شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو

باب إعمال اسم الفاعل
مدخل
...
باب إعمال اسم الفاعل:
عمل فعله في التعدي واللزوم:
"وهو ما دل على الحدث والحدوث1 وفاعله", فالدال على الحدث بمنزلة الجنس يشمل جميع الأوصاف والأفعال. "فخرج بـ" ذكر2 "الحدوث3" اسم التفضيل "نحو: أفضل و" الصفة المشبهة "نحو: حسن، فإنهما" لا يدلان على الحدوث، "وإنما يدلان على الثبوت، وخرج بذكر: فاعله" اسم مفعول "نحو: "مضروب، و" الفعل نحو: "قام" فإن اسم المفعول إنما يدل على المفعول لا على الفاعل، والفعل إنما يدل على الحدث والزمان بالوضع، لا على الفاعل، وإنما دل عليه بالالتزام.
وفي غالب النسخ تقديم الحدوث على الحدث، والصواب خلافه؛ لأن الفصل لا يتقدم على الجنس في اصطلاح أهل الميزان "فإن كان" اسم الفاعل "صلة لـ"أل" عمل" عمل فعله "مطلقًا"، ماضيًا كان أو غيره، معتمدًا أو غير معتمد، تقول: جاء الضارب زيدًا أمس أو الآن أو غدًا، وذلك لأن "أل" هذه موصولة "وضارب" حال محل "ضرب" إن أريد المضي، أو "يضرب" إن أريد غيره، والفعل في جميع الحالات، فكذا ما حل محله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
431-
وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي
__________
1 سقطت من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "بالحدث".

(2/11)


"وإن لم يكن " اسم الفاعل صلة لـ"أل" "عمل" عمل فعله "بشرطين" عدميين، وبشرطين وجوديين: فالعدميان: أحدهما: أن لا يوصف، والثاني: أن لا يصغر، خلافًا للكسائي فيهما. والوجوديان:
"أحدهما: كونه للحال أو للاستقبال"؛ لأنه إنما عمل حملا على المضارع؛ لما بينهما من الشبه اللفظي والمعنوي؛ "لا للماضي"؛ لأنه لم يشبه لفظ الفعل الذي هو بمعناه، "خلافًا للكسائي" في إجازة عمله بمعنى الماضي، وتبعه على ذلك هشام وأبو جعفر وجماعة، واستدلوا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18] وجه الدلالة منه أن "باسط" بمعنى الماضي وعمل في "ذراعيه" النصب. "وقال" المانعون: "لا حجة له ولهم في "باسط ذراعيه" لأنه على" إرادة "حكاية الحال" الماضية، "فالمعنى: يبسط ذراعيه", فيصح وقوع المضارع موقعه "بدليل" أن الواو في "وكلبهم" واو الحال؛ إذ يحسن أن يقال: جاء زيد وأبوه يضحك، ولا يحسن: وأبوه ضحك؛ "و" لذا قال سبحانه وتعالى: {وَنُقَلِّبُهُم} [الكهف: 18] بالمضارع الدال على الحال. "ولم يقل: وقلبناهم"، بالماضي، ومحل الخلاف في رفعه الظاهر ونصبه المفعول به، أما رفع الوصف الماضي الضمير المستتر فجائز اتفاقًا.
"و" الشرط الثاني: "اعتماده على استفهام أو نفي أو مخبر عنه أو موصوف" أو ذي حال؛ فالاستفهام والنفي "نحو: أضارب زيد عمرًا، وما ضارب زيد عمرًا، و" المخبر عنه نحو: "زيد ضارب أبوه عمرًا، و" الموصوف نحو: "مررت برجل ضارب أبوه عمرا" وذي الحال نحو: جاء زيد راكبا أبوه فرسًا.
"والاعتماد على المقدر" من الاستفهام والنفي والمخبر عنه والموصوف وذي الحال. "كالاعتماد على الملفوظ به" من ذلك "نحو: مهين زيد عمر أم مكرمه" فـ"مهين" رفع زيدا ونصب عما اعتمادًا على الاستفهام المقدر "أي: أمهين، ونحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69] فـ"مختلف" رفع "ألوانه" اعتمادا على الموصوف المقدر "أي: صنف مختلف ألوانه، وقوله"؛ وهو الأعشى ميمون: "من البسيط"
586-
كناطح صخرة يومًا ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
__________
586- البيت للأعشى في ديوانه ص111، وتاج العروس "وعل"، وشرح ابن الناظم ص302، والمقاصد النحوية 3/ 529، وبلا نسبة في الأغاني 9/ 149، وأوضح المسالك 3/ 218، والرد على النحاة، 74، وشرح الأشموني 2/ 341، وشرح شذور الذهب ص390، وشرح ابن عقيل 2/ 109، وشرح الكافية الشافية 2/ 1030.

