شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* أمثلة في الإسناد إلى الجمل
* علامات الفعل مطلقاَ
* علامة الحرف
* علامة المضارع -الماضي -الأمر -اسم الفعل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
أسئلة:
- هذا يقول: لماذا أسقطت كلمة: زائدة من حد التنوين؟
- قلنا: نون ساكنة زائدة، هذا مشهور، قلنا: هذا نسقطه لماذا؟ إذا قلت:
تلحق، الإلحاق كله، هذا باب الصرف، الإلحاق كله من الزوائد، إذاً: لا
يحتاج، والإلحاق يدل على الزيادة بالمطابقة، ليس بالاستلزام ولا
بالتضمن حتى نقول: هذا قيد لا بد منه.
- هل كل نون التوكيد الخفيفة ما قبلها مفتوح دائماً؟
- نعم، هذا الأصل، وسيأتي في باب التوكيد.
- ما الفرق بين قولك: سماعي، وقياسي؟
- سماعي، يعني: موقوف على السماع، لا يجوز القياس عليه، وأما القياسي
فلا.
- هل يقاس جزء ونصف على بعض وكل؟
- هذا قيل النصف نصفه، لكن الظاهر لا؛ لأنه ليس ملازم لنظام، نقول: هذا
الرغيف نصف.
- لماذا لم تحذف الألف في: فتىً ومثنىً؟!
- فتىً واضح، في .. فيٌّ، قلنا: هذا جائز ليس بواجب، يجوز إبقاؤه كما
هو ويجوز أن تضعفه، فلا إشكال، مسندٌ اسم مفعول، وقيل: مصدر ميمي، ليس
مطلقاً، قد يستويان، يكون اللفظ واحد والمعنى مختلف.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين، أما بعد:
إذاً: العلامة الخامسة، هو قوله: ومسندٍ، إن أبقيناها على ظاهرها، أي:
ومسندٍ، أي: محكوم به يكون مع الكلمة، إن وجد معها سواء كان اسماً أو
فعلاً حينئذٍ حكمنا على تلك الكلمة التي صاحبها المسند بأنها اسم.
هل يصح إبقاء اللفظ على ظاهره، ويجعل كونه مسنداً من علامات الأسماء؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأن المسند ليس من خواص الأسماء، بل يشاركه الفعل،
ولذلك نقول: الاسم يكون مسنداً ومسنداً إليه، يعني: محكوماً عليه
ومحكوماً به، وأما الفعل يكون مسنداً ولا يكون مسنداً إليه، إذاً:
الفعل شارك الاسم في كونه مسنداً، وانفصل الاسم عن الفعل في كونه يقع
مسنداً إليه، والعلامة إنما تكون مما اختص بالشيء ولا يدخل على غيره،
فما شارك لا يصح أن يكون علامةٍ؛ لأنه لا يميز أحد النوعين عن الآخر،
بخلاف المسند إليه، نقول: هذا يختص به الاسم فقط دون الفعل والحرف،
فإذا صارت الكلمة مسنداً إليها حكمنا عليها بأنها ماذا؟ بأنها اسمٌ
وعرفنا أن الإسناد يكون لفظياً ويكون معنوياً، وقفنا عند قوله: زعموا:
مطية الكذب .. لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة، لا إله
إلا اله كلمة التوحيد، أي: هذا اللفظ زعموا: مطية الكذب، لماذا نقدر؟
لأن مطية: هذا خبر محكوم به، ولا يحكم إلا على الاسم، إذاً: زعموا اسم،
لا بد أن نقول: زعموا اسم، لكن قصد لفظه دون معناه، وإذا أخبر عن الشيء
مقصود به لفظه دون معناه صار علماً، وإذا صار علماً صار اسماً، حينئذٍ
كيف نعرب زعموا؟ زعموا كلها هكذا تقول: زعموا مبتدأ، ولا تقل: زعم: فعل
ماضي، والواو فاعل، لا خطأ هذا، هذا غلط، لماذا؟ لأنك لو أعربت بهذه
الصورة حينئذٍ نظرت إلى المعنى، ونحن هنا حكمنا على اللفظ وجعلنا
المعنى نسياً منسياً.
فإذا جئت تعرب، تقول: زعموا مبتدأ مرفوع
بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، التي هي الواو، الواو كدال زيد،
الواو هنا زعموا كدال زيد؛ لأنه صار المقصود بهذه الجملة هذا اللفظ
زعموا، حينئذٍ تقول: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها
اشتغال المحل بسكون الحكاية.
لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز، كنز: هذا مسند، والمسند إذا وجد مع
كلمة دل على أنه اسم، إذاً: لا حول ولا قوة إلا بالله اسم، بدليل وجود
المسند، كيف نعربه؟ لا تقل: لا: نافية للجنس، وحول: اسمها، هذا غلط،
لماذا؟ لأنك لو أعربت بهذه الصورة نظرت إلى المعنى، والمفترض هنا نسيان
المعنى، والحكم على اللفظ، فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله على
الحكاية مبتدأ، كلها مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره،
منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، هذا الإعراب صحيح، وإن جرى
بعضهم على أنه يفصل فهو غلط، هذا يقول موجود الآن في كتب المدارس،
نقول: هذا غلط .. هذا سهو، لعله دكتور لم يعِ.
فحينئذٍ نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا اللفظ كنز من كنوز الجنة،
فهو كزيد .. مثل زيد، ومثلها: زعموا مطية الكذب، وأما قولهم: زعموا
مطية الكذب فعلى إرادة اللفظ، مثل: من حرف جر، وضرب: فعل ماضي، فكل من:
زعموا، ومن، وضرب اسم للفظ فهو علم شخصي للفظ الواقع في غير هذا
التركيب من التراكيب المستعمل فيها اللفظ في معناه، فهو مبتدأ وما بعده
خبر، وهذا الإسناد يسمى إسناداً لفظياً، وهل هو علامة من علامات
الأسماء؟ نقول: نعم، علامة من علامات الأسماء.
بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ
تَمْيِيزٌ حَصَلْ
إذاً: التمييز الحاصل للاسم أو الكائن بالاسم بالجر وما عطف عليه،
وإنما ميزت هذه العلامات الخمسة الاسم؛ لأنها خواص له، أما الأول الذي
هو الجر، فلأن المجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم، مررت
بزيد .. بزيد، زيد ممرور به، أخبرت عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن
الاسم، فدل على أن المجرور بحرف الجر يكون مخبراً عنه في المعنى، إذاً:
الجر، فلأن المجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم، فزيد في
قولك: مررت بزيد، أو جاء غلام زيد مخبر عنه في المعنى عن الأول بأنه
ممرور به، وعن الثاني بأن له غلاماً، جاء غلام زيدٍ، زيد: نقول: هذا
مجرور، لماذا هو مجرور؟ لأنه مضاف إليه، هل هو من علامات الأسماء؟
نقول: نعم، من علامات الأسماء، لماذا؟ لأنه لحقته الكسرة، أخبرنا عنه،
عن زيد بأن له غلاماً، أليس كذلك، فصار زيد من قولك: غلام زيد
مُخْبَراً عنه، ولا يخبر إلا عن الاسم، إذاً: عرفنا النوع الأول.
وبعضهم سمى حروف الجر بهذا الاسم، قالوا: لأنها تجر معاني الأفعال إلى
الأسماء، فيما إذا لم يتعد بنفسه، وهذا أيضاً المعنى معنى صحيح، وأما
التنوين، يعني: صار من خواص الأسماء، فلأن معانيه الأربعة لا تتأتى إلا
في الاسم، أربعة: التمكين، والتنكير، والعوض، والمقابلة، هذه لا يمكن
أن تتصور إلا في الاسم، ولا يمكن أن تتصور إلا في .. لا تتصور في الفعل
ولا في الحرف، ولذلك قلنا: التنوين حرف معنى، إذاً: له معنىً من
المعاني.
أما الدلالة على أمكنية الاسم وكونه
متمكناً في باب الإعراب هذا واضح.
والدلالة على تنكيره كذلك واضح؛ لأن وصف التنكير من خواص الأسماء.
وأما كونه في جمع المؤنث السالم مقابلاً لنون جمع المذكر السالم فلأن
الفعل والحرف لا يجمعان جمع مذكر ولا جمع مؤنث حتى يتصور فيهما ذلك
التنوين وهو تنوين المقابلة.
وأما كونه عوضاً؛ فلأن العوضية إن كانت عن جملة فالفعل والحرف لا
يعقبهما جملة، وهذا واضح.
أو عن مضاف إليه فالمضاف لا يكون إلا اسماً، من علامات الاسمية كونه
مضافاً، ومن علامات الاسمية كونه مضافاً إليه.
أو عن حرف فالحرف المعوض عنه إنما هو آخر الاسم الممنوع من الصرف، كما
قلنا في جوارٍ وغواشٍ، وهذا خاص بالأسماء.
إذاً: الأنواع الأربعة صارت من خواص الأسماء؛ لأن هذه المعاني التي دلت
عليها هذه الأنواع من أنواع التنوين لا يتصور وجودها إلا في الاسم،
وأما النداء من خواص الاسم، فلأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا
يكون إلا اسماً.
وأما: أل، فلأن أصل معناها التعريف، وهو لا يكون إلا للاسم؛ لأن وضع
الفعل على التنكير والإبهام ويبقى على أصله، فلا يطلب زوال تنكيره
بخلاف الاسم فيطلب زوال تنكيره، ولا يقبل ذلك إلا الاسم، والحرف غير
مستقل.
وأما المسند فهو من خوص الأسماء، لماذا؟ فلأن المسند إليه لا يكون إلا
اسماً، لكن ينبه إلى أن الإسناد إليه، هذه علامة، هل كل اسم يكون
مسنداً إليه .. يشترط فيه أن يكون مسنداً إليه؟ أقول: لا، لا يشترط
ذلك، بل بعضها يكون مسنداً ومسنداً إليه، وهذا هو الأكثر: أن يقع
مسنداً ومسنداً إليه، هذا هو الأكثر في استعمال الأسماء، وبعضها لا يقع
إلا مسنداً فقط لا يأتي مسنداً إليه، وهو اسم، مثل أسماء الأفعال:
هيهات العقيق .. هيهات: هذا ليس بفعل، نقول: هذا اسم فعل وهو مسند،
والعقيق: فاعل مسند إليه، هل يقع اسم الفعل مسنداً إليه؟ الجواب: لا،
إلا في قولنا: هيهات: اسم فعل، حينئذٍ قصد لفظه، وأما إذا قصد معناه
فلا، هذا يقع مسنداً ولا يقع مسنداً إليه.
