شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك

إعمال المصدر
بفعله المصدر ألحق في العمل ... مضافا أو مجردا أو مع أل
إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله ولأسم مصدر عمل
يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين:
أحدها: أن يكون نائبا مناب الفعل نحو ضربا زيدا ف زيدا منصوب ب ضربا لنيابته مناب اضرب وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في أضرب وقد تقدم ذلك في باب المصدر
والموضع الثاني: أن يكون المصدر مقدرا ب أن والفعل أو ب ما والفعل وهو المراد بهذا الفصل فيقدر ب أن إذا أريد المضي أو

(3/93)


الاستقبال
نحو عجبت من ضربك زيدا أمس أو غدا والتقدير: من أن ضربت زيدا أمس أو من أن تضرب زيدا غدا ويقدر ب ما إذا أريد به الحال نحو عجبت من ضربك زيدا الآن التقدير مما تضرب زيدا الآن.
وهذا المصدر المقدر يعمل في ثلاثة أحوال مضافا نحو عجبت من ضربك زيدا ومجردا عن الإضافة وأل وهو المنون نحو عجبت من ضرب زيدا ومحلى بالألف واللام نحو عجبت من الضرب زيدا وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنون وإعمال المنون أكثر من إعمال المحلى ب أل ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف ثم المجرد ثم المحلى ومن إعمال المنون قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً} ف يتيما منصوب ب إطعام وقول الشاعر:
بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل

(3/94)


فـ "رؤوس" منصوب ب ضرب ومن إعماله وهو محلى بـ "أل" قوله:
247 - ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخى الأجل

(3/95)


وقوله:
248 - فإنك والتأبين عروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع

(3/96)


وقوله:
249 - لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

(3/97)


فـ "أعدءاه" منصوب بـ "النكاية" و"عروة" منصوب بـ "التأبين" و"مسمعا" منصوب بـ "الضرب ".
وأشار بقوله ولاسم مصدر عمل إلى أن اسم المصدر قد يعمل عمل الفعل والمراد باسم المصدر ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا من بعض ما في فعله دون تعويض كعطاء فإنه مساو لإعطاء معنى ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله وهو خال منها لفظا وتقديرا ولم يعوض عنها شيء.
واحترز بذلك مما خلا من بعض ما في فعله لفظا ولم يخل منه تقديرا فإنه

(3/98)


لا يكون اسم مصدر بل يكون مصدرا وذلك نحو قتال فإنه مصدر قاتل وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل ولكن خلا منها لفظا ولم يخل منها تقديرا ولذلك نطق بها في بعض المواضع نحو قاتل قيتالا وضارب ضيرابا لكن انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها.
واحترز بقوله دون تعويض مما خلا من بعض ما في فعله لفظا وتقديرا ولكن عوض عنه شيء فإنه لا يكون اسم مصدر بل هو مصدر وذلك نحو عدة فإنه مصدر وعد وقد خلا من الواو التي في فعله لفظا وتقديرا ولكن عوض عنها التاء وزعم ابن المصنف أن عطاء مصدر وأن همزته حذفت تخفيفا وهو خلاف ما صرح به غيره من النحويين ومن إعمال اسم المصدر قوله:
250 - أكفرا بعد رد الموت عنى ... وبعد عطائك المائة الرتاعا

(3/99)


ف المائة منصوب ب عطائك ومنه حديث الموطأ من قبلة الرجل امرأته الوضوء ف امرأته منصوب ب قبلة وقوله:
251 - إذا صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرا من الآمال إلا ميسرا
وقوله:
252 - بعشرتك الكرام تعد منهم ... فلا ترين لغيرهم ألوفا

(3/100)


وإعمال اسم المصدر قليل ومن ادعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم فإن الخلاف في ذلك مشهور وقال الصيمري إعماله شاذ وأنشد أكفرا البيت وقال ضياء الدين بن العلج في البسيط ولا يبعد أن ما قام مقام المصدر يعمل عمله ونقل عن بعضهم أنه قد أجاز ذلك قياسا.
وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله

(3/101)


يضاف المصدر إلى الفاعل فيجره ثم ينصب المفعول نحو عجبت من شرب زيد العسل وإلى المفعول ثم يرفع الفاعل نحو عجبت من شرب العسل زيد ومنه قوله:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة ... نفى الدراهيم تنقاد الصياريف

