شرح الآجرومية لحسن حفظي الدرس التاسع عشر
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام على نبينا
محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الأخوة الكرام، أيها المشاهدون الكرام السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
كنا في حلقة ماضية أردنا الشروع في الاستثناء المفرغ أو المراد به ولكن
أدركنا الوقت وأجلناه إلى حلقة أخرى وهاهو وقت بيانه فالاستثناء المفرغ
يا أيها الأحباب هو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه فما حكمه؟
حكمه كأن إلا غير موجودة في الكلام فتعرب ما بعدها بما يستحق ولو كانت
غير موجودة قال الله عزّ وجلّ ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ? [آل عمران:144] تعرب ما نافية محمد
مبتدأ رسول خبر وإلا أداة الاستثناء ملغاه إلا أداة استثناء ملغاة هذا
إذا كام الكلام مفرغاً، إذا كان الكلام استثناء، تاماً منقطعاً فقولاً
واحداًُ يجب نصب ما بعد الاستثناء قام الطلاب إلا طالبة وحضر الرجال
إلا امرأة، هذه لا يجوز فيها فيما بعد إلا غير النصب لا يجوز فيما بعد
إلا غير النصب ونذهب الآن إلى بعض ما ذكره المصنف لنكمل شرح باب
المستثنى إن شاء الله تعالى. قال المصنف (فَالْمُسْتَثْنَى بِإِلَّا
يُنْصَبُ إِذَا كَانَ اَلْكَلَامُ تَامًّا مُوجَبًا) هذا الكلام الذي
ذكرناه لكم قبل قليل، قلنا إذا كان الكلام تاماً بأن ذكر فيه المستثنى
منه، موجباً يعني لم يتقدم عليه نفي ولا شبه نفي فإنه يجب نصب ما بعد
إلا وهذا الكلام الذي ذكره المصنف هنا وهو قوله (نَحْوَ "قَامَ
اَلْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا" وَ"خَرَجَ اَلنَّاسُ إِلَّا عَمْرًا")
الاستثناء هنا تام لأن المستثنى منه مذكور وهو قوله القوم والاستثناء
هنا موجب لأنه لم يسبقه لا نفي ولا شبه نفي فحينئذ نعرب كلمة زيداً على
أنها مستثنى منصوب وهنا واجب النصب، وليس فيه وجه آخر.
قال المصنف (وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ مَنْفِيًّا) يعني غير موجب
(تَامًّا) يعني ذكر فيه المستثنى منه (جَازَ فِيهِ اَلْبَدَلُ
وَالنَّصْبُ عَلَى اَلِاسْتِثْنَاءِ) جاز في ماذا؟ في الاسم الواقع بعد
إلا يجوز فيه وجهان الإتباع لما قبلها على أنه بدل أو عطف بيان الإتباع
لما قبل إلا يعني تعطيه الحركة التي ضبط بها المستثنى منه، ضبط بالضمة
تعطيه نفس الحركة ضبط بالفتحة تعطية نفس الحركة نفسها، تضبط بالكسرة
تعطيه هذه الحركة نفسها، هذا يجوز فيه وجهان إما الإتباع على أنه بدل
أو عطف بيان وإما النصب على الاستثناء وكل فصيح صحيح، وقد ذكرت لكم من
أمثلته أو من شواهده قول الله عزّ وجلّ ? مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ
مِنْهُمْ ? [النساء: 66] فيها قراءتان قراءة قليلٌ وهذا الوجه الشائع
والكثير وهو أن تتبع ما بعد إلا بما قبلها في إعرابها لأن الواو هنا
محلها رفع ووردت فيها قراءة عربية صحيحة فصيحة وهي ما فعلوه إلا قليلاً
منهم وحينئذ يكون منصوباً على الاستثناء وهو وجه جائز ولكنه أقل من ذاك
مثاله كما ذكر المصنف هنا (نَحْوَ "مَا قَامَ اَلْقَوْمُ إِلَّا
زَيْدٌ" وَ"إِلَّا زَيْدًا")
قال المصنف (وَإِنْ كَانَ اَلْكَلَامُ
نَاقِصًا) وهو الاستثناء المفرغ كما ذكرت لكم قبل قليل بعضهم يسميه
الاستثناء الناقص وبعضهم يسميه الاستثناء المفرغ والمراد به الذي لم
يذكر فيه المستثنى منه، لم يذكر فيه المستثنى منه، قال (كَانَ عَلَى
حَسَبِ اَلْعَوَامِلِ) يعني أنك تعد أن إلا غير موجودة في الكلام فإن
الكلام الذي قبل إلا يحتاج إلى فاعل فارفع ما بعد إلا على أنه فاعل
يحتاج إلى خبر ارفعه على أنه خبر يحتاج إلى مفعول انصبه على أنه مفعول
به وهكذا مهما احتاج إليه ما بعد إلا فافعلوا معه يعني إعربه على حسب
العوامل الموجودة عندك وكأن إلا غير موجودة في الكلام مثاله قول المصنف
هنا (نَحْوَ "مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ") ما نافية قام فعل ماض إلا أداة
استثناء ملغاة زيد فاعل لقام ومثله ("مَا ضَرَبْتُ إِلَّا زَيْدًا ")
كما ذكر المصنف هنا ما نافية وضرب فعل ماضي والتاء فاعل وزيداً مفعول
به وإلا أداة استثناء ملغاة، (وَ"مَا مَرَرْتُ إِلَّا بِزَيْدٍ") ما
نافية ومررت فاعل وإلا أداة استثناء ملغاة وبزيد جار ومجرور متعلقان
بقوله مررت وهذا لا إشكال فيه والحمد لله ثم قال (وَالْمُسْتَثْنَى
بِخَلَا, وَعَدَا, وَحَاشَا, يَجُوزُ نَصْبُهُ وَجَرُّهُ) وهذا كلام
صحيح وهو الكلام الذي قلته لكم إن خلا وحاشا وعدا بل خلا وعدا هذه
باتفاق أنه يجوز نصب ما بعدها وجرها أما حاشا فعند غير سيبويه، سيبويه
رأى أنها حرف وغيره يرى أنها فعل يعني يجوز أن تكون هكذا ويجوز أن هكذا
والمصنف هنا قد اتبع الرأي القائل بأن حاشا يجوز في ما بعدها الوجهان:
إما الجر وإما النصب، قال
(وَالْمُسْتَثْنَى بِخَلَا, وَعَدَا, وَحَاشَا, يَجُوزُ نَصْبُهُ
وَجَرُّهُ) فإن نصب فهو المستثنى وإن جررت فالحرف فكلمة خلا أو عد أو
حاشا حرف وهو مجرور بهذا الحرف فتقول (قام القوم خلا زيداًً و) يجوز
خلا (زيدٍ وعدا عمراً و) عدا (عمرٍ وحاشا بكراً و) حاشا (بكرٍ) وهذه
الأوجه جائزة وصحيحة وفصيحة بإذن الله تعالى.
هذه الأمور متعلقة بالاستثناء إذا كان تاماً متصلاً وأما الاستثناء
المنقطع فكما ذكرت لكم إنه يجب نصب ما بعد أداة الاستثناء في الاستثناء
المنقطع وهو ما كان المستثنى فيه من غير جنس المستثنى منه، وسواء أكان
الكلام موجباً أو غير موجب وطبعاً لابد أن يكون تاماً لأنه لا يكمن أن
يكون من جنسه أو من غير جنسه وهو غير موجود فلابد أن يكون الاستثناء
تاماً وهو ما ذكر فيه المستثنى منه هذا هو الاستثناء المنقطع وهذا هو
آخر حديثنا في باب الاستثناء.
