شرح الكافية الشافية

باب التوكيد:
"ص"
التابع الذي الظهور يعتضد ... به هو التوكيد فاحفظ ما يرد
ويقتضي شمولا أو تقريرا ... مبينا بضارع التكريرا
بـ" النفس" أو بـ"العين" ثان يقتضى ... مولى ضميرا طبق متبوع مضى
كـ"جاء زيد نفسه متيما ... بهند نفسها فقس عليهما"
وفي الشمول استعملوا "كُلًّا" "كِلَا" ... "كلتا" جميعا مع ضمير موصلا
كـ"هم جميعهم لقولهم كلهم" ... و"الدار صارت كلها محلهم"

(3/1168)


وبعد "كل" أكدوا بـ"أجمعا" ... ["جمعاء" "أجمعين" ثم "جمعا"1]
ودون "كل" قد يجيء "أجمع" ... "جمعاء" "أجمعون" ثم "جمع"
[وصيغ من "كتع" و"بصع" و"بتع" ... موازنات للمصوغ من "جمع"] 2
من بعده، وقد يجيء "أكتع" ... منفردا، والنقل فيه يتبع
كـ"ليتني كنت صبيا مرضعا ... تحملني الزلفاء حولا أكتعا"
وشذ إثر فرع "جمع"3 "أبصع" ... و"جمعا" تلا شذوذا "بتع"
"ش" التابع جنس يعم التوكيد وغيره والتوكيد تابع يعتضد به كون المتبوع على ظاهره، فإن ذكر "النفس" في قولك: قتل الأمير نفسه كافرا" يرفع احتمال كون القتل بالأمر لا بالمباشرة.
وإذا ارتفع احتمال التأويل اعتضد الظهور.
وكذا ذكر "كلهم" في قولك: "جاء بنو فلان كلهم" يرفع
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 س سقط ما بين القوسين.
3 ط "أجمع".

(3/1169)


احتمال وضع "العام موضع"1 الخاص.
فقد بان لك أن التوكيد تابع يعتضد به حمل المتبوع على ظاهره.
وقولي:
بـ"النفس" أو بـ"العين"2 ثان يقتضي............
3 المراد بالثاني: التقرير المضارع للتكرير.
لأنك إذا قلت: "الأمير نفسه فعل" لم يبق ريب في أنه باشر ما نسب إليه دون واسطة.
فهذا معنى الاعتضاد المشار إليه.
ولابد من إضافة "النفس" أو "العين" إلى ضمير مطابق للمؤكد فيما له:
من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث.
ثم بينت أن المؤكد به في قصد الشمول: "كل: و"جميع" و"كلا" و"كلتا" مضافات إلى ضمير المؤكد نحو: "جاء الجيش كله، أو جميعه" و"القبيلة كلها، أو جميعها" و"القوم كلهم، أو
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 هـ "وبالعين".
3 سقط من الأصل وهـ "أن" وفي ع، ك "أن المراد".

(3/1170)


جميعهم" و"النساء كلهن، أو جميعهن"، و"الزيدان كلاهما" و"الهندان كلتاهما".
وأغفل أكثر النحويين "جميعا".
ونبه سيبويه1 على أنها بمنزلة "كل" معنى واستعمالا، ولم يذكر له شاهدا من كلام العرب.
وقد ظفرت بشاهد له وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها.
754-
فداك حي خولان
755-
جميعهم وهمدان
756-
وكل آل قحطان
757-
والأكرمون عدنان
__________
1 قال سيوبه 1/ 274.
"وأما "جميعهم" فإنه يكون على وجهين: يوصف به المضمر والمظهر، كما يوصف بـ"كلهم"، ويجري في الوصف مجراه، ويكون في سائر ذلك بمنزلة "عامتهم" و"جميعهم"....
والذي ذكرت لك قول الخليل، ورأينا العرب توافقه بعدما سمعناه منه".
754-757 - هذه أبيات من مجزوء المنسرح، وقول العيني في المقاصد النحوية 4/ 91 إنها من الهزج سهو.
خولان، وهمدان، وقحطان، وعدنان قبائل عربية.
التصريح 2/ 123، همع 2/ 123، الدرر 2/ 155".

