شرح قطر الندى وبل الصدى

أَقسَام الْفِعْل وعلاماته
ص وَأما الْفِعْل فَثَلَاثَة أَقسَام مَاض وَيعرف بتاء التَّأْنِيث الساكنة وبناؤه على الْفَتْح كضرب إِلَّا مَعَ وَاو الْجَمَاعَة فيضم كضربوا أَو الضَّمِير الْمَرْفُوع المتحرك فيسكن كضربت وَمِنْه نعم وَبئسَ وَعَسَى وَلَيْسَ فِي الْأَصَح وَأمر وَيعرف بدلالته على الطّلب مَعَ قبُوله يَاء المخاطبة وبناؤه على السّكُون كاضرب إِلَّا المعتل فعلى حذف آخِره كاغز واخش وارم وَنَحْو قوما وَقومُوا وقومي فعلى حذف النُّون وَمِنْه هَلُمَّ فِي لُغَة تَمِيم وهات وتعال فِي الْأَصَح ومضارع وَيعرف بلم وافتتاحه بِحرف من حُرُوف نأيت نَحْو نقوم وأقوم وَيقوم وَتقوم وَيضم أَوله إِن كَانَ ماضيه رباعيا ك يدحرج وَيكرم وَيفتح فِي غره ك يضْرب ويجتمع ويستخرج ويسكن آخِره مَعَ نون النسْوَة نَحْو يَتَرَبَّصْنَ وَإِلَّا أَن يعفون وَيفتح مَعَ نون التوكيد الْمُبَاشرَة لفظا وتقديرا نَحْو لينبذن

(1/26)


ويعرب فِيمَا عدا ذَلِك نَحْو يقوم زيد وَلَا تتبعان لتبلون فإمَّا تَرين وَلَا يصدنك ش لما فرغت من ذكر عَلَامَات الِاسْم وَبَيَان انقسامه إِلَى مُعرب ومبني وَبَيَان انقسام الْمَبْنِيّ مِنْهُ إِلَى مكسور ومفتوح ومضموم وَمَوْقُوف شرعت فِي ذكر الْفِعْل فَذكرت أَنه يَنْقَسِم إِلَّا ثَلَاثَة أَقسَام مَاض ومضارع وَأمر وَذكرت لكل وَاحِد مِنْهَا علامته الدَّالَّة عَلَيْهِ وَحكمه الثَّابِت لَهُ من بِنَاء وإعراب
الْفِعْل الْمَاضِي
وبدأت من ذَلِك بالماضي فَذكرت أَن علامته أَن يقبل تَاء التَّأْنِيث الساكنة كقام وَقعد تَقول قَامَت وَقَعَدت وَأَن حكمه فِي الأَصْل الْبناء على الْفَتْح كَمَا مثلنَا وَقد يخرج عَنهُ إِلَى الضَّم وَذَلِكَ إِذا اتَّصَلت بِهِ وَاو الْجَمَاعَة كَقَوْلِك قَامُوا وقعدوا أَو إِلَى السّكُون وَذَلِكَ إِذا اتَّصل بِهِ الضَّمِير الْمَرْفُوع المتحرك كَقَوْلِك قُمْت وَقَعَدت وقمنا وقعدنا والنسوة قمن وقعدن وتلخص من ذَلِك أَن لَهُ ثَلَاث حالات الضَّم وَالْفَتْح والسكون وَقد بيّنت ذَلِك وَلما كَانَ من الْأَفْعَال الْمَاضِيَة مَا اخْتلف فِي فعليته نصصت عَلَيْهِ ونهبت على أَن الْأَصَح فعليته وَهُوَ أَربع كَلِمَات نعم وَبئسَ وَعَسَى وَلَيْسَ فَأَما نعم وَبئسَ فَذهب الْفراء وَجَمَاعَة من الْكُوفِيّين إِلَى أَنَّهُمَا اسمان وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِمَا فِي قَول بَعضهم وَقد بشر ببنت وَالله مَا هِيَ بنعم الْوَلَد وَقَول آخر وَقد سَار إِلَى محبوبته على حمَار بطيء السّير نعم السّير على بئس العير

