شرح الكافية الشافية

باب: النائب عن الفاعل
"ص":
ينوب عن فاعل المفعول به ... في كل ما له كـ"حيز المشتبه"
بشرط حذف فاعل1 وتهيئة ... تكون في الفعل بهذا2 منبئة
فالأول اضمم مطلقا وما يلي3 ... آخره اكسر في مضي كـ"ملي"
واجعله من مضارع منفتحا ... كـ"يَنتحِي" المقول فيه "يُنتحَى"
والثاني التالي تا المطاوعة ... كالأول اجعله بلا منازعة4
__________
1 هـ "فاعل حذف".
2 ع ك "بها منبئة".
3 هـ "والذيلي".
4 هـ "بلا مضارعة".

(2/602)


وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه كـ"استحلي"
"ش": قد يحذف الفاعل لكونه معلوما، أو مجهولا، أو عظيما، أو حقيرا أو لغير ذلك.
فينوب عنه فيما كان له من رفع، واعتناء1 وغير ذلك المفعول به مسندا إليه فعل مهيأ بهيئة تنبئ عن النيابة، أو اسم في معناه.
وتهيئة الفعل لذلك بضم أوله مطلقا وفتح ما قبل آخره إن كان مضارعا، وبكسره إن كان ماضيا.
ويشترك2 في الضم ثاني ما أوله تاء المطاوعة كـ"تعلم العلم" و"تسربل القميص"3.
وثالث ما أوله همزة وصل كـ"انطلق بزيد"، و"استمع الحديث"، و"استخرج الشيء"، و"استحلي المشروب"4.
"ص":
واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل ... عينا، وضم جا كـ"بوع" فاحتمل5
__________
1 هـ "واغتناء".
2 هكذا في الأصل. وفي باقي النسخ و"يشترك".
3 ع وك "بالقميص".
4 ع وك "الشراب".
5 س ط هـ جاء الشطر التالي كما يلي:
..................................... ... عينا، وضم جا كقول المرتجل
وجاء بعده:
ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت

(2/603)


وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لـ"باع" قد يرى لنحو: "حب"1
وتلو ساكن "افتعلت" و"انفعل" ... للكسر والإشمام والضم محل
إن تعتلل2 عيناهما فـ"اعتيدا" ... في "اعتاد" قل و"انقاد" رد "انقيدا"
"ش": إذا قصد بناء الفعل الماضي لما لم يسم فاعله، وهو ثلاثي معتل العين كسر أوله، ووليه ياء ساكنة كقولك في "باع" و"قال": "بيع" و"قيل" والأصل: بيع وقول.
فحركت الفاء بكسرة العين وسكنت تخفيفا فسلمت الياء لسكونها بعد حركة تجانسها.
وانقلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة، فصار اللفظ بما أصله الواو كاللفظ بما أصله الياء.
وكثير من العرب يشير إلى الضم مع التلفظ بالكسرة،
__________
1 سقط هذا البيت من طـ وهـ. وبقي في س وفي باقي النسخ.
2 ع "يعتلل".

(2/604)


ولا يغير الياء وقد1 قرأ بهذه اللغة نافع2 وابن عامر والكسائي في بعض الأفعال ويسمى إشماما.
وبعض العرب يخلص ضمة الفاء فتنقلب الياء واوا لسكونها بعد ضمة وتسلم الواو لسكونها بعد حركة تجانسها، مثال ذلك في الباء قول الراجز أنشده الفراء:
320-
ليت وهل ينفع شيئا ليت
321-
ليت شبابا بوع3 فاشتريت
ومثال ذلك فيما أصله واو فسلمت قول الراجز:
322-
حوكت على نيرين4 إذ تحاك
323-
تختبط الشوك ولا تشاك
__________
1 ع وسقط "قد".
2 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة سبق التعريف به.
3 ع "بيع".
4 ع "نولين" ولعل هذا الخطأ جاء من أن ناسخ ع كان يعتمد على ك.
وفي ك كتب الناسخ فوق قول الراجز "نيرن": "نولين" ليفسر المعنى فظنه ناسخ ع أنه إصلاح خطأ.
320، 321- ينسب هذا الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في زيادات الديوان مع أبيات أخرى يصف فيها الراجز جذبه للدلو "ملحقات الديوان ص171".
322، 323- هذا رجز مجهول القائل، وقد ينسب إلى رؤية وليس في ديوانه ولا ملحقاته وهو من الرجز المسدس "العيني 2/ 526". حوكت: نسجت النير -بكسر النون- لحمة الثوب. يقال هذا ثوب ذو نيرين إذا كان محكما تختبط الشوك: تضربه بعنف، لا تشاك: لا يضرها الشوك.

