شرح الكافية الشافية باب: نعم وبئس وما
جرى مجراها
...
باب: "نعم" و"بئس" وما جرى مجراهما 1
فعلين لا اسمين على الأولى جعل ... "نعم" و"بئس" الأصل فيهما "فَعِل"
واستعمل الأصل و"فِعْل" و"فِعِل". ... الأربع استعملن في نحو: "كحل"
والاسم أيضا هكذا، ففي "فخذ". ... يقال "فخذ" مع "فِخْذ" و"فِخِذ".
كلاهما فعل به الإنشا قصد ... لذلك2 التصريف منهما3 فقد
في "نعم" و"بئس" أربع لغات:
"نعم" و"بئس" وهو الأصل.
__________
1 ش سقط "وما جرى مجراهما"
2 هـ "كذلك".
3 س ش ع "فيهما".
(2/1100)
و"نعم" و"بئس"1 و"نعم" و"بئس" بالإتباع
و"نعم" و"بئس" بالسكون بعد الاتباع.
وهذه اللغات الأربع جائزة في كل ما كان من الأفعال أو الأسماء ثلاثيا،
أوله مفتوح، وثانيه حلقي مكسور.
فيقال في "شهد":2 "شهد" و"شهد" و"شهد"
وكذا يقال في3 "فَخِذ": "فَخْذ" و"فِخِذ" و"فِخْذ"
قال الشاعر:
715-
إذا غاب عنا غاب عنا ربيعنا ... وإن شهد أجدى خيره ونوافله
ومن مجيء "نعم" على الأصل قوله طرفة:
716-
ما أقلت قدم4 إنهم ... نعم الساعون في الأمر المبر
__________
1 هـ "باس"
2 ع "وشهد"
3 ع سقط "في"
4 هـ سقط "قدم"
715- من قصيدة من الطويل قالها الأخطل في مدح بشر بن مروان بن الحكم
ورواية الديوان ص224:
إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا
وإن شهد أجدى فيضه وجداوله
أجدى: أغنى ووسع، والجدا: العطية، والجداء: الغناء والنفع.
الجداول: مجاري الماء
716- من الرمل من قصيدة لطرفة بن العبد "الديوان ص58".
ورواية الديوان
خالتي والنفس قدما أتهم ... نعم الساعون في القوم الشطر
والبيت متعلق ببيت قبله هو:
ففداء لبني قيس على ... ما أصاب الناس من سر وضر
ما أقلت: ما ارتفعت، والإقلال: الرفع.
(2/1101)
وحكى أبو علي: "بيس" -بفتح الباء، وياء
ساكنة-
و"نعم" و"بئس" فعلان غير متصرفين.
ويدل على فعليتهما اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما في كل اللغات،
واتصال ضمير الرفع بهما في لغة حكاها الكسائي.
والقول بفعليتهما هو قول البصريين، والكسائي.
وزعم الفراء، وأكثر1 الكوفيين أنهما اسمان2
واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجر عليهما كقول بعض العرب لمن بشره ببنت:
"والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة"3 وكقول بعضهم، نعم
السير على بئس العير.
ولا حجة في هذا؛ لأن حرف الجر قد4 يدخل5 على ما
__________
1 ع "وكثير".
2 ينظر معاني القرآن للفراء 2/ 119، 2/ 141.
3 ينظر أمالي الشجري 2/ 147، 148.
4 ع وك سقط "قد".
5 هـ "يدل".
(2/1102)
لا خلاف في فعليته كقول القائل:
717-
عمرك1 ما ليلى بنام صاحبه
718-
[ولا مخالط الليان جانبه] 2
فيتأول ذلك بما يتأول هذا.
ومما يستدل به من زعم اسميتها قول الراجز:
719-
صبحك الله بخير باكر
720-
بنعم طير وشباب فاخر
ولا حجة فيه أيضا لأن "نعم" فيه3 محكية، ولذلك فتحت ميمها مع دخول حرف
الجر عليها.
