شرح الكافية الشافية باب نوني التوكيد
مدخل
...
باب نوني التوكيد:
"ص"
للفعل توكيد بنونين هما ... كنوني "اذهبن" و"اقصدنهما"
وإنما يؤكدان الأمر أو ... مضارعا ذا طلب كـ"لا تروا"
أو1 كان شرطا بعد "إما" أو أتى ... مستقبلا بعد يمين مثبتا
ما لم يكن معمولة2 مقدما ... كالآت بين لـ"إلى"3 و"فبما"
أو يقترن بحرف تنفيس كما ... "وربنا لسوف نلقي مغنما"4
وقد يؤكدان منفيا بـ"لا" ... متصلا، ونادرا قد فصلا
__________
1 هـ "وان".
2 هـ "معلومه".
3 ط "لا إلى".
4 سقط هذا البيت من س.
(3/1398)
والشرط بعد غير "إما" أكدا ... نزرا كذا
الجواب -أيضًا- وردا
والنون شذت بعد "ربما" و"لم" ... وشاعر بعد "ما" مزيدا أن يؤم
كقوله: "من عضة1 ما ينبتن ... شكيرها" وهكذا2: "ما يحمدن"
وليس توكيد بنون يلتزم ... في غير فعل مثبت بعد القسم
وتركه من بعد "إما" قلما ... تلفيه إلا في كلام نظما
وشذ توكيد مع الخلو من ... ما قد مضى كـ"أشعرن المتزن".
وشذ في اسم فاعل:3 "أقائلن" ... وبشذوذ: "أحرين"4 أيضا -قمن
"ش" للتوكيد نونان: خفيف وثقيلة. وقد تضمنهما قولي:
.................. ... كنوني "اذهبن" و"اقصدنهما"
__________
1 الأصل "عظة".
2 الأصل "وهكذا شكيرها".
3 ط "فأعلن".
4 ع "أجرين".
(3/1399)
كما تضمنهما قول الله تعالى1: {وَلَئِنْ
لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ
الصَّاغِرِينَ} 2.
ويؤكد بهما فعل الأمر مطلقا.
والمضارع المصاحب ما يقتضي طلبا من: لام أمر، أو "لا" نهي، أو دعاء، أو
تحضيض، أو عرض3، أو تمن، أو استفهام.
قال الأعشى في توكيد الأمر والنهي، أنشده سيبويه4:
935-
وإياك والميتات لا تقربنها ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
وقال في توكيد ما صاحب الاستفهام5:
436-
وهل يمنعني إرتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين؟ 6
__________
1 ع ك "قوله تعالى" هـ "قول الله تبارك وتعالى".
2 من الآية رقم "33" من سورة "يوسف".
3 ع سقط "أو عرض".
4 سيبويه 2/ 149.
5 كتاب سيبويه 2/ 149.
6 ع "يأتيني".
935- من الطويل ديوان الأعشى 46"، وهو ملفق من بيتين، وهو كذلك في
سيبويه والبيتان هما:
فإياك والميتات لا تأكلنها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
936- من المتقارب وهو في ديوان الأعشى ص 205، وقد بدى البيت في الديوان
بالفاء.
الارتياد: المجيء والذهاب.
(3/1400)
وقال آخر:1
937-
......................... ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا؟
[وقال آخر2:
938-
فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث ... مساعينا حتى نرى: كيف نفعلا3] ؟
وقال ابن رواحة4 -رضي الله عنه5- في الدعاء6:
__________
1 سيبويه 2/ 151.
2 سيبويه 2/ 151.
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 سيبويه 2/ 149.
5 الأصل سقط "رضي الله عنه".
6 ع ك سقط "في الدعاء".
937- هذا عجز بيت من الطويل وصدره:
قالت فطيمة حل شعرك مدحه ... ...........................
وهو من البحر الكامل، وقد نسب في كتاب سيبويه للمقنع، لكن حقق العلامة
الشنقيطي في كتابه "الحماسة السنية" أن القصيدة التي منها البيت هي
لامرئ القيس، وهي في ديوان امرئ القيس ص358.
حل: كف، والمحلا: المطرود.
938- من الطويل لم يعزعه أحد إلى قائل "الخزانة 4/ 558، العيني 4/ 325،
همع 2/ 78".
(3/1401)
939-
والله لولا الله ما اهتدينا
940-
ولا تصدقنا ولا صلينا
941-
فأنزلن سكينة علينا
942-
وثبت الأقدام إن لاقينا
وقال آخر1 في التحضيض:
943-
هلا تمنن موعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم
وقال آخر في التمني:
944-
فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني امرؤ بك هائم
ومثال توكيد الشرط بعد "إما" قوله تعالى: {فَإِمَّا نُرِيَنَّك
__________
1 هـ سقط "آخر".
939-942- نسب هذا الرجز لعبد الله بن رواحة في الكتاب 2/ 149، وقد ينسب
لكعب بن مالك كما يروى لعامر بن الأكوع "سيرة ابن هشام 756، المقتضب 3/
13، التصريح 3/ 202، همع 2/ 78"، وقد سبق الاستشهاد ببعض هذه الأبيات.
