شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* بيان الباب الرابع من أبواب النيابة (جمع المؤنث السالم) ـ
* حده -حكمه -حكم الملحق به
* فائدة: أقسام المؤنث - أشهر علامات التأنيث.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وآله
وصحبه أجمعين، أما بعد:
لما فرع المصنف رحمه الله تعالى من بيان ما ناب فيه حرف عن حركة من
الأسماء، شرع في بيان ما نابت فيه حركة عن حركة، وهو شيئان، -هو أمران
أو بابان-: ما جمع بألف وتاء وما لا ينصرف.
ما جمع بألف وتاء وهو: جمع المؤنث السالم، كذلك ما لا ينصرف وهو
الممنوع من الصرف، وبدأ بالأول الذي هو ما جمع بألف وتاء؛ لأن فيه حملَ
النصب على غيره، والثاني فيه حمل الجر على غيره، والأول أكثر، إذاً
أنهى ما يتعلق بما ناب فيه حرف عن حرف وهو ثلاثة أبواب: الأسماء الستة،
والمثنى، وجمع المذكر السالم.
ثم شرع فيما ناب فيه حركة عن حركة وبدأ بجمع المؤنث السالم.
قال رحمه الله تعالى:
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا ... يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفِي
النَّصْبِ مَعَا
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، هذا تعريف لما يسمى بجمع المؤنث
السالم، ولذلك عدل الناظم رحمه الله تعالى عن قوله بجمع المؤنث السالم؛
لأن ثَمَّ اعتراضاً على هذا التركيب، لأنه يقال الجمع، -قلنا: الجمع
المراد به الضم، ضم شيء إلى شيء آخر- وأنه من باب إطلاق المصدر وإرادة
اسم المفعول أي المجموع، والمؤنث هذا وصف لمفرد محذوف مقدر، جمع المفرد
المؤنث؛ لأن التأنيث والتذكير إنما يوصف بهما اللفظ دون المعاني هذا
الأصل فيه.
جمع المؤنث السالم قالوا: المؤنث هذا احتراز، هذا الأصل فيه، جمع
المؤنث، هذا التقييد ليس لبيان الواقع وإنما هو للاحتراز.
إذاً جمع المؤنث أخرج جمع المذكر، حينئذٍ وجدنا أن ما يُجمع بألفٍ وتاء
منه ما هو مذكَّر كحمَّام قالوا: يُجمع على حمامات، وإسطبل يجمع على
إسطبلات، إذاً لم يتوفر فيه هذا القيد حينئذٍ كيف نقول أنه جمع مؤنث
وهذا ليس بمؤنث؟
كذلك السالم، سالم المراد به الذي سلم واحده، وهذا أيضاً ليس بمطرد؛
لأنه قد يسلم وقد لا يسلم، ضخمة: قالوا يجمع بألف وتاء على ضخمات، هذا
سَلِم واحدهُ، وسجدة: يجمع على سجدات لم يسلم، (سجْ) هذا بإسكان الجيم،
سَجَدَات بحركة الجيم، كذلك حبلى: يُجمع على حبليات، قلبت الألف ياءً،
صحراء: يجمع على صحراوات قلبت الهمزة واواً، صحراوات، إذاً هذا اللقب
صار غير جامع لكل أفراده، حينئذٍ عدل ابن مالك رحمه الله تعالى إلى
قوله: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا؛ لما ورد من الاعتراض على ذلك
اللقب.
لكن أجابوا وهو قول الجمهور - أكثرهم يعبرون بهذا - قالوا: أنه صار
علماً، وإذا صار علماً حينئذٍ صار جامداً، فلا مفهوم لقوله المؤنث كما
أنه لا مفهوم لقوله السالم، حينئذٍ الأكثر فيه أنه يكون مؤنثاً والأكثر
فيه أنه يكون سالماً، ولذلك أجابوا بهذا: أنه صار علماً، وإذا صار
علماً حينئذٍ لا معنى له كما يسمى زيد مثلاً: زيد نقول: زيد ليس له
معنى وإنما هو يدل على ذات، وقد يسمى صالح ٌوالمراد به الذات فقط،
حينئذٍ نقول لا يدل على معنى كذلك جمع المؤنث السالم قالوا: ليس ثَمَّ
ما يحترز به عن المذكر بقوله المؤنث، أو يحترز به عما تغيرت صيغته ولم
يسلم مفرده في ضمن الجمع كسجدة ونحوها.
قال رحمه الله: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا.
هذا تعريف للجمع الذي يجمع بألف وتاء،
(وما) هذا اسم موصول بمعنى (الذي)، يصدق على ماذا؟ يصدق على اسم معرب،
لكن يجب أن نفسر هذا الاسم بأنه جمع، جمعٌ بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ
جُمِعَا، جمعٌ، إذاً (ما) اسم موصول بمعنى الذي، حينئذٍ يفسر بالجمع.
بـ (تاء): هذا بالتنوين، بتً هذا الأصل فيه، لكن يجوز فيه الوجهان: بتا
للتنوين؛ لأنه مقصور للضرورة، والمقصور إذا لم تدخل عليه (أل) ولم يضف
ولم يوقف عليه يُنون هذا الأصل، فتىً هذا إذا لم يوقف عليه فتى ينون،
وإذا لم يدخل عليه (أل) الفتى نقول هذا لا ينون يترك تنوينه، كذلك بتً
هذا الأصل، وما بـ (تً) وألفٍ، لكن قد يُجرى الموقوف مجرى الوصل حينئذٍ
يقال وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، يعني: يجوز فيه الوجهان: إما إنه ينون على
الأصل في فتىً أنه إذا وصل ولم تدخل عليه أل ولم يوقف حينئذٍ نقول وجب
تنوينه.
وكذلك بـ (تً)، فإعرابه حينئذٍ مقدر على الألف المحذوفة لا على الهمزة
المحذوفة؛ لأن حذف الألف لعلة تصريفية، والمحذوف لعلة تصريفية كالثابت
بخلاف الهمزة فهي أحق من الهمزة بجعلها حرف الإعراب ويجوز ترك تنوينه
للوصل بِنيَّة الوقف، يجوز ترك التنوين للوصل بنية الوقف، وَمَا بِتَا
وَأَلِفٍ، ويجوز: وما بـ (تً)، حينئذٍ يكون الإعراب على الألف المحذوفة
للتخلص من التقاء الساكنين، كما إذا قلت: جاء فتىً، جاء فعل ماضي،
وفتىً فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء
الساكنين.
