شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* شروط إعراب الأسماء الستة إعراب لغة الإتمام
* بيان الباب الثاني من أبواب النيابة (المثنى) ـ
* حد وحكم المثنى -حكم الملحق بالمثنى -حكم ماقبل آخر المثنى.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
- ألا يمكن أن نقول: أن الناظم رحمه الله تعالى أكد النصب في الأسماء الستة بقوله: وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ.
- قال: وَارْفَعْ بَوَاوٍ وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ واجْرُرْ، الأصل أنه لا يؤكد إلا .. خالي الذهن لا يؤكد له، أليس ... كذلك؟
فإن تخاطب خالي الذهن منِ ... حكم ومن تردد فلتغتنِ
عن المؤكدات ..
حينئذٍ لا يؤكد له، هنا لماذا أكد؟
لا بد من التماس، أنا عن نفسي ما وجدت له عذر.
- هذا يقول: أنا .. يقال: للزومه في لغة الإتمام وفي لغة القصر، بخلاف الواو والياء، فإنهما يلزمان في لغة التمام.
- لا هذا غلط، لماذا؟
لأنه في لغة الإتمام الألف هذه هي حرف الإعراب، وفي لغة القصر أين الألف؟
النقص، أين الألف؟ ومن يشابه أبه، ليس عندنا ألف، وفي لغة القصر حينئذٍ: إن أباها، الألف هذه ليست علامة الإعراب، وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ لا يصدق على قوله: إن أباها؛ لأن الحركة هنا مقدرة، وهذا التعليل عليل، ائت بغيره.
- لماذا فهم من قول المؤلف: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي الحصر، لماذا فهم الحصر ولم يفهم من قوله:
............................
وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وَذُوكَسْرٍ وَضَمّ ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا
................................

على حد قول الله: ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:253].
- لأنه لم يثبت ما هو واسطة بين المبني والمعرب، يعني: لعلة خارجة، لما استقرأ النحاة كلام العرب، فوجدوا أنه إما معرب وإما مبني، ليس عندنا واسطة، وغلامي: هذا أثبت بعضهم أنه واسطة، وأجبنا عنه بما ذكرناه، حينئذٍ ما وجد إما مبني وإما معرب، إذا عبر المصنف فالأصل أنه يوافق غيره من النحاة أو يخالف، الأصل الموافقة، حينئذٍ لا بد أن نحمل كلامه على أنه حصر القسمة في الاثنين ولا زيادة عليه، أما: وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ وجد البناء بالحرف، ووجد البناء بالحذف، هذا مقطوع به، حينئذٍ نفهم من هذا أن قوله: وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ ليس حصراً، لو جعلناه حصراً معناه: أنه لا يوجد عندنا بناء على الحرف: يا زيدانِ .. يا زيدون، نقول: هذا مبني على الألف مبني على الواو، نقول: أن ذاك الحصر صار نفياً له؛ لأن الحصر: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، حينئذٍ لا مبني إلا ساكن، أو على الفتح أو الضم أو الكسر.
إذاً: لا يورد مبنياً على الألف، وهذا موافق أو مخالف؟ فالمسألة يعني: تتعلق بما علم من خارج.
- ما علة كون الفعل الماضي مفتوحاً دائماً على ترجيحكم، مع أن بنائه بالضم والسكون أسهل؟
- قلنا: السكون هذا ليس أصلاً، هذا المعلل عندهم باتفاق أنه معلل، إما لكراهة توالي أربع متحركات ما هو كالكلمة الوحدة، وإما تمييزاً بين الفاعل والمفعول، يعني: حملاً على (نا)، على علة ابن مالك رحمه الله، حينئذٍ إذا صار الحكم معللاً عرف أن هذا السكون ليس بأصل، فإذا علم كذلك، حينئذٍ نرجع إلى الأصل، وهو أن الفعل الماضي قبل اتصاله بشيء مبنيٌ على الفتح، هذا يقين أو لا؟
يقين، إذاً: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فإذا أمكن تقديرهُ حينئذٍ لا نرجع إلى السكون، وكذلك الضم.


ولذلك يعللون حتى ابن عقيل هنا قال: الكسر والضم لا يدخلان الفعل، مع كونه قال فيما سبق: إن اتصل بواو جمعٍ ضُمَّ، هذا فيه نوع تعارض، والصواب أن الضم والكسر لا يدخلان الفعل؛ لأن الضمة ثقيل والفعل ثقيل، الفعل مركب من حدث وزمن، هذا فيه ثقل، بخلاف الاسم .. الاسم بسيط لأنه إما معنىً وإما ذات، ذات كزيد، مدلول زيد ذات مشخصة، ومدلول عِلم وفهم وعقل هذا نقول: هذا معنىً، حينئذٍ إما هذا وإما ذاك، أما الفعل لا فهو يدل على شيء مركب، مركب من حدثٍ وزمنٍ فهو ثقيل.
وبعضهم زاد: أنه يستلزم فاعلاً، وهذا ما يؤدى بالحرف، يعني: النسبة، وهذا أيضاً يدل الفعل على الفاعل، وسيأتينا أنه يدل على الفاعل بدلالة الالتزام؛ لأن الحدث لا بد له من محدثٍ، وإذا بني الفعل ازداد ثِقلاً، إذا بني كذلك على الضم هذا زاده وزاده، على كلٍ كلها تعليلات.
يقولون: والنكات لا تتزاحم، هكذا يقول المحشون، النكات لا تتزاحم، يعني: إذا ظهر لك الشيء أنه هو نكتة .. يعني: الفائدة من التعليل أو كذا، وإذا قال غيرك مخالفاً لك لا بأس، إلا ما ذهبت إليه من التعليل وإلا الناس كلهم على غلط، نقول: هذا إرهاب كما يقال!

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى:
وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ

أراد أن يبين بهذا البيت أن الإعراب .. إعراب الأسماء الستة أو السبعة ليس مطلقاً، يعني: إعرابه بالواو نيابةً عن الضمة، أو بالألف نيابةً عن الفتحة، أو بالياء نيابةً عن الكسرة، وإنما بشروط لا بد من استيفائها، إن وجدت الشروط حينئذٍ يجوز لك الإتمام ويجوز لك غيره، فهذه الشروط التي سيذكرها مجوزة للإعراب بالحروف، وليست موجبةً، لكن إذا اختار الإتمام لا بد أن توجد هذه الشروط مجتمعة، أما إذا لم توجد حينئذٍ لا يصح أن يعرب بالواو.
((وَلَهُ أَخٌ)) [النساء:12] أخ: هذا لم يضف، حينئذٍ إذا لم يضف لا يمكن أن نعربه بالإتمام.
إذاً: هذه الشروط التي سيذكرها شروط لجواز الإتمام، ليست موجبةً، بمعنى أنها إذا وجدت لا يلزم منه أن يعربه على لغة الإتمام، وإنما إذا أراد الإتمام لا بد أن يكون مستوفياً لهذه الشروط، ولذلك عبر بالشرط:
وَشَرْطُ، الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته:
ولاَزِم مِن انعِدَام شَرطِ
كَسببٍ ................. ... عَدمُ مشرُوطٍ لَدى ذِي الضَّبطِ

وَشَرْطُ ذَا، شرط: مبتدأ، وهو مضاف، وذا: اسم إشارة مضاف إليه، والإعراب هذا بدل أو عطف بيان من ذا.
أنْ يُضَفْنَ، أن: حرف مصدر، يُضفنَ: هذا فعل مضارع منصوب بأن مغير الصيغة، ونائب الفاعل ما هو؟
النون هذه ماذا، نون الإناث أو نون النسوة؟
نون الإناث نعم، هذا مثال لما ذكرناه، لا تقل: نون النسوة، في هذا المقام غلط، الهندات يقمن، لا بأس تقول: نون الإناث ونون النسوة، أما هنا لا: النوق يسرحن.
أنْ يُضَفْنَ: إذاً النون هذه نون الإناث، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عن المبتدأ.


وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ إضافتهنَّ، يعني: الأسماء السابقة، لا بد من الإضافة.
شَرْطُ ذَا الإعْرَابِ: يعني بالأحرف الثلاث في الكلمات الست أن يضفن، لا بد من الإضافة، الإضافة سيأتي بيانها أنها نسبةٌ تقييدية، يعني: يقيد الأول، غلام زيدٍ، غلام هذا إذا أطلقته يحتمل أنه غلام زيد، يحتمل أنه غلام عمرو، يحتمل أنه غلام امرأة هند إلى آخره، فإذا قيدته أضفته حينئذٍ قيدته، ولذلك هذا نوع تقييد، غلام زيدٍ لا غلام غيره، أليس كذلك؟ بخلاف فيما قد يقيد بالنوع وقد يقيد بالشخص، غلام زيدٍ تقييد بالشخص، وغلام امرأةٍ هذا تقييد بالنوع، لماذا؟
لأنك خصصته بكونه غلام امرأة، يعني: ليس غلام رجلٍ، إذاً: خرج كل الرجال، ودخل بقوله: غلام امرأة كل امرأة، حينئذٍ هذا تقييد بالنوع، لا يلزم منه أن يكون غلام هندٍ أو فاطمة أو عائشة، قد يحتاج إلى دليل منفصل، وأما غلام امرأةٍ نقول: هذا تقييد بالنوع، سيأتي في محله.
إذاً: لا بد من الإضافة: وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا ... لِلْيَا، يضفنَ: أين الفاعل؟
نون الإناث، أضافَ يُضيفُ إضافةً، قال: يضفنَ إلى كل اسمٍ لا للياء، حذف المتعلَق، ثم عطف (لا): هذه حرف عطف، جاء زيدٌ لا عمروٌ، فقوله: أن يضفن لا للياء، نقول: معطوف، لا معطوف، معطوف على ماذا؟
على متعلَق يضفن المحذوف، والتقدير: أن يضفنَ لأي اسمٍ لا للياء، كل اسمٍ يجوز أن يضاف إلى هذه الأسماء الستة، ونستثني ذو؛ لأن له تفصيلاً خاصاً.
أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا: نقول: معطوف على لا للياء، معطوف على متعلَق يضفنَ المحذوف، والتقدير: أن يضفن لأي اسم لا للياء، وشرط ذا الإعراب أن يضفن لأي اسم لا للياء، أي ياء؟
ياء المتكلم، لم يقيدها ياء المتكلم بخلاف أخي، كما سيأتي، ولم يقيد الياء بياء المتكلم؛ لأن الإضافة لا تكون لياء المخاطبة أصلاً لاختصاصها بالفعل.
وَيَا افْعَلِي: هل يحتمل أنها داخلة للياء هنا؟
لا ليست محتملة، لماذا؟
لأن تلك خاصة بالفعل بل هي من علاماته.
إذاً: للياء المراد به ياء المتكلم، شرطها الإضافة.
ثم الشرط الثاني: ألا تكون الإضافة إلى ياء المتكلم، إذاً: ذكر كم شرط؟
ذكر شرطين، سيأتي في الشرح.
كَجَا أخُو أبِيكَ ذَا اعْتِلاَ:
كَجَا أخُو (جاء أخو) هذا الأصل أنه مهموز، ولكن قلنا: إذا توالى همزتان حينئذٍ حذف الهمزة الأولى من جاء وهي لام الكلمة لغةٌ لا ضرورةً، كجا، يعني: كقولك: جاء، دخلت الكاف على محذوف، كقولك: جَا أخُو أبِيكَ، أخو .. جا: فعل ماضي مبني على الفتح .. على فتح الهمزة المحذوفة تخفيفاً، أخو: فاعل مرفوع بالواو، لماذا؟ لأنه من الأسماء الستة التي رفعها بالواو نيابةً عن الضمة، أخو: مضاف، وأبي: مضاف إليه، إذاً: وجدت الإضافة لا للياء، ولذلك أعرب أنه مرفوع بالواو، أخو أبيك، إذاً: أضيف، أخو: مضاف، وأبي: مضاف إليه مجرور بالياء نيابةً عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة.
ووجد الشرط أيضاً: وهو إضافته إلى الكاف، أبي: مضاف مجرور بالياء نيابةً عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة، أبي: مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.
إذاً وجد أمران: أخو مضاف، وأبي مضاف إليه، وأبي مضاف والكاف مضاف إليه.


