شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي

المشتقات:
[الصفة المشبهة] :
"الصفة المشبهة من نو فَرِحَ عَلَى فَرِحٍ غَالِباً. وَقَد جَاءَ مَعَهُ الضَّمُّ فِي بَعْضِها، نَحْوُ: نَدُسٍ وحَذُرٍ وعَجُلٍ، وَجَاءَت عَلَى سَلِيم وشَكْسٍ وحُرٍّ وصِفْرٍ وغَيُورٍ، ومن الألوان والعيوب والحِلَى على "أَفْعَلَ"، ومن نحو كَرُمَ على كريم غَالِباً، وَجَاءَتْ عَلَى خَشِن وحَسَن وصَعْب وصُلْب وجَبَان وشُجَاع ووَقُور وجُنُب، وَهِيَ مِنْ "فَعَل" قَلِيلَةٌ. وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ حَرِيص وأَشْيَب وضيِّق وَتَجِيءُ مِنَ الْجَمِيعِ بِمَعْنَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَضِدَّهِمَا عَلَى "فَعْلان" نَحْوَ: جَوْعان وشَبْعان وعَطْشان ورَيَّان"1.
اعلم أن من أبواب التصريف أبواب الأمر والنهي واسم الفاعل واسم المفعول واسم التفضيل، وقد تقدمت في النحو، فلهذا لم يذكرها في التصريف.
وأما الصفة المشبهة فقد تقدم معناها وعملها2. والكلام [في التصريف] 3 في كيفية بنائها. وهي لا تبنى إلا من فعل لازم؛ فهي جاءت من فَعِل -بكسر العين- على "فَعِل" غالبا نحو: فَرِحَ فهو فَرِحٌ، وقد جاء مع مجيء "فَعِل" -بكسر العين- "فَعُلَ" -بالضم، نحو: نَدِسَ فهو4 نَدُِسٌ -بكسر الدال وضمها- لمن يدَقِّق النظر في
__________
1 في الأصل: "الأمر واسم الفاعل ... " إلى آخره. وفي "هـ"، "ط" والأمر واسم الفاعل ... ".
2 وذلك في النحو.
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
4 "فهو" ساقطة من "هـ".

(1/287)


الأمور1. وحَذِرَ فهو حَذُِرٌ "وعَجِفَ فهو عَجُِفٌ"2 وعَجِلَ فهو عَجُِلٌ. وجاءت من "فَعِل" -بكسر العين- على "فَعِيل" نحو: سَلِمَ فهو سَلِيم. وعلى "فَعْل". نحو: شَكِسَ فهو شَكْس لمن ساءت أخلاقه3. وعلى "فُعْل" نحو: حَرِرْتَ تحِرُّ فأنت حُرٌّ، وعلى "فِعْل"، نَحْو: صَفِرُ يصْفِرُ فهو صِفْرٌ4. وعلى "فَعُول" للمبالغة، نحو: غَار يَغارُ فهو غَيُور، وعَجِلَ5 يَعْجَلُ فهو عَجُول، وجاءت من "فَعِلَ" -بكسر العين- من الألوان والعيوب والحِلَى على "أَفْعَلَ" "23" قياسا مطردا، نحو: سَوِدَ وصَفِرَ وحَمِرَ فهو أسودُ وأصفرُ وأحمرُ، ونحو: أَشْهَب6 وأَصْهَب7 وأَكْهَب8 وأَكْدَر وأَغْيدَ وأَهْيَف وأعوَر وأحوَل. وجاءت من "فَعُلَ" -بضم العين- على "فَعِيل" غالبا، نحو: كَرُمَ فهو كريم، وشَرُفَ فهو شَرِيف.
__________
1 قال الجوهري: "رجل نَدُس ونَدِس"، أي فَهِم. وقد نَدِسَ -بالكسر- يَنْدَسُ نَدَسا". "الصحاح: ندس 3/ 982".
2 وعَجِفَ بمعنى هزل. والعَجِفُ: الهزيل وحكى صاحب الصحاح عن الفراء قوله: "قال الفراء: "يقال: عَجِفَ المال بالكسر, وعجُف أيضا بالضم". "عجف" 4/ 1399".
3 ينظر المصدر السابق "شكس" 3/ 940. وقال الجوهري: "وحكى الفراء: رجل شَكْسٌ". وهو القياس" "المصدر السابق".
4 الصِّفْرُ: الخالي. يقال: بيت صِفْر من المتاع، ورجل صِفْر اليدين "قاله الجوهري في الصحاح "صفر": 2/ 714.
5 عَجِل: أسرع. وفي التنزيل العزيز: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] .
6 الفرس الأشهب: الذي خالط بياض شعره سواد. ينظر الصحاح "شهب" 1/ 159".
7 قال الجوهري: "والأصهب من الإبل: الذي يخالط بياضه حمرة، وهو أن يحمر أعلى الوبر وتبيض أجوافه". "الصحاح: صهب: 1/ 166". والرجل الأصهب: الأشقر "ينظر المصدر السابق".
8 لفظة "أكهب" ساقطة من "ق". والكُهْبَة: لون ليس بخالص في الحمرة. وهو في الحمرة خاصة. حكاه الجوهري عن أبي عمرو. "الصحاح "كهب" 2/ 215".

(1/288)


وعلى "فَعَل"، نحو: حَسُن فهو حَسَن، [وعلى "فَعِلَ"، نحو: خَشِنَ فهو خَشِن] 1. وعلى "فَعْل"، نحو: صَعُب فهو صَعْب. وعلى "فُعْل"، نحو: صَلُب فهو صُلْب. وعلى "فَعَال"، نحو: جَبُن فهو جَبَان. وعلى "فُعال"، نحو: شَجُع فهو شُجاع. وعلى "فَعُول"، نحو: وَقُرَ فهو وَقُور. وعلى "فُعُل" نحو: جَنُبَ فهو جُنُب -للذي أصابته الجنابة- وعلى "أَفْعَل" نحو: حَطُبَ اللون فهو أَحْطَب، وحَرُشَ الشيء, أي: خَشُن فهو أَحْرَش. وعلى "فاعِل" نحو: عَقُرَت المرأة -فهي عاقِر، وفَرُهَ الرجل فهو فارِه والصفة المشبهة من "فَعَلَ" -بفتح العين- قليلة؛ استغناء عنها باسم الفاعل من "فَعَل" -بفتح العين. وقد جاءت منه على "فَعِيل" نحو: حَرص فهو حَرِيصٌ. وعلى "فَعْل"، نحو: شاخَ فهو شَيْخ. وعلى "فِعْل"، نحو: ناءَ اللحمُ يَنِيء فهو نِيْء ضد نَضُج. وعلى "فُعْل"، نحو: حلا الشيء فهو حُلْو. وعلى "فُعُل"، نحو: أَفَقَ الفرس فهو أُفُق إذا كان فاضلا2. وعلى "أَفْعَل" نحو: شاب يَشِيب فهو أَشْيَب، وعلى "فَيْعِل"، نحو: ضاقَ يَضِيق فهو ضَيِّق.
وقد تجيء الصفة المشبهة من الجميع، أي: من فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ مما فيه معنى الجوع والعطش وضدّهما، على "فَعْلان"، نحو:
__________
1 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
2 قال الجوهري: "فرس أفق -بالضم- أي: رائع، وكذلك الأنثى. "الصحاح "أفق": 4/ 1446".

(1/289)


جاع يجوع فهو جَوْعان، وعَطِش يَعْطش فهو عَطْشان، وشبع يشبع فهو شَبْعان، ورَوِي من الماء -بالكسر- يروي، فهو ريَّان.
وقد تجيء لغير ما ذكرنا، نحو: خزى يخزي1 خِزْيا، فهو خَزْيان.
__________
1 لفظة "يخزى" ساقطة من "ق".