943- من البسيط قال العيني 4/ 322، لم أقف غلى اسم قائله، ذو سلم: موضع
بالحجاز.
944- من الطويل لم يعزه أحد إلى قائل وهو في العيني 4/ 323.
يوم الملتقى: يوم لقائك. الهائم: المتحير في العشق الغريق فيه.
(3/1402)
بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ} 1.
ومثال المستقبل الآتي بعد يمين قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ
عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} 2.
فلو قدم على الفعل المقسم عليه ما يتعلق به من جار أو غيره قرن المتعلق
بلام القسم، واستغنى عن النُّون كقولك: "والله لزيدًا أكرم".
وكذا لو كان مع الفعل "سوف"، أو السين كقولك: "والله لسوف أكرمك".
فمن الأول قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى
اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 3.
ومن الثاني قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 4.
وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بـ"لا" تشبيها بالنهي كقوله
تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً} 5.
__________
1 من الآية رقم"77" من سورة "غافر".
2 من الآية رقم"56" من سورة "النحل".
3 من الآية رقم"158" من سورة "آل عمران".
4 من الآية رقم"5" من سورة "الضحى".
5 من الآية رقم"25" من سورة "الأنفال".
(3/1403)
وقد زعم قوم أن هذا نهي، وليس بصحيح ومثله
قول الشاعر:
945-
فلا الجارة الدنيا بها تلحينها ... ولا الضيف فيها إن أناخ محول1
إلا أن توكيد2 "تصيبن" أحسن لاتصاله بـ"لا" فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله
تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} .
بخلاف قول الشاعر: "تلحينها"، فإنه غير متصل بـ"لا" فبعد شبهه بالنهي.
ومع ذلك فقد سوغت [توكيده "لا"، وإن كانت منفصلة.
فتوكيد "تصيبن" لاتصاله بـ"لا"3 أحق وأولى.
ومثال4] توكيد الشرط بعد غير "إما" ما أنشد5 سيبويه6.
__________
1 هـ "محمل".
2 ع "توكد".
3 ع ك سقط "بلا".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 ع ك "ما أنشده".
6 الكتاب 2/ 152.
945- من الطويل قاله النمر بن تولب في صفة الإبل "الديوان ص92" الضمير
في "بها" يعود إلى أرض صاحب الإبل.
والمعنى: أن جارته لا تشتم إبله لانتفاعها بألبانها، وأن جاره وضيفه
الذي يأوي إليه لا يتحول عنه لما يرى من كرمه.
(3/1404)
من قول الشاعر:
946-
من تثقفن منهم فليس بآيب ... أبدا وقتل بني قتيبة شاف
وأنشد سيبويه1 -أيضا- في توكيد الجواب:
947-
نبتم نبات الخيزراني في الثرى ... حديثا متى ما يأتك الخير تنفعا
[وأنشد سيبويه2 -أيضًا:
948-
فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا
__________
1 نفس المرجع والصفحة.
2 نفس المرجع والصفحة.
946- من الكامل واحد من ثلاثة أبيات في "الخزانة 4/ 565" تنسب إلى بنت
مرة بن عاهان الحارثي ترثي أباها، والضمير في قولها "نثقفن" يعود إليها
ومن معها من قومها في قولها:
إنا وباهلة بن أعصر بيننا ... داء الضرائر بغضة وتقافي
رواية سيبويه يثقفن -بالبناء للمجهول- وروي تثقفن -بالتاء- ويعند
الضمير إلى باهلة، وهي رواية المصنف.
947- هذا البيت من الطويل ينسب إلى النجاشي الحارثي، وهو شاعر من شعراء
صدر الإسلام. الخيزراني: كل نبت ناعم. والأولى أن تكون بداية البيت
"نبت" لتتوافق مع نهايته.
948- من الطويل نسب في كتاب سيبويه إلى عوف بن الخرع، ورأيته في ديوان
الكميت بن زيد الأسدي 3/ 24.
"الخزانة 4/ 559، العيني 4/ 330، التصريح 2/ 206، همع الهوامع 2/ 79".
(3/1405)
ومثال التوكيد بعد "ربما" و"لم" قول
الشاعر:
949-
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات] 1
وقال الراجز2 في التوكيد بعد "لم":
950-
يحسبه الجاهل ما لم يعلما
951-
شيخا على كرسيه معمما
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع ك "الراجز".
949- من المديد لجذيمة الأبرش يفتخر بأنه يصعد الجبل بنفسه يستطلع
أعداءه، ولا يعتمد في ذلك إلا على نفسه، وفي النواجر لأبي زيد ص210 -لا
أعراف لجذيمة غير هذا الشعر.
أوفيت: أشرفت، العلم: الجبل، الشمالات: رياح الشمال الشديدة.
"المؤتلف 34، أمالي ابن الشجري 2/ 243".
950-951- هذا من رجز أنشده أبو زيد في النوادر ص13، ولم ينسبه وقد
اختلف في قائله: فقيل ابن حبابة اللص، وقيل: هو لأبي حيان الفقعسي،
وقيل: هو لعبد بني عبس كما نسب إلى العجاج، وإلى مساور العبسي "سيبويه
2/ 153، أمالي ابن الشجري 1/ 384، مجالس ثعلب 621، الخزانة 4/ 569".