ذَا اعْتِلاَلِ: ذا اعتلالِ، ذا: هذا منصوب على أنه حال، من المضاف لا من المضاف إليه لعدم شرطه، ذا، نقول: حالٌ من المضافِ الذي هو أخو، وهو مضاف، ذَا اعْتِلاَ: حينئذٍ لا يكون من المضاف إليه، لفقد شرطه كما سيأتي في محله، ذا: مضاف، واعتلا .. (اعتلا): مأخوذ من العلو، يعني: صاحب الاعتلاء صاحب العلو والمنزلة، اعتلا .. اعتلاءٌ: حذفت الهمزة للضرورة هنا، بخلاف: جا أخو حذفت لغةً.
طيب! ذَا اعْتِلاَ: ذا، نقول: منصوب بالألف؛ لأنه بمعنى: صاحب.
منْ ذَاكَ ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا:
إذاً هو مضاف، واعتلا مضاف إليه، ذا: منصوب بالألف نيابةً عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وهنا وجد فيه شرط الإضافة لاسم اعتلا لا للياء.
لِلْيَا كَجَا أخُو أبِيكَ ذَا اعْتِلاَ: هذا المثال حوى كون المضاف إليه ظاهراً ومضمراً ومعرفةً ونكرة، أين هي .. أين المضاف إليه؟
لأنه قال: أن يضفن لأي اسمٍ .. لكل اسمٍ، هذا يشمل ماذا؟
يشمل النكرة والمعرفة، ويشمل الظاهر والمضمر، لا للياء: استثنى من المضمر الياء، طيب في المثال هنا: جا أخو أبي: هذا اسم ظاهر مضاف إليه، الكاف: مضمر، اعتلا: نكرة وهو ظاهر، إذاً: ضمير وهو الكاف، ومعرفة وهو أبي؛ لأنه أضافه إلى الضمير فاكتسب التعريف، واعتلا: هذا نكرة، وجد فيه الأربعة الأنواع، واضحة عندكم؟
نقول: قوله للياء هنا أطلق: أن يضفن لكل اسم لا للياء، كل اسم: يشمل ماذا؟
أن يكون المضاف إليه نكرة، ومثل له باعتلا، أن يكون معرفةً ومثل له بأبيك، أليس كذلك؟ أبيك؛ لأنه اكتسب التعريف من الكاف، أن يكون ضميراً: وهو الكاف، أن يكون ظاهراً: وهو أبي.
إذاً: فدخل أنواع المضاف إليه المغاير للياء، وغير الياء إما ظاهر وإما مضمر، والظاهر إما معرفة وإما نكرة وكلها موجودة في المثال، فلله دره.
وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ

كم بقي من الشروط؟ بقي أن تكون مكبرة، وأن تكون مفردة، هل يمكن أخذها من المثال؟ نعم، يمكن ذلك؛ لأنه قال: أخو، وهذا مفرد ومكبر، وأبي: هذا مفرد ومكبر؛ لأن قاعدة ابن مالك رحمه الله في الألفية: أنه يعطي الحكم بالمثال، هذه قاعدة مطردة عنده رحمه الله: أنه يعطي الحكم الذي يريده بالمثال.
أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ، هنا لما مثل قال: كَجَا أخُو أبِيكَ حينئذٍ إذا أخذنا هذين الشرطين من المثال نقول: وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا للياء مع ما هن عليه من الإفراد من والتكبير، وهذا شرط دل عليه بالمثال، إذاً: ذكر الشروط الأربعة في هذا البيت.


إذاً نقول: ذكر النحويون .. -قال ابن عقيل-: ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطاً أربعة، هذه العامة التي تعم الكل، وثم شروط خاصة، وهي: ذو، أن تكون بمعنى صاحب، والفم حيث الميم منه بان، حينئذٍ لكل من هذين الاسمين شرط خاص به، ذو: أن تكون بمعنى صاحب، وأن تضاف إلى جنس ظاهر كما سيأتي، وفم: شرط لها أن تنفصل عن الميم مع بقية الشروط، فحينئذٍ لـ (ذي) كم شرط؟ ستة شروط، ولـ (فمٍ) خمسة شروط، وما عداها أربعة شروط، إذاً: هذه الأربعة عامة، وأما (لذي وفمٍ) فذو يشترط فيها شرطان عن الأربعة صارت ستة، وفمٌ يشرط فيها انفصال الميم، وهذا شرط خامس فهي خمسة في شأنها.
إذاً: هذه الأربعة نقول: هذه شروط للجميع، مع بقية الشروط التي ذكرها في أول الباب، أحدها –أولها-: أن تكون مضافةً، واحترز بالإضافة عما إذا لم تضف، إذا لم تضف حينئذٍ صارت مفردة، النحاة يستعملون المفرد في مقابل المضاف، كما يستعملون المفرد في مقابل المضاف، كما يستعملون المفرد في مقابلة المثنى والجمع، كما سيأتي في باب المبتدأ: وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ.
إذاً: المفرد هنا في هذا المقام ألا تضاف، فإن أضيفت جاءت على الشرط، فإن انفصلت عن الإضافة تخلف الشرط، وإذا تخلف الشرط تخلف الحكم وهو جواز الإتمام.
أن تكون مضافة: واحترز بها عما إذا لم تضف فإنها تكون منقوصةً معربةً بالحركات الظاهرة، نقول: هذا أبٌ وله أخٌ، وله: هذا جار ومجرور خبر مقدم، أخٌ: مبتدأ مؤخر.
((إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً)) [يوسف:78] .. ((وَبَنَاتُ الأَخِ)) [النساء:23] هذه جاءت مفردة، يعني: غير مضافة فتعرب على الأصل بالحركات الظاهرة، هذا الأصل فيها.
وكلها تفرد عن الإضافة إلا (ذو) .. فإنها ملازمة للإضافة، وعليه كما ذكر بعضهم أن هذا الشرط يعتبر لـ (ذو) من باب تحصيل الحاصل، وإذا أردنا أن نقول: من باب تحصيل الحاصل، فنقول: الشروط لـ (ذو) خمسة كما هو الشأن في (فمٍ).
إذاً: كلها تفرد إلا (ذو) فإنها ملازمة للإضافة.
أن تكون مضافةً، واحترز بذلك من ألا تضاف، سواء كان المضاف مذكوراً أو مقدراً، جاء في لسان العرب: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)، هذا محل إشكال عند النحاة، نحن اشترطنا الإضافة أن يكون مضافاً، أليس كذلك: أن يكون المضاف مذكوراً، طيب سمع: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)،، خالط: فعل ماضي، من سلمى: جار ومجرور متعلق بخالط، خياشيم: هذا مفعول به منصوب، وفا: الواو حرف عطف، وفا هذا معطوف على خياشيم، والمعطوف على المنصوب منصوب، حينئذٍ هنا أعربه بماذا؟ أعربه بالألف نيابةً عن الفتحة.
فلو قلنا: شرط الإعراب الإتمام بالألف: أن تكون مضافة انتقض بهذا البيت، قالوا: لا، لا ينتقض، يمكن أن يؤول بأن تكون الإضافة هنا معنوية أو منوية، أن تكون منوية، والتقدير: خالط من سلمى خياشيمها وفاها، فهو مقدر، إذا كان كذلك حينئذٍ نعمم الشرط، فنقول: أن تكون مضافةً سواء كان المضاف إليه مذكوراً أو مقدراً من أجل إدخال هذا النص، وهذا كما ذكرته لكم سابقاً ومراراً: أن الشيء المطرد لا يعترض عليه بمثل هذه المشتبهات، فحينئذٍ لا بد من تأويلها.