ويطلبان فاعلا تالي "أل" ... أو ما يتاليها مضافا4 اتصل
__________
1 هـ لعمرك
2 ع وك سقط ما بين القوسين
3 ع وك سقط فيه
4 هـ "مضافا ما اتصل".
717، 718- رجز لم ينسب لقائل معين ورواية الصاغاني: ما زيد بنام صاحبه.
قال الصاغاني: أي: ما زيد برجل نام صاحبه.
الليان: مصدر "الأشموني 3/ 27".
719، 720- رجز لم ينسب إلى قائل معين وهو من شواهد العيني 4/ 2 ولم يقف
على اسم قائله.
باكر: سريع عاجل.
بنعم طير: بخير طير.
(2/1103)
أو مضمرا مميزا بنكرة ... كـ"نعم مجموعا
كتاب التذكرة"
ومع ظهور الفاعل التمييز دع ... في رأي عمرو وهو في ذا لم يطع
والعلم بالتمييز أغنى عنه في ... "بها ونعمت" فلذا به اكتفي1
وبعضهم فاعل "نعم" نكرا ... بغير قيد نحو: "نعم ذو قرى".
وهكذا "نعم خليل العلا". ... و"نعم من هو" رووا مستعملا
ويذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو2 خبر اسم لا يبين أبدا
وإن يقدم مشعر به كفى ... كـ"العلم نعم المقتنى والمقتفى"
ورفع "نعم" مضمر اسم قدما ... لم يأت إلا في شذوذ فاعلما
وانصب على التمييز "ما" في "نعم ما" ... و"بئسما" والرفع بعضهم نمى
__________
1 هـ تقدم هذا البيت على البيت الذي قبله
2 هـ "وخبر".
(2/1104)
لسيبويه، وادعى التعريف مع ... تمام "ما"
وظاهرا قد اتبع
الغالب في غالب "نعم" و"بئس" أن يكون معرفا بالألف واللام، أو مضافا
إلى ما هما فيه، [أو مضافا إلى مضاف إلي ما هما فيه] 1، أو ضميرا
مستترا مفسرا بنكرة منصوبة على التمييز
فالأول كقوله تعالى: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 2.
والثاني كقوله تعالى3: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِين} 4.
والثالث كقول الشاعر:
721-
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب ... زهير حسام مفرد من حمائل
ومثال الرابع قوله5 تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} 6
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 من الآية رقم "40" من سورة "الأنعام".
3 سقط من الأصل "تعالى"
4 من الآية رقم "30" من سورة "النحل".
5 ع وك "كقوله".
6 من الآية رقم "50" من سورة "الكهف".
721- من الطويل من قصيدة لأبي طالب بن عبد المطلب في مدح رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
وزهير: هو ابن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وأمه
عاتكه بنت عبد المطلب.
(2/1105)
وقول1 الشاعر:
722-
نعم موئلا المولى إذا حذرت ... بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن
وقد يعلم جنس الضمير فيستغنى عن التمييز كقوله عليه الصلاة2 والسلام:
"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" 3.
[أي: ونعمت سنة الوضوء] 4
ومنع سيبويه5 الجمع بين التمييز وإظهار الفاعل.
وأجاز المبرد6 ذلك. وإجازته أولى كقول7 الشاعر:
__________
1 هـ "وكقول".
2 هـ "سقط الصلاة"
3 أخرجه البخاري في الوضوء 26، ومسلم في الطهارة 8، 12، وأبو داود في
الطهارة 32، 51، 128، والترمذي في الطهارة 45، والجمعة 9، وابن ماجه في
الطهارة6، 47، ومالك في الموطأ ص47.
4 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
5 كتاب سيبويه 1/ 300.
6 المقتضب 2/ 150.
7 هـ والأصل "لقول".
722- من البسيط لم يقف العيني له على قائل 4/ 6.
موئلا: ملجأ، البأساء: الشدة، البغي: الظلم، الإحن: الأحقاد.