أين الألف؟ ليست منطوقاً بها، وإنما هي مقدرة، لماذا؟ للتخلص من التقاء
الساكنين، أين الساكنان؟ الألف والتنوين، ما حكم التنوين هنا؟ واجب؛
لأنه مُنَكَّر، حكم التنوين أنه واجب في الوصل أما في الوقف فترجع
الألف.
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، بِتَا: جار ومجرور متعلق بقوله: قد جُمعَ، جُمع
هذا فعل ماضي مغيَّر الصيغة، و (قد) هذه تفيد التحقيق، والألف هنا
للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ما)، إذاً الذي جمع بـ
(تا)، حينئذٍ جُمِعَ نقول هذا صلة الموصول، لأن (ما) قررنا أنها اسم
موصول بمعنى (الذي) يصدق على جمعه.
حينئذٍ أين صلته؟ لابد من صلةٍ تفسِّر هذا الموصول، و (ما) قد جمع بتاء
وألف، الباء متعلقة بجُمع، حينئذٍ نفسر الباء بكونها باء السببية، أو
ما يسميها البعض بباء الآلة، يعني: التي كانت سبباً في إفهام هذا اللفظ
للجمعية، وأما إذا كانت زائدة كلتاهما أو إحداهما حينئذٍ لا يفهم منه
الجمع، إذاً بتاء نقول: الباء متعلقة بجُمِعَ، أي: ما كان جمعاً بسبب
ملابسته للألف والتاء، أي: كان لها أو لهما مدخلٌ في الدلالة على
جمعيته.
فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء فحسب، ليس كلما وُجدت الألف
والتاء حينئذٍ نقول هو جمع بألف وتاء؛ لأنه يوجد أموات، عندنا هندات
وأموات وأصوات وقضاة وغزاة، ما الفرق بينها؟ هنداتٌ، نقول: الألف
والتاء هي سبب الجمعية، من أين فهمنا الجمعية من هندات؟ نقول: بسب
الألف والتاء، إذا كانت بسب الألف والتاء نعلم أنهما مزيدتان.
وإذا فسرنا الباء بأنها باء السببية أو باء
الآلة حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: بتاء وألف مزيدتين، لا نحتاج إلى هذا
-نزيد لفظ مزيدتين-، لماذا؟ لأن السببية كون الألف والتاء سبباً في
حصول الجمعية معناه أن هذه الألف وهذه التاء مزيدتان، فلا نحتاج إلى
قيد فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء؛ لأنه إذا قيل أموات،
هذه التاء أصلية أم زائدة؟ أصلية؛ لأنه يقال: ميتٌ، فهذه التاء أصلية.
قضاة، هذه الألف أصلية، والتاء زائدة، حينئذٍ قضاة وأموات، هل فُهم
الجمع من الألف والتاء فيهما؟ أمواتٌ، هل فُهم الجمع من الألف والتاء؟
الجواب: لا، كذلك قضاة، هل فُهم الجمع من الألف والتاء؟ الجواب: لا، بل
فُهم بالصيغة، الصيغة نفسها هي التي دلت على الجمعية، ولذلك لا نحتاج
إلى الاحتراز نقول: الألف والتاء المزيدتين احترازاً من الألف في قضاة،
والتاء التي في أموات، هذا كله لا نحتاجه، لماذا؟ إذا فسَّرنا الباء
بأنها للسببية، هذا الشيء سبب في هذا الشيء، حينئذٍ نقول: هو زائد عنه،
فحينئذٍ إذا كان كذلك فُهم أنهما مزيدتان فحصل الاحتراز ضمناً عن نحو:
أموات وقضاة.
فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء ولو من غير ملابستهما
للكلمة، بل السبب ملابستهما لها -هذا هو السبب- كونها زائدة على هذه
الكلمة وأفادت الجمعية بسبب وجود هذه الألف والتاء حينئذٍ نقول: هذا هو
الجمع الذي جُمِع بسبب وجود الألف والتاء، الأصل أن يقال: هندٌ، ثم
قلت: هنداتٌ، جئت بالألف والتاء -هما مزيدتان- صارت الألف والتاء سبباً
في فهم الجمعية من هندات، وإلا الأصل هو: هند لمَّا زيدت عليه الألف
والتاء -لم زدت الألف والتاء-؟ لمجرد الملابسة فحسب، أو لقصد إفادة
الجمعية؟ الثاني.
إذاً الألف والتاء مزيدتان، فإذا قيل بأن الباء لمجرد الملابسة لا
للسببية، حينئذٍ قد يقال: بأنه يُحتاج إلى أن نُضيف (قيد مزيدتين)؛ لأن
الملابسة مطلق الاشتمال فحسب، كون الألف والتاء موجودة فيما يدل على
جمعٍ، وحينئذٍ نقول: هندات وأصوات وأموات وأبيات وغزاة وقضاة، هذه
الكلمات تلبَّس بها ألفٌ وتاء، ثم ما وجه التلبس؟ قد يكون أحدها زائداً
كما هو الشأن في قضاة وأصوات، وقد يكونا زائدتين الألف والتاء، وقد
يكون سبب الزيادة إفادة الجمعية، حينئذٍ إذا فُسِّرت الباء بالملابسة
احتجنا إلى القيد، فنقول: بتاءٍ وألفٍ مزيدتين، احترازاً عن التاء
الأصلية في نحو ميتٌ، وأصوات؛ لأن أصلها صوت وميت.
