شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك الإدغام
أول مثلين محركين في ... كلمة أدغم لا كمثل صفف
وذلل وكلل ولبب ... ولا كجسس ولا كاخصص أبي
ولا كهيلل وشذ في ألل ... ونحوه فك بنقل فقبل
إذا تحرك المثلان في كلمة أدغم أولهما في ثانيهما إن لم يتصدرا ولم يكن
ما هما فيه اسما على وزن فعل أو على وزن فعل أو فعل أو فعل ولم يتصل
أول المثلين بمدغم ولم تكن حركة الثاني منهما عارضة ولا ما هما فيه
ملحقا بغيره.
(4/248)
فإن تصدرا فلا إدغام كددن وكذا إن وجد واحد
مما سبق ذكره فالأول كصفف ودرر والثاني كذلل وجدد والثالث ككلل ولمم
والرابع كطلل ولبب والخامس كجسس جمع جاس والسادس كاخصص أبي وأصله اخصص
أبي فنقلت حركة الهمزة إلى الصاد وحذفت الهمزة والسابع كهيلل أي أكثر
من قول لا إله إلا الله ونحوه قردد ومهدد.
فإن لم يكن شيء من ذلك وجب الإدغام نحو رد وضن أي بخل ولب والأصل ردد
وضنن ولبب.
وأشار بقوله وشذ في ألل ونحوه فك بنقل فقبل إلى أنه قد جاء الفك في
ألفاظ قياسها وجوب الإدغام فجعل شاذا يحفظ ولا يقاس عليه نحو ألل
السقاء إذا تغيرت رائحته ولححت عينه إذا النصقت بالرمص.
(4/249)
وحبى أفكك وادغم دون حذر ... كذاك نحو
تتجلى واستتر
أشار في هذا البيت إلى ما يجوز فيه الإدغام والفك وفهم منه أن ما ذكره
قبل ذلك واجب الإدغام.
والمراد بحيى ما كان المثلان فيه ياءين لازما تحريكهما نحو حيى وعيى
فيجوز الإدغام نحو حي وعى فلو كانت حركة أحد المثلين عارضة بسبب العامل
لم يجز الإدغام اتفاقا نحو لن يحيى.
(4/250)
وأشار بقوله كذلك نحو تتجلى واستتر إلى أن
الفعل المبتدأ بتاءين مثل تتجلى يجوز فيه الفك والإدغام فمن فك وهو
القياس نظر إلى أن المثلين مصدران ومن أدغم أراد التخفيف فيقول أتجلى
فيدغم أحد المثلين في الآخر فتسكن إحدى التاءين فيؤتى بهمزة الوصل
توصلا للنطق بالساكن.
وكذلك قياس تاء استتر الفك لسكون ما قبل المثلين ويجوز الإدغام فيه بعد
نقل حركة أول المثلين إلى الساكن نحو ستر يستر ستارا.
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر ... فيه على تا كتبين العبر
(4/251)
يقال في تتعلم وتتنزل وتتبين ونحوها تعلم
وتنزل وتبين بحذف إحدى التاءين وإبقاء الأخرى وهو كثير جدا ومنه قوله
تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} .
وفك حيث مدغم فيه سكن ... لكونه بمضمر الرفع اقترن
نحو حللت ما حللته وفي ... جزم وشبه الجزم تخيير قفى
(4/252)
إذا اتصل بالفعل المدغم عينه في لامه ضمير
رفع سكن آخره فيجب حينئذ الفك نحو حللت وحللنا والهندات حللن فإذا دخل
عليه جازم جاز الفك نحو لم يحلل ومنه قوله تعالى: {مَنْ يَحْلِلْ
عَلَيْهِ غَضَبِي} وقوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}
والفك لغة أهل الحجاز وجاز الإدغام نحو لم يحل ومنه قوله تعالى:
{وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ} في سورة الحشر وهي لغة تميم والمراد بشبه
الجزم سكون الآخر في الأمر نحو احلل وإن شئت قلت حل لأن حكم
الأمر كحكم المضارع المجزوم.
