أخبار أبي القاسم الزجاجي

بسم الله الرحمن الرحيم                        
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا الحسن بن خضر عن أبيه قال: قال سفيان: دخل إلي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، فقال: يا سفيان أعلمت أني فكرت في المعروف فرأيت أنه لا يتم إلا بثلاث فقلت: ما هّن بأبي أنت وأمي؟ قال: - تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته. وإذا أنت مطلته وسوفته وكدرته نقصته وأفسدته. ثم أنشأ يقول متمثلا: منسرح
يرّب معروفه ويحفظه ... وإنما العرف بالربابات
فقلت: هذه والله الغنيمة الباردة من غير تكلف ارتحال، ولا مشقة تسيار.
أنشدنا الأخفش في معنى قول سفيان: المنسرح الخافض المقيم وما شَدَّ بعيِسٍ رَحْلا ولاقَتَبَا.
وغيره يقول: الشَّوْكَل: الميمنة والميسرة من العسكر، والشّاكل: البياض ما بين الآن والصُّدْغ، وفي الحديث: " تفَقَّدُوا في الطهُّوُر الشّاكل والمَغْفَلَةَ والمَنْشَلةَ فإنَّ كثيراً من الناسَ يتواَنَوَنَ عنها ": ما تحت الخاتم من الإصبع.
اخبرنا الأخفش قال: حدثنا المبرد عن المازني عن الأصمعي قال: لما حرم خالد بن عبد الله القسري الغناء دخل عليه ذات يوم حنين بن بلوع مشتملا على عوده. فلما تقوضى المجلس ولم يبق فيه من يحتشم قال له: أصلح الله الأمير أني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي، وقد حرمتها. قال: وما صناعتك؟ فكشف عن عوده وضرب به وأنشأ يقول: الخفيف
أيّها الشّامِتُ المُعَيِّرُ بالشَّيْبِ أقَلِنَّ بالشباب افتخارا
قد لَبِسْنا الشبابَ غَضّا جديدا فوجدتُ الشباب شيبا معُارا
فبكى خالد حتى علا نحيبه، ثم قال له: قد أذنت لك ما لم تأت معربدا ولا سفيها. فكان حنين بعد ذلك إذا دعي يقف على باب الدار ويقول: أفيكم سفيه؟ أفيكم معربد؟ فإذا قالوا: لا، دخل.
أنشدنا أبو عبد الله اليزيدي سريع
لا تَكُ في كل غوى مٌنْهَمِكْ ... ولا تكونن لَجوجا محكْ
واقتْدَ بأهلِ الفضلِ في فَضْلِهِيْم ... ولا تَدَعْ جَهْداً ولا تتّرِكْ
فبعض أخلاق الفتى خُبثه ... وبعضها كالذهب المنسبكْ
فاصنعْ إلى الناس كمثل الذي ... تُحَبُ أن تصنعَهُ الناس بك
من قرّ عيناً بِغِنَي بُلْغَةٍ ... يوماَ بيوم عاش عيشَ المَلِكْ
أخذ معنى البيت الأخير من قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أصبح أمينا في سربه معافى في جسمه عنده قوت يومه فكأنما ملك الدنيا بحذافيرها ".
السَّرب: بالفتح الطريق، والسَّرب: الإبل أيضا، والسَّرب بالكسر: جماعة من النساء والظباء والبقر، فإذا قيل: فلان آمن في سربه بالفتح، معناه هو آمن في ماله وطريقه. وإذا قيل: هو آمن في سِربه بالكسر فمعناه آمن في نفسه ونسائه وحرمه.
أخبرنا ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن الأصمعي قال سمعت أعرابيا يقول: الحسد ما حق للحسنات، والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب مانع من الازهاد في العلم داع إلى التخبط في الجهل، والبخل أسوأ الأدواء، وأجلبها لسوء الإحدوثة، والهزء فكاهة وصناعة الجهلاء، والعقوق يدعو إلى القلة، ويورث الذلة.
أخبرنا اليزيدي عن عمه أبي الشيخ يرفعه إلى أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال: كان يجيئني رجل فيسألني عن آيات من كتاب الله مشكلات، وكنت أتبين العنت في سؤاله، وكنت إذا أجبته أرى لونه يَربَد ويسودُ، فقال لي يوما: أيجوز في كلام العرب أن نقول: " أدخلت القوم الدار ثم أخرجتهم رجلا "؟ فقلت: لا يجوز ذلك حتى تقول: أخرجتهم رجلا رجلا، تقوله في تفصيل الجنس. قال: فكيف قال الله تعالى (ثم يخرجكم طفلا) . فقلت: ليس هذا من ذاك لأن الطفل مصدر في الأصل فهو يقع على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد فتقول: " هذا طفل، وهذان طفل، وهؤلاء طفل ". كما قال تعالى (والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ". فطفل في الآية موضع أطفال فكأنه قال ثم يخرجكم أطفالا.
قال: فأخبرني عن قوله (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) . من أين لهم هذه الأرض هناك؟ فقلت له: وهمت، أما سمعت قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض) فودوا أن تلك الأرض تسوى. فسكت.


