عبر بعضهم عن إبدال النون ميما بالقلب كما فعل الناظم، والأولى
أن يعبر بالإبدال؛ لأن القلب في الاصطلاح إنما يكون في حروف العلة
غالبا، وتقدم بيان ذلك.
الثاني: نقل أبو علي بن أبي الأحوص أحد تلاميذ الشلوبين عن الفراء أن
النون الساكنة تخفى عند الباء، ولا يحمل على ظاهره، فإن ذلك شيء لم
ينقله أحد من النحويين عن العرب، وإنما يحمل على أنه تجوز، فسمي
الإبدال هنا إخفاء.
الثالث: قد تبدل النون ميما ساكنة ومتحركة دون باء، وذلك شاذ، فالساكنة
كقولهم في حنظل: حَمظل، وأمْغَرَت الشاة أنغرت1، والمتحركة كقولهم في
بنان: بنام، قال رؤبة2:
يا هَاَل ذات المنطق التمتام ... وكفك المخضب البنام
__________
1 إذا خرج لبنها كالمغرة.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
اللغة: "هال" اسم امرأة، منادى مرخم "هالة" منقول من هالة القمر، وهي
الدائرة المحيطة به "التمتام" من التمتمة، وهي تكرير التاء والميم
"المخضب" الذي جعل في الخضاب "البنام" المراد: البنان، وهي أطراف
الأصابع، والواحدة بنانة ويقال: بنان مخضب؛ لأن كل جمع يفرق بينه وبين
واحده بالهاء -يوحد ويذكر.
المعنى: ينادي المسماة "هالة" ويصفها بأن في نطقها تمتمة وأطراف
أصابعها مخضبة.
الإعراب: "يا" حرف نداء "هال" منادى مبني على ضم الحرف المحذوف لأجل
الترخيم في محل نصب "ذات" نعت لهال باعتبار محله منصوب بالفتحة
الظاهرة، وذات مضاف "والمنطق" مضاف إليه "التمتام" نعت للمنطق مجرور
بالكسرة الظاهرة "وكفك" الواو حرف عطف، كف: معطوف على المنطق، وهو مضاف
وكاف المخاطبة مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر "المخضب" نعت للكف
"البنام" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "البنام" حيث أبدل الميم من النون شذوذا؛ لتحركها وعدم
وجود الباء بعدها.
مواضعه: ذكره الأشموني 860/ 2، وابن هشام 296/ 4، وابن يعيش 33/ 10.
(3/1604)
|