شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* الوجه الاول في شبه الإسم بالحرف. . (الوضعي) ـ
* الوجه الثاني (المعنوي) ـ
* الوجه الثالث (النيابي) ـ
* الوجه الرابع (الإفتقاري) ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
- هذا يقول: أجاب بعضهم عن اعتراض ابن هشام على الناظم بكونه قدم
المعرب على الإعراب بأنه إجراء الإعراب على الكلمة.
- ما ذكرنا شيء من هذا، .. هل اعترض ابن هشام على الناظم؟ .. ما ذكرت
شيء، ذكرت .. ؟ نعم صه وحيهل، نعم هذا اعتراض صحيح، ليس باعتراض يعني
بالمفهوم الأخص، لكن الأولى أن يمثل بشيء لا يدل عليه ما سبق، هذا
المراد، الأولى عبر بالأولى والله أعلم، ونقلته هو الأولى أن يعبر
بكذا، يمثل بكذا ..
- جعل الإسناد أقوى علامات الاسم،
- ماذا فيه؟
- إذا ورد السؤال: من الذي يشرح لنا الألفية، فقال: أنا، ألا يكون
مسنداً؟
- الظاهر لا، أنا الذي أشرح الألفية ..
- إذا تردد أن يكون المبتدأ أعرف .. إذا ورد لفظان معرفتان وأحدهما
أعرف من الآخر.
- حينئذٍ يجعل الأعرف مبتدءاً، وما دونه خبر، أنا الذي أشرح الألفية،
الذي يشرح الألفية أنا، أنا: مبتدأ، والذي: هذا يعتبر خبراً، نعم ولذلك
قال ابن هشام: وهذا أولى من التمثيل بـ (صه وحيهل)، أولى ليس باعتراض،
من باب التوجيه فقط.
- يقول: لماذا لا نقدر في قول المصنف كهل: اسم محذوف تقديره كقولك هل؟
- هو يجوز فيه وجهان: إذا أبقيناه على حاله أنه حرف، يعني: هل أنه حرف
حينئذٍ الحرف لا يدخل على الحرف، ويقال: كقولك: هل، وهذا مثله:
كتَسْعَدُ:
ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذا يُجرَّدُ ... مِن نَاصِبٍ وَجَازمٍ كتَسْعَدُ
تَسْعَدُ هذا فعل دخل عليه الكاف، لك وجهان: إما أن تقول: تسعد صار
علماً، فدخلت الكاف على علم لا إشكال، وإما أن تقول: تسعد، هندٌ تسعد
تقدر أنه خبر لمبتدأ، وحينئذٍ لا بد من التأويل كقول: دخلت الكاف على
محذوف .. على قول مقدر، كقولك هندٌ تسعد.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على بنينا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين، أما بعد:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ:
وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ
مُدْنِي
أراد رحمه الله تعالى بهذا البيت أن يقرر لنا قاعدة، وأن الاسم الذي
ذكر أولاً في تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل ثم حرف، أنه ينقسم إلى قسمين،
وذلك بعد تركيبه في جملة مفيدة، إما معرب وإما مبني، والأصل فيه
الإعراب والبناء فرع عنه، وما جاء عن الأصل لا يسأل عنه: لم جاء عن
الأصل؟ وأما ما جاء على خلاف الأصل فحينئذٍ يقال: لم بني الاسم؟ فيقال:
لعلة عند المصنف وهي شبه الحرف.
وشبه الحرفُ قسْمَان:
شبهٌ قويٌّّ مُدْنِي، وشَبَهٌ فيه نَوعُ ضعفٍ، هل كل شبه يعتبر موجباً
للبناء؟ الجواب: لا، بل لا بد أن يكون الشبه قوياً فحينئذٍ إذا كان
قوياً نقول: حصل وجه شبه في الاسم فألحق بالحرف فبني مثله، وأما إذا
وجد شبه ضعيف ولكنه ضعيف، وضابطه أنه اعترض له ما هو من خواص الأسماء،
يعني: لحقه ما هو من خواص الأسماء، فحينئذٍ نقول: هذا وجد فيه شبه
بالحرف إلا أنه لوجود ما هو من خاصية الأسماء أبعده عن مشابهة الحرف،
وهذا نقول: شبه نعم موجود وثابت، لكنه ضعيف.
هل هذا النوعُ يوجبُ البناءَ؟ الجواب: لا،
ثم اعلم أن البناء الذي تحدث عنه هنا المراد به البناء الواجب، الاسم
من حيث البناء وعدمه قسمان: بناءٌ واجبٌ ذاتي، أول ما وضع هكذا، هذا
الذي يتحدثون عنه، وأما البناء العارض الذي يكون في حالة مبني، وفي
حالة معرباً هذا سيأتي في باب الإضافة، سيأتي معنا في باب الإضافة، ذاك
على جهة الجواز حينئذٍ لا يشترط فيه عند بعضهم ومنهم المصنف أن يكون
لشبه الحرف، بل لأمر آخر، ما وجه الشبه، أو أوجه الشبه؟ نص المصنف على
أربعة أو ثلاثة منها، قال:
كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بلا ... والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي
هُنَا
تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا
كالشَّبَهِ: الكاف هذه، هل هي تمثيلية أو استقصائية؟ إن كان ثم غير هذه
الأسباب يعتبر سبباً موجباً للبناء فحينئذٍ صارت الكاف تمثيلية، يعني:
ذكر لك أمثلةً لوجه الشبه وترك لك بعضاً، وإذا كان لا يوجد من أوجه
الشبه إلا هذه المذكورة ولا يوجد غيرها فحينئذٍ نقول: هذه الكاف
استقصائية، ولذلك تقول: أولو العزم من الرسل كموسى عليه السلام، الكاف
هذه تمثيلية، وإذا قلت: خاتم الرسل كمحمد صلى الله عليه وسلم هذه
استقصائية؛ لأنه لا يوجد غيره عليه الصلاة والسلام.
وهنَا ظَاهِرُ كلامِ المصنفِ أنها تمثيليةٌ لا استقصائيةٌ؛ لأنه زاد
نوعين في الكافية: الشبه اللفظي، والشبه الاستعمالي، سيأتي في موضعه،
إذاً: الكاف هذه نقول: تمثيلية، كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ .. الشبه: جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف.
لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي: وذلك الشبه شبه الحرف كالشبه
الوضعي، صار خبراً لمبتدأ محذوف، كالشبه الوضعي، هذا هو النوع الأول،
والثاني: أشار له بالمعنوي، والثالث: إذا جعلناه عاماً، جعل تحته
فرعين: نيابة عن الفعل: وَكافْتِقَارٍ أُصِّلاَ، وإذا جعلنا كل واحد
مستقلاً فهي أربعة أنواع لوجه الشبه التي إذا وجدت في الاسم ألحقته
بالحرف.
كَالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ: الوضعي: هذا نسبةً إلى الوضع، وعرفنا الوضع
لأن الياء هذه ياء النسبة، وَالْوَضْعُ هُوَ: جعل اللفظ دليلاً على
المعنى، يعني: وضع ألفاظ بإزاء معاني متى ما أطلق اللفظ انصرف على ذلك
المعنى المعين الخاص، وهذا يشمل الفعل والاسم والحرف، فالفعل موضوع
بالوضع الشخصي، وكذلك الاسم موضوع بالوضع الشخصي، وكذلك الحرف موضوع
بالوضع الشخصي، وسمي وضعاً شخصياً لتعلقه بالشخص، يعني: أشخاص الألفاظ
نفسها، قام: وضعه الواضع ليدل على قيام وقع في زمن قد مضى وانقطع،
يقوم: وضعه الواضع ليدل على معنى، هذا المعنى هو وقوع الحدث في الزمن
الحال أو المستقبل على خلاف، قم: هذا وضعه الواضع ليدل على طلب حدث،
يعني: إيجاد حدث في الزمن المستقبل، من الذي وضع هذا؟ قلنا الصحيح وهو
قول الجمهور: الله عز وجل، الواضع لهذه الألفاظ في الوضع الشخصي، وكذلك
النوعي المتعلق بالقواعد الكلية التي يجري عليها النحاة الصرفييِّون
والبيانيِّون، نقول: مردها إلى الله عز وجل، فخالق اللغات كلها الله عز
وجل.
الْوَضْعِيِّ: قلنا نسبة إلى الوضع، لكن هل
المراد هنا الوضع من جهة المعنى، أو الوضع باعتبار اللفظ وعدد الحروف؟
الثاني، الثاني هو المراد، لماذا؟ لأن النحاة حكموا باستقراء كلام
العرب: أن أصل وضع الحرف أن يكون على حرفٍ هجائيٍ أو حرفين، حرفٍ واحدٍ
كـ: (لام الجرِّ)، وبائه، وهمزة الاستفهام.
والأصل في وضع الاسم أقل ما يكون عليه ثلاثة أحرف: قلنا الأصل في وضع
الحرف أن يكون على حرف واحد كـ:: (لام الجرِّ)، وبائه، وفاء العطف،
وواو العطف، وهمزة الاستفهام، أو على حرفين: كـ (لن، ولم، ولا، وهل،
وبل، وقد)، هذه الحروف أصل وضعها إما على حرف واحد هجائي، أو على
حرفين، ولا يشترط أن يكون الثاني حرف لين على الصحيح.
وأصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف وما زاد، لكن لا يقل عن ثلاثة
أحرف.
وأصل وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، فحينئذٍ ما جاء من الأسماء على
حرف أو حرفين، وكان الأصل أن يأتي وأن يوضع على ثلاثة أحرف، نقول: هنا
في الوضع أشبه الاسم الحرف؛ لأن أصل وضع الحرف أن يكون على حرف واحد
كباء الجر، أو حرفين كلن وهل، فإذا وجد في الأسماء ما هو على حرف أو
حرفين، نقول: أشبه الاسم الحرف في وضعه، هذا يسمى الشبه الوضعي، إذاً:
متعلقه ماذا؟ المعنى أو اللفظ فحسب؟ اللفظ، النظر هنا ليس إلى المعاني،
وإنما النظر إلى اللفظ بعينه فقط، ولذلك أشار ابن عقيل لقوله: فالأول
شبهه له في الوضع، يعني: شبه الاسم له .. للحرف في الوضع، كأن يكون
الاسم، -ليس كأن يكون- أن يكون الاسم موضوعاً على صورة وضع الحروف، أن
يكون الاسم موضوعاً في أصل وضعه على صورة وضع الحروف، ووضع الحروف أن
يكون على حرف أو على حرفين، فإذا وجد في الأسماء ما هو على حرف أو
حرفين حكمنا عليه بأنه مبني، لم بني خرج عن أصله؟ نقول: لكونه أشبه
الحرف، في ماذا أشبه الحرف؟ في وضعه؛ لأنه نطق به وأول ما وجد على حرف
أو حرفين.
أن يكون الاسم موضوعاً على صورة وضع الحروف على حرف واحد، كالتاء في
ضربت، التاء: حرف واحد تُ ..
الأصل في وضع الحرف أن يكون على حرف واحد، والأصل في وضع ضمير المتكلم
أن يكون على ثلاثة أحرف، هذا الأصل، حينئذٍ مجيئه على حرف واحد ضربت ..
تُ .. تُ، التاء هذه نقول: هذا الاسم مبني، لماذا بنيت التاء هنا
والأصل فيها الإعراب؟ لأنها أشبهت الحرف .. أشبهت الحرف في ماذا؟ في
الوضع، صورة الاسم وافقت صورة الحرف.
أو على حرفين، يعني: حرفي هجاء، كما هو الأصل في وضع الحروف، سواء كان
ثاني الحرفين حرف لين أم لم يكن، يعني: لا يشترط فيه كما اشترط الشاطبي
أن يكون الثاني حرف لين، الصواب أنه مطلقاً، وضع الحروف على حرفين
نقول: هذا مطلقاً، سواء كان الثاني حرف لين كما ولا، أو لا كقد وهل
وبل، الحرف الثاني هل: لا، ليس بحرف لين، وما: الألف هذه حرف لين، ولا:
الألف حرف لين، هل يشترط في وضع الحرف في أصله أن يكون على حرفين
هجائيين والثاني حرف لين لا يشترط؛ لأنه وجد هل ووجد قد، ووجد بل،
حينئذٍ حمله على أن يكون ثانيه حرف لين هذا تحكم؛ لأن المسألة اجتهادية
ونظر ليس فيها دليل، وإنما هو استنباط ليس فيه أقوال للعرب، وليس فيه
قرآن، وليس فيه سنة بينت.
فحينئذٍ نقول: هذا مرده إلى الاجتهاد، فإذا
فصل بين أمر مطرد، حينئذٍ نقول: هذا من قبيل التحكم، فإن كان ثانيه حرف
لين من الحروف مثل: ما، ولا.
ومن الأسماء التي أشبهت ما وضع على حرفين من الحروف: (نا) الدالة
الفاعلين أو الدالة على المفعولين، هذه أو تلك، نقول: نا في أكرمنا ..