حينئذٍ فُهمت الجمعية من نفس الصيغة لا بسبب الزيادة، كذلك قضاة أصلها
قُضَيَة، هذه الألف منقلبة عن ياء، وغزاة هذه الألف منقلبة عن واو،
غُزَوَة تحركت الواو وانفتح ما قبله فقلبت ألفاً، حينئذٍ نقول: هذه
أصلية، ومتى يُفهم منها الجمعية؟ إذا كانت زائدة، وإذا كان كذلك،
حينئذٍ لا ينبغي أن نُفسِّر الباء بأنها للملابسة، بل نقول: هي للسببية
فحسب.
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، يعني: بسبب باء الآلة، نقول: تفيد زيادة الألف
والتاء، فلا حاجة للتقييد بزيادتها.
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا: وما
جمُِعَ بألف وتاء، هذا فيه تكرار، وما قد جُمعَ -جمعٌ جُمِعَ- نحن
فسرنا ما بماذا؟ بجمع، وهنا نقول: وما قد جمعا، جمعٌ قد جمع، إذاً هذا
صار جمع الجمع وليس جمع المفرد، حينئذٍ نقول: لابد من التأويل، جمع قد
تحققت جمعيته وحصلت وثبتت بسبب ألف وتاء، إذاً ثم فرق بين اللفظين: جمع
قد جمع، يعني: جمع قد حصلت جمعيته وتحققت بسبب زيادة ألف وتاء.
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، هذا هو حقيقة جمع المؤنث السالم.
ثم اعلم، -إذا عرفنا هذا-، أن الجمع -جمع المؤنث السالم- هو: ما تحققت
جمعيته بألف وتاء، أن المؤنث من حيث هو له أقسام باختلاف الاعتبارات،
يعني: ينقسم باعتبار معناه إلى قسمين، وينقسم باعتبار لفظه إلى قسمين.
أما الاعتبار الأول -وهو تقسيم المؤنث باعتبار معناه- ينقسم إلى نوعين
اثنين: إلى حقيقي، وإلى غير حقيقي وهو المسمى بالمجازي، إذاً باعتبار
المعنى، المؤنث ينقسم إلى قسمين: حقيقي ومجازي، ما هو الحقيقي؟ قالوا:
الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل ولو من طريق البيض والتفريخ كالطيور،
قالوا: هذا مؤنث تأنيثاً حقيقاً، وهذا أكثر ما يستعمل في باب الفاعل.
وإلى غير حقيقي وهو المجازي، وهو عكسه ما كان مؤنثاً ولا يلد ولا
يتناسل مثل: أرض، وشمس، أرض مؤنث أو مذكر؟ مؤنث، وما الدليل؟ (تِلْكَ
الأَرْضُ)، (تِ)، هذا اسم إشارة لمؤنث، أما {خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَاوَاتِ} ليس فيه دليل، إنما نأتي بشيء مؤنث يعود على أرض، كذلك
أُريضة، هذه أرض ولا تقل هذا أرض، هذه أرض، ويُصَغَّر على أُريضة،
والشمس مؤنث أو مذكر؟ مؤنث، ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي)) [يس:38] تجري ما
قال يجري، قال: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي)) [يس:38]، دلالة على أنها مؤنث،
إذاً هل الشمس وهي مؤنث تأنيث مجازي يلد؟ لا يلد، إذاً ما لا يلد يقال
فيه أنه مجازي أو غير حقيقي، هذا باعتبار المعنى.
وينقسم كذلك باعتبار لفظه إلى لفظي وهو ما كان مشتملاً على علامة تأنيث
ظاهرة، التأنيث اللفظي هو: ما كان مشتملاً على علامة تأنيث ظاهرة سواء
كان دالاً على مؤنث أم مذكر، مثل فاطمة وطلحة، فاطمة هذا مؤنث تأنيث
لفظي ومعنوي، لكن هنا باعتبار اللفظي هو مشتملٌ على علامة التأنيث وهي
التاء.
وطلحة مؤنث تأنيثاً لفظياً لاشتماله على علامة التأنيث وهي التاء، أليس
كذلك؟ مسمى فاطمة وعائشة نقول مؤنث، ومسمى طلحة مذكر، إذاً اجتمعا في
اللفظ فحسب وهو كون اللفظ قد اشتمل على علامة تأنيث وهي التاء.
إذاً لفظي وهو ما كان مشتملاً على علامة تأنيث ظاهرة سواء كان دالاً
على مؤنث أم مذكر مثل فاطمة وطلحة.
النوع الثاني: القسم الثاني باعتبار لفظه: التأنيث المعنوي: وهو ما كان
لفظه خالياً منها يعني من علامة التأنيث، مع دلالته على التأنيث نحو:
زينب وشمس، زينب لما يعقل وشمس لما لا يعقل، زينب نقول مؤنث أو لا
مؤنث، هل اتصل به علامة تأنيث؟ الجواب: لا، مسماه مذكر أو مؤنث؟ مؤنث،
إذاً هذا تأنيث معنوي، باعتبار كونه يلد أو لا يلد أو باعتبار لفظه؟
باعتبار لفظه، هذه مهمة.
وأشهر علامات التأنيث في الاسم خمسة، أشهر ما يدل على التأنيث في الاسم
خمسة:
الأول: التاء المربوطة التي أصلها الهاء
نحو: شجرة.
ثانياً: ألف التأنيث المقصورة نحو: دنيا وحبلى.
ثالثاً: ألف التأنيث الممدودة: نحو صحراء وخضراء وحمراء، وأيُّ هذه أشد
في الدلالة على التأنيث؟ المقصورة والممدودة، هذه أشد من تاء التأنيث
المربوطة، هذه أشد منها، سيأتينا هذا بحثه في الممدود والمقصور.
رابعاً: الكسرة في مثل الضمير أنتِ وضربكِ، (ك) مكسورة هذا يدل على
التأنيث.
خامساً: نون الإناث في نحو: قُمْنَ، نقول: هذا يدل على التأنيث.