ننتقل إلى قول المصنف في اسم لا النافية
للجنس قال (بَابُ لاَ، اِعْلَمْ أَنَّ "لَا" تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ
بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ
"لَا" نَحْوَ "لَا رَجُلَ فِي اَلدَّارِ") وأنا أقول لك اعلم أن لا
ملحقة بإن وأن لا حرف، فلماذا جعل لا مستقلة في باب وحدها، ولم يجعلها
مع أخوات "إن" ما دام إنها تعمل نفس عمل إن وأخواتها الجواب عن هذا
أيها الأحباب أن لا تعمل هذا العمل مطلقاً بل لابد في إعمالها هذا
العمل من شروط، هذا الوجه الأول في سبب جعلها في باب مستقل. الوجه
الثاني: أن اسم لا النافية للجنس أحياناً يكون مبنياً أما إن وأخواتها
فأسمائها معربة لا تكون مبنية فمن أجل هذا وجب أن تكون لا النافية
للجنس مستقلة بنفسها وقد ذكروا شروطاً لإعمالها، ذكر المصنف هنا أقوى
هذه الشروط، أقوى الشروط أن يكون اسمها نكرة وأن يكون اسمها متصلاً بها
وهذا الذي ذكره المصنف في قوله أن لا تنصب النكرات بغير تنوين، انتبه
تنصب النكرات بغير تنوين متى؟ إذا باشرت النكرة، ومتى أيضاً؟ إذا لم
تتكرر لا هذه أعظم إعمال لا النافية للجنس عمل إن وأذكر لكم الشروط
الأخرى التي ذكرها النحويون أذكر الشروط كلها مع بعض الشرط الأول أن
تكون لا نافية، لكن هل تكون لا غير نافية؟ نعم تكون ناهية أحياناً
وتكون زائدة أحياناً فإذا لم تكن نافية فإنها لا تعمل هذا العمل، هذا
الشرط الأول.
الشرط الثاني أن تكون نافية للجنس أو أن يكون المنفي بها هو الجنس،
إذاً هل تكون لا نافية لغير الجنس؟ الجواب نعم لا قد تكون نافية
للوحدة، وذلك إذا قلت لا رجلٌ في الدارِ بل رجلان أنت ما تقصد نفي جنس
الرجال، بل تقصد أنه لا يوجد واحد فقط بل يوجد أكثر من واحد هذه ماذا
تعمل لا النافية للواحدة هذه تعمل عمل ليس يعني ترفع المبتدأ ويسمى
اسمها وتنصب الخبر ويسمى خبرها هذا هو الشرط الثاني.
الشرط الأول: أن تكون نافية.
الثاني: أن يكون المنفي بها الجنس.
الثالث: أن يكون اسمها نكرة هذا شرط لابد منه فإذا كان اسمها معرفة لم
تعمل، لا تعمل عمل إلا، وسأذكر لكم بعد قليل إن شاء الله ما الذي يصير.
الشرط الرابع: أن يكون اسمها متصلا بها
يعني ليس بينهما وساطة، الشرط الخامس: أن
يكون خبرها نكرة، الشرط السادس: ألا يدخل عليها جار، لكن ما الذي يحصل
إذا صار شيء من هذا الكلام قال، فإن لم تكن نافية لم تعمل، وإن كان
المنفي بها هو الوحدة عملت عمل ليس وإن كان اسمها معرفة أهملت ووجب
تكرارها فتقول لا زيدٌ في الدار ولا عمرٌ وإن كان اسمها غير متصل بها
وجب أيضاً إهمالها ووجب تكرارها ومنه قول الله عزل ? لا فِيهَا غَوْلٌ
وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ? [الصافات:47] لا فيها غول هنا فصل غول
عن لا فلم تعمل لا شيئاً، ووجب تكرارها، فكررت.
أن يكون اسمها نكرة متصلاً بها وأن يكون خبرها نكرة كذلك إذا كان اسمها
نكرة فمن باب أولى أن يكون خبرها نكرة من باب أولى أن يكون خبرها نكرة،
لأنه لا يخبر عن النكرة بالمعرفة قولاً واحداً الأخير من الشروط ألا
تسبق بحرف جر، لكن إذا سبقت بحرف جر قال فإن حرف الجر يتعداها إلى ما
بعدها فيجر ما بعدها فتقول جئت بلا كتاب ولا تقول بلا كتابا تقول جئت
بلا كتاب وهذه معظم الشروط بل هذه الشروط التي اشترطت لإعمال "لا
النافية للجنس" عمل "إن".
قال المصنف (فَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهَا
وَجَبَ اَلرَّفْعُ وَوَجَبَ تَكْرَارُ "لَا" نَحْوَ لَا فِي اَلدَّارِ
رَجُلٌ وَلَا اِمْرَأَةٌ") وهذا الكلام الذي قلناه ومثلناه بالآية
الكريمة وهي قول الله عزّ وجلّ ? لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا
يُنْزَفُونَ ? لا فيها غول لما فصل كررت وأهملت، قال المصنف: (فإن
تكررت لا جاز إعمالها وإلغاؤها، فإن شئت قلت لا رجل في الدار ولا
امرأة) وإن شئت قلت لا رجل في الدار ولا امرأةٌ، وهنا وقفة يا أيها
الأحباب، اعلموا بارك الله فيكم أن لا إذا تكررت وهي مستوفية للشروط
التي ذكرناها سابقاً، بحيث يكون مدخولها نكرة، وبحيث يكون اسمها متصلاً
بها وبحيث يكون خبرها نكرة، وبحيث تكون غير مسبوقة بجار وبحيث تكون
نافية، يعني كل الشروط مستوفية، فإذا تكررت لا جاز لك في اللفظين خمسة
أوجه، ويمثلون له بنحو قولك لا حول ولا قوة إلا بالله، انتبه رحمك
الله، يجوز لك أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فتبني الأول والثاني
يعني تعملها عمل إلا ويجوز أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فتهملها
في الاثنين ويجوز أن تقول لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله فتعملها في الأول
وتهملها في الثاني، ويجوز أن تعكس فتقول لا حولٌ ولا قوةَ إلا بالله
ووجه خامس ضعيف وهو أن تعملها في الأول وتنصب الثاني، فتقول لا حول ولا
قوةً إلا بالله، وهذه الأوجه جائزة وفصيحة ولها شواهد من العربية
وأولها من القرآن الكريم في نحو قول الله عزّ وجلّ ? لا بَيْعٌ فِيهِ
وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ? [البقرة: 254] وقد قرأت لا بيعَ فيه ولا
خلةَولا شفاعة، فدل ذلك على جواز الأمرين، فيها وهذا كله صحيح فصيح ولا
إشكال فيه والحمد لله رب العالمين، بقي في لا شيء وهو أن الكثير في
خبرها أن يكون محذوفاً وبعضهم أوجب حذف خبرها، وبعضهم أوجب حذف خبرها
ولكن الصحيح أنه يجوز أن يكون موجوداً وقد ورد في القرآن
الكريم وفى غيره، خبرها مذكوراً ومماورد
فيه محذوفاً قول الله عزّ وجلّ ? وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا
فَوْتَ ? [سبأ:51] لا نافية للجنس وفوت اسمها وخبرها محذوف، والله أعلم
بالصواب.
ننتقل بعد هذا إلى
باب المنادى.
قال المصنف (اَلْمُنَادَى خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: المفرد اَلْعَلَمُ,
وَالنَّكِرَةُ اَلْمَقْصُودَةُ, وَالنَّكِرَةُ غَيْرُ اَلْمَقْصُودَةِ,
وَالْمُضَافُ, وَالشَّبِيهُ بِالْمُضَافِ) المنادي يا أيها الأحباب هو
ما دخلت عليه أداة النداء والأصل في المنادي أن يكون منصوباًن الأصل
فيه أن يكون منصوباً ولكنه في بعض حالاته يكون مبنياً على الضم أو على
ما كان يرفع به، مثلاً كونه مثنى يكون مبنياً على الألف يكون جمع مذكر
سالم، يكون مبنياً على الواو، وهكذا لكن الأصل فيه والكثير والغالب أن
يكون المنادى منصوباً، مما ورد فيه المنادى منصوباً قول الله عزّ وجلّ
? يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيّاً ? [مريم:28] فيا هنا حرف نداء وأخت منادى منصوب وهو
مضاف وهارون مضاف إليه قال الشاعر أيضاً:
أفاطم مهلاً بعض هذا التذلل أحياناً يكون حرف النداء ليس هو يا مع أن
يا هي أم الباب لكن أحياناً يكون غيرها، من الأدوات الهمزة هذه، أفاطم
مهلاً ومنها أي ومنها أيا ومنها هيا، هذه بعض الأنواع لكن أكثرها
استعمالاً، هو يا.