(2/12)


فـ"ناطح" نصب "صخرة" اعتمادًا على الموصوف المقدر؛ أي: كوعل ناطح.
والوعل، بفتح الواو مع فتح العين المهملة أو كسرها، كـ: فرس أو كتف، وقد يقال بضم الواو وكسر العين، كـ: دئل، وهو نادر، والمراد به هنا: تيس الجبل، بجيم وموحدة مفتوحتين، ويقال له الأيل، بفتح الهمزة وتشديد الياء المثناة آخر الحروف المكسورة. ويوهنها: يزعزعها.
"ومنه" أي: من الاعتماد على الموصوف المقدر: "يا طالعًا جبلا" فـ"طالعًا" نصب "جبلا" لاعتماده على الموصوف المقدر أي: يا رجلا طالعًا، وقول ابن مالك في النظم:
429-
............... او حرف ندا ... أو نفيًا او جا صفه أو مسندا
تصريح منه "أنه اعتمد على حرف النداء"، وذلك "سهو" لأن المعتمد عليه ما يقرب الوصف من الفعل، وحرف النداء لا يصلح لذلك "لأنه مختص بالاسم" لكونه من علاماته، فكيف يكون مقربًا من الفعل؟ " قاله ابن الناظم بمعناه1، وإلى هذين الشرطين أشار الناظم بقوله:
428-
كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل
429-
وولي استفهامًا او حرف ندا ... أو نفيًا او جا صفه أو مسندا
وأشار إلى الاعتماد على المقدر بقوله:
وفي المغني2: أن اشتراط الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب لا لمطلق العمل بدليلين: أحدهما: أنه يصح: زيد قائم أبوه أمس، والثاني: إنهم لم يشترطوا لصحة نحو: أقائم الزيدان، كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، انتهى. وذهب الأخفش إلى أنه يعمل وإن لم يعتمد على شيء من ذلك، واستدل بنحو قوله: [من الطويل] .
587-
خبير بنو لهب................. ... .................................
البيت ... وتقدم في باب المبتدأ أنه محمول على التقديم والتأخير.
__________
1 شرح ابن الناظم ص301.
2 مغني اللبيب 2/ 470.
587- تقدم تخريجه برقم 138 وتمامه:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيًا ... مقالة اللهبي إذا الطير مرت

(2/13)