هذا أشهر، ثَم هناك ما هو علامات لكن هذا أشهرها، إذا عرفنا هذا، -هذه
قاعدة- حينئذٍ نقول: مفرد هذا الجمع وهو ما جمع بألف وتاء قد يكون
مؤنثاً لفظياً ومعنوياً معاً، الآن عرفنا التقسيم، الآن نقول مفرد هذا
الجمع -جمع المؤنث السالم، أو ما جمع بألف وتاء- قد يكون مؤنثاً لفظياً
ومعنوياً معاً مثل فاطمة وعائشة، فاطمة نقول هذا مؤنث تأنيثاً معنوياً
ولفظياً، معنوياً؛ لأن مسماه مؤنثاً، ولفظياً؛ لأنه اشتمل على علامة
التأنيث وهي التاء، وقد يكون مفرده مؤنثاً معنوياً فقط، نحو: زينب،
نقول: هذا مؤنث تأنيثاً معنوي فقط، وقد يكون مفرده مؤنثاً لفظياً فقط
مثل: طلحة، إذاً فاطمة نقول: مؤنث تأنيثاً لفظياً ومعنوياً معاً،
ويُجمع بألف وتاء فاطمات على إسقاط علامة التأنيث، وكذلك ما كان مؤنثاً
تأنيثاً معنوياً فقط نحو هند، نقول: يجمع بألف وتاء فيقال فيه: هندات،
وما كان مفرده مؤنثاً تأنيثاً لفظياً فقط كذلك يجمع بألف وتاء مثل
طلحات، وسبق معنا أنه أيضاً يجمع بواو ونون، يقال: طلحون، ويقال فيه:
طلحات، أو يكون مؤنثاً تأنيثاً لفظياً بالألف المقصورة نحو حبلى يجمع
على حبليات، أو يكون مؤنثاً تأنيثاً لفظياً وعلامته الهمزة الممدودة
صحراء يقال فيه صحراوات، أو مذكراً كاسطبل يقال فيه: اسطبلات.
إذاً هذه أنواع للمفرد الذي يجمع بألف وتاء، إذا عرفنا ذلك حينئذٍ
نقول: لابد مما يجمع بألف وتاء من شروط، هذه الشروط جمعها الناظم في
قوله:
وقسه في ذي التاء ونحو ذكرى ... ودرهم مصغر وصحرا
وزينب ووصف غير العاقل ... وغير ذا مسلم للناقل.
هذه شروط لابد من استيفاءها فيما يجمع بألف وتاء، بعد أن عرفنا تقسيم
المؤنث باعتبار معناه وباعتبار لفظه، وعلامات التأنيث ثم أنواع المفرد
الذي يجمع من حيث التأنيث حينئذٍ لابد من معرفة الشروط التي يجب
استيفاؤها:
أولها: كل ما في آخره التاء زائدة، لذا
قال: وقسه في ذي التاء، قسه؛ لأن جمع المؤنث السالم نوعان: منه ما هو
قياسي ومنه ما هو سماعي، وقسه في ذي التاء، يعني: كل ما كان مختوماً
بتاء التأنيث فجمعه بألف وتاء قياسي، وهذه التاء لاشك أنها زائدة ثم
هذا النوع نقول على جهة الإطلاق، أي: سواء كان علماً أم غير علم، علماً
مثل فاطمة هذا مختوم بتاء التأنيث، غير علم مثل زراعة وتجارة، لو قيل
تجارة يجمع على أي جمع؟ تجارات، لماذا جمعته بألف وتاء؟ تقول: لأنه
مختوم بتاء التأنيث، كما أن فاطمة وعائشة مختوم بتاء التأنيث، إذاً كل
ما كان آخره تاء التأنيث حينئذٍ نقول: يجمع بألف وتاء، سواء كان علماً
كفاطمة أو لم يكن علماً كتجارة نقول تجارات، وزراعة نقول زراعات.
مؤنثاً لفظاً ومعنى كفاطمة أم مؤنثاً لفظاً فقط كطلحة، وسواء أكانت
التاء للتأنيث -كما سبق- أم للعوض عن حرف أصلي نحو عِدَة وثبةٍ، وهذا
سبق معنا أن عِدَة هذه التاء عوض عن الفاء المحذوفة، أصله من الوعد،
عِدَة وزنه عِلَة، الفاء محذوفة، عِلة عِِدة، حينئذٍ نقول: حذفت فاؤه
اعتباطاً أو تخفيفاً وعوض عن هذه الفاء التاء في آخره، إذا أدرت جمعه
حينئذٍ تقول: يجمع بألف وتاء، عِدات ثُبات، إلى أخره.
وقد تكون التاء للمبالغة نحو عَلَّامة يجمع على علامات، إذاً كل ما كان
مختوماً بتاء التأنيث سواء كانت عوضاً عن أصل أو زائدة أو للمبالغة
سواء كان مسماه علماً أو لم يكن يجمع بألف وتاء، ولذلك قال: وقسه في ذي
التاء، يعني: صاحب التاء، -كل ما كان مختوماً بتاء-.
ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد مؤنث عند جمعه جمع مؤنث سالم؛ لأن هذه
التاء على نية الانفصال والانقطاع، إذا قلت: فاطمة زدته ألف وتاء، هل
تقول فاطمات أو فاطمتات؟ هل تبقي التاء كما هي أم تحذفها؟ يجب حذفها من
المفرد؛ لأنها تدل على التأنيث، والتاء التي معنا- ألف وتاء- نقول هذه
علامة على أي شيء؟ على التأنيث، حينئذٍ اجتمع فيه علامتا تأنيث، وهذا
ممتنع، إذاً يجب حذف التاء من آخر كل مفرد مؤنث عند جمعه جمع مؤنث سالم
لكي لا تتلاقى مع التاء التي في آخر الجمع، هذا الشرط الأول، وقسه في
ذي التاء.
ونحو ذكرى، وقال في آخره: وصحراء، -يجمع بينهما-، ما في آخره ألف
التأنيث المقصورة أو الممدودة مطلقاً، يعني: ما كان مختوماً بألف
مقصورة كحبلى، أو ألف ممدودة كصحراء مطلقاً، يعني: سواء أكان علماً أم
لا، صفة لمؤنث أم صفة لمذكر، نقول مطلقاً يجمع بألف وتاء، (سُعدى) علم
لمؤنث نجمعه على (سُعديات)، تقلب الألف ياءً، (فُضلى) صفة لمؤنث مختوم
بألف التأنيث المقصورة، نقول في جمعه: فضليات، بقلب الألف ياءً، دنيا
علم لمذكر، حسناء صفة لمؤنث، زهراء علم لمؤنث، زكريا علم لمذكر، حسناء
كيف يجمع؟ حسناوات، صحراوات.