(3/1171)


ويؤكد بـ"أجمع" بعد "كله".
وبـ"جمعاء" بعد "كلها".
وبـ"أجمعين" بعد "كلهم".
وبـ"جمع" بعد "كلهن".
وقد يغنى "أجمع" و"جمعاء" و"أجمعون" و"جمع". عن "كله" و"كلها" و"كلهم" و"كلهن".
وهذا معنى قولي:
ودون "كل" قد يجيء "أجمع" ... ......
وقد يجاء بعد "أجمع"1 بـ"أكتع".
وبعد "جمعاء" بـ"كتعاء".
وبعد "أجمعين" بـ"أكتعين".
وبعد "جمع" بـ"كتع".
وقد يجاء بعد "أكتع" و"كتعاء" و"أكتعين" و"كتع".
بـ"أبصع" و"بصعاء" وأبصعين" و"بصع".
وزاد الكوفيون بعد "أبصع" و"بصعاء" و"أبصعين" و"بصع": "أبتع" و"بتعاء" و "أبتعين" و"بتع".
ولا يجاء بـ"أكتع" وأخواته -غالبا- إلا بعد "أجمع".
__________
1 هـ سقط "أجمع".

(3/1172)


وأخواته على الترتيب.
وشذ قول بعضهم: "أجمع أبصع".
وإنما حق "أبصع" إن يجيء بعد "أكتع".
وأشذ من "أجمع أبصع"1 قول بعضهم: "جمع بتع".
وإنما حق "أبتع" و"بتعاء" و"أبتعين" و"بتع" أن يجاء بهن آخرًا.
وأجاز ابن كيسان للمؤكد بـ"أجمع" و"جمعاء" و"أجمعين" و"جمع" أن يقدم ما شاء من البواقي2.
وقد أكد بـ"أكتع" و"أكعتين" غير مسبوقين بـ"أجمع" أو "أجمعين" ومنه قول الراجز:
758-
يا ليتني كنت صبيا مرضعا
759-
تحملني الذلفاء حولا أكتعا
760-
إذا بكيت قبلتني أربعا
761-
إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا
__________
1 ع- "وأبصع".
2 قال الزمخشري في المفصل:
"وأكتعون وأبتعون، وأبصعون اتباعات لأجمعون، ولا يجئن إلا على أثره. وعن ابن كيسان تبدأ بأيتهن شئت بعدها، وسمع أجمع أبصع وجمع كتع، وجمع بتع".
758-761- هذا رجز مجهول القائل.
الذلفاء: من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة. =

(3/1173)


وفي هذا الرجز: إفراد "أكتع" من "أجمع"، وتؤكيد نكرة محدودة في قوله:
....................... ... حولا أكتعا
وفيه: التوكيد بـ"أجمع" غير مسبوق بـ"كل".
وفيه: الفصل بـ"أبكي" بين التوكيد، والمؤكد.
ومثله في الفصل قوله تعالى: {وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} 1.
"ص" ومنعوا توكيد منكور وإن ... يفد فإنه بتجويز قمن2
والخلف3 في المحدود فالبصري ... يمنع والمجوز الكوفي
__________
= أكتع: قال صاحب الصحاح يقال: إنه مأخوذ من قولهم أتى عليه حول كتيع: أي تام، أربعا: أي تقبيلا أربعا.
"اللسان 10/ 180، همع 2/ 123، البهجة المرضية 124، ابن عقيل 2/ 281، المكودي 2/ 16 المقاصد النحوية 4/ 93، الخزانة 2/ 357، اللسان 11/10، الدرر اللوامع 2/ 156 الأشموني 3/ 76".
1 من الآية رقم "51" من سورة الأحزاب.
2 سقط هذا البيت من هـ، وجاء موضعه.
وغير محدود من المنكر ... لم يستجز توكيده ذو نظر
3 هكذا في هـ -أما باقي النسخ "وشاع في المحدود".

(3/1174)


وقد روي في ذاك بعض من وعى ... " قد صرت البكرة يوما أجمعا"
وفي المثنى اغن بـ"كلتا" و"كلا" ... عن صوغ فعلاء وصوغ أفعلا
وبعض القياس فيه استعملا ... معترفا بكونه ما نقلا
ولا يؤكدان ما لا1 يقع ... موقعه فرد كذا قد منعوا
أن يتبعا مختلفين معنى ... كـ"مات ذا2 وعاش ذا المعنى"
وجائز "كلاهما" بعد "ذهب ... هذا ومر ذاك" فاعرف السبب
وجائز توكيد محذوف علم ... فعن سعيد ذا وشيخه فهم
"ش" المنكر المحدود "يوم" و"ليلة" و"شهر" و"حول" ونحوها مما يدل على مدة معلومة المقدار.
وغير المحدودة "ما يصلح3 للقليل والكثير كـ"حين" و "زمن"4 و"وقت" و"مدة".
__________
1 هـ "ما لم".
2 ع "كماذا".
3 بداية سقط هـ.
4 ك، ع "وزمان".