(3/102)


وليس هذا الثاني مخصوصا بالضرورة خلافا لبعضهم وجعل منه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فأعرب من فاعلا بحج ورد بأنه يصير المعنى ولله على جميع الناس أن يحج البيت المستطيع وليس كذلك ف من بدل من الناس والتقدير ولله على الناس مستطيعهم حج البيت وقيل من مبتدأ والخبر محذوف والتقدير من استطاع منهم فعليه ذلك ويضاف المصدر أيضا إلى الظرف ثم يرفع الفاعل وينصب المفعول نحو عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا.
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الإتباع المحل فحسن

(3/103)


إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ففاعله يكون مجرورا لفظا مرفوعا محلا فيجوز في تابعه من الصفة والعطف وغيرهما مراعاة اللفظ فيجر ومراعاة المحل فيرفع فتقول عجبت من شرب زيد الظريف والظريف ومن إتباعه على المحل قوله:
254 - حتى تهجر في الرواح وهاجها ... طلب المعقب حقه المظلوم
فرفع المظلوم لكونه نعتا ل لمعقب على المحل

(3/104)


وإذا أضيف إلى المعفول فهو مجرور لفظا منصوب محلا فيجوز أيضا في تابعه مراعاة اللفظ والمحل ومن مراعاة المحل قوله:
255 - قد كنت داينت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا
ف الليانا معطوف على محل الإفلاس.

(3/105)


إعمال اسم الفاعل
كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل
لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون معرفا بأل أو مجردا فإن كان مجردا عمل عمل فعله من الرفع والنصب إن كان مستقبلا أو حالا نحو هذا ضارب زيدا الآن أو غدا وإنما عمل لجريانه على الفعل الذي هو بمعناه وهو المضارع ومعنى جريانه عليه أنه موافق له في الحركات والسكنات لموافقة ضارب ل يضرب فهو مشبه للفعل الذي هو بمعناه لفظا ومعنى وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه فهو مشبه له معنى لا لفظا فلا تقول هذا ضارب زيدا أمس بل يجب إضافته فتقول هذا ضارب زيد أمس وأجاز الكسائي إعماله وجعل منه قوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}

(3/106)


إف ذراعيه منصوب ب باسط وهو ماض وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية.
وولى استفهاما أو حرف ندا ... أو نفيا أو جا صفة أو مسندا
أشار بهذا البيت إلى أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شيء قبله كأن يقع بعد الاستفهام نحو أضارب زيد عمرا أو حرف النداء نحو يا طالعا جبلا أو النفي نحو ما ضارب زيد عمرا أو يقع نعتا نحو مررت برجل ضارب زيدا أو حالا نحو جاء زيد راكبا فرسا ويشمل هذين النوعين قوله أو جا صفة وقوله أو مسندا معناه أنه يعمل إذا وقع خبرا وهذا يشمل خبر المبتدأ نحو زيد ضارب عمرا وخبر ناسخه أو مفعوله نحو كان زيد ضاربا عمرا وإن زيدا ضارب عمرا وظننت زيدا ضاربا عمرا وأعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا.

(3/107)


وقد يكون نعت محذوف عرف ... فيستحق العمل الذي وصف
قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدر فيعمل عمل فعله كما لو اعتمد على مذكور ومنه قوله:
256 - وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

(3/108)


فـ "عينيه" منصوب بـ "مالئ" ومالئ صفة لموصوف محذوف وتقديره وكم شخص مالئ ومثله قوله:
257 - كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
التقدير كوعل ناطح صخرة.

(3/109)


وإن يكن صلة أل ففي المضى ... وغيره إعماله قد ارتضى
إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام عمل ماضيا ومستقبلا وحالا لوقوعه حينئذ موقع الفعل إذ حق الصلة أن تكون جملة فتقول هذا الضارب زيدا الآن أو غدا أو أمس هذا هو المشهور من قول النحويين وزعم جماعة من النحويين منهم الرماني أنه إذا وقع صلة لأل لا يعمل إلا ماضيا ولا يعمل مستقبلا ولا حال وزعم بعضهم أنه لا يعمل مطلقا وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعل والعجب أن هذين المذهبين ذكرهما المصنف في التسهيل وزعم ابنه بدر الدين في شرحه أن اسم الفاعل إذا وقع صلة للألف واللام
عمل