عكسه: يقع مسنداً إليه ولا يقع مسنداً، وهو الضمير المتصل، قمت .. ضربت
.. أنا مسلم، قمت، التاء هنا ضمير متصل، أليس كذلك؟ مسند إليه، هل يقع
مسنداً .. هل تأتي التاء خبراً؟ لا تأتي، إذاً: الضمائر المتصلة هذه لا
تكون إلا مسنداً إليها، أنا مسلم، أنا: مبتدأ، أخبر عنه بقولنا: مسلم،
حينئذٍ نقول: هل يأتي: أنا خبر؟ الجواب: لا، لا يقع إلا مسنداً إليه.
النوع الرابع: لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، مثلوا له بقط وعوضُ
ونحوها، فهذه لا تقع لا مسنداً ولا مسنداً إليه، إذاً: الاسم باعتبار
كونه مسنداً أو مسنداً إليه أربعة أقسام:
ما يقع مسنداً ومسنداً إليه وهو الغالب والأكثر في الأسماء.
ما يقع مسنداً لا مسنداً إليه وهو أسماء الأفعال فحسب.
ما يقع مسنداً إليه لا مسنداً وهو ضمائر الرفع المتصلة.
ما لا يقع لا هذا ولا ذاك، ومثل له بقط وعوض، وحيث.
إذاً: قوله: ومسند، نقول: هذه العلامة الخامسة للاسم تمييز حصل، وعرفنا
الاشتراط لماذا وقع في هذه العلامات الخمسة.
هنا ذكرنا فيما سبق قول ابن عقيل: وظاهر
كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الأسماء وليس كذلك، قلنا: هذا فيه
نظر، فمعنى البيت، قال ابن عقيل: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف
بالجر، على هذا التقدير ابن عقيل جعل الجملة فعلية لا اسمية، ونحن
قلنا: تمييز حصل، للاسم، تمييز: هذا مبتدأ، وجملة حصل صفة للتمييز،
وللاسم جار ومجرور متعلق بماذا؟ بمحذوف خبر مقدم لتمييز، وبالجر: هذا
جار ومجرور متعلق بحصل، هنا قوله: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف
بالجر، كأنه قال: حصل، هذه هو أول الجملة، وليس هو تمييز، ولا إشكال،
الإعرابات كلها إذا كان المعنى صحيح فلا إشكال.
ولذلك ما أكثر ما يجوز في الألفية من الإعرابات، لكن قد يكون بعضها
أولى من بعض، وإذا قلنا: تمييز، التمييز الحاصل للاسم .. كائن للاسم
بالجر هذا أولى، لماذا؟ لأننا نريد أن نحكم على الشيء المميز، ولذلك
قلنا: تمييز ليس المراد به المصدر؛ لأن التمييز فعل الفاعل، وإنما هو
من إطلاق المصدر وإرادة أثره، فحينئذٍ المراد هنا: هل نحكم على الشيء
بكونه مميزاً أو مجرد حصوله، ما المراد؟ الأول التمييز، زيد أخوك ..
أخوك زيد، كل منهما يجوز أن يكون معرباً بأنه مبتدأ وخبر، زيد أخوك،
زيد: مبتدأ، أخوك: خبر، ويجوز عكسه خلافاً لابن مالك كما سيأتي، إذا
قلت: زيد أخوك، أخوك زيد، إذا أردت أن ترجح أحد الإعرابين عن الآخر،
أيهما المعلوم عندك أو عند المخاطب؟ هذا يختلف، إذا تعرف أنه زيد ولا
يعرف أنه أخوه فتقدم زيد؛ لأنه هو المبتدأ، يعرف الاسم ولا يعرف الوصف،
حينئذٍ تقول: زيد الذي تعرفه أخوك، وإذا عكست: أخوك عنده أخ، ولا يعرف
أنه زيد، فتقول: أخوك زيد، يصح أو لا يصح؟ يصح، إذاً: المعنى له دور في
ترجيح أي الإعرابين يكون، ولذلك تجد في التفاسير كلها ما من كلمة في
الغالب إلا ويجوز ويجوز ويجوز، إذا نظرت إلى ترجيح أو إلى القواعد
النحوية كلها جائزة، بعضها يكون فاسد باطل إلى آخره، ما في إشكال لكنه
قليل؛ لأن أكثرهم نحاة، حينئذٍ إذا أعربوا الكلمة الواحدة بعدة أوجه،
إذا جئت وأنت تنظر حينئذٍ كيف ترجح؟ تنظر إلى السياق .. سياق الكلام من
أوله إلى آخره، وإن كان ثم قصة تنظر إليها من أولها إلى آخرها، وإن كان
ثم أحكام شرعية سردت من أولها إلى آخرها، بالنظر إلى المعنى هو الذي
يرجح، أي التعريفين، أو أي الإعرابين أو الأكثر أرجح من غيره، أما مجرد
يجوز ويجوز نكون ظاهرية هكذا، نقول: هذا فيه نوع فساد، لماذا؟ لأنك قد
تحمل اللفظ معنىً غير مراد، بمجرد الجواز، يجوز كذا ويجوز .. لأنه إذا
طبقنا القواعد على الألفاظ حينئذٍ جاز ما قد يناقض المعنى من أصله.
إذاً نقول: قول ابن عقيل هنا حصل للاسم تمييز مراده به أنه جملة فعلية،
هذه خمسة علامات للاسم.
وقلنا: تقديم الجار والمجرور لا يفيد
الحصر، بل المراد به الاهتمام، وثم علامات أخرى وصلها بعضهم إلى ثلاثٍ
وثلاثين علامةً، منها: حروف النصب النواسخ، هذه من علامات الاسم: إن
زيداً، إن: نقول هذه من علامات الاسمية، لولا –الامتناعية-، إمَّا
-التي للتفصيل- هذه من علامات الأسماء، ياءُ النسب: قرشي .. هذه لا
تلحق إلا الأسماء، قرشي .. لا تلحق إلا الأسماء. الألف المقصورة: حبلى
.. الممدودة: صحراء، التصغير: لا تصغر إلا الأسماء، أما الفعل والحرف
لا يصغر، إلا إذا قصد لفظه، كونه فاعلاً علامة للاسمية، ولذلك إذا جاء
جملةً حينئذٍ أُوِّلَ بمفرد: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ
تَخْشَعَ)) [الحديد:16] ألم يأن: هذا فعل، أين فاعله؟ خشوع .. أن وما
دخلت عليه في تأويل مصدر، إذاً: كونه فاعلاً يعتبر علامةً للاسمية،
كونه مفعولاً به وقد سبق، كونه منعوتاً لا نعتاً .. كونه منعوتاً لا
تنعت إلا الأسماء، كونه مذكراً .. كونه مؤنثاً .. كونه مضافاً .. كونه
مضافاً إليه، وإذا جاء المضاف إليه جملةً وجب تأويله بمفرد: ((هَذَا
يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)) [المائدة:119] نقول: هذا لا
بد من تأويله.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى:
بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ
يَنْجَلِي
لما انتهى من القسم الأول والنوع الأول وهو ما يميز الاسم عن قسيميه
الفعل والحرف انتقل إلى النوع الثاني، وثنى به لأنه يأتي أحد جزئي
الكلام، يعني: هو ركن، وإذا كان ركناً حينئذٍ له أهمية ومنزلة؛ لأنه قد
يزول الكلام بزواله.
بتا فعلتَ وأتَتْ .. بتا فعلتَ: هذا جار ومجرور، وأتت: معطوف عليه، ويا
افعلي: هذا معطوف عليه، ونونِ أقبلن: معطوف عليه، معطوف على أي شيء؟
ونونِ: هذا بالكسر، معطوف على أي شيء؟ على ياء افعلي، أو على تاء
فعلتَ؟ الأول؛ لأن القاعدة أن ما جاء بالمعطوفات بحرف العطف الواو
حينئذٍ العطف على الأول، يكون مرده إلى الأول، وكذلك: أو، وأما ثم
والفاء فهذه على حسب ما قبلها.
فِعْلٌ يَنْجَلِي: فعل: هذا مبتدأ، ينجلي: صفته، يعني: يظهر بتا فعلت،
فعل: نقول: هذا مبتدأ وهو نكرة، كيف جاز الابتداء بالنكرة؟ ينجلي: هذا
خبر، هل نقول: صفة؟ فعل: هذا مبتدأ، ينجلي: يعني: يظهر بتا فعلت، بتا
فعلت: جار ومجرور متعلق بقوله: ينجلي، وينجلي: هذا خبر فعل، كيف جاز
الابتداء بالنكرة وهو فعل؟ نقول: قصد لفظه، هذا قول، فصار معرفةً، أو
يقال: بتقديم –بتا-؛ لأن النكرة إذا أفادت أي فائدة .. مالم تفد أي
فائدة، حينئذٍ نقول: هل استقام الكلام بتاء فعلت فعل ينجلي؟ واضح
الكلام.
إذاً: حصلت الفائدة بتقديم الجار والمجرور
وإن كان متعلقاً بالخبر، وهذا لا يجوز عندهم لكن للضرورة ولكونه جاراً
ومجروراً، فِعل: بكسر الفاء وإسكان العين، الفعل بكسر الفاء: اسم لكلمة
مخصوصة، يعني: اسم مسماه لفظ، زيد، قلنا: هذا مسماه الذات، والفعل
مسماه: قام يقوم قم، هذا مسمى، وفعل اسمه، كما نقول: زيد مسمى واسمه
اسم، اسم: هذا لفظه، مسماه: زيد وعمرو، قام: مسمى، اسمه: فعل، إذاً:
الفعل بكسر الفاء وإسكان العين، اسم لكلمة مخصوصة، احترازاً من الفعل
بفتح الفاء فهو من الأحداث مصدر، هذا عند النحاة، مصدر فَعَلَ.
لكن المكسور في اللغة فِعْل، بمعنى اسم المفعول، يعني: يأتي بمعنى اسم
المفعول كما ذكره في الكشاف: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ)) [الأنبياء:73] يعني: مفعولات الخيرات، وكون مكسور الفاء
اسماً لما ذكر، ومفتوح الفاء مصدراً له بحسب الاصطلاح، وأما في اللغة
فهم مصدران، إذاً: فعل، يأتي المصدر منه فِعْلٌ وفَعْلٌ.
وأما عند النحاة فلا، فرقوا بينهما مجرد اصطلاح، فالفعل اسم لكلمة
مخصوصة، ما مصدره؟ قالوا: الفَعْلُ، وهذا مجرد اصطلاح، فِعْلٌ
يَنْجَلِي يعني: يظهر ويتضح ويتميز عن أخويه بأربع علامات ذكرها
متوالية، قال:
بتا فعلتَ، يعني: بتا، تا .. هذه قالوا: يتعين القصر هنا للوزن، وإن
كان لغةً فيه .. يتعين القصر هنا للوزن، وإن كان في نحو الباء والتاء
والثاء المد والقصر، الباء: با وباءٌ .. تا وتاءٌ .. ثا وثاءٌ، يجوز
فيه المد والقصر، ولكن هنا يتعين فنقول: لغة فيه، ولا نقول إلا من أجل
بيان أنه لا بد منه للوزن.