إذاً الثاني ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة مطلقاً بدون
تفصيل.
ثالثها: كل علم لمؤنث حقيقي وليس فيه علامة تأنيث، الذي سميناه ماذا؟؟؟
...... يعني نحو زينب ماذا يسمى؟ مؤنثاً تأنيثاً معنوياً، يعني: بدون
علامة تأنيث لفظي، فزينب يجمع على زينبات، إلا ما كان مثل حذام عند من
يبنيه على الكسر في جميع أحواله –هذا يستثنى-.
رابعها: مصغر مذكر الذي لا يعقل، مذكر لا
يعقل، درهم هذا لا يصح أن يجمع درهمات، وإنما يجمع على دراهم، إذا
أردته جمع مؤنث سالم حينئذٍ صغره درهم دُريهم، دُريهمات، جبل، جبال،
وإذا أردناه بألف وتاء جُبيلات، غار هذا، نهر نُهير، نُهيرات، نهرٌ،
بحيرات.
خامسها: وصف المذكر غير العاقل، ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ))
[البقرة:184]، أياماً هذا جمع وهو غير عاقل، وصفته بمعدودات، معدودة
معدودات جمعته بألف وتاء لماذا جمع بألف وتاء؟ لأنه وقع وصفاً لما لا
يعقل، (جِبَالَ رَاسِيَاتٍ) راسية: راسيات.
سادسها، -هذا بعضهم زاده-: كل خماسي لم يسمع له عن العرب جمع تكسير،
هذا لم ينظمه هناك في الشاطبي وقسه في ذي التاء، كل خماسي لم يسمع له
عن العرب جمع تكسير مثل: (سرادقات، وحمامات، واسطبلات؛ جمع سرادق وحمام
واسطبل)؛ هذا يجمع بألف وتاء؛ لأنه لم يسمع عن العرب أنه جُمع جمع
تكسير، وما عدا هذه الأنواع الستة مقصور على السماع مثل: شمالات جمع
شمال نوع من الريح، وأرضات حينئذٍ نقول: هذا مصدره السماع، سماوات،
قياسي أو سماعي؟ سماعي -لأن السماعي مرده إلى السمع ليس عنده إلا أنه
نقل هكذا-، سماء -الهمزة ليست للتأنيث-، نحن نقول: علامة التأنيث مثل
صحراء، وحبلى، ألف ممدودة وألف مقصورة، سماء، لو كانت للتأنيث لمنعت من
الصرف، ولذلك تقول: صحراء، صفراء، هذه صفراء بدون تنوين، وجاء:
((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ)) [فصلت:12]، لو كانت للتأنيث ما نونت،
((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ)) [فصلت:12]، دليل على هذا سماوات الجمع
يردُّ الأشياء إلى أصولها حينئذٍ يرد السؤال: سماوات الألف والتاء هذه
زيدت من أجل التأنيث، الألف والتاء (سماوات) زيدت للتأنيث، الواو من
أين جاءت سماوات؟ هي التي قلبت همزة، أصلها سماوٌ وقعت الواو طرفاً بعد
ألف زائدة رابعة فقلبت همزة، مثل: بناء، الهمزة هذه منقلبة عن ياء
وليست عن واو، وأما سماء سماوات نقول: هذا سماعي.
وغير ذا مسلم للناقل، غير ما ذكر من الخمسة وما زدناه السادس مسلم
للناقل، يعني: سماعي، ومنه سماعي.
إذن: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا،
عرفنا حقيقته وشروطه، ما حكمه؟ قال: يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي
النَّصْبِ مَعَا، يكسر في الجر، نحن الآن نتحدث عن أبواب النيابة أليس
كذلك؟ وكونه مكسوراً بالجر هذا وافق أم خالف؟ وافق، لم ذكره؟ ليبين أن
النصب محمول على الجر كأصله يعني: جرى مجرى أصله، على سنن أصله، وهو
جمع المذكر السالم، جمع المذكر السالم نقول حمل فيه النصب على الجر،
لماذا؟ لأن الأصل فيه أن ينصب بالألف وأن يجر بالياء، لكنه ما نصب
بالألف وإنما نصب بالياء، والياء هذه علامة جر، إذاً حمل النصب فيه على
الجر، أليس كذلك؟ هنا جمع المؤنث السالم الأصل فيه أنه ينصب بالفتحة
على الأصل، لكنه نصب بالكسرة حملاً له على جره، هو أراد أن يذكر هذا
تعليلاً، قال: يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ ليجري على سنن أصله -وفي النصب-،
فيعلم حينئذٍ أن النصب هنا محمول على الجر، كما أن أصله جمع المذكر
السالم النصب فيه محمول على الجر –عكس-، ولذلك لم يذكر الرفع لم يقل:
يرفع بضمة، وإنما ذكر الجر والنصب فحسب وبقي حالة واحدة وهي الرفع
تركها عمداً وذكر الجر من باب التنبيه على العلية فحسب.
يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ: إنما ذكره مع أنه جاء على الأصل -والكلام في
النيابة- ولهذا لم يذكر الرفع للإشارة إلى أن النصب حمل على الجر،
وإنما نصب بالكسرة مع تَأَتِّي الفتحة، تقول: رأيت الهنداتَ، هل هذا
متعذر؟ ليس بمتعذرٍ، تتأتى الفتحة هنا ولا نحتاج إلى الكسرة وإنما نصب
بالكسرة مع تأتي الفتحة ليجري على سنن أصله وهو جمع المذكر السالم في
حمل نصبه على جره، يعني: من باب المناسبة فحسب، وهذا كله تعليل.
يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ مَعَا، معاً: منصوب على الحال
وهي بمعنى جميعاً عند الناظم فلا تقتضي اتحاد الوقت فلا إشكال على
مذهبه.
يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ على اللغة المشهورة في لسان
العرب، أنه في حالة النصب يكون منصوباً بالكسرة، ((خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44]، ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ))
[الصافات:153]، حينئذٍ نقول: هذا مفعول به منصوب، ((خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44]، خلق فعل ماضي، والله فاعل، السماوات
مفعول به على رأي الجمهور، وقيل: مفعول مطلق، حينئذٍ يكون منصوباً
بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، أو جمع بألف وتاء،
((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153]، أصطفى هو، البنات مفعول به
منصوب ونصبه كسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، الأول ((خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44] هذا مثال لما جمع بألف وتاء وهو
سماعي، ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153] هذا لما جمع بألف وتاء
وهو قياسي، وجوز الكوفيون نصبه بالفتحة مطلقاً، أي: حذفت لامه أو لا
–مطلقاً-، حذفت لامه أو لا.
وهشام فيما حذفت لامه، ومنه قول بعض العرب:
سمعت لغاتَهم، جمع لغة، هذا مما حذفت لامه، أصله لُغَوُنٌ، حذفت اللام
التي هي الواو وعُوِّض عنها التاء، لغاتَهم، ولم يقل لغاتِهم، القياس
أن يقول: لغاتِهم، وإنما قال لغاتَهم ردُّه إلى أصله بفتح التاء وهو
جمع لغة، أصلها لُغَوُن أو لُغَيِنٍ، يعني بالواو أو الياء، حذفت اللام
وعوض عنها هاء التأنيث ونصب بالفتحة لمشابهته المفرد، حيث لم يجرِ على
سنن الجموع في رد الأشياء إلى أصولها، وجبراً لحذف لامه ومحل هذا القول
ما لم يرد إليه المحذوف، فإن رد إليه نصب بالكسرة لانتفاء العلتين
كسنوات وعضوات.
لكن المشهور في لسان العرب أنه يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ
مَعَا، كسر إعراب خلافاً للأخفش بزعمه أنه مبني في حالة النصب وهو فاسد
إذ لا موجب لبنائه؛ لأن موجب البناء كما سبق شبه الوضع أو شبه الحرف في
وجوه الشبه السابقة، حينئذٍ جمع المؤنث السالم ليس فيه ما يوجب بنائه
فيبقى على الأصل وهو أنه معرب.
إذاً ما جمع بألف وتاء نقول هذا فيه قولان: معرب ومبني، والقول بأنه
مبني فاسد؛ لأنه لا موجب لبنائه، ثم هل هو معرب بالكسرة أو بالفتحة؟
البصرييون وجماهير النجاة على أنه بالكسرة نيابة عن الفتحة، ومذهب
الكوفيين أنه منصوب بالفتحة على الأصل مطلقاً، منصوب بالفتحة على
الأصل، حينئذٍ سواء كان مما حذفت لامه أو لا، وهشام على التفصيل.
ثم قال رحمه الله:
كَذَا أُولاَتُ وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ ... كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ
ذَا أَيْضاً قُبِلْ
كَذَا أُولاَتُ، أراد أن يبين لنا الملحق بجمع المؤنث السالم؛ المثنى
له محلقات، وجمع المذكر السالم له ملحقات، كذلك ما جمع بألف وتاء له
ملحقات، وهو نوعان، وزاد بعضهم ثالثاً ورابعاً، ذكر المصنف نوعين:
كَذَا أُولاَتُ، أولات كذا، كذا خبر مقدم، أولات قصد لفظه فهو علم صار
مبتدأً.
والثاني أشار إليه بقوله: وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ كَأذْرِعَاتٍ،
يعني: المسمى به وهو جمع مثل زيدون وزيدان إذا صار علماً، أذرعات هذا
جمع بل جمع الجمع، عرفات هذا جمع، هندات، مسلمات إذا سميت به صار مسمىً
به، إذاً صار ملحقاً بجمع المذكر السالم.
زاد بعضهم (اللات وذوات)، وهذه تأتي في
الموصولات، أما هنا ذكر: أُولاَتِ وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ، كَذَا
أُولاَتُ: أي مثل ما جمع بألف وتاء في إعرابه السابق أُولاَتُ، مثل ما
جمع بألف وتا، هو ليس منه حقيقة؛ لأنه لا يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء
إذ ليس له مفرد حتى نقول تزاد عليه الألف والتاء، ليس له مفرد لا واحد
له من لفظه، فهو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، حينئذٍ لا يصدق عليه حد
جمع المؤنث السالم، أي مثل ما جمع بألف وتاء في إعرابه السابق أُولاَتُ
والمقصود لفظ أُولاَتُ فيكون معرفة بالعَلَمية فإن اعتبرت أنه مؤنث
يعني صار مؤنثاً لتأوله بالكلمة أو اللفظة حينئذٍ منع من الصرف، صار
أولاتُ ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، لاجتماع العلمية والتأنيث
المعنوي، وإن اعتبر أنه مذكر لتأوله باللفظ أو الاسم صرف، لانتفاء
التأنيث، وهذا يكون شيئاً مطرداً، إذا كان علماً إن اعتبر من جهته كونه
اسماً حينئذٍ اجتمعت العلمية والتذكير، إذا اعتبر أنه مؤنث مع العلمية
صار ممنوعاً من الصرف، وإن اعتبرت مذكرةً لتأولها باللفظ أو الاسم
صرفت، وإنما لم تكن مؤنثة لفظاً لأن الذي فيها تاء التأنيث والمانع
للصرف هو هاء التأنيث، الذي يمنع من الصرف عند النحاة هو التاء
المربوطة وأما التاء المفتوحة ليست مانعة من الصرف ولذلك أُولاَتُ على
القول الأول بأنها ممنوعة من الصرف نقول للتأنيث المعنوي، قد يقول
قائل: لماذا لا نقول التاء هذه للتأنيث؟ نقول: نعم هي للتأنيث لكن
المانع من الصرف هو التاء المربوطة التي يوقف عليها بالهاء وأما التاء
المفتوحة لا ليست مانعة من الصرف كما سيأتي في محله.