(1/290)


المصدر:
قوله: "الْمَصْدَرُ: أبْنِيَةُ الثُّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ، نَحْوَ: قَتْل وفِسْق وشُغْل ورَحْمة ونِشْدة وكُدْرة ودَعْوَى وذِكْرى وبُشْرى وَلَيَّانٍ وحِرْمان وغُفران ونَزَوان وطَلَب وحَنَق وصِغَر وهُدًى وغَلَبة وسَرَقة وذََهاب وصَراف وسُؤال وزَهادَة ودِرايَة وبُغايَة ودُخُول ووَجِيفٍ وقَبُول وصُهُوبة ومَدْخَل ومَرْجِع ومَسْعاة ومَحْمَدة وكَراهِيَة1".
اعلم أنَّ أبنية المصدر2 في الثلاثي المجرد عن الزوائد كثيرة ذكرى سيبويه أنها ترتقي إلى اثنين وثلاثين بناء3، وزاد المصنف عليها بناءين هما: بُغايَة4 وكَرَاهِيَة5؛ نحو: قَتْل من: قَتَلَ يَقْتُل وفِسْق من: فَسَقَ يَفْسُق، وشُغْل من: شَغَلَه يَشْغَلُه، ورَحْمَة من: رَحِمَ يَرْحَم، ونِشْدَة من: نَشَدْتُ الضّالَّة أَنْشُدها، وكُدْرَة من: كَدُرَ الماء -بالضم- يَكْدُرُ، ودَعْوَى من: دَعَا يَدْعُو -في النَّسَب- وذِكْرَى من: ذَكَر يَذْكُرُ، وبُشْرَى من: بَشَرْتُ الرجل أَبْشُرُهُ -بالضم- ولِيَّان: من: لَوِى يَلْوِي، وحِرْمان من: حَرَمه -إذا منعه- يَحْرِمُه وغُفْران من: غَفَر يَغْفِرُ، ونَزَوَان من: نَزا الفحل يَنْزو، وطَلَب من: طَلَب يَطْلُب، وحَنَق من: حَنِق يَحْنَقُ، وصَغَر من:
__________
1 في الأصل: "المصدر: أبنية المجرد ... " إلى آخره. وفي هـ: "المصدر ... ".
2 لم يرد تعريف للمصدر عند ابن الحاجب، وتابعه الشارح. والمصدر عند عبد القاهر: "ما دل على الحدث لا غير. ويسمى حَدَثا، وحدَثانا، واسم معنى" "المفتاح: 52".
3 ينظر الكتاب: 4/ 50-54.
4 حكى ابن منظور هذا البناء عن الأصمعي. "ينظر اللسان "بغا": 1/ 321".
5 حكاه الجوهري في الصحاح "كره": 6/ 2247".

(1/291)


صَغِرَ الرجل -بالكسر1- يَصْغَرُ، وهُدًى من: هداه يَهْدِيه وغَلَبة من: غَلَبَ يَغْلِب، وسَرِقَة من: سَرِقَ يسْرِقُ، وذهاب من: ذَهَب يذهَبُ، وصِراف من: صَرَفَت الكلبةُ تَصْرِف، إذا اشتهت الفحل2 وسُؤال من: سأل يسأل وزَهادَة من: زَهِدَ يَزْهَدُ، ودِراية من: دَرَى يَدْرِي، ودُخُول من: دخل يدخُل، وقَبول من: قَبِل يَقْبَل، ووَجِيف من: وَجَف البعير يَجِف -والوجيف ضرب من سير الإبل3- وصُهُوبة من: صَهُبَ الشعر يَصْهُبُ: إذا احمر حمرة صافية4، ومَدْخل من: دَخَل يدْخُل، ومَرْجِع من: رَجَع يَرْجِع، ومَسْعَاة من: سَعَى يَسْعَى، ومَحْمَدَة من: حَمِد يَحْمَدُ، وبُغاية من: بَغَى الشَّيءَ -إذا طلبه بُغاية، وكراهِيَة من: كَرِه يَكْرَهُ كَرَاهَةً وكَرَاهِيَةً.
اعلم أن ابن القطاع5 "24" زاد على ما ذكره المصنف واحدا
__________
1 حكاه ابن منظور في اللسان "صغر": 4/ 2452.
2 حكاه ابن منظور في اللسان "صرف" 4/ 2436.
3 قاله صاحب الصحاح في "وجف" 4/ 1437، وزاد عليه: "والخيل".
4 ينظر المصدر السابق "صهب" 1/ 166.
5 هو أبو القاسم، علي بن جعفر بن علي السعدي، عالم باللغة والأدب. ولد في صقلية عام 433هـ وارتحل إلى مصر لما احتل الإفرنج صقيلة، فظل يعلم ولد الأفضل الجمالي. وكانت وفاته بمصر عام 515هـ. وله تصانيف مفيدة، من أهمها: كتاب الأفعال -مطبوع- وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر، والدرة الحظيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة والبارع، في العروض، وغير ذلك. راجع ترجمته في: معجم الأدباء: 12/ 280-283، وبغية الوعاة: 2/ 153, 154 والشذرات: 4/ 45, 46".

(1/292)


وستين بناء. وذكر ابن القطاع1 أيضا أنه يجيء من الفعل الواحد أربعة عشر مصدرا، نحو: شنئته شَنْأً وشُنْأً وشِنْأً وشَنَأً وشَنَاءً وشَناءة ومَنْشَأً ومَشْنِئَة ومَشْنأةً وشَنْأَة وشَنْآنا وشَنَآنا وشُنْآنا وشِنآنا2.
قوله: "إلاَّ أنَّ الْغَالِبَ في "فَعَلَ" اللاَّزِمِ، نَحْو: "رَكَعَ" عَلَى "رُكُوع"، وَفِي المُتَعَدِّي، نَحْوُ "ضَرَبَ" عَلَى "ضَرْبٍ"، وَفِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا نَحْوُ "كَتَبَ" على "كِتابة" وفي الاضطرابات نَحْوُ "خَفَق" عَلَى "خَفَقان"، وَفِي الأَْصْوَاتِ نَحْوُ "صَرَخ" عَلَى "صُراخ" وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا جَاءَكَ "فَعَل" مِمَّا لَمْ يُسمع مَصْدَرُهُ فَاجْعَلْهُ فَعْلا للحِجاز وفُعُولا لنَجْد"3.
اعلم أنه لما ذكر أبنية مصدر الثلاثي المجرد شرع يذكر القياس4 والغالب منها؛ فقال: فَعَل -بفتح العين- إذا كان "غير متعد"5 يجيء6 المصدر منه غالبا على وزن "فُعُول" نحو: خرَج خُروجا، ودخَل دُخولا. وإذا كان متعديا يجيء7 على "فَعْل" نحو: ضرب ضَرْبا
__________
1 ابن القطاع: ساقطة من "ق"، "هـ".
2 ابن القطاع وأثره في الدراسات الصرفية، مع تحقيق كتابه أبنية الأسماء والأفعال والمصدر: "2/ 413" من التحقيق.
3 في الأصل: "إلا أن الغالب في فعل اللازم ... " إلى آخره. وفي "هـ": "إلا أن الغالب".
4 في "ق": القياس.
5 في "هـ": "غير متعدي"، خطأ.
6 في "هـ": "نحو", بدلا من "يجيء".
7 لفظة "يجيء" ساقطة من "ق".

(1/293)


وقَتَل قَتْلا. ويجيء مصدر "فَعَلَ" -بفتح العين- في الصناعة وشبهها غالبا على "فِعَالة" نحو: كَتب كِتابة، ونَجَر نِجارة1، ووَلِي2 وِلاية، وأمَر إِمارة، وسَفَر سِفارة. وقالوا: عَبَر الرؤيا عِبارة -وإن لم تكن صناعة؛ لأنهم أجروها مُجْرى الصنائع، وإنما قالوا: بطل بِطالة، مع أنها ليست صناعة ولا مشابهة لها؛ حملا للشيء على ضده.
و3 يجيء مصدر "فَعَلَ" -بفتح العين- في الأفعال التي فيها اضطراب على فَعَلانٍ نحو: خَفَقَ خَفَقَانا، وجال جَوَلانا. وإنما لم يقلبوا الواو ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها؛ لكون حركة الواو مقصودة للتنبيه بلزوم حركتها على أن مدلوله مستلزم للحركة، ولولا ذلك لقلبت ألفا، ويجيء مصدره في الأصوات على "فُعال" غالبا نحو: صَرخ صُراخا وصاح صُياحا، ونَبَح نُبَاحا، ورغَى البعيرُ رُغاء: إذا ضجّ4.
وقال الخليل: إنما قالوا -بَكى بُكاء- بالمد؛ لأنه من باب الصراخ؛ للزوم الصراخ البكاء في العادة، والذين5 قالوا: بَكَى بُكًى -بالقصر- جعلوه
__________
1 في "ق"، "هـ": تجر تجارة.
2 لا موضع للتمثيل بـ "ولي" ههنا، فهو يمثل لـ"فعَل" مفتوح العين، وولي "فعِل" مكسور العين.
3 الواو ساقطة من "هـ".
4 في "هـ": صاح.
5 في "ق": والذي.