بتا فعلت: بتا، أي: الفاعل، لماذا؟ لأن تا مضاف، وفعلت: مضاف إليه، وهو
جملة في الأصل، لكنه قصد لفظه، فلما قصد لفظه صار علماً، فعندنا مضاف
ومضاف إليه، بتا فعلت، يعني: بتا الفاعل، سواء كانت مضمومةً نحو
فَعَلْتُ، أو مفتوحةً نحو فَعَلْتَ، أو مكسورةً نحو فَعَلْتِ، وهنا
بماذا نضبطها، بتا فعلْتَ، أو فعلْتُ، أو فعلْتِ؟ يجوز الأوجه الثلاثة،
ولكن قيل: الرواية بالفتح، بتا فعلتَ، وروي في روايةٍ مختلف في
تصحيحها: بتا فعلْتُ على أنها بالضم.
على كل هذا أو ذاك قل ما شئت؛ لأنه ليس بكلامٍ وحي، حينئذٍ أقول: بتا
فعلْتَ .. بتا فعلتُ .. بتا فعلْتِ، يجوز الأوجه الثلاثة وإن كان
المشهور أنه بالفتح.
إذاً: بتا، أي: بتا الفاعل، متكلماً نحو فعلتُ بالضم، أو مخاطباً نحو:
تباركتَ يا الله، فعلتَ، أو مخاطبةٍ نحو: قمتِ يا هند بكسرها، فحينئذٍ
مراد الناظم هنا لو قلنا بأحد الأوجه بتا فعلتُ، هل المراد به خصوص
التاء المضمومة أو المراد به ما هو أعم؟ أعم؛ لأن ثم فرقاً بين المخاطب
والمتكلم، والمخاطبة، فحينئذٍ إذا قيد اللفظ بحركة معينة ولا بد من
تقييده نقول: بتا فعلتُ المضمومة على جهة الخصوص أو المراد به العموم؟
الثاني: المراد به العموم.
إذاً: ليس مراد الناظم بقوله: بتا فعلتَ خصوص التاء سواء كانت مضمومة
أو مفتوحة على الوجهين، بل التاء تاء الفاعل مطلقاً، سواء كانت مفتوحة
أو مضمومة أو مكسورة من ذكر الملزوم وإرادة اللازم على طريق الكناية أو
المجاز المرسل، يعني: مجاز.
ومثل ذلك يقال في قوله: وَيَا افْعَلِي
وَنُونِ أقْبِلَنَّ، ويا افعلي: الياء هذه المراد به ياء الفاعل،
وافعلي، افعلي: هذا فعل أمر، هل ياء الفاعل خاصة بفعل الأمر؟ لا،
تضربين هذه ياء الفاعل، افعلي: هذه ياء الفاعل، إذاً كونه أضاف يا إلى
افعلي، هل هو لخصوص افعلي أو المراد به الأعم من ذلك فيشمل المضارع؟
الثاني، حينئذٍ يكون فيه مجاز.
وَنُونِ أقْبِلَنَّ .. أقبلن، نون: هذا مضاف، وأقبلن: مضاف إليه، إذاً
النون التي في أقبلن وهو فعل أمر هل هي خاصة به أم تدخل على المضارع؟
تدخل على المضارع، إذاً: لم يقصد الناظم بقوله: تا فعلت خصوص تاء
الفاعل المفتوحة أو المضمومة على حسب النطق، ولم يقصد يا افعلي: خصوص
الفعل فعل الأمر، ولم يقصد بقوله: نون أقبلن خصوص فعل الأمر، بل الحكم
عام، ثم المراد بتاء الفاعل هنا .. المراد بتاء الفاعل التاء الدالة
بالمطابقة على من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، لماذا؟
لأنك تقول: ضربتُ، هذا إسناد الضرب إلى من أحدث الفعل، أنا أوقعت الضرب
على غيري متعدي، ضربتُ، متُّ الحدث أين؟ قام بي أو أقمته على غيري؟ قام
بي، إذاً: يشمل الاثنين النوعين، سواء كان متعدياً إلى الغير ضربتُ، أو
كان قائماً به؛ لأن الفاعل سواء كان قائماً به أو واقعاً عليه، ويبقى
ماذا؟ يبقى ما ضربت زيداً، ما: حرف نفي، وضربتُ فعل وفاعل، فُعِل الضرب
أو لا؟ لم يفعل، كيف نقول: تاء الفاعل، أين الفعل؟ نقول: هذا سيأتينا
في بابه، أن المراد به مجرد اصطلاح فحسب، وإلا الفاعل هو من أوجد
الفعل، هذا في لغة العرب .. من أوجد الفعل .. من أوجد الحدث، فحينئذٍ
إذا قال: ما ضربت زيداً، كيف هنا نقول: التاء فاعل، وليس عندنا حدث
أصالةً؟ نقول: هذا من باب الاصطلاح كما سيأتي في محله.
إذَاً: تاء الفاعل المراد بها التاء الدالة بالمطابقة على من وجد منه
الفعل، أو قام به، أو نفي عنه، وذلك كضربت، ومت، وما ضربت، وما مت،
فليس المراد الفاعل الاصطلاحي كما سيأتي للزوم القصور عليه، بخروج
التاء اللاحقة لكان وأخواتها، لو قيل: المراد بتا فعلت هنا، هل المراد
به الفاعل الاصطلاحي؟ نقول: لو قلنا بهذا لخرجت التاء التي أسند إليها
كان، كنت قائماً .. كنت، نقول: هذه تاء الفاعل أو لا؟ نعم، تاء الفاعل،
هل المراد بالفاعل هنا الذي أوجد الفعل؟ الجواب: لا، ليس المراد به
الفاعل الاصطلاحي؛ لأن التاء هنا لا تعرب فاعلاً، بل هي اسم كان، ويعرب
مجازاً على أنه فاعل.
إذاً: ليس المراد الفاعل الاصطلاحي للزوم القصور عليه بخروج التاء
اللاحقة لكان وأخواتها، ولزوم الدور حيث عرف الفعل هنا بقبول تاء
الفاعل، وعرف الفاعل في بابه بأنه المسند إليه فعله، وهذا سيأتي في
موضعه، وهل المراد به الفاعل اللغوي؟ من هو الفاعل اللغوي؟
كل من أحدث الحدث، إذاً: ليس المراد به
الفاعل اللغوي ولا الفاعل الاصطلاحي؛ لأن الفاعل اللغوي لا يشمل نحو:
ما ضربت زيداً؛ لأنه ليس بفاعل وإنما هو اصطلاحي، وكذلك: مت، وضربت،
وما مت، وما ضربت، نقول: هذه داخلة في الحد، لا بد أن يشمل من أحدث ..
أوقع الحدث، أو قام به الحدث، أو نفي عنه الحدث .. وهذا لا يتصور في
الفاعل الاصطلاحي ولا الفاعل اللغوي، إذاً: لا بد من التفسير ولذلك
قلنا: أنه مجاز إما من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم .. من ذكر الملزوم
وإرادة اللازم، على طريق الكناية أو المجاز المرسل، فحينئذٍ ماذا نقول
هنا بتا فعلت؟ هل نقول: الفاعل الاصطلاحي أو الفاعل اللغوي، أو لا هذا
ولا ذاك؟
نقول: لا هذا ولا ذاك، وإنما ذكر الأخص الذي هو الفاعل من باب إطلاق
اللفظ الذي لا بد منه؛ لأنه لو لم يعبر بهذا اللفظ ماذا يعبر؟ ليس
عندنا إلا فاعل اصطلاحي أو فاعل لغوي، لكن من حيث الاتصال وعدمه ما
يصدق عليه تاء الفاعل أعم من الفاعل الاصطلاحي وأعم من الفاعل اللغوي،
ولذلك: كنت قائماً، التاء هذه تاء الفاعل، مع أنها لا تسمى فاعلاً عند
النحاة، وليس فاعلاً اصطلاحياً.
ما ضربتُ زيداً، التاء: هذا ليست بفاعل لغوي، مع أنها فاعل اصطلاحي،
إذاً: بتا فعلتُ، المراد بالتاء هناك الدالة بالمطابقة على من وجد منه
الفعل أو قام به أو نفي عنه، بهذا نفسرها ولا نقف مع اللفظ؛ لأننا لو
وقفنا مع اللفظ فأدخلنا وأخرجنا فحينئذٍ خرجت بعض الألفاظ ودخل ما لا
يراد.
ولا يرد التاء في نحو: ما قام إلا أنت، أنتَ بفتح التاء، هل هي مثل تا
فعلتَ؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنها لم تدل بالمطابقة، وقد عرفنا أن التاء
المراد بها ما دل بالمطابقة على من أحدث أو قام به، أو نفي عنه الفعل،
وهنا: ما قام إلا أنت نقول: ليست دالة بالمطابقة على نفس الفاعل، بل
الدال عليه: أن، على مذهب البصريين، أن الضمير هو: أن، وتاء التاء هذه
مفتوحة حرف خطاب.
بقي الإشكال في ماذا؟ أن هذه تا فعلت هذه تدخل ليس .. ((لَسْتَ
عَلَيْهِمْ)) [الغاشية:22] وبها استدل على فعليتها خلافاً لمن أنكره:
((لَيْسُوا سَوَاءً)) [آل عمران:113] إذاً: هي فعل، لست .. ليس هذه هل
تدل على حدث؟ لا، وإنما تدل على نفيٍ فحسب، ولذلك ذهب بعضهم أنها حرف
بمنزلة ما النافية، لأنه لا يفهم منها حدث، إذا كان لا يفهم منها حدث
كيف نقول: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ)) [الغاشية:22] والتاء هذه تاء الخطاب
فهي تاء الفاعل؟ ليس عندنا حدث أصلاً.
بقي الإشكال في دخول التاء اللاحقة لليس، حتى ينهض الرد على من زعم
حرفيتها بلحاق تاء الفاعل، إذ لا يصدق عليها أنها تاء من وجد منه الفعل
أو قام به أو نفي عنه، لعدم دلالة ليس على الحدث، وهذا وارد.
وحينئذٍ نقول: هي تاء من نفي عنه الخبر، في هذا التركيب: ((لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] لست، هذه التاء، نقول: تاء من
نفي عنه الخبر، ولا نعبر عنها بأنها تاء الفاعل إلا من باب التعميم
فحسب، وأما عند التحقيق فنقول: هنا ليس عندنا حدث، بل هي تاء من نفي
عنه الخبر، اللهم إلا أن يراد بالفعل ما يشمل مدلول الخبر، وهذا يرجع
إلى المصطلح.