(3/110)


ماضيا ومستقبلا وحالا باتفاق وقال بعد هذا أيضا ارتضى جميع النحويين إعماله يعني إذا كان صلة لأل.
فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن فاعل بديل
فيستحق ماله من عمل ... وفي فعيل قل ذا وفعل
يصاغ للكثرة فعال ومفعال وفعول وفعيل وفعل فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل وإعمال الثلاثة الأول أكثر من إعمال فعيل وفعل وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعل فمن إعمال فعال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم: أما العسل فأنا شراب
وقول الشاعر:

(3/111)


258 - أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا
فـ "العسل" منصوب بـ "شراب" و"جلالها" منصوب بـ "لباس".

(3/112)


ومن إعمال مفعال قول بعض العرب: إنه لمنحار بوائكها ف بوائكها منصوب ب منحار
ومن إعمال فعول قول الشاعر:
259 - عشية سعدى لو تراءت ... لراهب بدومة تجر دونه وحجيج
قلى دينه واهتاج للشوق إنها ... على الشوق إخوان العزاء هيوج

(3/113)


فـ "إخوان" منصوب بـ "هيوج" ومن إعمال فعيل قول بعض العرب: إن الله سميع دعاء من دعاه فـ "دعاء" منصوب بـ "سميع" ومن إعمال فعل ما أنشده سيبويه:
260 - حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار

(3/114)


وقوله:
261 - أتاني أنهم مزقون عرضى ... جحاش الكرملين لها فديد
فـ "أمورا" منصوب بـ "حذر" وعرضى منصوب بـ "مزق".

(3/115)


وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل
ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع نحو الضاربين والضاربتين والضاربين والضراب والضوارب والضاربات فحكمها حكم المفرد في العمل وسائر ما تقدم ذكره من الشروط فتقول هذان الضاربان زيدا وهؤلاء القاتلون بكرا وكذلك الباقي ومنه قوله:
262 - أوالفا مكة من ورق الحمى

(3/116)


أصله الحمام وقوله
263 - ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر

(3/117)


وانصب بذى الإعمال تلوا واخفض ... وهو لنصب ما سواه مقتضى
يجوز في اسم الفاعل العامل إضافته إلى ما يليه من مفعول ونصبه له فتقول هذا ضارب زيد وضارب زيدا فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر فتقول هذا معطى زيد درهما ومعطى درهم زيدا.
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كـ "مبتغى جاه ومالا من نهض"
يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة الجر والنصب
نحو:

(3/118)


هذا ضارب زيد وعمرو وعمرا فالجر مراعاة للفظ والنصب على إضمار فعل وهو الصحيح والتقدير ويضرب عمرا أو مراعاة لمحل المخفوض وهو المشهور وقد روى بالوجهين قوله:
264 - الواهب المائة الهجان ... وعبدها عوذا تزجى بينها أطفالها

(3/119)


بنصب عبد وجره وقال الآخر:
265 - هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق
بنصب عبد عطفا على محل دينار أو على إضمار فعل والتقدير أو تبعث عبد رب.

(3/120)


وكل ما قرر لأسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل
فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه ك المعطى كفافا يكتفى
جميع ما تقدم في اسم الفاعل من أنه إن كان مجردا عمل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال بشرط الاعتماد وإن كان بالألف واللام عمل مطلقا يثبت لاسم المفعول فتقول أمضروب الزيدان الآن أو غدا أو جاء المضروب أبوهما الآن أو غدا أو أمس وحكمه في المعنى والعمل حكم الفعل المبني للمفعول فيرفع المفعول كما يرفعه فعله فكما تقول ضرب الزيدان تقول أمضروب الزيدان وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر نحو: المعطى كفافا

(3/121)


يكتفى فالمفعول الأول ضمير مستتر عائد على الألف واللام وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل وكفافا المفعول الثاني.
وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى كـ "محمود المقاصد الورع"
يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعا به فتقول في قولك زيد مضروب عبده زيد مضروب العبد فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به ومثله الورع محمود المقاصد والأصل الورع محمود مقاصده ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل فلا تقول مررت برجل ضارب الأب زيدا تريد ضارب أبوه زيدا.

(3/122)