فصل:
"تحول1 صيغة فاعل للمبالغة" في الفعل "والتكثير" فيه "إلى" خمسة أوزان: "فعال"، بفتح الفاء وتشديد العين، كـ: ضراب، "أو فعول"، بفتح الفاء، كـ: ضروب، "أو: مفعال"، بكسر الميم، كـ: مضراب، "بكثرة"، وإليها أشار الناظم بقوله:
432-
فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن فاعل بديل
"وإلى: فعيل" بفتح الفاء وكسر العين وبعدها ياء كـ: ضريب، "أو: فعل" بفتح الفاء وكسر العين من غير ياء، كـ: ضرب، "بقلة"، وإليهما أشار الناظم بقوله:
433-
.......................... ... وفي فعيل قل ذا وفعل
وتسمى هذه الخمسة أمثلة المبالغة، "فيعملن عمله بشروطه" المتقدمة، وإلى ذلك يشير قول الناظم.
433-
فيستحق ما له من عمل ... ...............................
"قال" القلاخ بالقاف المضمومة وبالخاء المعجمة: [من الطويل]
588-
أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا
فنصب "جلالها" بـ: لباس، لاعتماده على صاحب الحال، وذلك لأن "أخا الحرب" و"لباس" حالان تقدم صاحبهما في البيت قبله2، وأراد بـ: الجلال؛ بالجيم؛ ما
__________
1 في "ب": "تحويل".
588- البيت للقلاخ بن حزن في خزانة الأدب 8/ 157، والدرر 2/ 318، وشرح أبيات سيبويه 1/ 363، وشرح المفصل 6/ 79، 80، والكتاب 1/ 111، ولسان العرب 11/ 83 "ثعل"، والمقاصد النحوية 3/ 535، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 319، وأوضح المسالك 3/ 220، وشرح ابن الناظم ص303، وشرح الأشموني 1/ 342، وشرح التسهيل 3/ 79، وشرح شذور الذهب ص392، وشرح ابن عقيل 2/ 112، وشرح الكافية الشافية 2/ 1032، والمقتضب 2/ 113، وهمع الهوامع 2/ 96.
2 البيت هو:
فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا
انظر المقاصد النحوية 3/ 535.

(2/14)


يلبس في الحرب من الدروع والجواشن، والولاج: مبالغة في "والج" من الولوج: وهو الدخول، والخوالف؛ بالخاء المعجمة: جمع خالفة، وهي في الأصل عماد البيت، وأراد بها البيت نفسه. وأعقلا؛ بالعين المهملة وبالقاف: من العقل، يقال: أعقل الرجل، إذا اضطربت رجلاه من الفزع، ونصبه على الحال أو على الخيرية لـ: ليس، إن لم يمنع تعداد خبرها. والمراد أنه ثابت القدم في الحرب. وبينه وبينها مؤاخاة؛ وإذا قامت الحرب لا يلج البيت ولا يستتر فيه، بل يظهر ويحارب.
"وقال" أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرثية ختنه أبي أمية بن المغيرة المخزومي: [من الطويل] .
589-
ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادا فإنك عاقر
فنصب "سوق" جمع "ساق" بـ: ضروب؛ لاعتماده على ذي خبر محذوف؛ أي: هو ضروب، أو: أنت ضروب. ونصل السيف: شفرته؛ ولذلك أضافه إلى السيف، وقد يسمى السيف كله نصلا. والمراد: أنه كان يعرقب الإبل السمان للضيفان عند عدم الزاد.
"وحكى سيبويه" بمعناه: "إنه لمنحار بوائكها1"، فنصب "بوائكها" جمع "بائكة" وهي السمينة الحسناء من النوق؛ بـ: منحار؛ بالحاء المهملة، مبالغة في "ناحر" لاعتماده على مخبر عنه وهو اسم "إن". "وقال" عبيد الله بن قيس الرقيات: [من الطويل]
590-
فتاتان أما منهما فشبيهة هلالا ... وأخرى منهما تشبه البدرا
فنصب "هلالا" بـ: شبيهة، مبالغة في "مشبهة" لاعتمادها على ذي خبر محذوف، تقديره: أما فتاة منهما فشبيهة هلالا. "وقال" زيد الخيل؛ سمي بذلك لأنه كان له
__________
589- البيت لأبي طالب بن عبد المطلب في خزانة الأدب 4/ 242، 245، 8/ 146، 147، 157، والدرر 2/ 319، وشرح أبيات سيبويه 1/ 70، وشرح شذور الذهب ص393، وشرح المفصل 6/ 70، والكتاب 1/ 111، والمقاصد النحوية 3/ 539، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 221، وشرح الأشموني 2/ 342، وشرح قطر الندى ص275، والمقتضب 2/ 114، وهمع الهوامع 2/ 97.
1 الكتاب 1/ 112، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص303، وشرح ابن عقيل 2/ 113.
590- البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص34، وفيه: "الشمسا" مكان "البدرا" وشرح التسهيل 3/ 81، وشرح الكافية الشافية 2/ 1037، وشرح ابن الناظم ص304، وشرح عمدة الحافظ ص680، والمقاصد النحوية 3/ 542.