الضمير في "يحسبه" يعود إلى "الثمال" في بيت قبل الشاهد، والثمال هو
الرغوة واحده "ثمالة" يصف الشاعر قمعا يجعل في فم الوطاب الذي تحلب فيه
الإبل، وقد علا ذلك القمع رغوة شبهها بشيخ على كرسي متزمل في ثياب وبعد
الشاهد:
لو أنه أبان أو تكلما
لكان إياه ولكن أعجما
(3/1406)
وإنما قل التوكيد بعد "ربما"، و"لم"؛ لأن
الفعل بعدها ماضي المعنى، ولاحظ للماضي في هذا التوكيد.
وهو بعد "ربما" أحسن.
وحكى سيبويه:1 "ربما تقولن2 ذاك"3.
وكثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة دون "إن" كقول العرب "بعين ما
أرينك"4، و"بجهد ما تبلغن"5، و"كثر ما تقولن"6، و"حيثما تكونن آتك".
وفي المثل7:
952-
........................... ... ومن عضة ما ينبتن شكيرها
__________
1 الكتاب 2/ 153.
2 ع ك "يقولن".
3 هكذا في كتاب سيبويه، وفي جميع النسخ "ذلك".
4 كتاب سيبويه 2/ 153.
5 في الأصل "ايبلغن"، وانظر سيبويه 2/ 153.
6 الأصل "يقولن"، وينظر كتاب سيبويه 2/ 153.
7 ينظر كتاب سيبويه 2/ 153.
952- هذا عجز بيت من الطويل، وصدره:
إذا مات منهم ميت سرق ابنه ... ..............................
والعضة: واحدة العضاه، وهو شجر عظام، والشكير: صغار ورقها وشوكها، أي:
إنما تنبت الصغار من الكبار، يضرب مثلا في مشابهة الرجل أباه.
ولم أجد من نسب هذا البيت لقائل "سيبويه 2/ 153، ابن يعيش 7/ 103، 9/
5، 42، الخزانة 1/ 83، 4/ 489، 566، شرح شواهد المغني 258، التصريح 2/
250"، ولم يتعرض الأعلم لهذا الشاهد.
(3/1407)
ومثله قول الشاعر:
953-
قليلا به ما يحمدنك وارث ... [إذا نال مما كنت تجمع مغنما] 1
وإنما كثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة2 لشبهها بلام القسم.
قال سيبويه3 -بعد تمثيله بـ"ربما تقولن ذلك" و"كثر ما تقولن ذلك":
"ولا يقع4 بعد هذه الحروف إلا وما لازمة، فأشبهت عندهم لام القسم". هذا
نصه.
ولا يلزم هذا5 التوكيد إلا بعد القسم.
__________
1 سقط عجزر البيت من الأصل، وجاء مشوها في ع كما يلي:
قليلا إذا قام مما كنت تجمع ... مقسما ما يحمدنك وارث
2 ع ك "المزيدة".
3 كتاب سيبويه 2/ 153.
4 ع ك "تقع".
5 ع ك "ولا يلزم على هذا".
953- من الطويل قاله حاتم الطائي "الديوان ص108"، والرواية فيه
....................... ... إذا ساق مما كنت تجمع مغنما
(3/1408)
وإلى هذا1 أشرت بقولي:
وليس توكيد بنون يلتزم2 ... في غير فعل مثبت بعد القسم
ثم بينت أن الفعل بعد "إما" يقل وقوعه بلا نون، ولذا لم يجئ في القرآن
بعدها إلا مؤكدا كقوله تعالى3: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ
فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى} 4.
وزعم بعضهم أن ذلك لازم، وأن5 نحو: "إما تفعل أفعل" غير جائز.
وليس بصحيح: بل هو جائز قليل، كقول الراجز:
954-
إما تريني اليوم أم حمز
955-
قاربت بين عنقي وجمزي
ومثله قول الشاعر6:
__________
1 الأصل وهـ "ذا".
2 ع ك "ملتزم".
3 من الآية رقم "68" من سورة "الأنعام".
4 ع ك سقط "فلا تقعد بعد الذكرى".
5 ع سقط "وأن".
6 ع ك تأخر هذا البيت عن البيت الذي يليه.
954-955- رجز لرؤبة الديوان ص64".
العنق: ضرب من السير. الجمز: ضرب من العدو.
(3/1409)
956-
إما تري رأس تغير لونه ... شمطا فأصبح كالثغام المخلس
وقال آخر:
957-
يا صاح إما تجدني غير ذي جدة ... فما التخلي عن الخلان من شيمي
وأشرت بقولي:
وشذ توكيد مع الخلو من ... ما قد مضى..........
إلى قول الشاعر:
__________
956- نسب هذا البيت، وهو من الكامل في كتاب سيبويه 1/ 60، 283 إلى
المرار الأسدي.
وقد رأيته في ديون حسان بن ثابت ص180 في قصيدة يمدح بها الحارث بن أبي
شمر الغساني، والرواية في ديوان حسان:
....................... ... ..........كالثغام المحول
أي: الذي يمر عليه عام. والثغام نبت يشبه الشيب في اللون، ويكون في
الجبال. المشط في الشعر اختلافه في اللون، سواد وبياض -الشعر المخلس:
الذي غلب بياضه سواده.