إذاً: كَذَا أُولاَتُ هذا ملحق بجمع المؤنث السالم، حينئذٍ يرفع بالضمة
وينصب ويجر بالكسرة حملاً على ما جمع بألف وتاء، وهو اسم جمع لا واحد
له من لفظه، هل له واحد من معناه؟ نعم (ذو بمعنى صاحب) لأننا نفسر
أُولاَتِ بمعنى: صاحبات (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) يعني: صاحبات
حمل، حينئذٍ له واحد من لفظه ليس (ذو) وإنما (ذاتُ)، (ذو) للمذكر و
(ذات) للمؤنث، إذاً لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو (ذاتُ) وقد جاء
في القران (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) وسبق أن القاعدة أن ما خرج عن
الجمع القياسي فهو شاذ، كل ما خرج عن الجمع القياسي والمثنى القياسي
وجمع المذكر القياسي وجمع المؤنث السالم القياسي، نقول: هذا شاذ
والمراد بالشذوذ هنا أنه خالف القواعد النحوية العامة، أو القواعد
الصرفية، وأما ما ندر استعماله فهو شاذ استعمالاً لا قياساً وهذا ممتنع
وجوده في القران لا يجوز القول به البتة؛ لأن القران فصيح بل هو أعلى.
إذاً كَذَا أُولاَتُ، نقول: هذه لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو
(ذاتُ) (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ)، ويشترط في أُولاتِ أن تضاف إلى
ما يضاف إليه (ذو) وهو اسم جنس ظاهر، يعني لا تضاف إلى أي لفظ، بل
يشترط أن تضاف إلى اسم جنسٍ ظاهرٍ.
وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ .................. ... كَأذْرِعَاتٍ
فِيهِ ذَا أَيْضاً قُبِلْ
وَالَّذي، هذا النوع الثاني مما ألحق بجمع
المؤنث السالم وهو المسمى به، ما سمي به والأصل فيه أنه جمع بألف وتاء
ويدل على متعدد حينئذٍ نقول: صار مدلوله ماذا؟ جمع المؤنث السالم ما دل
على أكثر من اثنتين -ثلاث فأكثر هندات-، هند وهند وهند، هذا هو الأصل
زنيبات زينب وزينب وزينب لكن لو جعلت الزينبات علماً لامرأةٍ، حينئذٍ
صار مدلوله واحداً، إذاً ليس بجمع بل هو مفرد لكنه لما كان منقولاً
حينئذٍ يستصحب الحكم السابق قبل التسمية قبل العلمية، وَالَّذي اسْماً
قَدْ جُعِلْ والذي قد جعل اسماً من هذا الجمع، اسماً ما إعرابه؟ مفعول
ثاني، وأين والأول؟ قَدْ جُعِلْ هو نائب فاعل قَدْ جُعِلْ اسْماً يعني
من هذا الجمع.
كَأذْرِعَاتٍ بكسر الراء، وقد تفتح كما في القاموس أذْرَعات الذال
ساكنة والراء المشهور أنها مكسورة، وذكر في القاموس أنها تفتح
أذْرِعَاتٍ بكسر الراء وقد تفتح كما في القاموس، وهو اسم قرية بالشام
وذاله معجمة أصله جمع أذْرِعَة التي هي جمع ذراع فهو جمع الجمع وجمع
الجمع سماعي ليس بقياسي.
إذاً أذْرِعَاتٍ اسم مفرده قرية واحدة وهو جمع الجمع كَأذْرِعَاتٍ
فِيهِ ذَا قُبِلْ، فِيهِ: الضمير يعود إلى أذْرِعَاتٍ، ذَا: ما هو؟
الإعراب، فِيهِ: أي في أذْرِعَاتٍ، ذَا: الإعراب السابق أنه يجر
بالكسرة وينصب بالكسرة كذلك، أيْضاًً: أي كما قيل في أُولاَتُ قُبِلْ،
قُبِل: على اللغة الفصحى -لأن فيه لغات- أي: القبول القياسي؛ لأنه إنما
يتكلم في الأصول القياسية، أيْضاً: قلنا: أي كما قيل في أُولاَتُ،
أيْضاً: ما إعرابها؟ مفعول مطلق، (آض يئِِيِضُ أيضاً)، العامل فيه
محذوف وجوباً (آض يئِِيِضُ أيضاً)، المصدر آض -إذا رجع- وهو إما مفعول
مطلق حذف عامله، والأكثر على هذا، الأكثر على أنه مفعول مطلق، أو بمعنى
اسم فاعل حال حذف عاملها وصاحبها، إما أنها مفعول مطلق، أو بمعنى اسم
الفاعل، حال حذف عاملها وصاحبها قُبِلْ: أي هذا الإعراب.
قال الشارح: ثم أشار بقوله وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ إلى أنَّ ما
سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذْرِعَاتٍ، ينصب بالكسرة كما كان
قبل التسمية، هل يُنَوَّن؟ " نعم هذا الأصل فيه؛ لأن جمع المؤنث السالم
الأصل فيه إذا لم تدخل عليه (أل) أنه مُنَوَّن، هِنداتٌ مُنَوَّن أو
لا؟ ما نوع التنوين؟ هو اسم معرب منصرف، وتنوينه تنوين مقابلة ليس
تنوين صرف وحينئذٍ نقول ولو كان اسماً معرباً منصرفاً ولكن تنوينه هذا
تنوين مقابلة ولذلك قلنا: تنوين التمكين هو: اللاحق للأسماء المعربة ما
عدا ما جمع بألف وتاء؛ لأنه منصرف؛ لأن تنوينه غير تنوين صرف أو محلى
بـ (أل)، أو علمٌ وصف بابن حينئذٍ نقول هذا لا ينون تنوين صرف وإن كان
هو في الأصل معرباً ومصروفاً، إذاً ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية
به ولا يحذف منه التنوين، فلو سمي بهندات، تقول هذه هندات ورأيت هنداتٍ
ومررت بهنداتٍ، يبقى كما هو قبل التسمية.