إذاً: أن تكون مضافة، سواء كان المضاف مذكوراً في اللفظ وهو الغالب، أو مقدراً وهو قليل: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)،، أي: خياشيمها وفاها، فالمضاف إليه منوي الثبوت فهو كالمذكور صراحةً، ولذلك قال في الأوضح: وأما قوله: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)، شاذ أو الإضافة منوية، إما أنه شاذ، إما أنه شاذ، يعني: ليس على القياس ولا يقاس عليه، يسمع ولا يقاس عليه، خرج عن القواعد، وإما أن الإضافة منوية، هذا إذا أردنا التأويل .. إذا أردنا التأويل فنرده إلى الأصل.
إذاً: الشرط الأول أن تكون مضافةً، وقلنا: هذا الشرط في: (ذو)، من باب تحصيل الحاصل أنها ملازمة للإضافة.
الشرط الثاني: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، نحو: هذا أبو زيد، وأخوه وحموه، فإن لم يوجد هذا الشرط بأن أضيفت إلى ياء المتكلم حينئذٍ عومل معاملة غلامي، وغلامي: اسم مضاف إلى ياء المتكلم، وكل ما أضيف إلى ياء المتكلم فإعرابه يكون إعراباً تقديرياً، لماذا؟ لأن ياء المتكلم يلزم أن يكون ما قبلها مكسوراً، وهذا الذي اشتبه على بعضهم بأن جعل: غلامي، لا معرباً ولا مبنياً، والصواب: أنه معرب، وأن الإعراب تقديري؛ لأن التركيب الإضافي سابق على العامل، انتبه إلى هذه! سابق على العامل، حينئذٍ سبق التركيب أولاً ثم سلط العامل على المضاف إليه، فحينئذٍ الكسرة الموجودة قبل الياء سابقة، وجدت أولاً، وإذا وجدت أولاً حينئذٍ هي أولى بالمحل، فلا نحذفها ونأتي بما طرأ بعد التركيب.
إذاً: إذا أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة كسائر الأسماء المضافة للياء، وكلها تضاف للياء إلا ذو كما سيأتي.
تقول: هذا أبي، ومثله: ((وَأَخِي هَارُونُ)) [القصص:34] هذا أبي، ذا: مبتدأ، وأبي، نقول: أب خبره مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، الذي هو الباء منع من ظهروها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جار مضاف إليه، وكذلك: رأيت أبي، الفتحة مقدرة، ومررت بأبي: الكسرة مقدرة.
((إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ)) [ص:23] .. ((إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي)) [المائدة:25] هذا وارد في القرآن أضيفت إلى ياء المتكلم، ورجعت إلى الأصل: وهو إعرابها بالحركات.
الثالث: أن تكون مكبرة، يعني: ألا تكون مصغرة، فإن صغرت حينئذٍ رجعت إلى الأصل، ما الدليل على الشرط الأول الثاني والثالث والرابع؟ نقول: الدليل هو السماع، ليس عندنا إلا السماع؛ لأن أب وما عطف عليه خرج عن الأصل، وهو الإعراب بالحركات، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: ما خرج عن الأصل فالأصل أنه يبقى على ما سمع، فإذا سمع مكبراً معرباً بالحروف مضافاً إلى غير الياء، نقول: هذه شروط فيه، ولا ننفي بعض الشروط ونلحق به ما لم يتوفر فيه الشرط؛ لأنه يصير من باب الاجتهاد، وهل القياس جائز في اللغة أو لا؟ محل خلاف بينهم.


إذاً: أن تكون مكبرة، واحترز بذلك أن تكون مصغرة، حينئذٍ تعرب بالحركات الظاهرة، هذا أُبَيُّ زيدٍ، أُبَيُّ زيدٍ: خبر مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، أُبَيُّ مضاف وزيدٍ مضاف إليه، وذُوَيُّ مال، ورأيت أُبَيَّ زيدٍ، وذُوَيَّ مالٍ، ومررت بِأُبَيِّ زيدٍ، وذُوَيِّ مالٍ، كلها بالكسر الظاهر، أو بالفتحة لظاهرة أو بالضمة الظاهرة، هذا الشرط الثالث.
الرابع: أن تكون مفردة، والإفراد هنا مقابل للمثنى والجمع، أن تكون مفردة .. أن ينطق بها مفرداً، يعني: لا مثنى ولا مجموعاً، أبوك أخوك حموك فوك هنوك، مدلولها واحد، فإن ثنيت حينئذٍ خرجت عن هذا الإعراب، وألحقت بالمثنى، يعني: أعربت إعراب المثنى، فيقال: أبوان وأخوان وحموان وهنوان وذوا مال، وفوا الزيدين، يعني: فما الزيدين، فحينئذٍ نقول: إذا ثنيت أعربت إعراب المثنى بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى ..... وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ، هذا إعراب المثنى.
فإن كانت غير مثناة بل جمعت، حينئذٍ إن جمعت جمع تكسير ألحقت بجمع التكسير، وهو أنه يعرب بالحركات الظاهرة على آخره، هؤلاء آباء الزيدين، ورأيت آبائهم، ومررت بآبائهم، هذا إذا كانت مجموعةً جمع تكسير، فإن جمعت بواو ونون حينئذٍ صارت ملحقةً، هي شاذ كما سيأتي يعتبر شاذ، كل الملحقات بجمع المذكر السالم يعتبر شاذاً، وبعضه أشذُّ من بعض، ولذلك نص ابن مالك: وَأَرَضُونَ شَذَّ، مع كون الباب كله شاذ، إلا أن بعضه أشذ من بعض كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى.
فحينئذٍ: إذا جمعت بواو ونون، نقول: ألحقت بجمع المذكر السالم فترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء، قال ابن هشام: لم يجمع منها جمع تصحيح إلا الأب والأخ والحم ثلاث، يعني: ليست كلها، لم يجمع جمع تصحيح بواو ونون كمسلمين إلا ثلاثة على ما أثبته ابن هشام، (الأب الأخ والحم)، أبونا أخونا حمونا، لا يصح أن يقال: هنونا، ولا فونا؛ لأنه لم يسمع على رأي ابن هشام رحمه الله تعالى.
فظاهره سماع هذا الجمع في الحم، قال ابن مالك رحمه الله:
ولو قيل في حم حمون لم يمتنع، لكن لا أعلم أنه سمع
نفى ما أثبته ابن هشام رحمه الله تعالى، ابن هشام أثبت أنه سمع في حم: حمون، وابن مالك يقول: لا أعلم أنه سمع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
قال أبو حيان: ينبغي أن يمتنع؛ لأن القياس يأباه؛ لأنه جوزه ابن مالك قياساً لا سماعاً، وابن هشام الظاهر أنه سمع، ظاهر عبارته؛ لأنه قال: لم يجمع منها جمع تصحيح، يعني: لم يجمع العرب جمع تصحيح إلا هذه الثلاثة: أب أخ حم، وابن مالك يقول: لا يمتنع قياساً لكني لا أعلم أنه سمع في الحم، قال أبو حيان وهو يتتبع ابن مالك رحمه الله: ينبغي أن يمنع؛ لأن القياس يأباه.
وحكا بعضهم سماع هنون كذلك، يعني: نطقت العرب بهذا، وذوون، وعن ثعلب أنه يقال في فم: فون وفين، فون: يعني جمع بواو ونون، وفين بالكسر، قال أبو حيان: وهذا في غاية الغرابة، الذين جمعوا فون وفين.


على كلٍ: إن سمع فالأصل السماع، والقياس ممتنع، لماذا؟ لأن ما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس، خرج عن القياس ما هو؟ نقول: جمع هذه الأسماء الستة بواو ونون هذا شاذ، معنى شاذ: أنه خرج عن القياس، إذاً: إذا سمع في الثلاث، نقول: هذا شاذ خارج عن القياس، غيره الذي لم يسمع عليه لا يقاس، فالقياس ممتنع هنا، هذا واضح بين، وهذا يذكره الأصوليون.
إذاً: ما سمع فيه بقينا على السماع، وما لا فلا.
إذاً: أن تكون مفردةً، فحينئذٍ نقول: إذا ثنيت ألحقت بالمثنى، يعني: أعربت إعراب المثنى، وإذا جمع جمع تكسير، حينئذٍ ألحقت بجمع التكسير فأعربت إعراباً ظاهراً بالحركات الظاهرة، وإذا جمع أو سمع منها ما جمع بواو ونون فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإعرابه يكون بإعراب جمع المذكر السالم.
ابن عقيل يقول: ولم يذكر المصنف من هذه الأربعة سوى الشرطين الأولين؛ لأنه قال:
وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا ..
ذكر شرطين: الإضافة، وأن تكون الإضافة لغير ياء المتكلم، والصواب: أنه ذكر شرطين نصاً، وذكر شرطين ضمناً ودلالةً، للقاعدة: أن ابن مالك إذا أراد الحكم مثل له، أنه يعطي الأحكام بالأمثلة، بل قد يعرف:
مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ

عرف المبتدأ والخبر بالمثال، وإن أكد الخبر كما سيأتي: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ .. مع كونه نص عليه أولاً لكن بالمثال، وكما قال سيبويه: الاسم كزيد، والفعل كقام، والحرف كإلى، حينئذٍ نأخذ من هذا المثال الأحكام.
ثم أشار إليهما بقوله:
وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا .. أي: شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها، وأنه لا بد أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم، ويمكن أن يفهم الشرطان الأخران لا بل يفهم، لا نقول: يمكن أن يفهم، لا بل يفهم؛ لأنه بالاستقراء هو يريد هذا رحمه الله؛ وذلك أن الضمير في قوله: يضفن، راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها، والأولى أن يرجع إلى المثال، يعني: قوله هنا الاستدلال بكونه ذكرها مكبرةً، نقول: هو ذكرها مكبرةً ليست مضافةً وليست معربةً بواو ونون، أب أخ حم، هذه مكبرة، لكن بالمثال كجا أخو أبيك، هذا تطبيق، فهو أولى أن يجعل مصدراً للحكم من قوله: أبٌ أخٌ حمٌ كذاك وهنٌ.
إذاً: الشرطان اللذان نص المصنف الشارح هنا أنه لم يذكرها ابن مالك، هو أراد أن يحشرها معها بالتضمين، بالدلالة أو الفهم، لكنه أخذها من قوله: أبٌ أخٌ، ولذلك قال: يمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه؛ وذلك أن الضمير في قوله: يضفن، راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها، وهو لم يذكرها إلا مفردةً مكبرة، لكن مفردةً مكبرةً غير مضافة، ولما ذكر المثال هو آكد لتطبيق الشروط كلها، فأخذ الحكم منه أولى.