(1/294)


كالحُزن، وهو خلاف السرور، يعني لم يعتبروا فيه معنى الصراخ لعروّ البكاء عن معنى الصراخ في بعض الوقات، فلم يجروه مجرى الأصوات1 وقال الفراء: إذا سمعت فَعَل -بفتح العين- ولم تسمع مصدره فاجعل مصدره على وزن "فَعْل" لأهل الحجاز، وعلى "فُعُول" لأهل نَجْد2.
قوله: "وَنَحْوُ: هُدًى وقِرًى مُختص بِالمَنْقُوصِ، وَنَحْوُ طَلَب مختص بـ"يَفْعُل" إلا جَلَبَ الجُرْح َوالغَلَبَ"3.
اعلم أن المصدر الذي على وزن "فُعَل أو فِعَل" بضم الفاء أو كسرها وفتح العين مخصوص بالمقصور4، نحو: هَدَيْتُه هُدًى وقَرَيْتُهُ قِرًى. والمصدر الذي على وزن "فَعَل" بفتح الفاء والعين5 مخصوص بـ"يَفْعُلُ" نحو: طَلب يَطْلُب طَلَبا، ولا يأتي من فعَل يفعِل -بكسر العين في المضارع- إلا شاذا، نحو: غَلَبَ يَغْلِبُ غَلَبا وجَلَبَ الجرح يَجْلِبُ جَلَبا من الجلبة، وهي جُلَيْدَة تعلو الجرح عند البُرْء6، 7.
وأما مصدر جَلَب يَجْلُب -بضم العين في المضارع- فعلى القياس.
__________
1 ينظر الكتاب: 3/ 540. وينظر كذلك اللسان "بكا": 1/ 337.
2 ينظر معاني القرآن: 1/ 449, 450، 2/ 97.
3 في الأصل: "ونحو هدى وقرى ... " إلى آخره. وفي "هـ": "ونحو هدى ... ".
4 في "هـ": بالمنقوص. والصحيح ما أثبتناه.
5 في "هـ": بفتح العين والفاء.
6 في الأصل: البراء. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
7 قاله الجوهري في الصحاح "جلب: 1/ 101".

(1/295)


اعلم أن الجرح في قوله "إلا جَلَب الجُرح" مجرور بإضافة المصدر إليه وليس "جَلَب" فيه بفعل ماض. ويدل عليه عطف الغَلَب عليه. وإنما قيد الجلب بالإضافة1 احترازا عن الجَلَب الذي ليس بمعناه؛ فإن ذلك جاء على القياس.
قوله: "وفَعِل اللاَّزِمُ نَحْوُ: "فَرِح" عَلَى فَرَح، وَالْمُتَعَدِّي نَحْوُ: "جَهِلَ" عَلَى جَهْل وَفِي الأَْلْوَانِ وَالْعُيُوبِ نحو: "سَمِر" و"أَدِمَ" على سُمْرة وأُدْمَة"2.
اعلم أن "فَعِل" -بكسر العين- إذا كان لازما يأتي مصدره على "فَعَل" قياسا، نحو: فَرِح فَرَحا وأَذِنَ أَذَنا3.
وإذا كان متعديا يأتي على "فَعْل" -بفتح الفاء وسكون العين- نحو: جَهِل جَهْلا.
ومصدر "فَعِل" -بكسر العين- في الألوان والعيوب على "فُعْلَة" نحو: سَمِرَ سُمْرة وحَمِرَ وحُمْرة، وصَفِرَ صُفْرة، وأَدِمَ أُدْمة4.
__________
1 بالإضافة: من "ق"، "هـ".
2 في الأصل جاءت عبارة ابن الحاجب مبتورة، هكذا: "وفعل اللازم ... " إلى آخره. وفي "هـ": "وفعل اللازم ... ".
3 أذن بالشيء يأذن أذنا: علم. وأذِن له إذَنا: استمع. ينظر اللسان/ أذن: 1/ 51, 52".
4 الأُدْمَة: السمرة. والأدْمَة في الإبل: البياض الشديد، ويقال هو الأبيض الأسود المقلتين ينظر الصحاح "أدم": 5/ 1859.

(1/296)


قوله: "وفَعُلَ نحو "كَرُمَ" على كَرامَة غالباً، وعِظَمَ وكَرَمَ كثيرا"1
اعلم أن "فَعُل" بضم العين "25" يأتي مصدره على "فَعالَة" "غالبا"2، نحو: كَرُمَ كَرَامة، وسَفُِهَ سَفاهة، ويأتي كثيرا على "فِعَل" -بكسر الفاء وفتح العين- وعلى "فَعَل"- بفتح الفاء والعين -نحو: عظُم عِظَما، وكَرُم كَرَما، وشَرُف شَرَفا.
قوله: "وَالْمَزِيدُ فِيه والرُّبَاعِيُّ قِيَاسٌ؛ فَنَحْو: أَكْرَم عَلَى إِكْرَامٍ وَنَحْوُ كَرَّمَ عَلَى تَكْرِيمٍ وتَكْرِمَة، وَجَاءَ كِذاب وكِذَّاب"3.
اعلم أن4 مصدر الفعل الثلاثي المزيد فيه والرباعي يأتي على قياس مطرد؛ فيأتي مصدر "أَفْعَلَ" على إفعال، نحو: أخرجَ إخراجا ومصدر "فَعَّل" على "تفعيل" و"تَفْعِلَة" نحو: كرِّم تكريما وتكرمة وجاء على "فِعَال" و"فِعَّال" نحو: كذَّب تكذيبا وكِذّابا وكِذّابا.
ويجيء على "فَعَال"، وهو اسم ينوب مناب المصدر، نحو: سلَّم5 سلاما وكلَّم كلاما6. وأكثر ما يجيء المصدر على "تَفْعِلَة"
__________
1 في الأصل عبارة ابن الحاجب مبتورة، هكذا: "وفعل نحو كرم ... " إلى آخره. وفي "هـ": "وفعل ... ".
2 لفظة "غالبا" إضافة من "ق".
3 عبارة ابن الحاجب جاءت مبتورة في الأصل وفي "هـ"، إذ جاءت في الأصل: "والمزيد فيه ... ".
4 لفظة "أن" ساقطة من "ق".
5 في "ق": سلمت.
6 يفرق النحويون بين المصدر واسم المصدر، فيعرفون المصدر بأنه اسم الحدث الجاري على الفعل، ويحترزون بقولهم "الجاري على الفعل" من اسم المصدر، فإنه وإن كان اسما دالا على الحدث، لكنه لا يجري على الفعل؛ كأعطيت إعطاء. فإنما الذي يجري على "أعطيت" هو إعطاء؛ لأنه مستوف لحروفه، بل وزاد عليها. وليس "عطاء" لأنه ليس مستوفيا لحروف الفعل. ومثله: سلَّمت تسليما. وأما سلاما وعطاء وكلاما فهي أسماء مصادر لا مصادر. ولكننا نجد ركن الدين يعد سلاما وكلاما ضمن المصادر، ويذكر أنهما اسمان نابا مناب المصرد فعوملا معاملته. وإذا قيل: لعله يريد بقوله: "اسم ينوب مناب المصدر" اسم المصدر. نقول: ولو أراد ذلك أيضا؛ فإنه قد أدخله في المصادر ولم يخرجه؛ لنقصان حروفه عن حروف فعله، كما فعل النحويون "المحقق".