(3/1175)


فلا خلاف في منع توكيد النكرة غير المحدودة"1، إذ لا فائدة في توكيدها.
وقول الشاعر:
762-
أولاك بنو خير وشر كليهما ... جميعا ومعروف ألم ومنكر
محمول على نية الألف واللام في "خير و"شر".
ونظيره ما حكى الخليل/ عن بعضهم:2 "ما ينبغي هذا للرجل خير منك"، وفسره بإرادة الألف واللام3 في "خير"4.
ويجوز أن يجعل "كليهما" توكيدا؛ لأن الذاكر "خيرا وشرا" قد يظن أنه غالط.
فإذا ذكر "كليهما" "أفاد العلم بأنه لم يغلط5".
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع، ك "ونظيره قول بعضهم".
3 ع، ك "وفسره على نية الألف واللام في خير، حكاه الخليل"، هـ "وفسره بألاف واللام في خير منك".
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 224.
قال سيبويه -رحمه الله- بعد أن ذكر المثال.
"وزعم الخليل -رحمه الله- أنه إنما جر هذا على نية الألف واللام".
5 سقط من الأصل ومن هـ.
762- من الطويل قاله مسافع بن حذيفة العبسي "ديوان الحماسة 1/ 578".

(3/1176)


وأما النكرة1 المحمدون فاختلف في توكيدها.
فمنعه البصريون، وأجازه الكوفيون.
وأجازته أولى بالصواب لصحة السماع بذلك.
ولأن في ذلك فائدة: {فإن من قال: "صمت شهرا"2] قد يريد جميع الشهر، وقد يريد أكثره، ففي قوله احتمال.
فإذا قال: "صمت شهرا كله" وارتفع الاحتمال، وصار3 قوله نصا على مقصوده.
فلو لم ينقل استعماله عن العرب لكان جديرا بأن يستعمل قياسا، فكيف به واستعماله ثابت كقول الراجز:
763-
قد صرت البكرة يوما أجمعا
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ.
2ع سقط مابين القوسين وجاء موضعه "صمت".
وهذه من الأمور التي ترجح اعتماد ناسخ ع على ناسخ ك؛ لأن ناسخ ك سقطت منه هذه العبارة فكتبها بخط غير واضح في الهامش.
3 ع "وكان":
763- رجز مجهول القائل. وذكر أبو حيان قبل هذا البيت بيتا آخر هو:
إنا إذا خطافنا تقعقعا
وتبعه العيني في ذلك "4/ 95"، واستشهد به الرضى في موضعين مفردا كما فعل المصنف، وفي كل مرة يذكر البغدادي في الخزانة رواية العني، ويتعقب عليها "الخزانة 1/ 87، 2/ 357". =

(3/1177)


وكقول الآخر:
764-
يا ليتني كنت صبيا مرضعا
765-
تحملني الذلفاء حولا أكتعا
وإذا كان المؤكد مثنى لم يؤكد ألا بالنفس أو البعين أو بـ"كلا" في التذكير وبـ"كلتا" في التأنيث.
وأجاز الكوفيون أن يقال في التذكير: "أجمعان" وفي التأنيث "جمعاوان". وإليه أشرت بقولي:
وبعض القياس فيه استعملا ... معترفا بكونه ما نقلا
قال الأخفش: "لا يجوز "ضربت أحد الرجلين [كليهما".
فإنك إذا قلت: "أحد الرجلين" علم1 أنهما رجلان، وأن موضع الرجلين"2 لا يصلح لواحد، فلا يتوهم أن ذكرهما
__________
= وقال: زعم قوم منهم ابن جني في إعراب الماسة أن هذا البيت مصنوع.
صرت: صوتت. البكرة: الراجح أنها البكرة التي يستقي عليها الماء من البئر.
ويحتمل أن يراد من البكررة: الفتية من الإبل ويكون صرت بمعنى: شد عليها الصرار حتى لا يرضعها ابنها.
1 هـ "على".
2 ع سقط ما بين القوسين.
764-765- مر هذا الشاهد قريبًا.