ثم ما تضاف إليه (ذو) هذا ينبغي الوقوف معه، ذو: قلنا ملازمة للإضافة، ولا تضاف لياء المتكلم البتة، إذاً: ملازمة للإضافة، لا تستعمل إلا مضافةً، ولا تضاف إلى مضمرٍ، قال في القاموس: ذو كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس، (ذو): كلمة صيغت، يعني: وضعت في لسان العرب لفائدة، لماذا؟ ليتوصل بها، إذاً: ليست مقصودةً لذاتها، وإنما هي توصيلة، ووصلة لأي شيء؟ إلى الوصف بالأجناس، فالعرب أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، واسم الجنس: هو ما دل على معنىً كلي، سواء كان معرفاً بأل أو منكراً، المراد به ما يدل على الحقائق الذهنية يعني: الصورة التي تكون في الذهن كعلم ومال وجاه ونحو ذلك وفضل، نقول: هذه الألفاظ تدل على المعاني الكلية التي تعقل في الذهن، وهو أشبه ما يكون بالمصدر، فأسماء الأجناس مصادر، أو العكس: المصادر في الحقيقة اسم جنس.
أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، يعني: أن ينعتوا الأسماء باسم الجنس، لكن هذا ممتنع، لا يقال: جاء محمد مالٌ! يمتنع أن يوصف بمال وهو اسم جنس محمد، ولا يقال: جاء محمد علمٌ .. ولا جاء محمد عدلٌ ولا فضلٌ، هذه كلها ممتنع، إذاً: نريد أن نجعل واسطة كلمة، نتمكن بها أن نصف بما امتنع وصفه مباشرةً ليوصف به، فلما امتنع أن يقال: جاء زيد عدلٌ أو فضلٌ، قالوا: نريد واسطةً، ولذلك قال هنا: (ذو): كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس، فلما أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، أي: يجعلوها صفات لم يتيسر لهم ذلك؛ لأن القاعدة: أن النعت لا يكون إلا بمشتق أو ما هو في قوة المشتق، وسيأتينا:
وَانْعَتْ بِمُشْتَقَ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ ..
لا بد أن يكون مشتقاً أو ما هو في قوة المشتق، وأسماء الأجناس جامدة ليست بمشتقة، نريد أن نعمم الفائدة فنصف الموصوفات بأسماء الأجناس، فلما تعذر أن نجعل أسماء الأجناس مباشرةً صفةً لموصوفاتها جئنا بهذه الواسطة، هذه وظيفة: (ذو)، يلزم من هذا حتى نقرر القاعدة: أن .. إذا كانت (ذو) واسطةً حينئذٍ ما وصف به مباشرةً .. جاز وصفه يمتنع إضافته إلى (ذو)، أليس كذلك؟ جاء زيد العالم، هذا مشتق، إذاً: لا يصح أن تضاف (ذو) إلى المشتق؛ لأن ذو إنما وضعت في لسان العرب من أجل أن يتوصل بما امتنع أن يوصف به مباشرةً ويلحق بالموصوف.
إذاً: ما أمكن أن يأتي مباشرةً ممنوع أن يضاف إلى ذو وهو العلم، جاء رجل يضحك .. رجل: هذا فاعل، ويضحك: الجملة صفة، إذاً: نُعت بالجملة مباشرةً، أمكن أو لا؟ أمكن، إذاً: الجملة لما أمكن أن يوصف بها الموصوف مباشرةً، إذاً: لا يمتنع أن يوصف بالجمل، بل هي بعد النكرات صفات، وهي قاعدة مطردة.
حينئذٍ لا يجوز أن تضاف (ذو) إلى الجمل؛ لأن (ذو) إنما صيغت في لسان العرب ليتوصل بها إلى أن ينعت بما بعدها ما قبلها مما امتنع دون (ذو) فما أمكن أن يوصف به مباشرةً كالعلم والجملة امتنع، هذا واحد.
ثم ما امتنع أن يوصف به مباشرةً، سيأتينا في المعارف:
أن منها ما ينعت وينعت به.
وأن منها ما ينعت ولا ينعت به.
وأن منها ينعت به ولا ينعت.


الضمير هل يصح أن يكون وصفاً؟ لا ينعت به ولا ينعت، الضمير لا يصح أن يوصف به، إذاً: لا يصح إضافة (ذو) إلى الضمير، وشذ قوله: إنما يَعْرِفُ ذا الفضل من الناس ذَوُوهُ .. هذا شاذ من وجهين:
أولاً: جمع (ذو) جمع تصحيح، وهو شاذ، ثانياً: أضافه إلى الضمير، لماذا شذ إضافة (ذو) إلى الضمير؟ لأن الضمير دون واسطة (ذو) يمتنع لذاته أن يوصف به، حينئذٍ لا يجوز أن يضاف إلى (ذو).
زيد: علم، هل يصح أن ينعت بالأعلام؟ جاء زيدٌ الفاضلُ، زيد: علم، الفاضل: نعته، لكن هل يصح أن ينعت بالعلم؟ جاء الفاضل زيدٌ، التركيب صحيح أو لا؟ جاء زيد الفاضل، هذا نعت، جاء الفاضل زيد، يصح أو لا .. التركيب صحيح أو لا؟ يصح، التركيب صحيح، لكن هل يصح أن نعرب زيد على أنه نعت للعالم، أو الفاضل؟ لا، لماذا؟ لأنه لا ينعت بالأعلام، لماذا لا ينعت بالأعلام؟ لأنه ليس مشتقاً ولا مؤولاً بالمشتق، هو جامد، ولذلك لما كانت أعلام الرب جل وعلا أوصافاً في المعنى صح أن ينعت بها، كما ذكرناه في البسملة، ولذلك الرحيم، بسم اللهِ الرحْمَنِ، نقول: هذا نعت للفظ الجلالة.
كيف ينعت به، والقاعدة: أنه لا ينعت بالأعلام؟ وهذه مطردة حتى في أسماء الله عز وجل، لكن لما كانت أسماء الرب جل وعلا لها جهتان: هي أعلام وأوصاف، من حيث كونها علماً لا يجوز النعت بها، ومن حيث كونها وصفاً جاز النعت بها.
وأما زيد: هذا جامد، لا يدل على معنى، الرحمن: يدل على أنه متصف بالرحمة، وأما زيد: هذا جامد، حينئذٍ لا يصح أن ينعت به.
إذاً: لا يصح أن يضاف (ذو) إلى زيد، «أنا الله ذو بكةَ» .. قالوا: هذا نادر أو شاذ، ذو بكة، يعني: صاحب مكة، «أنا الله ذو بكة»، هذا علم، أضيفت (ذو) إليه، حينئذٍ نقول: هذا شاذ.
إذاً الخلاصة: أن (ذو) لا تستعمل إلا مضافةً، هذا أولاً، ثانياً: لا تضاف إلى الضمير، ثالثاً: أن المضاف إليه يتعين أن يكون اسم جنسٍ ظاهرٍ غيرِ صفة، اسم جنس، يعني: لا يكون ضميراً، غيرَ صفةٍ: هذا احترازاً من المشتق، يعني: لا تضاف إلى المشتق، ولما عرفنا العلة من وضع (ذي) في لسان العرب، وأنها وُصْلَةٌ حينئذٍ امتنع إضافتها إلى أربعة أشياء، لا تضاف إليها البتة، وهي: العلم، والضمير، والجملة، والمشتق، إذاً: لا تضاف إلى هذه الأربعة الأشياء.
وأما قول الشاعر:
إنما يَعْرِفُ ذا الفضل من الناس ذَوُوهُ ...
فهذا شاذ من وجهين، وأما قوله:
اذْهَبْ بِذي تَسْلَمْ ..
اذهب بذي أي: في وقت صاحب سلامة، تسلمُ: هذا جملة فعلية، بذي تسلم .. في ذي تسلم، يعني: في وقت صاحب، فذي: صفة لموصوف محذوف، اذهب بذي تسلم، يعني: في وقت صاحب سلامة، حينئذٍ أضيفت (ذو) إلى الجملة، نقول: هذا شاذ أو نادر.
وإضافتها للعلم كذلك: أن الله ذو بكة، نقول: هذا شاذ ولا يقاس عليه.
إذاً: لا تضاف (ذو) إلا إلى اسم جنس ظاهرٍ، يعني: لا مضمر، غير صفة.


اسم الجنس: ما وضع لمعنىً كلي، معرفاً كان أو منكراً، أي: للصورة الذهنية العامة، والصفة هنا التي نفيت -غير صفة-، المراد به المشتق؛ لأن المشتق يدل على ذات ومعنى، لا المعنى القائم بالموصوف؛ لأن العِلْم هو في نفسه صفة، إذا قيل: جاء زيدٌ ذو علم، أو: رأيت رجلاً ذا علم، علم نقول: صفة أو لا؟ هو صفة، تقوم بموصوفها؛ لأن العلم عرض لا يورد إلا في محل لا بد، فحينئذٍ ما الفرق بين عِلم وعالم؟ نقول: العالم هذا صفةٌ باعتبار اصطلاح النحاة أو الصرفيين ... يعني: لفظ مشتق دل على ذات متصفة بمعنىً وهو العلم.
وأما لفظ علم من حيث هو، نقول: هذا صفة كذلك، لكنه ليس هو الصفة التي يعنيها النحاة، فإنما يعنون بالصفات المشتقات، وإذا أطلقوا الصفة انصرف إلى ذلك المعنى.
وخرج باشتراط اسم الجنس: العلم والجملة، ولا يقال: أنت ذو محمد، أو ذو تقوم، وباشتراط الظاهر خرج الضمير الراجع إلى بعض الأجناس، فلا يقال: الفضل ذوه أنت، واشتراط غير الصفة: الصفة، فلا يقال: أنت ذو فاضل، إذاً: (ذو) صلةٌ للوصف، والضمير والعلم لا يوصف بهما، والمشتق غني عنها؛ بصلاحيته بنفسه للوصف وكذا الجملة، هذا ما يتعلق بـ: (ذي).
وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ

إذاً: أربعة شروط عامة، ويزاد عليها في: (ذي) أن تكون بمعنى: صاحب، وأن تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفةٍ، ويشترط في: (الفم) أن يكون منفصلاً عن الميم، هذا ما يتعلق بالباب الأول من أبواب النيابة، وهو الأسماء الستة المعتلة المضافة: أنها ترفع بالواو نيابةً عن الضمة، وتنصب بالألف نيابةً عن الفتحة، وتجر بالياء نيابةً عن الكسرة.
ثم قال رحمه الله تعالى:
بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلاَ ... إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ

هذا هو الباب الثاني: وهو باب المثنى.
والمثنى: هذا اسم مفعول، ثُنّيَ يُثَنّى فهو مُثَنّى، ويطلق النحاة عبارتين: التثنية، والمثنى، وهذه يطلقها كثير ابن آجروم: التثنية، حينئذٍ يكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، أو: من إطلاق المصدر وإرادة أثره؛ لأن التثنية فعل الفاعل، كالتكليم والتلفظ، نقول: فعل الفاعل، يعني: المصدر مراداً به أثره.
وحقيقتها عند النحاة، -التثنية-: جعل الاسم الواحد دليلاً على اثنين بزيادة في آخره، فعلك أنت كونك تأتي إلى زيد، وتأتي إلى زيد، وتجمع بينهما في لفظ واحد، وتلحقهما ألفاً ونوناً في حالة الرفع، وياءً ونواناً في حالتي النصب والجر، فعلك أنت، هذا يسمى: تثنيةً.
والذي صار أثراً لهذه التثنية لاسم الزيدان هذا مُثَنّى، إذاً: المثنى يصدق على ماذا؟ يصدق على الألفاظ، والتثنية: هذا معنىً من المعاني، ففرق بينهما، المُثَنّى: الزيدان .. المسلمان هذا مُثَنّى، تقول: هذا مُثَنّى، إذاً: مسماه لفظ، وقد سبق معنا: أن اللفظ قد يكون مسماه لفظ الآخر، ومثله المثنى الذي ذكرناه.
إذاً التثنية: هي جعل الاسم الواحد دليلاً على اثنين بزيادة في آخره، وأما المُثَنّى: فله معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي:


أما معناه اللغوي: فهو ما دل على اثنين، كل ما دل على اثنين فهو مثنى، زوج وشفع، والزيدان، واثنان، وكلا، وكلتا، كل هذه مُثَنّىً في لغة العرب، فهو عام يشمل هذا وذاك.
وأما في اصطلاح النحاة: فهو أخص، إذ دائماً العلاقة بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية لا التباين، ليست متباينة، بل هو المعنى نفسه في لسان العرب، ولكن خُصَّ ببعض أفراده، وهو ما يسمى: بالحقيقة العرفية، العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق:
كل مُثَنّىً اصطلاحاً فهو مُثَنّىً لغةً من غير عكس.
حقيقته عند النحاة: ما دل على اثنين بزيادة في آخره، صالح للتجريد وعطف مثله عليه، (ما) اسم موصول بمعنى: الذي، نفسره بماذا؟ اسم معرب لا نقل: لفظ، وحينئذٍ يدخل معنا الكلام والجملة والكَلِم؛ لأن اللفظ عام، لا نقل: كلمةٌ، فيدخل معنا الاسم والفعل والحرف، ولا نقل: اسم فيدخل معنا المبني؛ لأن الكلام الآن في ماذا؟ الكلام في المعربات، والعناوين معتبرة في الحدود والأحكام التي تذكر تحتها، ماذا نقول نحن؟
إذاً: (ما) هذه نقول: اسم معرب، إذاً: اسم موصول بمعنى: الذي، هو مبهم، بماذا يفسر؟ يفسر باسم معربٍ .. اسم لا فعلٍ ولا حرفٍ، معربٍ لا مبني، فالمبني هنا ليس بداخل.
ما دل على اثنين: (ما) قلنا: اسم معرب فهو جنس، دخل فيه كل ما يدل على اثنين، لكن بشرط أن يكون اسماً معرباً.
دل على اثنين: خرج به ما دل على واحد؛ لأن اسم معرب يشمل ما دل على اثنين، وما دل على واحد، وما دل على أكثر من اثنين، أليس كذلك؟ (ما) اسم معربٌ دخل فيه ما دل على اثنين، ودخل فيه ما دل على واحد، ودخل فيه ما دل على الجمع، إذاً: نحتاج أن نخرج ما دل على الواحد، وما دل على أكثر من اثنين، حينئذٍ قلنا: ما دل على اثنين.
وللفائدة: الأفعال الداخلة في الحدود منزوعة الزمن (دل) متى؟ في الماضي مثل: قام زيد، نقول: لا، ليس هذا المراد، إنما (ما) يعني: اسم معرب ذو دلالة على اثنين؛ لأن الدلالة على اثنين لو كانت في الزمن الماضي الآن منتفية، وفي المستقبل منتفية، فارتفع المثنى من أصله؛ لأنه انقطع، كان في لسان العرب قديم، دل على اثنين، والآن لا يدل على اثنين، هذا إذا اعتبرنا الزمن في الأفعال الداخلة والحدود، قد نص بعضهم .. بعض المحشين على أن الأفعال الداخلة في الحدود منزوعة الزمن، وهذا قد يراد: ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [النساء:96] كان: فعل ماضي، كان متى؟ نقول: ماضي لفظاً ومعنىً، أو ماضٍ لفظاً لا معنىً؟ الثاني، ثم الثاني: هل هو يفسر بالحال أو بالإطلاق؟ يفسر بالإطلاق؛ لأن الله موصوف صفوة أزلية لا أول لها ولا آخر، فحينئذٍ نقول: هو موصوف بكونه غفوراً رحيماً، فـ (كان) هذه نعبر عنها بكونها منزوعة الزمن، دائماً القرآن كله من أوله إلى آخره، وكان وكان .. نقول: منزوعة الزمن.


وحينئذٍ في مثل هذا التركيب نقول: تدل على الاستمرار، وهذه مسألة أصولية هناك عندهم، هل (كان) من صيغ العموم أو لا؟ {كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث} (كان) هنا في الماضي، ثم الآن لم يقل: أو أنها تدل على الاستمرار؟ محل خلاف بين الأصوليين، والصحيح: أنها تدل في مثل هذه التراكيب على الاستمرار، مدة دخوله، كلما دخل إلى الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث الخبائث.
إذاً: (كان) هنا في هذه التراكيب نقول: منزوعة الزمن، كذلك دل في الحد هنا منزوع الزمن.
حينئذٍ (ما) اسم معرب ذو دلالة، إذاً: ما دل على اثنين خرج به ما دل على واحدٍ، وفيه زيادة المثنى، سكْرَاَن على وزن فَعْلَاَن، هذا مثل زيدان أو مسلمان، في اللفظ مثل زيدان، والألف والنون زائدة؛ لأن وزنه فعلان، سكران مدلوله واحد أو اثنان؟ واحد، إذاً: ما دل على اثنين أخرج ما كان في ظاهره زيادة المثنى ومدلوله واحد: عثمان .. فعلان، الألف والنون زائدة، حينئذٍ مدلوله واحد سواء كان من الأعلام أو من الأوصاف، فما دل على واحدٍ وفيه زيادة المثنى نقول: ليس بمثنى، كذلك: ما دل على أكثر من اثنين، ما دل على اثنين: أخرج ما دل على واحد، وأخرج ما دل على أكثر من اثنين، غلمان، أصلها: غلام، الألف والنون زائدة أو لا؟ زائدة، إذاً: فيه زيادةٌ كزيادة الألف والنون، لكن مدلولها أكثر من اثنين فليس بمثنى.
وكذلك المثنى المسمى به، لو سمي شخص: الزيدان، يسمى: زيدان، أليس كذلك؟ فإذا سمي به بالمثنى زيدان مدلوله واحد أو أكثر؟ واحد، ما دل على اثنين أخرج ما سمي به من المثنى!
قوله: بزيادة في آخره: هذا أخرج ما دل على اثنين لا بزيادةٍ، وإنما وضع في لسان العرب هكذا مثل ماذا؟ (زوج، وشفع) هذا دل على اثنين لكنه لا بزيادةٍ، والمثنى الذي معنا اصطلاحاً هو ما دل على اثنين بسبب زيادةٍ في آخره، وهذه الزيادة ألف ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر.
إذاً: (بزيادة) الباء للسببية، وهو متعلق بقوله: دل، يعني الدلالة حاصلةٌ بأي شيء على الاثنين، بسبب زيادة ألف ونون إلى آخره، صالح للتجريد بزيادة في آخره، إذاً: خرج زوجٌ وشفع وكلا، كلا هذه دلت على اثنين وضعاً، والألف هذه أصلية؛ لأن أصل وضع الاسم على ثلاثة أحرف، ثم اختلفوا: هل هذه الألف منقلبة عن واو أو ياء على خلاف طويل، إذاً: (كلا) نقول: دل على اثنين وهو وضعاً ليس بزيادة في آخره.
صالح للتجريد: التجريد من ماذا؟ من الزيادة التي بواسطتها دل على اثنين، خرج اثنان واثنتان، اثنان واثنتان فيهما زيادةٌ، لكن لا يقال: اثنٌ واثنةٌ بنقص الألف والنون، مع كون الألف والنون زائدتين، صالح للتجريد: خرج به ما لا يصلح للتجريد، يعني: نزع الزيادة.