(1/297)


في الناقص، نحو1: وصَّيته تَوْصِيَة "ولا تحذف منه الهاء إلا لضرورة الشعر، وإذا حذفت الهاء منها عاد إلى "تفعيل" كقوله"2:
5-
فهي تُنَزِّي دَلوها3 تَنْزِيًّا ... كما تُنَزِّي شَهْلَة صَبِيًّا4
يريد: تَنْزِيَة. يصف ناقته5 بأنها تحرك دلوها6.
__________
1 لفظة "نحو" ساقطة من "هـ".
2 في الأصل: "وإذا حذفت الهاء منها عاد إلى تفعيل، ولا تحذف منه الياء إلا لضرورة الشعر، كقوله". وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 في "ق": دلونا.
4 رجز، لمنقف على نسبته إلى قائل معين، وقد أنشده الرضي في شرحه. وشرحه البغدادي دون أن ينسبه إلى أحد. "ينظر في الشاهد: شرح الشافية، للرضي "1/ 165" وشرح شواهد الشافية ص67 -شاهد رقم "28"، اللسان "نزا": 6/ 4402" تُنَزِّي: تحرك. ونزا به قلبه: طمح. والنزاء: داء يأخذ الشاء فتنزو منه حتى تموت. والشهلة: العجوز. وخص الشهلة؛ لأنها أضعف من الشابة؛ فهي تنزي الصبي، أي: ترقضه بثقل وضعف. والشاهد في قوله: "تنزيا" حيث جاء المصدر المعتل اللام لفعل على تفعيل، ضرورة والقياس أن يأتي على تَفْعِلة، كـ"تَكْرِمَة".
5 في "هـ": ناقة.
6 في "ق": دلونا.

(1/298)


قوله: "والتزموا الحذف والتعويض في نحو: تَعْزِيضة وإِجَازَةٍ واستِجازة، وَنَحْوُ: ضارَبَ عَلَى مُضارَبة وضِراب، ومِراء شَاذٌّ، وَجَاءَ قِيتال، وَنَحْوُ تَكَرَّمَ عَلَى تَكَرُّم، وجاء تِمِلَّاق. والباقي واضح"1.
أي: و2 التزموا حذف الياء أو غيرها في مصدر "فَعَّل" إذا كان ناقصا، وفي مصدر "أَفْعَلَ" و"استَفْعل" إذا كان أجوف.
اعلم أن "فعَّل" إذا كان ناقصا، نحو: "عَزَّى" حذف من مصدره إحدى الياءين؛ أي: الأصلية أو الزائدة3؛ أعني ياء التفعيل للتخفيف، وعوض4 عن5 تاء التأنيث منها وأن "أفْعَلَ" و"استَفْعل" إذا كان أجوف نحو: أجازَ واستَجاز، تقول في6 مصدرهما إجازة واستجازة؛ أصلها: اجوازا واستجوازا؛ نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا فحذفت إحدى7 الألفين لالتقاء الساكنين، ثم عوضت تاء التأنيث عن المحذوف. وإنما التزموا الحذف في المواضع الثلاثة لئلا يلزم الجمع بين العوض -وهو التاء- والمعوض عنه.
__________
1 جاءت عبارة ابن الحاجب مبتورة في الأصل، وكذلك في "هـ"، حيث جاءت في الأصل هكذا: "والتزموا الحذف في نحو تغزية وإجازة واستجازة ... " وفي "هـ": "والتزموا الحذف ... ".
2 الواو ساقطة من "ق"، "هـ".
3 في الأصل: أو الزيادة.
4 في "هـ": وعرض، تحريف.
5 لفظة "عن" ساقطة من "هـ".
6 "تقول في": موضعه بياض في "هـ".
7 لفظة "إحدى" موضعها بياض في "هـ".

(1/299)


ويأتي المصدر من "فاعَلَ" على "مفاعلة وفِعال" نحو: قاتَل مُقاتلة وقِتالا. وأهل اليمن يقولون: قِيتالا1. ويأتي من "تَفَعّل" على "تَفَعُّل" نحو: تَكَرَّم تَكَرُّما. ويأتي على "تِفِعَّال" نحو: تَمَلَّق تَمَلُّقا وتِمِلَّاقا. ومن "تفاعَل" على "تفاعُل" نحو: تَقاتَل تَقاتُلا، إلا أنك إذا بنيت التفاعُل والتفعُّل على "تفاعُل" نحو: تَقاتل تَقاتُلا، إلا أنك إذا بنيت التفاعُل والتفعُّل من الناقص كسرت العين منهما نحو: تمنَّى تَمَنِّيا، وتجافى تجافيا؛ لأن الناقص إن كان يائيا فظاهر؛ لمجانسة الكسرة الياء، وإن كان واويا؛ فلأنه يجب قلب الواو ياء والضمة التي قبلها كسرة، لما ثبت في كلامهم أنه إذا كان آخر2 المتمكن واو قبلها ضمة قلبت الواو ياء والضمة كسرة. ويأتي من "افْتَعَل" على افْتِعال، نحو: اكْتَسَبَ اكتسابا. ومن "انْفَعَل" على "انْفِعال" نحو: انْطَلَق انْطِلاقا. ومن "افْعَلَّ" على "افْعِلال" نحو: احْمَرّ احْمِرارا. ومن "افْعالّ" على "افْعيلال" نحو: احمارّ احميرارا. ومن "افْعَوْعل" على افْعِيعال، والأصل فيه "افْعِوْعال"؛ قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها نحو: اعْشَوْشَبَت الأرض3
__________
1 ذكر ذلك أيضا في شرحه على الكافية. "ينظر الوافية، ص227". وهذه اللغة ذكرها ابن منظور في اللسان "قتل": 5/ 3528".
2 في "هـ": في آخره.
3 اعشوشبت الأرض: كثر عشبها. "ينظر اللسان "عشب": 4/ 2951".

(1/300)


اعشيِشابا. ولم تنقلب في: اجلوَّذ اجلوّاذا1؛ للإدغام. وبناء افْعَوْعَل للمبالغة والتوكيد2.
قوله: "ونحو التَّرداد والتَّجوال والحِثّيثَى والرَّمِيّا للتكثير"3.
اعلم أن سيبويه جعل التِّفْعال تكثيرا ومبالغة لمصدر الفعل الثلاثي نحو "التَّهْذار" للهَذْر4 "26"، و"التَّلعاب" للّعب، و"التَّرْداد" للردّ، و"التَّكرار" للكَرِّ، و"التَّصْفاق" للصَّفق، و"التَّقْتال" للقَتْل، و"التَّجوال" للجَوَلان -وهو قياس مطّرد5. والفراء وغيره من الكوفيين يجعلون "التَّفْعال" بمنزلة "التَّفعيل" وألف التكرار بمنزلة ياء التكرير6.
والحق ما قاله سيبويه؛ لأنه يقال "التَّلعاب" ولا يقال "التلعيب". فلو كان "التَّلعاب" بمنزلة "التلعيب" لقيل "التلعيب"7.
__________
1 يقال: اجلوَّذ الليل: ذَهَب. "ينظر السابق "جلذ: 1/ 656". وذكر سيبويه أنه لا يستعمل إلا مزيدا. "ينظر الكتاب: 4/ 76".
2 على ما ذهب إليه سيبويه في هذا النحو "ينظر الكتاب: 4/ 75, 76".
3 في الأصل: "ونحو الترداد والتجوال ... " إلى آخره. وفي "هـ": "ونحو الترداد ... ".
4 للهذر: ساقطة من "هـ".
5 ينظر الكتاب "4/ 84".
6 ينظر المنقوص والممدود، للفراء: ص12.
7 في الأصل: "للتلعب". وكذا في "ق". والصحيح ما أثبتناه من "هـ".