وأما دخول اللاحقة لعسى (فَهَلْ
عَسَيْتُمْ)، نقول: عسى فعل الصحيح، لماذا؟ لاتصال تاء الفاعل بها، إذ
هي تاء من قام به الرجاء أو انتفى عنه، إذاً: بتا فعلت، المراد هنا
بتاء المطابقة الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل .. الحدث، أو قام
به أو نفي عنه، ليعم كل ما ذكرناه، وليس المراد به الفاعل الاصطلاحي
ولا الفاعل اللغوي، بتا فعلت، وهذه تدخل على ماذا، تاء الفاعل تتصل
بماذا، بأي أنواع الفعل؟ الماضي، وهل تدخل على الفعل المضارع؟ الجواب:
لا، من خواص الفعل الماضي دخول أو قبول تاء الفاعل به .. اتصالها به،
لماذا؟ لأنها بالسماع .. سماع ما نقل عن العرب لم ينقل أنها دخلت على
المضارع ولا على الأمر، واضح؟
أما الأمر؛ فلأن الفاعل لا يكون إلا مستتراً، هذا واضح، وأما المضارع؛
فلأن الفعل المضارع إذا أسند إلى .. تتصل به، المضارع تتصل به؟ نقول:
لا، لا تتصل به، لماذا؟ ..
لا، هذا في تاء التأنيث الساكنة، يأتي معنا.
بتا فعلت .. إذاً: تاء الفاعل خاصة بالفعل الماضي، والتعليل السابق
فيما بعده.
وأتت .. يعني: عطف على ماذا؟ بتا فعلتَ، وبتاء أتتْ، قلنا: تا فعلتَ:
مضاف ومضاف إليه، حينئذٍ أتت هذا قصد لفظه، هل هو معطوف على تاء أو
معطوف على المضاف إليه .. هل هو معطوف على المضاف أو على المضاف إليه؟
يحتمل هذا ويحتمل ذاك، حينئذٍ إذا عطفناه على المضاف صار لا بد من
التقدير بتا فعلت، وبتا أتت، وإذا عطفناه إلى المضاف إليه حينئذٍ بتا
صار مشتركاً بين التائين: تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة.
إذاً قوله: وأتت، عطف على تا فعلت، بتقدير مضاف، أي: وتاء أتت، أو على
فعلت .. على جعل التاء في قوله: بتا، من استعمال المشترك في معنييه،
وهذا جائز.
بتا فعلتَ: مضاف ومضاف إليه، وأتتْ: هذا إما أن يكون معطوفاً على
المضاف وهو تا، وإما أن يكون معطوفاً على المضاف إليه، إن عطف على
المضاف .. على تاء حينئذٍ لا بد من التقدير، يعني: وتاء أتت، مثل
الأول، وإن عطف على المضاف إليه حينئذٍ بتا: يكون لفظاً مشتركاً بين
التائين.
إذاً: وأتتْ: المراد به تاء التأنيث الساكنة، تاء التأنيث من إضافة
الدال إلى المدلول، مثل تنوين التمكين، من إضافة الدال إلى المدلول؛
لأنه حرف معنى، تاء التأنيث حرف معنى، إذاً: تاء التأنيث: حرف دال على
تأنيث .. تأنيث ماذا؟ تأنيث الفاعل، هذا على المشهور، ضربت هندٌ
عمرواً، ضربت هندٌ، ضربت: التاء هذه تاء التأنيث الساكنة اتصلت بالفعل
الماضي، لماذا اتصلت به؟ للدلالة على تأنيث الفاعل، وهو: هند، ضَرَبَت
هند.
ضُرِبَت هندٌ، ما إعراب هند؟ نائب فاعل، هل هو فاعل؟ لا، إذاً: أنث
الفعل هنا واتصلت به تاء التأنيث للدلالة على تأنيث نائب الفاعل.
((وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)) [التحريم:12] كانت .. هي مريم، التاء
هذه تاء التأنيث الساكنة، اتصلت بالفعل كان للدلالة على ماذا؟ على
تأنيث الفاعل؟ لا، على تأنيث نائب الفاعل؟ لا، على تأنيث اسمها، ولذلك
نقول: الأولى أن يقال: تاء التأنيث الدالة على تأنيث المسند إليه، ليعم
الفاعل ونائب الفاعل واسم كان، وأما إذا خصصناها بالفاعل حينئذٍ خرج
نائب الفاعل، وخرج اسم كان.
إذاً: المراد بها تاء التأنيث الساكنة،
وهذه الساكنة صفة لتاء، لا للتأنيث، أصالةً، يعني: في أصل وضعها هي
ساكنة، وهذا محل وفاق: أن تاء التأنيث تعتبر ساكنةً وهي حرف .. حرف
معنى، وضع للدلالة على ما ذكرناه.
قامت هندٌ، قام: فعل ماضي، والتاء، نقول: حرف تأنيث دال على تأنيث
الفاعل، مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهندٌ: فاعل، وقال
بعضهم: بل تاء التأنيث اسم، وهذا خرق للإجماع، وما بعده بدل عنه، وهو
باطل، لماذا؟ لأن المبدل منه: يجوز إسقاطه ويستغنى عنه بالبدل، وهنا لو
أسقطناه؟ الإعراب على هذا القول، قامت هندٌ، قام: فعل ماضي، والتاء:
ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وهندٌ: بدل منه، إذاً
التاء: مبدل منه، من علامات صحة البدل إسقاط المبدل منه وإقامة البدل
مقامه، هل يصح هنا؟ لا يصح: قام هندٌ، إذاً: هذا القول فاسد من أصله،
لا يلتفت إليه.
تاء التأنيث الساكنة أصالةً، نحو: أتت هندٌ، وقولنا: تاء التأنيث، أي:
تأنيث الفاعل تأنيثاً معنوياً، والأحسن المسند إليه، فلا يرد حينئذٍ
تاء: رُبَّةَ وثُمَّةَ لماذا؟ لأن التاء هنا في رب؛ لأن رب حرف وثم
حرف، وقد اتصلت به تاء تأنيث ساكنة، هل نقول: رب وثم أفعال؟ نقول: لا،
لماذا؟ لأن التاء هنا لتأنيث اللفظ، لا لتأنيث المعنى، والتي تعتبر
علامة على الفعلية هي تاء التأنيث المعنوي، ففرق بينهما.
فإن روعي المعنى فهي علامة على الفعلية، وإن روعي اللفظ، فحينئذٍ ليست
علامةً على الفعلية بل دخلت الحرف، إذاً: ورُبَّةَ سائل، تحركت التاء
هنا لغة، وقول الشاعر أيضاً:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئيمِ يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ
قُلْتُ لا يَعنيني
فثُمَّةَ ورُبَّةَ على لغة من سكنهما حينئذٍ نقول: التاء هنا لتأنيث
اللفظ لا لتأنيث المعنى، وقولنا: الساكنة، تاء التأنيث الساكنة، نقول:
هذا القيد للإخراج .. احترزنا به عن المتحركة في المثالين السابقين،
ورُبَّةَ .. ثُمَّةَ هذه متحركة ولا إشكال فيها.
أصالةً: نقول: هذا قيد لهذا القيد، لكن للإدخال، والاحتراز بالساكنة عن
المتحركة، وبالأصالة عن الحركة العارضة، أما المتحركة: فإن كانت حركتها
حركة إعراب فهي خاصة بالاسم، نحو: مسلمة، نقول: هذه تاء التأنيث متحركة
أصالةً .. متحركة أصالةً بحركة إعراب، حينئذٍ هذه من خواص الأسماء،
ونلحقها بما ذكرناه سابقاً، هذا متى؟ إذا كانت تاء التأنيث متحركةً
أصالةً.
فإن كان حركتها حركة بناء حينئذٍ تدخل .. هل تختص بالفعل؟ إذا كان
حركتها حركة بناء: لا حول ولا قوة، قوة: هذا مؤنث أو لا؟ مؤنث، وهو
مختوم بالتاء، والتاء هنا محركة لكن حركتها حركة بناء، حينئذٍ نقول:
هذه الحركة حركة بناء، وليست حركة إعراب، فإذا كان كذلك فليست من خواص
الاسم، بل تدخل الحرف كما في المثال الذي ذكرناه رُبَّةَ، على لغة من
فتح.
وإذا كانت حركتها حركة بنية فحينئذٍ تدخل
على الفعل، هندٌ تقوم، التاء هذه تاء التأنيث، وهي محركة بالفتح،
وحركتها هذه حركة بنية، الحرف الأول والثاني والثالث أو الرابع ما قبل
الأخير أي حركة له يسمى حركة بنية، يعني: حركة وزن وصيغة، زيد .. زَ ..
زَ. الزا مفتوح، الفتحة هذه نسميها حركة إعراب أو حركة بناء؟ لا هذه
ولا تلك، وإنما نسميها حركة بنية.
وكذلك: زيدٌ، الدال هذه مضمومة، حركتها حركة .. زيدٌ، جاء زيدٌ، الحركة
هذه حركة إعراب.
طيب! قالت حذامي، الحركة هنا حركة بناء، ففرق بين الحركات الثلاث.
وإنما سكن التاء الفعلي للفرق بين تائه وتاء الاسم، ولم يعكس لئلا ينظم
ثقل الحركة إلى ثقل الفعل، هذا تعليل، قيل: مسلمةٌ .. فاطمةُ تحركت،
وهنا قلنا: قامت، لماذا سكنت؟ قالوا: الفعل ثقيل والحركة ثقيلة، والاسم
خفيف والحركة ثقيلة، فأعطي الخفيف الثقيل، أعطي الخفيف الذي هو الاسم
الثقل الذي هو الحركة، وأعطي الثقيل الذي هو الفعل الخفيف الذي هو
السكون، سلوكاً مسلك التعادل والتناسب، والله أعلم.
والحركة العارضة نحو: ((قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ)) [يوسف:51]
إذاً: نشترط في هذه التاء الساكنة أن تكون علامةً، إذا كانت ساكنةً
أصالةً، فإن تحركت على جهة العرب، نقول: هل يخرجها على كونها علامةٍ أو
لا؟ الجواب: لا، نحو ماذا؟ نحو: ((قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ))
[يوسف:51] قالت: هذا الأصل أنها ساكنة، ام .. التقى ساكنان، التاء
والميم، والهمزة هذه تسقط في درج الكلام، ماذا نصنع؟ نحرك التاء بالكسر
على الأصل بالتخلص من التقاء الساكنين .. ((قَالَتِ امْرَأَةُ))
[يوسف:51] وهذا واضح بكسر التاء لالتقاء الساكنين.
وقالت امةٌ .. أمةٌ، ألقيت الحركة على التاء وحذفت، يعني: أريد التخلص
من هذه الهمزة فألقيت حركتها على التاء، فقيل: قالت امةٌ، إذاً: هذه
الحركة على التاء حركة عارضة، ولذلك إذا جئت تعرب: قالتُ .. قال: فعل
ماضي، والتاء حرف تأنيث مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال
المحل بحركة النقل.