(3/1178)


غلط، بخلاف "رأيت الرجلين" فإن موضعه صالح لـ"رجل" فيتوهم الغلط فيفيد التوكيد".
وإلى1 هذا أشرت بقولي:
ولا يؤكدان ما لا يقع ... موقعه فرد..............
وقال الأخفش:
"ليس بكلام قولك: "مات زيد، وعاش2 عمرو3 كلاهما"؛ لأنهما لم يشتركها في أمر واحد.
فلو قلت: "انطلق زيد، وذهب عمرو كلاهما" جاز؛ لأنهما قد اجتمعا في أمر واحدن؛ لأن معنى "ذهب" و"انطلق" واحد.
إلا أن ارتفاع "كليهما" بأحد العاملين؛ لأنه لا يعمل شيئان في شيء"، وإلى هذا أشرت بقولي:
...................... ... .............قد منعوا
إن يتبعا مختلفين معنى ... ....................
إلى قولي:
وجائز كلاهما بعد "ذهب ... هذا ومرذاك"..........
وقال سيبويه في باب4 ما ينتصب فيه الاسم؛ لأنه لا سبيل
__________
1 ك، ع "فإلى".
2 ع "وذهب".
3 هـ "في كلاهما".
4 هـ سقط "باب".

(3/1179)


له1 إلى أن يكون صفة: 2 مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما".
بالنصب على تقدير: أعنيهما.
وبالرفع على تقدير، هما صاحباي أنفسهما"3.
فحذف الخبر مع المبتدأ، وأبقي توكيد المبتدأ.
"وأجاز الفراء أن يقال: "مررت بقومك إيما أجمعين، وإما بعضهم،" على تقدير: إما هم أجمعين، إما بعضهم.
وزعم الشلوبين أن البصريين، لا يجيزون هذا. قلت: ويلزم سيبويه جوازه؛ لأنه قد أجاز حذف المؤكد في: "مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما" على تقدير أعنيهما أنفسهما"4.
"ص"
5وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
__________
1 ع، ك سقط "له".
2 ع. ك "نحو مررت".
3 قال سيبويه في الكتاب 1/ 247.
وسألت الخليل -رحمه الله- عن "مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما" فقال:
الرفع على هما صاحباي أنفسهما، والنصب على أعنيهما، ولا مدح فيه؛ لأنه ليس مما يمدح به".
4 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
5 ط سقطت هذه الأبيات.

(3/1180)


عنيت ذا الرفع وأكده ما ... سواهما، والقيد لا تلتزما
والبا يزاد داخلا عليهما ... كـ"جاء ذا بنفسه إليهما"
وإن تواكيد1 اجتمعن فامتنع ... من عطف بعضها على بعض تطع2
"ش" إذا كان المؤكد بألفاظ هذا الباب ضمير رفع متصلا. وكان المؤكد به غير النفس والعين فحكمه حكم غيره من المعارف.
فإن قصد تأكيده بالنفس والعين لم يجز إلا بعد توكيده بضمير منفصل كقولك: "قوموا أنتم أنفسكم".
فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز.
فلو كان الذي يؤكد به غير النفس، والعين جاز التوكيد مطلقا كقولك3: "قوموا كلكم".
فهذا معنى قولي:
..........وأكدها بما ... سواهما....................
أي: أكد الضمير المتصل بالمروفع بما سوى النفس
__________
1 هـ "توكيد".
2 ع "يطع".
3 ع، ك "نحو".

