شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي

قال: " الإِبْدالُ: جَعْلُ حَرْفٍ مَكَانَ حَرفٍ غَيْرِهِ، وَيُعْرَفُ بِأمْثِلَةِ اشْتِقَاقِهِ كَتُرَاثٍ وَأجُوهٍ، وَبِقلَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كالثَّعَالِي، وبكونه فرعا والحرف زائد كضويوب، وَبِكَونِهِ فَرْعاً وَهُوَ أَصْلٌ كَمُوَيْهٍ، وَبِلُزُوم بِنَاءٍ مَجْهُولٍ نَحْوُ هَرَاقَ وَاصْطَبَرَ وادَّارَكَ " أقول: الإبدال في اصطلاحهم أعم من قلب الهمزة، ومن قلب الواو، والياء، والألف، لكنه ذكر قلب الهمزة في تخفيف الهمزة مشروحاً، وذكر قلب الواو والياء، والألف في الإعلال مبسوطاً، فهو يشير في هذا الباب إلى كل واحد منها مجملاً، ويذكر فيه إبدال غيرها مفصلاً، ويعنى بأمثلة اشتقاقه الأمثلة التي اشتقت مما اشتق منه الكلمة التي فيها الابدال، كترات (1) فإن أمثلة اشتقاقه في وَرِثَ يرث وارثٍ موروثٍ، وجميعها مشتق من الوِرَاثة، كما
أن تراثاً مشتق منها، وكذا تَوَجّه ومُواجهة ووَجِيه مشتقة من الوجه الذي أُجُوه مشتق منه، فإذا كان في جميع أمثلة اشتقاقه مكان حرف واحد منه حرفٌ آخَرُ عرفت أن الحرف الذي فيه بدل مما هو ثابت في مكانه في أمثلة اشتقاقه.
قوله " وبقلة استعماله " أي: بقلة استعمال اللفظ الذي فيه البدل، يعني إذا كان لفظان بمعنى واحد ولا فرق بينهما لفظاً إلا بحرف في أحدهما يمكن أن يكون بدلاً من الحرف الذي في الآخر فإن كان أحدهما أقل استعمالاً من الآخر فذلك الحرف في ذلك الأقل استعمالاً بدل من الحرف الذي في مثل ذلك الموضع
__________
(1) التراث - كغراب -: المال الموروث، انظر (ح 1 ص 207) (*)

(3/197)


من الأكثر استعمالاً، كما ذكرنا في أول الكتاب (1) في معرفة القلب، والثعالِي والثعالب بمعنى واحد، والأول أقل استعمالاً من الثاني قوله " وبكونه فرعاً والحرف زائد " أي بكون لفظٍ فرعاً للفظ، كما أن المصغر فرع المكبر، وفي مكان حرفٍ في الأصل حرفٌ في الفرع يمكن أن يكون بدلاً منه كما أن واو ضويرب بدل من ألف ضارب، أو يكونَ حرفُ الأصل بدلاً من حرفِ الفرع، كما أن ألف ماء وهمزته بدلان من الواو والهاء اللذين في مُوَيْه، فأنت بفرعية لفظ للفظ ومخالفة حرفِ أحدهما لحرف الآخر لا تعرف إلا أن أحدهما بدل من الآخر ولا تعرف أيُّهما بدل من الآخر، بل معرفة ذلك موقوفة على شئ آخر، وهو أن يُنْظر في الفرع، فإن زال فيه موجب الإبدال الذي في الأصل كما زال في مُوَيْه علة قلب الواو ألفاً بانضمام ما قبلها، وعلة قلب الهاء همزة - وهي وقوع الهاء التي هي كحرف العلة بعد الألف التي كالزائدة - عرفت أن حرف الفرع أصل، وإن عرض في الفرع علة الإبدال التي لم تكن في الأصل كما عرض بضم فاء ضُوَيْرِب علة قلب ألف ضارب
واواً عرفت أن حرف الفرع فرع قوله " وبكونه فرعاً " أي: بكون لفظه فرعاً " والحرف زائد ": أي الحرف الذي هو مبدل منه زائد كألف ضارب قوله " وهو أصل " أي: الحرف المبدل منه أصل كواو مويه وهائه، ولا شك في انغلاق ألفاظه ههنا قوله " وبلزوم بناء مجهول " أي: يعرف الإبدال بأنك لو لم تحكم في كلمة بكون حرف فيها بدلاً من الآخر لَزِمَ بناء مجهول، كما أنك لو لم تحكم بأن هاء
__________
(1) انظر (ح 1 ص 24) (*)

(3/198)


هَرَاق (1) بدل وكذا طاء اصْطَبر والدال الأولى من ادَّارك لزم بناء هَفْعَل وافْطَعَل وافَّاعَلَ وهي أبنية مجهولة، ولقائل أن يمنع ذلك في افْطَعَل وافَّاعل، وذلك أن كل ما هو من هذين البناءين افتعل وتفاعل، وفاء الأول حرف إطباق وفاء الثاني دال أو تاء أو ثاء أو غير ذلك مما يجئ في بابه، فإن بعد فاء الأول طاء وجوبا وقبل فاء الثاني حرفاً مدغماً فيه جوازاً فهما بناءان مطردان لا مجهولان، بلى يعرف كون الحرفين في البناءين بدلين بأن الطاء لا تجئ في مكان تاء الافتعال إلا إذا كان قبلها حرف إطباق، وهي مناسبة للتاء في المخرج ولما قبلها من حروف الإطباق بالإطباق فيغلب على الظن إبدال التاء طاء لاستثقالها بعد حرف الإطباق ومناسبة الطاء لحرف الإطباق والتاء، وكذا الكلام في الحرف المدغم في نحو ادَّكر واثاقل.
قال: " وحروفه أنصت يوم جد طَاهٍ زَلَّ، وقول بعضهم: اسْتَنْجَدَهُ يَوْمَ طَالَ وَهُمٌ في نَقْص الصَّادِ والزَّاي لِثُبُوتِ صِرَاطٍ وَزَقَرَ، وَفِي زِيَادَة السِّينِ، وَلَوْ أَوْرَدَ اسَّمَعَ وَرَدَ اذَّكَرَ وَاظَّلَمَ "
أقول: يعني بحروف الإبدال الحروف التي قد تكون بدلاً من حروف أخر، فأما الحروف التي هذه الحروف بدل منها فتجئ عند التفصيل.
قوله: " وقولهم استنجده يوم طال " قوْل صاحب المفصل، ولم يعد سيبويه في باب البدل الصاد والزاي، وعدهما السيرافي في آخر الباب، وعد معهما شين الكشكشة التي هي بدل من كاف المؤنث قال: 156 - تَضْحَكُ مِنِّي أنْ رَأَتْنِي أحْتَرِشْ * وَلَوْ حَرَشْتِ لَكَشَفْتِ عن حرش (2)
__________
(1) انظر في كلمة " هراق " (ح 2 ص 384، 385) (2) هذا البيت من الرجز، وقد استشهد به المؤلف في شرح الكافية أيضا (الشاهد 956) ولم ينسبه البغدادي في شرح الكتابين، وأحترش: مضارع (*)

(3/199)


وأما التي تزاد بعد كاف المؤنث نحو أكر متِكش فليست من هذا، ولم يعد سيبويه السين كما عدها الزمخشري، ولا وجه له، قالوا: وجاء الثاء بدلاً من الفاء، حكى أبو على عن يعقوب ثروغ (1) الدلو، وفروغها، وهو من التفريغ، وكذا الباء من الميم، حكى أبو علي عن الأصمعي: ما اسْبُك: أي ما اسْمُك؟ وقد جاء الحاء في الشعر بدلاً من الخاء شاذاً، قال: 157 - يَنْفُحْنَ مِنْهُ لَهَباً مَنْفُوحاً * لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا (4) قال رؤبة: 158 - غَمْرُ الأَجَارِي كَرِيمُ السِّنْحِ * أبْلَجُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشح (2)
__________
من الاحتراش، وهو صيد الضب خاصة، ويقال: حرشه يحرشه - من باب ضرب - واحترشه كذلك، وأصله أن يدخل الحارش يده في جحر الضب
ويحركها فيظنه الضب حية فيخرج ذنبه ليضربها به فيصيده، وحرشت وكشفت بكسر التاء، على خطاب الانثى، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والاستشهاد به في قوله " حرش " حيث أبدل من كاف خطاب المؤنثة، وأصله " حرك " وهذه لغة بني عمرو بن تميم (1) ثروغ الدلو: جمع ثرغ - بفتح فسكون - وهو ما بين عراقى الدلو، والثاء فيه بدل من الفاء، ويقال: فرغ، وفراغ - ككتاب - وفى القاموس: الفرغ مخرج الماء من الدلو بين العراقى (2) هذا البيت من الرجز المشطور، ولم نعرف قائله، وقد أنشده ابن جنى في سر الصناعة عن ابن الاعرابي ولم ينسبه، وينفحن - بالحاء المهملة - أصله ينفخن - بالخاء المعجمة - فأبدل الخاء حاء، واللهب: ما تطاير من ألسنة النيران، والذاكى: الشديد الوهج.
ومقدوح: اسم مفعول، من قدح الزند ونحوه، إذا أخرج منه النار، والاستشهاد بالبيت في " ينفحن " حيث أبدل الخاء المعجمة حاء مهملة (3) هذا بيت لرؤبة بن العجاج ذكر البغدادي أنه من قصيدة له يمدح فيها (*)

(3/200)


وجاء الراء بدلاً من اللام شاذاً، كقولهم في الدِّرع: نَثْرَةٌ (1) وَنَثْلَةٌ (2) وذلك لأنهم قالوا: نَثَلَ عليه دِرْعَه، ولم يقولوا: نَثَرَهَا، فاللام أعم تصرفاً، فهي الأصل، والفاء تكون بدلاً من الثاء، حكى أبو علي عن يعقوب: قام زيد فُمَّ عَمْرو، وقالوا: جَدَث وجَدَف (3) والفاءُ بدل، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وجاء الكاف بدلاً عن القاف، يقال: عربي كُحٌّ (4) وقُحٌّ وجاء في
__________
أبان بن الوليد البجلى، وقد رجعنا إلى ديوانه فوجدنا هذه القصيدة، وأولها إنى على جنابة التنحي * وعض ذاك المغرم الملح لا أبتغى سيب اللئيم القح * قد كان من نحنحة وأح
* يحكى سعال الشرق الابح * ولكنا لم نجد بيت الشاهد في هذه القصيدة، ووجدناه في زيادات الديوان من أبيان هكذا: فابتكرت عاذلة لا تلحى * قالت ولم تلح وكانت تلح عليك سيب الخلفاء البجح * غمر الاجارى كريم السنح أبلج لم يولد بنجم الشح * بكل خشباء وكل سفح والغمر - بفتح فسكون -: الماء الكثير الساتر، والاجاري: جمع إجريا - بكسر الهمزة والراء بينهما جيم ساكنة وبعد الراء ياء مشددة - وهو ضرب من الجرى، والسنح - بكسر فسكون -: الاصل، وأصله السنخ - بالخاء - فأبدل منها حاء مهملة، وهو محل الاستشهاد بالبيت، والشح: البخل (1) النثرة: الدرع السلسة الملبس، أو الواسعة، ومثلها النثلة: الراء بدل من اللام، قالوا: نثل الدرع ينثلها - من باب ضرب - إذا ألقاها عنه، ولم يقولوا: نثرها.
(2) الجدث: القبر، وجمعه أجدث وأجداث، وقالوا فيه: جدف، فأبدلوا من الثاء فاء، كما قالوا: فوم في ثوم (3) الكح: هو القح - بالقاف - وهو الخالص من كل شئ، يقولون: لئيم قح، إذا كان معرقا في اللؤم، وأعرابى قح، إذا لم يدخل الامصار ولم يختلط بأهلها.
(*)