وإذا قلت: قالتِ امرأة .. قال: فعل ماضي، والتاء: حرف تأنيث مبني على
السكون، أين السكون؟ مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من
التقاء الساكنين، والأصل هو السكون.
وقالتا .. ((قَالَتَا أَتَيْنَا)) [فصلت:11] هنا حركت بماذا؟ بالفتح،
والألف هذه فاعل، لماذا حركت؟ للتخلص من التقاء الساكنين؛ لأن الألف
ساكنة والتاء ساكنة، لماذا كان خصوص الحركة الفتحة؟ لأن الألف لا
يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، لا مضموماً ولا مكسوراً.
إذاً: في هذه الأنواع الثلاثة، قالتِ امرأة
.. قالتُ امة .. قالتا، نقول: هنا الأصل في التاء أنها ساكنة، وحركت
عرضاً، ما الدليل على أن هذه الحركة لا تأثير لها في كون الأصل في
التاء السكون، نقول: رمتا، (الهندان رمتا)، رمى: إذا اتصلت به تاء
التأنيث، قلت: رمت هندٌ، رمت .. راء ثم ميم، ثم تاء، رمت، والأصل: رمى
مثل: فتى، لما أريد اتصال التاء به التقى ساكنان: الألف والتاء، لا
يمكن تحريك الأول، ولا يمكن حذف الثاني؛ لأنه حرف معنى، حينئذٍ حذفنا
الألف، أليس كذلك؟ فقيل: رمت .. رمت، على وزن: فعت، اللام محذوفة ..
رمت هندٌ.
رمتا .. لما اتصلت الألف بالفعل الذي ألحقت به التاء حينئذٍ تحركت
التاء لمناسبة الألف، أليس كذلك؟ حركت التاء لمناسبة الألف، لو كانت
هذه الحركة معتبرة، نقول: هذه الحركة غير معتبرة، بل الأصل هو السكون،
وهذه الحركة عرضاً، إذ لو كانت أصالةً، لرجعت الألف، لأننا نقول: رمتا
.. رمت: حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين، طيب! ورمتا، ليس عندنا
ساكنان، في اللفظ ليس عندنا ساكنان، فلو كانت هذه الحركة معتبرة لرجعت
الألف، فدل على أن التحرك هنا بالفتح إنما هو لمناسبة ماذا؟ الألف، ولا
حذف إلا بحركة أصلية كما سيأتي في محله.
أما تاء التأنيث المتحركة أصالةً فلا تختص بالفعل، بل إن كانت حركتها
إعراباً اختصت بالاسم نحو فاطمة وقائمة، وإن كانت غير إعراب فلا تختص
بالفعل، بل تكون في الاسم نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه كما سبق
حركة بناء.
وفي الفعل نحو هندٌ تقوم، نعم هو هذا الشاهد الذي أردناه .. هندٌ تقوم،
التاء هذه تاء تأنيث، وحركت بماذا؟ بالفتح، هل حركتها حركة بناء أو
بنية؟ نقول: بنية، لماذا؟ لأنها في أصل الكلمة، لما دخلت على المضارع
وامتزجت به قلنا: صار كالحرف منه، كأنه جزء من الفعل المضارع، وإذا كان
كذلك فهو كحركة الزاي من زيد، إذاً: هندٌ تقوم نقول: هذه حركة بنية.
وفي الحرف نحو رُبَّةَ وثُمَّةَ على لغة تحريك تائيهما، وهما ولاةَ
ولعلَّة على لغة من ألحق: لعلَّ تاء ساكنة، وليس من الحروف ما أنث
بالتاء إلا هذه الأربعة فقط، لاةَ ولعلَّة .. لاتَ، أصلها: ولاةَ سيأتي
في محله، لاةَ .. لا وزيدت عليها التاء، لعل .. لعلَّة، ورُبَّة
وثُمَّة، فقط التي أنثت من الحروف، وما عداها فعلى الأصل.
وبهاتين العلامتين .. إذاً: عندنا علامتان: بتا فعلت، المراد بها تاء
الفاعل على جهة العموم الذي ذكرناه، وأتت: أي: تاء التأنيث الساكنة
أصالةً، وكلا العلامتين علامة على الفعلية، فعلية الفعل الماضي، ولا
تدخل على المضارع ولا على الأمر.
وبهاتين العلامتين وهما تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة رُدَّ على من
زعم من البصريين كالفارسي حرفية ليس قياساً على ما النافية، ليس، هل هي
حرف أو فعل أو اسم؟ لم يكن ثم قول بأنها اسم، انتهينا بالإجماع .. بقي
هل هي فعل أم حرف؟ عند الفارسي ونحوه أنها حرف، لماذا؟ لأنها لا تدل
على حدث .. ليس فيها حدث، وإنما هي لمجرد النفي، مثل ما النافية، وما
النافية حرف باتفاق.
حينئذٍ ليس مثلها، هذا نازعها شيء من جهة
المعنى، فحينئذٍ لما ثبتت لها آثار الفعلية وهو كونها ترفع وتنصب، وهذا
الأصل في الفعلية، ثانياً: كونها تتصل بها وهو الشاهد معنا .. كونها
تتصل بها تاء الفاعل، حكمنا عليها بأنها فعل: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] لست .. نقول: لست .. ليس، هذا الأصل فيها،
ليس: هذه فعل بدليل ماذا؟ بدليل اتصال تاء الفاعل بها، وتاء الفاعل لا
تتصل إلا بالفعل.
وأجاب الفارسي: بأن لحاق التاء لليس لشبهها بالفعل في كونه على ثلاثة
أحرف، وبمعنى ما كان، ورافعاً وناصباً، لكن هذا التعليل ضعيف، لماذا؟
لأنه من جهة الاجتهاد وجهة المعنى، وهنا اتصال التاء باللفظ من جهة
اللفظ، فهو منطوق به، وخاصةً مجيئه في أفصح الكلام: ((لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] .. ((لَيْسُوا سَوَاءً)) [آل
عمران:113] فهي فعل اتصل به الواو، وليس: صار مسنداً، وعلى من زعم من
الكوفيين حرفية عسى، قياساً على لعلَّ، وبالثانية رد على من زعم من
الكوفيين كالفراء اسمية: نعم، وبئس.
إذاً: ليس، وعسى، ونعم، وبئس: أفعال على الصحيح، بدليل اتصال إحدى
التائين المذكورتين تاء التأنيث أو تاء الفاعل بها، وهذا يكفي في ثبوت
فعليتها، وما قيل من التعليل أنها حرف رجاء ونحو ذلك فهذا كله مردود؛
لأنه من جهة المعنى، ولأنه اجتهاد، ولأن ما اتصل بها من الألفاظ مقدم
على المعاني، هذا هو الأصل في هذا، فاشترك التاءان في لحاق ليس وعسى ..
لست .. ليست اتصل بها التاءات، ليس وعسى، عست هندٌ مفلحةً.
((فَهَلْ عَسَيْتُمْ)) [محمد:22] تاء الفاعل، تاء الفاعل إذا كان
المخاطب واحد، تقول: صليت .. هل صليت، أليس كذلك؟ تفتح التاء، نحن
نقول: المخاطب تكون التاء مفتوحة بتا فعلت للمخاطب، ((فَهَلْ
عَسَيْتُمْ)) [محمد:22] التاء مضمومة هنا ما السر؟ لأن الميم الدالة
على الجمع يناسبها ما قبلها أن يكون مضموماً، إذاً: إذا كان المخاطب
بها جمع حينئذٍ ضمت، فهل عسيتم .. هل صليتم .. هل صمتم .. هل زكيتم؟
إلى آخره، نقول: التاء هنا تكون مضمومة.
وأما في المخاطب المفرد، هل صليتَ .. هل صمتَ .. هل زكيتَ؟ تكون
بالفتح، هذا تنبيه، إذاً: اشترك التاءان في لحاق ليس وعسى، وانفردت
الساكنة .. تاء التأنيث الساكنة بنعم وبئس، ولا تتصل بها تاء الفاعل،
أليس كذلك؟ نعمت المرأة هندٌ .. بئست المرأة دعدٌ.
وانفرد التاء الفاعل بتبارك على قولٍ، تبارك .. تباركت يا الله، وهل
تتصل به تاء التأنيث الساكنة؟ هذا محل النزاع، والظاهر أنها تتصل؛ لأنه
يقال: تباركت أسماء الله، وقيل: تبارك تقبل التائين، تقول: تباركت يا
الله، وتباركت أسماء الله.
بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي .. أتت: هذه نقول التاء: تاء
التأنيث الساكنة، وكذلك تاء الفاعل، تتصل بكل فعل ماضٍ إلا أربعة
أنواع، لا تقبل إحدى التائين البتة:
الأول: أفعال التعجب، ما أحسن زيداً .. ما أحسن عمرواً .. ما أحسن
هنداً يبقى على الأصل، أفعال التعجب لا تقبل لا تاء الفاعل ولا تاء
التأنيث.
ثانياً: حبذا في المدح، لا يقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل.
الثالث: أفعال الاستثناء، خلا وعدا وحاشا،
جاء القوم ما عدا زيداً .. ما عدا هنداً .. لا يقبل التأنيث.
الرابع: كفى، في قولهم: كفى بهندٍ، لا تقل: كفت بهندٍ؛ لأن الباء هذه
زائدة، وهندٍ ما إعرابه؟ كيف نعربه؟ كفى: فعل ماضي، بهندٍ: الباء حرف
جر زائد، وهندٍ: فاعل مرفوع، صحيح؟ فاعل مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على
آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهذا واقع في
القرآن فلا تنكروه: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3]
خالقٍ: هذا مبتدأ دخلت عليه من الزائدة، حينئذٍ، خالقٍ: مبتدأ مرفوع
بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة
حرف الجر الزائد.
((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] بشيرٍ: فاعل مرفوع، ورفعه
ضمة مقدرة على آخره، أليس كذلك؟
((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ)) [النساء:64] رسولٍ: مفعول به، ومن:
هذه زائدة .. صلة، يعني: توكيد، قل: هذا أو ذاك فلا بأس، القول
بالزيادة في القرآن إذا فهم المعنى لا بأس بها.
بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي .. ويا افعلي: بقصر ياء للوزن،
يعني: ياء المخاطبة، ويشترك في لحاقها الأمر والمضارع، إذاً: ليست خاصة
بـ: فعلي الذي هو الأمر، بل هي مشتركة بين فعل الأمر: اركعي، اركعي،
نقول: هذا فعل أمر، واتصلت به ياء المخاطبة.
أنتي تقومين، الياء هذه ياء .. ما نوعها؟ ياء المخاطبة، ولا نقول: ياء
الضمير.