(3/1181)


والعين غير ملتزم للقيد الملتزم قبل النفس والعين، وهو التوكيد بالضمير المنفصل.
والحاصل أنك تقول: "قوموا أنتم أنفسكم" "ولا تقول: قوموا أنفسكم"1".
وتقول: "قوموا كلكم" مستغنيا عن "أنتم"، ولو قلت: "قوموا أنتم كلكم" لكان حسنا جميلا.
وتختص النفس والعين بجواز دخول الباء الزائدة عليهما كقولك: جاء زيد بنفسه"، وجاء القوم بأعيانهم.
ولا يجوز عطف بعض التواكيد على بعض، بل تورد متتابعة دون فصل كقولك: "قام تعظيما لزيد الملأ كلهم أجمعون، أكتعون، أبصعون، أبتعون".
"ص"
2وما من التوكيد معنوي. ... قد مر والآتي هو اللفظي
بفعل أو حرف أو اسم يقع ... أو جملة كـ"هم هم دعوا دعوا".
و"أنت أنت صل صل الصديقا" ... وثم ذا اجعل "قمنا حقيقا"
ولا تعد حرفا بدون ما وصل ... به كذلك الضمير المتصل
__________
1 سقط من الأصل ما بين القوسين.
2 سقط جميع هذه الأبيات من ط.

(3/1182)


نحو: "لنا لنا رجاء في الملك" ... و"خفت خفت من دم ظلما سفك"
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل
ومضمر المذكور يغني عنه ... كـ"اعجب من المغرى بك اعجب منه"
وعود حرف دون ما به اتصل ... لا تستبح إلا إذا به حصل
إجابة نحو: "نعم نعم" و"لا ... لا" وقليلا غير ذا تقبلا
نحو: "تراها وكأن وكأن ... أعناقها مشددات بقرن"
وأكدوا فاستسهلوا تواليا ... لدى ترادف كمثل: "يا هيا"
وقد تلى الجملة عاطفا إذا ... ما أكدوا به كـ"خذ ثم خذا"
"ش" من التوكيد ما هو معنوي محض، وهو ما تقدم ذكره. ومنه ما هو لفظي محض، وهوأن يعاد اللفظ بعينه مجردا أو مقرونا بعاطف.
إلا أن المقرون بعاطف مع اتحاد اللفظ قلما يكون إلا

(3/1183)


جملة كقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} 1.
وكقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} 2.
ومنه ما له شبه بالمعنوي، وشبه باللفظي لكن لحاقه3 باللفظي4 أولى كقولك: "أنت بالخير حقيق قمن".
"ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل كقوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} 5"6.
ومنه توكيد الجار والمجرور الظاهر بالجار والمجرور المضمر كقوله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 7.
وأكثر وقوع التوكيد اللفظي بجملة كقول الشاعر:
766-
أيا من لست أقلاه ... ولا في البعد أنساه
__________
1 الآيتان "17-18" من سورة الانفطار.
2 الآيتان "34-35" من سورة "القيامة".
3 ع، ك "إلحاقه".
4 ع- "باللفظ".
5 من الآية رقم "19" من سورة الأعراف.
6 هـ سقط ما بين القوسين.
7 من الآية رقم "107" من سورة "آل عمران".
766-767- من الهزج لم أعثر على قائلهما.
أقلاه: أبغضه -من قلاه يقليه، ويقلاه لغة طيئ والشعر على لغتهم "البهجة المرضية 124، المقاصد النحوية 4/ 97، الأشموني 3/ 80، همع 2/ 125، الدرر 2/ 160".

(3/1184)


767-
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
وإذا وكد الفعل فأكثر ذاك أن يكون مع المؤكد فاعل الأول، أو ضميره مثل: "قام زيد قام زيد"1 أو "قام زيد قام".
أو يكون فاعلا المؤكد والمؤكد ضميرين كقولي:
.....صل صل الصديقا ... ...................
وقد يؤكد فعل بفعل فيستغنى بفاعل أحدهما.
وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:
768-
فإين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
"2 ولكون الحرف جزء من مصحوبه لا يؤكد إلا3 ومع مؤكده مثل الذي مع المؤكد. كقولك: "عجبت منك منك". ويغني عن مثل ما مع الأول ضميره كقولي:
................... ... "اعجب من المغرى بك اعجب منه".
__________
1 هـ سقط "قام زيد" -الثانية.
2 بداية سقط كبير من ع.
3 هـ سقطت الواو.
768- سبق الحديث عن هذا الشاهد في "باب التنازع".