(2/605)


[وقد يعرض بالكسرة أو الضمة التباس فعل المفعول بفعل الفاعل فيجب حينئذ إخلاص الضمة نحو: "خفت" مقصودا به: "خشيت" والإشمام وإخلاص الكسرة في "طلت" مقصودا به: "غلبت ... في المطاولة".
ويجوز في فاء الثلاثي المضعف من الكسر والضم والإشمام ما جاز في فاء الثلاثي المعتل العين نحو: "حب الشيء" و"حب" ومن أشم أشم.
وقرأ بعض القراء1: "هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رِدَّتْ إِلَيْنَا"2 -بسكر الراء- وهذا معنى قولي:
وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يرى لنحو: "حب"] 3
فإن كان المعتل العين على "افتعل" كـ"اعتاد" [أو على "انفعل" كـ"انقاد"] 4 فعل بثالثه في بنائه لما لم يسم فاعله ما فعل بأول "باع" و"قال".
__________
1 هو علقمة بن قيس "مختصر ابن خالويه ص64".
2 من الآية رقم "65" من سورة "يوسف".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ وجاء في ع وك.
4 سقط ما بين القوسين من ع.

(2/606)


ولفظ بهمزة الوصل على حسب اللفظ بما قبل حرف العلة كقولك في "اعتاد" و"انقاد": "اعتيد" و"انقيد".
"ص":
وناب مصدر وظرف صرفا ... وخصصا عن فاعل قد حذفا
كذاك حرف الجر والمجرور ... كـ"سير بي"1 و"اليوم" و"المسير"
ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به، وقد يرد
كقول بعض الفصحاء منشدا ... "لم يعن بالعلياء إلا سيدا"
ومثل ذا -أيضا- "ليجزي قوما" ... فاصدع بحق وتوق اللوما
وعلما الكوفة مع أبي الحسن ... في الحكم في اطراد هذا حيث عن
"ش": لما ذكرت نيابة المفعول به عن الفاعل أخذت في بيان ما يشاركه في النيابة عنه وهو: المصدر، والظرف المتصرفان المخصصان والجار والمجرور كقولك: "سير بي، و"سير اليوم" و"سير المسير"2.
__________
1 هـ "كسيري".
2 ع "سيري المسير".

(2/607)


واحترزت بالتصرف مما1 لا يتصرف من المصادر نحو: "معاذ الله"2 ومن الظروف نحو: "إذا".
واحترزت3 بالتخصيص من المبهم منهما نحو: "سرت سيرا ووقتا" فإن نيابتهما عن الفاعل لا تفيد، إذ لا يحصل بذكرهما مزيد على ما فهم من الفعل.
بخلاف ما يكون مختصا نحو: "سرت سيرا شديدا". ووقتا مباركا" فإن ذكرهما يبين معنى لا يفهم بمجرد4 ذكر الفعل، فإسناده إليهما غير خال من فائدة.
[وينبغي أن يفهم من الإشارة في قولي:
كذاك حرف الجر والمجرور ... .............................
أن الصالح للنيابة من حروف الجر هو ما لا يلزم وجها واحدا في الاستعمال كالباء واللام و"من" و"إلى" و"عن" و"على" و"في" لا في ما يلزم وجها واحدا كـ"منذ" و"رب" و"الكاف، وما، وما خص بقسم، أو استثناء] 5.
__________
1 هـ "عما".
2 من الآية رقم "75" من سورة "يوسف".
3 في الأصل "واحترز" وفي باقي النسخ "واحترزت" وهو الموافق لأسلوب المصنف.
4 هـ "لمجرد".
5 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.

(2/608)