وعطف مثله عليه: خرج ماذا؟ ما صلح للتجريد، لكن لا يعطف عليه مثله، وإنما مغاير له، مثل ماذا؟ قمران، قمر وقمر ليس عندنا قمر ثاني إلا مجازاً، أما حقيقةً ليس عندنا قمران ولا شمسان، فنقول: قمران، هذا ملحق بالمثنى وليس بمثنى؛ لأنه من باب التغليب، إذاً: هو دل على اثنين وبزيادة في آخره، وصالح للتجريد قمر، وعطف مغاير له عليه لا مثله، فحينئذٍ نقول: قمرٌ وشمسٌ، من باب التغليب، إذاً: عطف عليه مغاير له، والشرط في المثنى: أن يكون مغايراً للمعطوف عليه، وهذا ينطبق على الزيدان، زيدان، أصله: زيد وزيد، جاء زيد وزيد، هذا أصل التركيب.
وقاعدة العرب الاختصار، وما وضع الضمير ولا المثنى ولا الجمع إلا من أجل الاختصار في لسان العرب، والسيوطي له كلام في هذه القاعدة جيد في: الأشباه والنظائر، وله أمثلة كثيرة جداً، الاختصار .. أصل الكلام تقول: جاء زيد وزيد، كلما رأيت اثنين جاء زيد وزيد، راح محمد ومحمد، لكن اختصاراً تقول: جاء محمدان، هذا اختصار، والجمع مثله إذا كانوا عشرة جاء زيد وزيد .. كلما تريد أن تذكر العشرة تقول: جاء زيد وزيد إلى آخره! لكن إذا اختصرت تقول: جاء الزيدون، هذا من باب الاختصار، وإلا الأصل أن يعطف كل واحد من آحاده على نظيره، ولكن القاعدة التي ذكرناها.
إذاً: ينطبق على الزيدان: زيد وزيد، الزيدان: اسم معرب دل على اثنين بزيادةٍ في آخره، وهي الألف والنون وصالح للتجريد بأن يقال: زيد وعطف مثله عليه: زيد وزيد، وأما: زوج وشفع وكلا وكلتا واثنان واثنتان، وما سمي به منه، فهذا ليس بمثنى.
وعلى جهة التأصيل والتقعيد نقول: ليس من المثنى ستة أمور:
أولاً: ما يدل على مفرد كسكران وعثمان، هذا دل على مفرد.
ثانياً: ما يدل على أكثر من اثنين، كالجمع واسم الجمع.
ثالثاً: ما يدل على اثنين، ولكنهما مختلفان في لفظيهما مثل الأبوين، للأب والأم، هذا ليس بمثنى.
أو مختلفان في حركات أحرفهما كالعمرين لعمر وعمرو، هذا لم يعطف عليه مثله، لا بد أن يكون ثم اتحاد في الحركات، أو مختلفان في المعنى دون الحروف كالعينين: عين باصرة وعين جاسوس، تقول: عندي عينان، هذا سيأتي معنا: أنه هل يثنى اللفظ المشترك أم لا؟ الجمهور على المنع، ومثله المجاز، عندك أسد حقيقي وأسد شجاع رجل، تقول: عندي أسدان، يصح أو لا يصح؟ الجمهور على المنع، لماذا؟ لأن أسد الذي هو مجاز على الرجل الشجاع مغاير في المعنى، على الأسد الذي هو الحيوان المفترس، إذاً: كالعينين، نقول: هذا ملحق بالمثنى.
رابعاً: ما يدل على اثنين متفقين في المعنى والحروف وحركاتها، ولكن من طريق العطف بالواو لا من طريق الزيادة، تقول: أضاء نجمٌ ونجمٌ، لو قال قائل: جاء زيد وزيد، يمنع؟ كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ يصدق عليه؟ يصدق عليه، إذاً: لا يمنع، لكن إذا قال: جاء زيدٌ وزيدٌ، وأضاء نجمٌ ونجمٌ، هل نقول: نجمٌ ونجمٌ مثنى؟ الجواب: لا؛ لأنه عطف عليه مثله صراحةً، والأصل في الزيدان أن يعطف عليه ضمناً، يعني: هذا في قوة زيد وزيد، أخرج الصريح جاء زيد وزيد، فرق بين الضمن والصريح.
خامساً: ما يدل على اثنين ولكن من طريق الوضع اللغوي، كالزوج وشفع وكلا.


سادساً: ما يدل على اثنين وفي آخره زيادةٌ ولكنها لا تغني عن العاطف والمعطوف، مثل كلتا واثنتان واثنتان، وليس من المثنى، بل هو ملحق بالمثنى.
عرفنا المثنى حقيقته له شروط، وهي ثمانية:
شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا
موافقًا فى اللفظ والمعنى، له
ولم يكن كُلا ولا بعضا ولا ... ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا
مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ
مستغرقا في النفي نِلْتَ الأمَلا

هذه ثمانية شروط، إن وجدنا وقتاً شرحناها، لكن المراد: أن المثنى ما دل على اثنين إلى آخر الحد، ما حكمه؟ قال:
بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلا .. بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، إلى هنا، فالمثنى قسمان: مثنىً حقيقي، ومثنىً حكمي ليس بحقيقي.
المثنى الحقيقي: هو الذي صدق عليه الحد ووجدت فيه الشروط التي نظمها الناظم: شرط المثنى إلى آخره، هذا المثنى الحقيقي.
والمثنى الحكمي هو الملحق بالمثنى، وهو أربعة ذكرها الناظم: كلا وكلتا واثنان واثنتان، ونزيد عليه خامساً: وهو المسمى به، فهي خمسة محصورة، وأما المثنى الحقيقي فهو ما وجد فيه الحد.
قال: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى .. ارفع المثنى بالألف، وهنا قدم الجار والمجرور للحصر أو للاهتمام؟ الثاني، ليس ثم حصر، بالألف، يعني: بمسمى الألف، لماذا نقدر بمسمى الألف؟ لأن الألف نفسها اسم، ونحن نعرب المثنى بالحرف أو بالاسم؟ بالحرف، فنقول: ناب حرفٌ عن حركة، وهنا نابت الألف عن الضمة، بالألف، أي: بمسمى الألف، ارفع رفعاً مصوَّراً بمسمى الألف، فالباء للتصوير؛ لأن الألف هي عين الرفع، والرفع هو عين الألف، هذا على مذهب البصريين: أن الإعراب لفظي فهو عينه لا غيره، بمعنى: أنه يدل عليه، بل الصواب أنه عينه.
بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، أي: المثنى الحقيقي، ثم شرع في ذكر بعض ما حمل على المثنى، قال رجلان مثال لما سبق، بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى: قال رجلان، (قال) فعل ماضي، ورجلان: هذا مثنىً، ما الدليل على أنه مثنى؟ لأنه دل على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه، هذا أعلى ما يستدل به على إثبات أنه مثنى، إذاً مثنى رجلان مثنى، يرفع بالألف.
(قال) فعل ماضي يطلب فاعلاً، والفاعل مرفوع، ورجلان وقع موقع الفاعل فهو مرفوع، ورفعه هنا بالألف، يعني: بمسمى الألف، ورجلان فاعل مرفوع بقال، ورفعه ألف نيابةً عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد على المشهور ويأتي هذا بحثه.
وَكِلا إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، وكلا: هذا شروع في ذكر الملحقات، الملحقات التي هي لم يصدق عليها حد المثنى، حينئذٍ نقول: هذا ملحق، نحن لما عرفنا المثنى، قلنا: ما دل على اثنين بزيادةٍ في آخره، قلنا: دل على اثنين: أدخل نحو (كلا)، أليس كذلك؟ أدخل (كلا)؛ لأنه في لسان العرب هو في اللفظ مفرد عند البصريين، (كلا) اسم مفرد يطلق على اثنين مذكرين، ضد: (كلتا) لكنه في نفسه اسم مفرد يطلق على المذكر، فإذا قلنا: ما دل على اثنين دخل فيه: (كلا) بزيادةٍ خرج، إذاً: خرج عن الحد، لا يصدق عليه أنه مثنى، وحينئذٍ كيف نعربه بالألف؟ نقول: هو ملحق .. هو ليس بمثنىً حقيقةً، وإنما هو ملحق، لماذا ألحق؟ سماعاً .. أحسنت


فحينئذٍ المثنى الحقيقي هذا من حيث الحد سماعي، ومن حيث الآحاد قياسي، يعني: أفراده -المثنى الحقيقي-، لذلك ما ذكر له أمثلة: بالألف ارفع المثنى كثير هذا، لك أن تولد ما تشاء من الكلمات؛ لأنه غير مقصور على السماع، وأما الملحق الذي لم يصدق عليه حد المثنى حينئذٍ نكتفي بالسماع.
ولذلك نقول: هي خمسة، ولا يجوز نحواً أن تزيد عليه سادسة، إلا إذا سمع أو ما اختلف فيه، أما أن تولد ذهن من عندك هكذا، تقول: هذا ملحق بالمثنى لا، هذا ممنوع، لماذا؟ لأنه خارج عن القياس، وما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس.
إذاً: (كلا) نقول: هذا ملحق بالمثنى، وهو اسم مفرد عند البصريين يطلق على اثنين مذكرين، وهو المثنى المعنوي، لكن هل يرفع بالألف مطلقاً؟ إذا قيل: و (كلا) هنا ما إعرابه؟ معطوف على المثنى، حينئذٍ يكون التقدير ماذا؟ ارفع المثنى بالألف، وارفع (كلا) بالألف كذلك، لكن قيده المصنف، ليس مطلقاً؛ لأن (كلا) له حالان: قد يضاف إلى الضمير، وقد يضاف إلى اسم ظاهر، هو ملازم للإضافة سيأتي معنا .. ملازم للإضافة سيأتي في باب الإضافة.
إذا كان ملازماً للإضافة إلى المفرد: إما أن يكون هذا المفرد اسماً ظاهراً، وإما أن يكون ضميراً، المصنف قيد على اللغة المشهورة: أنه لا يلحق بالمثنى إلا في حالة واحدة على المشهور، وهي: أنه إذا أضيف إلى الضمير، ولذلك قال: (إذا) ظرف مستقبل لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط، إذاً: هذا شرط، كما قال هناك: إنْ صُحْبَةً أَبَانَا، هنا قال: إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، يعني: بهذا الشرط ارفع (كلا) بالألف، مفهومه .. مفهوم المخالفة: إذا لم يكن وُصل بمضمرٍ لا ترفعه بالألف، إذاً: هذا قيد للإدخال والإخراج، للإدخال بالمنطوق وللإخراج بالمفهوم؛ لأنه معتبر، إِذَا بِمُضَمَرٍ أخرج ماذا؟ أخرج الظاهر، أخرج الظاهر بالمنطوق أو بالمفهوم؟ بالمفهوم، إِذَا بِمُضَمَرٍ، بمضمر: هذا جار ومجرور متعلق بوُصِلاَ مقدرةً؛ لأن (إذا) مضمن معنى الشرط، والقاعدة عند جماهير النحاة: أن أدوات الشرط لا يليها إلا فعلٌ ظاهراً كان أو مقدراً.
((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] إذا كورت الشمس كورت، الشمس: هنا جوز بعضهم أن تكون مبتدأ، وهو مذهب الفارسي، لكنه ضعيف كما سيأتي في محله.
ولذلك يكاد يكون إجماع، بل حكي الإجماع بين البصريين الكوفيين: إن (إذا) في مثل هذه التراكيب لا يليها إلا فعلٌ، لكن البصريون؛ لأنهم يمنعون تقديم الفاعل على الفعل لم يأذنوا بأن يعرب (الشمس) في هذا التركيب فاعلاً، فحينئذٍ: إما أن يكون مبتدأ، وإما أن يكون فاعل، الفاعل ممتنع، والمبتدأ يمتنع؛ لأنك إذا كان كذلك حينئذٍ وليت (إذا) الشرطية جملة اسمية، وهذا ممتنع، فقدروا فعلاً: ((إِذَا الشَّمْسُ)) [التكوير:1] إذا كورت الشمس.