مما وردت فيه أيا للنداء قول الشاعر:
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا.......أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
وأما هيا فقد وردت في قول الشاعر:
ورفعت من صوتها هيا أبا….وانصرفت وهي حصان مغضبة ………كل فتاة بأبيها
معجبة
هيا أبا هذا موضع الشاهد عندنا.
قال المصنف: (فَأَمَّا اَلْمُفْرَدُ اَلْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ
اَلْمَقْصُودَةُ فَيُبْنَيَانِ عَلَى اَلضَّمِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ,
نَحْوَ "يَا زَيْدُ" وَ"يَا رَجُلُ") قوله المنادى خمسة أنواع أولها:
المفرد العلم، المفرد المقصود به ما لم يكن مضافاً، ولا شبيهاً بالمضاف
هذا هو المفرد أما العلم فقد سبق تعريفه، وأنت إذا ناديت كلمة محمد
مثلاً فإنك تبنيها على الضم فتقول يا محمدُ ويا حسنُ ويا زيدُ، ويا
فهدُ ويا خالدُ ويا عثمانُ إلى أخره.
النوع الثاني: من أنواع المنادى هو النكرة المقصودة وحكم النكرة
المقصودة كحكم العلم في كونها تبنى أيضاً على الضم والمقصود بالنكرة
المقصودة أن يكون أمامك شخص مثلاً لكنك تقصده بالنداء، فتقول يا رجل
وأنت تقصد رجلاً بعينه، أو يا طالب، أو يا أستاذ، أو يا معلم، أو نحو
ذلك، لكنك تقصد شخصاً بعينه، هذه نكرة في حقيقتها ولكنها نكرة مقصودة
حقها أيضاً أن تكون مبينة على الضم.
أما النوع الثالث: من أنواع المنادى فهو النكرة غير المقصودة، ولها حكم
مخالف النكرة المقصودة، لأنها منصوبة، فما الفرق بين هذه وتلك، الفرق
أن كليهما نكرة، لكن أن تقصد شخصاً بعينه أما النكرة المقصودة فلا تقصد
شخصاً بعينه قول الأعمى مثلاً يا رجلاً خذ بيدي ما يقصد رجلاً بعينه،
وإنما يقصد أي رجل، قول الشاعر مثلاً:
أيا راكبا إما عرفت فبلغاً ندا ماي من نجران ألا تلاقي هو لا يقصد
راكبا بعينه، وإنما يقصد أي راكب، حتى يؤدي تحيته، لأهله هذا إذا كان
المنادى بهذه الصفة يعني نكرة، غير مقصودة، فإنه يكون منصوباً، وليست
النكرة المقصودة يكون مبنياً على الضم.
النوع الرابع: من أنواع المنادى هو المضاف، وأما المضاف يا أيها
الأحباب، فمعروف معلوم عندكم وهو أن يكون في نحو عبد الله، أو عبد
الرحمن، أو زين العابدين أو ما شاكل ذلك أو كلمة يا صاحب عمر، يا صاحب
القلم، يا صاحب الكتاب وما أشبه ذلك هذه حكم المنادى فيها أن يكون
منصوباً، وذلك إذا كان مضافاً والأمثلة عليه لا تحصى ولا تعد.
أما الشبيه بالمضاف، فهو النوع الاخير من
أنواع المنادى، والمقصود به يا أيها الأحباب، ما اتصل به شيء من تمام
معناه كقولك مثلاً يا طالعاً جبلاً، ويا خيراً من زيدٍ ويا محموداً في
فعله، ويا ثلاثة وثلاثين مثلاً ما هذا الكلام قال في كل واحد من هذه
الأمثلة التي ذكرتها يكون ما بعد المنادى له علاقة، بالمنادى فمثلاً
قولنا يا طالعاً لم يكمل المعنى هنا وإنما قصدنا الجبل قد يقصد طالع
سلم مثلاً أو طالع كذا، أو طالعاً الوادي أو نحو ذلك، لا نحن نقصد يا
طالعاً جبلاً فاتصل به شيء من تمام معناه هذا هو الشبيه بالمضاف ما حقه
من الناحية الإعرابية حقه أن يكون منصوباً مثاله أيضاً يا حسناً وجهه،
وجهه هذا فاعل لحسن لأنها صفة مشبهة ترفع الفاعل، هذا اتصل به شيئاً من
تمام معناه، يا محموداً فعله، كذلك فعله نائب فاعل لمحمود كذلك قولك يا
خيراً من زيد، هذا خيراً تعلق به الجار والمجرور المذكور بعده فهذا من
المنادى الشبيه بالمضاف وقد ذكر المصنف ذلك فيما يستقبل من كلامه فقال
مثلاً فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير
تنوين وهذا الكلام الذي قلناه لكم قبل قليل لكنه بقي أنه كان الأولى أن
يقول فيبنى على ما كان يرفع به لأنه ليس دائماً يبنى على الضم، مثلاً
إذا ناديت اثنين، فإنك تقول يا مسلمان، إذا ناديت ثلاثة تقول يا
مسلمون، فتبنيه مرة على الألف وتبنيه مرة على الواو والأصل إذا ناديت
يا مسلم تقول يا مسلمُ يا مسلمُ فتبنيه على الضم إذا هو يبنى على ما
كان يرفع به، إذا كان يرفع بالضمة بنى على الضم إن كان يرفع بالألف بني
على الألف إن كان يرفع بالواو بني على الواو.
هذا إذا كان المنادى علماً أو كان نكرة
مقصودة فإنه يبنى على الضم من غير تنوين ثم قال المصنف رحمنا الله
وإياه (وَالثَّلَاثَةُ اَلْبَاقِيَةُ مَنْصُوبَةٌ لَا غَيْرُ) ما
الثلاثة الباقية؟ هي المنادى المضاف مثل يا عبد الله والمنادى الشبيه
بالمضاف نحو يا طالعاً جبلاً والمنادى إذا كان نكرة غير مقصودة كقول
الأعمى يا رجلاً خذ بيدي هذه كلها حقها أن تكون منصوبة وقد ذكرنا لكم
بعض الشواهد ومن ذلك مثلاً قول الشاعر بل قبله قول الله عزّ وجلّ ? يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ
إِلَّا بِسُلْطَانٍ ? [الرحمن:33] الشاهد عندنا في قوله ? يَا مَعْشَرَ
الْجِنِّ ? فإن يا حرفالنداء ومعشر منادى منصوب لكونه مضافاً إلى كلمة
الجن ? يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ? من المنادى الشبيه بالمضاف قول الشاعر:
أداراً بحذوى هجت للعين عبرة..... فماء الهوى يرفض أو يترقرق
ومنه أيضاً من النكرة غير المقصودة البيت الذي سبق أن ذكرته لكم وهو
قول الشاعر:
فيا راكباً إما عرفت فبلغاً.... ندماي من نجران ألا تلاقي
انتهينا من الحديث في باب المنادى وننتقل
بعده إلى الحديث في باب المفعول من أجله، ويسميه بعضهم باب المفعول له،
ويسميه آخرون باب المفعول لأجله
وأكثر التسميات أن يقال المفعول لأجله.
قال المصنف رحمنا الله وإياه (بَابُ اَلْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ
اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ
اَلْفِعْلِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ إِجْلَالًا لِعَمْرٍو"
وَ"قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ") .هذا هو المفعول لأجله أو
المفعول له أو المفعول من أجله، وهو اسم فضلة منصوب اسم فلا يكون غير
اسم وفضلة لأنها يمكن الاستغناء عنه، لأنه يمكن الاستغناء عنه ومنصوب،
هذا حكمه أنه منصوب، المفعول لأجله وطبعاً هذا هو الغالب، في بعض
الأحيان، يكون المفعول لأجله مجروراً بحرف التعليل، وسنذكر بيانه إن
شاء الله في حينه، مما ورد فيه المفعول لأجله منصوباً قول الله عزّ
وجلّ ? يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ
حَذَرَ الْمَوْتِ ? [البقرة: 19] فقوله عزّ وجلّ ? حَذَرَ الْمَوْتِ ?
هذا منصوب لأنه مفعول لأجله والكثير الغالب في المفعول لأجله أن يكون
مصدراً، الكثير الغالب في المفعول لأجله أن يكون مصدراً وقد يكون غير
مصدر وإذا كان غير مصدراً فلابد أن يجر باللام كما سيأتي أو يجر بحرف
التعليل، ومن ذلك مما ورد فيه المفعول لأجله، غير مصدر قول الشاعر:
ولو أنما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال
الشاهد عندنا في قوله لأدنى فإنه هنا أدنى أفعل تفضيل وقد جاء مفعولاًَ
لأجله ولكنه مع ذلك جر باللام.