وفك أفعل في التعجب التزم ... والتزم الإدغام أيضا في هلم
ولما ذكر أن فعل الأمر يجوز فيه وجهان نحو احلل وحل استثنى من ذلك
شيئين:
أحدهما: أفعل في التعجب فإنه يجب فكه نحو أحبب بزيد وأشدد ببياض وجهه
الثاني: هلم فإنهم التزموا إدغامه والله سبحانه وتعالى أعلم.
(4/253)
وما بجمعه عنيت قد كمل ... نظما على جل
المهمات اشتمل
أحصى من الكافية الخلاصه ... كما اقتضى غنى بلا خصاصه
فأحمد الله مصليا على ... محمد خبر نبي أرسلا
وآله الغر الكرام البررة ... وصحبه المنتخبين الخيرة
(4/254)
خاتمة
قال أبو رجاء محمد محيى الدين عبد الحميد عفا الله عنه وغفر له
ولوالديه والمسلمين:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبمحض إحسانه وتيسيره تكمل الحسنات
والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله خاتم النبيين وعلى آله
وصحبه الذين بهداهم نهتدي وعلى ضوء حجتهم نعبر الطريق إلى الفوز برضوان
الله تعالى ومحبته.
وبعد فقد كمل بتوفيق الله وحسن تأييده ما وقفنا الله له من تحقيق مباحث
وشرح شواهد شرح الخلاصة الألفية لقاضي القضاة بهاء الدين ابن عقيل شرحا
موجزا على قدر ما يحتاج إليه المبتدئون وقد كان مجال القول ذا سعة لو
أننا أردنا أن نتعرض للأقوال ومناقشتها وتفصيل ما أجمل المؤلف منها
وإيضاح ما أشار إليه من أدلتها ولكننا اجتزأنا من ذلك كله باللباب وما
لا بد من معرفته مع إعراب أبيات الألفية إعرابا مبسوطا سهل العبارة
لئلا يكون لمتناول الكتاب من بعد هذا كله حاجة إلي أن يصطحب مع هذه
النسخة كتابا آخر من الكتب التي لها ارتباط بالمتن أو شرحه وقد تم ذلك
كله في منتصف ليلة التاسع من شهر رمضان المعظم من سنة خمسين وثلثمائة
وألف من هجرة أشرف الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والله المسئول
أن ينفع بعملي هذا وأن يجعله خالصا لوجهه وأن يجنبني الغرور ويحول بيني
وبين العجب والزلل آمين.
(4/255)
وكان من توفيق الله تعالى أن أقبل الناس
على قراءة هذه النسخة حتى نفدت طبعتها الأولى في وقت قريب فلما كثر
الرجاء لإعادة طبعه أعملت في تعليقاتي يد الإصلاح فزدت زيادات هامة
وتداركت ما فرط مني في الطبعة السابقة وأكثرت من وجوه التحسين لأكافئ
بهذا الصنيع أولئك الذين رأوا في عملي هذا ما يستحق التشجيع والتنويه
به ثم كان من جميل الصدفة أنني فرغت من مراجعة الكتاب قبل منتصف ليلة
الثلاثاء الرابع عشر من شهر رمضان المعظم من سنة أربع وخمسين وثلثمائة
وألف من هجرة الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والله تعالى المسئول أن يوفقني إلى ما يحبه ويرضاه آمين.
وها هي ذي الطبعة الخامسة عشرة أقدمها إلى الذين ألحوا علي في إعادة
طبع الكتاب في وقت نذر فيه الورق الجيد واستعصى شراؤه على الناس بأضعاف
ثمنه وقد أبيت إلا أن أزيد في شرحي زيادات ذات بال وتحقيقات قلما يعثر
عليها القارئ إلا بعد الجهد وقد تضاعف بها حجم الكتاب فلا غرو إن أعلنت
أنه قد تلاقت في هذا الكتاب كتب فأغني عنها جميعا في حين أنه لا يغني
عنه شيء منها.
رب وفقني إلى الخير إنه لا يوفق إلى الخير سواك.
كتبه
محمد محيي الدين عبد الحميد
(4/256)
|