نا، هذا اسم أو لا؟ اسم، ما الدليل؟ الإسناد إليه، أكرمنا، أسند إليه،
مثل: جاء زيد أسند إلى زيد، حينئذٍ نقول: أكرمنا، هذا اسم، الأصل في
الاسم أنه معرب، وهنا مبني، لم بني؟ لشبهه بالحرف، ما وجه الشبه؟ الشبه
الوضعي، لماذا؟ لأن نا اسم والأصل فيه أن يكون على ثلاثة أحرف، لكنه
وضع على صورة الحرف فأشبه الحرف، فحينئذٍ سحب حكمه البناء إلى الاسم
فبني نا.
أو على حرفين: حرفي هجا، كنا في أكرمنا، ولذلك أشار ابن مالك في قوله:
كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا .. في اسمي .. اسمين
هذا الأصل، أضيف إلى جملة جئتنا، أريد أو قصد لفظها، فاسمي مضاف وجئتنا
مضاف إليه، قصد لفظه، حينئذٍ يكون الإعراب مقدراً منع من ظهوره اشتغال
المحل بحركة الحكاية، فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا، يعني: في اسمي قولك جئتنا
وهما التاء وناء؛ لأن جئت هذا فعل ليس باسم، جئت جاء هذا الأصل، حذفت
الألف للتخلص من التقاء الساكنين، جئ: هذا فعل، تا نا: هذان اسمان، ليس
عندنا اسمان في هذا التركيب إلا التاء ونا الدالة على مفعولين.
جئتنا: التاء الدالة على الفاعل المخاطب، ونا: دالة على المفعول،
كلاهما مبنيان مع كون الأصل فيهما الإعراب، لم بنيا؟ لشبه الحرف، ما
وجه الشبه؟ الشبه الوضع، التاء أشبهت لام الجر، ونا أشبهت قد أو هل أو
نحوها، أو إن شئت قل: ما ولا؛ لأن ثانيها حرف لين.
إذاً: ما جاء من الأسماء على حرفين أو حرف، نقول: مبني، وهذا الشبه
الوضعي خاص بباب واحد في الأصل المطرد، وهو باب المضمرات، فكل المضمرات
مبنية، محل وفاق، المضرمات كلها مبنية، ما وجه الشبه في المضمرات؟
نقول: أشبه الحرف، أشبه الحرف في ماذا؟ في الوضع، طيب! كل المضمرات على
حرف أو حرفين، أما عندنا: أنا، ونحن؟ هذه على ثلاثة حروف، لم بنيت
والأصل فيها أنها أشبهت الاسم، والشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه، ولم
يأخذ إعراب الاسم كما أخذ الاسم بناء الحرف، لم يحصل فيه العكس، أولاً
نقول: بني نحن ونحوه مما زاد على حرفين، يعني: مما خرج عن أصل وضعه في
الحروف بني طرداً للباب على وتيرة واحدة.
هذه كلها علل عليلة، لكن نذكر ما يذكره النحاة، طرداً للباب على وتيرة
واحدة، يعني: بني التاء لكونه أشبه الحرف في الوضع، هذا واضح سلمنا،
بني: نا لكونه أشبه الحرف في الوضع سلمنا، لكن: نحن، وأنا، وأنت، ما
وجه البناء؟ قالوا: طرداً للباب على وتيرة واحدة، لئلا يفصل أويجزئ،
فنقول: التاء ونا مبنيان، ونحن معرب، حينئذٍ جعلنا الباب كله مبنياً،
ولماذا لم يعرب؟ إذا قلنا: القاعدة العامة عند النحاة: أن الشيء إذا
أشبه الشيء أخذ حكمه، فالاسم إذا أشبه الحرف أخذ حكمه وهو البناء،
وهنا: نحن أشبه زيد.
وأصل وضع الاسم على ثلاثة أحرف، فالحرف
أشبه الاسم، لماذا لم يعرب؟ قالوا: لأن علة الإعراب في الأسماء توارد
المعاني التركيبية عليه، وهذه ليست موجودة في الحروف؛ لأن الحروف ليس
لها علاقة بالمعاني التركيبية في الأصل، بمعنى: أن المعاني العامة
كالفاعلية والمفعولية والإضافة والإسناد إليه، وكونه مسنداً هذه معاني
عامة تركيبية لا تظهر إلا بعد التركيب، هذه هل تتوارد على الحرف؟ لا،
لا تتوارد على الحرف.
إذاً: لم يعرب (نحن) ونحوه لعدم وجود علة إعراب الاسم، فحينئذٍ لم يوجد
الشبه على وجه التمام، فلذلك بقي على أصل البناء طرداً للباب، أو على
حرفين كنا في أكرمنا، وإلى ذلك أشار بقوله: في اسمي جئتنا، فالتاء في
جئتنا اسم؛ لأنه فاعل، وهو مبني، انظر مقدمات هذه مرادة.
قال: فالتاء في (جئتنا) اسم، لماذا حكمنا عليه بأنه اسم؟ قال: لأنه
فاعل، هذا التعليل، وهو مبني، لماذا؟ لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه
على حرف واحد، إذاً: أشبه الحرف الأحادي، نحو باء الجر ولامه، وواو
العطف وفائه، ونا: اسم لأنها مفعول، والمفعول لا يكون إلا اسماً، وهو
مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين، يعني: مثل من، وهل،
وبل، وهذا الشبه قلنا: خاص بباب المضمرات.
أبٌ .. أخٌ .. يدٌ .. دمٌ، هذه على حرفين، هل أشبهت الحرف في أصل
الوضع؟ (أبٌ .. أخٌ .. حمٌ .. دمٌ .. يدٌ)، هذه على حرفين، هل هي مثل:
نا، نقول: لا، لماذا؟ لأنها على حرفين في اللفظ فحسب، وأما في الحقيقة
فهي على ثلاثة أحرف؛ لأن أخٌ أصلها: (أخوٌ، أبٌ .. أبوٌ، حمٌ .. حموٌ،
يدٌ .. يديٌ، دمٌ .. دميٌ أو دموٌ)، كلها حذفت لاماتها اعتباطاً، يعني:
من غير علة تصريفية.