ويشترك في لحاقها الأمر والمضارع نحو: قومي يا هند، وأنتي يا هند
تقومين، فهي مشتركة بخلاف تا فعلت وأتت، ولم يقل: ياء الضمير، أو ياء
المتكلم للحوقهما الاسم والفعل والحرف، مر بي أخي فأكرمني، مر بي: هذه
ياء المتكلم، دخل عليها حرف الجر، إذاً: ليست من خواص الاسم .. ليست من
خواص الفعل، مر بي: اسم مجرور بالباء، أخي: أضيف إلى الاسم، فأكرمني:
هذه ياء المتكلم في الثلاث، ياء المتكلم: مر بي أخي فأكرمني، مثال واحد
يشمل الجميع.
إذاً: ياء المتكلم ليست خاصةً بالفعل ولا بالاسم ولا بالحرف، بل يدخل
عليها الحرف وتضاف وكذلك تنصب، فأكرمني: هنا اتصلت به ياء المتكلم،
وبهذه العلامة رد على من قال بأن هاتِ: بكسر التاء، وتعالي: بفتح اللام
اسما .. فعلي أمر، فهات بمعنى: ناول، وتعالي بمعنى: أقبل أو تعال، هذه
الأفعال هاتي وتعالَ هل هما اسما فعْلِ أمر، أو فعْلُ أمر؟ الصواب
الثاني، بدليل ماذا؟ تقول: هاتي يا هند، وتعالي يا هند، قبل الياء على
الصحيح، والصحيح أنهما فعلا أمر مبنيان على حذف حرف العلة إن خوطب بهما
مذكر، وعلى حذف النون إن خوطب بهما مؤنث، فقوله: ويا افعلي، أي: لا
خصوص للاحقة للأمر وإن أوهمته العبارة، بل لا بد من التعميم كما ذكرناه
سابقاً.
يا افعلي: ياء مضاف، وافعلي: مضاف إليه، هل المضاف إليه قيد في المضاف،
هل هو قيد، يعني: ياء افعلي متصلة بفعل الأمر احترازاً عن غيره، أم أنه
لبيان الواقع؟ لبيان الواقع، لماذا؟ لأن هذه الياء ليست خاصة بفعل
الأمر بل بتدخل الفعل المضارع.
ونونِ أقبلنَّ .. ونونِ بالجر، عطفاً على
تاء، يعني: بنون أقبلن، يعني: ونون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة نحو:
أقبلن، أقبلنَّ: هذا فعل أمر اتصلت به نون التوكيد الثقيلة، هل اتصال
نون التوكيد الثقيلة خاص بفعل الأمر؟ الجواب: لا، وإن أوهمته عبارة
المصنف، بل هو عام، لا خصوص هذا الفعل، لماذا؟ لأنه يدخل الفعل
المضارع: ((لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)) [يوسف:32]
ونحو: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] وقد اجتمعا في قوله: ((لَيُسْجَنَنَّ
وَلَيَكُوناً)) [يوسف:32].
وأما لحاقها اسم الفاعل في قوله:
أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا
وقوله:
أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُوْدَا
، فهذا شاذ لا يعول عليه، يعني: يحفظ ولا يقاس عليه، وسهَّلَه مشابهته
للمضارع لفظاً ومعنىً.
إذاً: هذه أربع علامات للفعل، لكن المصنف هنا قال: فعل ينجلي، بهذه
المسائل، بهذه العلامات، هل أراد خصوص فعل، أم أطلقها مشتركة ثم فصل
بعد ذلك؟ الثاني، ولذلك نقول: فعل هنا: المراد به المصدقات، بقطع النظر
عن كونه مضارعاً أو ماضياً أو أمراً، فعل: قلنا: هذا اسم، أليس كذلك؟
اسم لكلمة مخصوصة يصدق على أي شيء؟ على الأفعال الماضية والأفعال
المضارعة والأمر، هل هنا عين نوعاً واحداً من هذه الأنواع؟ الجواب: لا،
لأنه سيأتي:
فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ ...
وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ...
فأجمل أولاً ثم فصل ثانياً.
فِعْلٌ يَنْجَلِي: .. يعني: يظهر بما ذكرناه، قال السيوطي في جمع
الجوامع: جميع ما ذكره الناس من علامات الفعل بضع عشرة علامة، وهي: تاء
الفاعل أولاً، ثانياً: ياؤه، ثالثاً: تاء التأنيث الساكنة، رابعاً: قد،
خامساً: السين، سادساً: سوف، سابعاً: لو، ثامناً: النواصب لن .. يعني:
لن وأخواتها، تاسعاً: الجوازم، عاشراً: أحرف المضارعة، على الصحيح وإن
أنكرها ابن هشام، الحادي عشر: نونا التوكيد، ثاني عشر: اتصاله بضمير
الرفع البارز، ثالث عشر: لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، سيأتي:
وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ، ثالث عشر: لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية،
رابع عشر: تغيير صيغته لاختلاف الزمان.
هذه أربع عشرة علامة، أكثر ما قيل في ما يميز الفعل عن قسيميه الاسم
والحرف هو وجود واحد من هذه العلامات، لكن لا يشترط أن توجد بالفعل ولا
يشترط أن يقبل الفعل كل العلامات، بل قد يقبلها بعضها والبعض لا يقبله
كما ذكرناه في الاسم.
فمعنى البيت: ينجلي الفعل بتاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة، وياء
الفاعلة، ونون التوكيد، حينئذٍ جعل البيت .. قال: ينجلي، جملة فعلية أو
اسمة؟ فعلية، لو أردناه جملة اسمية، نقول: الفعل ينجلي بتاء الفاعل،
على الإعراب الذي ذكرناه، وهو لم يجعله على الإعراب المشهور.
ينجلي الفعل، يعني: يظهر وينكشف ويتميز عن قسيميه الاسم والحرف بتاء
الفاعل، وما عطف عليه.
سِوَاهُمَا الْحَرْفُ .. سوى ماذا؟ سوى الاسم والفعل، لكن هذا غلط،
لماذا؟ لأن سواهما، الحرف .. سوى الاسم والفعل هذا معلوم؛ لأنه قال:
وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ .. علم من
هذا التركيب أن الحرف سوى الاسم والفعل، صحيح؟ إذاً: سواهما الحرف ..
يعني: سوى الاسم والفعل بهذا التقدير نقول فيه نظر، ليس بصحيح، لماذا؟
لأنه لا فائدة فيه، وإنما يكون تكراراً مع ما سبق؛ لأن سوى الاسم
والفعل معلوم من قوله: واسم وفعل ثم حرف، ولا شك أن الاسم سوى الفعل،
وأن الفعل سوى الاسم، يعني: غيره؛ لأن سوى بمعنى: غير، وكذلك الحرف سوى
الاسم والفعل.
لكن المراد هنا سواهما الحرف، أي: سوى قابلي العلامات، لا بد من
التقدير، سوى قابلي العلامات التسع المذكورة؛ لأنه ذكر خمساً للاسم
وأربعاً للفعل فهي تسعة، ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل
–الحرف-، هذا مراد المصنف، هو يريد أن يبين ماذا؟ هل أراد أن يبين أن
الحرف قسم للاسم والفعل، أم ما يميز لنا الحرف عن غيره؟ الثاني، وإذا
فسرنا سواهما: سوى الفعل والاسم حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهذا نقول:
فاسد؛ لأن تميز الحرف عن الاسم والفعل بذاته هذا معلوم مما سبق، وإنما
المراد هنا: ذكر علامة تميزه عن غيره.
فقال: علامة الحرف عدمية، هذا مراده، سوى، يعني: غير، قابلي علامات
الاسم والفعل التسع المذكورة فهو الحرف، فما مر بك من لفظ ولا تدري هل
هو اسم أو فعل أو حرف أدخل عليه علامات الاسم، فإن قبلها أو قبل واحداً
منها فاحكم باسميته، فإن لم يقبل شيئاً من علامات الأسماء تأتي إلى
المرتبة الثانية: تدخل عليه شيئاً من علامات الفعل، فإن لم يقبل شيئاً
من علامات الفعل فاحكم عليه بأنه حرف، لماذا؟ لأن القسمة ثلاثية حصر لا
رابع لها، إذا انتفى كونه اسماً وانتفى كونه فعلاً تعين الثالث، وهو
أنه حرف، ولذلك نقول هنا: العلامة عدمية، لكنها ليست عدماً مطلقاً بل
عدماً مقيداً، يعني: ما لم يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل.
العدم المطلق لو أحلناه على شيء مجهول غير معروف، قلنا: لا يقبل
علامةً، علامة ماذا؟ هذا عدم مطلق، لا يصح أن يكون علامةً على الحرف؛
لأن الحرف موجود، والعدم كاسمه عدم ليس بشيء، فكيف يجعل العدم الذي ليس
بشيء علامةً على وجود الحرف؟ نقول: هذا في العدم المطلق، أما في العدم
المقيد بانتفاء علامات الاسم أو علامات الفعل فهو وارد ولا إشكال فيه.
ولذلك قال الحريري هناك:
والحرفُ ما ليستْ لهُ عَلامَهْ ... فَقِسْ على قَولي تَكُنْ عَلامَهْ
الحرف ما ليست له علامة وجودية، لا بد من التقدير، ليس المراد ما ليس
له علامة؟ لا، له علامة لكنها علامة عدمية مقيدة، واضح هذا؟ إذاً:
سواهما الحرف .. سواهما، أي: سوى قابلي العلامات التسع المذكورة الحرف،
ما إعراب سواهما الحرف؟ مبتدأ وخبر، سوى: معرفة أو نكرة، والحرف: معرفة
أو نكرة؟ سواهما على قولكم معرفة، والحرف معرفة، وحينئذٍ يجوز الوجهان.
إذا كان كل منهما معرفة، نقول: يجوز الوجهان، لكن الأولى أن يجعل الحرف
مبتدءاً، وسواهما: خبراً مقدماً؛ لأن الذي تحدث عنه ويتكلم عنه هو
الحرف، فإذا كان كذلك فهو المحكوم عليه، وهو أولى.
فإن قيل: ابن مالك رحمه الله يرى أن سوى،
بمعنى: غير، وأن غير لا تتعرف بالإضافة، فحينئذٍ كيف نجعل: سواهما
معرفةً ونجوز الوجهين؟ عرفتم الإشكال، سوى .. سواهما، قلنا: هذه نكرة
مضافة إلى الضمير فاكتسبت التعريف، هذا الظاهر، ولكن سوى كغير، وغير لا
تتعرف بالإضافة، هل سواهما معرفة هنا أو لا؟ معرفة، ليس بمعرفة ..
القاعدة صحيحة، لكن يستثنى في المضاف الذي تضاف إليه غير ولا يكون
معرفاً لها ألا تقع بين ضدين، فإن وقعت بين ضدين فحينئذٍ اكتسبت
التعريف.