(3/201)


الجمع أقْحَاح، ولم يقولوا: أكحاح، وجاء الكاف بدل من التاء، قال: 159 - يا ابن الزبير طالما عصيكا * وطالما عنيتنا إِلَيْكَا * لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكا (1) *
ويجوز أن يكون وضَعَ الضمير المنصوب مقام المرفوع، وتكون العين في تميم بدلاً من الهمزة في أن وهي عنعنة تميم، قال:
__________
(1) هذا البيت من الرجز المشطور، أنشده أبو زيد في نوادره، ونسبه لراجز من حمير ولم يعينه، وأنشده صاحب اللسان غير منسوب إلى أحد، وابن الزبير: أراد به عبد الله بن الزبير بن العوام حوارى النبي صلى الله عليه وسلم، و " عصيكا " أراد به عصيت، و " عنيتنا " من العناء وهو الجهد والمشقة، و " قفيكا " أراد به قفاك فأبدل الالف ياء مع الاضافة إلى الكاف كما تبدلها هذيل عند الاضافة إلى ياء المتكلم، نحو قول أبي ذؤيب سبقوا هوى وأعنقوا لهواهمو * فتخرموا ولكل جنب مصرع وعليها قرئ قوله تعالى (فمن تبع هدى) .
والاستشهاد بالبيت في قوله " عصيكا " وقد اختلف العلماء في تخريجه، فذهب بعضهم إلى أنه من وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع، كما تراهم فعلوا ذلك في قولهم " لولاى ولولاك ولولاه " وفى قولهم " عساك وعساه " من نحو قول رؤبة.
تقول بنتى قد أنى أناكا * يا أبتا علك أو عساكا وذهب أبو الفتح ابن جنى تبعا لشيخه أبى على أبى على الفارسى إلى أنه من إبدال الحرف مكان الحرف إبدالا تصريفيا، قال ابن جنى: " أبدل الكاف من التاء لانها أختها في الهمس، وكان سحيم إذا أنشد شعرا قال: أحسنك والله، يريد أحسنت " اه (*)

(3/202)


160 - أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً * مَاءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ (1) وإنما لم يعدّ المصنف هذه الأشياء لقلتها وكونها شواذ قوله " وزيادة السين " قالوا: السين بدل من الشين في السِّدَّة وَالشِّدَّة
ورجل مَشْدُود وَمَسْدُود، والشين أصل، لكونها أكثر تصرفاً، وقالوا في اسْتَخَذ: إن أصله اتخذ من التخذ، فهي بدل من التاء، وقيل أيضاً: أصلها اسْتَخَذ فأذن لا حجة فيه، وبمثله تمسّك الزمخشري، لا باسَّمَعَ كما قال المصنف، وإنما لم يعدّ سين نحو اسَّمَع والذال والظاء في اذَّكَر وَاظَّلَم في حروف البدل لأن البدل في هذه الأشياء ليس مقصودا بذاته، بل لما كان السين والذال والظاء مقاربة للتاء في المخرج وقصد الإدغام ولم يمكن في المتقاربين إلا بجلعهما متماثلين قلبت التاء سيناً وذالاً وظاء، لما سيجئ في باب الإدغام، فلما كان البدل لأجل الإدغام لم يعتد به.
قال: " فَالْهَمْزَةُ تُبَدَل مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ وَالْعَيْنِ وَالْهَاءِ، فَمِنَ اللِّينِ إعْلاَلٌ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ وَقَائِلٍ وَبَائِعٍ وَأَوَاصِلَ، وَجَائِزٌ فِي أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَأَمَّا نَحْوُ دَأَبَّةٍ وَشَأَبَّةٍ وَالْعَأْلَمِ وَبَأْزٍ وَشِئْمَةٌ وَمُؤقِدٍ فَشَاذَ، وأَبَابُ بَحْرٍ أَشَذُّ، وَمَاءٌ شَاذ " أقول: قوله " في نحو كساء ورداء " ضابطه كل واو وياء متطرفتين، أصليتين كانتا ككساء ورداء، أولاً كَعِلْبَاءٍ (2) ورِدَاء، في ترخيم رداوى،
__________
(1) هذا بيت من البسيط، وهو مطلع قصيدة لذى الرمة غيلان بن عقبة، وأعن: يروى في مكانه أأن - بهمزة استفهام داخلة على أن المصدرية، ومن رواه أعن فقد أبدل الهمزة عينا، وترسمت: تبينت ونظرت، والاصل فيه ترسم الدار: أي تعرف رسمها.
وخرقاء: لقب مية صاحبته، والصبابة: رقة الشوق، ومسجوم: سائل منسكب.
والاستشهاد بالبيت في " أعن " حيث أبدل الهمزة عينا (2) علباء: انظر (ص 177 من هذا الجزء) (*)

(3/203)


واقعتين بعد ألف زائدة، فإنهما تقلبان ألفين، ثم تقلب الألف همزة، كما تقدم.
قوله " وقائل وبائع " ضابطه كل واو وياء هي عين فاعِلٍ الْمُعَلّ فعله أو
فاعِلٍ الكائن للنسب كسائف (1) ، لكونه كاسم الفاعل من ساف يسيف، فإنه تقلب الواو والياء ألفاً ثم تقلب الألف همزة، كما تبين قبل.
قوله " وأواصل " ضابطه كل واوين في أول الكلمة ليست ثانيتهما زائدة منقلبة عن حرف آخر، نحو أَوَاصِلَ وأواعد من وعد على وزن جَوْرَب وأوعاد على وزن طُومار (2) فإنه تقلب أولاهما همزة قوله " أُجوه وأُورِيَ " ضابطه كل واو مضمومة ضمة لازمة: في الأول كانت، أو في الوسط، والتي في الأول سواء كانت بعدها واو زائدة منقلبة عن حرف كأُورِي، أولا كأجُوه، قولنا " ضمة لازمة " احتراز عن ضمة الإعراب، والضمة للساكنين، وعند المازني هذا القلب مطرد في الواو المتصدرة المكسورة أيضاً نحو إفَادَة وَإشَاح قوله " نحو دَأبَّة " ذكرنا حاله في التقاء الساكنين، وكذا حال الْمُشْتئِقِ في قوله: * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (3) * فقد حرك الشاعر الألف بعد قلبها همزة للضرورة، وحكى الفراء في غير الضرورة رجل مَئِل: أي كثير المال، وقالوا: لبَّأَ الرجل بالحج، وعن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم، وليس ذلك فراراً من الساكنين، ولكن لتقارب مخرجي الألف والهمزة، وأنشد قوله:
__________
(1) سائف: انظر (ص 112 من هذا الجزء) (2) الطومار: الصحيفة، انظر (ج 1 ص 198، 217) (3) قد مضى في شرح هذا البيت فارجع إليه في (ج 2 ص 250) (*)

(3/204)


161 - يادار سلمى يا سلمى ثم اسلمي *
فخندف هامة هذا العألم (1) بالهمز، وذلك لان ألف عام تأسيس لا يجوز معها إلا مثل السَّاحِم (2) اللاَّزِم، فلما قال: اسْلَمِي همز العألم، ليجري القيافة على منهاج واحد في عدم التأسيس، وحكى اللحياني عنهم بَأُزٌ وأصل ألفه واو، بدليل أبواز، وقالوا: الشِّئْمة (3) ، أصلها الياء، كما قالوا: قطع الله أدْيَه: أي يَدْيَه فردوا اللام (4)
__________
(1) هذا الشاهد من الرجز، وهو للعجاج، وليس البيتان اللذان أنشدهما المؤلف متصلين في الارجوزة، والاول منهما مطلعها، وبعده: * بسمسم أو عن يمين سمسم * وإنما يذكر النحاة هذين البيتين معا - وإن لم يكنا متصلين - ليبينوا أن الارجوزة، مبنية من أولها على غير التأسيس.
والاستشهاد به في قوله " العألم " بالهمز، وأصله العالم، فهمزه لئلا يكون بعضها مؤسسا وبعضها غير مؤسس، وقد همز " الخاتم " في هذه الارجوزة أيضا في قوله: عند كريم منهمو مكرم * معلم آى الهدى معلم * مبارك من أنبياء خأتم * (2) الساجم: اسم فاعل من قولك: سجمت الدمع: أي صببته، ويقولون: سجمت العين الدمع وسجمت السحابة المطر، فالدمع والمطر مسجومان، وربما قالوا: دمع ساجم على النسب (3) الشئمة: الطبيعة، وأصله الشيمة بالياء فهمز (4) قولهم " قطع الله أديه " هو بفتح الهمزة وسكون الدال، وأصلها قطع الله يديه، برد اللام فقلبوا الياء همزة، قال ابن جنى في المحتسب: " وقلبت الياء همزة في قولهم: قطع الله أديه، يريدون يده، فردوا اللام المحذوفة، وأعادوا العين إلى سكونها " (*)

(3/205)