(1/27)


وَأما لَيْسَ فَذهب الْفَارِسِي فِي الحلبيات إِلَى أَنَّهَا حرف نفي بِمَنْزِلَة مَا النافية وَتَبعهُ على ذل أَبُو بكر بن شقير وَأما عَسى فَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهَا حرف ترج بِمَنْزِلَة لَعَلَّ وتبعهم على ذَلِك ابْن السراج وَالصَّحِيح أَن الْأَرْبَعَة أَفعَال بِدَلِيل اتِّصَال تَاء التَّأْنِيث الساكنة بِهن كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت وَمن اغْتسل فالغسل أفضل وَالْمعْنَى من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبالرخصة أَخذ ونعمت الرُّخْصَة الْوضُوء وَتقول بئست الْمَرْأَة حمالَة الْحَطب وَلَيْسَت هِنْد مفلحة وعست هِنْد أَن تَزُورنَا وَأما مَا اسْتدلَّ بِهِ الْكُوفِيُّونَ فمؤول على حذف الْمَوْصُوف وَصفته وَإِقَامَة مَعْمُول الصّفة مقَامهَا وَالتَّقْدِير مَا هِيَ بِولد مقول فِيهِ نعم الْوَلَد وَنعم السّير على عير مقول فِيهِ بئس العير فحرف الْجَرّ فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا دخل على اسْم مَحْذُوف كَمَا بَينا وكما قَالَ الآخر

(1/28)


وَالله مَا ليلِي بنام صَاحبه وَلَا مخالط الليان جَانِبه

(1/29)


أَي بلَيْل مقول فِيهِ نَام صَاحبه
فعل الْأَمر
وَلما فرغت من ذكر عَلَامَات الْمَاضِي وَحكمه وَبَيَان مَا اخْتلف فِيهِ مِنْهُ ثنيت بالْكلَام على فعل الْأَمر فَذكرت أَن علامته الَّتِي يعرف بهَا مركبة من مَجْمُوع شَيْئَيْنِ وهما دلَالَته على الطّلب وقبوله يَاء المخاطبة وَذَلِكَ نَحْو قُم فَإِنَّهُ دَال على طلب الْقيام وَيقبل يَاء المخاطبة تَقول إِذا أمرت الْمَرْأَة قومِي وَكَذَلِكَ اقعد وأقعدي واذهب واذهبي قَالَ الله تَعَالَى فكلي واشربي وقري عينا فَلَو دلّت الْكَلِمَة على الطّلب وَلم تقبل يَاء المخاطبة نَحْو صه بِمَعْنى اسْكُتْ ومه بِمَعْنى اكفف أَو قبلت يَاء المخاطبة وَلم تدل على الطّلب نَحْو أَنْت يَا هِنْد تقومين وتأكلين لم يكن فعل أَمر

(1/30)