957- من البسيط لم يعزه أحد لقائل معين "العيني 4/ 339، التصريح 2/ 204
الأشموني 3/ 216".
الجدة: الغنى، الشيمة: الخلق والطبيعة.
(3/1410)
958-
ليت شعري وأشعرن إذا ما ... قربوها منشورة ودعيت.
959-
ألي الفوز أم على إذا حو ... سبت إني على الحساب مقيت
وأشذ من هذا توكيد "أفعل" في التعجب كقول الشاعر:
960-
ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا
أراد: وأحرين. فأبدل النون للوقف أَلِفًا.
وهذا من تشيبه لفظ بلفظ، وإن اختلفا معنى.
وأشذ من هذا ما أنشد ابن جني1 من قول الراجز:
__________
958-959- بيتان من الخفيف قالهما السموأل بين عادياء العيني 4/ 332"
ورواية الأصمعي 86.
للشطر الثاني من البيت الأول
....................... ... قيل: اقرأ عنوانها وقريت
على الحساب مقيت: أي موقوف على الحساب.
960- سبق الحديث عن هذا الشاهد في باب التعجب، وهو من الطويل.
1 قال ابن جني في الخصائص 1/ 136.
ومن ذلك -أعني الاستحسان- قول الشاعر:
أرأيت..........
فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيها له بالفعل المضارع.
فهذا استحسان لا عن قولة علة، ولا عن استمرار عادة، ألا تراك لا تقول:
أقائمن يا زيدون، ولا "أمنطلق يا رجال".
إنما تقوله بحيث سمعته، وتعتذر له، وتنسبه إلى أنه استحسان منهم على
ضعف منه، واحتمال بالشبهة له.
"وينظر -أيضا- المحتسب لابن جني 1/ 193".
(3/1411)
961-
أريت إن جاءت به أملودا
962-
مرجلا ويلبس البرودا
963-
أقائلن أحضروا الشهودا
فأكد بالنون اسم الفاعل لشبهه بالفعل المضارع.
"ص"
وآخر الفعل افتحن مؤكدا ... معتلا أو ذا صحة كـ"اعتضدا".
واشكله قبل مضمر لين بما ... جانس من تحرك قد علما
والمضمر احذفنه غير الألف ... وإن يكن في آخر الفعل ألف
فاجعله منه رافعا غير اليا ... والواو ياء كـ"استعين سعيا".
__________
961-963- هذا رجز ينسب لرؤبة، وهو4 ملحقات ديوانه ص173.
الأملود: الناعم المستوي الخلق، المرجل من الجراد: من ترى آثار أجنحته
في الأرض، فلعل الراجز يريد أن ابنه قوي، البرود: جمع برد وهو ثوب فيه
خطوط.
(3/1412)
واحذفه من رافع هاتين وفي ... واو ويا شكل
مجانس قفي
نحو "اخشين يا هند" بالكسر و"يا ... قوم اخشون"، واضمم وقس مسويا1
وقدر اعراب الذي أكد إن ... يصلح لنون الرفع نحو "ترين"
وللبنا انسب غير صالح لها ... كـ"لا تكونن2 واثقا بمن لها"
ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة وكسرها ألف
وألفا رد قبلها مؤكدا ... فعلا إلى نون الإناث أسندا
وكسع3 كوفي ويونس الألف ... بالنون ذات خفة حكم عرف
واحذف خفيفة لساكن ردف ... وبعد غير فتحة إذا تقف
واردد إذا حذفتها في الوقف ما ... من أجلها في الوصل كان عدما
__________
1 هـ "مستويا".
2 الأصل "يكونن".
3 الإلحاق من الآخر -يقال: كسعه: ضربه على دبره.
(3/1413)
وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفا كما تقول
في "قفن" "قفا"
"ش" لما فرغت من الجائز التوكيد واللازمة، والممتنعة أخذت في بيان ما
ينشأ عنه من التغيير.
فذكرت أن آخر المؤكد يفتح: صحيحا كـ"اعتضدن"1، أو معتلا كـ"أخشين"
و"ارمين" و"اغزون"2.
[وهل بني أولا على السكون ثم حرك بالفتح لالتقاء الساكنين أو بني أولا3
على الفتح؛ لأنه ثبت له الإعراب قبل البناء؟ فيه قولان للنحويين4] .
ثم نبهت على أن آخر المؤكد قبل مضمر لين يحرك بما يجانسه، أي: يفتح قبل
الألف، ويكسر قبل الياء، ويضم قبل الواو.
ثم نبهت على حذف الياء والواو، ثبوت الألف بقولي: والمضمر احذفنه غير5
الألف
..........................
فيقال: "لا تضربان" و"لا تضربن" و"لا تضربن".
__________
1 ع ك "اعتضدا".
2 ع سقط "اغزون".
3 ع سقط "أولا".
4 سقط ما بين القوسين من هـ ومن الأصل.
5 ع ك "إلا الألف".
(3/1414)
ثم نبهت بقولي:
وإن يكن في آخر الفعل ألف ... ...............