(1/301)


"و"1 كذلك الحِثِّيثَى والرِّمِيَّا لتكثير الفعل2 الثلاثي والمبالغة. وإذا قلت: "كان بينهم حِثّيثَى أو رِمِيَّا "كان معناه: كان بينهم حَثّ كثير وترام كثير3.
__________
1 الواو ساقطة من الأصل. وهي إضافة من "ق"، "هـ".
2 في الأصل: "للتكثير للفعل".
3 ذكر الجوهري أن الحثيثى هو الحث نفسه، وأن الرِّمِيّا هو الترامي. "ينظر الصحاح "حثث": 1/ 278، "رمى": 6/ 2362".

(1/302)


[المصدر الميمي] :
قوله: "ويجيء المَصْدَرُ مَنَ الثُّلاَثِيِّ الْمُجَرَّدِ أَيْضَاً عَلَى "مَفْعَل" قياسا مطردا، كـ"مَقْتَل" و"مَضْرَب". وأما "مَكْرَم" و"مَعُون"، ولا غيرهما، فنادران حتى جعلهما الفراء لـ"مَكْرُمة" و"مَعُونة". ومن غيره على زِنة المفعول كـ"مُخْرَج، ومُسْتَخْرج"، وكذلك الباقي"1.
"أي"2 [من الفعل الثلاثي] 3 "متعديا كان أو غير متعد على وزن مفعل -بفتح العين- قياسا مطردا؛ كمَقْتَل ومَضْرَب ومَخْرَج؛ من: قَتَل يَقْتُل: وضرَب يضرِب، وخرَج يخرج. وأما مجيء مصدر كَرُم يَكْرُم وعان يعون على: مَكْرُم ومَعُون فشاذ لا يجيء غيرهما على هذا الوزن مصدرا لفَعُلَ. وقال الفراء4: إنهما جمع مَكْرُمَة ومَعُونة على حد تَمْرَة وتَمْر؛ استبعادا لمجيء المصدر على وزن "مَفْعُل".
وذُكِر في الصحاح مجيء "مَهْلَك" مصدر "هَلَكَ"؛ يعني: هَلَك يَهْلِكُ هلاكا وهُلُوكا ومَهْلَكا ومَهْلُكا5.
__________
1 في الأصل: "ويجيء المصدر ... " وكذا في "هـ".
2 لفظة "أي" إضافة من "هـ".
3 ما بين المعقوفتين إضافة من "هـ".
4 ينظر معاني القرآن: 1/ 151, 152.
5 ينظر الصحاح "هلك": 4/ 1616.

(1/302)


وجاء: "مَيْسُر" بضم السين، بمعنى السعة والغنى. ذكره ابن القطاع1. وقرأ بعضهم2: "فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَةٍ"3 بضم السين4 والإضافة. وكذا ذكر ابن القطاع5 وصاحب الصحاح6 أنه جاء "مَأْلُك" -بضم اللام- بمعنى الرسالة والكلام. وقال الأخفش: ليس في الكلام "مَفْعُل" بغير الهاء7.
قوله: "ولا غيرهما": ههنا نسختان؛ إحداهما بغير الواو قبل "لا"، والأخرى بالواو قبل "لا". وعلى التقديرين فغيرهما مرفوع بأنه مبتدأ خبره محذوف؛ أي: لا غير "مَكْرُم" و"مَعون" جاء من المصادر على هذا الوزن.
ولقائل أن يمنع عدم مجيء غيرهما على هذا الوزن لما ذكر8.
فإنه جاء: هَلَك مَهْلُكا، ويَسَرَ مَيْسُرا، وأَلَكَ مَأْلُكًا بمعنى الرسالة.
__________
1 ينظر: ابن القطاع وأثره في الدراسات الصرفية، مع تحقيق كتابه أبنية الأسماء والأفعال والمصادر: 2/ 97.
2 وهو ناقع. ووافقه ابن محيصن "ينظر: البحر المحيط: 2/ 340، والنشر: 2/ 236، والإتحاف، ص166".
3 سورة البقرة: من الآية "280".
4 وهذه هي لغة أهل الحجاز، وهي قليلة جدا. "ينظر الإتحاف: 166".
5 ينظر ابن القطاع وأثره ... "2/ 97".
6 ينظر: الصحاح. "ألك": 4/ 1573.
7 وأضاف: "وأما مكرم ومعون، فهما جمع مكرمة ومعونة" حكاه عنه الجوهري في الصحاح: "يسر: 2/ 857".
8 "لما ذكر": ساقط من "ق".

(1/304)


[المصدر مما جاء على أكثر من ثلاثة أحرف] :
يجيء المصدر من غير الفعل الثلاثي المجرّد1؛ أعني من الثلاثي المزيد فيه، والرباعي المجرد، والرباعي المزيد فيه، على وزن مفعوله، قياسا مطّردا، نحو: أخرجتُه مخرجا، واستخرجته مُسْتَخرجًا، وانطلق منطلقا، ودحرجتُه مدحرجا، وكذلك سائرها، فالمفعول والمصدر بالميم واسما الزمان والمكان في غير الثلاثي المجرد بوزن واحد.
قوله: "وَأَمَّا مَا جَاءَ عَلَى مَفْعُولٍ كالمَيْسُور والمَعْسُور والمْجَلُود والمَفْتُون فقليل"2.
أي: وأما المصادر التي جاءت على وزن "مفعول" فقليلة؛ كالميسور والمعسور، بمعنى: اليسر3 والعسر؛ من يَسُر وعَسُر4 -بالضم- يَيْسُرُ ويعسُر يسرا وعسرا وميسورا ومعسورا، وكقولهم: دَعْهُ إلى مَيسُوره. [وقال سيبويه: هما صفتان: معناهما عنده: دَعْه إلى زمان يُوسر فيه وإلى زمان يُعْسَر فيه5؛ لأنه يمتنع مجيء
__________
1 لفظة "المجرد" ساقطة من الأصل. وهي إضافة من "ق".
2 في الأصل: "وأما ما جاء على مفعول ... إلى آخره. وما أثبتناه في "ق"، "هـ".
3 في الأصل: السرور.
4 لفظة "عسر" ساقطة من "ق".
5 نص عبارة سيبويه: "وأما قوله: "دعه إلى ميسوره ودع معسوره" فإنما يجيء هذا على المفعول كأنه قال: دعه إلى أمر يوسر فيه أو يعسر فيه". "الكتاب 4/ 97".

(1/305)


المصدر عنده على وزن مفعول. وكالمرفوع والموضوع، بمعنى: الرفع والوضع. وقال سيبويه هما صفتان؛ معنى" هذا مرفوع وموضوع1: هذا ما أرفعه وما أوضعه2] 3. وكالمجلود؛ فإنه مصدر بمعنى الجلد "27" والجلادة. والمفتون؛ فإنه مصدر بمعنى: الفتنة، ومنه قوله تعالى: {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ 4} ، إن قلنا: إن الباء ليست زائدة، وليس منه إن قلنا إنها زائدة. وقد ذكر جار الله5 في حروف الجر أنها زائدة6. وكالمعقول؛ فإنه مصدر بمعنى
__________
1 في الأصل: مرفوعي وموضوعي. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
2 ينظر الكتاب: 4/ 97.
3 العبارة التي بين المعقوفتين جاءت في "ق" هكذا: "وكالمرفوع والموضوع، بمعنى الرفع والوضع. قال سيبويه: هما صفتان. ومعنى هذا مرفوع وموضوع: هذا ما أرفعه وما أوضعه. وقال سيبويه: هما صفتان معناهما عنده: دعه إلى زمان يوسر فيه، وإلى زمان يعسر فيه؛ لأنه لا يمتنع مجيء المصدر عنده على وزن مفعول".
4 القلم: من الآية "6".
5 هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي، الزمخشري، أديب، لغوي، نحوي، ولد بزمخشر سنة 467هـ. وإليها نسب. ورد بغداد غير مرة وأخذ الأدب عن كثير من علمائها، ووصل إلى خراسان وجاور بمكة المكرمة حتى قيل له: جار الله وتوفي بخوارزم سنة 538هـ، وله مصنفات كثيرة، أشهرها: المفصل والأنموذج، وأساس البلاغة، والكشاف، والفائق في غريب الحديث.
"ينظر ترجمته في: وإنباه الرواة: 3/ 265-272، وبغية الوعاة: 388، وشذرات الذهب: 4/ 118-121، ومعجم الأدباء: 19/ 126-135، والنجوم الزاهرة: 5/ 274، ونزهة الألباء: 274-276.
6 ينظر المفصل، ص285.