وأما على مذهب الكوفيين: هم وافقوا البصريين في أن (إذا) لا يليها إلا الفعل، لكن لقاعدتهم: أن الفاعل يجوز تقديمه على الفعل جوزوا أن يعرب (الشمس) هنا فاعلاً، ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] إذاً: الشمس على مذهب البصريين ما إعرابها؟ فاعل لفعل محذوف وجوباً تقديره: كُوِّرَ، لا ليس فاعلاً، نائب فاعل، كور الشيء: هذا مغير الصيغة، فحينئذٍ: كورت الشمس، نقول: الشمس نائب فاعل، والفعل العامل فيه محذوف وجوباً يفسره العامل المذكور ولا يجوز جمعهما، والمحذوف هذا في محل جزم فعل الشرط، وكورت: الجملة كما ذكرنا آنفاً لا محل لها من الإعراب مفسراً.
أما عند الكوفيين: فالشمس هذا فاعل للفعل المذكور مقدم عليه، وهذا ضعيف كما سيأتي في محله.
إذاً: إِذَا بِمُضَمَرٍ بِمُضمرِ، نقول: جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ واجب الحذف، والأولى ألا يجعل متعلقاً بالمذكور، إِذَا بِمُضَمَرٍ، نقول: متعلق بوُصِلاَ مقدرةً لدلالة وصل المذكورة؛ لأن أداة الشرط لا يليها إلا فعل ظاهراً كان أو مقدراً، إذا بمضمر حال كونه مضافاً، مضافاً .. إعرابه: حال، حال من الضمير المستتر في وُصل العائد إلى (كلا) وهي حالٌ مؤسسة، يعني: كأنه قال: (إذا) و (كلا) إذا وصلا بمضمر حال كونه مضافاً، فمضافاً: حالٌ من الضمير المستتر في (وصل) المحذوف، وهو عائد على (كلا).
بِمُضَمَرٍ مُضَافاً، أي: حال كونه .. حينئذٍ مضافاً: حالٌ من الضمير المستتر في (وصل) العائد إلى (كلا) مؤسسةً، احترز به عما إذا اتصلت بالضمير غير مضافةٍ إليه، نحو: زيدٌ وعمروٌ كلاهما الرجلين؛ لأن الاتصال يشمل القبل والبعد.
على كلٍ: مضافاً له: الضمير يعود إلى .. -ليس عندنا ضمير لكنه من باب الإيضاح-، قلنا: التقدير نوعان: تقدير إعراب وتقدير بيان، قدرنا: إذا وُصِلا، هذا من أجل الإعراب، مضافاً له لا بد منه، والضمير هنا يعود إلى (كلا) يعني: لا بد أن يكون إذا بمضمرٍ مضاف وُصِلا، إذا وُصلا بمضمر مضافاً له، يعني: (لكلا) ووصل هذا مغير الصيغة، ونائبه يعود إلى كلا، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة، الفعل ونائبه وصلا، نقول: هذا لا محل له من الإعراب؛ لأنها مفسرة، مفسرة لماذا؟ للفعل الذي أضمر بعد (إذا).
إذاً: و (كلا) إذا بمضمر مضافاً وُصِلا، حينئذٍ نقول: جاز أن .. ماذا؟ إذا وُصِلت بالضمير جاز أن تلحق بالمثنى، ولذلك قال: و (كلا) أي: وارفع بالألف (كلا) إذا وُصلا بمضمرٍ كال كونه مضافاً إلى ذلك المضمر حملاً على المثنى الحقيقي، مضافاً له .. عفواً! أنا قلت: مضافاً له الضمير يعود إلى (كلا).
الصواب: أنه يعود إلى الضمير.
كِلْتَا كَذَاكَ، يعني: (كلتا) هذا مبتدأ، (كذاك) أي: مثل (كلا) إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، إذاً: (كلا) و (كلتا) ملحقان بالمثنى إذا أضيفا إلى ضمير، مفهومه: إذا لم يضافا إلى ضمير فحينئذٍ إعرابهما على الأصل، وهو بالحركات المقدرة، فـ (كلا) و (كلتا) نقول: ملحقان بالمثنى، متى؟ إذا أضيفا إلى مضمرٍ، جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما، وجاءتني كلتاهما، ورأيت كلتيهما، ومررت بكلتيهما، هنا أضيفا إلى الضمير فألحقا بالمثنى رفعاً ونصباً وجراً.


فإن أضيفا إلى ظاهر حينئذٍ أعربا بالحركات مقدرةً، كلا الرجلين، جاء كلا الرجلين، رأيت كلا الرجلين، مررت بكلا الرجلين، فحينئذٍ تكون الحركة مقدرة على الألف كالفتى، جاء كلا: فاعل، نعم! جاء كلا الرجلين، جاء: فعل ماضي، وكلا: فاعل، وهو مضاف والرجلين: مضاف إليه، نقول: فاعل مرفوع ورفعه ضمةٌ مقدرةٌ على آخره، منع من ظهورها التعذر؛ لأن الألف لا يمكن تحريكها، كلا: مضاف، والرجلين مضاف إليه، وقل فيما يأتي مثله.
ومثله: جاءتني كلتاهما، كلتا: على الألف يقدر، كلتا المرأتين، كلتا المرأتين، حينئذٍ لم يضف إلى الضمير، كلتا المرأتين، لم يضف إلى الضمير، كلتا المرأتين: حينئذٍ يكون مقدراً على الألف، ولهذا قال المصنف:
وَكِلا إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، ثم قال:
اثْنَانِ واثْنَتَانِ كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ: وبعضهم في (كلا) و (كلتا) يعرب الصنفين النوعين إعراب المقصور مطلقاً، يعني: سواءً أضيف إلى الضمير أو إلى الاسم الظاهر، يعني: بنوعيه المضاف إلى الضمير، أو الاسم الظاهر يعربه بماذا؟ بالحركات المقدرة على آخره، فيقول: .. مثاله؟ جاء الزيدان كلاهما، ورأيت الزيدين كلاهما، ومررت بالزيدين كلاهما، يلزمها مطلقاً، والظاهر أن هذه لغة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كثير ما يأتي بـ (كلا) مضاف إلى الضمير، ومع ذلك يلزمه الألف، وتجد الآن المحققين يقول: في جميع النسخ بإلزام الألف وهو خطأ، هكذا، يقول: في جميع النسخ التي أمامي كلها بإلزام الألف وهو خطأٌ.
ما شاء الله تبارك الله! يا أخي ارفع السماعة واسأل!
قد يكون ليس بحثه في النحو، لكن السؤال طيب، والتخطئة هكذا الهجوم هذا غلط، حينئذٍ نقول: هذه لغة، فإذا جاء في لسان عالم، وخاصةً كشيخ الإسلام رحمه الله حينئذٍ نحمله على هذا.
إذاً: (كلا) و (كلتا) إذا أضيفتا إلى الضمير ألحقت بالمثنى.
اثْنَانِ واثْنَتَانِ كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ: هذا اللفظ الثالث والرابع، هي أربعة ألفاظ ذكرها الناظم: (كلا) و (كلتا) وهذا بشرط (واثنان) (واثنتان) هذا بدون شرط، (اثنان) (واثنتان) هذا اسمان من الأسماء الدالة وضعاً على اثنين وليس بمثنيين حقيقةً؛ لأننا أخرجناهما بماذا، بأي قيد في الحد السابق؟ صالح للتجريد، إذاً: هو دل على اثنين بزيادةٍ، فيه زيادة في آخره، لكنه غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه.
اثْنَانِ واثْنَتَانِ: في لغة تميم ثنتان بدون همزة، ثنتان هو جائز، اثْنَانِ واثْنَتَانِ: هذا مثنى المعنى مفرد اللفظ، كابنين وابنتين، ابنين وابنتين: هذا ملحق أو حقيقي؟ حقيقي، إذاً: شبه الملحق بالحقيقي، قال بعضهم: لما لم يتزن له أن يقول: مثل المثنى أتى بمثالين منه، يعني: ليس المراد خصوص ابنين وابنتين لهما مزية، لا مراده أي مثنى، لكن اثنان واثنتان إعرابهما إعراب المثنى الحقيقي، ولذلك شبه بابنين وابنتين.


