شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* شرح الترجمة (الموصول) ـ
* أقسام الوصول
* الموصول الأسمي المختص واستعمالاته
* فائدة ... في تثنية (اللذان واللتان) ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
س: إذا أُضيف مصدر إلى فاعله أو مفعوله أو اسم مفعول إلى فاعله فكيف
يكون الإعراب؟
ج: الإعراب يكون كما هو ظاهر: مضاف ومضاف إليه، ((وَلَوْلا دَفْعُ
اللَّهِ)) [البقرة:251]
دفع تقول: مبتدأ، مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره وهو مضاف
ولفظ الجلالة
مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، بيان معنى أما عند الإعراب؟؟؟
س: يقول: (مه) و (صه) منونين تنوين تنكير، هذا يفيد أن (مه) و (صه)
ليسا نكرتين، إذاً هما معرفتان.
نعم:
ومن أي أنواع المعارف؟
هذا يحتاج تأمل.
س: لماذا نجد في القرآن (بهِ) بالكسر مع أن الحجازيين يضمون الهاء
مطلقاً.
ج: القرآن ما نزل بلغة الحجازيين فحسب، جاء بلغة الحجازيين وغيرهم.
س: ما المراد بقول الصبان فيما يستوي فيه المذكر والمؤنث من الصيغ
وأُجري على موصوف المذكور؟
ج: يأتينا إن شاء الله هذا.
س: لماذا يقال: فاطمتان، مع أن التاء على نية الانفصال بدليل سقوطها في
طلحون وفاطمات؟
ج: نعم: فاطمات، أُسْقِطَت التاء لوجود التاء بعد الألف (فاطمات) هذه
التاء تاء التأنيث، حينئذٍ إذا قلت (فاطمتات)، اجتمع عندنا علامتا
تأنيث وهذا فيه ثقل، وأما في المثنى لم يرد المحذور، زكريا هذا ننظر
جمعه إن شاء الله.
كثيراً ما نسمع الألف نفسها، أو الحرف نفسه، أو نفس الكلمة، والإشكال
هل للحرف نفس؟
ج: لا، المراد ذاتها، ليس المراد: لها روح.
س: قال ابن عقيل: المراد بجائز الاستتار ما يَحُل محله الظاهر، ثم قال
ممثلاً لما يجوز استتار ضميره نحو: زيدٌ قائمٌ، أي هو، هل يجوز أن
نقول: زيدٌ قائمٌ هو؟
ج: زيدٌ قائمٌ أبوه، يعني في تركيب آخر ليس في نفسه، زيدٌ قائمٌ أي هو،
زيدٌ قائمٌ أبوه، ظهر رفع، أمَّا قُم مثلاً هذا لا يمكن في أي مثال أن
يرفع اسماً ظاهراً، لا يمكن، و (أقوم) كذلك، و (نقوم) و (تقوم) هذا لا
يمكن أن يرفع اسماً ظاهراً البتة في أي تركيب، الظاهر الذي يرفع أو
يَحُل محله الظاهر في تركيبٍ دون تركيب، زيدٌ يقوم، تُشْكَرُ هندٌ، إذا
قلنا ضبطها بالتاء المضمومة، تُشْكَرُ هي، تُشْكَرُ هندٌ على ما صنعت.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
الْمَوْصُوُل: أي هذا باب الموصول وهو النوع الرابع من أنواع المعارف،
حيث ذكر الضمير أولاً، ثم العلم ثانياً، ثم اسم الإشارة ثالثاً، ثم
الموصول رابعاً، وهذا الترتيب مقصود للناظم - رحمه الله تعالى - يعني:
قدم الأعرف ثم الأعرف ثم الأعرف.
فَمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ ... فَذُو إِشارةٍ فَمَوصُولٌ
مُتَمْ
هذا الرابع، الموصول من المعارف، إن كان المراد به الموصول الاسمي، لأن
الموصول على قسمين، موصول اسمي، وموصول حرفي.
وقوله: مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ دل على أن
مُراده هو الموصول الاسمي لا الحرفي، حينئذٍ احترز بقوله: مَوْصُولُ
الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي من الموصول الحرفي، والأولى أن
يُقال أن قوله: الموصول أطلقه في مقام تَعداد المعارف، والمعارف إنما
هي وصف للأسماء لا للحروف، حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: أخرج الموصول
الحرفي بقوله: مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ، وإنما هذا القيد لبيان الواقع
لأنه سيقدم أن الموصول الاسمي قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنىً، وقد
يكون جمعاً، وكلٌ من هذه الثلاث إما مذكر، وإما مؤنث، فهو من باب
التوطئة والتقديم، وليس من باب الاحتراز، وإلا الاحتراز جاء من
الإطلاق: الموصول، لأنه قال:
وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي ... وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلاَمِ
وَالَّذِي
إذاً عدَّ الموصول الذي من جملة المعارف، والمعارف كما ذكرنا أنها
أوصاف، أو وصف للاسم، كما أن التنكير وصف للاسم، حينئذٍ خرج الموصول
الحرفي بقوله: الموصول، و (أل) هذه صارت نسياً منسياً، هي كانت اسماً
موصولاً ثم صارت حرفاً، يعني: قبل جعله علماً، على مسماه، وهو ما افتقر
إلى صلة وعائد، نقول هو: (أل) الاسمية، (أل) هذه اسمية وموصول (هذا)
اسم مفعول كما سيأتي وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ.
فحينئذٍ بعد جعله علماً صار ماذا؟ صارت (أل) كالزاي من زيد.
الموصول: هو النوع الرابع من المعارف وإنما كان الموصول من جملة
المعارف، قالوا: لأنه موضوع على أن يستعمله المتكلم في معلومٍ عند
المخاطب بواسطة جملة الصلة؛ ولذلك المشهور عند النحاة أن الاسم الموصول
معرفة بجملة الصلة، يعني: مُعَرَّف بماذا؟ ما الذي هو سببٌ في تعريفه؟
لأننا ذكرنا فيما سبق أن المعارف إما بقيد، أو بلا قيد، وبلا قيد هذا
خاص بالعلم، إذاً الذي يقابل بلا قيد، يدخل فيه الموصول، ما هو القيد
الذي بسببه حصل التعريف للموصول؟ قيل: جملة الصلة، وهذا هو المشهور،
وقيل: (أل) {الذي، التي، الذين، الأُلى} هذه محلات بـ (أل)، وسيأتي
أنَّ الناظم اختار أنها زائدة، أصالةً، حينئذٍ قد يقال بأن ما فيه (أل)
عُرِّف بـ (أل)، (الذي)، و (التي)، لكن و (من) و (ما) و (ذو) و (أل)
هذه ما سبب تعريفها؟ قيل: بجملة الصلة، وهذا قول مُفصِّل، وقيل ب (أل)
مَنْوِيَّة، يعني: (من) و (ما) و (أل) مُعَرَّفة بـ (أل) مقدرة، ولو
قيل بأنها وضعاً وضعت هكذا مَعْرِفَةً وأن الجملة -جملة الصلة- أو (أل)
-إن وجدت (أل) - أو جملة الصلة إن لم توجد (أل) هي المُعَرِّفة لا
إشكال فيه، لأنه كما ذكرنا سابقاً أن البحث في الوضعيات هذا محل نظر في
أصله.
لماذا وضع الذي على كذا هل هو صيغة مستقلة،
أم أنها مركبة، أووالياء مبدلة، ونحو ذلك؟ هذا يبحثه النحاة كثيراً،
لكن الأصل كما قال أبو حيان أنه لا يبحث في الوضعيات؛ لأنه موضوع على
أن يستعمله المتكلم به في معلوم عند المخاطب بواسطة جملة الصلة ومن أجل
هذا اشترطوا فيها أن تكون معهودة للمخاطب، يعني: جملة الصلة لابد أن
تكون ثمَّ عَهد بين المتكلم والمخاطب، بخلاف الجملة التي تقع صفة
للنكرة، مَررت برجل يضحك لا يشترط في هذه الجملة (يضحك) أن تكون معهودة
عند المخاطب، فإذا قلت: لقيت من ضَربته من هذه يحتمل أنها اسم موصول،
ويحتمل أنها نكرة موصوفة، احتمالان، والنية لها دور، لكن ما المعنى
الذي ينبني على جعلها موصولة؟ وما المعنى الذي ينبني على جعلها نكرة
موصوفة؟
إن اعتبرت من موصولة كان المعنى لقيت الشخص المعروف عندك بكونك قد
ضَربته، لقيتُ من ضَرَبْتَه، لقيتُ الشخصَ، لابد أن تأتي به معرفاً،
إذاً ثم شخص قد وقع عليه الضرب معهود بين المُتكلم وبين المخاطب، هو
يعرف من ضَرب قطعاً، هو يعرف من ضَرب، يُشترط في هذه الجملة أن تكون
معهودة، فالمتكلم يعرف الذي أوقع عليه المخاطب الضرب، حينئذٍ لقيتُ من
ضَرَبته، يعني: لقيت الشخصَ المعروف عندك بكونك ضربته، وأما إذا
جعلناها - (من) - نكرة موصوفة، بقوله: ضَربته، فيكون المعنى شخصاً
موصوفاً بكونك قد ضَرَبتَهُ، لكنه غير معروف، إذا جعلناها من فالشخص
معروفٌ عند المُتكلم والمخاطب، لأنها موصولة، لأن شرط الموصول –الجملة-
أن تكون معهودة بين المتكلم والمخاطب، إذاًَ لقيت من ضربته أي الشخص
الذي أعرفه أنا وتعرفه أنت، وأما إذا جعلناها نكرة موصوفة، حينئذٍ لقيت
شخصاً موصوفاً بكونك قد ضربته، فلا يشترط فيه أن تكون عهداً.
فتخصيص الموصول بالوضع، وتخصيص الموصوف بالطرو والعروض، يعني: أمرٌ
عارض، هذا مخصص، وهذا ومخصص، لأن الصفات مخصصة، وهي التي يعبر عنها
بأنها للاحتراز، حينئذٍ تخصيصها طارئ أم وضعي؟ نقول: طارئ، لماذا؟ لأنه
ينفك عنها، رأيت رجلاً يضحك، رأيت رجلاً يمشي، انفك عنها، أو رجلاً أو
الرجل، انفك عنها، لكن جملة الصلة هل تنفك عن الموصول؟
الجواب: لا، لا تنفك عنه البتة، حينئذٍ التخصيص الواقع بالموصولات نقول
هذا تخصيص وضعي، بأصل وضعه، وأما التخصيص الواقع بوصف النكرة، نقول:
هذا تخصيص طارئ عارض، ففرق بين النوعين.
الموصول عند النُّحاة: هو ما افتقر إلى صلة وعائد، هذا المشهور
اختصاراً، ما اسم افتقر إلى صلةٍ وعائد، صلة قد تكون جملة، قد تكون شبه
جملة، قد تكون صفة صريحة، بحسب أنواع الموصولات.