على أن نحو: "يسعى" إذا لم يسند إلى ياء الضمير، ولا واوه1 تقلب ألفه
ياء نحو: "لا تسعين" "ولا تسيعان".
ثم نبهت على أن الألف تحذف إذا وليها ياء الضمير أو واوه. وأن الياء
والواو حينئذ تحركان2 بالمجانس، أي: بكسر الياء، وضم الواو.
نحو: "هل تخشين يا هند" و"هل تخشون يا قوم".
ثم نبهت على أن الفعل المؤكد بالنون إن3 كان مضارعا، واتصل به ألف
اثنين أو واو جمع4 أوياء مخاطبة فهو معرب تقديرًا.
وإن لم يتصل به أحد الثلاثة فهو مبني.
وإنما كان الأمر كذلك؛ لأن المؤكد بالنون إما أن يكون بناؤه لتركيبه
معها، وتنزله5 منها منزلة الصدر6 من العجز.
وإما أن يكون من أجل أن النون من خصائص الفعل، فضعف بلحاقها شبه الاسم،
إذا لا قائل بغير7 هذين القولين.
__________
1 هـ "ولا واوا".
2 الأصل "يحركان".
3 ع ك "إذا كان مضارعا".
4 ع ك "واو جماعة".
5 هـ "وتنزيله".
6 ع "المصدر".
7 هـ "لغير".
(3/1415)
والثاني باطل؛ لأنه مرتب على كون النون من
خصائص الفعل.
ولو كان ذلك مقتضيا للبناء لنبي المجزوم والمقرون بحرف التنفيس،
والمسند إلى ياء المخاطبة؛ لأنهن مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص
الفعل، بل ضعف شبه هذه الثلاثة أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون؛ لأن
النون وإن لم يلق لفظها بالاسم فمعناها لائق. بخلاف "لم" وحرف التنفيس،
وياء المخاطبة فإنها غير لائقة بالاسم لفظا ومعنى.
فلو كان موجب بناء المؤكد1 بالنون] كونها مختصة بالفعل لكان ما اتصل به
أحد الثلاثة مبنيا؛ لأنها أمكن في الاختصاص.
وفي عدم بناء ما اتصلت2 به دلالة على أن موجب البناء3 التركيب إذ لا
ثالث لهما.
وإذا ثبت أن موجب البناء هو التركيب لم يكن فيه لما اتصل به ألف
اثنين4، أو واو جمع أوياء مخاطبة نصيب؛ لأن ثلاثة أشياء لا تركب.
وإذا ثبت هذا علم أن أصل قولك: "هل تفعلان" و"هل
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع ك "ما اتصل".
3 هـ "هو التركيب".
4 ع "ألف الاثنين".
(3/1416)
تفعلن" و"هل تفعلن":
"هل تفعلانن" و"هل تفعلونن"، و"هل تفعلينن".
فاستثقل1 توالي الأمثال، نون الرفع تخفيفا، واكتفي بتقديرها.
وأوثرت الألف بالثبوت لخفتها، وكسرت نون التوكيد بعدها لشبهها بنون
التثنية في زيادتها آخرا بعد الألف2، واستثقلت الواو والياء فحذفتا،
واكتفي بدلالة الضمة والكسرة عليهما3.
فإن كان آخر الفعل ألفا كـ"يخشى" و"يسعى" حذفت الألف، وحركت ياء
المؤنثة واو الجمع بما يجانسها نحو: "هل تخشين يا هند" و"هل تسعون يا
قوم".
ولو كانت4 النون خفيفة لقلت: "هل تخشين يا هند" "هل تسعون يا قوم"5.
ولو كان المسند إليه6 ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة هذا مذهب
سيبويه، وغيره من البصريين.
إلا يونس فإنه يجيز7 أن يؤتى بعد الألف بالنون الخفيفة
__________
1 ع ك "فاستثقلت" هـ "فاستقبل".
2 ع ك "بعد ألف".
3 الأصل "عليها".
4 ع ك "كان".
5 ع ك سقط "يا قوم".
6 ع ك سقط "إليه".
7 هـ "يجيز".
(3/1417)
مكسورة1.
ويعضد قوله قراءة بعد القراء2: [ {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا3 فَدَمَّرْنَاهُمْ4 تَدْمِيرًا5} .
حكاها ابن جني6.
ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان7: {وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 8.
وكمذهب يونس مذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف.
فإن كان المؤكد مسندا إلى نون الإناث زيدت بينها، وبين المؤكدة ألف
تفصل بينهما، ولا تكون النون إلا مكسورة مشددة.
وإذا9 كانت النون خفيفة، ولقيها ساكن حذفت، سواء كان
__________
1 ينظر كتاب سيبويه 2/ 155، 156، 157.
2 علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومسلمة بن محارب.
3 ع ك سقط ما بين القوسين.
4 في الأصل "فدمرناهم".
5 من الآية رقم "36" من سورة "الفرقان".
6 المحتسب 2/ 222.
7 عبد الله بن أحمد بن بشير الدمشقي المتوفى سنة 242 أحد رواة ابن
عامر، ولذا نسب ابن خالويه هذه القراءة لابن عامر "مختصر في القراءات
الشاذة ص58".