لما لم يتزن له أن يقول مثل المثنى أتى بمثالين منه، وأقام ذلك مقام قوله كالمثنى، وقال آخر: كان يمكنه أن يقول: مثل المثنى فيه يجريان، أي: في الرفع بالألف، كابنين وابنتين يجريان، يعني: مجرى المثنى الحقيقي في حكمه في أنه يرفع بالألف، كمجرى المثنى الحقيقي في الإعراب مطلقاً، يعني: سواء أفردا أم أضيفا؛ لأن اثنين واثنتين يستعملان مقطوعين عن الإضافة ويستعملان بالإضافة، تقول: جاء اثنان .. رأيت اثنين .. مررت باثنين، مقطوع عن الإضافة: ((حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ)) [المائدة:106] اثنان: مرفوع.
كذلك إذا رُكبا: جاء اثنا عشر رجلاً .. رأيت اثني عشر رجلاً، حينئذٍ ركبت وأعربت إعراب المثنى، ((مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً)) [البقرة:60] أو أضيفا نحو: اثناكم واثنتاكم، هذا على خلاف: هل يجوز إضافتهما أم لا؟ إذاً: اثنان واثنتين كابنين وابنتين يجريان، يعني: كمجرى المثنى الحقيقي في إعرابه بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً مطلقاً بدون شرط أو قيد، سواء أضيفا أم قطعا عن الإضافة مطلقاً، فلا فرق بينهما.
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ

إذاً: بين لنا الحكم الأول: أن المثنى يرفع بالألف، ثم بين أربعة ألفاظ ملحقةٌ بالمثنى، قلنا: بقي ماذا؟ بقي المسمى به، وهذا فيه لغتان، يعني: في إعرابه: أنه يعرب إعراب المثنى، قبل التسمية؛ لأن مدلوله صار فرداً واحداً: زيدان، هذا يصدق على اثنين، ثم نقلته .. جعلته علماً، صار مدلوله كمدلول زيد شخص واحد، إذاً: خرج بقوله: ما دل على اثنين، هذا ليس بمثنى؛ لأنه دل على واحد، إذاً: صار ملحقاً بالمثنى، فحينئذٍ فيه لغتان:
أولاً: إعرابه قبل التسمية، وهذا وجه إلحاقه بالمثنى.
الوجه الثاني: أنه يلزم الألف ويمنع الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، يعني: تقول: جاء الزيدان، هذا يلزم .. أنه يلزم الألف ويُمنَع الصرف للعلمية وزيادة .. يعني: بالحركات، يعرب بالحركات إعراب الممنوع من الصرف، جاء الزيدانُ، ورأيت الزيدانَ، مررت بالزيدانَ، فهو ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، إذاً: فيه مذهبان نؤكد:
أولاً: أنه يعرب إعراب المثنى، جاء الزيدان .. رأيت الزيدين .. مرربت بالزيدين، مثلما تقول: جاء المسلمان .. رأيت المسلمين .. مررت بالمسلمين، هذا نقول: إعرابه ملحق بالمثنى.
وجه آخر ليس داخلاً في الملحق بالمثنى: وهو أنه يعرب إعراب الممنوع من الصرف مع إلزامه الألف، الزيدان دائماً: رفعاً ونصباً وجراً، وتظهر الحركات على النون. ... ثم قال:
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ


أراد أن يبين ما ينصب به المثنى، فبين أن الياء تقوم مقام الفتحة والكسرة: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا .. تخلف الياء، أي: تقوم مقامها .. مقام الألف، وتخلف الياء الألفَ، تخلف: فعل مضارع، والفاعل: الياء، والألف: مفعول به، إذاً: الياء تخلف الألف، يعني: ما معنى تخلف الألف؟ يعني: تقوم مقامها، في بيان مقتضى العامل لا في النوع الخاص بالألف وهو الرفع، والمراد: الخُلْفُ، ولو تقديراً ليدخل نحو: لبيك، ما لم يستعمل مرفوعاً كما سيأتي في الإضافة.
إذاً: وَتَخْلُفُ أي: تقوم مقامها الْيَا أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها، إذا خلفت الياء الألف المعنى قد يكون أنها نابت عنها لا، لا تنوب عنها، الياء هذه علامة نصبٍ، والألف علامة رفعٍ فلا ينوب ما جعل علامةً للنصب والجر عما جعل علامةً للرفع، إذاً: تخلف، أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها.
الْيَا: نقول: الياء فاعل تخلف، قصره للضرورة، الياء هذا الأصل، قصره للضرورة، والألف: مفعول به، (وجراً ونصباً): هذا بعضهم أعربه حال من المجرور بفي، يعني: مجرورةً ومنصوبةً.
قال الصبان: وفيه أن مجيء المصدر حالاً وإن كان كثيراً مقصوراً على السماع لا يقاس عليه، فالأولى كونه منصوباً على الظرفية بتقدير حذف مضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والأصل: وقت جرٍّ ونصبٍ كما في آتيك طلوع الشمس، يعني: وقت طلوع الشمس، إذاً: جراً ونصباً ليس حالاً، حالة كونها مجرورةً ومنصوبةً، بل نقول: في وقت جرٍ وفي وقت نصبٍ، متى تخلف الياء الألف جراً ونصباً؟ يعني: في وقت جرٍ ونصبٍ.
فِي جَمِيعِهَا: الضمير يعود على ماذا هنا؟ على المثنى وما ألحق به، أي: في جميع الألفاظ المتقدم ذكرها، لكنه لم يذكر أفراداً للمثنى الحقيقي، وإنما ذكره جملةً، بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى هذا تحته عشرات مئات آلاف الأمثلة، ثم ذكر: كلا وكلتا واثنان واثنتان، أربعة، إذاً: ارجع الضمير على ما هو عام وهو المثنى، وعلى ما هو خاص وهو (كلا) وما عطف عليه.
جَمِيعِهَا: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا، أي: جميع ما ذكر، سواء ذكره على وجه العموم في المثنى، أو على وجه الخصوص في الملحقات، جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: هذه الياء تكون بعد فتحٍ، احترازاً من الياء التي تكون في جمع التصحيح؛ لأنها تكون بعد كسرٍ، فرق بين المسلمين والمسلمين.
بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها، لما قبل الياء، قَدْ أُلِفْ، يعني: قد صار مألوفاً، لماذا صار مألوفاً؟ هنا نعلل بالسماع، قَدْ أُلِفْ، يعني: كأنه قال: قد عُلِمَ أوُلْفَة هذه الفتحة بكونها قبل الياء، ولا يوجد مثنى ياءٌ يعني: في حالة الياء نصباً وجراً وما قبله يكون مكسورً البتة، بل لا بد أن يكون مفتوحاً، وأما الجمع هو الذي يأتي بالكسر.
جراً ونصباً بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها قد ألف، (قد ألف) قالوا: هذا في معنى التعليم، ذكره وإن كان يؤخذ الفتح من السكوت على ما قبل الألف الذي هو مفتوح؛ لأن التصريح أقوى في البيان، ولإفادة علة فتح ما قبل ياء المثنى وهي: أُلفَة الفتح مع الألف:
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ


بَعْدَ فَتْحٍ، أي: بعد إبقاء الفتحٍ الذي كان قبل الألف؛ لأنه مما أُلِفَ: أن الألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، فالعبرة هنا بالأصل، يعني: خلفت الياء الألف، ثم ما قبل الألف ما هو؟ فتحة، هل نغيرها أم نبقيها كما هي؟ قال: أبقها، لماذا؟ لأن ثم أُلفَةً بين الألف والفتحة، تبقى على ما هي عليه في حالتي الجر والنصب؛ لأن النصب والجر هو في المعنى خلفٌ عن الرفع.
ولذلك الأصل أن يرفع الاسم، ثم يُنْتَقَل منه إلى النصب، ثم يُنْتَقَل منه إلى الجر، ولذلك: الأصل في الياء أنها تكون علامةً لأي شيء؟ للجر لا للنصب، وإنما هنا حمل النصب على الجر، سيأتي تعليله في جمع المذكر السالم، فحينئذٍ صار عندنا علامتان للمثنى، وهما الألف رفعاً والياء نصباً وجراً.
لكن هل الياء في الجر والنصب متحدتان أم مختلفتان؟ نقول: مختلفتان، وإن جرى في النطق أنهما متحدان كما قلنا في الضم والضمة .. في البناء والإعراب، لماذا؟ لأنك تقول: رأيت المسلمين، ومررت بالمسلمين، رأيت المسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن ماذا؟ عن الفتحة، وبالمسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن الكسرة.
مقتضي: العامل الذي يقتضي الياء التي نابت عن الكسرة هل هو عين المقتضي العامل الياء النائبة عن الفتحة؟ الجواب: لا، إذا اختلف العامل لزم من ذلك أن يتخلف التأثير، فالأثر الذي أحدثه عامل الجر لا يمكن أن يكون هو عين الأثر الذي أحدثه عامل النصب فافترقا.
ولذلك نقول: الأصل في الياء أنها عبارة عن كسرتين، كما أن الأصل في الألف أنها تكون للنصب لا للرفع.
وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ

قال الشارح هنا: وحاصل ما ذكره: أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، هذا هو المشهور، وصحح أنه معربٌ بحركات مقدرة، والصواب: أنه متى ما نقل تغيير وتبديل الحروف حروف العلة لاختلاف العوامل فتعليق الأثر بهذا الحرف أولى من التقدير؛ لأن العرب ما غيرت، جاء رجلان، ورأيت رجلين، ومررت برجلين، خاصةً مع الصحة وجواز إقامة الحرف عن الحركة، هذا أولى من التكلف.
ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقاً، يعني: فيه لغة أخرى، وهي: إلزامه الألف مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، وتقدر عليه الحركات، وهذه اللغة أنكرها المبرد، قالوا: وهو محجوج بالسماع.
والإعراب يكون بحركات مقدرة عليها، كالمقصور، وبعض من يلزمه الألف يعربه بحركات ظاهرةٍ على النون كالمفرد الصحيح، إذاً: فيه لغة ثالثة لكنها قليلة جداً، إذاً: المشهور أنه يعرب بالحروف، هناك من يلزمه الألف ويعربه بالحركات مقدرةً على الألف، وهناك من يلزمه الألف ويعربه بحركات ظاهرة على النون، فيقول: جاء الزيدانُ، ورأيت الزيدانَ، ومررت بالزيدانِ، وهي لغة قليلة جداً، لكن لا يجري الإنسان في كلامه إلا على الفصيح الذي سمع وكثر استعماله في لسان العرب.
إذاً: هذا خلاصة المثنى: أنه ما دل على اثنين بزيادةٍ في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه، أنه يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، ألحق به خمس كلمات: كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، والاسم المسمى به.
بقي الشروط هذه نأتي عليها غداً إن شاء الله.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!