(2/1106)
723-
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وأظهر من هذا البيت1 قول الآخر:
724-
والتغلبيون بئس2 الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق
ولا يمنع منه زوال الإبهام بدونه؛ لأن التمييز3 قد4 يجاء به توكيدا
كقوله عز وجل5: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْرًا} 6
ومثله قول أبي طالب:
725-
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
__________
1 هـ سقط "البيت".
2 هـ "نعم الفحل".
3 هـ "بدون التمييز".
4 هـ "وقد يجاء".
5 هـ "كقول الله تعالى" ع وك "كقوله تعالى".
6 من الآية رقم "36" من سورة "التوبة".
723- من الوافر قاله جرير بن عطية من قصيدة في مدح عمر بن عبد العزيز
"الديوان ص135"
724- من البسيط قاله جرير بن عطية من قصيدة في هجاء الأخطل التغلبي
وقومه "الديوان 395".
الزلاء: الرسحاء وهي اللاصقة العجز الخفيفة الآلية.
المنطيق: التي تأتزر بحشية تعظم بها عجيزتها.
725- واحد من أبيات خمسة قالها أبو طالب بن عبد المطلب "الديوان ص4،
غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب وروايته ص177:
وعرضت دينا قد علمت بأنه ... ..........................
وهي من البحر الكامل.
(2/1107)
وحكى الأخفش أن ناسا من العرب يرفعون
بـ"نعم" النكرة مفردة، ومضافة1.
فإلى2 ذلك أشرت بقولي:
وبعضهم فاعل "نعم" نكرا ... بغير قيد......
أي: بغير اشتراط3 إضافة أو إفراد.
فيقال:"نعم خليلٌ العلاءُ" و"نعم جليسُ قومٍ هو "
[4 ومنه قول الشاعر:
بئس قرينا يفن هالك ... أم عبيد، وأبو مالك
__________
1 قال ابن يعيش في شرح المفصل 7/ 131 بعد ذكر مذهب الأخفش وأدلته:
"قال أبو علي: وذلك ليس بالشائع، ولا يجوز ذلك على مذهب سيبويه".
2 هـ "إلى" ع وك "فإلى".
3 هـ "أي باشتراط".
4 هـ سقط ما بين القوسين
726- من السريع قال أبو علي القالي في الأمالي 2/ 180: أنشدنا أبو بكر
بن دريد قال: أنشدنا أبو عثمان الأشنانداني: بئس قريبا ... ".
اليفن: الشيخ الكبير، أم عبيد: الفلاة، وقيل: هي الأرض الخالية وأخطأها
المطر، أبو مالك: كنية الجوع، أو كنية المسن والهرم.
(2/1108)
ويقال أيضا:
"نعم من هو" و"نعم ملجأ من قصده"] 1 ومنه قول الشاعر.
727-
ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه ... ونعم من هو في سر وإعلان
فجعل فاعل "نعم" مضافا إلى "من" وهي نكرة موصوفة أو موصولة.
وجعل فاعل "نعم" الثانية ضميرا مفسرا بـ"من" وهي هنا نكرة غير موصوفة،
والضمير بعدها مخصوص "نعم".
كذا2 قال أبو علي في التذكرة.
__________
1 وقع اضطراب في الأصل في هذا الموضع حيث تكررت بعض الفقرات.
2 في الأصل "كذى".
727- من البسيط استشهد به المصنف مع بيت آخر قبله هو:
وكيف أرهب أمرا أو أراع له
وقد زكأت إلى بشر بن مروان.
ولم ينسبهما لقائل ولم ينسبهما أحد بعده كصاحب الخزانة 4/ 115،
والمقاصد النحوية 1/ 487، وهمع الهوامع 1/ 92 مزكأ: اسم مكان من زكأ
بمعنى لجأ واستند.
(2/1109)
قلت: ويجوز جعلها فاعل "نعم" وتكون موصولة
و"هو" مبتدأ خبره "هو" آخر محذوف. والتقدير: ونعم من هو هو في سر
وإعلان، أي: هو الذي شهر في سر وإعلان و"في" متعلقة بـ"هو" المحذوف لأن
فيه معنى الفعل.