وعائدٍ: يقصدون به الضمير: الذي يكون
رابطاً بين الجملة الصلة والموصول، جاء الذي ضرَبتُه ضربتَه، الضمير
هذا يسمى عائداً، يعود على ماذا؟ على الذي فهو الرابط، كما نقول في
جملة الخبر لابد أن تشتمل على رابط يربطها بالمبتدأ، لأنك إذا قلت:
جاءَ الذي زيدٌ قائمٌ، هكذا جاء الذي زيدٌ قائمٌ، صارت هذه الجملة
أجنبية مع الذي ليس بينهما رابط، أما إذا قلت: جاء الذي أبوه قائمٌ، أو
قام أبوه بضمير، أو ضربته، أو نحو ذلك قد ربطتها وحصل ارتباط الموصول
وصِلَتِه، وإذا حصل الارتباط صار كالجزء الواحد، ولذلك لوجود الفرق بين
الموصول وصلته ثم فرق قد يخطئ فيه البعض وهو أنه إذا نُعِتَ أو أُخْبِر
بالموصول حينئذٍ صار الموصول هو عينه نفسه صار هو خبراً، وجملة الصلة
نقول: لا محل لها من الإعراب، لأننا نقرر أن من الجمل التي لا محل لها
من الإعراب جملة الصلة، كيف جملة الصلة وقد يأتي الموصول خبراً وقد
يأتي حالاً، وقد يأتي نعتاً ونحو ذلك؟ نقول: الموصول نفسه الذي هذا
الذي يكون في محل رفع، زيدٌ الذي قام أبوه مثلاً، جاء الرجل الذي قام،
الذي: نقول هذا نعتٌ للرجل، قام أبوه: الجملة لا محل لها من الإعراب،
ففرق بين الموصول وبين صلته، الموصول هو الذي يكون في محل إعراب، وصلة
الموصول تكون لا محل لها من الإعراب.
عرَّف ابن مالك في التسهيل الموصول بأنه: ما افتقر أبداً إلى عائد أو
خلفه، عائدٍ فسرناه بالضمير، أو خلفه: المراد به الاسم الظاهر، هل يأتي
الاسم الظاهر خلفاً عن الضمير؟ هذا محل نزاع والصحيح أنه شاذٌ، جاء في
بعض المواضع يحفظ ولا يقاس عليه، بأنه ورد سُعَادُ التِي أَضْنَاكَ
حُبُّ سُعَادَا، سعاد الذي أضناك الذي أضناك حب سعادا، ما قال: حبها،
قال: حب سعادا، أظهر هنا الضمير، فبدلاً من أن يأتي بالضمير أتى بالاسم
الظاهر.
ظاهر تعريف ابن مالك للموصول: أنه يراه سائغاً، قد حكم عليه الكثير
بكونه شاذاً فيحفظ ولا يقاس عليه.
ما افتقر: ما واقعة على اسم فخرج به الموصول الحرفي، وأبداً: خرج به
النكرة الموصوفة بجملة، فإنها تفتقر إليها حال وصفها بها فقط، فحينئذٍ
نقول: مررت برجل يضحك، نقول: رجل: موصوف، ويضحك: هذه جملة، عندنا
الموصوف وصفته كل منهما يفتقر إلى الآخر، فالنكرة مفتقرة إلى صفتها،
لكن هل كلما وجد لفظ رجل لابد أن يكون موصوفاً بجملة، إذاً الافتقار
هذا متى؟ في حال إعرابها أو كونها موصوفة في هذا التركيب فحسب، وأما في
تركيب آخر حينئذٍ تنفك الجملة؟
ولذلك كما ذكرنا أنه يُضاف وينفك عن الإضافة، ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ
الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] هذا يوم: يومُ: خبر، وهو مضاف، وينفع
الجملة في محل جر مضاف إليه، في هذا التركيب يوم مفتقر للجملة لأنه لا
يؤدي المعنى إلا بإضافته، وكل تركيب حينئذٍ يكون مقروناً بمعناه في نفس
التركيب، لا باعتبار آخر، لكن هل يوم مفتقرة دائماً أبداً في كل تركيب
غير التركيب هذا، تكون مفتقرة إلى جملة مضاف لا ((وَاتَّقُوا يَوْمًا))
[البقرة:48] جاء مفرداً حينئذٍ هذا يسمى افتقار عرضي، بمعنى أن: يوم
افتقرت في التركيب ذات بعينه: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ.
كذلك الموصوف مع صفته، مررت برجلٍ يضحك،
نقول: في هذا التركيب الصفة رجل مفتقرة إلى الجملة بعدها، لكن هل هذا
الافتقار مطرد لازم، أم أنه ينفك عنها؟ نقول: الثاني، ينفك عنها،
والافتقار اللازم هذا خاص بالموصولات نفسها، وهذا هو سبب بناءها.
وَافْتِقَارٍ أُصِّلا: احترازاً من الافتقار غير المؤصل، إذاً (ما)
نقول: اسم افتقر بمعنى: احتاج لا يدل معناه ولا يفهم منه معناه إلا
بجملة الصلة، لا يمكن أن يفهم، جاء الذي، جاء الذين، رأيت التي، لا
يمكن أن يفهم مصدق هذا الذي، لأنه مُبهم، وحينئذٍ إبهامه لا يرفعه إلا
وجود جملة الصلة، فلذلك صار الافتقار أبدياً يعني في كل تركيب لا يمكن
أن يوجد لفظ الذي إلا ومعه جملة الصلة، ولا يمكن أن يوجد لفظ الذين وهو
اسم موصول إلا ومعه جملة الصلة، بخلاف الموصوف، خرج النكرة الموصوفة
بجملة فإنها تفتقر إليها حال وصفها بها فقط في نفس التركيب، وما عداه
فلك كما ذكرناه في ((هَذَا يَوْمُ)) [المائدة:119].
إلى عائدٍ: هو الضمير وخلفه هو الاسم الظاهر وخرج به -عائد- ضمير الشأن
لابد أن يكون معرفاً أو مزالاً عنه الإبهام بجملةٍ لكن هذه الجملة لا
يشترط فيها أن تكون مرتبطة برابط، أو مشتملة على عائد، وحيث وإذ وإذا
فإنها تفتقر أبداً إلى جملة لكن لا تفتقر إلى عائد.
وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ:
هذا سيأتي معنا، أنَّ ثم ألفاظ مفردات تلزم الإضافة إلى الجمل، لكن هذه
الجمل التي تضاف إليها لا يشترط فيها أن تكون مشتملة على عائد، بخلاف
جملة الصلة فإنه لابد من رابط بين الموصول وصلته، أو خلفه لإدخال نحو
سُعَادُ التِي أَضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا، مما ورد فيه الربط بالظاهر
والمشهور عند النحاة، وإن ذكره ابن مالك هنا، المشهور أنه شاذ.
وجملة صريحة أو مؤولة: جملة صريحة: المراد بها الجملة الفعلية والجملة
الاسمية، جاء الذي قام أبوه، قام أبوه: جملة لا محل لها في إعراب صلة
الموصول، جاء الذي أبوه قائم، أبوه: مبتدأ، وقائم: هذا خبر، واشتملت
على عائدً وهو الضمير المضاف إليه المبتدأ، أبوه، يعود على الذي،
حينئذٍ هذه جملة الصلة وهي جملة صريحة واشتملت على ضمير عائد على
الموصول، جاء الذي قام أبوه، أين الضمير؟ الهاء من أبوه، أو مؤولة،
يعني: مؤولة بالصريحة، ويعنون بها صلة (أل) لأن الضارب والمضروب
والحسن، على خلاف في الصفة المشبهة، هذه هي في الصورة اسم ولكنها في
المعنى فعل فهي مؤولة من جهة المعنى بالفعل، وإلا في اللفظ فهي اسم،
الضارب، ضارب هذا اسم فاعل، ولذلك يشترط كما سيأتي أن تكون صلة (أل)
صفة صريحة وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ والمقصود بها اسم الفاعل واسم
المفعول والصفة المشبهة والأمثلة المبالغة.
وحينئذٍ هذه في اللفظ هي اسم وفي المعنى هي فعل ولذلك صح عطف الفعل على
الاسم -اسم الفاعل- المحلى بـ (أل) ((وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (1)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ
بِهِ نَقْعاً (4))) [العاديات1 - 4] هذا معطوف على المغيرات، والمغيرات
هذا: اسم فاعل محلاً بـ (أل وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ
((فَأَثَرْنَ)) [العاديات:4] عطف عليه بالفعل.
ما وجه عطف الفعل على الاسم؟
نقول: كونُ المعطوف عليه في قوة الفعل، أو في قوة الجملة الفعلية،
ولذلك كان الأصل في مدخول (أل) الاسمية الموصولية، أن يكون مدخولها
التي هي جملة الصلة، أن تكون جملة فعلية، ولكن استقبح أن تدخل (أل) في
الصورة على فعلٍ وهي من خصائص الأسماء -من باب الاستقباح فحسب- وإلا
الأصل أنها توصل بفعلٍ، لكن أعطيت ما هو في معنى الفعل وظاهراً في لفظ
الاسم، فرُوُعِي لها الحقان: حق كونها في الظاهر لا تدخل إلا على
الاسم، فأعطيت اسم الفاعل، وكونها موصولة: والأصل في الموصولة أنها لا
تدخل إلا على جملة، فجعل في المعنى في قوة الجملة الفعلية.
حينئذٍ المؤول المراد بها: الصفة الصريحة التي تدخل عليها (أل) وكذلك
الجار والمجرور وسيأتي.
وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ... بِهِ
حينئذٍ جاء الذي عندك هذا مؤول جاء الذي استقر عندك، جاء الذي في
الدار، هذا مؤول بقولك: جاء الذي استقر في الدار، فهي مؤولة، حينئذٍ
نردها إلى جملة فعلية، هنا من المواضع التي يتعين أن يكون متعلق الجار
والمجرور والظرف: فعلا، هذه من المواضع ومن المرجحات عند بعضهم لأنه
إذا قُدر جاء الذي مستقرٌ في الدارِ، أو مستقرٌ عندك، صارت الجملة اسم
فاعل، وهو في قوة المفرد وليس بجملة، ويشترط في الموصول أن يوصل بجملة،
أو شبه جملة، وشبه الجملة هذه مردها إلى الجملة الصريحة، يعني تؤول
بالصريح لذلك قال ابن مالك:
أو مؤولة: من باب الحذف والإيصال، أي مؤول بها غيرها، والمراد بتأويل
الغير بها، كونه في معناها، كما في صلة (أل) أو تقديرها قبله كما في
الظرف الجار والمجرور، فالمراد بالمؤول الظرف والمجرور والصفة الصريحة
كما سيأتي مفصلاً في محله.
إذاً الموصول ما افتقر أبداً إلى عائدٍ أو خلفه وجملة صريحة أو مؤولة.
ابن هشام - رحمه الله - يعرفه في القطر وفي غيره، ما افتقر إلى صلة
وعائد، ما: اسمٌ، افتقر واحتاج إلى صلة وعائد فحسب، والعائد هذا بناء
على أنه لا يخلفه الاسم الظاهر، والعائد: نقول: المراد به الضمير،
فحينئذٍ يشترط فيه، أما في الموصول الحرفي، هذا يشترط فيه أن تكون
موصلة، لكن لا يشترط فيها العائد، فثم فرق بين الموصول الاسمي،
والموصول الحرفي.
إذاً الموصول المراد به الذي هو نوع من المعارف.
قوله:
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: احترز به من الموصول الحرفي، والموصول الحرفي
هو: ما أؤول مع صلته بمصدر، (ما) يعني: حرفٌ، أؤول: مع صلته بمصدرٍ،
وهو الذي يقال فيه: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يعني شيء يفسر
المذكور وهو مصدر، أو ما يعبر عنه بالسبك، يقال: (أن) مسبوكة مع ما
بعدها.