وأبدلوا الياء الأولى همزة، كذا قال ابن جني، ويقال: في أسنانه ألل: أي يلل.
قوله " مؤقد " أنشد أبو علي 162 - * لَحَبُّ الْمُؤْقِدِيْنِ إليَّ مُؤْسَى (1) * بهمز واو الموقدين وموسى، وقرئ (بِالسُّؤْقِ وَالأَعْنَاقِ) مهموزاً، قيل: وجه ذلك أن الواو لما جاورت الضمة صارت كأنها مضمومة، والواو المضمومة تهمز، نحو نَؤُور وَغُؤُور
__________
(1) هذا صدر بيت من الوافر، وعجزه: * وجعدة إذا أضاءهما الوقود * وهو لجرير بن عطية بن الخطفى من قصيدة له يمدح بها هشام بن عبد الملك بن مروان، ومطلعها قوله: عفا النسران بعدك والوحيد * ولا يبقى لحدته جديد وقبل بيت الشاهد قوله: نظرنا نار جعدة هل نراها * أبعد غال ضوءك أم همود قوله " لحب المؤقدين " رويت هذه العبارة على عدة أوجه: أحدها " أحب المؤقدين " على أنه أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر، وثانيها " لحب المؤقدين " بلام الابتداء وبعدها أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر، وأصله لاحب المؤقدين فحذفت الهمزة كما حذفها الشاعر في قوله.
وزادني كلفا بالحب أن منعت * وحب شئ إلي الانسان ما منعا وكما حذفت كثيرا في خير وشر، وثالثها " لحب المؤقدان " باللام بعدها فعل تعجب كالذى في قول الشاعر: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وحب بها مقتولة حين تقتل
وموسى وجعدة ابنا الشاعر، والوقود: مصدر وقدت النار وقودا، ويقال: هو اسم لما توقد به النار (انظر ح 1 ص 15، 160) (*)

(3/206)


قوله " وأباب بحر أشذ " إنما كان أشذ إذ لم يثبت قلبت العين همزة في موضع بخلاف قلب الواو والياء والألف، فإنها تقلب همزة، أنشد الأصمعي 163 - * أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَزُوقِ (1) * الهزوق: المستغرق في الضحك، قال ابن جني: أباب من أبَّ إذا تهيأ، قال: 164 - * وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وَأبَّ لِيَذْهَبَا (2) * وذلك لأن البحر يتهيأ للموج، قال: وإن قلت: هو بدل من العين فهو
__________
(1) هذا البيت من بحر الرجز لم نقف على نسبته إلى من قاله، والاباب: قيل: هو العباب - كغراب - وهو معظم الماء وكثرته وارتفاعه، وقيل: هو فعال من أب: أي تهيأ وذلك لان البحر يتهيأ لما يزخر به، فالهمزة على الاولى بدل من العين، كما أبدلها الشاعر منها في قوله: أريني جَوَاداً مَاتَ هَزْلاً لأَلَّنِي * أرَى مَا تَرَيْنَ أوْ بَخِيلاً مخلدا أراد لعلنى، وهمزة أباب على الوجه الثاني أصل، وضاحك: كناية عن امتلاء البحر، وزهوق: مرتفع، ويروى هزوق " بتقديم الهاء (2) هذا عجز بيت للاعشى ميمون، وصدره مع بيت سابق هكذا: فأبلغ بنى سعد بن قيس بأننى * عتبت فلما لم أجد لى معتبا صرمت ولم أصرمكم، وكصارم * أخ قد طوى كشحا وأب ليذهبا ومن هذا تعلم أن النحاة - ومنهم المؤلف - قد غيروا في إنشاد هذا الشاهد، وقوله " طوى كشحا " كناية، يقولون: طوى فلان كشحه على كذا، إذا أضمره في قلبه وستره، ويقولون: طوى فلان كشحه، إذا أعرض بوده، وأب: تهيأ،
وبابه نصر، والاستشهاد بالبيت في قوله " أب " بمعنى تهيأ، فأنه يدل على أن الا باب في قول الشاعر: * أباب بحر ضاحك هزوق * فعال وهمزته أصلية (*)

(3/207)


وجه، لكنه غير قوي، ومن قال: إنه بدل منه، فلقرب مخرجيهما، ولذا أبدّل منه العين، نحو قوله * أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً (1) ... البيت * قوله " وماء شاذ " هو شاذ لكنه لازم، وأصله مَوَه، قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم شبه الهاء بحرف اللين لخفائها، فكأنها واوا أو ياء واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة، فقلبت ألفاً، ثم همزة، وقالوا أيضاً في أمْوَاه: أمواء، لمثل هذا، قال: 165 - وَبَلْدَةٍ قَالِصَةٍ أَمْوَاؤُهَا يَسْتَنُّ فِي رَأْدِ الضُّحَى أَفْيَاؤُهَا (2) قيل: آل أصله أهل ثم أَألْ - بقلب الهاء همزة - ثم آل - بقلب الهمزة ألفاً - وذلك لأنه لم يثبت قلب الهاء ألفا وثبت قلبها همزة، فالحمل على ما ثبت مثله أولى، وقال الكسائي: أصله أوَل، لأنهم يؤولون إلى أصل، وحكى أبو عبيدة في هَلْ فَعَّلْتَ؟: أَلْ فَعَلْتَ؟ وقيل: إن أصل ألاّ في التحضيض هلا قال: " وَالأَلِفُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَالْهَمْزَةِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لازم في نحو قال وباع
__________
(1) قد سبق قريبا شرح هذا الشاهد فارجع إليه في (ص 203 من هذا الجزء) (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم يتيسر لنا الوقوف على قائله، وقوله " وبلدة " الواو فيه واو رب، و " قالصة " اسم فاعل من قَلَصَ الماء في البئر إذا
ارتفع، و " أمواؤها " جمع ماء، و " يستن " معناه يجرى في السنن، وهو الطريق و " رأد الضحى " ارتفاعه، و " أفياؤها " جمع فئ، وهو الظل.
والاستشهاد بالبيت في قوله " أمواؤها " وللعلماء فيه وجهان: أحدهما أن أصلها أمواهها، فقلب الهاء همزة، كما قلبها في المفرد، والوجه الثاني أن هذه الهمزة هي الهمزة التى في الواحد (*)

(3/208)


وَآلٍ عَلَى رَأْي، وَنَحْوُ يَاجَلُ ضَعِيفٌ، وَطَائِيٌّ شاذٌّ لاَزِمٌ، وَمِنْ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ رَأْسٍ، وَمِنَ الْهَاءِ فِي آلٍ عَلَى رَأْي " أقول: قوله " قال وباع " ضابطه كل واو وياء تحركتا وانفتح ما قبلهما، على الشروط المذكورة في باب الإعلال، قوله " ونحو يَاجَلُ ضعيف " أي: وإن كان مطردا في بعض اللغات، كما ذكرنا في باب الإعلال، وضعفه لقلب الواو الساكنة المفتوح ما قبلها ألفاً قوله " وطائي شاذ " وذلك لما ذكرنا، لكنه واجب قوله " في نحو رأس " مطرد لكنه غير لازم إلا عند أهل الحجاز، وضابطه كل همزة ساكنة مفتوح ما قبلها، وفي نحو آدم لازم ويبدل من النون والتنوين وقفاً في نحو رأيت زيدَا وَلَنَسْفَعَا قال: " والياء مع أختيها وَمِنْ الْهَمْزَةِ وَمِنْ أَحَدِ حَرْفِي الْمُضَاعَفِ وَالنُّونِ وَالْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَالسِّينِ وَالثَّاءِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ مِيقَّاتٍ وَغَازٍ وَأَدْل وَقِيَامٍ وَحِيَاضٍ وَمَفَاتِيحَ وَمْفَيْتِيح وَدِيمَ وَسَيِّد، وَشَاذٌّ فِي نَحْوِ حُبْلَى وَصُيَّم وَصِبْيَةٍ وَيَيْجَلُ، وَمِنَ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ ذِيبٍ، وَمِنَ الْبَاقِي مَسْمُوعٌ كَثِيرٌ فِي نحو أمليت وَقَصَّيْت وَفِي نَحْوِ أَنَاسِيَّ، وَأَمَّا الضَّفَادِي وَالثّعَالِي وَالسَّادِي وَالثَّالِي فَضَعِيفٌ "
أقول: قوله " في نحو ميقات " ضابطه أن يسكن الواو وقبله كسرة، وضابط نحو غازٍ أن يتطرف الواو وقبله كسرة، وضابط نحو أدْلٍ أن يتطرف الواو المضموم ما قبلها على الشرط المذكور، وضابط نحو قِيَام أن تكون العين واواً مكسوراً ما قبلها في مصدر أعِلَّ فعله، وضابط نحو حِياضٍ أن تكون العين واواً في جمع قد سكن عين مفرده، وقبل الواو كسرة، وبعده ألف، وضابط نحو دِيَم أن تكون الواو عيناً قبلها كسرة في جمع ما قد قلبت عينه، وضابط نحو سيِّد أن (*)

(3/209)


يجتمع الواو والياء وتسكن أولاهما، وضابط نحو أغزيت أن تقع الواو رابعة فصاعداً متطرفة مفتوحاً ما قبلها على الشرط المذكور قوله " شاذ في نحو حُبْلَى وَصُيَّم " قد ذكرنا في باب الوقف أن حُبْلَى بالياء مطرد عند فزارة، فكان الأولى أن يقول ضعيف لا شاذ، وكذا ذكرنا أن نحو صُيَّم مطرد وإن كان ضعيفاً، وكذا نحو يَيْجَل، قال أبو علي: هو قياس عند قوم وإن كان ضعيفاً، وحكم الزمخشري بشذوذه، وصِبْيَة وَثِيرَةٌ شاذّ كما ذكرنا قوله " ومن الهمزة " هو واجب في نحو إيت، ومطرد غير لازم في نحو ذيب، وتبدل الياء مكان الواو والألف في نحو مُسْلِمَان وَمُسْلِمُونَ، وفي نحو (قراطيس) وقريطيس لكسر ما قبل الألف، وكذا الألف التي بعد ياء التصغير، نحو حُمَيِّر قوله " كثير في نحو أمليت وَقَصَّيْت " يعني بنحوه ثلاثياً مزيدا فيه يجتمع فيه مثلان ولا يمكن الإدغام لسكون الثاني، نحو أمْلَلْتُ، أو ثلاثة أمثال أولها مدغم في الثاني، فلا يمكن الإدغام في الثالث نحو قَصَّيْت وَتَقَضِّيَ البازي (2) ، فيكره اجتماع الأمثال، ولا طريق لهم إلى الإدغام فيستريحون إلى قلب الثاني ياء لزيادة الاستثقال، وإن كان ثلاثياً مجرداً لم يقلب الثاني، فلا يقال في مددت
مديت، أما قولهم " فَلاَ وَرَبْيِك " أي رَبِّك فشاذ، وأبدلوا أيضاً من أول حرفي التضعيف في وزن فِعَّال، إذا كان اسماً، لا مصدراً، ياء، نحو ديماس (3)
__________
(2) تقضى البازى: مصدر تقضض، بمعنى انقض وقد وقع ذلك في قول العجاج: إذا الكرام ابتدروا الباع بدر * تقضى البازى إذا البازى كسر (3) الديماس - بكسر الدال، وتفتح -: الكن، والحمام، وجمعوه على دماميس ودياميس (*)