(1/306)


العقل. وقال سيبويه إنه صفة معناه: عقل له شيء، أي: حبس1.
وكالمحلوف2؛ فإنه صدر من: حَلَفَ يحْلِف حَلِْفا ومحلوفا.
قوله: "وفاعِلَة كالعافية والعاقبة والباقية والكاذبة أقل"3.
اعلم أن مجيء المصدر على وزن "فاعلة" أقل من مجيء المصدر على وزن "مفعول" كالعافية، نحو: عافاه الله عافية، وكالعاقبة نحو: عقَّب فلان مكان أبيه عاقبة، وكالباقية؛ كقوله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} 4؛ أي: بقاء. وكالكاذبة كقوله تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} 5؛ أي: كذب.
قوله: "وَنَحْوُ: دَحْرَجَ عَلَى دَحْرَجَة ودِحْراج -بِالْكَسْرِ؛ ونَحْوُ: زَلْزَل على زَلْزِال بالفتح والكسر"6.
اعلم أن المصدر من الرباعي وما ألحق به يأتي على وزن فَعْلَلَة وفِعْلال، نحو: دَحْرَجَ دَحْرَجَة ودِحْراجا، وجَلْبَبَ جَلْبَبَة وجِلبابا. وأما الذي كُرِّر فيه الأول والثاني فيجيء مصدره على وزن فَعْلَلَة وفِعْلال وفَعْلال، نحو: زلزل زلزلة وزِلزالا وزَلزالا. والكسر أفصح؛ لأنه أصله
__________
1 ينظر الكتاب: 4/ 97.
2 في الأصل: وكأن المحلوف. وما أثبتناه من "ق"، "هـ".
3 في الأصل: "وفاعله كالعافية" ... " إلى آخره.
4 الحاقة: من الآية "8".
5 الواقعة: من الآية "2".
6 في الأصل: "ونحو دحرج ... " إلى آخره.

(1/307)


والمختار أن أصله: فِعْلال، لما سيأتي.
اعلم أن ظاهر قوله؛ وهو: "نحو دحرج على دحرجة ودِحراج، يدل على أن الفَعْلَلَة والفِعْلال سيان1 في مجيء المصدر من فَعْلَلَ عليهما -وليس كذلك؛ لأن المصدر من "فَعْلَل" غير المكرر على "فَعْلَلة" فحسب إلا إذا سمع "فِعلال"، نحو: سَيْرَجَ عليه الأمر سَيْرَجَة؛ أي: عمّاه2، وبَرْطَم بَرْطَمَة؛ أي: قَطَبَ3. وفعلال محفوظ4. لا يقال: سَبْرَجَ سِبراجا ولا بَرْطَم بِرطاما، لكنه سمع بكثرة في غير ذلك. نعم قياس المصدر من "فَعْلَل" المكرر فَعْلَلَة وفعلال، نحو: زلزل زلزلة وزلزالا ويأتي من "تَفَعْلَل" على تَفَعْلُل، نحو: تَدَحْرَجَ تَدَحْرُجا. ومن "افْعَنْلَل" على "افْعِنْلال"، نحو: احْرَنْجَمَ احْرِنْجَاما. ومن "أفْعَلَلَّ" على "افْعِلّال" نحو: اقْشَعَرَّ اقْشِعْرارًا.
__________
1 في "ق": سيأتي، لعله سهو من الناسخ.
2 اللسان "سبرج": 3/ 1921.
3 وبرطم الليل، إذا اسودّ. والبرطمة: الانتفاخ من الغضب. ينظر المصدر السابق "برطم" 1/ 260".
4 لفظة "محفوظ" ساقطة من "ق".

(1/308)


[اسم المصدر] :
اعلم أن العطاء والكلام والبنيان والطُمأنينة والقُشَعْرِيرة والسلام والثبات والغارة ونحوها أسماء يراد بها ما يراد بالمصادر، وتستعمل موضعها وليست بمصادر.

(1/308)


[اسم المرة] :
قوله: "وَالْمَرَّةُ مِنَ الثُّلاَثِيَّ الْمُجَرَّدِ الَّذي1 لا تَاءَ فِيهِ عَلَى "فَعْلَة" نَحْوُ: ضَرْبَة وقَتْلَة، وَبِكَسْرِ الْفَاءِ لِلنَّوْعِ نَحْوُ: ضِرْبَة وقِتْلَة، ومَا عَدَاهُ عَلَى2 الْمَصْدَرِ الْمُسْتَعْمَلِ، نَحْوُ: إناخَة؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَاءٌ زِدْتَهَا. وَنَحْوُ3 أَتيته إتْيَانَةً ولَقيته لِقاءة شاذ"4.
أي5: بناء المرة الواحدة من الثلاثي المجرد من الزوائد الَّذي6 لا تَاءَ فِيهِ عَلَى "فَعْلَة"، نَحْوُ: ضَرَبْتُ ضَرْبَة، وقَتَلْتُ قَتْلَة، وقُمْت قَوْمَة، وقَعَدْت قَعْدَة.
واحترز بقوله: "المجرد". عن الثلاثي المزيد فيه؛ فإن بناء المرة فيه لا يكون على وزن "فَعْلَة".
واحترز بقوله: "الذي لا تاء فيه" عن المصدر الذي فيه تاء، نحو: طلبة ونشدة وكدرة؛ فإن بناء المرة فيه لا يكون على وزن "فَعْلَة"، كما يجيء. وبناء النوع من المصدر الثلاثي المجرد على "فِعْلَة" -بكسر الفاء- نحو: ضَرَبْتُ ضِرْبة وقَتَلْت قِتْلَةَ سُوء,
__________
1 لفظة "الذي" ساقطة من "ق".
2 في "ق": فعلى.
3 لفظة "نحو" ساقطة من "ق".
4 في الأصل: "المرة من الثلاثي المجرد ... " إلى آخره.
5 في "ق": "اعلم أن"، بدلا من "أي".
6 في "ق": التي.

(1/309)


ومات مِيتَةَ سوء.
وبناء المرة والنوع مما عدا الثلاثي المجرد عن الزوائد الذي لا تاء فيه على وزن المصدر المستعمل، وهو إما ثلاثي مجرد فيه تاء، أو غير ثلاثي مجرد: فإن كان ثلاثيا مجردا فيه تاء، نحو: طِلْبَة ونِشْدَة وكُدْرَة؛ فإنه يستعمل على حاله للمرة والنوع، ويفرق بين المرة والنوع بقرينة لفظية، نحو: نَشَدْتُ نِشْدَة واحدة، أو نوعا: نحو: نِشْدَة سوء، أو نِشْدَةَ لُطْف، أو بقرينة معنوية.
وإن كان غير ثلاثي مجرد؛ بأن "28" كان ثلاثيا مزيدا فيه، أو رباعيا؛ فإن كان فيه تاء، نحو: إجابة واستجابة ودحرجة، يستعمل على حاله، ويفرق بين النوع والمرة بقرينة لفظية أو معنوية، وإن لم يكن في المصدر المستعمل تاء وقصدت المرة رُدت التاء فيه، نحو: انطلقت انطلاقة واستخرجت استخراجة، واحمررت احمرارة، وأعطيت إعطاءة. وأما قولهم: أتيته إتيانة، ولَقيته لِقاءَة للمرة، فشاذ؛ لأن القياس: أَتيتُه أَتْيَة، ولَقِيتُه لَقْيَة؛ لأنا ذكرنا أن مصدر الثلاثي المجرد إذا لم يكن فيه تاء يبنى للمرة على "فَعْلَة" -بفتح الفاء وسكون العين- وأتى ولقى ثلاثي مجرد [لا تاء في مصدره] 1.
__________
1 في "ق": "لا تاء فيه، أي: في مصدره" بدلا مما بين المعقوفتين.