قال المرادي: وإنما بقي تنوينه مع أن حقه
المنع من الصرف للتأنيث والعلمية أي إذا كان علماً لمؤنث؛ لأن تنوينه
ليس للصرف بل للمقابلة -أي وتنوين المقابلة يجامع علتي منع الصرف-؛
لأنه كيف يقال بأنه علمٌ لمؤنث اجتمع فيه علتا الصرف ومع ذلك ينون، هل
هذا إيراد استدراك أو شيء؟ هذه هندات، نقول هذا علمٌ ومؤنث اجتمع فيه
علتان من علل تسع، حينئذٍ الأصل فيه أنه يمنع من الصرف فكيف وجد فيه
التنوين؟ نقول هذا التنوين ليس بتنوين صرف وإنما هو تنوين مقابلة، نحو:
هذه أذرعاتٌ ورأيت أذرعاتٍ ومررت بأذرعاتٍ، هذا هو المذهب الصحيح، هكذا
قال ابن عقيل تبعاً للناظم، الناظم جزم بِأنَّ َالَّذي اسْماً قَدْ
جُعِلْ ... كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أيْضاً قُبِلْ هو اللغة الفصحى
فيها، فحينئذٍ يعامل معاملة جمع المؤنث السالم قبل التسمية قبل
العلمية، ينصب ويجر بالكسرة مع التنوين، والتنوين هنا مع وجود العلمية
والتأنيث لا منافاة بينهما لأنه تنوين مقابلة، وحينئذٍ لا يحذف منه
التنوين لِمَا عَلَّلَه المرادي.
لأن المراعاة فيه هنا في حالة الأصلية فقط، يعني المراعاة هنا النظر
إلى أذْرِعَاتٍ قبل جعله علماً, وفيه مذهبان أيضاً مشهوران أحدهما: أنه
يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة لكن بدون تنوين، يعني كالسابق، لكن
نسلبه التنوين، فيكون بدون تنوين، هذه أذرعاتُ ورأيت أذرعاتِ ومررت
بأذرعاتِ -بدون تنوين-، وينصب ويجر بالكسرة ويزال منه التنوين مراعاة
للحالة الأصلية، هذا في ما إذا كسر، يكسر باعتبار أصله قبل التسمية،
ويُسلب منه التنوين باعتبار حاله الراهنة، يعني لنا نظران فيه: نظر قبل
التسمية ونظر بعد التسمية.
قبل التسمية: هو مصروف وهو جمع مؤنث سالم أعطيناه الكسر، ثم نظرنا إليه
بعد العلمية فإذا به وجد فيه علتان لمنع الصرف فسلب التنوين، إذاً
مراعاةً للحالين، مراعاة للحالة الأصلية، فالكسرة نائبةٌ عن الفتحة في
حالة النصب لا في حال الجر، ويزال منه التنوين مراعاة للحالة الراهنة
-بعد التسمية- المقتضية منع تنوينه لاجتماع العلمية والتأنيث المعنوي
وإن لم يكن تنوينه تنوين صرف؛ لأنا نقول هو تنوين مقابلة ليس بتنوين
صرف، والممنوع من الصرف إنما يمنع من تنوين الصرف وهذا ليس بتنوين
الصرف، قالوا لشبهه بتنوين الصرف سلبناه، لأنه أشبه تنوين الصرف
فحينئذٍ سلب منه التنوين للعلمية والتأنيث المعنوي، وهذا جاء به النطق،
لا بأس به، هذه أذرعاتُ رأيت أذرعاتِ ومررت بأذرعاتِ؛ إذاً نصب بالكسرة
وسلب منه التنوين، نُصِب بالكسرة بالنظر إلى كونه جمع مؤنث سالم،
سلبناه التنوين لوجود علتين -يعني مُنِعَ من الصرف-، كيف مُنِعَ من
الصرف وتنوينه ليس بتنوين صرف؟ أشبه تنوين الصرف فسلبوه، يعني من باب
القياس.
المذهب الثاني: أنه يرفع وينصب ويجر بالفتحة ويحذف منه التنوين، -يعني
إعراب ما لا ينصرف-، هذه أذرعاتُ، رأيت أذرعاتَ، مررت بأذرعاتِ، ينصب
ويجر بالفتحة، إذاً عُومِل معاملة ما لا ينصرف، وإذا وُقِف عليه قلبت
التاء هاءً، هذا بالنظر إلى أي الحالين؟ بعد التسمية.
إذاً الأنظار ثلاثة بناءً عليها هي التي جاءت المذاهب.
المذهب الأول: قلنا يُلحق بالجمع المؤنث
السالم بدون استثناء، ينصب بالكسرة مع التنوين، هذا نظر إلى اعتباره
قبل التسمية، لم يلتفت إلى العلمية البتة.
النظر الثاني جمع بين النظرين: نظر قبل التسمية ونظر بعد التسمية، قبل
التسمية فأعطاه الكسرة ي-نصب بالكسرة- وبعد التسمية سلبه التنوين.
هذا الثالث ماذا صنع؟ نظر بعد التسمية فحسب، فإذا به علم لمؤنثٍ
تأنيثاً معنوياً فهو ممنوع من الصرف.
جاء قول الشاعر:
تَنوّرْتها منْ أَذرِعاتٍ وأهُلها ... بِيَثْرِبَ أَدْنى دَارِهَا
نَظَرٌ عالي
هذا هو الشاهد للمذاهب الثلاثة كلها.
تنورتها من أذرعاتٍ: روي هكذا على القول الأول.
تنورتها من أذرعاتِ: بدون تنوين هكذا روي على المذهب الثاني.
تنورتها من إذرعاتَ: من: حرف جر، وأذرعاتَ –بالفتحة- يعني منعه من
الصرف كما يقال: أحمدُ - أحمدَ.
والوجه الثالث -الذي هو منعه من الصرف- ممنوع عند البصريين جائز عند
الكوفيين، إذاً فيه خلاف، جائز عند الكوفيين لوجود العلتين فيه وورود
السماع به، قال الصبان: وهو الحق فلا وجه لمنعه، لماذا لا وجه لمنعه؟
لأن البيت هذا روي بثلاث روايات.
تنورتها من أذرعاتٍ من أذرعاتِ من أذرعاتَ، بكسر التاء منونةً كالمذهب
الأول وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني وبفتحها بلا تنوين كالمذهب
الثالث.
وصلى الله على وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ...
|