والمراد بـ (أن) المسبوكة مع ما بعدها ليس المراد الحلول والاختلاط، أن
يختلط حرف بحرف، المراد أن يقوم مقام هذا التركيب مصدر، أن يقوم مقام
هذا التركيب مصدر، فإذا قيل هذا حرف مصدري، بمعنى: أنه يؤول مع ما بعده
بمصدر، كيف نطبق هذا الكلام؟ نقول: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ))
[البقرة:184] (أن): هذه حرف مصدري، كما سيأتي، وتصوموا هذا صلتها، وهو
فعل مضارع منصوبٌ بأن، ونصبه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة،
وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ.
حينئذٍ نقول: (أَنْ): حرف مصدر،
(تَصُومُوا) صلتها، فحينئذٍ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف في
تأويل مصدر؟ بمعنى: أنه يصح في التركيب أن تأتي في مكان (أن) ومدخولها
الفعل المضارع بمصدرٍ ويستقيم معه الكلام، إن استقام حينئذٍ هي مصدرية،
وإن لم يستقم فحينئذٍ لابد من تخريجه، ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ)) [البقرة:184] صيامكم صومكم خيرٌ لكم، صح التركيب، حينئذٍ نقول
هذه (أن) مصدرية، ووصلت بالفعل المضارع، ووصلها به معناه أنها تؤول
بمصدر، وتأويلها بمصدر، يعني: تفسر بمصدر يحل محلها، وليس المراد أنها
تنسبك معه، تدخل معه، لا، ليس هذا المراد هذا بعيد، بل مُحال.
والموصولات الحرفية خمسة أو ستة على خلافٍ في (الذي) جمعها جامع في
قوله:
وهاكَ حُرُوفاً بالمصادِرِ أُوّلتْ ... وذِكري لَهَا خمساً أصَحُّ
كَمَا رَوَوْا
وها هِي أَنْ بالفَتْح أَنَّ مُشَدَّداً ... وزِيدَ عَلَيْهَا كَيْ
فَخُذْها وَمَا ولَو
وزاد ابن هشام تبعاً لابن مالك - رحمه الله تعالى - الذي قال هو موصول
اسمي إذا أؤول مع ما بعده وحكي الاتفاق على أنه باقٍ على أصله، يعني:
السادس الذي زِيد لا يقال بأنه حرفي، ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا))
[التوبة:69] كما سيأتي.
حينئذٍ نقول: الموصولات الحرفية هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإن
زيد عليها (ما) حينئذٍ نقول ما يؤول بمصدر نوعان: اسم وحرف، اسم وهو
هذه الخمسة، وحرفٌ هي الستة المذكورة: (أن وأن وما عطف عليها) والاسم
خاص بـ (الذي) وهذا أكثرهم على رده، أكثرهم على أنه ليس بحرف مصدري، أو
أنه لا يؤول مع ما بعده بمصدرٍ، زاد بعضهم على قلةٍ: همزة التسوية هل
تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهذا مثلوا له -قد لا يكون له إلا بعض
الأمثلة-: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] قالوا هذه همزة التسهيل واقعة بعد لفظ
سواء، ((أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6]، يعني:
سواء مستوٍ إنذارهم وعدمه ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] أي إنذارهم
وعدمه، وهذا أيضاً عند الكثير أنه يمنع، والآية هذه مما كثر فيها
الكلام.
إذاً الموصولات الحرفية على المشهور خمسة: وجعلها في التوضيح تبعاً
لابن مالك ستة أولها: (أن) المصدرية، بفتح الهمزة وسكون النون، (أن)
وأن هذه لها ألفاظ كل موضع يأتي محله، لأنها تأتي مخففة من الثقيل، أو
تأتي مصدرية، والمصدرية هي التي تختص بالفعل المضارع فتنصبه، (أن) بفتح
الهمزة وسكون النون، وهي أن مصدرية، أي: حرف مصدري، وإذا قيل حرف
مصدري، بمعني: أنها تؤول مع ما بعدها بمصدرٍ فيؤتى بالمصدر في محلها
فيستقيم الكلام، وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً، يعني: سواء كان مضارعاً
أو ماضياً أو أمراً على خلافٍ، بخلاف الجامد، فلا توصل به كـ (عسى) و
(هب) و (تعلم) هذا لا توصل به إتفاقاً، وإنما توصل بالفعل المُتصرف،
والمراد بالفعل المتصرف سواء تصرف تصرفاً تاماً أو ناقصاً كما سيأتي في
باب كان وأخواتها.
وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً ماضياً كان أو
مضارعاً أو أمراً فالأمر محل نزاع عَجِبْتُ من أن قام زيد، هذا مثلوا
به لـ (أن) موصولة بالفعل الماضي، عَجِبْتُ: فعل وفاعل، من أن: هنا
دخلت من على أن، استدلوا بدخول حرف الجر -وهذا أعظم دليل على وجود أو
الاستدلال بكون الحرف حرفاً مصدرياً- دخول حرف الجر عليه، من أن: دخل
حرف الجر على (أن) حينئذٍ لا يمكن أن توجه أن بأي معنى من المعاني التي
يمكن أن تحمل عليها إلا أن تكون مصدرية، وفي همع الهوامع تفصيل لهذا.
أن: حرف مصدر، قامَ زيدٌ حينئذٍ قامَ زيدٌ نقول هذه الجملة فعل فاعل،
أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف نأتي بهذا المصدر، عَجِبْتُ من
قيام زيدٍ، ننظر إلى الفعل ومادته وهو قاف والواو من قام قَوَمَ هذا
الأصل، والميم، فنأتي بالمصدر مضافاً إلى ما أُسند إليه الفعل، والذي
أُسند إليه الفعل ما هو؟ زيد وهو الفاعل، حينئذٍ تقول: عَجِبْتُ من
قيام زيدٍ، جعلت زيداً الذي هو فاعل مضافاً إليه، وجعلت المصدر الذي
أُلتُقِط من الفعل وهو القيام، جعلته مضافاً وسلط عليه العامل وهو حرف
الجر، عَجِبتُ من قيام زيدٍ.
وكذلك بالمضارع ومثاله ما ذكرناه وهو ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ)) [البقرة:184]
وأمراً –الأمرُ- وهذا محل خلاف نص سيبويه على وصلها بالأمر، أنها توصل
بفعل الأمر، استدلوا له بقولهم:
أشرت إليه بـ (أن) قُمْ:
بـ (أن) قُمْ هذا لا يمكن أن تكون تفسيرية لأن حرف الجر دخل على (أل)
التفسيرية يشترط فيها ألا يسبقها حرف جر، فإن سبقها حرف جر فليست
تفسيرية كما يأتي في محله.
قُمْ: هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل المُسند إليه ضمير مستتر
وجوباً تقديره أنت.
أشرتُ إليه بـ (أن) قم: أي أشرت إليه بالقيام، إذاً بـ (أن) قُمْ، أن
وما دخلت عليه في تأويل مصدر، هكذا قال سيبويه، أنه توصل بالأمر
والدليل على أنها مصدرية دخول حرف الجر عليها، استدل رحمه الله بكونها
موصولة بدخول حرف الجر عليها.
وقال أبو حيان: جميع ما استدلوا به على وصلها بفعل الأمر يحتمل أن تكون
تفسيرية، وهذا على القول بجواز دخول حرف الجر على التفسيرية والصواب
المنع، كما يأتي في محله، وقواه بأمرين:
أولاً: أنها إذا سُبِكَت والفعل بمصدر، فإن معنى الأمر المطلوب ذهب،
فاتَ. أشرتُ إليه بأن قُم، لكن الظاهر والله أعلم أنه لا يفوت، أشرت
إليه بأن قُم، أشرتُ إليه بالقِيام، والإشارة معلومة أنها إشارة حسية،
والأصل فيها أنها يُفهم منها الأمر، كما سبق معنا، أن الأمر أعم من
القول وقد يكون بالحركة بالإشارة ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى
الله عليه وسلم {أشار إليهم}، فدل على أن الإشارة قد تكون أمراً. وقوله
هنا بأن وصلها بالأمر يفوت معنى الأمر المطلوب ليس بظاهر.
والثاني: أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني أن
قُمْ، والنفي فيه صعب وأثبته غيرهم، إذاً (أن) المصدرية توصل بالفعل
مطلقاً، ويشترط في هذا الفعل أن يكون متصرفاً، وأما الجامد كـ (عسى) و
(نعم) و (بئس) فنقول هذه لا توصل بها، فإن جاء في النص ((وَأَنْ لَيْسَ
لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39] ((وَأَنْ عَسَى أَنْ
يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)) [الأعراف:185] حينئذٍ نحمل هذه
(أن) على أنها المخففة من الثقيلة كما يأتي في المحلي.
وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ
وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ ...
.................................
وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنّ
إذاً ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ)) [النجم:39] و (أن) هو، ((لَيْسَ
لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39] فحينئذٍ اسمها ضمير مستكن،
واجب الحذف، والجملة التي تقع بعدها في محل رفع خبر أن.
وكذلك قوله (وأن عسى): وأن هو، هذا ضمير الشاذ محذوف ويأتي في محله إن
شاء الله تعالى.
الثاني: (أنّ) المشددة المثقلة أخت (إن) (لأن إن) دل على (أن) هذه تعمل
عمل (إن) وهي فرع عنها، والأصل (إن) بالكسر، فحينئذٍ (إن) و (أن) هذه
تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبرٌ لها.
(أنَّ) من شروطها –فتحها-، لابد أن تكون مسبوقة بكلام، لا تأتي في أول
الجملة، وإن زيداً قائمٌ، كلام صحيح مستقيم ولها مواضع يأتي في محله.
أن زيداً قائمٌ: هذا لا يصح هذا غلط، لماذا؟ لأن (أن) وما دخلت عليه في
قوة المفرد، لأنها تؤول بمصدر، حينئذٍ كيف يقال: أنَّ زيداً قائمٌ،
كأنه إذا قال ابتداءً قيام زيدٍ، وهل قيام زيدٍ هذه جملة، ليس بجملة،
غلامٌ زيدٍ، جملة، ليس جملة، مركبة تركيب إضافي، فإذا ابتدأ الكلام
بها: أن زيداً قائمٌ، تقول: هذا لحن خطأ؛ لأنه ليس بكلام، لابد أن
يسبقها شيء يكون عاملاً في المصدر، في محله، أعجبني أن زيداً قائمٌ،
حينئذٍ نقول: أعجبني قيامُ زيد، فـ (أنَّ) توصل مع ما بعدها فتؤول
بمصدر، تؤول بمصدر، فهي في قوة المصدر، في قوة المفرد، وتوصل باسمها
وخبرها، عجبتُ من أن زيداً قائمٌ، يعني: عجبت من قيام زيد، ((أَوَلَمْ
يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ،
يَكْفي: نقول هذا فعل مضارع، والهاء هذا ضمير متصل مبني على الكسر في
محل نصب مفعول به.
((أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51]: تعربها تفصيلا: أن واسمها
وخبرها الجملة هنا، أنه وما دخلت عليه في تأويل مصدر، هذا المصدر مصدر
الخبر، -خبر أن-، فتقول: أولم يكفهم إنزالنا، فحينئذٍ إذا أردت المصدر
الذي يكون تأويلاً لأن وما دخلت عليه لك طريقان أو لك نضران:
فتنظر في الخبر إما أن يكون مشتقاً، وإما
أن يكون جامداً، مشتقاً مثل ماذا؟ عَجِبْتُ أن زيداً قائمٌ، أن زيداً:
هذا اسمها، قائمٌ: هذا خبر أن وهو مشتق أو يكون جامداً، عَجِبْتُ أن
زيداً أخوكَ، أخو: هذا جامد أو مشتق؟ نقول: هذا جامد، إن كان مشتقاً
حينئذٍ نأخذ المصدر -مصدر الخبرِ- فنضيف إليه الاسم، عجبت من قيام
زيدٍ، ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أو لم
يكفهم إنزالنا، عجبت من أن زيداً قائمٌ، يعني: عجبت من قيام زيدٍ، جئت
بالمصدر –مصدر الخبر- وهو مشتق، وأضفته إلى اسم أن، وأما إذا كان
جامداً حينئذٍ ليس لك إلا أن تأتي بالكون مضافاً إلى اسم أن، عجبت من
أن زيداً أخوك، عجبتُ من كون زيدٍ، وجئت بالخبر ونصبته على أنه خبر
لكان، عجبت من كون زيدٍ أخاك.
لو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، عجبتُ من أن زيداً عندك، أو عجبت من
أن زيداً في الدار، المشهور أنه أيضاً يأتي بالكون، عجبت من كون زيداً
في الدار، المراد به الكينونة، عجبت من كون زيدٍ عندك، وبعضهم يرى أن
الذي يُضاف هنا ليس هو الكون وإنما هو لفظ الاستقرار، لأن الجار
والمجرور والظرف هذان متعلقان بـ (استقر) عجبت من استقرار زيدٍ عندك،
عجبت من استقرار زيدٍ في الدارِ.
إذا أن توصل بالجملة الاسمية بعدها، حينئذٍ تؤول بمصدر لأنها في قوة
المفرد، وإذا أردنا أن نأخذ المصدر ننظر إلى خبرها إما أن يكون جامداً
وإما أن يكون مشتقاً، إن كان مشتقاً، حينئذٍ جئنا بالمصدر مضافاً إلى
اسم أن، عجبت من أن زيداً قائمٌ، عجبت من قيام زيدٍ، قيام: هو مصدر
قائم، وزيدٍ الذي أضفناه إلى قيام هو اسم أن.
وإن كان جامداً يعني لا مشتقاً، يعني: دالاً على ذات فحسب أو معنى فحسب
حينئذٍ نأتي بلفظ الكون، مصدر كان.
وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ
فنضيف إلى اسم أن ونأتي بالخبر منصوباً على أنه خبر للكون، عجبت من أن
زيداً أخوك، عجبت من كون زيدٍ أخاك، ومثله في الجار والمجرور على
المشهور، عجبت من كون زيدٍ في الدارِ، لأن الكينونة مثل الاستقرار لا
فرق بينهما، ولذلك يُقدر كائن أو مستقر، لا بأس به، وَأَخْبَرُوا
بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرْ ... نَاوِينَ مَعْنَى، فإذا كان كذلك
حينئذٍ لا بأس بأن يقال بأنه يأتي بالكون مطلقاً، وهذا من باب الضبط
أسهل.
عجب من كون زيدٍ في الدار، عجبت من كون زيدٍ عندك، عجبت من استقرار
زيدٍ في الدار، أو استقرار زيد عندك، إذاً هذا النوع الثاني وهو
الموصول الحرفي الثاني وهو (أن) وتوصل باسمها وخبرها، و (أن) المخففة
كالمثقلة وتوصل باسمها وخبرها لكن اسمها يكون محذوفاً واسم المثقلة
مذكوراً، يعني: يستوي (أن) سواء كانت مخففة أو مثقلة في كونها تؤول مع
ما بعدها بمصدر، إلا أن اسم المثقلة يكون مذكوراً هذا الأصل ولا يجوز
حذفه، وأما المخفف فلا يجوز ذكره، عكسها، وإنما يكون ضمير، ضمير الشأن.
الثالث: (كي)، من حروف أو الموصولات
الحرفية التي تؤول مع ما بعدها بمصدر (كي) ولكونها بمعنى التعليل، لزم
اقترانها باللام ظاهرة، أو مقدرة، وتوصل بفعل مضارع فقط، جئتُ لكي
تُكرم زيد، يعني: جئت لكي تكرم، كي تكرم، كي نفسها ذاتها لو قدرنا أنها
بدون اللام، وأن (أن) ناصبة بعدها، ما صار التأويل بـ (كي) وإنما صار
بماذا؟ بـ (أن) رجعنا إلى الأول، وإنما المراد هنا التمثيل بـ (كي)
نفسها ذاتها، دون أن يكون الفعل بعدها منصوباً بـ (أن) مضمرة.
لـ (كي) تكرم زيداً، جئت لإكرام زيدٍ، لإكرامِ زيدٍ، فجئت بالمصدر الذي
دخلت عليه (كي) وجررت به مضافاً إلى زيد، وهذه الثلاث متفق عليها بين
النحاة، (أن) مصدرية و (أنَّ) و (كي) هذه متفق عليها أنها موصولات
حرفية، وأما (ما) و (لو) و (الذي) هذه محل نزاع، والجمهور على إثبات
(ما) و (لو) وعلى نفي (الذي).
الرابع: (ما) وتكون مصدرية زمانية وغير
زمانية، يعني: تكون مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر، وزمانية بمعنى: أنه
يُضاف لفظ الزمن، مدة أو وقت أو زمن قبل المصدر، وقد لا تكون زمانية،
الزمانية هي: التي يُعبر عنها بالظرفية، كما عبر ابن عقيل هناك، وابن
هشام يرى أن التعبير بالزمانية أولى، لماذا؟ لو قلنا ظرفية، الظرف في
اصطلاح النحاة لابد أن يكون منصوباً، والكل منصوب على إضمار في، حينئذٍ
لابد أن يكون منصوباً على إضمار في وقد لا يتأتى بعد كونها مصدراً،
بإضافة ما قبلها إلى ما بعدها، ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا
فِيهِ)) [البقرة:20]، (كلَّما)، (كُلَّ) ما أضاء (ما) هذه مصدرية،
((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) [البقرة:20] فإن الزمان
المقدر هنا مخفوض، أي كل وقت إضاءة لهم، وقتِ بالكسر، لأنه مضاف إلى
كل، وإذا كان كذلك حينئذٍ وقتِ هذا لا يقال فيه أنه ظرف، وإنما يقال
فيه زمن، فلتشمل هذا التركيب ومما على شاكلته، حينئذٍ قال: الأولى أن
يُعبر عنها بالزمانية، ولا يقال الظرفية، إذ يشترط في الظرف أن يكون
منصوباً، إذا قدرته لابد أن يكون منصوبا، وأما إذا جررته كل وقت إضاءة،
حينئذٍ وقتِ هذا صار مجروراً بإضافة كل إليه، فلا يكون ظرفاً وإنما
يكون زماناً، وكل ظرف زمان هو اسم زمان ولا عكس، كل ظرفٍ في الاصطلاح
عندهم ظرف الزمان فهو اسم زمان ولا عكس نقول: الوقت نفيسٌ، كلمة الوقت
هنا: اسم الزمن، لكنها ليست بظرف، الظرف لابد أن يكون منصوباً، هو من
المنصوبات، جاء مرفوعاً، إذاً جاء اسم زمان وليس بظرف، وهذا واضح،
((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281]
نقول يوماً هذا، يوم اسم الزمن ولكنه ليس بظرف، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا))
[البقرة:48] مفعول به، فاليوم كله هو الذي يكون مُتَقَى، وليست التقوى
مأموراً بها أن تقع في ذلك اليوم، ليكون ظرفاً له فالمعنى يَفْسُد،
المعنى يكون فاسداً لو نصبناه على الظرفية، وإنما هو منصوبٌ على أنه
مفعول به، والمعنى واضح بين، واتقوا يوماً على أنه مفعول به، اليوم
كُله مُتَقى، حينئذٍ التقوى تكون سابقة على اليوم، وإذا قلنا ظرف،
معناه التقوى ليس مأمور بها في الدنيا، إذاً؟؟؟، ((وَاتَّقُوا
يَوْمًا)) [البقرة:48] يعني: اتقوا في ذلك اليوم، والدنيا افعل ما شئت
ومثله ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:21] ((أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:184]، ((أَيَّامًا)) [البقرة:80] هذا لا يكون
ظرفاً البتة أبداً، يفسد المعنى، إن كان بعض القراء يوصله يظن أنه
معمول لما سبق ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ..
أَيَّامًا)) على هذا التركيب لعلكم تتقون
تقع التقوى في هذه الأيام المعدودات فحسب، وليس هذا المراد بالصوم،
وإنما المراد أن تكون التقوى صفة لازمة لهم، وإذا جعلنا ظرفاً له جعلنا
التقوى محلاً أو جعلنا هذه الأيام المعدودات محلاً للتقوى فسد المعنى،
ليس هذا المراد، بل الصوم يكون سبباً في حصول التقوى أبداً وأمداً،
وليست في هذه الأيام فحسب، حينئذٍ نقول: ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ))
[البقرة:184]، هذا إما أنه منصوب باسم المصدر، ((يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) [البقرة:183]
((أَيَّامًا)) [البقرة:80]، أو نجعله مفعولاً به لفعل محذوف (صوموا
أياماً معدودات)، على كلٍ هذا أو ذاك قدرناه محذوفاً أو الموجود
فالمراد بأيام معدودات أنها ظرف للصوم لا للتقوى، وفرق بينهما.
إذاً (ما) تكون مصدرية وزمانية، يقدر الزمان قبلها، تؤول بزمن أو ظرف
على المشهور مضاف إلى مصدر، وتوصل بالفعل المتصرف غير الأمر، توصل
بالفعل المتصرف، لكن الأمر لا، والأكثر كونه ماضياً، والأكثر في صلتها
أن يكون ماضياً، (لا أصحبك ما دمت منطلقاً)، لا أصحبك (ما) نقول: هذه
مصدرية زمانية، وهنا لو قلنا ظرفية لا إشكال، لأن التقديم (لا أصحبك
مدة)، دوامك منطلقاً، ما دمت منطلقاً: أي مدة دوامك، مدة هذا مثل الوقت
والزمان، فهو اسم زمان، وهنا نُصِب، حينئذٍ لا إشكال، أي في مدة دوامك،
صار ظرفاً، لا إشكال فالمصطلح المشهور انطبق على هذا، أما الآية
السابقة نقول هذه لا يتأتى فيه ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا
فِيهِ)) [البقرة:20].
فحينئذٍ هي مصدرية لأنها أُوَُِّلت مع ما بعدها بمصدر –دوام- وظرفية
لأنها أضيفت إلى ظرف سبقها ظرف، وهنا انظر لأنه سيأتيك -لا أصحبك ما
دمت منطلقاً: مدة دوامك- سيأتي أن (دام) المشهور عند النحاة أنها لا
مصدر لها، هذا المشهور، بعضهم يحكي إجماع، وفي هذا المحل يقولون:
ما دمت منطلقاً مدة دوامك: يقدرون لها مصدر، ولذلك نقض عليهم الصبان،
كما سيأتي في هذا الموضع في باب (كان) أنهم اتفقوا على التقدير في هذا
المحل في مثل هذا المثال، لأن المثال مطرد عندهم: مدة دوامك منطلقا: ثم
إذا جاءت دام هناك قالوا لا مصدر لها، كيف لا مصدر لها؟ هذا تعارض،
حينئذٍ نقول: دام لها مصدر، لهذا المثال الذي يذكرونه هنا وأطلقوا على
التمثيل به فانتبه.