(3/210)


وديباج (1) ودينار وقيراط وشيراز، فيمن قال: دَمَاميس وَدَبَابيج ودنانير وقراريط وشراريز، وهذا الإبدال قياس، إذ لا يجئ فِعَّال غير المصدر إلا وأول حرفي تضعيفه مبدل ياء، فرقاً بين الاسم والمصدر، ولا يبدل في المصدر نحو كذّب كذَّاباً، فإن كان الاسم بالهاء كالصِّنَّارة (2) وَالدِّنَّامَةِ (3) لم يبدل، للأمن من الالتباس، وأما من قال دياميس وديابيج فيجوز أن يكون لم يردهما إلى الأصل وإن زالت الكسرة للزوم الياء في آحادهما ويجوز أن يكون آحادهما على وزن فِيعَال في الأصل من غير أن يكون الياء بدلاً من حرف التضعيف، وأما قولهم شواريز بالواو في شيراز فمبنى على أن أصله شِوْرَاز، وإن لم يكن فوعال في كلامهم، ويجوز أن يكون شواريز أصلها شياريز فأبدلت الياء واواً تشبيهاً للياء بالألف في نحو خَاتمٍ وَخَوَاتم فيكون أصله شيراز، وجاز اجْلِيوَاذ (4) واخْريَواط (5) في مصدر اجْلَوَّذ واخْرَوَّط قوله " أناسيّ " يجوز أن يكون جمع إنسى فلا تكون الياء بدلا من النون، كذا قال المبرد، وأن يكون جمع إنسان، والاصل أناسين، وقد
__________
(1) الديباج - بكسر الدال، وتفتح -: الثياب المتخذة من الابريسم، وتجمع على دبابيج وديابيج
(2) الصنارة - بكسر الصاد المهملة وتشديد النون -: شجرة تعظم وتتسع وليس لها نور ولا ثمر، وهو واسع الورق، وورقه شبيه بورق الكرم، والاكثر فيه تخفيف النون، وجمعه صنار (3) الدنامة والدنمة: القصير من كل شئ (4) اجلوذ الليل: ذهب، واجلوذ بهم السير، إذا دام مع السرعة، انظر (ح 1 ص 55، 112) (5) اخروط: أسرع.
أنظر (ح 1 ص 112) (*)

(3/211)


يستعمل أيضا.
فيكون كالظرابى في جمع الظربان (1) وأما العين والباء والسين والثاء، فكقوله: 166 - وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ * وَلِضَفَادِي جمه نقانق (2) وقوله: 167 - لها أشارير من لحم تتمره * من الثعالي ووخز من أرانيها (3)
__________
(1) الظربان - بفتح فكسر، والظرباء -: دابة تشبه القرد على قدر الهر.
انظر (ح 1 ص 198) (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم نقف له على قائل، ويقال: صنعه خلف الاحمر، والمنهل: أصله اسم مكان من نهل بمعنى شرب، ثم استعمل في المورد من الماء، والحوازق: يروى بالحاء المهملة والزاى، وهى الجوانب، ويقال: الحوازق: الجماعات، يريد أنه بعيد مخوف لا يجسر أحد على الدنو منه، والضفادى: الضفادع، واحدها ضفدعة، والجم: أصله الكثير، وما اجتمع من الماء في البئر، ويراد به هنا ماء المنهل لاضافته إلى الضمير العائد إليه، والنقانق:
جمع نقنقة، وهو الصوت المتكرر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " ضفادى " حيث قلب العين ياء وأصله ضفادع (3) هذا بيت من البسيط من قصيدة لابي كاهل اليشكرى - وقبله: كأن رحلى على شغواء حادرة * ظمياء قد بل من طل خوافيها والشغواء: العقاب التى في رأسها بياض، وحادرة: نازلة من عال، ويروى حاذرة، ومعناه المتيقظة، والظمياء: العطشى إلى دم الصيد، والطل: المطر الضعيف، والخوافى: جمع خافية، وهى أربع ريشات في جناح الطائر، والاشارير: جمع إشرارة - بكسر الهمزة - وهى اللحم القديد، وتتمره: تجففه، ويروى متمرة، اسم مفعول من ذلك، وروى منصوبا ومجرورا، وصحفه المبرد.
فرواه مثمرة بالمثلثة.
والثعالى: الثعالب، والوخز: قطع اللحم واحدتها وخزة، والارانى: الارانب، والاستشهاد به في قوله " من الثعالى " وقوله " أرانيها " حيث قلب الباء في كل منهما ياء، وأصله " من الثعالب " " وأرانبها " (*)

(3/212)


وقوله: 168 - إِذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ * فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَأَبُوكِ سَادِي (1) وقوله: 169 - يفديك يازرع أبي وخالي * قد مر يومان وهذا الثالي (2) * وأنت بالهجران لا تبالي * وقد يبدل الياء من الجيم، يقال: شيرة وشييرة في شجرة وشجيرة.
قال: " وَالْوَاوُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَمِنَ الْهَمْزَةِ، فَمنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ضَوَارِبَ وَضُوَيْرِبٍ وَرَحَوِيٍّ وَعَصَوِيٍّ وَمُوقِنٍ وَطُوبَى وَبُوطِرَ وَبَقْوَى، وشَاذّ
ضَعيفٌ فِي هَذَا أَمْرٌ مَمْضُوّ عَلَيْهِ وَنَهُوٌّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجِبَاوَةٍ، وَمِنَ الْهَمْزِ فِي نَحْوِ جُؤَنَةٍ وَجُؤْنٍ " أقول: قوله " ضَوَارب وضُوَيْرب " ضابطه الجمع الأقصى لفاعِلٍ أو فاعَلٍ كحائِطٍ وخَاتَمٍ، أو مصغرهما، وإنما قلبت واواً في فوَاعل حملاً على فُوَيْعل، لأن التصغير والتكسير من واد واحد، وبينهما تناسب في أشياء، كما مر في بابيهما، وكذا تقلب الألف واواً في ضورب وتضورب.
__________
(1) هذا بيت من الوافر، وينسب إلى النابغة الجعدى يهجو فيه ليلى الاخيلية، وينسب أيضا للحادرة، والفسال: جمع فسل، وهو الرذل من الرجال، وقد فسل الرجل فسالة وفسولة.
والاستشهاد به في قوله " سادى " حيث قلب السين ياء وأصله " سادس " (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم نقف له على قائل، وزرع - بضم فسكون -: مرخم زرعة، والاستشهاد به في قوله " الثالى " حيث قلب الثاء ياء، وأصله الثالث.
(*)

(3/213)


قوله " عَصَويّ وَرَحَويّ " ضابطه الألف الثالثة أو الرابعة إذا لحقها ياء النسب، فإنك تقلب الألف واواً، سواء كانت عن واو أو عن ياء، لمجئ الياء المشددة بعدها، وقد مر (1) في باب النسب وباب الإعلال وَجْهُ قلبها واواً، ووجه عدم قلبها ألفا مع تحريكها وانفتاح ما قبلها.
قوله: " موقن وطُوبَى وبوطر " ضابطه كل ياء ساكنة غير مدغمة مضموم ما قبلها بعدها حرفان أو أكثر، إلا في نحو بِيضَان (2) وحِيكَى وضِيزى (3) ، وقولنا " حرفان أو أكثر " احتراز عن نحو بيض.
قوله " وبقوى " ضابطه كل ياء هي لام لفَعْلى اسماً، وكذا يقلب الياء واواً
في نحو عَمَوِيّ قياساً.
قوله " أمر مَمْضُوٌّ عليه " أصله مَمْضُويٌ، لأنه من مضى يمضي، وكذا نَهُوّ عن المنكر أصله نَهُويٌ، كأنه قلب الياء واواً ليكون موافقاً لأَمُور، لأنهم يقولون: هو أَمُورٌ بالمعروف ونهو عن المنكر، ولو قلبوا الواو ياء على القياس لكُسِرَت الضمة فصار نَهِيّاً، فلم يطابق أمُوراً، وقالوا: الْفُتُوَّة (4) والندُوَّة (5) والأصل الْفُتُويَة والنُّدُويَة، وشربت مَشُوًَّا ومَشِيًّا، وهو الدواء
__________
(1) قد ذكر المؤلف علة انقلاب الالف في عصار ورحا واوا في عصوى ورحوى في باب النسب (ح 2 ص 38) وذكر وجه عدم قلب الواو في عصوى ورحوى ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها في باب النسب (ح 2 ص 38) أيضا، وفى باب الاعلال (ص 158 من هذا الجزء) (2) انظر (ص 158 من هذا الجزء) (3) انظر (ص 85 من هذا الجزء) (4) الفتوة: الشباب وحداثة السن، انظر (ح 2 ص 257، 258) (5) الندوة: مصدر ندى، يقال: نديت ليلتنا ندى وندوة، إذا نزل فيها مطر خفيف قدر ما يبل وجه الارض (*)

(3/214)


الذي يُمْشي البطن، وقالوا: جَبَيْتُ الخراج جِبَاية وَجِبَاوَة، والكل شاذ قوله " ومن الهمزة ": وجوباً في نحو أو من، وجوازاً في نحو جُونَة وجون (1) كما مر في تخفيف الهمز، ويجب أيضا في نحو حَمْرَاوان على الأعرف، وحَمْرَاوات وحَمْرَاوِيّ، وضعف أفعو في أَفْعَيِ كما مر في باب الوقف (2) قال: " وَالْمِيمُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ وَالنُّونِ وَالْبَاءِ، فَمِنَ الْوَاوِ لاَزِمٌ فِي فَمٍ وَحْدَهُ وضَعِيفٌ فِي لاَم التَّعْريفِ، وَهِي طَائِيَّةٌ، وَمِنَ النُّونِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ عَنْبَرِ
وشَنْبَاءَ، وَضَعِيفٌ فِي الْبَنَامِ وَطَامَهُ اللهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَمِنَ الْبَاءِ في بنات مخر وَمَا زِلْتُ رَاتِماً وَمِنْ كَثَمٍ " أقول: لم يبدل الميم من الواو إلا في فَم، وهذا بدل لازم، وقد ذكرنا في باب الاضافة أن أصله فَوْهٌ، بدليل أَفْوَاهٍ وأفوه وَفُوَيْهَة وتَفَوَّهْتُ، حذفت الهاء لخفائها، ثم أبدلت الواو ميما لئلا تسقط فيبقى المعرب على حرف، وقال الأخفش: الميم فيه بدل من الهاء، وذلك أن أصله فوْه، ثم قلب فصار فَهْو، ثم حذفت الواو وجعلت الهاء ميماً، واستدل على ذلك بقول الشاعر: * هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا (3) * فهو عنده كقوله: 170 - * لا تقلواها وادلواها دلوا * إن مع اليوم أخاه غدوا (4)
__________
(1) الجؤنة: سلة مستديرة مغشاة جلدا يجعل فيها الطيب والثياب (انظر ص 56 من هذا الجزء) (2) انظر الكلام على هذا في (ح 2 ص 285، 286) (3) قد مضى شرح هذا الشاهد في (ح 2 ص 66) (4) هذا بيت من الرجز، ولم نقف على قائله، وتقلواها: مضارع مسند لالف الاثنين، وأصله من قلا الحمار الاتان يَقْلُوها قَلْواً، إذا طردها وساقها، (*)