وأيضاً يقولون إذا لابد يشترطون لنصب المفعول لأجله عدة شروط من ضمنها
أن يكون مصدراً، فإذا كان غير مصدر جر بحرف التعليل، ومن ذلك قول الله
عزّ وجلّ ? وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ? [الرحمن:10] فالأنام
هنا جر بحرف التعليل لأنه ليس مصدراً، ويشترطون أيضاً أن يتفق المصدر
مع عامله في الوقت وفى الفاعل، يشترطون أن يتفق المصدر مع عامله في
الوقت والفاعل وإلا فلا ينصب وإنما يجر بحرف التعليل، يقولون مما ورد
فيه المصدر مخالفاً لعامله في الوقت قول الشاعر:
وجئت وقد نضدت لنوم ثيابه
الشاهد في قوله لنوم نوم هنا مصدر لكن
النوم ليس موافقاً للمجيء في الوقت وإنما هو مختلف وقد نضدت لنوم، نضدت
بمعنى أزالت لنوم معروف النوم يتأخر عن إزالة الثياب، وهذا معنى قوله
نضدت، أما الشاهد على اختلافهما في الفاعل فقول الشاعر:
وإني لتعروني لذكراك هَزةٌ أو هِزةٌ لتعروني لذكراك ذكر هذا مصدر، ما
الذي يعروه؟ تعروه الهزة ومن الذي يتذكر هو المتذكر إذا تذكرها عرته
الهزة فاختلف الفاعل فيهما فوجب أن يجر بحرف التعليل، وهذا كل ما يقال
في باب المفعول لأجله، ننتقل بعد هذا إلى (باب المفعول معه) .
قال المصنف رحمنا الله وإياه (وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ,
اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ, نَحْوَ
قَوْلِكَ"جَاءَ اَلْأَمِيرُ وَالْجَيْشَ" وَ"اِسْتَوَى اَلْمَاءُ
وَالْخَشَبَةَ") انتبه يا شيخ ضبط الجيش والخشبة هذا ضبطه بالفتحة وإلا
كان معطوفاً على ما قبله، وإلا يكون معطوفاً على ما قبله فهو هنا مفعول
لأجله ويشترطون - عفواً - هو هنا مفعول معه، فتقول جاء فعل ماضي الأمير
فاعل الواو للمعية، الجيش مفعول معه منصوب ما الذي عمل فيه هو جاء
بمصاحبة الواو وكقوله أيضاً استوى الماء والخشبة، استوى هذا فعل ماض
الماء هذا فاعل الخشبة هذا مفعول به - عفوا ً مفعول معه يا شيخ بارك
الله فيك، هذا باب في باب المفعول معه وله أمثلة وشواهد بعضها يلزم أن
يكون منصوباً على أنه مفعول معه وبعضها لا يصح إلا أن يكون معطوفاً على
ما قبله وبعضها يترجح هذا وبعضها يترجح هذا ولكن التطويل فيها لا أرى
له داعياً لأن هذا استعماله أصلاً ليس بكثير، استعمال باب المفعول معه،
ليس بكثير في كلام العرب ولكن مما ورد فيه كلام، أو مما ورد فيه
المفعول معه من الشواهد قول الشاعر:
فكونوا أنتم وبني أبيكم..... مكان الكليتين من الطحال
فكونوا أنتم وبني أبيكم، بني هذا منصوب على
أنه مفعول معه، والأمثلة على هذا كثيرة ومن أظهرها، أن يكون الفاعل
ضميراً ثم تأتي بعده بالواو، وتأتي بالمنصوب على أنه مفعول معه، بعدها
مباشرة، وذلك نحو قولك قمت وزيداً، هذه يجب أن تنصب ما بعد الواو، ولا
يجوز أن تقول قمت وزيد على أنه معطوف، لماذا؟ قال لأن الفاعل هنا ضمير
متصل والأصل ألا يعطف على الضمير المتصل إلا بعد الفصل، بين الفاعل
والمعطوف وهنا لم يصل فهنا يجب أن تقول قمت وزيداً بالنصب بنصب كلمة
زيداً لأن هذا مما يمنعه معظم النحويين، يمنعون العطف على الضمير
المتصل دون فاصل بينهما.
بقي من المنصوبات خبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها وهذه في الحقيقة
سبق أن ذكرها في أبواب الرفع فلم يعيدها هنا المصنف ولذلك قال (وأما
خَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا, وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا) وهما
منصوبان طبعاً (فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي اَلْمَرْفُوعَاتِ,
وَكَذَلِكَ اَلتَّوَابِعُ) يعني التي تتبع بالنصب (فَقَدْ تَقَدَّمَتْ
هُنَاكَ) في باب التوابع، باب النعت والبدل والتوكيد وما شاكل ذلك
فلذلك لم يعد المصنف ذكرها ولا الحديث
عنها، وإنما انتقل بعد هذا إلى باب
المخفوضات وصل إلى باب المجرورات أو المخفوضات والمخفوضات خاصة
بالأسماء ولا يأتي فيها أفعال لأن الأفعال لا يأتي فيها خفض كما هو
معلوم فقال المصنف هنا (بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ) ثم
قال (اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ,
وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ, وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ) وهذه قد اجتمعت
في البسملة كما ذكرت لكم قبل الآية فقولك بسم الله الرحمن الرحيم كلمة
اسم مجرورة بالباء ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة والرحمن مجرور
بالتبعية، والرحيم أيضاً تابع فكل هذه مجرورات وقد تبين يعني اجتماع
علامات الجر أو أسباب الجر في البسملة وقد بينت لكم ما فيها، التفصيلات
في المخفوضات سنتركها إن شاء الله في حلقة أخرى ونترك الآن المجال
لتوجيه الأسئلة إذا كان لديكم أسئلة، تفضل.
سأل أحد الطلبة:
بارك الله فيك، ما نوع الاستثناء في قول الله عزّ وجلّ في سورة آل
عمران ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ
مِنْكُمْ ? [النساء:29] ؟
أجاب الشيخ:
هذا لعله يا أخي استثناء متصل وهو على كل حال غير موجب، لأنه مبدوء
بالنهي، لا تأكلوا أموالكم، ولعله من الاستثناء المتصل لأن ما بعد إلا
من جنس الذي قبلها إلا أن تكون تجارة فالتجارة هذه إلا أن يكون يعني
متعلق قوله بالباطل فالتجارة ليست من الباطل فيكون استثناء منقطعاً هذا
إذا حسبنا الجملة السابقة كلها مع بعضها فيكون من الاستثناء المتصل لأن
التجارة هذه مسموح بها وليست من أكل الأموال بالباطل، وعلى هذا يكون
الأرجح فيه والله أعلم أنه من الاستثناء المنقطع، لأننا سنحسب كل ما
قبل إلا على أنه جملة واحدة متصل بعضها ببعض، بارك الله فيك، نعم تفضل.
سأل أحد الطلبة:
ذكرتم الاستثناء المفرغ، فكيف نعرف الاستثناء المفرغ؟
أجاب الشيخ:
الاستثناء المفرغ، عرفناه بأنه الذي لم
يذكر فيه المستثنى منه، وهو يسميه بعضهم بالاستثناء الناقص لأنه نقص
جزءاً من أركان الجملة التي فيها الاستثناء ذلك أن المستثنى منه غير
موجود في الكلام وذلك كقول الله عزّ وجلّ ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ ? [آل عمران: 144] فإنه لم يذكر فيها المستثنى منه فأعرب كلمة
محمد أعربت مبتدأً ورسول أعربت خبراً وفى الاستثناء المفرغ، لا تعد إلا
كأنها غير موجودة في الكلام فيعرب الكلام بما يستحقه بحسب العوامل
الموجودة، تفضل.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، ذكر المؤلف في حكم المنادى قال فأما
المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين، فلماذا
ذكر التنوين والمعروف أن المبني لا ينون؟
أجاب الشيخ:
لعلك بارك الله فيك في بداية الحلقة القادمة نستمع منك هذا السؤال لأن
الوقت انتهى الآن.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
الدرس العشرون
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحابته أجمعين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن سهلاً إذا شئت سهل لنا
أمورنا واغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا رب العالمين.
أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أرجو منك إعادة السؤال الذي أجلناه في آخر الحلقة الماضية،
وطلبنا منك تأجيله إلى هذه الحلقة، فتفضل بارك الله فيك.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ قال المصنف فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان
على الضم من غير تنوين، فلماذا ذكر التنوين في المبني والمعروف أنه لا
ينون
أجاب الشيخ:
معروف طبعاً أن المبني لا ينون إلا نادراً وذلك إذا أردت تنكيره كقولهم
مثلاً إيهٍ وصهٍ وما شاكل ذلك لكن صاحب الكتاب ليست هذه أول مرة يقول
هذا الكلام بل قاله في باب لا النافية للجنس قال واسمها منصوب من غير
تنوين لكن تعبيره بمنصوب تبعده نوعاً ما أما قوله هنا مبني على الضم من
غير تنوين فهذا يؤكد لك أنه مبني وليس معرب هذا من باب التوكيد فقط.
ونبدأ بعون الله تعالى في إكمال ما تبقي بإذن الله تعالى في قول المصنف
(بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ، اَلْمَخْفُوضَاتُ
ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ, وَمَخْفُوضٌ
بِالْإِضَافَةِ, وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ) وقد ذكرت لكم في الحلقة
الماضية أن مثاله نحو قولك بسم الله الرحمن الرحيم فلفظ اسم مجرور
بالباء ولفظ الجلالة مجرور بالإضافة والرحمن مجرور بالتبعبة ثم قال
المصنف رحمه (فَأَمَّا اَلْمَخْفُوضُ بِالْحَرْفِ فَهُوَ مَا يَخْتَصُّ
بِمِنْ, وَإِلَى, وَعَنْ, وَعَلَى, وَفِي, وَرُبَّ, وَالْبَاءِ,
وَالْكَافِ, وَاللَّامِ, وَبِحُرُوفِ
اَلْقَسَمِ, وَهِيَ اَلْوَاوُ, وَالْبَاءُ, وَالتَّاءُ, وَبِوَاوِ
رُبَّ, وَبِمُذْ, وَمُنْذُ) .
الحقيقة أن المصنف سبق أن ذكر لنا حروف الجر في مكان آخر، في أول هذه
المقدمة لما تحدث عن الحروف بل عن تقسيمات الكلام قال، ينقسم الكلام
ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، ثم ذكر علامات الأسماء ثم ذكر علامات
الأفعال ثم انتقل بعد هذا فذكر الحروف فلا نعيد ما سبق أن شرحناه في
حروف الجر ولكننا نعلم يا أيها الأحباب أن هذه الحروف أولاً كلها
مبنية، إن وأخواتها والحروف النافية والحروف الجازمة للفعل المضارع
والحروف الناصبة للفعل المضارع كل هذه الحروف مبني.
نعرف قضية أخرى أن الحروف هذه أعنى حروف
الجر خاصة بالدخول على الأسماء ولا تدخل على غيرها نعرف أيضاً أن هذه
الحروف تعمل الجر في الأسماء فأما تكرارها هنا فلا بأس أن نذكر
باستعراض سريع بعض الأمثلة التي وردت فيها هذه الحروف، ومن ذلك قول
الله عزّ وجلّ ? سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر:5]
فمطلع هنا مجرور بحتى ومن ذلك مثلاً قول الله عزّ وجلّ ? وَتُخْرِجُونَ
فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ? [البقرة:85] من جرت الكاف وجرت
ديار، وقول الله عزّ وجلّ ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ? [البقرة:8] من جرت الناس والباء
جرت لفظ الجلالة وجرت اليوم في قوله وباليوم الآخر، وقول الله عزّ وجلّ
? يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ? [الكهف: 31] في جرت
الهاء وقال الله عزّ وجلّ ?أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ
الْآخِرَةِ ? [التوبة: 38] فجرت من كلمة الآخرة وقال الله عزّ وجلّ ?
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ? [المائدة:6] إلى الصلاة، الصلاة مجرورة
بإلى، وهكذا وقال الله سبحانه وتعالى ? وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ
عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ? [البقرة: 217] والشاهد في قوله عن دينه فقد جرت عن هنا
كلمة دين وقال الله عزّ وجلّ ? فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ
? [لأعراف:135] وقال الله عزّ وجلّ ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ? [الفرقان:1] وقال الله سبحانه وتعالى ?
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ? [المطففين:1] قال الله سبحانه وتعالى ? إِنْ
فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ? [غافر: 56]
فجرت الباء وقال سبحانه وتعالى ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ?
[البقرة:179] في جرت وقال سبحانه وتعالى ?
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ
النَّخْلِ ? [طه: 71] وأما رُب فمن شواهدها قول الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما..... صرت في غيره بكيت عليه
رب يوم وقد جاءت رب هنا جارة لكلمة يوم والأمثلة على حروف الجر لا تحصى
ولا تعد من حروف الجر، الكاف ومنه قول الله عزّ وجلّ ? أَمْ جَعَلُوا
لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ ? [الرعد: 16] فجرت الكاف ومنه
قوله سبحانه وتعالى ? وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ
الْبَصَرِ أَوْ هُوَ ? [النحل: 77] فجرت الكاف هنا، والأمثلة على هذا
كثيرة والحمد لله ولكننا
سننتقل من هذا الباب إلى
باب المخفوض بالإضافة، فاسمعوا
رحمكم الله تعالى قول المصنف (وَأَمَّا مَا يُخْفَضُ بِالْإِضَافَةِ,
فَنَحْوُ قَوْلِكَ "غُلَامُ زَيْدٍ")
اعلم بارك الله فيك أن الإضافة عامل للجر الاسم المضاف إليه مجرور فما
الذي جره أهو المضاف الذي جر المضاف إليه أم حرف مقدر بينهما وهو الحرف
الذي يؤدي معنى الإضافة لكنك إذا قلت هذا قلم محمد فكأنك قلت هذا قلم
لمحمد فهل محمد هذه مجرورة بالإضافة أو مجرورة باللام المقدرة، قولان
للنحويين والصحيح أنها مجرورة بالإضافة يعني الذي جرها هو الاسم
المتقدم، حتى نسلم من التقدير، يعني للإضافة أحكام يقول الإضافة لا تقع
إلا في الأسماء فلا يوجد فعل مضاف ولا مضاف إليه فإنما الإضافة خاصة
بالأسماء الحكم الثاني أن التنوين والإضافة لا يجتمعان، إذا جاء
التنوين ذهبت الإضافة وإذا جاءت الإضافة ذهب التنوين لا يجتمعان أبداً
الحكم الثالث من أحكام الإضافة، أنها لا تجتمع الإضافة وال ولكن ليس
هذا على إطلاقه فإنه قد يكون المضاف مقترناً بـ ال ومع ذلك يأتي المضاف
إليه مجروراً لكن هذا قليل وله مواضع محدودة ويشترطون فيه، يعني لجواز
أن تكون ال في المضاف والمضاف إليه لا يزال مجروراً يشترطون فيه، أن
يكون المضاف عاملاً في المضاف إليه، هذا واحد.والشرط الثاني: أن يكون
المضاف إليه مقترناً بـ ال أو مضافاً إلى مقترناً بـ ال أو مضافاً إلى
ضمير ما فيه ال.
انتبه رحمك الله تقول مررت بالضارب الرجل، الضارب هذه فيها ال وقد
أضيفت إلى الرجل وهي مستوفية للشروط، لأن الضارب يعمل في الرجل، هذه
واحدة، والشيء الثاني أن الرجل موجود فيه ال فهذا يجوز لا إشكال فيه،
إلا أن يكون المضاف مثنىً أو مجموعاً جمع مذكراً سالماً وهو عامل في
المضاف إليه فإنه لا يلزم في المضاف إليه أن يكون مقترناً بـ ال يعني
تقول مررت بالضاربي زيد، لماذا؟ قال لأنه مثنى وزيد خالية من ال صحيح
ومع ذلك جاءت مجرورة بالإضافة، ومنه قول الشاعر:
إن يغنيا عني المستوطنا عدن فإنني لست يوماً عنهما بغني
مرة ثانية:
إن يغنيا عني المستوطنا عدن فإنني لست يوماً عنهما بغني
المستوطنا هذا مثنى وقد جاء مقترناً بـ ال وأضيف على كلمة عدن وعدن
خالية من ال لا إشكال لماذا؟ لأنه مثنى.