لا أصحبك ما دمت منطلقاً: يعني: مدة دوامك منطلقاً.
وغير زمانية، نحو: عجيب مما ضربتَ زيداً، يعني: عجبت من ضربكَ زيداً،
فجاءت (ما) هنا مصدرية، لكنها غير زمانية، غير ظرفية، يعني لا تقدر لفظ
الزمن أو الظرف قبل المصدر، إذاً ما تكون مصدرية، ثم هذا المصدر قد
تقدر قبله اسم زمان أو لا، الأول: تسمى مصدرية زمانية، والثانية:
مصدرية فحسب.
عجبت مما ضربتَ زيداً: يعني من ضربك زيداً،
وتوصل بالماضي، كالمثال السابق، وبالمضارع لا أصحبك ما يقوم زيدٌ،
يعني: مدة قيام زيد، وعجبت مما تضرب زيداً، ومنه ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ)) [ص:26]، يعني: بنسيانهم، بـ (ما) نسوا يوم الحساب، هذا
فعل ماضي، جاء بعد (ما) وما هنا الأرجح أنها موصول حرفي، ((بِمَا
نَسُوا)) [ص:26] أي: بسبب نسيانِهم يوم الحساب، ((بِمَا نَسُوا))
[ص:26] أي بسبب نسيانهم يوم الحساب، وبالجملة الاسمية، توصل بالجملة
الاسمية، ولكن هذا قليل، نحو: (عجبت مما زيدٌ قائمٌ)، يعني: عجبت من
قيام زيد، تؤول المصدر كما أولته في (أن) ومدخولها.
ولا أصحبك ما زيدٌ قائمُ: وهذا قليل كما ذكر ابن عقيل، وأكثر ما توصل
الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بـ (لم) لا أصحبك ما لم
تضرب زيداً، ويقل وصلها بالفعل المضارع الذي ليس منفياً بـ (لم) لا
أصحبك ما يقوم زيدٌ، ومنه قوله:
أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثمَّ آوي ... إِلى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ
أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ: يعني: أطوف تطوافي، (تَفْعَال) بفتح التاء،
فحينئذٍ صارت مصدرية، صارت مصدرية.
أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثمَّ آوي ... إِلى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ
هذا المشهور عند الجمهور أن (ما) هذه موصول حرفي، وذهب بعضهم وهو مذهب
سيبويه، أنها موصول حرفي، بمنزلة (أن) المصدرية، وذهب الأخفش وابن
السراج إلى أنها اسمٌ بمنزلة (الذي) –اسمية- واقعة على الحدث مقدراً
عائدها معنىً، أعجبني ما قمتَ، يعني: أعجبني ما قمته، لأنه لم يسمع في
لسان العرب: أعجبني ما قمت وما قعدت، كما قال ابن هشام في شرح القطر.
إذاً اسم بمنزلة (الذي) واقع على مالا يعقل وهو الحدث، يعني: بمنزلة
الذي، ((وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ)) [آل عمران:118]، أي ودوا الذي عنتموه،
أي العنت الذي عنتموه، فأوقع الذي على الحدث وهو العنت، ولم يرد أنه
سُمِعَ أعجبني ما قُمته وما قعدته، وهذا دليل على إبطال ما ذهبوا إليه،
من كون (ما) مصدرية اسماً وليس بحرفٍ.
ولو صح ما ذكر لصح ذلك لأن الأصل أن يكون العائد مذكوراً لا محذوفاً،
أعجبني ما قمتَ، أين العائد؟ لو كانت ما هنا بمعنى (الذي) اشترطنا في
الاسم الموصول أن يكون ثَمَّ عائدٌ من جملة الصلة إليه.
أعجبني ما قمت وما قعدت: أين الضمير؟ قالوا: مقدر، قلنا: لم يُسمع مرة
واحدة أن العرب نطقت بالضمير عائداً على ما، وهي موصولة حرفية، فدل على
أنها حرفٌ وليست باسم.
إذاً يُرد عليه بما قالوه: أعجبني ما قمته وما قعدته: لم يُسمع هذا
اللفظ في لسان العرب البتة، فلو كان كذلك، لسُمِع ولو مرةً واحدة لأنه
الأصل، الأصل أن تكون (ما) اسمية لا حرفية، وإذا كانت اسمية لابد من
دليل يدل عليها وأن يطقوا بهذا اللفظ ولو مرة واحدة، لكن كونه لم ينقل،
علمنا أنه ليست اسمية بل هي حرفية.
الخامس: (لو)، وتوصل بالماضي، نحو: وددت لو
قام زيد، يعني: وددت قيام زيد، وهذه أيضاً فيها خلاف كما ذكرناه، لو
التالية غالباً مفهمة تمني، يعني: لا تكون موصولة إلا إذا سُبِقت بمادة
تدل على التمني، والغالب أنها ود، أو يود، ((يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ
يُعَمَّرُ)) [البقرة:96] ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)) [القلم:9] (لو)
((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ))، فنقول:
لو التالية غالباً مفهمة تمني -اختلف فيها- فالجمهور أنها لا تكون
مصدرية، بل تلازم التعليق، ويؤيد ذلك أنه لم يُسمع دخول حرف جرٍ عليها،
وهذا أعظم ما يستدل به على إثبات المصدرية، دخول حرف الجر عليها.
وذهب الفراء والفارسي وابن مالك: إلى أنها قد تكون مصدرية فلا تحتاج
إلى جواب وخرجوا على ذلك قوله تعالى: ((يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ
يُعَمَّرُ)) [البقرة:96] يود أحدهم تعميره، ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ))
[القلم:9] ودوا مداهنتكم، إذاً هذه نقول مختلف فيها الجمهور على النفي،
وابن مالك ومن وافقه (أو هو وافقهم) على أنها حرفٌ مصدري، وتوصل
بالماضي، يعني: بفعل مُتصرف غير أمر عند القائلين بأنها حرف مصدري،
توصل بفعل مُتصرف، يعني: ماضي أو مضارع غير أمرٍ، ولا يحفظ دخولها على
الجملة الاسمية، أي لم توصل بالجملة الاسمية، وإنما توصل بفعلٍ متصرف
غير أمرٍ والأكثر أنها تقع بعد ما يفيد التمني.
السادس: عند ابن مالك رحمه الله تعالى: (الذي) هذه يوصل بها، وتؤول مع
ما بعدها بمصدر، هل هي حرف أم أنها هي اسم، نقل الاتفاق على أنها اسم
مع كونها تؤول مع ما بعدها.
ولذلك قيل: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي نقول: (الذي) هنا قد تكون
اسمية، لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهي الأصل إذا أُطلقت انصرفت إليها،
وأما إذا كانت مصدرية حينئذٍ لابد من تقييدها، فيقال: قد تؤول مع ما
بعدها بمصدر، ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] كـ (الذي)
هذا واحد مفرد مذكر، وقلنا يشترط في جملة الصلة أن تكون مشتلمة على
رابط.
وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ ... عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ ....
لائِقٍ: بمعنى أنه إن كان الموصول مفرداً، كان الضمير مفرداً، لابد من
التطابق، بعود الضمير، إن كان مثنى كان الضمير مثنى، وإن كان الموصول
جمعاً (الذين) (الذون) حينئذٍ يجب أن يكون الضمير جمعا، التطابق لابد
منه.
لو نظرنا هنا في قوله: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]
بالواو (الذي) واحد مفرد، (وخاضوا) بالواو، حصل التطابق أم لا؟ لو كانت
اسمية لقال: كالذين خاضوا، كـ (الذين) حينئذٍ صح، أو كـ (الذي) خاض، كـ
(قام) لأنه يشترط في الاسمية أن تكون الجملة مشتملة على رابطٍ مطابق
لما سبق للموصول نفسه.
وأما الموصول الحرفي فلا يشترط اشتماله على
رابط، لا يشترط، ولو وجد لا يُشترط فيه التطابق، إذاً لا يمكن حمل الذي
على أنها غير مصدرية، فليس ثم تخريج إلا أن تكون (الذي) هنا في تأويل
مصدر مع ما بعدها، فالذي مفرد، وما بعده جمعٌ، الذي مفرد، وما بعده
يعني: خاضوا: الواو، عرفتم وجه عدم التطابق، أن (الذي) هذا مفرد اسم
موصول، و (خاضوا) صلة الموصول، اشتمل على ضمير وهو الواو، الذي هو
مفرد، والواو جمع، ويشترط في الاسم الذي يكون موصولاً، التطابق بين
الضمير وبين مرجعه، هنا لم يتطابق فدل على أنها ليست موصولية، هذا
استدلال الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، فـ (الذي) مفرد وما بعده
جمعٌ، فلو كانت موصولاً اسمياً، لقيل: كالذي خاض، أو كالذين خاضوا،
حينئذٍ ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]، يعني: كخوضهم
أولها بمصدر.
أُجيب من جهة الجمهور بجوابين: يعني تخريج الآية، كيف نُخرج الآية؟
نقول: بـ (أن الذي): اسم موصول على الأصل، وليس بمصدري، لا يؤول مع ما
بعده بمصدر، بأن (الذي) اسم موصول صفة لموصوف محذوف والتقدير خُضْتُم
خَوضاً كالخوض الذي خاضوا، خَوضاً كالذي خاضوا، والموصوف مع صفته في
قوة اللفظ الواحد، والتقدير (خضتم خوضاً كالخوض الذي خاضوا) والعائد
محذوف، أي: خاضوه.
إذاً الضمير المبرز هنا –البارز- وهو الواو ليس هو العائد، وإنما
العائد محذوف، خضتم خوضاً هذا مفعول مطلق، ليس داخل المعنى، كالخوضِ كـ
(الذي) يعني: كالخوض الذي، فـ (الذي) صفة لموصوف محذوف، كالذي خاضوه،
الهاء هي التي تعود على الذي وليس هو الواو، هذا تخريج جيد، وله اطراد،
وله وجهه وهو قوي، والعائد محذوف أي خاضوه، أو وجه آخر، وهذا على لغة
القليلة والأولى أن نُرجح الأول، أن الذي اسم موصول بالجمع وأصله
الذين، حذفت النون منه وهي تحذف من المثنى والجمع في الموصولات، لكنها
ليست هي اللغة الفصيحة، وعلى ذلك لا يحمل عليها القرآن.
((خُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] يعني: كالذين خاضوا، فصار
الذي هذا في اللفظ مفرد لكنه في الحقيقة جمع، كـ (الذين) حذفت النون
وهذا سائغ عندهم، نعم نقول هو سائغ لكنه ليس هو الفصيح، وإذا لم يكن
كذلك لا يحمل عليه القرآن البتة، بل لا يجوز، هذا مثله مثل: أكلوني
البراغيث، وهذه ممنوعة في القرآن على الصحيح وهي أشهر من حذف النون من
الذين واللذان، أشهر، فإذا نفينا الأشهر مع وجوده ولغة ... الخ بل مع
وجود من يقول به بوجوده في القرآن من النحاة، فإذا نفينا عن تلك اللغة
أن تكون في القرآن فالذين مع حذف النون هذا من باب أولى وأحرى؛ فإن لم
يترجح أنها مصدرية حينئذٍ نؤوله بالتأويل الذي ذكره أولاً: (كالخوض
الذي خاضوه) وهذا مستقيم حذف الموصوف كثير في القرآن وحذف العائد كثير
كذلك في القرآن، هذه ست من الموصولات التي يُعبر عنها بأنها موصول حرفي
أما (الذي) هذا حُكي الاتفاق على أنه اسم على أصله.