(3/1185)


فإن كان الحرف أحد حروف الجواب1 جاز أن يؤكد بإعادته وحده كقولك لمن قال: "أتفعل"؟: "نعم نعم"2 أو "لا لا". وحكم الضمير المتصل حكم الحرف غير الجوابي في أنه لا يعاد مفردا، بل مع ما هو متصل به كقولك: "بك بك أمر".
ولك أن تؤكده بضمير الرفع المنفصل، مرفوعا كان المؤكد، أو منصوبا أو مجرورا نحو: "فعلت أنت" و"رأيتني أنا" و"مررت به هو".
وقد دلتت على هذا بقولي:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل
وأحسن من توكيده اللفظ بإعادته إذا كان المؤكد حرفا، أو ضميرا متصلا توكيده بمرادفه كقولك بدل "نعم نعم": "أي نعم" أو "أجل جير" كما3 قال الشاعر:
769-
وقلن على الفردوس أول مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره
__________
1 هـ زدات "وحروف الجواب ستة".
2 هـ سقطت "نعم" -الثانية".
3 ك سقط "كما".
769- من الطويل ينسب لمضرس بن ربعي الأسدي "الخزانة 4/ 35، شواهد مغني اللبيب 125، النوادر لأبي على القالي 211". =

(3/1186)


و"أجل جير" بمعنى "نعم نعم".
وأشرت بقولي:
......................... ... وقليلا1 غير ذا تقبلا
إلى أن توكيد حرف ليس من حروف الجواب بإعادته دون ما اتصل به لم يستعمل إلا بقلة وشذوذ.
ويسهل وروده كونه2، أكثر من حرفين مثل "كأن" في قول الراجز:
770-
حتى تراها وكأن وكأن
__________
= وروى الجوهري البيت هكذا:
وقلن: ألا الفردوس أول محضر ... من الحي إن كانت أبيحت دعاثره
وفي ديوان طفيل الغنوي ص 10 بيت قريب من هذا الشاهد.
الفردوس: ماء لبني تميم عن يمين الحاج من الكوفة. والهاء في دعاثره يجوز أن تعود إلى الفردوس أو إلى مشرب.
الدعاثر: جمع دعثور، وهو الحوض.
1 هـ "وقلت لا".
2 ك سقط "كونه".
770- هذا بيت من مشطور الرجز من أبيات أوردها أبو زيد في نوادره "103" ولم يعزها لقائل.
وفي المقاصد النحوية 4/ 100 قال العيني:
أقول قائله هو خطام المجاشعي
وقال ابن بري، رأيت بخط النيسابوري: قال الأغلب العجلي، ثم ذكر عدة أبيات منها الشاهد.

(3/1187)


فإن كان على حرف واحد كانت إعادته مفردا في غاية من الشذوذ كقول الشاعر:
771-
فلا والله لا يلفى لما بي ... ولما للما بهم أبدا دواء
فلو كان المؤكد مغايرا في اللفظ للمؤكد كان الشذوذ أقل كقول الشاعر:
772-
فأصبح لا يسألنه عن بما به ... أصعد في علو الهوى أم تصوبا
__________
771- من الوافر من قصيدة قالها مسلم بن معبد الوالبي، ويروى عجزه:
................................. ... وما بهم من البلوى دواء
ولا شهد فيه على هذه الرواية.
وفي الخزانة 1/ 364 ذكر البغدادي القصيدة التي منها الشاهد، وسببها وروايته:
..................... ... .................شفاء
772- من الطويل ينسب للأسود بن يعفر "الديوان ص21، الخزانة 4/ 164.
صعد في الوادي: انحدر، وصعد في الجبل: علاه.
التصوب: النزول.
قال الفراء في آخر سورة الإنسان في معاني القرآن:
قرأ عبد الله "وللظالمين أعد لهم" فكرر للام في "الظالمين"، وفي "لهم" ربما فعلت العرب ذلك أنشدني بعضهم: فأصبحن لا يسألنه........................ فكرر الباء مرتين، ولو قال "لا يسألنه عما به" لكان أجود وأبين.

(3/1188)


فأكد "عن"بالباء؛ لأنها ههنا بمعناها، كما هي في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 1.
ومنه قول الشاعر:
773-
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب
فلتوكيد "عن" بالباء مسهلان:
أحدهما: أن "عن" على حرفين.
والثاني: أن لفظ المؤكد مغاير للفظ المؤكد.
بخلاف قول من قال:
...................... ... ولا للما بهم أبدا دواء
__________
1 "من الآية رقم "25" من سورة الفرقان.
773- من الطويل من قصيدة لعلقمة الفحل يمدح الحارث بن أبي شمر الغساني "ديوان علقمة ص35، المفضليات392".

(3/1189)