وفي قولي1:
ويذكر المخصوص...... ... ......................
إلى آخره2 بيان افتقار "نعم" إلى اسم غير فاعلها هو المخوص بالمدح.
وأنه إما مبتدأ خبره "نعم". وفاعلها، وإما خبر مبتدأ ملتزم حذفه.
ثم بينت أن المخصوص قد يتقدم على "نعم" ما يغني عن ذكره بعدها كقوله
تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} 3.
728- وكقول الشاعر:
إني اعتمدتك يايز ... يد ونعم معتمد الوسائل
__________
1 في الأصل "قوله".
2 ع وك "إلى آخرها".
3 من الآية رقم "75" من سورة "الصافات".
728- من مجزوء الكامل قاله الطرماح من قصيدة في مدح يزيد بن المهلب بن
أبي صفرة "الديوان 160" ورواية العيني 4/ 11 "فنعم معتمد الوسائل".
(2/1110)
ثم بينت أن "نعم" إذا ذكرت بعد ما يُغنى عن
المخصوص لا تتحمل ضميره عند أكثر العرب.
بل تأتي1 مجردة للإسناد إلى ما بعدها نحو: "الزيدان نعم الرجلان" أو
"نعم رجلين" و"الزيدون نعم الرجال" أو2 "نعم رجالا".
هذا هو المشهور، وحكى الكسائي عن بعض العرب:
"نعما رجلين" و"نعموا رجالا" وإليه أشرت بقولي:
.................. ... إلا في شذوذ...........
ثم بينت أن "ما" في "نعما" و"بئسما" نكره بمعنى "شيء". وموضعها نصب على
التمييز. والفاعل مضمر.
وإلى هذا ذهب الزمخشري3 وكثير من المتأخرين وظاهر قول سيبويه أن "ما"
فاعله. وأنها اسم تام معرفة4.
[وندر تمامها معرفة هنا كما ندر تمامها نكرة في "باب التعجب".
قال ابن خروف: وتكون "ما" تامة5 معرفة] بغير صلة نحو: "دققته دقا
نعما".
__________
1 ع "يأتي"
2 ع وك "ونعم".
3 قال الزمخشري في المفصل:
وقوله تعالى "فنعما هي" نعم" فيه مسند إلى الفاعل المضمر، ومميزه "ما"
وهي نكرة لا موصولة ولا موصوفة والتقدير "فنعم شيئا هي"
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 37.
5 هـ سقط ما بين القوسين.
(2/1111)
قال سيبويه: أي: نعم الدق، و"نعما هي"1 أي:
نعم الشيء إبداؤها2، فحذف المضاف3 وهو الإبداء وأقام ضمير الصدقات
مقامة. و"نعما صنعت" و"بئسما فعلت" أي: نعم الشيء شيء4 صنعت.
هذا كلام ابن خروف معتمدا على كلام سيبويه.
وسبقه إلى ذلك السيرافي، وجعل نظيره قول العرب: "إني مما أن أصنع"5 أي:
من الأمر أن أصنع فجعل "ما" وحدها في موضع الأمر6 ولم يصلها بشيء،
وتقدير الكلام: إني من الأمر صنعي كذا وكذا7، فالياء اسم "إن" و"صنعي":
مبتدأ، و"من الأمر": خبر "صنعي" والجملة في موضع رفع8 خبر "إن".
هذا كلام السيرافي.
قال شيخنا جمال الدين -أدام الله بقاءه9:
__________
1 من الآية رقم "271" من سورة "البقرة".
2 ع "ابتداؤها".
3 هـ سقط "المضاف".
4 ع "نعم الشيء شيئا صنعت" ك "نعم الشيء ما صنعت".
5 من أمثلة سيبويه 1/ 37.
6 هـ سقطت الواو من "ولم".
7 هـ "من الأمر صنعي وكذلك".
8 ك سقط "رفع".
9 هكذا في الأصل وفي هـ "قال محمد" وفي ع وك "قال الشيخ العلامة جمال
الدين رحمة الله".