أخبرنا الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للطريق إذا كان واضحا طريق مَهْيَع، وواضح، وبيَّن، وحَنّان، وجادة، ونَهّام، إذا كان بينا واسعا أو ضيقا. والوجب الرجل الأحمق، والوجب جمع وجبة وهي الأكلة الواحدة في اليوم والليلة، والوجب: السبق في الرمي يقال: وجبت فلانا: إذا أخذت وجبة في الرمي. والواجب: السافط، والوجيب: اضطراب القلب من الفزع، والحصن بضم الحاء وإسكان الصاد مصدر الحصان من النساء، وأنشد لجارية من الأعراب خرجت فتعرض لها رجل: السريع
يا أمتّا أبصرني راكب ... يسير في مُسْحَنْفَرِ لاحب
ما زلت أحثى التربَ في وجهِهِ ... حَثْياَ وأحَمْي حَوْزَةَ الغائِبِ
فأجابتها أمها: السريع
الحصن إذ قالواَ تَأيَّيْتِهِ ... من حَثْيِكِ التربَ على الراكِبِ
يقال: حثا فلان التراب يحثو حثوا، وحثى يحثي حثيا بالمد قصدت وتعمدت، وتأييت بالقصر والتشديد: إذا توقفت وتحبست، وينشد: مجزوء الكامل
قف بالديار وقوف زائر ... وتأىَّ إنك غير صاغر
اخبرنا الأخفش قال أخبرنا ثعلب عن أبي شبة. قال: كتب يحيى ابن سليمان بن معاذ إلى عبد الله بن طاهر كتابا صدره: جعلني الله فداك وأمتع بك، فكتب إليه عبد الله بن طاهر: المنسرح
أنلت ملكا فتهت في كتبك ... أم حكت ما عهدت من أدبك
أم قد ترى في مناصفة الاخ ... وان نقصا عليك في حسبك
إن حفاء كتاب ذي ثقة ... يكون في صدره " وأمتع بك "
أتعبت كفيك في مكاتبتي ... حسبك ما يزيد في تعبك
فأجابه يحيى: المنسرح
أنت تجني الذنوب في كتبك ... على أخ يقشعر من غضبك
أنّى توهمت ذا علي ولما ... اجن ذنبا وذاك من عجبك
وهل يجوز الدعاء في كتب ... بين الأخلاء غير " أمتع بك "
أنشدنا الأخفش لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: الطويل
ترى كل ذي جهل إذا زل زلّة ... تتايعَ في أمثالها وسما لها
فكن إذا كانت لذي العلم هفوة ... تحفظ منها جاهدا واستقالها
قوله تتابع، يقول تهافت فيها وتساقط غير محترز منها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " تتايعون في الكذب كما يتتايع الفراش في النار " وأنشدنا له ايضا: الطويل
لكل أبي بنت يُرجّى صلاحها ... ثلاثة أصهار إذا حُمد الصَّهْرُ
فَبَعْلٌ يوافيها وخِدْر يصونها ... وقبرٌ يوافيها وخيرُهُمُ القبر
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري. قال حدثنا المازني قال: قرأ محمد بن سليمان الهاشمي وهو أمير البصرة على المنبر " إن الله وملائكته يصلون على النبي " بالرفع فعلم انه قد لحن فبعث إلى النحويين وقال لهم: خرجوا لها وجها، فقالوا نعطف بها على موضع ان لأنها داخلة على المبتدأ والخبر فأجازهم وأحسن صلتهم، ولم يرجع عنها لئلا يقال لحن. اخبرنا الزجاج قال أخبرنا المبرد عن المازني قال حدثني الأخفش قال: كان أمير البصرة قرأ على المنبر " أن الله وملائكته يصلون على النبي " بالرفع فصرت إليه ناصحا له ومنبها فتهددني وأوعدني وقال: تلحنون أمراءكم. ثم عزل وتقلد محمد بن سليمان الهاشمي فكأنه تلقنها من المعزول. فقلت هذا هاشمي ونصيحته واجبة فجبنت وخشيت أن يتلقاني بمثل ما تلقاني به الأول. ثم حملت على نفسي فأتيته فإذا هو في غرفة وعنده أخوه والغلمان على رأسه فقلت له: أصلح الله الأمير جئت لنصيحة.
قال: قل فقلت: هذا، وأومات إلى أخيه فنهض أخوه وتفرق الغلمان: فقلت: أصلح الله الأمير، أنت أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة والفصاحة وتقرأ " أن الله وملائكته " بالرفع وهو لحن لا وجه له. فقال: جزاك الله خيرا، فقد نبهت ونصحت فانصرف مشكورا. فلما صرت في نصف الدرجة إذا قائل يقول لي: قف مكانك فوقفت وهمتني نفسي وخفت أن يكون أخوه أغراه بي. فإذا بغلة سفواء وغلام وتخت ثياب، وبدرة، وقائل يقول: هذا لك، وقد أمر به الأمير، فانصرفت مغتبطا.