(3/215)


في رد المحذوف للضرورة، والميم والواو شفويتان، والميم تناسب اللام والنون لكونهما مجهورتين وبين الشديدة والرخوة قوله " وضعيف في لام التعريف " قال عليه السلام: " لَيْسَ مِنْ امْبرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَر "
قوله " ومن النون لازم " ضابطه كل نون ساكنة قبل الباء: في كلمة كَعَنْبَرٍ، أو كلمتين نحو سَمِيعٌ بَصِير وذلك أنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء، لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق كما يجئ في الإدغام، والنون الخفية ليست إلا في الغنة التي مُعْتَمَدُها الأنف فقط، والباء معتمدها الشفة، ويتعسر اعتمادان متواليان على مَخْرَجي النفس المتباعدين فطلبت حرف تقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء، فوجدت هي الميم، لأن فيه الغنة كالنون، وهو شفوي كالباء، وأما إذا تحركت النون نحو شنب (1) ونحوه فليست النون مجرد الغنة، بل أكثر معتمدها الفم بسبب تحركها، فلا جرم انقلب ميماً، وضعف إبدالها من النون المتحركة، كما قال رؤبة: 171 - ياهال ذات المنطق التمتام * وكفك المخضب البنام (2)
__________
والمراد لا تعنفا في سوقها، وادلواها: مضارع مسند لالف الاثنين كذلك، وتقول: دلوت الناقة دلوا، إذا سيرتها رويدا، يريد لا تشقا على هذه الناقة وارفقا بها، وغدوا: يريد به غدا، برد اللام المحذوفة، ومثله قول لبيد: وَمَا النَّاسُ إلاَّ كَالدِّيَارِ وَأَهْلُهَا * بِها يَوْمَ حلوها، وغدوا بلاقع وكذلك قول عبد المطلب بن هاشم في بعض الروايات: لا يغلبن صليبهم * ومحالهم غدوا محالك (1) الشنب: ماء ورقة وعذوبة وبرد في الاسنان، وفعله شنب - كفرح - والفم أشنب، والمرأة شنباء، وقد قلبوا النون ميما فقالوا شمباء (2) هذا الشاهد من بحر الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج، وهال: مرخم (*)

(3/216)


ويقال: طَامَه الله على الخير: أي طانه، من الطينة (1) : أي جبله، قال: 172 - * ألاَ تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ مِنْهَا حَيَاؤُهَا (2) * ولم يسمع لطام تصرف،
بنات بَخر وَبَنَات مخر: سحائب يأتين قُبُلَ الصيف بيض منتصبات في السماء، وقال ابن السري: هو مشتق من البخار، وقال ابن جني: لو قيل إن بنات مخر من المخر بمعنى الشق من قوله تعالى: (وَتَرَى الفلك فِيهِ مواخر) لم يبعد.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال: ما زلت رَاتِماً على هذا، وراتباً: أي مقيماً، فالميم بدل من الباء، لأنه يقال: رَتَمَ مثل رَتَبَ، قال ابن جني: يحتمل أن تكون الميم أصلاً من الرَّتَمَة، وهى خيط يشد على الإصبع لتستذكر به الحاجة، وهو أيضاً ضرب من الشجر، قال:
__________
هالة، وأصلها الدائرة حول القمر، ثم سمى به، والتمتام: الذي فيه تمتمة: أي تردد في الكلام.
والاستشهاد بالبيت في قوله " البنام " حيث قلب النون ميما وأصله البنان.
(1) الطينة: الجبلة والطبيعة (2) هذا عجز بيت من الطويل، أنشده أبو محرز خلف بن محرز الاحمر، وهو مع بيت سابق عليه قوله: لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا لَهُ قَدْ تَزَيَّنَتْ * عَلَى الأَرْضِ حَتَّى ضَاقَ عَنْهَا فَضَاؤُهَا لَقَدْ كَانَ حُرّاً يستحى أن يضمه * إلى تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ فِيهَا حياؤها ومنه تعلم أن عجز البيت الذى رواه المؤلف قد صحف عليه من ثلاثة أوجه: الاول " إلى " إذا وضع بدلها " ألا " الاستفتاحية، الثاني قوله " فيها " الذى وضع بدله " منها ".
وفى بعض نسخ الشرح " ألا كل نفس " وهى التى شرح عليها البغدادي، فهذا هو التحريف الثالث.
والاستشهاد بالبيت في قوله " طين " ومعناه جبل، وهذا يدل على أن قولهم: طانه الله معناه جبله (*)

(3/217)


173 - هل ينفعنك اليوم إن همت بهم * كثرة مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ (1) وذلك أنه كان الرجل منهم إذا أراد سفراً عمد إلى غُصْنَين من شجرتين يقرب أحدهما من الآخر ويعقد أحدهما بصاحبه، فإن عاد ورأى الغصنين معقودين بحالهما قال: إن امرأته لم تَخُنه، وإلا قال: إنها خانته.
وقال يعقوب: يقال: رأيناه من كَثَم: أي كثب أي قرب، ويتصرف في كثب يقال: أكْثَبَ الأمر: أي قرب قال: " وَالنُّونُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ شَاذٌّ فِي صَنْعَانِيٍّ وَبَهْرَانِيٍّ وَضَعِيفٌ فِي لَعَنَّ " أقول: قوله " في صنعاني وبهراني " منسوبان إلى صَنْعَاء وبَهْرَاء، فعند سيبويه النون بدل من الواو، لأن القياس صَنْعَاوِي، كما تقول في حمراء: حَمْرَاوِي، وهما متقاربان بما فيهما من الغنة، وأيضاً هما بين الشديدة والرخوة وهما مجهروتان، وقال المبرد: بل أصل همزة فَعْلاَء النون، واستدل عليه برجوعها إلى الأصل في صنعاني وبهراني، كما ذكرنا في باب مالا ينصرف، (2)
__________
(1) هذا بيت من الرجز لم نقف له على قائل، وينفعنك: مضارع مؤكد بالنون الخفيفة، لوقوعه بعد الاستفهام، وفاعله قوله " كثرة ما تعطى ".
وإن: شرطية، والرتم: اسم جنس جمعى واحده رتمة، والرتمة: الخيط الذى يشد في الإصبع لتستذكر به الحاجة، والاستشهاد به في قوله " الرتم " وهو مأخوذ من الرتمة، وذلك يدل على أن الميم أصلية وليست مبدلة من الباء، وهذا أحد وجهين للعلماء في قولهم: ما زلت راتما: أي مقيما، وهو وجه ذكره ابن جنى ونقله عنه المؤلف بتوجيه، والوجه الاخر أن الميم بدل من الباء، وهو وجه ذكره أبو عمرو الشيباني كما قال المؤلف، لانهم يقولون: مازلت راتبا، وما زلت راتما، بمعنى واحد.
(2) قد نقلنا لك عبارته التى يشير إليها، واستكملنا بحث هذه المسألة في (ح 2 ص 58، 59) (*)

(3/218)


والأولى مذهب سيبويه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون قوله " وضعيف في لَعَنَّ " قيل: النون بدل من اللام، لأن لعل أكثر تصرفاً، وقيل: هما أصلان لأن الحرف قليل التصرف قال: " وَالتَّاءُ مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالسِّين وَالْبَاءِ والصَّادِ، فَمِنَ الْوَاوِ والْيَاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ عَلَى الأَفْصَحِ، وشَاذّ فِي نَحْوِ أَتْلَجَهُ وَفِي طَسْتِ وَحْدَهُ وَفِي الذَّعَالِتِ ولَصْت ضَعِيفٌ " أقول: قوله " نحو اتعد واتسر " أي: كل واو أو ياء هو فاء افتعل كما مر في باب الإعلال قوله " أتلجه " قال: 174 - رُبَّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلٍ * مُتْلِجٍ كَفَّيْهِ فِي قُتَرِه (1) وضربه حتى أَتْكَأَه (2) ، ومنه تُجَاه (3) وتُكَلة (4) وتيقور (5)
__________
(1) هذا بيت من المديد، وهو مطلع قصيدة لامرئ القيس بن حجر الكندى بعده: قَدْ أتَتْهُ الْوَحْشُ وَارِدَةً * فَتَنَحَّى النَّزْعُ فِي يسره وثعل - كعمر -: أبو قبيلة من طى يقال: إنه أرمى العرب، وهو ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طى، ومتلج: اسم فاعل من أولج: أي أدخل، وأصله مولج، فأبدل من الواو تاء، والقتر، جمع قُتْرَة - بضم فسكون - وهي حظيرة يكَمُن فيها الصياد لئلا يراه الصيد فينفر، ويروى " في ستره "، والاستشهاد بالبيت في قوله " متلج " حيث بدل التاء من الواو كما ذكرنا
(2) اتكأه: أصلها أوكأه، فأبدل من الواو تاء، ومعناه وسده، وقيل: معنى أتكأه ألقاه على جانبه الايسر، وقيل: ألقاه على هيئة المتكئ (3) تقول: قعد فلان تجاه فلان، أي تلقاءه، والتاء بدل من الواو، وأصله من المواجهة (4) انظر (ج 1 ص 215) (5) التيقور: الوقار، وهى فيعول، وأصلها ويقور، فأبدلت الواو تاء، قال العجاج: * فإن يكن أمسى البلى تيقورى * (*)

(3/219)