8 من الآية رقم "89" من سورة "يونس".
9 ع ك "وإن كانت".
(3/1418)
وما قبلها مفتوحا أو مضموما، أو مكسورا،
ومنه قول الشاعر:
964-
ولا تهين الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
وإذا وقفت على المؤكد بالنون الخفيفة1 أبدلتها ألفا إن وليت2 فتحة
كقولك في قوله تعالى: {لَنَسْفَعَنْ} 3: "لنسفعا".
وكقولي:
.................... ... في "قفن" "قفا"
وكقول النابغة الجعدي:
965-
فمن يك لم يثأر لأعراض قومه ... فإني ورب الراقصات لأثأرا
__________
1 الأصل "وإذا وقفت على المؤكد بالخفيفة".
2 الأصل "أو وليت".
3 من الآية رقم "15" من سورة "العلق".
964- من المنسرح من أبيات قالها الأضبط بن قريع السعدي أحد شعراء
الجاهلية من أبيات، وردت في الحماسة الشجرية 1/ 473، والشعر والشعراء
226، البيان والتبيين 3/ 341، وأمالي القالي: 1/ 108، وزهر الآداب 2/
204، والأغاني 16/ 159، والمثل السائر 1/ 260 علك أن تركع: لعلك تفتقر
بعد غنى.
965- من الطويل قاله النابغة الجعدي، كما قال المصنف "الديوان ص76"
الرقص: الارتفاع والانخفاض، وقد أرقص القوم في سيرهم: إذا كانوا
يرتفعون وينخفضون.
(3/1419)
فإن لم تل فتحة حذفتها1 ورددت إلى الفعل ما
حذف من أجلها.
فتقول في "اخرجُنْ" و"اخرجِنْ": "اخرجوا" و"اخرجي".
وفي: "هل تخرُجُنْ"2 و"هل تخرجِنْ": "هل تخرجون" و"هل تخرجين".
وهذا مما يدل على أن المسند إلى الواو والياء كان قبل الوقف معربا
تقديرا، إذ لو كان قبل الوقف مبنيا3 لبقي بناؤه؛ لأن الوقف عارض فلا
اعتدال بزوال ما زال4 [من أجله، كما لا اعتداد بزوال ما زال5] لالتقاء
الساكنين نحو: "هل تذكر الله".
والأصل: "هل تذكرون". فحذفت النون الخفيفة لالتقاء الساكنين، وبقيت
فتحة الراء الناشئة عن النون من كونها زائلة.
__________
1 في الأصل "فتحتها".
2 الأصل "يخرجن".
3 هـ "مثبتا".
4 هـ "قال".
5 هـ سقط ما بين القوسين.
(3/1420)
فصل في التنوين:
1
"ص"
إن يبد لفظا دون خط نون ... كـ"ابسط يدا" فذلك التنوين
وهو لتنكير، وصرف، وعوض ... نحو "صه" "صمتا" "إذ" وم العوض
ما في "جوار" و"يعيل" وجعل ... مقابلا في "عرفات" فقبل2
وعوضا من مدة المطلق جا ... كـ"الأتحمي3 أنهجن" أي: أنهجا
وزيد في التنوين غال، وأبى ... أبو سعيد -وحده- ذا المذهبا
"ش" التونين على ضربين:
أحدهما: خاص بالاسم.
والآخر: مشترك فيه.
فالخاص بالاسم: تنوين التنكير، وتنوين الصرف وتنوين العوض، وتنوين
المقابلة.
فتنوين التنكير: كتنوين "صه". فإن "صه" -بلا تنوين- بمعنى: اسكت
السكوت. وبالتنوين بمعنى: اسكت سكوتا ما4.
ومن تنوين التنيكر تنوين عجز "سيبويه" [ونحوه.
__________
1 هـ سقط "في".
2 س تأخر هذا البيت عن البيت الذي يليه.
3 ط "كالأنحمي" ع "كالأحمى".
4 هـ سقط "ما".
(3/1421)
تقول: "مررت بسيبويه"، فلا تنون حين تقصد
المعرفة.
و"مررت بسيبويه1] آخر" فتنون حين تقصد النكرة.
وتنوين الصرف كتنوين "رجل"، وغيره من الأسماء المعربة العارية من موانع
الصرف. وقد يتوهم أن تنوين "رجل" تنوين تنكير، وليس كذلك؛ لأنه لو سمي
به مذكر لبقي تنوينه مع زوال التنكير، فلو كان تنوين تنكير2 لزال بزوال
مدلوله.
وتنوين العوض على ضربين:
أحدهما: ما عوض من الإضافة كالذي في قوله تعالى: {وَانْشَقَّتِ
السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} 3.
فإن أصله: فهي يوم إذا انشقت السماء واهية. فحذفت الجملة، وجيء
بالتنوين فالتقى ساكنان فكسرت الذال لالتقاء الساكنين.
والثاني كالذي في نحو: "هؤلاء جوار" و"هذا يرم" في رجل سميته بـ"يرمي".