الجمع، شاهده قول الشاعر:
ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم..... إلى الوشاة وإن كانوا ذوي عدد
مرة ثانية:
ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم......إلى الوشاة وإن كانوا ذوي عدد
المصغي هنا أصله المصغون ولكن لما تقدمت
عليه الباء جرت بالياء بالمصغي ثم أضيف إلى مسامعهم، مسامعهم هنا ليست
مقترنة بـ ال لكن المضاف هنا وهم مقترناً بـ ال جمع مذكر سالم فلا
إشكال في اتصاله بـ ال إذاًَ مرة أخيرة ال والإضافة لا يجتمعان، فلا
تقول مثلاً هذا القلم رجل ولا هذا القلم الرجل، ما يجوز لأن المضاف هنا
ليس وصفاً عاملاً في المضاف إليه، أما إن كان وصفاً عاملاً في المضاف
إليه فهو نوعان، نوع منه يكون مثنىً أو مجموعاً هذا ما يلزم فيه أي شيء
يمكنك أن تضيف فوراً ولو كان مقترناً بـ ال وأما إن كان ليس مثنىً ولا
مجموعاً فلابد أن يكون المضاف إليه إما مقترن بـ ال وإما مضاف إلى
مقترن بـ ال، أو مضاف إلى ضمير يعود على ما فيه ال.
مثال المضاف إلى المقترن بـ ال الضارب الرجل.
مثال المضاف إليه إذا كان مضافاً لما فيه
ال رأيت الضارب رأس الجاني، وكذلك يجوز أن تقول رأيت الضارب رأس أخيه،
لأن الهاء تعود على ما فيه ال وهو الضارب ننتقل إلى قول المصنف وهو
يعني الإضافة (عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُقَدَّرُ بِاللَّامِ, وَمَا
يُقَدَّرُ بِمِنْ) ثم قال رحمنا الله وإياه (فَاَلَّذِي يُقَدَّرُ
بِاللَّامِ نَحْوُ "غُلَامُ زَيْدٍ") واعلموا بارك الله فيكم قبل أن
نفصل أن بعضهم يقسم الإضافة من الناحية المعنوية ثلاثة أقسام فيقول
أحياناً تكون بمعنى اللام كقولك هذا كتاب محمد كأنك قلت هذا كتاب
لمحمد، وأحياناً تكون الإضافة بمعنى من وذلك في نحو قولك هذا ثوب خز
وهذا خاتم حديدٍ فكأنك قلت هذا خاتم من حديد، أما الأخير فهو أن تكون
الإضافة بمعنى في ومنه كما يقولون وذلك إذا كان المضاف إليه ظرفاً
للمضاف ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ? بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ ? [سبأ: 33] يقولون التقدير والله أعلم بل مكرٌ في الليل
والنهار، وقد بدأنا بقول المصنف ما يقدر باللام وما يقدر بمن فأما ما
يقدر باللام فكما مثلت لكم، وأما ما يقدر بمن فكما مثل وأما قول الله
عزّ وجلّ ? وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ
بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً ? [سبأ:33] وكقول الله عزّ وجلّ
أيضاً ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ
خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ
رَأْسِهِ ? [يوسف:41] والشاهد عندنا في قوله يا صاحبي السجن لأنه
أحياناً يكون الظرف ظرفاً زمانياً كقوله تعالى ? بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ
? وأحياناً يكون ظرفاً مكانياً كقول الله عزّ وجلّ ? يَا صَاحِبَيِ
السِّجْنِ ? وهذا هو المقصود بكلامه من أنه لابد أن يكون أو بقول بعض
النحويين
أن الإضافة قد تتضمن معنى فيه، أما قول
المصنف فالذي يقدر باللام نحو غلام زيد هذا المثال وأمثاله أكثر ما تقع
الإضافة عليه، أكثر شيء في الإضافة أن تكون بمعنى اللام وذلك كقولك هذا
كتاب محمد أو هذا قلم عبد الله أكثر ما تكون الإضافة بمعنى اللام
واللام هذه تعني الملكية، أو الاختصاصية أحياناً ما تكون ملكية مثلاً
تقول هذا سرج الفرس هو لا يملك شيئاً لكنه مثل يعني يختص به، وهذا غطاء
السرير ليس السرير يملك الغطاء وإنما هو من خصوصياته هذا أولاً أما ما
كان بمعنى من فكقوله قال المؤلف (وَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِمِنْ, نَحْوُ
"ثَوْبُ خَزٍّ" وَ"بَابُ سَاجٍ" وَ"خَاتَمُ حَدِيدٍ) والإضافة التي
بمعنى من يا شيخ يشترط فيها أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه وأن
يصح هذا الشرط الثاني أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف وذلك في
نحو قولك هذا خاتم حديد انتبه يا شيخ الخاتم أليس بعض الحديد؟ بلى إنه
بعض الحديد، طيب ألا يصح أن تقول الخاتم حديدٌ؟ يمكن يصح فيصح الإخبار
بالمضاف إليه عن المضاف فقد اجتمع الشرطان إذا الإضافة فيه بمعنى من
هناك بعض الأحكام المتعلقة بالإضافة وهي مهمة وضرورية ولابد أن نذكرها
وهي أن معظم النحويين يقسمون الإضافة قسمين، إضافة معنوية وإضافة لفظية
فأما الإضافة المعنوية يا أيها الأحباب فهي التي يستفيد فيها المضاف من
المضاف إليه إما تعريفاً وإما تخصيصاً يستفيد المضاف من المضاف إما
التعريف وإما التخصيص، والمضاف الذي يستفيد من المضاف إليه التعريف نحو
قولك قلم محمد فإن كلمة قلم كانت نكره فلما أضفتها إلى كلمة محمد
اكتسبت التعريف وأما ما كان مستفيداً التخصيص فنحو قولك هذا قلم رجل،
أنت حينئذ أضفتها إلى نكرة فلم تستفد التعريف ولكنها استفادت تقليل
الشيوع والانتشار في الذاكرة فبدلا كانت عامة في أنك تقول هذا قلم
فيمكن أن يكون قلم رجل يمكن أن يكون قلم امرأة يمكن أن يكون قلم طالب
يمكن
أن يكون قلم زيد يمكن أن يكون قلم عبيد
فلما ضيقت فقلت هذا قلم رجل خففت الاشتراك الذي كان موجوداً في كلمة
قلم، هذا هو النوع الأول وهو يسمى بالإضافة المعنوية، الإضافة المعنوية
وهي التي يستفيد فيها المضاف من المضاف إليه تعريفاً إذا كان المضاف
إليه تعريفاً أو تخصيصاً إذا كان المضاف إليه نكرة.
فأما الإضافة المعنوية فقد أنهينا الحديث فيها وهي ما يكتسب المضاف من
المضاف إليه إما التعريف إذا كان المضاف إليه معرفة وإما التخصيص إذا
كان المضاف إليه نكرة، أما الإضافة اللفظية فلا يستفيد المضاف من
المضاف إليه إلا التخفيف فقط فمتى تكون الإضافة لفظية، تكون الإضافة
لفظية انتبه إذا كان المضاف وصفاً عاملاً في المضاف إليه ما المراد
بالوصف؟
المراد بالوصف اسم الفاعل أو اسم المفعول، أو الصفة المشبهة.
مرة ثانية، تكون الإضافة اللفظية وهي التي لا يستفيد المضاف من المضاف
إليه إلا التخفيف، وذلك إذا كان المضاف وصفاً، والمقصود بالوصف اسم
الفاعل أو اسم المفعول أو الصفة المشبهة عاملاً في المضاف إليه، فهي
تستفيد منه التخفيف، كيف التخفيف هذا؟ قال التخفيف هو أنه بدل أن تقول
هذا ضارب زيداً، تحذف التنوين هذا فيخف الكلام فتقول هذا ضارب زيدٍ،
إذاً ما هو دليلك على أن الإضافة اللفظية لا يستفيد المضاف من المضاف
إليه تعريفاً ولا تخصيصيا ما دليلك؟ بيّن لنا إذا كان عندك دليل قال
عندي أدلة.