قال الناظم رحمه الله تعالى
مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي ... وَالْيَا إِذَا
مَاثُنِّيا لاَ تُثْبِتِ
بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ ... وَالنُّونُ إِنْ تُشْدَدْ
فَلاَ مَلامَهْ
وَالنُّونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا
... أَيْضاً وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا
هذا شُروع فيما عَقَد له الباب رحمه الله تعالى، وهو الموصول الاسمي،
ولذلك قال: موصول الأسماء، بإسقاط همزة الأسماء، هي جمع، الأصل فيها
أنها همزة قطع.
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: مضاف ومضاف إليه، وهو مبتدأ
الَّذِي: مبتدأ ثاني، وخبره محذوف، يعني: موصول الأسماء، منه الذي، وهو
جملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
الأَُنْثى الَّتي: يعني: والأنثى التي، والأنثى المفردة لها التي كذلك
مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة بإسقاط حرف العطف على منه الذي.
منه الذي: هذا لم يقيده الناظم وإنما يُقيد معنىً بمقابله، لأنه لما
قال:
الأَُنْثى الَّتي: علمنا أن الذي هذا للمفرد المذكر.
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: هذه إما أن تكون نصاً، وإما أن تكون مشتركة،
سيعدها الناظم عداً، ولذلك ذهب السيوطي في جمع الجوامع إلى أنها لا
تُعرف، وإنما يُستغنى بالعد عن الحد، فالموصولات الاسمية قسمان: منها
ما هو خاصٌ، ومنها ما هو مشترك، المشهور في الخاص: أنه ثمانية،
والمشهور في المشترك أنها ستة، والخاص كاسمه خاص، بمعنى: أنه لفظ أُطلق
على معنى خاص، لا ينصرف إلى غيره، فالذي نقول للمفرد المذكر.
إذاً لا يُستعمل في المفردة المؤنثة، والتي نقول: هذا خاص بالمفردة
المؤنثة، فلا يُستعمل في المفرد المذكر، بخلاف المشترك كـ (من) و (ما)
و (أل) و (ذو) هذه تطلق مراداً بها المفرد المذكر، والمفرد المؤنث،
ويراد بها المثنى والمؤنث والمذكر والجمع، إذاً لفظ واحد يُستعمل
مُراداً به كل ما ذكرناه.
ثم الاسم الموصول إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مثنىً، وإما أن يكون
جمعاً، وكل من هذه الثلاث إما أن يكون مذكراً وإما أن يكون مؤنثا، ..
فالقسمة حينئذٍ تكون كم؟ 3×2=6، إما مفرد وهذا قسمان: مفرد مذكر، ومفرد
مؤنث، وإما مثنى وهذا قسمان: مثنى مذكر، ومثنى مؤنث، والجمع كذلك.
مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: الذي بدأ بـ (الذي) لماذا؟ لأنه الأصل، وهو
مفرد، ويطلق للمفرد المذكر، عاقلاً كان أو غيره، عاقلاً كان أو غيره،
والتعبير بكونه يطلق على العالم وغيره أو لا، وإن اشتهر على ألسنة
النُحاة أنه يطلق على العاقل وغيره، العاقل: المراد به من بني آدم،
وغيره كالبهائم والجمادات ونحوها.
وجاء إطلاقه على الله عز وجل في القرآن ((وَهُوَ الَّذِي فِي
السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] ولكونه لا يطلق
عليه صفة العقل حينئذٍ التعبير بأن الذي للعالِم وغيره يكون من باب
أولى وأحرى، أن يكون عام، لأننا نقعد من أجل فهم الكِتاب والسنة.
وإذا كان كذلك حينئذٍ ينبغي أن تكون الألفاظ معتبرة بما وافق عليه
الشرع ويُمنع أو يتوقف فيما لم يأت به الشرع.
حينئذٍ (الذي) و (من) هذه نقول الأصل فيها أنها للعالِم، لأنها جاءت
مطلقة على الرب جل وعلا والله تعالى لا يوصف بكونه عاقلاً أو نحو ذلك
لأن هذه الموصوف من صفة المخلوق.
مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: (الذي) إذاً الذي
للمفرد المذكر عاقلاً كان أو غيره على المشهور، وعالم أولا لقوله
تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84]
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ)) [الزمر:74] (الذي)
هذا على من؟ الله عز وجل.
إذاً هاذان مثالان أطلق لفظ الذي على الرب جل وعلا ((الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ)) [الزمر:74] ((هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي
كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [الأنبياء:103] هذا على الزمان، ولا يوصف بالعلم،
ولا يوصف بالعقل، ((هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ))
[الأنبياء:103].
إذا مَوْصُولُ الأسْمَاءِ الَّذِي: منه الذي وهو للمفرد العالِم المذكر
عاقلاً كان أو غيره، وذكرنا أن المذكر هذا لا بأس أن يطلق من جهة الرب
جل وعلا باعتبار اللفظ، لذلك جاء ((وَهُوَ اللَّهُ)) [الأنعام:3] و
(هو) بإجماع أنه يعود إلى المذكر بخلاف (هي) هذا يعود إلى المؤنث.
مَوْصُولُ الأسْمَاءِ الذي: والأنثى المفردة لها التي: أيضاً عاقلةً
كانت أو غيرها، سواء كانت عاقلة، أو ليست بعاقلة، عاقلة يعني: من بني
آدم، ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي
زَوْجِهَا)) [المجادلة:1] وهذه عاقلة، وكذلك غير العاقلة: ((مَا
وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي)) [البقرة:142] هذه غير عاقلة،
((الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)) [البقرة:142].
إذاً (التي) تستعمل في العاقل في العالِم وفي غيره، وكذلك (الذي)
يستعمل في العاقل في العالِم وفي غيره، هذان الاستعمالان مشهوران في
لسان العرب.
مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: (الذي) عرفنا هذه الجملة مركبة، جملة كُبرى، لأن
موصول الأسماء (هذا) مبتدأ أول، (الذي) مبتدأ ثاني، (منه): هذا خبر
المبتدأ الثاني، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، فهي جملة
كُبرى، وضابط الجملة الكبرى ما هي؟ التي وقع الخبر فيها جملة، ونفس
جملة الخبر تسمى جملة صغرى، لابد من حفظ هذه الاصطلاحات.
الأَُنْثى الَّتي: الواو هنا لابد من العطف، لأنه حَكَمَ على الجميع،
جميع ما يذكره بكونه موصول الأسماء، ليس خاص بـ (الذي) موصول الأسماء
الذي ليس خاصاً به، (التي) الأَُنْثى الَّتي، إذاً والأَُنْثى الَّتي،
والأَُنْثى المفردة لها (التي) حينئذٍ صار معطوفاً على ما سبق بإسقاط
حرف العطف.
أصلها (الذي)، (التي) أصلها (لذي) هكذا قيل و (لتي) بوزن (فعِل) كـ
(عَمِي)، (لَذِي) و (لَتِي) بوزن (فَعِل) كـ (عَمِي) زيدت عليها (أل)
زيادة لازمة، هذه سيأتي (أل) التعريف وَقَدْ تُزَادُ لازِماً
كَالَّلاتِ، لازم هي زائدة وهي التي يُعبر عنها سيبويه بأنها معتدٌ بها
وضعاً، بمعنى في أول الوضع الأول، وضعت وهي زائدة، كهمزة الوصل في
الفعل، فعل الأمر، لأننا نحكم أنها زائدة باتفاق، اضرب، نقول العربي
نطق هكذا اضرب، أول ما وضع الواضع اضرب، اضرب هذه الهمزة زائدة، لأننا
إذا أردنا أن نأخذ فعل الأمر نأخذه باعتبار ماذا؟ باعتبار مضارعه،
يضرب، هذا الأصل، أسقط حرف المضارعة، صار ما بعده ساكناً جاءت له همزة
الوصل، التقى ساكنان كسرت الأول صار اضرب.
إذاً هذه الهمزة زائدة قطعاً، لكن زائدة
بعد وضع كلمة ضرب بإسكان الضاد أولاً ثم زادها العربي، أم أنها ابتداءً
وضعت، نقول: ابتداءً وضعت، كذلك (الذي) و (التي)، أصلها (لذي) و (لتي)
زيدت عليها (أل) زيادة لازمة وضعاً، معتدٌ بها في أصل الوضع أو عُرف
بها على القولين، يعني: إما أن نقول (أل) هذه زِيدت عليها زيادة لازمة،
أو أنها مُعرفة، على قول من يرى أن الذي معرفة بـ (أل)، (أل) هو حرف
تعريف، هذا عام، يشمل الرجل ويشمل (الذي) و (التي) لأن (أل) موجودة
منطوقاً بها في لسان العرب، حينئذٍ صار التعريف بها، وهذا قول موجودٌ
عند النُحاة.
وقال الكوفيون: الاسم الـ (ذال) فقط، (الذي) (لذي، ذي) هذا الأصل و
(التي) (تي) فقط، هكذا قال الكوفيون، هذا نرده.
قال الكوفيون: الاسم الـ (ذال) فقط من (الذي) ساكنة، وتسقط الياء في
التثنية وفي الشعر، يعني الدليل على هذا أنها الـ (ذال) لأنها تسقط في
(أل) زائدة لا إشكال، وأما الياء لسقوطها في التثنيةِ، فتقول (ذانِ)
(اللذانِ) (أل) هذه للتعريف، أو أنها زائدة، إذا كان كذلك ليست من أصل
الكلمة، وهذا لا إشكال فيه، طيب ماذا بقي؟ بقي (الذال) و (الياء)
(الذي) (ذي) بقي (ذي) حينئذٍ قال الكوفيون: الياء زائدة ليست أصلية،
خلافاً للبصريين لماذا؟ قالوا: لأنه سيأتي، وَالْيََا إِذَا
مَاثُنِّيَا لاَ تُثبِتِ لا تَثْبُت في التثنية، فدل على أنها زائدة
وليست أصلية، إذ لو كانت أصلية لكانت كـ (الدال) من زيد، تقول: (زيدان)
تبقى الياء كما هي كما بقيت الدال من (الزيدان).
ولسقوط الياء في التثنية أو في الشعر، ولو كانت أصلاً لم تسقط، واللام
زِيدت ليتمكن النطق بـ (الذال) الساكنة ورُد بأنه ليس من الأسماء
الظاهرة ما هو على حرفٍ واحد، هذه قاعدة.
رُدَّ قول الكوفيين بأنه لا يوجد (ذه) فقط هكذا، هاء السكتة يعني، (ذ)
حرف واحد اسم ظاهر، وهو على حرف واحد لا وجود له، وفيها لغات: (الذي) و
(اللذيِّ) و (اللذيُّ) و (اللذ) و (الذِي) والسادسة (لذي) بحذف (أل)
وتخفيف الياء ساكناً.
وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ: سيأتينا ابن مالك يستعمل هذا (وَجَعَلَ
اللَّذْ) هذه لغة في (الذي) ليست للضرورة الوزن، لا هي لغة فيها، فيها
ست لغات. (الذي) المشهورة هذه (الذي) بتشديد اللام وكسر الذال وإسكان
الياء، وهي الفصيحة وأفصحها، لا يوجد في القرآن إلا هي، ثم (اللذيِّ)
كسر الذال وتشديد الياء مع الكسر، و (اللذيُّ) نفسها بالتشديد لكن مع
الضم، و (اللذْ) بحذف الياء مع إسكان الذال، (والذي) مع حذف الياء وكسر
(الذي) و (لذي) (لذي) بحذف (أل) وتخفيف الياء ساكنةً.
مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي: وذهب يونس والفراء
وابن مالك: أن الذي قد يقع موصولاً حرفياً كما ذكرناه سابقاً، فيؤول
بالمصدر، وخرجوا عليه قوله: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا))
[التوبة:69] أي كخوضهم، والجمهور على المنع وأجابوا بالجوابين
السابقين.
وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ:
بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: أراد أن يبين لنا المثنى من
(الذي) ومن (التي) فالذي يُثنى، فيقال فيه: (اللذان)، ((وَاللَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ)) [النساء:16].
والتي: يقال فيها (اللتان) بزيادة الألف
والنون، والياء: أي ياء؟ (أل) هنا للعهد، أي ياء؟ ياء (الذي) وياء
(التي)، قلنا الذي مختوم بياء ساكنة، والتي مختوم بياء ساكنة، حينئذٍ
قال:
وَالْيَا إذَا ثُنِّيا -الذي والتي- لا تُثْبِتِ: لا تثبتها بل احذفها،
لماذا؟ إذا قلت (الذي) ثم جئت بالألف في حالة الرفع والنون، حينئذٍ
التقى الساكنان، الياء والألف، فوجب حذف الياء، لالتقاء الساكنين،
تخلصاً من التقاء الساكنين، وقلت: اللذان.
والتي: كذلك نقول: جئت بالألف والنون فالتقى ساكنان، الياء ساكنة
والألف، فحذفت الياء، فقلت: اللتان.
وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ.
بَلْ مَا تَلِيهِ: الذي تليه الياءُ، وهو الذال أو التاء.
أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: أتبعه بالعلامة وهي الألف رفعاً والياء نصباً
وجراً.
إذاً بين لنا أن هذه الياء في الذي والتي أنها لا تثبت عند التثنية
مطلقاً، لا في حالة الرفع، ولا في حالة النصب، بل تأتي بالعلامة، علامة
التثنية، وتلحقها بالذال، من الذي، وبالتاء من التي، فتقول: اللذان،
واللتان، واللذين واللتين.
الياء: مفعول مقدم، لقوله:
لا تُثْبِتِ: لا تُثْبِتِ الياء إذا ما ثنيَ.
يا طالباً خُذ فائدة ... ما بعد إذا زائدة
إذا وقعت ما بعد إذا احكم عليها أنها زائدة لإفادة التوكيد، ((وَإِذَا
مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] ((وَإِذَا غَضِبُوا هُمْ
يَغْفِرُونَ))، لو قلت على أصلها وهي نافية ((مَا غَضِبُوا
يَغْفِرُونَ)) عند عدم الغضب يغفرون، ليس هذا المُراد، وإنما المراد أن
(ما) هذه زائدة، يعني: التأكيد، أنهم عند الغضب تحصل منهم المغفرة، لكن
هذا مُقيد ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ)) [الشورى:40] ليس دائماً.
بل والياء: مفعول مقدم، منهما: يعني من الذي والتي إذا ثنيا، وكذا إذا
جمعا، ليس الحكم خاصاً بالتثنية، بل حتى الجمع، وكذا إذا جُمعا ولم
يذكره المُصنف هنا نص على التثنية فحسب، إحالة على قوله: جَمْعُ
الَّذِي الأُلَى، سيأتي بيانه.
ولأن سقوط الياء إذا جُمع على قياس جمع المنقوص، كالقاضين، فلا حاجة
لذكره، يعني: جاء على القياس، بخلاف الذي والتي، فالتثنية ليست على
القياس.
الياء إذا ما ثُنيا: إذا ثني حقيقة أو أُتي بهما على صورة المثنى،
الناظم هنا أطلق قال: (ثُنيَ) يعني: حصل للفظ تثنية، فصار مثنى، حينئذٍ
هل هو مثنى حقيقة، أم أنه على صورة المثنى، إذا قلنا: مثنى حقيقة،
معناه أنه مُعرب، وليس بمبني.
ويأتي التعليل بأنه أُعربَ مع كون الأصل في
الاسم الموصول أنه وجد فيه شبهه بالحرف، وهو الافتقار المتأصل هذا
موجود حتى مع المثنى، اللذان، واللتان، واللذين، واللتين، لكن يجاب بأن
الشبه هنا ليس مُدْنِيا، ليس قريباً، ليس قوياً، من الحرفي لماذا؟ لأن
الشبه القوي شرطه في نقل حكم نقل الحرف إليه إلى الاسم المُشبه بالحرفي
شرطه عدم المعارض، وهو ألا يكون به حالٌ وهذه الحال خاصة بالأسماء، فإن
ورد به حينئذٍ ابتعد الشبه، ضَعُف، صار شبهاً ضعيفاً، وهنا كونه على
صورة المثنى، اللذان، واللذين، رفعاً ونصباً، واللتان، واللتين رفعاً
ونصباً، قيل بماذا؟ بأنه عارض وجه الشبه ما هو من خصائص الأسماء وهو
التثنية فصار مُعرباً، وقيل: لا، بل هو مبني على أصله، ويكون حينئذٍ في
حالة الرفع مبنياً على الألف، وفي حالة النصب والجر يكون مبنياً على
الياء، وهذا مشهور عند النُحاة بل هو الأشهر لماذا؟ قالوا: لأن التثنية
التي تكون من خصائص الأسماء التي تُضعف وجه الشبه في الاسم بالحرفِ هي
التثنية الحقيقة، وأما هذا فليس مثنى حقيقة، لأنه لو كان (الذي) مثنى،
لقيل (اللذيان)، ولم يقل فيه (اللذان) (اللذيان) كما هو الشأن في
القاضي، ولقيل (اللتان) (اللتيان) كما هو الشأن في الفتى، فلما لم يأت
على هذه الصيغة حينئذٍ خَرَجَ عن حَدِ المثنى حقيقة، فجاء بصورته على
صورة المثنى, فيكون مبنياً على الأصل.
ويُرد على من قال بأنه مُعربٌ لتعارض وجه الشبه مع ما هو من خصائص
الأسماء نقول: هذه الخصيصة إنما تكون إذا انفرد بها الاسم، وأما كون
اللذان واللتان مثنى، فليس بمثنى، لأنك تقول زيدان، تبقى الكلمة على ما
هي، (واللذان) الأصل فيها (اللذيان) و (اللتيان) إذاً لم يأت على صورة
المثنى، فيبقى مبنياً على أصله، وهذا التغيير بين حالة الرفع وحالة
النصب نقول: هو على أصله مبني على الألف في حالة الرفع، ومبني على
الياء في حالتي النصب والجر.
إذاً والياء إذا ما ثنيا: إذا ثُني (ما) زائدة وثُني على القولين
نفسرها، وإن كان ظاهر كلام الناظم هنا ماذا؟ ظاهره أنه مثنى حقيقة، أنه
مُعرب هذا ظاهره، لكن إذا أردنا أن نؤوله حينئذٍ نقول: ثُني بمعنى أنه
أُتي به على صورة المثنى، وليس مثنى حقيقة، وينبني على هذا التأويل أنه
مبني وليس بمعرب، وإذا قلنا ثُني حقيقة حينئذٍ صار معرباً لا مبنياً.
إذا ما ثُنيا: حقيقة أو أُتي بهما على صور المثنى، (لا تثبتِ) لا
الناهية، تثبت: فعل مضارع مجزوم بلا، وجزمه كسرةٌ ظاهرة في آخره.
تثبتِ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وجزمه بالسكون
والكسرة كسرة روي، يعني: مناسبة، لمناسبة الراوي.
إذاً تثبتِ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وجزمه سكون آخره، والسكون يكون
مقدراً منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من السكون الذي يُعارض
الروي.
إذاً لا تثبتِ الياء: الياء مفعول به مقدم، أي لا تُجِزْ ثبوتها، بل
هذا تصريح بما عُلم بما قبله لأنه لو اكتفى بهذا التركيب والياء إذا ما
ثني لا تُثْبِ: لا تُثْبتِ الياء إذا ما ثُني، معلوم أن التثنية تكون
بالعلامة بالألف والنون، والياء والنون، لو اكتفى بهذا الشطر لعلمنا أن
الياء، أن قوله:
بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ:
أنه يعتبر يعتبر تصريحاً بما دل عليه الشطر السابق، يعني ليس فيه فائدة
جديدة، لو لم يقل هذا التركيب، (بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ
الْعَلاَمَهْ) لفهمنا من قوله:
وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ: أن العلامة تلي الذال وتلي
التاء، وهذا واضح وبين، بل نقول: هذا بل هنا للانتقال وليست للإضراب.
وَمَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: هذا تصريح بما عُلم ضمناً في
قوله: (وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ).
مَا تَلِيهِ: ما: اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على ماذا؟ يصدق على ما
قبل الياء، والذي قبل الياء التي تُزال التي تُحذف هو الذال والتاء،
الذي، التي الذي قبل الياء من الذي الذال والذي قبل الياء من التي
التاء إذاً ما تليه الياءُ من الذي هو الذال، وما تليه الياء من التي
هو التاء، بل (ما) واقعة على ما قبل الياء وهو الذال من الذي، والتاء
من التي.
تَلِيهِ: تليه فيه ضميران، ما هما أولا؟
تَلِيهِ: أين الضمير الأول؟ وأين الضمير الثاني؟
تلي: هذا فعل مضارع، طيب وفاعله، ضمير مستتر، يعود إلى الياء، والهاء
هذه مفعول به يعود إلى الاسم الموصول.
بَلْ مَا تَلِيهِ -الياءُ- أظهر الفاعل، بَلْ مَا تَلِيهِ الياءُ يعني
الذي تليه تلي الياءُ ذالاً، وتلي الياءُ تاءً، بل ما تليه يعني الذي
تليه الياء والذي تليه الياء تكون بعده (الذي) الياء ماذا ولت الذال،
والتي الياء هنا ماذا تلت، التاء، هذا مرادُه، كان في العبارة؟؟؟
بل ما: أي الذي تليه يعني تلي الياء الضمير في تليه مستتر يعود إلى
الياء والضمير البارز الهاء يعود إلى ما الموصولة التي قلنا تصدق على
الذال من الذي والتاء من التي.
أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: يعني أتبعه، لقوله: وَلِيَه، يليه بالكسر، فيه
ما هو شاذ، يعني أتبعه.
الْعَلاَمَهْ: أي علامة: الألف والياء، هذا (أل) هنا تكون للعهد الذهني
أو الذكري، يجوز هذا وذاك.
بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، بِالأَلِفِ ارْفَعِ .. وَتَخْلُفُ
الْيَا هذه هي العلامة، أشار إليه بقوله: العلامة، والمرجع هو ما سبق،
لأنه قال: إِذَا مَا ثُنِّيَ، لما قال إذا ما ثُني، ثم قال أوله
العلامة، يعني: علامة التثنية، وهذه سبق ذكرها في قوله: بِالأَلِفِ
ارْفَعِ الْمُثَنَّى، وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ
جَرًّا وَنَصْباً.
أَوْلِهِ: أوله العلامة الدالة على التثنية وهي الألف في حالة الرفع
والياء في حالتي النصب والجر.
أَوْلِهِ: أول هذا يتعدى إلى مفعولين: أوليِ أنتَ، ضمير مستتر وجوباً
تقديره أنت، يعني فعل أمر، والهاء هنا الأولى هذه هاء ضمير متصل مبني
على الكسر في محل نصب أعربه غير واحد بأنه مفعول أول، والعلامة مفعول
ثاني، ولو عُكس كان أولى، لأن العلامة فاعل في المعنى، أولِ العلامةَ
أخر الذي والتي، يجوز هذا وذاك.
أوله العلامة:
بل ما تَلِهِ أَولِه العلامة: كان القياس
أن يقال اللذيانِ، واللتيانِ، واللذَيينَ، بفتح الذال مع ياءين هذا
الأصل، واللذيين الياء الأصلية الذي وياء التثنية، واللتيين، هذا الأصل
فيها قياساً، بإثبات الياء ولكن لسكون الياء في الذي والتي اجتمعا
ساكنة مع العلامة، فحذفت لالتقاء الساكنين، فالذي الأصل فيه أنه
كالقاضيان، بإثبات الياء، وذا وتان كما سيأتي كالفتيان، بقلب الألف
ياء، لكنهم فرقوا بين تثنية المبني، والمعرب، هكذا قيل.
يعني: لماذا لم يجروا على المشهور من إبقاء ياء الذي والتي؟ قالوا
تفرقة بين المثنى والمعرب، هذا فيه نظر.
والنُّونُ إِنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ: تُشدد مماذا؟ من قولك اللذانِ،
واللتانِ، هذا مسموع من القرآن: (واللذانَّ، واللتانَّ، واللذينِّ،
واللتينِّ) بتشديد النون، لكن الأفصح هو بقاؤها كما هي مع كسرها، ثم
تأتي اللغة الثانية وهي تشديدها، فاللذان واللتان فيها ثلاث لغات: ثبوت
نونها مكسورة مخففة: كنون المثنى وهي الأصل وهي الفصيحة وهي الغالب حتى
في القرآن يقال: اللذان واللتان، واللذين، واللتين، يعني بقاء النون
كما هي ومكسورة كنون المثنى، ثبوتها مكسورة مخففة دون تشديد، كنون
المثنى، وهذه أفصح اللغات وهي الأصل.
ثانياً: ثبوت النون مشددة مكسورة: اللذانِ، اللتانِ، نقول هذه ثابتة
قرأ بها في السبع.
ثالثاً: حذف النون تخفيفاً: تحذف النون، اللذا، اللتا، كما ذكرناه في
اللذين هناك، تحذف النون، لكن ما يحمل عليها القرآن والله أعلم أنه ما
يحمل عليها القرآن.
اللغة الثالثة حذف النون تخفيفاً سبب طول الموصول بالصلة والعائد.
سُمِع
أَبَنِي كُليب إنَّ عَمَّيَّ اللَّذا ... قَتَلا المُلُوكَ وَفَكَّكَا
الأَغْلالا
إنّ عمي اللذ: اللذان: فككا أو قتلا الملوك، وسُمع كذلك:
هُما اللتا لو ولدت تميمُ: هما اللتانِ حذفت النون.
إذاً اللغة الثالثة دون الاثنتين السابقتين الاثنتان واقعتان في
القرآن، الأولى هي الأفصح وهي كثير، والثانية مقرون بها في السبع.
والنُّونُ من مثنى الذي والتي إنْ تُشْدَدْ: يعني تُضَعَّف حينئذٍ
اختلفوا أي النونين هي الزائدة؟ المشهور أنه الثانية، إنْ تُشْدَدْ
فَلا مَلامَهْ: على مشددها لا عَتب، لأنه وافق لغةً، وكل من وافق لغةً
وخاصة جاء القرآن بها فلا ملامة، لا يعتب عليه إلا الجاهل، كلما ورد
القرآن به فالنطق به فصيح ولا شك، ولو خالف المشهور حينئذٍ يكون وجوده
في القرآن من باب ماذا؟ فصيح وأفصح، كما يقال صحيح وأصح، وإنما يقال
الكثير جداً هو: الأفصح.
والنُّونُ إنْ تُشْدَدْ فَلاَ مَلامَهْ: على مشددها وهو في الرفع متفق
عليه بين الكوفيين والبصريين، اللذانَّ، هذا متفق عليه، واللتانَّ،
يعني بعد الألف، وأما بعد الياء فمختلف فيه جوزه الكوفيون ومنعه
البصريون، والصحيح الجواز, لوروده في القرآن، قرأ به في السبع، فدل على
أنه مقروء به فإذا كان كذلك حُجة صار على البصريين، يمنعون لأي سبب
غريب هذا.
وأما في النصب فمنعه البصريون وأجازه
الكوفيون وهو الصحيح، القول الصحيح هكذا، حتى تُعود نفسك أنما جاء في
القرآن يعني تقول به مباشرة لا تتردد، لو قيل البصريين على خلافه، قل
أنا على خلافهم، لكن تأكد أولاً أن القراءة صحيحة ثابتة، فإذا كانت
ثابتة لا تُبالي أبداً، القرآن حُجة عليهم وليس هم حُجة على القرآن،
ولو لم يَرِد إلا في آية واحدة، في قراءة سبعية ثبتت والباقي كله على
خلاف، قل: هذا فصيح، وهذا فصيح، والكثير هو أفصح وأكثر، وهذا فصيح ولا
نرده نقبله، لا نكون حاكمين على القرآن -خاصة القرآن-.
والنون: يعني أطلق النون هنا سواء وقعت بعد الألف، أو بعد الياء، وهو
مذهب المُصنف، أنها مطلقاً عِنده ولذلك أطلقها النون مطلق هنا هذا
يَعُم النون الواقعة بعد الألف والنون الواقعة بعد الياء، وهو الصحيح
الثابت ولا يجوز الرد، إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ على مُشددها.
وَالنُّونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا: ذين وتين: هذان اسما إشارة،
لما ذكر التشديد من نون اللذانِّ واللتانِّ، ناسب أن يذكر ما شُدد من
نوني اسم الإشارة مثنى في حالة الرفع والنصب، إذاً للمناسبة وإلا الأصل
أن يذكر في باب اسم الإشارة هذا الأصل، لكن الشيء قد يخرج عن نظيره تحت
بابه لوجود نظير أنسب في موضع آخر.
والنون: نقول ذكرهما هنا مع كونهما ليسا موصولين لاشتراكهما مع اللذين
واللتين، في جواز تشديد نونهما، وليس التشديد خاصاً بالياء كما مثل بل
هو عامٌ.
والنون من ذين تثنية ذا وتين تثنية تا والقول فيها كالقول في اللذان
واللتان، هل هما مُعربان أم مبنيان، القول هو عين، المشهور أنهما
مبنيان، على الألف والياء.
شُددا: أيضاً كما شددت النون من اللذان واللتان في الاسم الموصول،
شُددا: الألف هذا للإطلاق، أيضاً مع الألف اتفاقاً ومع الياء على
الصحيح.
وتعويض بذاك قُصِدَا:
تعويض بـ (ذاك)، بـ (ذاك) ما هو ذاك؟ التشديد .. تعويض بذاك التشديد
قُصدَا: يعني القصد من هذا التشديد هو التعويض، تعويض عن الياء
المحذوفة من الذي والتي، وعن الألف المحذوف من (ذانِ) (ذانِّ) (تانِ)
(تانِّ) نقول الألف حُذفت، لالتقاء الساكنين، في (ذا) و (تا) حينئذٍ
عُوض عن هذه الألف وهي أصلية، الألف أصلية وإن كانت منقلبة عن واو أو
ياء، لكن لما حُذفت للتخلص من التقاء الساكنين عُوض، كما عوض في:
(عِده) و (زنه) نقول هذه معوض وعد، أصلها (وعد) فلما حذفت الفاء، فاء
الكلمة قيل (عدةٌ) اسم أصل سِمْوٌ حذفت اللازم وعُوض عنها بأولها، إذاً
التعويض له أصل في لسان العرب.
وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ: أي التشديد، وهو لغة تميم، التشديد من المحذوف،
وهو الياء، من الذي والتي والألف من (ذا) و (تا) إذاً تعويضٌ هذا عائدٌ
على قوله السابق.
والنُّونُ إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ من اللذان واللتان
ثم لما ذكر (ذين) و (تين) أعاد العلة
للجميع وتعويضٌ بذاك التشديد، في كلٍ من الكلمات الأربعة السابقة قصدا،
تعويض مبتدأ، وقوله: قُصِدا: الألف للإطلاق هذا الجملة خبر، وبذاك جار
ومجرور متعلق بقوله: قُصِدا، وهذه كما قلنا لُغة تميم، وقيل بل التشديد
لتأكيد الفرق بين تثنية المُعرب وتثنية المبني، يعني: من أجل أن نُفرق
بين المثنى في كونه معرباً وفي كونه مبنياً، لكن هذا فاسد لماذا؟ لأنه
لو كان كذلك لكان الأكثر هو التشديد، ونحن ذكرنا أن اللغة الفصحى هي أن
تكون النون كنون المثنى.
وتعويضٌ بِذَاكَ قُصِداً:
قال الشارح: وأما الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر، والتي للمفردة
المؤنثة، فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع، نحو
اللذان، واللتان، وبالياء في حالتي الجر والنصب، فتقول اللذين،
واللتين، وإن شئت شددت، يعني: ليس واجباً وإنما هو لغةٌ، حينئذٍ أنت
مُخير شددت النون عوضاً عن الياء المحذوفة هذا رجح أنه من باب التعويض
عن الياء المحذوفة، وليس فرقاً بين تثنية المبني والمعرب نحو اللذان
واللتان، فتقول اللذين واللتين.
وهذا كما ذكرنا مُتفقٌ عليه في الرفع، ومختلف فيه في النصب والجر، وإن
شئت شددت النون عوضاً عن الياء المحذوفة فقلت اللذانِّ واللتانِّ، فقد
قُرأ قراءة سبعية ((وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا)) [النساء:16]
بالتشديد، ويجوز التشديد أيضاً مع الياء وهو مذهب الكوفيين والبصريون
على المنع، والصواب مذهب الكوفيين، فتقول اللذينِّ بالتشديد،
واللتينِّ، وقد قرأ ((أَرِنَا الَّذَيْنِّ أَضَلَّانَا)) [فصلت:29]
بالكسر، وهذا التشديد يجوز أيضاً في تثنية ذا وتا اسمي إشارة، تقول:
ذانِّ وتانِّ، وكذلك مع الياء وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن
يكون عوضاً عن ألف المحذوفة كما تقدم في الذي والتي، قُرأ ((فَذَانِكَ
بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ)) [القصص:32] ((إِحْدَى ابْنَتَيَّ
هَاتَيْنِ)) [القصص:27] بالتشديد فيهما ... والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!
|