(2/1112)
ويقوي تعريف "ما" بعد نعم كثرة الاقتصار
عليها في نحو: "غسلته غسلا نعما"1 والنكرة التالية "نعم" لا يقتصر
عليها.
وأيضا فإن التمييز يرفع إبهام المميز، و"ما" تساوي2 المضمر في الإبهام
فلا تكون3 تمييزا.
ويقوي تعريف "ما" في نحو: "مما أن أصنع" [كونها مجرورة بحرف مخبر به،
وتعريف ما كان كذلك أو تخصيصه لازم بالاستقراء.
وكلام السيرافي موافق لكلام سيبويه فإنه رحمه الله قال:
"ونظير جعلهم "ما" وحدها اسما قول العرب: "إني مما أن4 أصنع"] أي: من
الأمر أن أصنع"5 فجعل "ما" وحدها اسما.
و"مثل" ذلك "غسلته غسلا نعما" أي: نعم الغسل"
فقدر "ما" بـ"الأمر" وبـ"الغسل" ولم يقدرها بـ"أمر" ولا بـ6 "غسل" فعلم
أنها عنده معرفة.
__________
1 من أمثلة سيبويه في الكتاب 1/ 37.
2 ع ك "يساوي".
3 ع ك يكون
4 هـ سقط ما بين القوسين
5 الكتاب 1/ 37.
6 سقطت الباء من الأصل.
(2/1113)
و"بئس" في الذمو "ساء" استعملا ... كـ"نعم"
في جميع ما قد فصلا
واستعملوا استعمال "نعم" "فعل". ... من الثلاثي مصوغا بولا1
ومثل "نعم" "حبذا الفاعل "ذا". ... وإن ترد ذما فقل:"لا حبذا"
ودون إفراد وتذكير فلا ... تعدل بـ"ذا" فهو يضاهي المثلا
وأول "ذا"من "حيذا" اسما مثل ما ... أولى تالي "نعم" واعدل فيهما
وقبل أو بعد اذكرن مميزا ... كـ"حبذا البيت الحرام حيزا".
وربما استغنى بالتمييز عن ... مخصوص "حبذا" كقول من فطن
"ولو عبدنا غيره شقينا ... فحبذا ربا وحب دينا"
وغير "ذا" أرفعه بـ"حب" فاعلا ... أو جره بالبا عليه داخلا
وحاء "حب"فتحها مع "ذا" يجب ... واضمم أو افتح2 عند ترك ذا تصب
__________
1 ع "مؤولا"
2 هـ "وضم وافتح".
(2/1114)
قد تقدم الإعلام بتساوي "نعم" و"بئس" في:
الفعلية، وعدم التصرف، وأن فيهما أربع لغات، وأنهما يفتقران إلى فاعل
مقيد بالقيود المذكورة.
ثم أفردت "نعم" بالذكر فيما1 بعد ذلك فنبهت الآن على أن "بئس" مشاركتها
في جميع ما عُزي إليها.
وأن "ساء" جارية أيضا2 مجرى "بئس".
ثم نبهت على أن العرب تبنى من كل ثلاثي فعلا على "فعل" وتجريه مجرى
"نعم" كقولهم: "علم الرجل زيد"
فـ"الرجل" و"زيد" بعد "علم وشبهه كما هما بعد "نعم" إذا قلت: "نعم
الرجل زيد".
ثم نبهت على أن "حبذا" بمنزلة "نعم" وفاعلها، و"لا حبذا" بمنزلة "بئس"
وفاعلها.
وقد دعاهم إجراء "حبذا" مجرى "نعم" وفاعلها أن ذكروا بعدها مخصوصا
بالمدح كما يذكرون بعد "نعم" وفاعلها وقد يستغنون عن مخصوص "حبذا" بمثل
ما يستغنون عن مخصوص "نعم".
وأحسن ما يكون ذلك بعد تمييز وذلك كقول بعض
__________
1 هـ "فيها".
2 ع وك سقط "أيضا".