(1/310)


[أسماء الزمان والمكان] :
قوله: "أسماء الزمان والمكان مما مضارعه مفتوح العين أَوْ مَضْمُومُهَا، وَمِنَ الْمَنْقُوصِ عَلَى "مَفْعَل" نَحْوُ مَشْرَب ومَقْتَل ومَرْمَى وَمِنْ مَكْسُورِهَا وَالْمِثَالِ عَلَى "مَفْعِل" نحو: مَضْرِب ومَوْعِد، وجاء المَنْسِكُ والمَجْزِرُ والمَنْبِتُ والمَطْلِعُ والمَشْرِقُ والمَغْرِبُ والمَفْرِقُ والمَسْقِطُ والمَسْكِنُ والمَرْفِقُ والمَسْجِدُ والمَنْخُِر. وأَمَّا مِنْخَر ففرغ كمِنْتِنٍ"1.
المراد بأسماء الزمان والمكان: أسماء موضوعة للزمان والمكان باعتبار وقوع الفعل فيه؛ فالمراد بالمخرج الخروج المطلق "أو زمان"2 الخروج المطلق.
[ولأجل أن المراد بأسماء الزمان أو المكان زمان الفعل ومكانه لم يعمل في مفعول ولا ظرف. ولأجل أنها لا تعمل قيل3: المجر] 4 -قول النابغة5:
__________
1 عبارة ابن الحاجب جاءت في الأصل مبتورة، هكذا: "أسماء الزمان والمكان مما مضارعه مفتوح العين ... ". إلى آخره.
2 في الأصل "والزمان" والصحيح ما أثبتناه من "ق".
3 قاله الزمخشري -رحمه الله- في المفضل، ص239.
4 ما بين المعقوفتين ساقط برمته من "هـ".
5 النابغة: هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني، كنيته أبو أمامة، ولقبه النابغة، لقب به لنبوغه في الشعر وإكثاره منه بعد ما احتنك. وهو أحد شعراء الطبقة الأولى، عده ابن سلام بعد امرئ القيس وقبل زهير والأعشى. وكان الخليفة عمر بن الخطاب يعده أشعر العرب. وكان وفاته سنة 602م. وينظر ترجمته في الأغاني: 11/ 3-36.

(1/311)


6-
كَأَنَّ مجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولها ... عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمّقته الصوانع1
مصدر بمعنى الجر، والمضاف إلى المَجَر محذوف تقديره: كأن أثر جر الرامسات.
ومعنى كلامه أن اسمي الزمان والمكان من الثلاثي المجرد من الزوائد من الذي مضارعه مفتوح العين أو مضمومها، ومن الفعل الناقص وإن كان مكسور العين، إنما يبنيان على وزن "مَفْعَل" بفتح العين؛ نحو: مَشْرب، من: شَرِب يشْرَب، ومَقْتَل من: قَتَلَ يَقْتُلُ، ومَرْمَى من رمي يَرْمِي.
ويبنيان من الذي مضارعه يَفْعِلُ -بكسر العين- ومن المعتل الفاء، وإن كان مفتوح العين على وزن مَفْعِل -بكسر العين-
__________
1 هذا بيت من الطويل، قاله النابغة ضمن قصيدة طويلة يمدح بها النعمان بن المنذر ويعتذر إليه، ويهجو مرة بن ربيع بن قريع وهو في ديوانه ص79، برواية: "حصير" بدلا من "قضيم". وقد أنشده الزمخشري في مفصله ص239، والرضي في شرح الشافية: 2/ 16، "رقم 45" والجاربردي في شرح الشافية 1/ 70، وشرحه البغدادي تحت رقم "50" في شرحه لشواهد الشافية ص82، 106.
والرامسات: الرياح الشديدات الهبوب التي ترمس الأثر، أي: تعقبه وتدفنه، ذبول الرياح: أواخرها. نمقته: زينته. والشاهد في قوله: "مجر الرامسات"؛ حيث استعمل "مَجَرّ" مصدرا ميميا بمعنى الجر، وإضافته إلى الرامسات من إضافة المصدر لفاعله، والكلام على تقدير مضاف، وكأنه قال: كأن جر الرامسات ذيولها. كما ذكر ركن الدين.

(1/312)


نحو مَضْرِب من: ضرَبَ "يضْرِب"1، ومَوْضِع من: وَضَعَ. وقد جاء الفتح شاذا مع الكسر نحو: مَدَِبّ2 النمل، ومَأْوَِى الإبل3 ومَوْجَِل4.
وقد جاءت أسماء الزمان والمكان من الذي مضارعه "يَفْعَل" -بضم العين- على وزن "مَفْعِل" -بكسر العين- على خلاف القياس من إحدى عشرة كلمة5، وهي6: المَنْسِكُ، والمَجْزِر، والمَنْبِت، والمَطْلِع، والمَشْرِق، والمَغْرِب، والمَفْرِق، والمَسْقِط، والمَرْفِق، والمَسْجِد، والمَنْخِر7 من: نسَكَ ينْسِك، ونَبَت ينْبُت، وطَلَعَ يَطْلُع، وشَرَقَ يَشْرُقُ وغَرب يغرُب، وفَرَقَ يفْرُقُ، وسَقَطَ يَسْقُط، ورَفَق يرفُق، وسجَد يَسْجُد، ونخر ينخُر من النخير، وهو صوت بالأنف.
__________
1 لفظ "يضرب" ساقطة من الأصل. وهي إضافة من "ق"، "هـ".
2 ذكر ابن منظور أن مدِبّ -بكسر الدال- اسم، وأن مدَبّ -بفتحها مصدره. "ينظر اللسان "دبب": 2/ 1315".
3 أرى أنه قد التبس الأمر على ركن الدين ههنا فذكر أن الفتح شاذ مع الكسر، في مأوى الإبل. والصواب أن الفتح قياس متبع والكسر شاذ، وهو لغة فيه؛ لأن المعتل اللام مفتوح أبدا. كالمأتى والمرمى والمأوى والمشوى, كما صرح بذلك الجوهري في الصحاح "أوى" 6/ 2274، والزمخشري في مفصله، ص238. والذي ذكر لغة: مأوِي الإبل -بالكسر- هو الفراء وقد حكاها عن بعض العرب وذكر أنها نادرة "ينظر معاني القرآن: 2/ 14".
4 ذكرها الجوهري في صحاحه "وجل": 5/ 1840، أن "الموجل" بفتح الجيم -مصدر، وأن "الموجل" بالكسر -اسم موضع.
5 ذكرها الزمخشري في مفصله، ص237.
6 "وهي": ساقطة من "هـ".
7 ينظر: الهمع: 2/ 168.

(1/313)


وجاء الفتح في بعضها أيضا على القياس، وهو: المَنْسَكُ والمَطْلَعُ والمَفْرَقُ1 قيل: والفتح في كلِّها جائز، وإن لم نسمعه2.
وقد جاء من المفتوح العين المجمع -بكسر الميم. وأما مِنْخِر- بكسر الميم والخاء فإنما كسر الميم اتباعا لكسرة الخاء كما قالوا في [مُنْتِن -بضم الميم وكسر التاء] 3 مِنْتِن -بكسر الميم- للاتباع؛ فمِنْخِر -بكسر الميم والخاء- فرع مَنْخِر -بفتح الميم وكسر الخاء- لثقب الأنف، ومِنْتِن -بكسر الميم والتاء- فرع مُنْتِن -بضمّ الميم وكسر التاء4.
قوله: "ولا غيرهما". أي: ولا يجيء في الكلام مِفعل -بكسر الميم غيرهما، فهما نادران؛ لأن مِفْعِلا -بكسر الميم والعين- ليس منه أبنية الكلام5، مع أنه يمكن جعلهما فرعين لبناءين موجودين في كلامهم كما ذكرناه.
__________
1 وزاد عليها الرضي: المحشر، والمسجد، والمَحَلّ -بمعنى المنزل. "ينظر شرح الشافية: 1/ 182".
2 قاله الفراء في معاني القرآن: 2/ 148، 230، 357، وحكاه الجوهري منسوبا للفراء. "ينظر الصحاح: سجد: 2/ 484".
3 ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وهو إضافة من "ق"، "هـ".
4 قاله الجوهري في الصحاح "نخر": 2/ 824".
5 قاله الجوهري أيضا. "ينظر المصدر السابق".