ثمَّ بيّنت أَن حكم فعل الْأَمر فِي الأَصْل الْبناء على السّكُون كاضرب وأذهب وَقد يبْنى على حذف آخِره وَذَلِكَ إِن كَانَ مُعْتَلًّا نَحْو اغز واخش وارم وَقد يبْنى على حذف النُّون وَذَلِكَ إِذا كَانَ مُسْتَندا لِأَلف اثْنَيْنِ نَحْو قوما أَو وَاو جمع نَحْو قومُوا أَو يَاء مُخَاطبَة نَحْو قومِي فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَحْوَال لِلْأَمْرِ أَيْضا كَمَا أَن للماضي ثَلَاثَة أَحْوَال وَلما كَانَ بعض كَلِمَات الْأَمر مُخْتَلفا فِيهِ هَل هُوَ فعل أَو اسْم نبهت عَلَيْهِ كَمَا فعلت مثل ذَلِك فِي الْفِعْل الْمَاضِي وَهُوَ ثَلَاثَة هَلُمَّ وهات وتعال فَأَما هَلُمَّ فَاخْتلف فِيهَا الْعَرَب على لغتين إِحْدَاهمَا أَن تلْزم طرْقَة وَاحِدَة وَلَا يخْتَلف لَفظهَا بِحَسب من هِيَ مُسندَة إِلَيْهِ فَتَقول هَلُمَّ يَا زيد وهلم يَا زَيْدَانَ وهلم يَا زيدون وهلم يَا هِنْد وهلم يَا هندان وهلم يَا هندات وَهِي لُغَة أهل الْحجاز وَبهَا جَاءَ التَّنْزِيل قَالَ الله تَعَالَى والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا أَي ائْتُوا إِلَيْنَا وَقَالَ تَعَالَى قل هَلُمَّ شهداؤكم أَي أحضروا شهداؤكم وَهِي عِنْدهم اسْم فعل لَا فعل أَمر لِأَنَّهَا وان كَانَت دَالَّة على الطّلب لَكِنَّهَا لَا تقبل يَاء المخاطبة وَالثَّانيَِة أَن تلحقها بالضمائر البارزة بِحَسب من هِيَ مُسندَة إِلَيْهِ فَتَقول هَلُمَّ وهلما وهلموا وهلممن بالفك وَسُكُون اللَّام وهلمي وَهِي لُغَة بني تَمِيم وَهِي عِنْد هَؤُلَاءِ فعل أَمر لدلالتها على الطّلب وقبولها يَاء المخاطبة وَقد تبين بِمَا استشهدت بِهِ من الْآيَتَيْنِ أَن هَلُمَّ تسْتَعْمل قَاصِرَة ومتعدية وَأما هَات وتعال فعدهما جمَاعَة من النَّحْوِيين فِي أَسمَاء الْأَفْعَال

(1/31)


وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا فعلا أَمر بِدَلِيل أَنَّهُمَا دالان على الطّلب وتلحقهما يَاء المخاطبة تَقول هَاتِي وتعالي وَاعْلَم أَن آخر هَات مكسور أبدا إِلَّا اذا كَانَ لجَماعَة المذكرين فَإِنَّهُ يضم فَتَقول هَات يَا زيد وهاتي يَا هِنْد وهاتيا يَا زَيْدَانَ أَو يَا هندان وَهَاتين يَا هندات كل ذَلِك بِكَسْر التَّاء وَتقول هاتوا يَا قوم بضَمهَا قَالَ الله تَعَالَى قل هاتوا برهانكم وَأَن آخر تعال مَفْتُوح فِي جَمِيع أَحْوَاله من غير اسْتثِْنَاء تَقول تعال يَا زيد وتعالي يَا هِنْد وتعاليا يَا زَيْدَانَ وتعالوا يَا زيدون وتعالين يَا هندات كل ذَلِك بِالْفَتْح قَالَ الله تَعَالَى قل تَعَالَوْا أتل وَقَالَ تَعَالَى فتعالين أمتعكن وَمن ثمَّ لحنوا من قَالَ تعالي أقاسمك الهموم تعالي بِكَسْر اللَّام

(1/32)


الْفِعْل الْمُضَارع
وَلما فرغت من ذكر أَمر وَحكمه وَبَيَان مَا اخْتلف فِيهِ مِنْهُ ثلثت بالمضارع فَذكرت أَن علامته أَن يصلح دُخُول لم عَلَيْهِ نَحْو لم يلد

(1/33)


وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد وَذكرت أَنه لَا بُد أَن يكون فِي أَوله حرف من حُرُوف نأيت وَهِي النُّون وَالْألف وَالْيَاء وَالتَّاء نَحْو نقوم وأقوم وَيقوم وَتقوم وَتسَمى هَذِه الْأَرْبَعَة أحرف المضارعة وَإِنَّمَا ذكرت هَذِه الأحرف بساطا وتمهيدا للْحكم الَّذِي بعْدهَا لَا لأعرف بهَا الْفِعْل الْمُضَارع لأَنا وجدناها تدخل فِي أول الْفِعْل الْمَاضِي نَحْو أكرمت زيدا وتعلمت الْمَسْأَلَة ونرجست الدَّوَاء إِذا جعلت فِيهِ نرجسا ويرنأت الشيب إِذا خضبته باليرناء وَهُوَ الْحِنَّاء وَإِنَّمَا الْعُمْدَة فِي تَعْرِيف الْمُضَارع دُخُول لم عَلَيْهِ وَمَا فرغت من ذكر عَلَامَات الْمُضَارع شرعت فِي ذكر حكمه فَذكرت أَن لَهُ حكمين حكما بِاعْتِبَار أَوله وَحكما بِاعْتِبَار آخِره فَأَما حكمه بِاعْتِبَار أَوله فَإِنَّهُ يضم تَارَة وَيفتح أُخْرَى فيضم إِن كَانَ الْمَاضِي اربعة أحرف سَوَاء كَانَت كلهَا أصولا نَحْو دحرج يدحرج أَو كَانَ بَعْضهَا أصلا وَبَعضهَا زَائِدا نَحْو اكرم يكرم فَإِن الْهمزَة فِيهِ زَائِدَة لِأَن أَصله كرم وَيفتح إِن كَانَ الْمَاضِي أقل من الْأَرْبَعَة أَو أَكثر مِنْهَا

(1/34)


فَالْأول نَحْو ضرب يضْرب وَذهب يذهب وَدخل يدْخل وَالثَّانِي نَحْو انْطلق ينْطَلق واستخرج يسْتَخْرج وَأما حكمه بِاعْتِبَار آخِره فَإِنَّهُ تَارَة يبْنى على السّكُون وَتارَة يبْنى على الْفَتْح وَتارَة يعرب فَهَذِهِ ثَلَاث حالات لآخره كَمَا أَن لآخر الْمَاضِي ثَلَاث حالات وَلآخر الْأَمر ثَلَاث حالات فَأَما بِنَاؤُه على السّكُون فشروط بِأَن يتَّصل بِهِ نون الْإِنَاث نَحْو النسْوَة يقمن ووالوالدات يرضعن والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ وَمِنْه إِلَّا أَن يعفون لِأَن الْوَاو أَصْلِيَّة وَهِي وَاو عَفا يعْفُو وَالْفِعْل مَبْنِيّ على السّكُون لاتصاله بالنُّون وَالنُّون فَاعل مُضْمر عَائِد على المطلقات ووزنه يفعلن وَلَيْسَ هَذَا كيعفون فِي قَوْلك الرِّجَال يعفون لِأَن تِلْكَ الْوَاو ضمير لجَماعَة المذكرين كالواو فِي قَوْلك يقومُونَ وواو الْفِعْل حذفت وَالنُّون عَلامَة الرّفْع ووزنه يعفرن وَهَذَا يُقَال فِيهِ إِلَّا أَن يعفوا بِحَذْف نونه كَمَا تَقول إِلَّا أَن يقومُوا وَسَيَأْتِي شرح ذَلِك كُله وَأما بِنَاؤُه على الْفَتْح فمشروط بِأَن تباشره نون التوكيد لفظا وتقديرا نَحْو كلا لينبذن واحترزت بِذكر الْمُبَاشرَة من نَحْو قَوْله تَعَالَى وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ لتبلون فِي أَمْوَالكُم فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا فَإِن الْألف فِي الأول وَالْوَاو الثَّانِي وَالْيَاء فِي الثَّالِث فاصلة بَين الْفِعْل وَالنُّون فَهُوَ مُعرب لَا مَبْنِيّ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْفَاصِل بَينهمَا مُقَدرا كَانَ الْفِعْل أَيْضا معربا وَذَلِكَ كَقَوْلِه

(1/35)