(2/1115)
الأنصار رضي الله عنهم1:
729-
باسم الإله وبه بدينا
730-
ولو2 عبدنا غيره شقينا
731-
فحبذا ربا وحب دينا
وقد يستغنى عن المخصوص من دون3 تمييز كقول الشاعر:
732-
ألا حبذا لولا الحياء وربما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب
ومثال استغنائهم عن بئس بـ"لا حبذا" قول الشاعر:
733-
ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مي فلا حبذا هيا
__________
1 ع ك وهـ سقط "رضي الله عنهم".
2 ع "ولقد".
3 ع "من ذوي".
729، 731- رجز قاله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه "الديوان ص107".
بدينا: بدأنا وهي لغة الأنصار.
732- من الطويل نسبه أبو تمام إلى مرداس بن همام الطائي والرواية في
ديوان الحماسة 2/ 223 وشرح الحماسة للتبريزي 2/ 163.
ألا حبذا الوما الحياء..... ... .........................
ونسبه الشنقيطي في الدرر اللوامع 2/ 116 للمرار بن هماس
الطائي تبعا للعيني 4/ 24.
733- واحد من أبيات من الطويل نسبت في ديوان الحماسة 2/ 349. والأغاني
16/ 120 وشرح المقامات 2/ 40، والخزانة 1/ 52، وأمالي الزجاجي 57،
وأخبار النساء 79 إلى كنزة أم شملة المنقري قالتها في مية صاحبة ذي
الرمة.
وهي في ديوان ذي الرمة ص760 منسوبة إليه ولها قصة ذكرها صاحب الدرر 2/
118.
(2/1116)
والحاصل أن "حب"1 فعل فاعله: "ذا، ولا
يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع؛ لأنه بمنزلة المثل، والأمثال لا تغير.
ولا يصح قول من قال2:
"حبذا" في موضع رفع بالابتداء والخبر ما بعده.
ولا قول من قال:
"حبذا" فعل يرتفع به المخصوص على أنه فاعله.
فإن ذلك تكلف ما لا يحتاج3 إليه من إخراج لفط مما هو أصله4.
قال ابن خروف بعد أن مثل بـ"حبذا زيد".
"حب: فعل، وذا: فاعلها5 وزيد: مبتدأ وخبره: حبذا. هذا قول سيبويه،
وأخطأ عليه من زعم غير ذلك".
__________
1 في الأصل "حبذا".
2 نسب هذا القول في الكتاب 1/ 302 للحليا.
3 ع وك "حاجة".
4 ع وك وهـ "مما هو له".
5 هـ "فعلها".
(2/1117)
هذا قول ابن خروف، وكفى به.
وقال ابن كيسان:
"ذا" من قوله: "حبذا" إشارة إلى مفرد مضاف إلى المخصوص حذف وأقيم هو
مقامه.
فتقدير "حبذا هند" حبذا حسنها"
وأشرت بقولي:
وغير "ذا" ارفعه بـ"حب" فاعلا ... أوجره بالبا.......
إلى أنه يقال: "حب زيدٌ رجلًا" و"حب بزيد رجلًا" قال الشاعر:
734-
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل
ولك في حاء "حب" إذا جردت من "ذا":
الفتح على الأصل:
__________
734- من الطويل من قصيدة للأخطل التغلبي في مدح خالد بن عبد الله بن
أسيد أحد أجواد العرب والرواية في الديوان ص263.
................... ... فأطيب بها مقتولة حين تقتل
وقد وهم ابن يعيش فنسب البيت في شرحه للمفصل 7/ 129. لحسان بن ثابت.
قتل الخمر: مزجها بالماء، وأضعف من حدتها.
(2/1118)
والضم على أن أصله "حبب" فجعلت الضمة على
الحاء، وأدغمت الباء في الباء.
وهذا التحويل مطرد1 في فاء2 كل فعل على "فعل" مقصود به المدح.
__________
1 ع وك "يطرد".
2 سقطت "فاء" من الأصل ومن هـ.
(2/1119)
|