وكذاكل ما آخره ياء قبلها كسره مما لا ينصرف نظيره من الصحيح كـ"يعيل"
تصغير "يعلي"، فإنه نظير "يعيمر"4 تصغير "يعمر"5.
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 ع ك "التنكير".
3 من الآية رقم "16" من سورة "الحاقة".
4 هـ "معيمر".
5 هـ "معمر".
(3/1422)
وكون هذا التنوين عوضا لا تنوين صرف هو
مذهب سبيويه والمبرد.
إلا أن سيبويه جعله عوضا من الياء1.
والمبرد جعله عوضا من ضمة الياء وكسرتها2.
والصحيح مذهب سيبويه؛ لأنه لو كان عوضا من الحركة لكان ذو الألف أولى
به من ذي الياء؛ لأن حركة ذي الياء غير متعذرة، فهي لذلك في حكم
المنطوق بها.
بخلاف حركة ذي الألف، فإنها3 متعذرة، وحاجة المتعذر إلى التعويض أشد من
حاجة غير المتعذر.
وأيضا- لو كان التنوين المشار إليه عوضا من الحركة لألحق مع الألف،
واللام كما ألحق معهما4 تنوين الترنم في قوله:
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 2/ 59:
"وسألناه عن بيت أنشدناه يونس:
قد عجبت مني ومن يعيليا ... لما رأتني خلقا مقلوليا
فقال: هذا بمنزلة قوله:
...................... ... ولكن عبد الله مولى مواليا
فجاء به على الأصل".
2 هـ فكسرتها.
3 ع ك "لأنها".
4 هـ "معها".
(3/1423)
966-
أقلي اللوم عاذل والعتابا ... ................................
فإن قيل: لم حذفت الياء أولا؟
قلنا: لما كانت ياء المنقوص المنصرف قد تحذف1 تخفيفا، ويكتفى بالكسرة
التي قبلها، وكان المنقصو الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما
كان جائزا في الأدنى؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر.
إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم.
ثم جيء بعد الحذف بالعوض كما فعل في "إذ" حين حذف ما تضاف2 إليه.
ومن النحويين من يذهب إلى3 أن تنوين "جوار"، ونحوه تنوين صرف.
لأن الياء حذفت، فصار الاسم بعد حذفها شبيها بـ"جناح"4.
__________
1 الأصل "يحذف".
2 الأصل "يضاف".
3 ع ك "ومن النحويين من يرى أن".
4 هـ "شبيها بيحتاج".
966- صدر بيت من الوافر قاله جرير في مطلع قصيدة عدتها تسعة ومائة بيت
يهجو الراعي النميري والفرزدق، وعجز البيت:
............................ ... وقولي إن أصبت لقد أصابن
"ديوان جرير 64".
(3/1424)
وهذا قول ضعيف؛ لأن الياء حذفت تخفيفا
وثبوتها1 منوي، ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها.
وما حذف تخفيفا ونوي ثبوته فلا اعتداد بحذفه.
ولهاذ لو سمي بـ"كتف": امرأة ثم سكن تخفيفا لم يجز صرفه جواز صرف
"هند"؛ لأن الحركة منوية فلم يعتد بالسكون.
ولو قيل في "جيأل"2 -اسم رجل: "جيل" فم يجز صرفه، وإن كان في اللفظ
ثلاثيا؛ لأن الهمزة منوية الثبوت، ولذلك لم تقلب الياء ألفا لتحركها،
وانفتاح ما قبلها، وأمثال ذلك كثيرة.
فإن أورد جندل3 ونحوه، فإن أصله "فعالل"، فحذفت ألفه ونوي ثبوتها لئلا
تتوالى4 أربع حركات في كلمة واحدة، ومع ذلك صرف اعتبارا بعارض الحذف.
والجواب أن يقال:
لا أسلم5 أن تنوين "جندل" ونحوه تنوين صرف، وإنما هو
__________
1 هـ "وتنوينها".
2 جيأل، وجيألة: الضبع -وهو معرفة بغير الألف واللام.
3 الجندل: المكان الغليظ فيه حجارة، أو هو جمع جندل -كما قال المصنف.
4 ع ك "تتوالى".
5 في الأصل "نسلم".
(3/1425)
تنوين جيء به عوضا عن1 الألف كما جيء
بتنوين "جوار" عوضا من الياء، فاندفع المعارض، وصح عدم الاعتداد
بالعارض.
وتنوين المقابلة: تنوين "مسلمات"، ونحوه من الجمع بالألف والتاء، فإنه
جمع قصد به في2 المؤنث من سلامة نظم الواحد واتحاد لفظ الجر والنصب ما
قصد في "مسلمين" ونحوه. فقوبلت الياء بالكسرة، والنون بالتنوين.
ولذلك إذا سمي بـ"مسلمات" بقي تنوينه كما يبقى نون "مسلمين" إذا سمي
به. ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَات} 3.
وقول الشاعر:
967-
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
__________
1 ع ك هـ "من الألف".
2 ع ك سقط "في".
3 من الآية رقم "198" من سورة "البقرة".
967- من الطويل قاله امرؤ القيس الكندي "الديوان ص47".
قال المبرد في الكامل: المتنور الذي يلتمس ما يلوح له من النار.