ولذلك الأولى أن يُعَبَّر فيقال: أن يكون الاسم موضوعاً على حرف أو
حرفين حقيقةً، احترازاً عن نحو أبٍ ونحوه، أن يقال بأن يكون الاسم على
صورة الحرف أو الحرفين حقيقةً، يعني: في أصل الوضع هكذا وضع، وأما إذا
حذف منه اعتباطاً أو لغير ذلك فحينئذٍ نقول: هذا الحذف لا يخرج اللفظ
عن أصله وضعه، فأب على ثلاثة أحرف على الأصل، وأخ على ثلاثة أحرف، ويد
ودم كذلك، إذاً: هذا هو النوع الأول من أنواع الشبه: الشبه الوضعي
نسبةً إلى الوضع، الأصل في وضع الحروف أن تكون على حرف أو حرفين، فإذا
وجد في الاسم ما هو على حرف أو حرفين حقيقةً حينئذٍ قلنا: هو مبني،
وهذا الباب خاص بباب المضمرات، عرفنا قوله: كالشبه الوضعي في اسمي
جئتنا، يعني: في اسمي قولك: جئتنا وهما التاء وناء، ثم أشار إلى النوع
الثاني بقوله:
والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا: هو يبين وجه الشبه، ثم يمثل له
بالباب الذي اختص به؛ لأنها محصورة في ستة أبواب، محصورة هذه أوجه
الشبه في ستة أبواب، الشبه الوضعي في المضمرات تأخذه من قوله: جئتنا،
والمعنوي، يعني: وكالشبه المعنوي، هذا مقابل للأول، الأول الشبه الوضعي
قلنا: هذا مختص بالوضع بالحروف باللفظ فحسب، هذا يقابله .. المرد يكون
إلى المعنى.
والمَعْنَوِيِّ، يعني: وكالشبه المعنوي، ما
المراد بالشبه المعنوي؟ أي: شبه الاسم له في المعنى، -أشبه الاسم الحرف
في المعنى-، أن يكون الاسم قد تضمن معنىً من معاني الحروف، لا بمعنى
أنه حل محلاً هو للحرف كتضمن الظرف لمعنى في، والتمييز لمعنى من، بل
بمعنى أنه خلف حرفاً في معناه، أودي بهذا الاسم معنىً كان حقه أن يؤدى
بالحرف، عندنا معاني، والتي هي معاني المصادر، الأصل بالاستقراء
والتتبع وهذا مسلم، أن النفي هذا معنى من المعاني، الأصل فيما يؤدي هذا
المعنى أن يكون حرفاً وهو ما أو لا، والأصل في الاستفهام وهو معنىً من
المعاني أن يؤدى ويعبر عنه بحرف لا باسم هذا الأصل، وكذلك النفي، وكذلك
التمني والترجي، والخطاب والتكلم، الأصل فيها أنها تؤدى بالحروف، وهذا
باستقراء كلام العرب وهو مسلم.
فالأصل في التمني: (ليت)، والأصل في الترجي: (لعل)، والأصل في النفي:
(لا)، والأصل في الشرط: إن، أليس كذلك؟ فحينئذٍ هذه المعاني أديت
بحروف، إذا أدي بالاسم معنىً حقه أن يؤدى بالحرف حينئذٍ نقول: تضمن
الاسم معنى الحرف، أشبه الاسم الحرف في المعنى، فالأصل في التعبير عن
الشرط أن يكون بحرف: إن، فإذا عبر بأين أو بمتى واستعمل مراداً به
الشرط نقول: الأصل أن يعبر عن الشرط بلفظ: إن، فحينئذٍ إذا استعمل متى،
أو أين، أو من في معنى الشرط حينئذٍ نقول: أدي بالاسم معنىً كان حقه أن
يؤدى بالحرف، هذا المراد.
إًذا: أن يؤدى به معنىً حقه أن يؤدى بالحرف لا بالاسم، لكن بقيت مشكلة،
وهي أن هذه المعاني التي الأصل فيها أن تؤدى بالحرف، وأشبه الاسم الحرف
في استعمال الاسم تأديةً لذلك المعنى بهذا الاسم، والأصل فيه أنه
يستعمل بالحرف، بعض المعاني وضعت لها حروف، فحينئذٍ إذا أودي بالاسم
معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف الذي وضع في لسان العرب لا إشكال فيه،
ولكن بعض المعاني كالإشارة ليس له حرف موجود، ما نطقت العرب، قالوا:
كان من حقه، يعني: من حق هذا المعنى على العرب أن يضعوا له حرفاً يؤدوا
به هذا المعنى.
فحينئذٍ إذا وجد في الأسماء ما استعمل استعمال الإشارة، نقول: أشبه
حرفاً غير موجود، وهذا التعليل كما ترون عليل.
والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا: في متى، يعني: في لفظ متى سواءً
كانت استفهامية أو شرطية، فإذا قيل: متى تقم أقم، متى: نقول هذا اسم
وضع على ثلاثة أحرف، أليس كذلك؟ الأصل فيه الإعراب ولكنه بني، لم بني،
متى تقم أقم؟ نقول: لكونه أشبه الحرف، في ماذا أشبه الحرف؟ في المعنى؛
لأنه في هذا التركيب متى تقم أقم، هذا معنى الشرط، والأصل في هذا
التركيب أن يقال: إن تقم أقم؛ لأن الشرط حقه أن يستعمل فهي إن، وهي
حرف، فحينئذٍ استعمل متى في معنىً كان حقه أن يؤدى بإن الشرطية.
ولذلك يقال: أسماء الشرط تضمنت معنى إن
الشرطية، هذا مرادهم .. تضمن معنى إن الشرطية، ومرادهم بهذا أنها
استعملت استعمال إن الشرطية، فبنيت لهذه العلة، متى تأتي يا زيد ..
متى: تأتي شرطية، وتأتي استفهامية، أزيد قائم، نقول: الأصل في
الاستفهام أن يستعمل بالحرف وهو الهمزة، وهي أم الباب، فإذا استعمل اسم
يؤدى به معنى الهمزة حينئذٍ نقول: هذا الاسم أشبه الحرف في المعنى؛
لأنه أودي به معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف وهو همزة الاستفهام.
في النوعين متى الشرطية، ومتى الاستفهامية أشبهت حرفاً موجوداً، يعني:
وضعته العرب، لذلك قال: في متى بنوعيها.
وَفِي هُنَا: يعني: وذلك كما في (هُنَا) وهي اسم إشارة، (هُنَا): اسم
إشارة، زيد هنا، يعني: في هذا المكان، أشير إلى هذا المكان لوجود زيد،
هنا مبني أو معرب؟ نقول: مبني، لماذا؟ لأنه أشبه الحرف .. أشبه الحرف
في أي شيء من أوجه الشبه؟ في الشبه المعنوي، أشبه الحرف في استعمال هذا
الاسم استعمال الحرف، أودي به معنىً كان حقه أن يستعمل بالحرف، ما هو
هذا المعنى؟ الإشارة، ما هو هذا الحرف الذي وضع له للإشارة؟ لا وجود
له، أين هو؟ غير موجود ما مولد بعد، مثل الإمام المنتظر.
فحينئذٍ نقول: هذا لفظ –هنا-: أشبه الحرف في المعنى، بني لتأدية هذا
الاسم، يعني: استعماله في معنىً كان حقه أن يكون له حرف ولكن ما وضعت
له العرب.