من الوقار، وتُخَمة (1) وتهمة (2) وتقوى (3) وَتُقَاة وَتَتْرَى (4) من المواترة وتَوْراة من الْوَرْي (5) وهو فَوْعَلة لندور تفعلة، وكذا تولج (6) وتوأم (7) وأُخْت وبنت (8) وَهَنْتٌ وأَسْنَتُوا (9) من السَّنة قوله " طست " لان جمعه طُسُوس لا طُسُوت قوله " وحده " إنما قال ذلك مع قولهم سِتّ لأن الإبدال فيه لاجل
__________
(1) التخمة: الثقل الذى يصيبك من الطعام.
انظر (ح 1 ص 216) (2) التهمة: ظن السوء.
انظر (ح 1 ص 216) (3) التقوى: اسم من وقيت، وأصلها الحفظ، ثم استعملت في مخافة الله، وأصل تقوى وقوى، فأبدلت الواو تاء (4) تترى: أصلها وترى من المواترة وهى المتابعة، أبدلت واوها تاء إبدالا غير قياسي، وانظر (ح 1 ص 195 وص 81 من هذا الجزء) (5) انظر (ص 81 من هذا الجزء) (6) انظر (ص 80 من هذا الجزء) (7) التوأم: الذى يولد مع غيره في بطن: اثنين فصاعدا من جميع الحيوان، وهو من الوئام الذى هو الوفاق، سمى بذلك لانهما يتوافقان في السن، وأصله
ووءم بزنة فوعل كجوهر، فأبدلت الواو الاولى تاء كراهة اجتماع الواوين في صدر الكلمة، وحمله على ذلك أولى من حمله على تفعل، لان فوعلا أكثر من تفعل، وانظر (ح 2 ص 167) (8) قد استوفينا الكلام على هذه الالفاظ في (1 ص 220) وفى (ح 2 ص 255 - 257) فارجع إليها هناك (9) يقال: أسنت القوم، إذا أجدبوا، وأصلها من السنة، فلامها في الاصل واو، وأصل اسنتوا على هذا اسنووا فأبدلت الواو تاء.
وانظر (ح 1 ص 221) (*)

(3/220)


الادغام، وهى تركيب التسديس، وقال: 175 - يَا قَاتَلَ اللهُ بَنِي السِّعْلاَة * عَمْرِو بْنِ يِرْبُوع شِرَارَ النَّاتِ * غيْرِ أعفاء ولا أكيات (1) * وهو نادر قوله " ذعالت " قال: 176 - صَفْقَةَ ذِي ذَعَالِتٍ سُمُولِ * بَيْعَ امْرِئٍ لَيْسَ بِمُسْتَقِيل (2) أي: ذعالب، قال ابن جني: ينبغي أن تكونا لغتين، قال: وَغَيْرُ بعيد أن تبدل التاء من الباء، إذ قد أبدلت من الواو، وهى شريكة الباء من الشفة،
__________
(1) هذه أبيات من الرجز المشطور، وهى لعلباء بن أرقم اليشكرى يهجو فيها بنى عمرو بن مسعود، وقيل بنى عمرو بن يربوع ويقال لهم: بنو السعلاة، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة: أي غولا، فأولدها بنين، وقوله " يا قاتل الله " المنادى فيه محذوف، والجملة بعده دعائية، وقوله عمرو بن
يربوع - بالجر - بدل من السعلاة، وكأنه قال بنى عمرو بن يربوع، وأعفاء: جمع عفيف، وأكيات: أصله أكياس جمع كيس، بتشديد الياء مكسورة - والاستشهاد بالبيت في قوله " النات " وفى قوله " أكيات " حيث أبدل السين تاء (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، وقائله أعرابي من بنى عوف بن سعد، هكذا ذكروه ولم يعينوه.
وصفقة: منصوب على أنه مفعول مطلق، وتقول: صفقت له بالبيع صفقا، إذا أنفذت البيع وأمضيته، وكانوا إذا أبرموا بيعا صفق أحد المتبايعين بيده على يد الاخر: أي ضرب، فكان ذلك علامة على إمضائه، والذعالت: الذعالب، وهى جمع ذعلبة - بكسرتين بينهما سكون - وهو طرف الثوب أو ما تقطع منه، وسمول: جمع سمل - كأسد وأسود - وهو الخلق البالى والمستقيل: الذى يطلب فسخ البيع، والاستشهاد بالبيت في قوله " ذعالت " حيث أبدل الباء تاء على ما بيناه (*)

(3/221)


هذا كلامه، والأولى أن أصلها الباء، لأن الذعالب أكثر استعمالاً، وهو بمعنى الذعاليب، واحدها ذُعْلُوب، وهي قطع الخرق الأخلاق وقالوا في لص: لَصْت: وجمعوه على اللُّصُوت أيضاً، قال: 177 - فَتَرَكْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْنَاؤُهَا * وَبَنِي كِنَانَة كَاللُّصُوتِ الْمُرَّدِ (1) وجاء بدلاً من الطاء، قالوا: فُسْتَاطٌ في فسطاط (2) قال: " وَالْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالأَلِفِ وَالْيَاءِ وَالتَّاءِ، فَمِنَ الْهَمْزَةِ مَسْمُوعٌ فِي هَرَقْتُ وَهَرَحْتُ وَهِيَّاكَ وَلَهِنَّكَ وَهِنْ فَعَلْتَ، في طيئ، وَهَذَا الَّذِي فِي أذَا الَّذِي، وَمِنَ الأَلِفِ شَاذٌّ في أَنَهُ وَحَيَّهلهْ وفى مه مستف؟ ؟ وَفِي يَاهَنَاهْ عَلَى رَأي، وَمِنَ الْيَاءِ فِي هذِهِ، وَمِنَ التَّاءِ في باب رحمة؟ قفا "
أقول: يقال هَنَرتُ الثوب: أي أنرته (3) وَهَرَحْتُ الدابة: أي أرَحْتَها،
__________
(1) هذا البيت من بحر الكامل، وقد نسبه الصاغانى في العباب إلا عبد الاسود ابن عامر بن جوين الطائى، وتهد: أبو قبيلة من اليمن، وعيل: جمع عائل - كصوم جمع صائم - من عال يعيل يعيل عيلة، إذا افتقر، ومُرَّد: جمع مارد، من مَرَدَ من باب نصر، إذا خبث وعتا، وربما كان من مرد بمعنى مرن ودرب.
ومعنى البيت أنهم تركوا أبناء هذه القبيلة فقراء، لانهم قتلوا آباءهم، وكذلك قتلوا آباء بنى كنانة فجعلوهم فقراء حتى صاروا من شدة الفقر كاللصوص المرد.
والاستشهاد بالبيت في قوله " كاللصوت " حيث أبدل الشاعر الصاد تاء (2) الفسطاط: ضرب من الابنية دون السرداق يكون في السفر، وانظر (ح 1 ص 17) (3) يقال: نرت الثوب أنيره - من باب باع - وأنرته، ونيرته - بالتضعيف - إذا جعلت له علما، ويقال للعلم: النير - بالكسر - روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لولا أن عمر نهى عن النير لم نر بالعلم بأسا، ولكنه نهى عن النير (*)

(3/222)


وحكى اللحيانى: هردت الشئ: أي أردته، أُهَريدَه، بفتح الهاء، كهرقته أُهَريقه، وقال: 178 - فَهِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوَسَّعَتْ * مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عليك المصادر (1) والهاء بدل، لان إياك أكثر، وقد مضى الكلام في لهنك في الحروف المشبهة بالفعل (2) وطيئ تقلب همزة إن الشرطية هاء، وحكى قطرب: هزيد
__________
(1) هذا البيت من الطويل، وقد أورد أبو تمام في باب الأدب من الحماسة ونسبه في كتاب مختار أشعار القبائل إلى طفيل الغنوى، والموارد: جمع مورد،
وهو المدخل، والمصادر: جمع مصدر، وهو المخرج.
والاستشهاد بالبيت في قوله " فهياك " حيث أبدل الهمزة هاء (2) قال المؤلف في شرح الكافية (ج 2 ص 332) : " واعلم أن من العرب من يقول: لهنك لرجل صدق، قال: لهنا لمقضى علينا التهاجر قال: لهنى لاشقى الناس إن كنت غارما وقد يحذف اللام، وهو قليل، قال: ألا ياسنا برق على قلل الحمى * لهنك من برق على كريم وفيه ثلاثة مذاهب: أحدها لسيبويه، وهو أن الهاء بدل من همزة إن كاياك وهياك، فلما غيرت صورة إن بقلب همزتها هاء جاز مجامعة اللام إياها بعد الامتناع، والثانى قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك، كما روى عن أبى أدهم الكلابي: له ربى لا أقول ذلك، بقصر اللام، ثم حذف حرف الجر، كما يقال: الله لافعلن، وحذفت لام التعريف أيضا، كما يقال: لاه أبوك، أي لله أبوك، ثم حذفت ألف فعال كما يحذف من الممدود إذا قصر، كما يقال: الحصاد، والحصد، قال: ألا لا بارك الله في سهيل * إذ ما الله بارك في الرجال (*)

(3/223)


منطلق، في ألف الاستفهام، أنشد الاخفش: 179 - وأتت صواحبها فقلن هذا الذي * مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا (1) أي: أذا الذي، ويقال في أيا في النداء: هَيَا، وفي أما والله: هَمَا قوله " أَنهْ " قيل: الهاء بدل من الألف في الوقف، لأن الألف في الوقف،
أكثر استعمالاً من الهاء، وقد ذكر في الوقف أن الهاء للسكت كما في قِهْ ورَهْ، وكذا في حَيَّهَلهْ، وأما قولهم " مَهْ " فالأولى كون هائها بدلاً من الألف، كما في قوله: 180 - قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ * من ههنا وَمنْ هُنَهْ (2) ويجوز أن يقال: حذف الألف من ما الاستفهامية غير المجرورة كما يحذف من ما المجرورة.
نحو فِيمَ وإلاَمَ، ثم دُعِمَ بهاء السكت كما في رَهْ وقِهْ
__________
ثم حذفت همزة إنك، وفيما قال تكلفات كثيرة، والثالث: ما حكى المفضل ابن سلمة عن بعضهم أن أصله لله إنك، واللام للقسم، فعمل به ما عمل في مذهب الفراء، وقول الفراء أقرب من هذا، لانه يقال: لهنك لقائم، بلا تعجب " اه (1) هذا بيت من الكامل، قال البغدادي: " وقائله مجهول، ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومى، فأنه في غالب شعره أن النساء يتعشقنه " اه.
وقد راجعنا ديوان عمر بن أبى ربيعة فوجدنا له قصيدة على هذا الروى أولها: يا رب إنك قد علمت بأنها * أهوى عبادك كلهم إنسانا ولم نجد فيها هذا البيت كما لم نجد على هذا الروى غير هذه القصيدة.
وقد قال في اللسان: " أنشده اللحيانى عن الكسائي لجميل.
وقوله " وأتت صواحبها " هو في اللسان " وأتى صواحبها ".
والصواحب: جمع صاحبة، والاستشهاد به في قوله " هذا الذى " حيث أبدل الهمزة التى للاستفهام هاء، وأصله " أذا الذى " (2) هذا بيت من الرجز المجزوء لم نعرف قائله، والضمير في وردت للابل.
والاستشهاد بالبيت في قوله " هنه " حيث أبدل الالف هاء للوقف، وأصله هنا (*)