الحركة غير السكون، الحركة: هذا مبتدأ، وغير: خبر، وهو مضاف والسكون
مضافاً إليه، السكون مضاف إليه معرفة أو لا؟ معرفة، وغير: نكرة، هل
اكتسبت النكرة المضاف هنا غير التعريف من المضاف إليه أم لا؟ اكتسبته،
لماذا؟ لأنها وقعت بين ضدين، أما لو قيل: زيد غير عمروٍ، اكتسبت
التعريف؟ لا؛ لأنها ليست بين ضدين، فغير عمرو، غير: مضاف، وعمروٍ: مضاف
إليه وهو معرفة علم، لكن غير ما زالت نكرة لم تكتسب التعريف، هذا سيأتي
في محله.
هنا: سواهما، سوى هل أضيف إلى ما هو ضد للاسم والفعل؟ سواهما، يعني:
سوى الفعل والاسم، يعني: سوى قابلي علامات الاسم والفعل، إذا كان
التقسيم محصوراً في ثلاثة أنواع فحينئذٍ صارت القسمة مقابلة: اسم وفعل
يقابلها الحرف، مثل الحركة والسكون، فإذا كان كذلك حينئذٍ صح أن يقال:
بأن سوى هنا اكتسبت التعريف من الضمير، وهذا هو الظاهر.
إذاً: سواهما الحرف، قال: كهل، سواهما، أي: أي سوى قابلي العلامات
التسع المذكورة الحرف، وسواهما: خبر مقدم، والحرف مبتدأ مؤخر؛ لأنه
المحدث عنه فهو المبتدأ، وقلنا: التسع المذكورة لماذا؟ لأننا لو عممنا
في العلامات وجعلناها شاملةً للعلامات التي لم تذكر هنا لكان في الكلام
إحالة على مجهول، يعني: لماذا نقول: التسع، سوى قابلي العلامات التسع؟
لأننا لو قلنا: سوى قابلي علامات الأسماء والفعل، قلنا: الأسماء
علاماتها أكثر من ثلاثين، وهذه أكثر من الأربعة التي ذكرها المصنف،
ففيها إحالة على مجهول، لكن نقول: هذه الإحالة مغتفرة هنا؛ لأنها إحالة
على المُوَقِّفْ، يعني: المعلِّم، كما ذكرناها، فإن قيل: من الأسماء ما
لا يقبل شيئاً من هذه التسع كقط وعوضُ، قلنا: هذا ليس بمطرد، يعني:
العلامة هنا ليست بمطردة قد يقبل بعضها علامات ولا يقبل الآخر، بل قد
لا يقبل علامةً البتة، حينئذٍ إذا لم يقبل علامةً البتة رجعنا إلى
الحد.
بعض الأسماء قد لا يقبل شيئاً من العلامات، هل عدم قبوله لشيء من
العلامات ينفي اسميته؟ نقول: لا، لماذا؟ لأن عندنا شيئين يميز الاسم عن
الفعل والحرف، أولاً: الحد فنطبق الحد، فإن دل اللفظ على معنىً غير
مقترن بزمان صدق عليه أنه اسم، ولو لم يقبل شيئاً من العلامات، كذلك
القول في الفعل.
سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ
كهل، يعني: وذلك كهل، قسم لنا الحرف إلى ثلاثة أقسام؛ لأن الحرف الذي
هو حرف معنى، إما أن يكون مشتركاً بين الاسم والفعل، يعني: يدخل على
الاسم، ويدخل على الفعل، مثل له بهل .. كهل: ((فَهَلْ أَنْتُمْ
شَاكِرُونَ)) [الأنبياء:80] جملة اسمية، ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ))
[المائدة:112] جملة فعلية، إذاً: هل: مشتركة بين الاسم والفعل، تدخل
على الاسم وتدخل على الفعل.
وفي .. هذا إشارة إلى الحرف المختص، والمختص قسمان: مختص بالاسم كـ:
في، ومختص بالفعل كـ: لم، إذاً: هذا التعداد هو مقصود لبيان هذه
الأنواع الثلاثة، أن الحرف ثلاثة أنوع على جهة التفصيل: حرف مشترك وحرف
مختص بالاسم كـ: في، وحرف مختص بالفعل، ثم كل من هذه الثلاث إما مهمل
وإما عامل فالنتيجة ستة.
حرف مشترك عامل.
حرف مشترك غير عامل –مهمل-.
حرف مختص عامل.
وحرف مختص بالاسم غير عامل، مختص بالاسم عامل.
حرف مختص بالفعل وهو مهمل غير عامل.
وحرف مختص بالفعل وهو عامل.
هذه كلها ستة، ولذلك أشار إليها بقوله:
كهل وفي ولم .. كهل: الكاف هذه حرف، وهل: حرف، وسبق أن الحرف لا يدخل
إلا على الاسم، حرف كاف، كيف دخل على: هل؟ قصد لفظه، إذاً: صار علماً
.. صار اسماً، هل هنا اسم، فالكاف: حرف جر، وهل، نقول: اسم مجرور
بالكاف، قصد لفظه، مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها
اشتغال المحل بسكون الحكاية، وهنا قد أتى به ساكنة.
سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ ... فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي
لَمْ كَيَشَمْ
الأفعال ثلاثة: إما مضارع، وإما ماضٍ، وإما أمر، وهذا التقسيم باعتبار
الزمن لا باعتبار شيء آخر، فالأفعال باعتبار أنواعها لا باعتبار صيغها
إذ هي لا تنحصر ثلاثة، أي: الأفعال من حيث الزمن لا بالنظر إلى غيره؛
لأن الأفعال باعتبار التجرد وعدمه تنقسم إلى قسمين، وباعتبار التمام
والنقصان تنقسم إلى قسمين، إذاً: لها اعتبارات مختلفة، ولكن باعتبار
الزمن تنقسم إلى ثلاثة، ودليله التتبع والاستقراء.
فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ:
فِعْلٌ هذا مبتدأ، ومضارع: هذا نعته صفة له، يلي، يعني: يتبع، والجملة
في محل رفع خبر المبتدأ، كيشم: هذا مثاله، وذلك كيشم .. فهو خبر لمبتدأ
محذوف،
فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ
بمعنى: أن المضارع يتميز عن أخويه الماضي والأمر بقبوله للم، ولم: هذه
حرف نفي وجزم وقلب، كيشم، يعني: مثل هذا الفعل يشم .. يشَم: بفتح الشين
مضارع شمِمْتْ الطيب بالكسر من باب علم يعلم، شممت يشم، وهذه اللغة
الفصحى، وجاء أيضاً من باب ينصر ينصر، حكاهما الفراء وابن الأعرابي.
هل هذا المثال لفعل مضارع دخلت عليه: لم، أم لا؟ قالوا: هذا تأخير من
تقديم، والأصل:
فِعْلٌ مُضَارِعٌ كَيَشَمْ يَلِي لَمْ
إن وليه حينئذٍ حكمنا عليه بأنه فعل مضارع،
وأما في هذا التركيب؛ لأنه لو أراد الفعل المضارع الجزم عليه بأنه فعل
مضارع، قال: كلم يشم، فأدخل عليه لم، لكن نقول: هذا تأخير من تقديم،
فعل: مبتدأ، ومضارع: نعته، وخبره: الجملة يلي، وقوله: كيشم مثال
للمضارع قبل دخول لم، لا للمضارع بعد دخول لم، لماذا؟ لأنه متأخر من
تقديم، والأصل: فعل مضارع كيشم يلي لم، لا مثال للمضارع المقترن بلم،
إذ لو كان كذلك لقال: كلم يشم، وهذا واضح بين.
إذاً: فعل مضارع يختص بلم، وهذه لم كما قلنا: حرف نفي وجزم وقلب، نفي:
لأنها تنفي الحدث، لم يضرب زيدٌ عمرواً، لم يضرب نفت الحدث وقوعه،
وجزم: لأنها تعمل الجزم في الفعل المضارع، وقلب: لأنها قلبت الزمن من
الحال إلى الماضي، ولذلك سبق أن: لم يضرب: هذا ماضٍ من جهة المعنى، لا
من جهة اللفظ، أما في اللفظ فهو مضارع.
فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ
وهل يتميز الفعل المضارع بغير لم؟ الجواب: نعم، ولذلك ابن هشام رحمه
الله في قطر الندى جعل هذه علامةً تبعاً لابن مالك، وابن مالك هنا ميز
الفعل المضارع عن الماضي والأمر بلم، ولم يجعله متميزاً عنهما بحروف
أنيت، والصحيح أن تمييز الفعل المضارع بحروف أنيت أولى من تمييزه بلم،
على خلاف ما قرره ابن هشام هناك رحمه الله تعالى.
وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ... بِالنُّونِ فِعْلَ
الأمْرِ إِنْ أمْرٌ فُهِمْ
هذا داخل في الأبيات السابقة؛ لأنه عمم أولاً قال:
بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ
يَنْجَلِي
فِعْلٌ سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو أمراً، أراد أن يفصل لنا كل فعل،
ما الذي يدخل عليه من تلك العلامات، فبدأ بالمضارع، وقدمه على الماضي
والأمر لشرفه بالإعراب كما سيأتينا في قوله: وَأَعْرَبُوْا
مُضَارِعَاً، ولم سمي الفعل مضارعاً، وما وجه إعرابهم؟
ثم ثنى بالفعل الماضي للاتفاق على أنه مبني بين الكوفيين والبصريين،
وثلث بفعل الأمر لوجود الاختلاف بين الطائفتين، يعني: الكوفيين
والبصريين.
وَمَاضِيَ الأفْعَالِ .. الإضافة هنا على معنى: من التبعيضية، يعني:
الماضي من الأفعال؛ لأن الأفعال ماضي وغيرها، فحينئذٍ لا بد من
التقدير، وماضي الأفعال، يعني: الماضي من الأفعال، إذ ليس كل الأفعال
فعل ماضي، وماضي بالنصب على أنه مفعول به لقوله: مز.
مِز: هذا فعل أمر، من ماز يميزه، يقال: مزته فامتاز وميزته فتميز،
يعني: يكون مخففاً ويكون مثقلاً، مز، أي: علم وميز وافصل ماضي الأفعال:
الماضي من الأفعال، بالتاء، أي تاء؟ تاء فعلتَ وتاء أتتْ، إذاً: أل هذه
ماذا نسميها؟ أل: عهدية، والمعهود التاءان؛ لأن الشيء إذا كان نكرةً
وأعيد معرفةً فهو عين الأولى، وهو قال: تاء فعلت، وتاء أتت، نكرة؛ لأن
تاء نكرة، وفعلت هذا نكرة، فحينئذٍ هل قوله: بالتاء يحمل على أن التاء
هنا للعهد، يعني: عهد تاء الفاعل دون تاء التأنيث، أو تاء التأنيث دون
تاء الفاعل .. هل المعهود أحد التائين أم الثنتان؟ الثنتان، لماذا؟ لأن
الفعل الماضي يختص بتاء الفاعل، ويختص بتاء أتت.