(2/15)


خمسة أفراس مشهورة فأضيف إليها، وسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد الخير؛ بالراء: [من الوافر]
591-
أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد
فنصب "عرضي" بـ: مزقون، جمع "مزق" بالزاي، مبالغة في "مازق" لاعتماده على اسم "أن المفتوحة على الفاعلية لـ: أتاني.
وعرض الرجل: جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه، والجحاش، بجيم ثم حاء مهملة وآخره شين معجمة، جمع جحش؛ وهو الصغير من الحمير؛ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم جحاش، والكرملين؛ بكسر الكاف وفتح اللام: اسم ماء في جبل طيئ، والفديد؛ بالفاء، الصياح والتصويت.
يقول: إن هؤلاء القوم عندي بمنزلة جحوش هذا الموضع الذي يصوت عنده. وإعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع والحمل على أصلها، وهو اسم الفاعل؛ لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة، ولم يجز الكوفيون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها، ويرد عليهم قول العرب: أما العسل فأنا شراب1.
ولم يجز بعض البصريين إعمال فعيل وفعل، وأجاز الجرمي إعمال فعل دون فعيل؛ لأنه على وزن الفعل، كـ: علم وفهم وفطن.
__________
591- البيت لزيد الخيل في ديوانه ص176، وخزانة الأدب 8/ 169، والدرر 2/ 319، وشرح ابن الناظم ص305، وشرح شذور الذهب ص394، وشرح عمدة الحافظ ص680، وشرح المفصل 6/ 73، والمقاصد النحوية 3/ 545، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 224، وشرح الأشموني 2/ 342، وشرح ابن عقيل 2/ 115، وشرح قطر الندى ص275، والمقرب 1/ 128.
1 الكتاب 1/ 111، وشرح ابن عقيل 2/ 111، وشرح ابن الناظم ص303.

(2/16)


فصل:
"تثنية اسم الفاعل وجمعه" تصحيحًا وتكسيرًا وتذكيرًا وتأنيثًا، "وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها كمفردهن في العمل والشروط"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
434-
وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل
"قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ} " [الأحزاب: 35] فـ: الذاكرين: جمع ذاكر، وفاعله مستتر فيه، والجلالة: منصوبة به، ولا يحتاج إلى شرط لاقترانه بـ"أل".
"وقال الله تعالى: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} " [الزمر: 38] فـ: كاشفات: جمع كاشفة، وفاعلها مستتر فيها، وضره: مفعولها، وهي معتمدة على المخبر عنه وهو: هن.
"وقال" تعالى: " {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} " [القمر: 7] فـ: خشعًا؛ جمع خاشع؛ جمع تكسير في قراءة غير أبي عمرو وحمزة والكسائي1، وأبصارهم: فاعل به لاعتماده على صاحب الحال.
"وقال" عنترة العبسي: [من الكامل]
592-
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إلا لم القهما دمي
فـ"دمي": منصوب بـ: الناذرين، هما تثنية "ناذر" بالذال المعجمة، وأراد بهما ابني ضمضم؛ حصينا ومرة، وأراد بـ"دمي": قتلي. والمعنى أنهما ينذران على أنفسهما في الخلاء أنهما إذا لقياه قتلاه، فإذا لقياه أمسكا عنه هيبة له وجبنا منهما. "وقال" طرفة بن العبد: [من الرمل]
__________
1 هي قراءة الأعرج وقتادة والجمهور، أما أبو عمرو وحمزة والكسائي فقرءوا: "خاشعًا" بالإفراد. انظر المحيط 8/ 175، والنشر 2/ 380.
592- البيت لعنترة في ديوانه 222، والأغاني 9/ 212، والشعر والشعراء 1/ 259، ومعاني القرآن للأخفش 1/ 388، والمقاصد النحوية 3/ 551، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 225، وشرح الأشموني 2/ 309.