(3/224)


قوله " في ياهناه " قد ذكرنا الخلاف (1) فيه وأن الهاء فيه للسكت عند أبي زيد والأخفش والكوفيين، وبدل من الواو عند البصريين، وأصله عندهم هَنَاوٌ
لقولهم هَنَوَات، وقيل: الهاء أصل، وهو ضعيف لقلة باب سَلَس وقَلَق، وهاءُ هذه بدل من الياء كما ذكرنا في الوقف عند بني تميم، فليرجع إليه في معرفته (2) ولا يطرد هذا في كل ياء، فلا يقال في الذي: الذهْ قوله " ومن التاء في رحمة وقفا " مضى في الوقف (3)
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 129) : " ومنه (يريد من كنايات الاعلام) يا هناه للمنادى غير المصرح باسمه تقول في التذكير: يا هن، وياهنان، ويا هنون، وفى التأنيث: يا هنة، ويا هنتان، ويا هنات، وقد يلى أواخرهن ما يلى أواخر المندوب وإن لم تكن مندوبة، تقول: يا هناه - بضم الهاء - في الاكثر، وقد تكسر كا ذكرنا في المندوب، وهذه الهاء تزاد في السعة وصلا ووقفا مع أنها في الاصل هاء السكت، كما قال: * يا مرحباه بحمار ناجيه * وقال: * يا رب يا رباه إياك أسل * في حال الضرورة، هذا قول الكوفيين وبعض البصريين، ولما رأى أكثر البصريين ثبوت الهاء وصلا في السعة أعنى في هناه مضمومة ظنوا أنها لام الكلمة التى هي واو في هنوات كما أبدلت هاء في هنيهة، وقال بعضهم: هي بدل من الهمزة المبدلة من الواو إبدالها في كساء - وإن لم يستعمل هناه - كما أبدلوا في " إياك " فقالو: هياك، ومجئ الكسر في هاء هناه يقوى مذهب الكوفيين، وأيضا اختصاص الالف والهاء بالنداء، وأيضا لحاق الالف والهاء في جميع تصاريفه وصلا ووقفا - على ما حكى الاخفش - نحو يا هناه، ويا هناناه أو يا هنانيه، كما مر في المندوب، ويا هنوناه، ويا هنتاه، ويا هنتاناه أو يا هنتانيه، ويا هناتاه " اه (2) انظر (ح 2 ص 286، 287)
(3) انظر (ح 2 ص 288 وما بعدها) (*)

(3/225)


قال: " واللَّامُ مِنَ النُّونِ وَالضَّادِ فِي أُصْيَلاَلٍ قَلِيلٌ، وفِي الْطَجَعَ ردئ " أقول: أصل أُصَيْلاَل أُصَيْلاَن، وهو إن كان جمع أصيل كرغيف ورغفان، وهو الظاهر، فهو شاذ من وجهين: أحدهما إبدال اللام من النون، والثاني تصغير جمع الكثرة على لفظه، وإن كان أُصْلاَنٌ واحداً كرُمَّان وقُرْبَان، - مع أنه لم يستعمل - فشذوذه من جهة واحدة، وهي قلب النون لاماً، قال الأخفش: لو سميت به لم ينصرف، لأن النون كالثابتة، يدل على ذلك ثبات الألف في التصغير كما في سُكَيْرَان، وكذا هَرَاق إذا سميت به غَيْرُ منصرف، لأن الهمزة في حكم الثابت قوله " الْطَجع " من قوله: لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلى أرطاة حقف فالطجع (1) قال: " والطَّاءُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي اصْطَبَرَ، وشاذٌّ فِي فَحَصْطُ " أقول: قوله " في اصْطَبر " يعني إذا كان فاء افتعل أحد الحروف المطبقة المستعلية، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وذلك لأن التاء مهموسة لا إطباق فيها، وهذه الحروف مجهورة مطبقة، فاختاروا حرفاً مستعلياً من مخرج التاء، وهو الطاء، فجعلوه مكان التاء، لأنه مناسب للتاء في المخرج والصادِ والضاد والظاء في الاطباق قوله " وشذ في فَحَصْطُ " هذه لغة بني تميم، وليست بالكثيرة، أعني جعل الضمير طاء إذا كان لام الكلمة صادا أو ضاداً، وكذا بعد الطاء والظاء، نحو فحصط برجلي، (2)
__________
(1) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه في (ح 2 ص 324)
(2) فحصط: أصلها فحصت، فأبدلت تاء الضمير طاء، والفحص: البحث، وفعله من باب فتح (*)

(3/226)


وحِصْط عنه (1) : أي حِدْتُ وَأَحَطّ (2) وحفط (3) وإنما قلَّ ذلك لأن تاء الضمير كلمة تامة، فلا تغير، وأيضاً هو كلمة برأسها، فكان القياس أن لا تؤثر حروف الإطباق فيها، ومَنْ قلبَه فلكونه على حرف واحد كالجزء مما قبله، بدليل تسكين ما قبله، فهو مثل تاء افتعل قال: " وَالدَّالُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ازْدَجَرَ وَادَّكَرَ، وشَاذٌّ فِي نَحْوِ فُزْدُ واجْدَمَعُوا واجدز وَدَوْلج " أقول: إذا كان فاء افتعل أحلا ثلاثة أحرف: الزاي، والدال، والذال، قلبت تاء الافتعال دالاً، وأدغمت الدال والذال فيها، نحو أدَّانَ وادكر، كما يجئ، وقد يجوز أن لا يدغم الذال نحو إذ دكر، والقلب الذي للإدغام ليس مما نحن فيه، كما ذكرنا في أول هذا الباب، والحروف الثلاثة مجهورة، والتاء مهموسة، فقلبت التاء دالاً، لأن الدال مناسبة للذال والزاي في الجهر، وللتاء في المخرج، فتوسط بين التاء وبينهما، وإنما أدغمت الذال في الدال دون الزاي لقرب مخرجها من مخرج الدال وبُعْدِ مخرج الزاي منها قوله " وادّكر " قلبُ التاء دالاً بعد الذال المعجمة لازم، وبعد القلب الإدغامُ أكثر من تركه، فإن أدغمت فإما أن تقلب الأولى إلى الثانية، أو بالعكس، كما يجئ في باب الإدغام
__________
(1) حصط: أصلها حصت، فأبدلت تاء الضمير طاء، وتقول: حاص عن الشئ يحيص حيصا وحيصة وحيوطا ومحيصا ومحاصا وحيصانا، إذا حاد عنه وعدل.
(2) أصل أحط: أحطت، فأبدلت تاء الضمير طاء، ثم أدغمت الطاء في الطاء، وتقول: أحاط بالشئ يحيط به إحاطة، إذا أحدق به كله من جوانبه، وكل من أحرز الشئ كله وبلغ علمه أقصاه فقد أحاط به (3) أصل حفظ: حفظت، فأبدلت التاء طاء، ثم أبدلت الظاء المعجمة طاء مهملة، ثم أدغمت الطاء في الطاء (*)

(3/227)


قوله " وشاذ في فُزْدُ " حاله كحال فَحَصْطُ، وقد ذكرناه، وكذا شذ قلبه بعد الدال، نحو جُدْدُ في جُدْتُ، وقد شذ قلب تاء الافتعال بعد الجيم، لأن الجيم وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة إلا أنها أقرب إلى التاء من الزاي والذال، فيسهل النطق بالتاء بعد الجيم، ويصعب بعد الزاي والذال، قال: 181 - فَقُلْتُ لِصَاحِبي لاَ تَحْبِسَانَا * بِنَزْعِ أصُولِهِ وَاجْدَزَّ شِيحَا (1) ولا يقاس على المسموع منه، فلا يقال اجْدَرَأَ (2) واجْدَرَحَ (3) ، والدولج:
__________
(1) هذا البيت من الوافر، وهو من كلمة لمضرس بن ربعى الفقعسى، وأولها قوله: وَضَيْفٍ جَاءَنَا وَاللَّيْلُ دَاج * وَرِيحُ القُرِّ تَحْفِزُ منه روحا وقوله " والليل داج " معناه مظلم، والقر - بالضم -: البرد، وتحفز: تدفع، وقوله " فقلت لصاحبي الخ " خاطب الواحد بخطاب الاثنين في قوله " لا تحبسانا " ثم عاد إلى الافراد في قوله " واجدز شيحا " وليس هذا بأبعد من قول سويد ابن كراع العكلى: فإن تزجراني يا ابن عفان انزجر * وإن تدعانى أحم عرضا ممنعا ويروى في بيت الشاهد:
* فقلت لحاطبي لا تحبسني * والكلام على هذه الرواية جار على مهيع واحد.
والمعنى لا تؤخرنا عن شئ اللحم بتشاغلك بنزع أصول الحطب، بل اكتف بقطع ما فوق وجه الارض منه، والاستشهاد بالبيت في قوله " واجدز " وهو افتعل من الجز، وأصله اجتز، وبه يروى، فأبدل التاء دالا إبدالا غير قياسي (2) اجدرأ: هو افتعل من الجرأة التى هي الاقدام على الشئ، وأصله اجترأ فأبدل التاء دالا (3) اجدرح: هو افتعل من الجرح، وأصله اجترح، فأبدل التاء دالا، (*)

(3/228)


الكناس، من الولوج، قلبت الواو تاء، ثم قلبت التاء دالاً، وذلك لأن التولج أكثر استعمالاً من دولج، وقلبت التاء دالاً في ازدجر واجد مع لتناسب الصوت، كما في صَوِيق، بخلاف دَوْلج.
قوله: " وَالْجِيمُ مِنَ الْيَاءِ الْمُشدَّدَةِ فِي الْوَقْفِ، فِي نَحْوِ فُقَيْمِجٍّ، وَهُوَ شَاذٌّ ومِنْ غَيْرِ الْمُشَدَّدَةِ فِي نَحْوِ * لاَهُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ * أشذ، ومِنَ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ * حَتَّى إذَا مَا أَمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا * أشَذُّ " الجيم والياء أختان في الجهر، إلا أن الجيم شديدة، فإذا شُدّدت الياء صارت قريبة غاية القرب منها، وهما من وسط اللسان، والجيم أبين في الوقف من الياء، فطلب البيان في الوقف، إذ عنده يخفي الحرف الموقوف عليه، ولهذا يقال في حُبْلَيْ - بالياء -: حُبْلَوْ بالواو - وقد تقلب الياء المشددة لا للوقف جيما، قال: 182 - كأن في أذنا بهن الشُّوَّلِ * مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الاجل (1)
__________
ومن هذا تقول: جرح فلان الاثم واجترحه، إذا كسبه، قال تعالى (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات)
(1) هذا الشاهد بيتان من مشطور الرجز من أرجوزة طويلة لأبي النجم العِجْلي أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ * الْوَاسِعِ الْفَضْلِ الْوَهُوبِ الْمُجْزِلِ والضمير في أذنابهن عائد للابل، والشول: جمع شائل، وتقول: شالت الناقة بذنبها تشول، إدا رفعته للقاح وقد انقطع لبنها، والعبس - بفتحتين -: ما يعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها فيجف عليها، وأضافه إلى الصيف، لانه يكون في ذلك الوقت أجف وأيبس، والاجل - بكسر الهمزة وضمها مع تشديد الجيم مفتوحة -: الوعل، وهو تيس الجبل.
شبه ما يعلق بأذناب النوق في زمن الصيف بقرون التيس الجبلى في صلابته ويبسه، والاستشهاد بالبيت في قوله " الاجل " حيث أبدل الياء المشددة جيما في غير الوقف (*)