(1/314)


اعلم أن صاحب المفصل والميداني لم يذكرا المَنْخَِر، وذكرا المسكَِن1 من سكن2 فإنه مما روي فيه الكسر والفتح3.
واعلم "29" أن المصنف أورد مَوْعِدا في الشرح لمثال المكان والزمان من معتل4 الفاء، وهو ليس بنص في مطلوبه لجواز أن يكون كسر عينه في المكان والزمان لكسر عين مضارعه. وأن في قوله: "ومن مكسورها والمثال مَفْعِل" نظرا؛ لأنه يقتضي أن يكون أسماء الزمان والمكان من وَحِشَ يَوْحِشُ، ووَسُمَ يَوْسُمُ، ويَتِمَ الولد يَيْتَمُ ويَتُمَ يَيْتُمُ، ويَقِظَ من نومه يَيْقَظَ ويَعِطَ بالذئب يَيْعَطُ5؛ أي: زجره، مَفْعِل -بكسر العين- وليس كذلك لأنه مَفْعَل -بفتح العين6
__________
1 وهذا ما فعله قبلهما عبد القاهر المتوفى 471هـ، وذلك في المفتاح "ينظر، ص60".
2 في "ق": يسكن. وكذا في "هـ".
3 ينظر المفصل، ص237.
4 في "ق": المعتل.
5 يعط ييعط: لم أعثر عليها. والذي في الصحاح واللسان: أَيْعَطْتُ بالذئب. وفي اللسان أيضا: يعَّط، وياعط. "ينظر الصحاح "يعط": 3/ 1169، واللسان "يعط": 6/ 4962" ولا أرى من أين أتى ركن الدين بما ذكره.
6 ونحن نرى أن إيراد المصنف موعدا في الشرح نص في مطلوبه وليس كما ذكر ركن الدين ههنا من أنه أورده لجواز أن يكون كسر عينه في المكان والزمان لكسر عين مضارعه؛ لأنا نقول إن ابن الحاجب ههنا متأثر بعبد القاهر الذي يرى أن معتل الفاء يأتي منه اسم الزمان والمكان على "مَفْعِل" سواء كان مفتوح العين أو مضمومها أو مكسورها، وأورد من الأمثلة: المَوْضِع والمَوْعِد والمَوْسِم -من وسم يوسم. "ينظر: المفتاح، ص60" وقد تابع عبد القاهر في رأيه هذا الزمخشري في مفصله؛ حيث نص على أن معتل الفاء مكسور أبدا كالمَوْعِد والمَوْرد والمَوْضِع والمَوْحِل والمَوْجِل. "ينظر المفصل، ص238".
ويكون ابن الحاجب قد تابع هذين العلمين في ذلك.

(1/315)


قوله: "ونحو الْمَظنَّة والْمَقْبَُرَةِ فَتْحا و1 ضمًّا ليس بقِياس2".
اعلم أنه قد يدخل على بعضها تاء التأنيث، كالمظُنة والمزَُلّة والمقبَُرة والمشرَُفَة، ضما وفتحا، في: المقبرة والمشرفة، وهو ليس بقياس3 وأما ما جاء على "مَفْعُلَة" بالضم، كالمقبُرة والمشرُفة والمزرُعة فإنها لا يُذْهَبُ بها مذهب الفعل4. وقد جاء في هذه الثلاثة الكسر أيضا.
قوله: "وما عداه فعلى لفظ المفعول".
أي: وأما5 ما عدا الثلاثي المذكور فبناء اسمي الزمان والمكان منه على لفظ مفعوله نحو "مُخْرَج" من: أخرَج يُخْرِج، و"مُسْتَخْرَج" من: استخرج يَستخرج، و"مُنْطَلَق" من انطلق ينطلِق و"مُدَحْرَج" من: دحرج يدحرج، وقد تقدم هذا.
__________
1- في "ق": "أو" بدلا من الواو.
2- في "هـ" جاءت عبارة ابن الحاجب مبتورة، هكذا: "ونحو المظنة...." إلى آخره.
واتفق الأصل مع "ق" في مجيء العبارة كاملة فيهما.
3- ينظر المفصل، ص238.
4- ذكر ذلك الزمخشري في المفصل. "ينظر ص238".
5- لفظة "أما" ساقطة من "ق"، "هـ".

(1/316)


وقد بنت العرب ألفاظا من الفعل الثلاثي إذا أرادت تكثير الشيء بالمكان فقالوا: أرض مَسْبَعة ومَأْسَدَة ومَذْأَبَة1، إذا كانت كثيرة السباع والأسد والذئاب.
وقالوا في بنات الأربعة: مُثَعْلَبَة ومُعَقْرَبَة، إذا كانت فيها الثعالِب والعقارب كثيرة2 لكن ليس بقياس فيما زاد على الثلاثة3. ونقول من "ثُعَالَة": "مَثْعَلَة" من الثلاثي والألف زائدة4.
__________
1- ينظر الكتاب: 4/ 94، المفصل، ص238.
2- لفظة "كثيرة" ساقطة من "ق".
3- وسيبويه يرى أنهم لم يجيئوا بنظير هذا فيما جاوز ثلاثة أحرف، نحو الضفدع والثعلب وكراهية أن يثقل عليهم؛ ولأنهم قد يستغنون بأن يقولوا: كثيرة الثعالب ونحو ذلك، وإنما اختصوا بها بنات الثلاثة لخفتها. "ينظر الكتاب: 4/ 94".
4- ينظر المصدر السابق.

(1/317)


[اسم الآلة] :
قوله: "والآلة عَلَى مِفْعَل ومِفْعال ومِفْعَلَة، كالْمِحْلَبِ والْمِفْتاحِ والْمِكْسَحَة"5.
اعلم أن الآلة اسم ما يعالج به؛ فإنها تجيء على وزن "مِفْعَل ومِفْعَال ومِفْعَلَة" كالْمِحْلَب؛ فإنه اسم لما يُحْلَبُ به. وبالحقيقة اسم لما يُحْلَبُ فيه، لكن لما كان يستعان به في الحلب جاز إطلاق اسم
__________
1 في الأصل: "والآلة على مفعل...." إلى آخره. وفي "هـ": "والآلة على مفعل".

(1/317)


الآلة عليه، وكالمِفْتاح اسم لما يُفْتَح به، والمِكْسَحَة؛ فإنها اسم لما1 يُكْسَحُ به.
قوله: "وَنَحْوُ المُسْعُط والمُنْخُل والمُدُقّ والمُدْهُن والمُكْحُلَة والمُحْرُضَة ليس بقياس"2.
اعلم أن ما جاء مضموم الميم والعين كالمُسْعُط والمُنْخُل والمُدُقّ والمُدْهُن والمُكْحُلَة والمُحْرُضَة فأسماء لآلات3 مخصوصة لا باعتبار معنى الفعل فيها، وليست بقياس، ولأجل أن هذه آلات4 مخصوصة لا باعتبار معنى الفعل فيها قال سيبويه: "لم يذهبوا فيها مذهب الفعل، ولكنها جعلت اسما لهذه الأوعية"5؛ لأن الجاري على الفعل لا يختص بآلة مخصوصة، وهذه آلة مخصوصة؛ فلا يقال مُدْهُن إلا6 لآلة جعلت للدهن، ولو جعل الدهن في وعاء غيره لم يسم ذلك الوعاء بمدهن، بخلاف ما تقدّم من المفتاح والمكسحة وغيرهما.
__________
1 لفظة "لما" ساقطة من "هـ".
2 في الأصل: "ونحو المسعط" إلى آخره. وفي "هـ": ونحو المسعط".
3 في "ق": آلات.
4 في "ق": الآلات.
5 الكتاب: 4/ 91.
6 لفظة "إلا" ساقطة من "هـ".

(1/318)