تَعَالَى وَلَا يصدنك عَن آيَات الله ولتسمعن مثله غير أَن نون الرّفْع حذفت تَخْفِيفًا لتوالي الْأَمْثَال ثمَّ التقى ساكنان أَصله قبل دُخُول الْجَازِم يصصدوننك فَلَمَّا دخل الْجَازِم وَهُوَ لَا الناهية حذفت النُّون فَالتقى ساكنان الْوَاو وَالنُّون فحذفت الْوَاو لاعتلالها وَوُجُود دَلِيل يدل عَلَيْهَا وَهُوَ الضمة وَقدر الْفِعْل معربا وَإِن كَانَت النُّون مُبَاشرَة لآخره لفظا لكَونهَا مُنْفَصِلَة عَنهُ تَقْديرا وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك كُله ممثلا وَأما إعرابه فَفِيمَا عدا هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ نَحْو يقوم زيد وَلنْ يقوم زيد وَلم يقم زيد
الْحَرْف وعلاماته وَأَنَّهَا جَمِيعهَا مَبْنِيَّة
ص وَأما الْحَرْف فَيعرف بِأَن لَا يقبل شَيْئا من عَلَامَات الِاسْم وَالْفِعْل نَحْو هَل وبل وَلَيْسَ مِنْهُ مهما وَإِذ مَا بل مَا المصدرية لما الرابطة فِي الْأَصَح ش لما فرغت من القَوْل فِي الِاسْم وَالْفِعْل شرعت فِي ذكر الْحَرْف فَذكرت أَنه يعرف بِأَن لَا يقبل شَيْئا من عَلَامَات الِاسْم وَلَا عَلَامَات الْفِعْل نَحْو هَل وبل فَإِنَّهُمَا لَا يقبلان شَيْئا من عَلَامَات الْأَسْمَاء وَلَا شَيْئا من عَلَامَات الْأَفْعَال فَانْتفى أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ وَأَن يَكُونَا فعلين وَتعين أَن يَكُونَا حرفين إِذْ لَيْسَ إِلَّا ثَلَاثَة أَقسَام وَقد انْتَفَى اثْنَان فَتعين الثَّالِث

(1/36)


وَلما كَانَ من الْحُرُوف اخْتلف فِيهِ هَل هُوَ حرف أَو اسْم نصصت عَلَيْهِ كَمَا فعلت فِي الْفِعْل الْمَاضِي وَفعل الْأَمر أَرْبَعَة إِذْ مَا وَمهما وَمَا المصدرية وَلما الرابطة فَأَما إِذْ مَا فَاخْتلف فِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّهَا حرف بِمَنْزِلَة إِن الشّرطِيَّة فَإِذا قلت إِذْ مَا تقم أقِم فَمَعْنَاه إِن تقم أقِم وَقَالَ الْمبرد وَابْن السراج والفارسي إِنَّهَا ظرف زمَان وَإِن الْمَعْنى فِي الْمِثَال مَتى تقم أقِم وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا قبل دُخُول مَا كَانَت اسْما ووالأصل عدم التَّغْيِير وَأجِيب بِأَن التَّغْيِير قد تحقق قطعا بِدَلِيل أَنَّهَا كَانَت للماضي فَصَارَت للمستقبل فَدلَّ على أَنَّهَا نزع مِنْهَا ذَلِك الْمَعْنى لبتة وَفِي هَذَا الْجَواب نظر لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَأما مهما فَزعم الْجُمْهُور أَنَّهَا اسْم بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى مهما تأتنا بِهِ من آيَة فالهاء من بِهِ عَائِدَة عَلَيْهَا وَالضَّمِير لَا يعود إِلَّا على الْأَسْمَاء وَزعم السُّهيْلي وَابْن يسعون أَنَّهَا حرف واستدلا على ذَلِك بقول زُهَيْر وَمهما تكن عِنْد أمرئ من خَلِيقَة وَإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم

(1/37)