(3/229)


وقد جاء في المخففة في الوقف، لكنه أقل من المشددة، وذلك أيضاً لبيان الياء في الوقف، وقد جاء من الياء في غير الوقف، قال: 183 - * حَتَّى إذَا مَا أمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا (1) * أي: أمْسَيَتْ وأمْسَى، فلما أبدلت جيماً لم ينقلب ألفاً، ولم يسقط للساكنين، كالياء في أَمْسَتْ وأَمْسَى، وفي قوله " في الياء المخففة أشذ " دلالة على أن ذلك في المشددة شاذ، وإنما كان في المخففة أقل لأن الجيم أنسب بالياء المشددة، كما قلنا، وإنما كان في نحو أمْسَجَتْ أشذَّ لأن الأصل أن يبدل في الوقف لبيان الياء، والياء في مثله ليس بموقوف عليه.
قال: " والصَّادُ مِنَ السِّينِ الَّتِي بَعْدَهَا غَيْنٌ أو خَاءٌ أَوْ قَافٌ أَوْ طَاءٌ جَوَازاً، نَحْوُ أصْبَغَ، وصَلَخَ، وَمَسَّ صَقَرَ، وصِرَاطٍ " أقول: أعلم أن هذه الحروف مجهورة مستعلية، والسين مهموس مُسْتَفِل،
فكرهوا الخروج منه إلى هذه الحروف، لثقله فأبدلوا من السين صاداً، لأنها توافق السين في الهمس والصفير، وتوافق هذه الحروف في الاستعلاء، فتجانس الصوت بعد القلب، وهذا العمل شبيه بالإمالة في تقريب الصوت بعضه من بعض، فإن تأخرت السين عن هذه الحروف لم يسغ فيها من الإبدال ما ساغ وهي متقدمة، لأنها إذا تأخرت كان المتكلم منحدراً بالصوت من عال، ولا يثقل ذلك ثقَلَ التصعُّد من مُنْخَفِضٍ، فلا تقول في قست: قِصْت، وهذه الحروف تجوِّز القلب: متصلةً بالسين كانت كصَقَر، أو منفصلة بحرف نحو صَلَخَ، أو بحرفين أو ثلاثة
__________
(1) هذا بيت من الرجز المشطور لم نعثر له على نسبة إلى قائل ولا على سابق أو لاحق، ونسبه بعض العلماء إلى العجاج، وقد اختلفوا في الضمير في قوله " أمسجت وأمسجا " فقيل: هما عائدان إلى أتان وعير، وقيل: هما عائدان إلى نعامة وظليم، والاستشهاد في قوله " أمسجت وأمسجا " حيث أبدل الياء المخففة جيما في غير الوقف، قال في اللسان: " أبدل مكان الياء حرفا جلدا شبيها بها، لتصح له القافية والوزن " اه (*)

(3/230)


نحو صَمْلَقٍ (1) وصِرَاطٍ، وَصَمَالِيقَ (2) ، وهذا القلب قياس، لكنه غير واجب، ولا يجوز قلب السين في مثلها زاياً خالصة، إلا فيما سمع نحو الزِّرَاط، وذلك لأن الطاء تشابه الدال قوله: " وَالزَّايُ مِنَ السِّينِ وَالصَّادِ الْوَاقِعَتَيْنِ قَبْلَ الدَّالِ سَاكِنَتَيْنِ، نَحْوُ يَزْدُلُ، وَهَكَذَا فَزْدِي أنَهْ " السين حرف مهموس، والدال مجهور، فكرهوا الخروج من حرف إلى حرف ينافيه، ولا سيما إذا كانت الأولى ساكنة، لأن الحركة بعد الحرف، وهي جزءُ حرفِ لينٍ حائلٌ بين الحرفين، فقربوا السين من الدال، بأن
قلبوها زاياً، لان الزاي من مخرج السين ومثلها في الصفير، وتوافق الدالَ في الجهر، فيتجانس الصوتان، ولا يجوز ههنا أن تُشْرَبَ السينُ صوتَ الزاي، كما يفعل ذلك في الصاد، نحو يَصْدُرُ، لأن في الصاد إطباقاً، فضارعوا لئلا يذهب الإطباق بالقلب، وليست السين كذلك، ويجوز في الصاد الساكنة الواقعة قبل الدال قبلها زايا صريحة وإشرابها صَوْتَ الزاي، أما الإبدال فلأن الصاد مطبقة مهموسة رِخْوَة وقد جاورَت الدال بلا حائل من حركة وغيرها، والدال مجهورة شديدة غير مطبقة، ولم يبدلوا الدال كما في تاء افْتَعَلَ نحو اصْطَبَرَ لأنها ليست بزائدة كالتاء، فتكون أولى بالتغيير، فغيروا الأولى لضعفها بالسكون، بأن قَرَّبوها من الدال، بأن قلبوها زاياً خالصة، فتناسبت الاصوات، لان الزاى
__________
(1) الصملق: السملق، وهو الارض المستوية، وقيل: القفر الذى لا نبات فيه، والقاع المستوى الاملس، قال: جميل: ألم تسل الربع القديم فينطق * وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (2) الصماليق: السماليق، قال في اللسان: " وحكى سيبويه صماليق، قال ابن سيده: ولا أدرى ما كسر إلا أن يكونوا قد قالوا: صملقة، في هذا المعنى، فعوض من الهاء، كما حكى مواعيظ " اه (*)

(3/231)


من مخرج الصاد وأختها في الصفير، وهي تناسب الدال في الجهر وعدم الإطباق، وَمَنْ ضارع: أن نحى بالصاد نحو الزاي، ولم يقلبها زاياً خالصة، فللمحافظة على فضيلة الأطباق، كما ذكرنا.
قوله " فزدِي أنه " قول حاتم الطائي لما وقع في أسر قوم فغزا رِجَالُهُمْ وبقي مع النسوة فأمَرْنه بالفصد فنحر، وقال: هكذا فزدى (1) أَنَهْ، وأنه تأكيد للياء قال: " وَقَدْ ضُورِعَ بالصَّادِ الزَّايُ دُونَهَا وَضُورِعَ بِهَا مُتَحَرِّكَةً أَيْضاً،
نَحْوُ صَدَرَ وَصَدَقَ، وَالْبَيَانُ أَكْثَرُ فِيهِمَا، وَنَحْوُ مسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّةٌ، وَأَجْدَرُ وَأَشْدَقُ بِالْمُضَارَعَةِ قَلِيلٌ " أقول: قوله " ضورع بالصاد الزاي " أي: جعل الصاد مضارعاً للزاي، بأن يُنْحَى بالصاد نحو الزاي، فقولك " ضارع " كان يتعدى إلى المشابَه - بفتح الباء - بنفسه، فجعل متعدياً إلى المشابِه - بكسر الباء - بحرف الجر قوله " دونها " أي: دون السين: أي لم تُشَمَّ السين صوت الزاي، بل قلبت زاياً صريحة، لما ذكرنا من أنه لا إطباق فيه حتى يحافظ عليه قوله " وضورع بها " أي: بالصاد الزايُ متحركةً أيضاً: أي إذا تحركت الصاد وبعدها دال أشِمَّ الصادُ صوتَ الزاي، ولا يجوز قلبها زاياً صريحة، لوقوع الحركة فاصلةً بينهما، وأيضاً فإن لحرف يَقْوَى بالحركة، فلم يقلب، فلم يبق إلا المضارعة للمجاورة، والإشمامُ وفيها أقل منه في الساكنة، إذ هي محمولة فيه على الساكنة التي إنما غيرت لضعفها بالسكون، فإن فصل بينهما أكثر من حركة كالحرف والحرفين لم تستمر المضارعة، بل يقتصر على ما سمع من العرب، كلفظ الصاد والمصادر والصراط، لأن الطاء كالدال قوله " والبيان أكثر فيهما " أي: في السين الساكنة الواقعة قبل الدال،
__________
(1) انظر (ح 2 ص 294، 295) و (ح 1 ص 43) (*)

(3/232)


والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى " منهما " لكان الْمَعْنَى من المضارعة والقلب، ويعني بالبيان الإتيان بالصاد والسين صريحين بلا قلب ولا إشراب صوت، ففي الصاد الساكنة قبل الدال البيان أكثر، ثم المضارعة، ثم قلبها زاياً قوله " وَمَسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّة " أي: قبيلة كلب تقلب السين الواقعة قبل
القاف زاياً، كما يقلبها غيرهم صاداً، وذلك لأنه لما تباين السين والقاف لكون السين مهموسة والقاف مجهورة أبدلوها زاياً، لمناسبة الزاي للسين في المخرج والصفير، وللقاف في الجهر قوله " وَأَجْدَرَ وَأَشْدَقُ (1) " يعني إشرابُ الجيم والشين المعجمتين الواقعتين قبل الدال صوتَ الزاي قليلٌ، وهذا خلاف ما قاله سيبويه، فإنه قال في إشراب مثل هذا الشين صوتَ الزاي: " إن البيان أكثر وأعرف، وهذا عربي كثير " وإنما بضارع بالشين الزايُ إذا كانت ساكنة قبل الدال، لأنها تشابه الصاد والسين اللَّذَين يقلبان إلى الزاي، وذلك بكونها مهموسةً رخوةً مثلهما، وإذا أجريت في الشين الصوتَ رأيت ذلك بين طرف لسانك وأعلى الثَّّنِيَّتين موضع الصاد والسين، ثم إن الجيم حملت على الشين وإن لم يكن في الجيم من مشابهة الصاد السين مثْلُ ما بينهما وبين الشين، وذلك لأن الجيم من مخرج الشين، فعمل بها ما عمل بالشين، ولا يجوز أن يجعل الشين والجيم زاياً خالصة كالصاد والسين، لأنهما ليستا من مخرجهما