فحينئذٍ إذا قيل: أل للعهد لا يلزم منه
الاكتفاء بأحد التائين دون الأخرى، بل المراد بالعهد هنا جنس التاء
الصادقة بتاء الفاعل، وتاء التأنيث، إذاً: أل للعهد الذكري، والمعهود
التاء المتقدمة بنوعيها، أي: تاء فعلتَ وتاء أتت، فالمعهود حينئذٍ
أمران: تاء الفاعل وتاء التأنيث.
مِز ماضي الأفعال بالتاء، وسم فعل الأمر بالنون، أي نون؟ ونون أقبلن،
التي هي نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، سم يعني: علِّم، فعل الأمر بنون
التوكيد الثقيلة .. اجعله علامةً عليه، متى؟ قيده: إن أمر فهم، يعني:
إن فهم أمر فهم، من باب قوله: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6].
إنْ أَمَرٌ .. إن: حرف شرط، وحرف الشرط لا يليه إلا الفعل، أين الفعل
هنا؟ نقول: محذوف وجوباً، يفسره الفعل المذكور بعده، ولذلك نقول: من
باب: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6]
والأصل: وإن استجارك أحد من المشركين، فحينئذٍ هذا الفعل المحذوف
وجوباً هنا لوجود المفسر، نقول: فسره هذا اللفظ، هذا مثله: وإن .. إن
أمر فهم، ما المراد بالأمر هنا؟ هل المراد به الأمر الاصطلاحي، أو
الأمر اللغوي؟ الثاني، والمراد بالأمر اللغوي هو الطلب، يعني: إن أمر
فهم: إن طلبٌ فُهِم من اللفظ بصيغته، لا بد من هذا التقييد، إن أمر
فهم، يعني: إن طلب فهم من اللفظ بصيغته، فالعلامة حينئذٍ مركبة من
شيئين: قبوله نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، مع دلالته على الطلب.
بصيغته: احترازاً مما لو قبل النون ودل على الطلب بواسطة، مثل ماذا؟
((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ)) [الطلاق:7] لينفق: نقول: لينفق، هذا طلب أو
لا؟ طلب لا شك، لكنه هل هو بالصيغة أو بواسطة؟ الثاني، وهي دخول لام
الأمر على الفعل؛ لأن أصله: ينفق، ليس فيه طلب، لما دخلت عليه اللام
لام الأمر أفاد الطلب.
إذاً: لا يكون أمراً اصطلاحياً إلا إذا دل اللفظ عليه بذاته بصيغته،
فإن كان بواسطة فحينئذٍ يمتنع كونه فعلاً، يعني: فعل أمر.
وسِمْ بالنون، قلنا: أل هذه للعهد الذكري، أي: قبولها، بالنون المذكورة
سابقاً، أي: نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، إن أمر فهم من اللفظ، أي:
من صيغته، فلا يرد المضارع المقرون بلام الأمر؛ لأن انفهام الطلب ليس
من صيغة المضارع بل من اللام.
ثم قال:
واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ
نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ
في الأفعال السابقة: كل ما دل على معنى الفعل الماضي ولم يقبل علامته
فهو اسم فعل ماضي، وكل ما دل على معنى المضارع ولم يقبل علامته فهو اسم
فعل مضارع، وكل ما دل على الأمر الطلب ولم يقبل علامته فهو اسم فعل
أمر، إذاً: ثلاثة أشياء: اسم فعل ماضي، واسم فعل أمر، واسم فعل مضارع.
الناظم هنا لم يذكر إلا نوعاً واحداً، لماذا؟ لكثرته، ترك اسم الفعل
المضارع، وترك اسم الفعل الماضي، كهيهات، وشتان، لماذا؟ لقلته، أما اسم
فعل الأمر فهو كثير ولذلك ذكره:
واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ
نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ
قلنا: ذكر في هذا البيت ما يتعلق باسم فعل
الأمر دون أخويه، لماذا؟ لكثرته، وأما اسم فعل الماضي والمضارع، فهذا
لقلته لم يعرج عليه الناظم، وسيأتي باب خاص باسم الفعل، وستأتي أحكامه
المتعلقة به هناك، وهنا المراد التنبيه على اسم فعل الأمر، والأمر، ما
المراد به الأمر الاصطلاحي أو اللغوي؟ والأمر إن لم يك للنون محل ..
يعني: لا يقبل نون التوكيد، إذاً: انتفت عنه العلامة، دل من جهة المعنى
على ماذا؟ على ما يدل عليه الأمر الاصطلاحي، وهو الطلب، إن أمر فهم:
وجد هذا القيد، صه، نقول: وجد فيه القيد وهو الدلالة على ماذا؟ على
الطلب، اسكت، لكن هل يقبل نون التوكيد؟ الجواب: لا، إذا دل على معنى
الفعل ولم يقبل علامته فحينئذٍ نقول: هو اسم وليس بفعل.
والأمر، يعني: الأمر اللغوي، أي: الطلب، لكن لا بد هنا من التقدير؛ لأن
الأمر معنى من المعاني، وهو قال في الخبر عنه: هو اسم، وهذا حكم على
اللفظ، الأمر يعني: الطلب، الأمر: مبتدأ، إن لم يك للنون محل: جملة
معترضة الشرط، هو اسم، الجملة من المبتدأ والخبر خبر عن المبتدأ.
الأمر: هو اسم، المخبر عنه معنى، وهو الطلب، والخبر لفظ، ليس بينهما
تطابق، لا بد من التقدير في الأول، فنقول: دال الأمر، يعني: ما يدل على
الأمر، وهو اللفظ، صه: هذا دال على الطلب، فحينئذٍ صح التطابق بين
المبتدأ والخبر.
والأمر، أي: اللفظ الدال على الطلب بنفسه، فخرج لام الأمر؛ لأن دلالة
الحرف بغيره، وفي كلام المصنف هنا: والأمر حذف مضاف، أي: دال الأمر،
وأن المراد بالأمر: الأمر اللغوي لا الاصطلاحي فلا منافاة بين المبتدأ
والخبر.
إن لم يك، وأصلها: يكن، حذفت النون هنا تخفيفاً:
وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ
مَا الْتُزِمْ
سيأتينا إن شاء الله في محله، للنون، يعني: السابقة نون التوكيد
الثقيلة والخفيفة، محل: يعني: حلول فيه، فهو مصدر ميمي، إن لم يك للنون
محل، يعني: حلول وقبول للكلمة مع دلالته على الطلب، فيه: يعني: في نفس
اللفظ، هو اسم، لم يقل: هو اسم فعل أمر، بل قال: هو اسم، لماذا؟ لأنه
قد يكون مصدراً، ضرباً زيداً (فَصَبْراً فيِ مَجَالِ المَوْتِ
صَبْراً)، يعني: اصبروا، صبراً: هذا مصدر دل على الطلب أو لا؟ صبراً ..
ضرباً زيداً .. ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] نقول: هذا معناه:
اضربوا، صبراً معناه: اصبروا، إذاً: دل على الطلب، ولم يقبل النون، هو
مصدر، وليس باسم فعل أمر، ولذلك أطلقه ولم يقيده وإنما مثَّل باسم فعل
الأمر كمثال فحسب.
نحو صه، بمعنى: اسكت، هذا دال على الطلب ولا يقبل نون التوكيد الثقيلة
ولا الخفيفة، فحينئذٍ نقول: هو اسم فعل أمر؛ لأنه دل على معنى فعل
الأمر ولم يقبل علامته.
وحيهل، حيهلا .. حيهلل ثلاث لغات، فحينئذٍ نقول: حيهل، بمعنى: أقبل أو
عجل أو قدم، هنا دل على معنى فعل الأمر، وهو الطلب، المعنى اللغوي،
لكنه لم يقبل علامته من حيث قبول النون، فنقول: هو اسم فعل أمر.
كلا، بمعنى: انته، دل على الطلب أو لا؟ دل
على الطلب، هل يقبل هذا الحرف نون التوكيد؟ نقول: لا؛ لأنه من علامة
الأفعال، فحينئذٍ قوله: هو اسم هذا يشمل المصدر ويشمل اسم فعل الأمر،
مثَّل للثاني وترك الأول لشهرته.
واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ .. يعني: حلول، فيه فهو
مصدر ميمي، فيه هو اسم .. يعني ليس بفعل أمر، بل هو اسم، نحو صه وحيهل،
نحو، يعني: مثل، وذلك نحو .. والمثال قد يكون بجزء من اللفظ كله، فإذا
قيل: هو اسم، الاسم يصدق على اسم فعل الأمر، والاسم يصدق على المصدر
فحينئذٍ التمثيل بنوع لا يلزم منه انتفاء النوع الثاني، بل هو اسم، إما
مصدر نحو: فنذلاً زريق المال، أي: انبذ وإما اسم فعل نحو: صه، فإن
معناه: اسكت، وحيهل، ومعناه: أقبل أو قدِّم أو عجِّل، الأمر مبتدأ
وقوله: هو اسم خبره وجواب الشرط محذوف دل عليه المذكور، ولذلك قال هنا:
فصه وحيهل، اسمان وإن دلا على الأمر، لعدم قبولهما نون التوكيد، فلا
تقول: صهَّنَّ، ولا حيهلنَّ .. لا تقبلهم.
لكن ابن هشام رحمه الله في أوضح المسالك انتقد المصنف في التمثيل بصه
وحيهل، قال: الأولى أن يمثل بنزال ودراك، لماذا؟ لأن صه وحيهل علمت
اسميتهما بقوله: بالجر والتنوين، صحيح؟ بالجر والتنوين، قلنا: مراد
المصنف أربعة أنواع منها: تنوين تنكير وهو الداخل لنحو صه، وحيهلاً،
إذاً: من ذاك الموضع علم أن صه اسم وليس بفعل، وأن حيهل اسم وليس بفعل،
إذاً: هنا قوله: نحو صه وحيهل، يعتبر تكراراً أو لا؟ يعتبر تكراراً،
فلذلك قال: لو مثَّل بنزال ودراك، قال: فإن قبلت الكلمة النون ولم تدل
على الأمر فهي فعل مضارع نحو: ((لَيُسْجَنَنَّ)) [يوسف:32] والعكس
كذلك، اسم فعل أمر كنزال ودراك، بمعنى: إنزل وأدرك، قال ابن هشام: وهذا
أولى من التمثيل بصه وحيهل، فإن إسميتهما معلومة مما تقدم، لكونههما
يقبلان التنوين.
وسيأتي مزيد البحث عن أسماء الأفعال في محله.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
|