يقول ابن عقيل: والثاني شبه الاسم له في المعنى، وهو قسمان: أحدهما: ما
أشبه حرفاً موجوداً، والثاني: ما أشبه حرفاً غير موجود، فمثال الأول
الذي مثل له المصنف، متى فإنها مبنية، لشبهها الحرف في المعنى، فإنا
تستعمل للاستفهام، نحو: متى تقوم، وللشرط نحو: متى تقم أقم، وفي
الحالتين هي مبنية؛ لأنها أشبهت الحرف، وهذا الحرف موجود؛ لأنها في
الاستفهام كالهمزة، وفي الشرط كـ (إن).
إذاً: يدخل معنا في باب الشبه المعنوي يدخل معنا بابان: وهما باب أسماء
الشرط كلها، وباب أسماء الاستفهام كلها، ويستثنى منها أي: الشرطية، من
الشرطيات، والاستفهامية: ((أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ))
[القصص:28] أيما: أعربت أو بنيت؟ هذه معربة أيما، مفعول به، أيما،
نقول: هذه معربة.
لم أعربت مع كون باب الاستفهام قد وجد فيه الشبه المعنوي؟ نقول: نعم،
الشبه المعنوي موجود، لكنه ضعيف، وشرط بناء أي الشرطية أن تكون أشبهت
الحرف شبهاً قوياً، لماذا ضعف الشبه في أي على جهة الخصوص دون متى
وأين؟ لأنه عارضها ما هو من خواص الأسماء، وهو لزومها الإضافة؛ لأن
الإضافة هذه من خواص الأسماء، فإذا وجد شبه الحرف ثم وجد لزومه للإضافة
نقول: تعارض عندنا أمران: وجود الشبه، هذا الأصل فيه أنه يلحقه
بالمبني، هذا الأصل فيه، ولزومها للإضافة الأصل فيه أنه قربها إلى
الأسماء، أيهما يغلب؟ ما كان من خواص الأسماء؛ لأن الشبه عارض .. الشبه
شيء عارض، وما كان من الخواص فالأصل أنه لازم له .. صفة لازمة حينئذٍ
أعربت أي الشرطية واستثنيت من باب أسماء الشرط للزومها الإضافة، فالشبه
موجود ولا زال، لكنه ضعيف.
لذلك قال: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ
مُدْنِي .. كذلك، أي: الاستفهامية ((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ))
[الأنعام:81] مبتدأ وخبر، القول فيها كالقول في السابقة: أن الشبه
موجود لكنه ضعف، وسبب الضعف هو ملازمتها للإضافة، وشرط إلحاق الاسم
الذي أشبه الحرف بالحرف في البناء أن يكون شبهاً قوياً لا مطلق الشبه،
وهنا ضعف لوجود خاصة الأسماء وهي الإضافة.
ومثال الثاني، يعني: الحرف غير الموجود: هنا، وهي اسم إشارة، فإنها
مبنية لتضمنها معنى الإشارة، وهذا المعنى لم تضع العرب له حرفاً،
فحينئذٍ أشبهت حرفاً كان من حقهم أن يضعوه فما فعلوا، يعني: الواجب على
العرب أن يضعوا هذا الحرف دالاً على الإشارة كما وضعوا إن الشرطية
للشرط، وهمزة الاستفهام للاستفهام، كان الأصل أن يضعوا للإشارة حرفاً،
لكنهم ما وضعوا؛ وذلك لأن الإشارة معنىً من المعاني فحقها أن يوضع لها
حرف يدل عليها كما وضعوا للنفي: ما، وللنهي: لا، وللتمني: ليت،
وللترجي: لعل، ونحو ذلك.
إذاً: بنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفاً مُقدَّرَاً غَيرَ
مَوجُودٍ.
والمَعْنَوِيِّ، قلنا: هذا مثل له بمثالين في: متى وهنا، إلا أن المثال
الأول يشمل حالتين .. بابين، باب الاستفهام وباب الشرط، وهنا: هذا باب
أسماء الإشارة، إذاً المعنوي، يكون خاصاً بثلاثة أبواب:
فكل اسم يستفهم به فهو مبني، إلا ما استثني، لم بني؟ لأنه أشبه الحرف
شبهاً معنوياً، وكل اسم شرط بني إلا ما استثني حينئذٍ نقول: علة البناء
كونه أشبه الحرف شبهاً معنوياً، وهذا الحرف في النوعين موجود نطقت به
العرب، وكل اسم إشارة إلا ما استثني نقول: مبني، لماذا؟ لأنه أشبه
الحرف شبهاً معنوياً وهذا الحرف ليس موجوداً.
يستثنى من باب أسماء الإشارة: ذان وتان، هذا فيه خلاف سيأتينا تفصيله،
هل هما معربان أم مبنيان؟ على قول من أعرب ذان وتان حينئذٍ يستثني هذين
النوعين من باب أسماء الإشارة، لماذا؟ مع كونهما قد أودي بهما معنىً
كان حقه أن يؤدى بالحرف، فالشبه موجود، إلا أنه عارضه ما هو من خصائص
الأسماء، وهو مجيئهما على صورة المثنى، أو على حقيقة المثنى، على
القولين.
حينئذٍ نقول: ذان .. تان، معربان مع كون باب أسماء الإشارة من
المبنيات، لماذا استثني هذا النوع؟ لأنه عارضه ما هو من خصائص الأسماء
وهو التثنية، ولذلك جعلنا المثنى من علامات الأسماء، جعلنا المثنى من
علامات الأسماء.
ثم قال:
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ ... تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ
أُصِّلاَ
وَكَنيِابَةٍ، أي: وكشبه اسم .. وكشبه اسم بنيابة عن الفعل بحرف، فيكون
على حذف مدخول الكاف، وكنيابة، أي: وكشبه اسم ذي نيابة، اسم ناب عن
الفعل، فأشبه هذا الاسم النائب عن الفعل الحرف، في ماذا؟ في كونه يعمل
في غيره، ولا يعمل فيه شيء، الحرف –الآن- تقول: مررت بزيدٍ، زيدٍ: هذا
مجرور بالباء، كل حرف جر بل كل الحروف التي تعمل تعمل فيما بعدها، أليس
كذلك؟ هل يعمل فيها شيء؟ لا، لا تكون فاعلاً ولا مفعولاً به، ولا
مضافاً ولا مضافاً إليه ولا غيرها.
فحينئذٍ هو عامل ليس بمعمول، فإذا ناب عن
الفعل اسم يعمل في غيره ولا يعمل فيه شيء نقول: أشبه الحرف في كونه
عاملاً لا معمولاً، وهذا الباب خاص بباب أسماء الأفعال.