(2/17)


593-
ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
"غفر1" بضم الغين والفاء: "جمع: غفور" من أمثلة المبالغة، وفاعله مستتر فيه، "وذنبهم: مفعوله"، واعتماده على اسم "أن" المفتوحة على تقدير الباء، وفخر؛ بالخاء المعجمة: جمع "فخور" من الافتخار. ومعناه: أنهم زادوا على غيرهم بأنهم لا يفخرون بشرفهم، ولا يعجبون بنفوسهم، ولكنهم يتواضعون للناس. ويروى "فجر" بالجيم، جمع "فجور" من الفجور، وهو الكثير الفسق، ويقع على القليل والكثير يقال: فجر الرجل: إذا كذب. ومعناه: أنهم لا يفسقون ولا يكذبون. قاله ابن السيد في شرح أبيات الجمل.
__________
593- البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص55، وخزانة الأدب 8/ 188، والدرر 2/ 321، وشرح ابن الناظم ص305، وشرح أبيات سيبويه 1/ 68، وشرح التسهيل 3/ 80، وشرح عمدة الحافظ ص682، وشرح الكافية الشافية 2/ 1041، وشرح المفصل 6/ 74، 75، والكتاب 1/ 113، والمقاصد النحوية 3/ 548، ونوادر أبي زيد ص10، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص357، وأوضح المسالك 3/ 227، وشرح الأشموني 2/ 343، وشرح ابن عقيل "2/ 117، وهمع الهوامع 2/ 97.
1 سقطت من "ب".

(2/18)


فصل:
"يجوز في الاسم الفضلة الذي يتلو الوصف العامل أن ينتصب به" أي: بالوصف، "وأن ينخفض بإضافته إليه" للتخفيف، مفردًا كان الوصف أو جمعًا، "وقد قرئ" في السبع: " {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] و: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] ؛ بالوجهين" النصب والخفض؛ فالنصب على المفعولية، والخفض بالإضافة، فالآية الأولى قرأها حفص بالخفض1، والباقون بالنصب2، والثانية قرأها غير أبي عمرو بالخفض1، وأبو عمرو وحده بالنصب3، وإليه أشار الناظم بقوله:
435-
وانصب بذي الإعمال تلوا واخفض ... ...........................................
"وأما ما عد التالي" للوصف "فيجب نصبه" لتعذر الإضافة بالفصل بالتالي, وإليه يشير قول الناظم:
543-
.................................. ... وهو لنصب ما سواه مقتضي
"نحو: خليفة، من قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} " [البقرة: 30] وفي بعض النسخ: "وسكنا" من: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] والصواب حذفها؛ لأن الوصف فيها غير عامل كما يأتي على الأثر، وإذا أتبع المجرور بالوصف بأحد التوابع الخمسة "فالوجه جر التابع على اللفظ، فتقول: هذا ضارب زيد وعمرو"، بالخفض عطفًا على لفظ زيد، "ويجوز نصبه بإضمار وصف منون، أو فعل اتفاقًا" أي: وضارب عمرًا، أو يضرب عمرًا، "و" يجوز نصبه "بالعطف على المحل عند بعضهم"، وهم الكوفيون
__________
1 أي كما في الرسم المصحفي.
2 قرأها بالنصب: نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف.
انظر الإتحاف ص418، ومعاني القرآن للفراء 3/ 163، والنشر 2/ 288.
3 ليس أبو عمرو وحده قرأها بالنصب، فقد قرأها مثله: عاصم والكسائي والحسن وابن محيصن وشيبة وشعبة ويعقوب والأعرج ويحيى بن وثاب. انظر الإتحاف ص376، والبحر 7/، ومعاني القرآن للفراء 2/ 420، والنشر 2/ 363.