أولها: قول الله عزّ وجلّ ? هَدْياً
بَالِغَ الْكَعْبَةِ ? [المائدة: 95] هدياً نكرة أم معرفة أيها
الإخوان؟ هدياً نكرة بالغ الكعبة، بالغ مضاف إلى الكعبة، الكعبة علم
وقد أضيف أو على الأقل قل مقترنة بـ ال قد أضيفت بالغ إلى الكعبة لو
كانت استفادت التعريف لما جاز أن نصف بها النكرة، هدياً بالغ الكعبة،
وصف الهدي هذا بأنه بالغٌ الكعبة، ومع ذلك جاز وقوعه وصفاً لكلمة هدي
مع أنها نكرة هذا من الأدلة التي وردت على أن المضاف في الإضافة
اللفظية لا يستفيد من المضاف إليه تعريفاً ولا تخصيصا من ذلك، من
الشواهد أيضا قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي
اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ?8? ثَانِيَ
عِطْفِهِ? [الحج:9] انتبه رحمك الله، ثاني عطفه، ما إعراب ثاني عطفه؟
ثاني هذه حال وهي مضافة إلى عطفه، عطفه هذا معرفة لأنه عطف مضاف إلى
الهاء والهاء هذه ضمير فقد اكتسبت عطف المعرفة أو التعريف بسبب
الإضافة، ومع ذلك وقعت هذه الكلمة وهي كلمة ثاني وقعت حالاً، فلو كانت
اكتسبت التعريف لما جاز، لأننا ذكرنا لكم أن الحال ما تكون معرفة وإنما
تكون نكرة، هذا جانب أهمله المصنف رحمه الله، ولم يتحدث عنه، وهو من
أكثر الضرورات للحديث عنه في تنويع أو في بيان المضاف أو في بيان
الإضافة وتقسيمها إلى كونها إضافة لفظية أو كونها إضافة معنوية أيضاً
يا أيها الأحباب قد يكتسب المضاف من المضاف إليه تذكيراً أحياناً
وتأنيثاً أحياناً وقد يكتسب غير ذلك، وقد يكتسب التخصيص كما ذكرنا لكم
فيما مضى من الأمثلة أما اكتساب المضاف من المضاف إليه، يقول مما
استفاد منه المضاف التأنيث من المضاف إليه قراءة من قرأ قول الله عزّ
وجلّ ? قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي
غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ? [يوسف:10]
قُرأت تلتقطه بعض السيارة، قُرأت تلتقطه
بعض السيارة كلمة بعض هذه مذكر لكن بسبب
إضافاتها إلى كلمة السيارة، وهي مؤنثة، اكتسبت التأنيث فجاز أن يقال
تلتقطه بعض السيارة، العكس قد يكتسب المضاف المؤنث التذكير من المضاف
إليه ومن ذلك قول الشاعر:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى..... وعقل عاصي الهوى يزداد تنوير
فقوله إنارة هنا مؤنث وأضيفت إلى العقل، والعقل مذكر، لما أخبر عنها
قال مكسوف فاستفادت كلمة إنارة، التذكير من كلمة العقل بدليل الإخبار
عنها بقوله مكسوف.
من المسائل التي لم يذكرها ابن آجروم في
باب الإضافة وكان ينبغي ذكرها ما ذكره ابن هشام في قوله الغالب في
الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد كغلام وثوب، ولكن بعض الأسماء
تمتنع إضافتها الغالب فيها أنه يصلح كل كلمة أو الغالب في الأسماء أنها
تصلح للإضافة بعض الأسماء يمتنع أن تضيفها يمتنع أن تجعلها مضافة من
هذه الأسماء الضمائر ومنها أسماء الإشارة ومنها الأسماء الموصولة كلها
ما عدا كلمة واحدة وهي كلمة أي فإن الأسماء الموصولة لا يجوز إضافتها
وأسماء الإشارة لا يجوز إضافتها والضمائر لا يجوز إضافتها أبداً، هذه
من الأشياء التي كان يجدر التنبيه بها أو التنبيه إليها، من الأسماء
أيضاً ما هو ملازم للإضافة بعضها ملازم الإضافة إلى مفرد وبعضها ملازم
الإضافة إلى الجمل وبعضها ملازم الإضافة إلى الضمير، وبعضها ملازم
الإضافة إلى الاسم الظاهر وهكذا وبعضها يجوز أن يكون مضافاً لكذا ويكون
مضافاً لكذا، مما يلزم الإضافة إلى المفرد ألفاظ يجوز قطعها عن الإضافة
وهي مثل كلمة كل وكلمة بعض يمكن يعني هي في الأصل مضافة ولكن أحياناً
تقطع عن الإضافة فتنون ويعوض التنوين عن المضاف إليه، منها أسماء
ملازمة للإضافة دائماً تكون مضافة وهي كلمة أي، أي هذه لابد أن تكون
مضافة ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ
بِالْأَمْنِ ? [الأنعام: 81] أيضاً من الأسماء الملازمة للإضافة ولا
يضير أحياناً تضاف إلى ضمير وأحياناً تضاف إلى اسم ظاهر كلمتان هما كلا
وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير أعربتا إعراب المثنى وإذا أضيفتا إلى
الاسم الظاهر أعربتا إعراب الاسم المكسور.
هناك أسماء أيضاً ملازمة للإضافة إلى
الضمير فقط وهي كلمة واحدة، وهي كلمة وحد فلا تستطيع أن تقول وحد محمد
مثلاً بل لابد أن تقول إما وحدي أو وحدنا أو وحدكم، أو ما شاكل ذلك
كلمة وحد دائماً منصوبة على الحالية ومع أنها دائماً ملازمة للإضافة مع
الضمير ومع ذلك تسامحوا فيها فجعلوا إعرابها حالاً مع أنها مضافة إلى
معرفة، هذه من المعارف الملازمة للإضافة ولإعرابها حالاً من شواهدها
قول الشاعر:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا..... أملك رأس البعير إن نفر
والذئب أخشاه إن مررت به...... وحدي وأخشى الرياح والمطر
الشاهد في قوله كلمة وحدي.
من الأسماء أيضاً يا أيها الأحباب يلزم إضافته إلى الجمل وهي ألفاظ
محدودة وهي إذ، وإذا، وحيث، هذه الأسماء الثلاثة لابد أن تكون دائماً
مضافة إلى جمل ومن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَاذْكُرُوا إِذْ
أَنْتُمْ قَلِيلٌ ? [لأنفال: 26] إذ هنا مضافة إلى جملة أنتم قليل،
وقال سبحانه وتعالى ? وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً ? [الأعراف:
86] .
وأما حيث فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ? [البقرة:149] .
مما يلازم الإضافة إلى الجمل الفعلية التي
ذكرناها قبل قليل يجوز إضافتها إلى جمل اسمية أو جمل فعلية لكن الذي
أذكره الآن يجب إضافته إلى جمل فعلية فقطن يجب إضافته إلى جمل فعلية
وذلك كلمة لما عند من يرى أنها اسم بمعنى حين، إن بعضهم يرى أنها أداه
للربط فقط وليست اسماً لكن الذين يرون أنها اسم يرون أنها واجبة
الإضافة إلى الجمل الفعلية، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ? فَلَمَّا
رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ
? [النمل: 10] الشاهد عندنا في قوله فلما رآها فقد أضيفت كلمة لما إلى
جملة رآها وهذا واجب في إضافتها إلى الجمل لكن عند من يرى أنها ليست
حرف للربط وإنما هي اسم فيرون أنها واجبة الإضافة وهناك من يرى أيضاً
أن كلمة إذا مما يجب إضافته إلى الجمل الفعلية خاصة والحقيقة أنه بتتبع
كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وكلام المعتد به ممن يحتج
بشعره وجدنا أن إذا تدخل على الجمل الإسمية كثيراً وانظر إلى أول سورة
التكوير على سبيل المثال فإنك ستجد أن ما بعدها جمل اسمية مع أن بعضهم
يرى أنها فاعل لفعل محذوف ونحن لسنا بحاجة إلى هذا التقدير ما دام يمكن
أننا نعربها مبتدأ وما بعدها خبر لها فلا مانع ومنه أيضاً قول الله عزّ
وجلّ ? فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ?8? وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ
?9? وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ?10? وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ?