إذاً: كل باب أسماء الأفعال مبنية، والبناء فيها لازم واجب؛ لأنها
أشبهت الحرف، لماذا أشبهت الحرف؟ في كونها عاملةً لا معمولة، هيهات
العقيق، (هيهات)، نقول: هذا اسم فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من
الإعراب، العقيق: لا محل له من الإعراب، ما معنى الجملة؟ يعني: لا محل
له من الفاعلية، ولا المفعولية، ولا كونه تمييزاً، ولا حالاً، ولا
مضافاً، ولا مضافاً إليه، كل الأسماء التي تعرب في هذه المحال ابتداء
وخبر وتمييز ونعت، اسم الفعل لا يأتي فيها أبداً، اسم الفعل لا يحل محل
هذه المواضع.
العقيق: فاعل، والعامل فيه: هيهات، إذاً: هيهات لا محل له من الإعراب،
كما نقول: قام لا محل له من الإعراب، فحينئذٍ كونه يعمل في العقيق ولا
يتسلط عليه عامل أشبه باء الجر، مررت بزيد، بزيد: الباء حرف جر عمل في
زيد، هل ثم شيء يعمل في الباء؟ الجواب: لا، فهو عامل لا معمول.
وَكَنيِابَةٍ، قلنا: لا بد من التقدير، أي: وكشبه اسم ذي نيابة عن
الفعل بحرف فيكون على حذف مدخول الكاف، أو له وجه آخر، نقول: وكالشبه
الاستعمالي، نقدر الشبه الاستعمالي؛ لأن الشبه الاستعمالي يعم النوعين،
الذي هو بالنيابة والافتقار، أو وكالشبه الاستعمالي بأن يلزم طريقةً من
طرائق الحروف كنيابةٍ إلى آخره، وكافتقار، فالشبه النيابي والافتقاري
قسمان للشبه الاستعمالي.
ولذلك لك أن تجعل هذه الوجوه ثلاثةً، ولك أن تجعلها أربعةً، إن قلت:
الشبه هو: الأول: الشبه الوضعي، الثاني: الشبه المعنوي، الثالث: الشبه
الاستعمالي، وتحته قسمان: شبه نيابي وشبه افتقاري، وهذا أجود، فالشبه
النيابي والافتقاري قسمان للشبه الاستعمالي.
وَكَنيِابَةٍ له، يعني: للاسم عن الفعل في العمل بلا تَأَثُّرٍ، يعني:
بلا حصول تأثر، يعني: لا يتأثر بالعامل، وَكَنيِابَةٍ له، يعني: الاسم
ينوب عن الفعل، وَكَنيِابَةٍ له، يعني: للاسم عن الفعل، الاسم نائب عن
الفعل.
بِلاَ تَأَثُّرٍ، ناب عنه في أي شيء؟ في العمل، بلا تأثر، لا هنا
بمعنى: غير، ولا هذه بمعنى: غير، إذا كان كذلك حينئذٍ صار ما بعدها
مزحلقاً حركتها إليها، فتأثر، نقول: هذا لا: مضاف، وتأثر: مضاف إليه
مجرور وجره كسرة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية؛ لأن
لا هذه اسم بمعنى: غير، ولا يظهر عليها الكسر، حينئذٍ زحلقت الكسرة إلى
المضاف إليه.
إذاً: بِلاَ تَأَثُّرٍ، يعني: لا يحصل فيه تأثر بالعوامل، وظاهر
العبارة حينئذٍ على هذا أن العامل يدخل على أسماء الأفعال لكنها لا
تؤثر فيه، صحيح؟ إذا قيل: وكنيابة له، يعني: الاسم ينوب عن الفعل في
العمل بلا تأثر، يعني: لا يؤثر فيه العامل، هل يلزم منه ألا يدخل عليه
عامل؟ لا، ظاهر العبارة أن العوامل تدخل على أسماء الأفعال، ولكنها لا
تؤثر، والصواب: أن العوامل لا تتسلط على أسماء الأفعال اتفاقاً،
فالعبارة موهمة لا بد من تصحيحها.
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ، يعني:
بلا حصول تأثير فيه بالعوامل، قال ابن عقيل: والثالث شبهه له في
النيابة، أنا أقرأ الشرح من أجل أن .. هذه صعبة تتعلق بالكتاب، شبهه له
في النيابة، يعني: شبه الاسم للحرف، في النيابة عن الفعل، يعني: في
العمل، وعدم التأثر بالعامل، كون الحرف يعمل ولا يعمل فيه الفعل، وذلك
كأسماء الأفعال، هذا يسمى ماذا؟ يسمى الشبه الاستعمالي، وذلك موجود في
أسماء الأفعال، فإنها تعمل نيابةً عن الأفعال ولا يدخل عليها عامل
اتفاقاً، فالمراد بالتأثر وقوعه معمولاً، نحو ماذا؟ دراك زيداً، يعني:
أدرك، دراك: هذا اسم فعل أمر، الدليل؟ نعم أحسنت، الدليل:
واَلأَمْرُ إِنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ
نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ
لا بد تستشهد، فإذا قيل الدليل، يعني: ائت بنص، وليس عندنا قرآن هنا،
عندنا ألفية ابن مالك وابن آجروم، فلا بد أن تأتي بالعبارة كما هي،
فحينئذٍ أقول: دراك هذا اسم فعل أمر؛ لأنه دل على الطلب ولم يقبل
النون، دراك زيداً، دراك: اسم فعل أمر مبني على الكسر لا محل له من
الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت كما في صه، وزيداً:
مفعول به، فدراك، نقول: هذا مبني، وهو اسم، لما بني؟ لأنه أشبه الحرف،
في ماذا أشبه الحرف؟ في الاستعمال؛ لأنه يعمل في غيره، فيرفع فاعلاً
وينصب مفعولاً ولا يعمل فيه شيء، بل لا يدخل عليه عامل البتة، فدراك
مبني لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره.
هذه عبارة ابن عقيل أيضاً فيها نظر، لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا
يعمل فيه غيره، لا ينفي أن يدخل عليه عامل، بل يدخل عليه عامل ولكن لا
يعمل فيه، والصواب: أنه لا يدخل عليه عامل البتة، وما استشهد به من
جواز دخول العامل على بعض أسماء الأفعال فهذه كلها فيما استشهد به
الأشموني وغيره قصد بها لفظها، فخرجت عن أصلها، صارت علماً، كما أن
الحرف كذلك، يعني: يعمل في غيره ولا يعمل فيه شيء.