وقيل: المتنور إنما هو الذي ينظر إلى النار من بعد، اراد قصدها أم لم
يرد. أذرعات: موضع بالشام، يثرب: مدينة الرسول عليه السلام.
ومن هنا كان النظر إلى دارها بالقلب لا بالعين لأن ذلك ممتنع عادة.
(3/1426)
فلو كان تنوين "مسلمات" تنوين صرف لزال عند
العملية، كما يزول تنوين "مسلمة" إذا صار علما، فإن في كل منهما بعد
التسمية من العلمية، والتأنيث ما في الآخر.
وتأنيث "مسلمات" أحق بالاعتبار لوجهين:
أحدهما: أنه تأنيث معه جمعية.
والثاني: أنه تأنيث بعلامة لا تتغير في الوقف.
بخلاف تأنيث "مسلمة". واعتبار ما1 لا يتغير وصلا، ولا وقفا أولى من
اعتبار ما يتغير وقفا.
وأما التنوين المشترك فيه فهو الذي يسمى "تنوين الترنم"، وإنما هو عوض
من الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة2 تجانس حركة الراوي.
فالأصل إذا قيل تنوين الترنم: تنوين ذي الترنم. فحذغ المضاف، وأقيم
المضاف إليه مقامه.
قال سيبويه3: "أما إذا ترنموا، فإنهم يلحقون الياء والألف، والواو؛
لأنهم أرادوا مد الصوت. وإذا أنشدوا لم يترنموا.
__________
1 هـ "ها لا بتغير".
2 هـ "بمدته".
3 الكتاب 2/ 299.
(3/1427)
فأهل الحجاز يدعون القوافي على حالها في
الترنيم.
وناس كثير من بين تميم يبدلون مكان المدة النون، لما لم يريدوا الترنم
أبدلوا مكان المدة نونا، ولفظوا بتمام البناء -كما فعل أهل الحجاز ذلك
بحروف المد. سمعناهم يقولون:
968- يا أبتا علك أو عساكا
وقال العجاج:
969-
يا صاح ما هاج الدموع الذرفا
وقال:
970-
من طلل كالأتحمي أنهجا
وكذلك يفعلون في الجر، والرفع"، هذا نص سيبويه.
فهذا التنوين مخالف لغيره بوجهين:
__________
968- ينسب هذا الرجز إلى رؤبة، وهو في ملحقات ديوانه ص 181. وفي
الخزانة 2/ 441 قال: هو للعجاج أو رؤبة وقد سبق الاستشهاد بهذا الرجز.
969- هذا مطلع أرجوزة للعجاج "ملحقات الديوان 82" ورواية الديوان.
...........العيون الذرفا
ذرف الدمع: سال. وذرفت العين الدمع: أسالته
970- رجز للعجاج "الديوان ص7" وقبله:
ما هاج أحزانا وسجوا قد شجا
الأتحمي: البرد المخطط، أنهج: بلي.
(3/1428)
أحدهما: أنه يلحق1 الاسم وغيره مما ينون في
الأصل، وما2 لا ينون.
والثاني: أنه يلحق3 في الوقف وغيره.
وهذا4 التنوين يحذف في الوقف بعد غير الفتحة، ويبدل ألفا بعد الفتحة،
ولأجل الاشتراك فيه لم يمتنع مما فيه الألف، واللام كقول الشاعر5:
أقلي اللوم عاذل والعتابا ... ...................
ولا من فعل كقوله:
................... ... وقولي: إن أصبت لقد أصابا
وذكر العروضيون تنوينا يسمونه الغالي، وهو تنوين يزاد بعد حرف6 الروي
المقيد، وينشدون مستشهدين عليه قول رؤبة:
971-
وقاتم7 الأعماق خاوي المخترق
__________
1 الأصل "لحق".
2 الأصل "مما".
3 الأصل "لحق".
4 في جميع النسخ من "التنوين"، وهذا لا يتفق وسياق الحديث.
5 هذا صدر بيت من الوافر ذكر المصنف عجزه، وهو لجرير "الديوان 64" وقد
سبق الاستشهاد به قريبا.
6 الأصل "حذف".
7 هـ "وخاتم".
971- مطلع قصيدة مرجزة مشهورة لرؤبة "الديوان 104".
قاتم: القتمة: الغبرة وهو صفة لموصوف محذوف تقديره ورب بلد قاتم.
الأعماق: جمع عمق -فتح العين وضمها- وهو ما بعد من أطراف المفاوز.
الخاوي: الخالي، المخترق: مكان الاحتراق.
(3/1429)
- بكسر القاف وزيادة تنوين بعده.
وأنكر أبو سعيد السيرافي هذا التنوين، ونسب رواته إلى الوهم1 بأن قال:
"إنما سمع رؤبة يسرد هذا الرجز ويزيد" "إن" في آخر كل بيت، فضعف لفظه
بهمزة "إن" لا نحفازه في الإيراد، فظن السامع أنه نون وكسر الروي.
وهذا الذي ذهب إليه أبو سعيد تقرير2 صحيح مخلص من زيادة ساكن على ساكن
بعد تمام الوزن.
__________
1 هـ "إلى الفهم".
2 الأصل "تقدير".
(3/1430)
|