[المرسلات:8-11] كما ترون يا أيها الأحباب كلها هذه جاء بعد كلمة إذا
جمل اسمية وهو أولى من اعتبارها اعتبار كل كلمة منها فاعل لفعل محذوف
حتى نخص كلمة إذا لأنه يجب دخولها أو يجب إضافتها إلى الجمل الفعلية،
هذا أولى عندي والله أعلم بالصواب، ونكتفي بهذا القدر من شرح هذا
الكتاب الجليل ونسأل الله عزّ وجلّ أن يكون فيه النفع والفائدة للجميع
لمن تكلم ولمن سمع، ولمن يسمع في مستقبل الأيام إنه ولي
ذلك والقادر عليه قبل ختام هذه الحلقة نفتح
المجال للأسئلة سواء في هذا الدرس أو فيما مضى من الدروس وتفضلوا بارك
الله فيكم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خير، سؤال يتعلق بدرس الاستثناء، حيث أنكم بارك الله فيكم
لم تذكروا لنا المستثنى بغير وسوى؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيكم ربما كان هذا لأني لم أرَ الموضع الذي تحدث فيه ابن
آجروم عن غير وسوى وهو قد تحدث عن غير وسوى لكنه غير وسوى أولاً هما
اسمان يدلان على الاستثناء.
ثانياً هما دائماً يكون ما بعدهما وهو المستثنى مجروراً بالإضافة،
مجرور دائماً ما بعد غير وما بعد سوى، والسؤال الآن عن غير وسوى كيف
نعربها؟ أما سوى فلا تظهر عليها علامة الإعراب لأنها اسم مقصور فلا
يتبين أهي مرفوعة أم منصوبة أم مجرورة فلسنا في مشكلة من كلمة سوى
ولكنها في الصحيح تعامل معاملة غير، طيب ما معاملة غير، غير يا أيها
الأحباب تعامل بما يستحقه الاسم الواقع بعد إلا فإذا كان الاسم الواقع
بعد إلا في المثال الذي فيه كلمة غير يستحق أن يكون منصوباً فانصب كلمة
غير إذا كان يستحق أن يكون مرفوعاًَ ارفع مجروراً جر وهكذا، هي تعامل
بنفس، وأمثل لكم بعض الأمثلة حتى ينجلي الإشكال إذا قلت قام القوم غير
رجل هذا نصب لأن الاستثناء تام موجب ما قام القوم غيرُ الأولى ويجوز أن
تقول غيرَ ما ذكرت المستثنى هنا تقول ما قام غيرُ تقول أيضاً ما مررتُ
بغيرِ إذا كان الاستثناء مفرغاً وتقول أيضاً ما مررت بأحدٍ غيرِ ويجوز
لك مرجوحاً غيرَ لأن الاستثناء تام غير موجب إذا كان الاستثناء فيها
منقطعاً يعني ما بعد غير ليس من جنس المستثنى فإنه يجب فيها النصب،
فتقول قام الرجال غير امرأة، وما قام الرجال غير امرأة وهكذا ما دام
المستثنى أو ما دام الاستثناء منقطعاً فإنك تعامل كلمة غير في غير ما
يستحقه الاسم الواقع بعد إلا وأظن هذا واضح، تفضل.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، لما يقولون
الجار والمجرور متعلقان بالفعل وما معناها
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، هذا سؤال كثيراً ما يسأل عنه، الظرف والجار والمجرور
يقولون لا يستقلان بأنفسهما بل لابد أن يتعلقا بشيء أحياناً ما يتعلقان
به يكون فعلاًُ وهذا هو الغالب، الغالب أن يكون ما يتعلقان به فعلاً
وذلك إذا كان معك فعل في الجملة التي ذكرتها، فإنهما ما يتعلقان بالفعل
المذكور هذا أحياناً يتعلقان بخبر محذوف كقولك زيد في الدار أحياناً
يتعلقان بحال أحياناً يتعلقان بصفة أحياناً يتعلقان بفعل واقع صلة
للاسم الموصول لكنهما لا يستقلان بنفسيهما بل لابد أن يكون هناك شيء
يتعلقان به وهذا كثيراً ما يسأل عنه فلا لوم عليك في هذا السؤال بل هو
سؤال في مكانه، نعم، تفضل.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ أفادكم الله ما ضابط التفريق بين لام الاختصاص ولام
الاستحقاق ولام الملك؟
أجاب الشيخ:
لام الاستحقاق، ولام الاختصاص ولام الملك
هذه أولاً بارك الله فيك وفى السامعين هذه من معاني اللام وحروف الجر
أو معظم حروف بل كل حروف الجر لها معان بعضها يعني أصلي لها أو الغالب
أن يكون بهذا الأصل وبعضها يكون معناً فرعياً، بعضها يكون معناً
فرعياً، فعلى سبيل المثال اللام هذه التي ذكرت يقولون الأصل في اللام
أنها للملكية للملك قال الله عزّ وجلّ ? لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ? [البقرة: 284] يعني ملك ما في السماوات والأرض
لله أحيانا تكون دالة على الاختصاص، أحياناً تكون دالة على الاستحقاق
أحيانا تكون دالة على التعليل أحياناً تكون كذا أحياناً تكون كذا فهذه
من المعاني التي تقع لها حروف الجر وقد خص بعض النحويين كتباً ألفوها
عن معاني حروف الجر أذكر منها مغني اللبيب عن كتب الأعاريب وهو لابن
هشام فقد ذكر فيه معاني حروف الجر أذكر منها كتاب رصف المباني في حروف
المعاني وهو كتاب للمالقي أذكر منها أيضاً كتاب الجنى الداني في حروف
المعاني، وهذه الكتب كلها يعني كثيراً يعني ذكروا فيها كثيراً من
المعاني المتعلقة بالحروف كل حرف على حاله وفيها تفصيلات دقيقة
وتفصيلات طيبة، نعم:
ما بقي عندكم إذاً ما بقي عندنا إلا أن نقول وبالله التوفيق
قد مرت بنا رحلة ونحن نقرأ في هذا الكتاب
وهو كتاب مقدمة ابن آجروم في النحو وهو كتاب مختصر وجيز ولكن الله
سبحانه وتعالى هيئ له من يقوم بشرحه على مدى الوقت منذ ألفه صحابه وإلى
الآن ونحن من الذين قاموا بشرحه وقاموا بالاستماع إليه ولعل في تتبع
الناس لهذا الكتاب وكثرة شرحهم له وعنايتهم به لعل فيه دلالة والله
أعلم على نية الرجل كانت خالصة وكانت طيبة وقد قال السيوطي لما تحدث عن
صاحب هذا الكتاب وعن تأليفه قال إنه ألفه وهو تجاه الكعبة، ألفه في
البيت الحرام، ألف هذا الكتاب الصغير الموجز الذي أرى أنه نافع جداً
لاحتوائه على كثير من أبواب النحو، احتواءً جعل هذه المادة ملمومة بشكل
كبير جدأً ومستوعب فلم يدع في كثير من الأبواب شيئاً يمكن أن يقال إلا
وقاله، صحيح إنه كان يقول هذا الكلام بإيجاز شديد ولكن هذا الإيجاز كان
إيجازاً غير مخل في الغالب، ولك ليس النحو هو كلن لم يقل في كتابه هذا
كل النحو إنما قال نتفاً من النحو تنفع لعامة الناس تنفع للمبتدأ
فيحفظها وتنفع للمتوسط فيتوسع في شرحها وتنفع للمتقدم فيأخذ كتباً أخرى
ينظر فيها ما يتعلق بهذه الأمور فينظر في شرحها وما قاله النحويون
فيها.
فأنا أرجو أن يكون في هذه المقدمة النفع الكثير لمن قرأها ولمن سمعها
ولمن شرحها ولم يبقى لنا إلا أن نختم مجالسنا هذه بالدعاء المأثور عن
الرسول صلى الله عليه وسلم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت
نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
اللهم اجعل عملنا هذا خالصاً لوجهك الكريم، وتقبله منا إنك أنت السميع
العليم واغفر لنا وللسامعين والمشاهدين إنك ولى ذلك والقادر عليه.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على من أرسلته رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى
آله وصحابته أجمعين.
|