واحترز بقوله: بلا تأثر، لم نفى التأثر؟ قوله: بلا تأثر أولاً يفيد: أن
العوامل تدخل عليه، ولكن لا تؤثر فيه، فعبارة يعمل ولا يعمل فيه، أولى
من قوله بلا تأثر، واحترز بقوله: بلا تأثر، عما ناب عن الفعل وتأثر
بالعوامل، وهذا يقصدون به المصدر الذي ناب مناب فعله: ((فَضَرْبَ
الرِّقَابِ)) [محمد:4] ضرباً زيداً، فصبراً في مجال الموت صبراً،
فصبراً: هذا ناب مناب اصبروا، حينئذٍ تأثر بذات العامل المحذوف الذي
ناب عنه أو لا؟ تأثر، ولذلك نصب، صبراً، نقول: هذا منصوب والعامل فيه:
اصبروا المحذوف الذي ناب عنه المصدر.
إذاً: المصدر ينوب عن الفعل، واسم الفعل
ينوب عن الفعل، اشتركا في الإنابة، كل منهما ينوب عن الفعل، إلا أن
أسماء الأفعال بنيت، والمصادر التي نابت عن الفعل لم تبنى، ما الفرق
بينهما؟ أن أسماء الأفعال نابت مناب الفعل ولم تتأثر بعامل البتة، بل
لا يجوز دخول عامل عليها، وأما المصادر التي نابت مناب الفعل فهي على
أصلها في تسلط العوامل عليها، فثم فرق اشتركا في قدر وافترقا في قدر
آخر، اشتركا في أن كلاً منهما ينوب مناب الفعل، وليست العلة هنا في
الشبه المقتضي للبناء أن يكون مجرد إنابة فحسب، الإنابة هذا يسمى جزء
علة، والعلة مركبة هنا، أليس كذلك؟ علة مركبة.
إنابة بلا تأثر، فإذا ناب عن الفعل وتأثر لا نقول أنه مبني، هذا وجد
فيه جزء العلة، والحكم مرتب على علة مركبة، وإذا رتب الحكم حتى في
الشرعيات عند الأصوليين .. إذا رتب الحكم على علة مركبة فات الحكم
بفوات العلة، أو بفوات جزء العلة، لا يوجد إلا عند تمام العلة.
إذاً: بِلاَ تَأثُّرٍ احترز بانتفاء التأثر عن ماذا؟ عما ناب عن الفعل
في العمل وهو متأثر بالعامل كالمصدر النائب عن فعله فإنه معرب على
الأصل، المصدر النائب عن الفعل، فإنه معرب لعدم كمال مشابهته للحرف،
نحو ماذا؟ ضرباً زيداً، ضرباً: هذا مفعول مطلق، منصوب لعامل محذوف
وجوباً، اضرب ضرباً، فضرباً هذا ناب مناب اضرب، ضرباً زيداً، وزيداً:
هذا .. مفعول لضرباً أو لضَربَ؟ للمصدر أو للفعل المحذوف؟ لماذا عمل
المصدر هنا؟ منون .. ضرباً زيداً.
إذاً: اضرب ضرباً زيداً، اضرب ضرباً، فضرباً: هذا منصوب بالفعل المحذوف
الذي ناب عنه المصدر، هل تأثر بالفعل الذي ناب عنه أو لا؟ تأثر، ووجه
التأثر هنا: أنه باق على النصب، إذ لو كان الفعل الذي ناب عنه صار
نسياً منسياً، حينئذٍ لا بد من تغيير النصب إلى الرفع، لا بد من تغيير
المثال: ضرباً زيداً، فإنه نائب مناب اضرب، وليس بمبني لتأثره بالعامل،
فإنه منصوب بالفعل المحذوف، فالفعل المحذوف باقٍ تأثيره في المصدر.
بخلاف (دراكِ) فإنه وإن كان نائباً عن أدرك فليس متأثراً بالعامل.
إذاً: حاصل ما ذكره المصنف هنا أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء
الأفعال اشتركا في قدر، يعني: في النيابة مناب الفعل، لكن المصدر متأثر
بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف، ليس لعدم مشابهته الحرف، بل لعدم
تمام مشابهته الحرف، هذا تعبير أدق، لعدم تمام مشابهته الحرف، وأسماء
الأفعال غير متأثرة بالعوامل، فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن
الفعل وغير متأثرة به -هذا النوع الثالث-: وهو شبه الاسم الحرف في
النيابة، وهذا شبه استعمالي يعني: بالنظر إلى الاستعمال، اسم أشبه
الحرف في كونه يعمل فيما بعده ولا يتسلط عليه عامل، وهو خاص بباب أسماء
الأفعال.
وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا: هذا الباب السادس،
من المبنيات بناءً واجباً، ستة أبواب في الأسماء، وكافتقار أصلا، يعني:
وكافتقار، هذا معطوف على أي شيء؟ هذا معطوف على كنيابة إذا جعلناه
نوعين تحت الشبه الاستعمالي، إذا جعلناه النوع الثاني تحت النوع الثالث
من أنواع الشبه فهو معطوف كنيابة، وإن جعلناه رابعاً فهو معطوف على
الأول كالشبه الوضعي؛ لأن ما جاء معطوفاً بالواو فحينئذٍ مرده إلى
الأول، والظاهر أنه معطوف على قوله: كنيابةٍ؛ لأن هذين النوعين الشبه
فيهما شبه استعمالي.
وكافتقار له: إلى الجملة، أُصِّلا: أُصِّل، َأُصِّل-، هذا فعل ماضي
مغير الصيغة، والألف هذه للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير يعود على
الافتقار، يعني: افتقار مؤصل، إذاً: النوع الرابع أو الثالث: وكافتقار
له إلى الجملة، يعني: افتقار الاسم إلى الجملة كافتقار الحرف إلى
الجملة، فحينئذٍ نقول: هذا أشبه الاسمُ الحرفَ، بشرط أن يكون هذا
الافتقار مؤصلاً، يعني: متأصلاً، بخلاف الافتقار العارض فلا تأثير له
البتة.
النوع الرابع، قال: شبه الحرف في الافتقار اللازم، يعني: شبه الاسم
الحرف، في الافتقار اللازم، وهو أن يفتقر الاسم إلى الجملة افتقاراً
مؤصلاً، أي: لازماً، لا يوجد هذا الاسم إلا مع الجملة، لا ينفك عنه
البتة، مثل ماذا؟ الذي،-وهذا الباب خاص بالموصولات حتى تفهمونه من
أوله-، الذي: جاء الذي .. الذي: هذا اسم موصول مبهم، والموصول عند
النحاة ما افتقر إلى صلة وعائد .. صلة، هذه الصلة جملة أو شبه جملة،
وشبه الجملة يكون متعلقاً بفعل أو نحوه فيكون جملةً:
وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ..