(2/19)


وطائفة من البصريين، خلافًا لسيبويه وجمهور البصريين، ويحتمل المذهبين قول الناظم:
436-
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاه ومالا من نهض
"ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل" بأن1 كان بمعنى الماضي، "فينصب: الشمس في: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ} [الأنعام: 96] بإضمار: جعل" أي: بإضمار فعل مناسب لمعنى الوصف "لا غير"؛ أي: لا غير الفعل يجوز إضماره، فليس لك أن تجعلها منصوبة بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف المذكور غير عامل؛ لكونه بمعنى الماضي، "إلا إن قدر "جاعل" على حكاية الحال"، فيجوز نصبها بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل "الليل" لأن "جاعل" على هذا عامل لكونه بمعنى "يجعل".
وأما إذا كان اسم الفاعل بمعنى الاستمرار في جميع الأزمنة ففي إضافته اعتباران: أحدهما: أنها محضة، باعتبار معنى المضي فيه، وبهذا الاعتبار يقع صفة للمعرفة ولا يعمل.
وثانيهما: أنها غير محضة باعتبار معنى الحال أو الاستقبال، وبهذا الاعتبار يقع صفة للنكرة، ويعمل فيما أضيف إليه. قال اليمني في شرح الكشاف2.
فعلى هذا يجوز أن تكون "الشمس" معطوفة على محل "الليل" باعتبار عمل "جاعل" فيه لصدقه على الحال والاستقبال، وأن تكون منصوبة بإضمار فعل ماض، باعتبار عدم عمله فيه، لصدقه على الماضي، وعلى هذا يحمل تجويز الزمخشري كون "الشمس" معطوفة على محل "الليل".
تنبيه: إذا قصد باسم الفاعل معنى الثبوت عومل معاملة الصفة المشبهة في رفع السببي؛ ونصبه على التشبيه بالمفعول به، إذا كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، وجره بالإضافة، وهو في ذلك على ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يجوز ذلك فيه اتفاقًا، وهو ما أخذ من فعل قاصر كـ: طاهر القلب.
والثاني: ما يمتنع ذلك فيه اتفاقًا، وهو ما يتعدى لأكثر من واحد.
والثالث: ما اختلف فيه، وهو ما يتعدى لواحد؛ فقال الأخفش بالجواز مطلقًا، وبعضهم بالمنع مطلقًا، وقال ابن عصفور وابن أبي الربيع: إن حذف مفعوله
__________
1 سقطت من "ب".
2 كشف غوامض الكشاف ص140.

(2/20)


اقتصارًا جاز، وإلا امتنع، وهو الصحيح الذي يشهد به القياس والاستعمال. وشرط ابن مالك فيه أمن اللبس1، كقولك: فلان ظالم العبيد، أي أن عبيده ظالمون، وذلك إذا قتله مثلا بعد قول القائل: ليس عبيد فلان ظالمين، فحينئذ يجوز: ظالم العبيد، بالرفع، وظالم العبيد، بالنصب، وظالم العبيد، بالجر، كما في: الحسن الوجه، برفع الوجه ونصبه وخفضه، وشاهده من اللازم قول عبد الله بن رواحة: [من الطويل]
594-
تباركت أني من عذابك خائف ... وأني إليك تائب النفس باخع
وشاهده من المتعدي لواحد قول الآخر: [من البسيط]
595-
ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
__________
1 التسهيل ص141.
594- البيت لعبد الله بن رواحة في شرح التسهيل 3/ 91، 104، وبلا نسبة في الدرر 2/ 334، وهمع الهوامع 2/ 99، 101.
595- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 335، وشرح الأشموني 2/ 346، وشرح التسهيل 3/ 104، والمقاصد النحوية 3/ 618، وهمع الهوامع 2/ 101.

(2/21)