وَتَقْرِير الدَّلِيل أَنَّهُمَا أعربا خَلِيقَة اسْما لتكن وَمن زَائِدَة فَتعين خلوه الْفِعْل من الضَّمِير وَكَون مهما لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب إِذْ لَا يَلِيق بهَا هَهُنَا لَو كَانَ لَهَا مَحل إِلَّا تكون مُبْتَدأ والابتداء هُنَا مُتَعَذر لعدم رابط يرْبط الْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا لَهُ وَإِذا ثَبت أَن لَا موقع لَهَا من الْإِعْرَاب تعين كَونهَا حرفا وَالتَّحْقِيق أَن اسْم تكن مستتر وَمن خَلِيقَة تَفْسِير لمهما كَمَا أَن

(1/40)


من آيَة تَفْسِير ل مَا فِي قَوْله تَعَالَى مَا ننسخ من آيَة وَمهما مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة خبر وَأما مَا المصدرية فَهِيَ الَّتِي تسبك مَعَ مَا بعْدهَا بمصدر نَحْو قَوْله تَعَالَى ودوا مَا عنتم أَي ودوا عنتكم وَقَول الشَّاعِر يسر مَا ذهب اللَّيَالِي وَكَانَ ذهابهن لَهُ ذَهَابًا أَي يسر الْمَرْء ذهَاب اللَّيَالِي

(1/41)


وَقد اخْتلف فِيهَا فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنَّهَا حرف بِمَنْزِلَة أَن المصدرية وَذهب الْأَخْفَش وَابْن السراج إِلَى أَنَّهَا اسْم بِمَنْزِلَة الَّذِي وَاقع على مَا لَا يعقل وَهُوَ الْحَدث وَالْمعْنَى ودوا الَّذِي عنتموه أَي الْعَنَت الَّذِي عنتموه وَيسر الْمَرْء الَّذِي ذهبه اللَّيَالِي وَيرد على هَذَا القَوْل أَنه لم يسمع أعجبني مَا قمته وَمَا قعدته وَلَو صَحَّ مَا ذكر لجَاز ذَلِك لِأَن الأَصْل أَن الْعَائِد يكون مَذْكُورا لَا محذوفا وَأما لما فَإِنَّهَا فِي الْعَرَبيَّة على ثَلَاثَة أَقسَام نَافِيَة بِمَنْزِلَة لم نَحْو لما يقْض مَا أمره أَي لم يقْض مَا أمره

(1/42)


وإيجابية بِمَنْزِلَة إِلَّا نَحْو قَوْلهم عزمت عَلَيْك لما فعلت كَذَا أَي إِلَّا فعلت كَذَا أَي مَا أطلب مِنْك إِلَّا فعل كَذَا وَهِي فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ حرف بِاتِّفَاق وَالثَّالِث أَن تكون رابطة لوُجُود شَيْء بِوُجُود غَيره نَحْو لما جَاءَنِي أكرمته فَإِنَّهَا ربطت وجود الْإِكْرَام بِوُجُود الْمَجِيء وَاخْتلف فِي هَذِه فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّهَا ظرف بِمَعْنى حِين ورد بقوله تَعَالَى فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت الْآيَة وَذَلِكَ أَنَّهَا لَو كَانَت ظرفا لاحتاجت إِلَى عَامل يعْمل فِي محلهَا النصب وَذَلِكَ الْعَامِل إِمَّا قضينا أَو دلهم إِذْ لَيْسَ مَعنا سواهُمَا وَكَون الْعَامِل قضينا مَرْدُود بِأَن الْقَائِلين بِأَنَّهَا اسْم يَزْعمُونَ أَنَّهَا مُضَافَة إِلَى مَا يَليهَا والمضاف إِلَيْهِ لَا يعْمل فِي الْمُضَاف وَكَون الْعَامِل دلهم مَرْدُود بِأَن مَا النافة لَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَإِذا بَطل أَن يكون لَهَا عَامل تعين أَن لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وَذَلِكَ يَقْتَضِي الحرفية ص وَجَمِيع الْحُرُوف مَبْنِيَّة