ولا يجيز غير الأخفش من البصريين أن ينوب غير المفعول به وهو موجود.
وأجاز ذلك الأخفش1 والكوفيون ويؤيد مذهبهم قراءة بعض القراء2: "ليُجزى قوما بما كانوا يكسبون"3.
فأسند "ليجزي" إلى الجار والمجرور. ونصب "قوما" وهو مفعول به.
ومثل هذه القراءة قول الراجز:
324-
لم يعن بالعلياء إلا سيدا
325-
ولا شجا ذا الغي إلا ذو هدى
__________
1 قال أبو الفتح في الخصائص 1/ 397:
"وأجاز أبو الحسن "ضرب الضرب الشديد زيدا" و"دفع الدفع الذي تعرف إلى محمد دينارا" و"قتل القتل يوم الجمعة أخاك" ونحو هذه المسائل ثم قال:
هو جائز في القياس، وإن لم يرد به الاستعمال".
2 هكذا في الأصل وفي هـ. يزيد بن القعقاع أحد مشايخ نافع وفي ع وك قراءة أبي جعفر.
والإمام أبو جعفر هو يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة تابعي مشهور كبير القدر عرض القرآن على ابن عياش وابن عباس وأبي هريرة وروى عنه نافع وغيره وتوفي سنة 130هـ.
3 من الآية رقم "14" من سورة "الجاثية".
324، 325- هذان بيتان من مشطور الرجز ينسبان لرؤبة، وهما في زيادات الديوان ص173، والبيت الأول في ديوان العجاج ص73 والبيت الثاني في ديوانه ص76 وهذا البيت سقط من هـ.

(2/609)


ومثله قوله الآخر:
326 -
ليس منيبا امرؤ منبه
327-
للصالحات متناس ذنبه
328-
وإنما يرضي المنيب ربه
329-
ما دام معنيا بذكر قلبه
"ص":
وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب "كسا" فيما التباسه أمن
في باب "ظن" و"أرى" المنع اشتهر ... ولا أرى منعا إذا المعنى ظهر
وقول قوم قد ينوب خبر ... من باب "كان" مفرد لا ينصر
وناب تمييز لدى الكسائي ... لشاهد عن القياس نائي
"ش": نيابة المفعول الأول من كل باب جائزة بلا خلاف وكذا نيابة الثاني من باب "كسا".
وأما نيابة الثاني من باب "ظن" فأكثر النحويين يمنعها، والصحيح إجازة ذلك إذا أمن اللبس.
__________
326، 329- من الرجز المسدس لا يعلم له قائل "العيني 2/ 519، التصريح 1/ 291 الأشموني 2/ 68" وقد سقط البيت الثالث من ع.

(2/610)


وكذلك الثاني1 من باب "أعلم".
وحكى ابن السراج2 أن قوما يجيزون نيابة خبر "كان" المفرد3.
وهو فاسد، لعدم الفائدة، ولاستلزامه إخبارا عن غير مذكور، ولا مقدر.
وحكى الكسائي: "خذه مطيوبة به نفس"، و"من الموجوع رأسه، والمسفوه4 رأيه"؟
وأجاز في "امتلأت الدار رجالا": "امتلئ رجال"5.
__________
1 هكذا في جميع النسخ، ولعل المصنف يقصد "الثالث".
2 محمد بن السري السراج أبو بكر، أخذ عن المبرد، وإليه انتهت رياسة النحو من بعده ومات سنة 316هـ.
3 قال ابن السراج في الأصول 1/ 91:
وقد أجاز قوم في "كان زيد قائما" أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون: "كين قائم".
قال أبو بكر:
وهذا عندي لا يجوز من قبل أن "كان" فعل غير حقيقي، وإنما يدخل على المبتدأ والخبر. فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقية، والمفعول غير مفعول على الصحة. فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل. لأنهما غير متغايرين، إذ كانا إلى شيء واحد. لأن الثاني هو الأول في المعنى.
4 هـ "والمسفو وبه".
5 ع "امتلئ رجالا".

(2/611)


"ص":
وما سوى النائب مما علقا ... بالرافع النصب له محققا
كـ"أعلم النعمان بشرا محرما" ... و"أعطي المكسو ثوبا درهما"
ورفع مفعول به لا يلتبس ... مع نصب فاعل رووا فلا تقس
"ش": كما لا يكون للفاعل إلا فاعل واحد، كذلك لا ينوب عن الفاعل إلا شيء واحد إما ظاهر، وإما مضمر.
وما سواه مما يتعلق بالرافع فمنصوب لفظا إن لم يكن جارا ومجرورا وإن يكنه فمنصوب محلا.
وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر كقولهم: "خرق الثوب المسمار".
ومنه قول الأخطل1:
330-
مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر
__________
1 هـ "قول الشاعر".
330- من البسيط قائله الأخطل التغلبي من قصيدة في مدح بني مروان وهجاء جرير وقومه، وهي من أحسن شعره، والرواية في الديوان ص178.
على العيارات هداجون قد بلغت ... نجران أو حدثت سوآتهم هجر
العيارات: جمع عير، الحمار.
القنافذ: جمع قنفذ: حيوان معروف يضرب به المثل في سرى الليل.
هداجون: جمع هداج: السائر سيرا سريعا.
نجران وهجر: موضعان.

(2/612)