إذاً: يوصل بجملة أو شبه جملة، هل يوجد الذي دون جملة الصلة، هل يوجد
في كلام منفكاً عن الصلة، فيقال: جاء الذي .. مر الذي .. رأيت الذي؟ لا
يمكن، فحينئذٍ افتقار الذي للجملة بعده افتقاراً مؤصلاً .. متأصلاً
فيه، بمعنى: أنه لا ينفك عنه البتة، هذا المراد بالافتقار المؤصل، أن
يفتقر الاسم إلى الجملة افتقاراً مؤصلاً، أي: لازماً كالحرف، وذلك
كالأسماء الموصولة، نحو: الذي، فإنها مفتقرةٌ في سائر أحوالها إلى
الصلة، فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار، الحرف يفتقر إلى ماذا؟ هل
يوجد حرف بلا مدخول، مررت بـ .. جاء في .. مر عن .. يوجد؟ إذاً: الحرف
مفتقر إلى ما بعده في ماذا؟ في إيضاح معناه؛ لأنه لا يتم له المعنى إلا
في غيره، الحرف حقيقته ما دل على معنىً في غيره، إذاً: لا يمكن أن يوجد
معنى الحرف ويستعمل في جملة اسمية أو فعلية إلا بما بعده، ولو يشترط أن
يكون جملةً، هذا افتقار مؤصل أو لا؟ افتقار مؤصل، كما أن الذي لا يمكن
أن يوجد هكذا مفرداً دون جملة الصلة، كذلك لا يوجد حرف من حروف المعاني
إلا وبعده إما اسمٌ أو فعلٌ، فهذا افتقار، أشبه الاسم الحرف في
الافتقار.
هذا استعمال أو يرجع إلى الوضع، أو إلى المعنى، أو النيابة؟ هذا في
الاستعمال، ولذلك الأولى أن نجعل أنواعُ الشبهِ ثلاثةٌُُ: استعمالِيٌّ
ووضعِيٌّ ومعْنَوِيٌّ، ثم الاستعمالي هذا تحته نوعان: أسماء الأفعال
بالنيابة عن الفعل والافتقار.
أما ما افتقر إلى مفرد كـ (سُبْحَان)، بعض
الأسماء كما سيأتي في باب الإضافة يفتقر الإضافة إلى مفرد، كسبحان
الله، هذا لا يوجد إلا وهو مضاف إلى مفرد، ومثلها: عند، عند: هذه
ملازمة للإضافة إلى مفرد.
أما ما افتقر إلى مفرد كـ (سُبْحَان) أو إلى جملةٍ لكن افتقاراً غير
مؤصل، يعني: غير لازم، كافتقار المضاف في نحو: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ
الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] يوم: مضاف، وينفع: الجملة في محل جر
مضاف إليه، واضح؟ يوم: مضاف، وينفع: الجملة في محل جر مضاف إليه،
المضاف مفتقر إلى المضاف إليه، صحيح؟ لا يوجد مضاف دون مضاف إليه، لكن
هل هذا بخصوص اللقب وهو المضاف، أو مصدقه؟ يعني: عندنا مضاف مفتقر إلى
مضاف إليه، (يَوْمُ يَنفَعُ) [المائدة:119]: هذا صورة من صور المضاف
الذي يفتقر إلى المضاف إليه، هذا الافتقار في (يَوْمُ يَنفَعُ)
[المائدة:119]، هل هو افتقار لازم، أم أنه غير لازم؟
الثاني، بدليل ماذا؟ أنه يمكن وجود لفظ يوم دون إضافة، هذا يوم مبارك
.. ((فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ)) [المعارج:4] ((وَاتَّقُوا
يَوْماً)) [البقرة:281] انفك عن الإضافة، فخلاف الذي، حينئذٍ يوم في
هذا التركيب: (يَوْمُ يَنفَعُ)، هو مفتقر لا من حيث ذاته، وإنما من حيث
كونه مضافاً؛ لأن المضاف يلزم منه مضاف إليه.
إذاً: من حيث اللقب والعنوان هو مفتقر، ومن حيث آحاده ونفسه غير مفتقر،
كافتقار المضاف في نحو: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) إلى
الجملة بعده، فلا يبنى، لا نقول: يوم هذا مبني هنا، لماذا؟ لأنه غير
مفتقر افتقاراً مؤصلاً، وإن افتقر في هذا التركيب إلى ما بعده، لا
لكونه لفظ يوم وإنما من جهة كونه مضافاً، لأن المضاف يستلزم مضافاً
إليه.
إلى الجملة بعده فلا يبنى؛ لأن الافتقار افتقار يوم إلى الجملة بعده
ليس لذاته، وإنما هو لعارض كونه مضافاً إليها، والمضاف من حيث هو مضاف
مفتقر إلى المضاف إليه، -أرجو أن يكون واضحاً- لأنه يقال: هذا يوم
مبارك، فلم يفتقر إلى الجملة، ومثله النكرة الموصوفة، مررت برجل يضحك،
أو تقول: هذا رجل يضحك، يضحك: هذه الجملة في محل رفع صفة لرجل، الصفة
والموصوف بينهما تلازم كتلازم المضاف مع المضاف إليه، فحينئذٍ رجل: هذا
مفتقر افتقاراً شديداً إلى يضحك، لكن هذا الافتقار من حيث كونه لفظ
رجل، أو من حيث كونه موصوفاً منعوتاً؟ الثاني.
فحينئذٍ قد يفتقر الشيء إلى غيره لا من حيث ذاته، وإنما لما يعرض له.
ومثله النكرة الموصوفة بالجملة، فإنها مفتقرة إليها، لكن افتقاراً غير
مؤصل؛ لأنه ليس لذات النكرة وإنما لعارض كونها موصوفةً بها، والموصوف
من حيث هو موصوف مفتقر إلى صفته، وعند زوال عارض الموصوفية يزول
الافتقار، وعند انفكاك المضاف إلى المضاف إليه يزول الافتقار.
إذاً: وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا: المراد به الافتقار المؤصل، يعني: لا
يوجد هذا اللفظ أينما استعمل في كلام العرب وقُلِّب وبُدِّل إلا وهو
مفتقر إلى ما بعده، وأما إذا كان مفرداً يضاف في تارةٍ .. -في مرةٍ- ثم
ينفك عنه مرةً أخرى، حينئذٍ نقول: هذا ليس بمفتقر إلى المضاف إليه.
إذاً: هذه أربعة أنواع:
كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ ...
والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا
تَأَثُّرٍ وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلاَ
هذه ستة أبواب: الأول: المضمرات، الثاني: أسماء الشرط، وأسماء
الاستفهام، وأسماء الإشارة، هذه كم؟ أربعة.
وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ: هذا الخامس وهو أسماء الأفعال، وكافتقار:
المراد به الموصولات.
نقف على هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ...
|