شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* ما علم جاز حذفه
* مواضع حذف وجوب حذف الخبر
* تعدد الخبر عن المبتدأ الواحد.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
س: الأمثلة التي فيها الحصر وهي نكرة هل يصح أن يقال: إن سبب تأخيره هو كونه نكرة؟
ج: لا، لأن الخبر الأصل فيه أنه نكرة، لا يقال: إنه تأخر من أجل أنه نكرة.
س: يقول: أنا أحفظ مجموعة من المتون العلمية سواء منظومات أو أحاديث عمدة الأحكام أو غيره لكن تعبت في مراجعتها من جهة ومن جهة أخرى، تعبت كذا في حفظ جديد؟
ج: كل المحفوظات إذا كثرت فهذه لا بد مما يسمى بالتخصيص الآن، يعني الكبير يدخل تحته الصغير، ولكن لكون الطلاب ما يُدّرِّسُوُن، ما بينهم مدارسة فيتعب في تثبيت الصغير، يعني مثلاً البعض يدرس الألفية، وقد يكون من أربع خمس سنين درَس الآجرومية إلى الآن ما درَّسها ولو مرة واحدة، هذه الآجرومية تكون في خبر كان، تذهب أو يجلس خمس سنين وهو يراجع يراجع يراجع أو أنه يتركها وينساها وضيع وقته في الحفظ، لكن الأصل الصحيح الذي يعتمده أنه يدرس الكتاب ثم إذا ضبطه بطريقة جيدة واثق من نفسه حينئذ إذا وجد من يريد أن يدرس يتعلم عليه ما في بأس، الآن لما يأتي طبيب ويأتي حلاق هو يتعلم سنين على الرءوس وبعدها يصير خبير صاحب خبرة، الخبرة ما تأتي بيوم وليلة، كيف نقول خبرة؟ ولذلك يطلبون وظائف خبرة عشر سنين، هذا غلط، هذا إذا احتاج إليه الإنسان يكون قد كان على وظيفة وترك.
الشاهد: أن إذا درس الملحة مثلاً أو درس الآجرومية أو درس نظم الورقات ما تجلس محفوظة هكذا سنتين أوثلاث، يضيع علمك هكذا، وإنما تدرسها، ما وجدت لا بد إنك تجلس وتشرحها أو تجد طالب علم جيد يستغل وقته معك وتجلس تتدارس معه، تشرح بيت وهو يشرح بيت، أما تبقى هكذا في الخزينة وتجلس سنتين أو ثلاث ثم تدرس قطر الندى ومثله ثم الألفية، ثم تأتي إلى المراقي وتدرسها ما .. هذا كالذي يكدس هكذا ما يستفيد، الفائدة قليلة، لكن ما يحرك العلم إلا بالمدارسة بالتدريس، صحيح. يعني أنت لو تجلس وتغلق الكتاب وإذا جاءت مسألة استشهدت ببيت، استشهدت بآية، استشهدت بحديث هذه تنطبع يعني كأنها صارت شيء محسوس، أما الطريقة التي تسيرون عليها هي التي ضيعتكم، أولاً: لا تدريس. وثانياً: لا مراجعة. التدريس البعض يظن أنه نوع تصدر، لا ليس المقصود أن يصرح لك وتفتح دورة وإلى آخره لا، المقصود أنك تجلس ومع طالب واحد يحتاج، كثير الآن ما يستطيع أن يدْرُس الألفية، هؤلاء لو من تصدر له مجلس يدرسهم الأجرومية لاستطاع أنه يستفيد ولو في الإجازة، لكن الله المستعان! طريقة عشوائية ليست منظمة، ولا مرتبة.


هذه مشكلة العلم الآن، وإلا العلم موجود إن شاء الله، من يدرس موجود والكتب موجودة والطلاب الحمد لله في كثرة ما شاء الله، لكن الطريقة، لكن لا بد من مدارسة، يعني أنتم الآن بدأتم في الألفية، الأصل أن كل اثنين ثلاثة مع بعض، لو يوم في الأسبوع يجلسون يراجعون عشرين بيت هذا يحضر وكذا وتسمعون لبعض، ثم فك العبارات هذا يشرح بيتين مختصر والثاني والثالث وهلم جرا، هذا الأصل فيه. تقرءون ابن عقيل، أنا أحاول أني أقرأ مع أني ما أحتاجه في الشرح ابن عقيل، لكن من أجل أن الاختبار سيكون فيه بعض الألفاظ وكذا ويطمئن الطالب أنه درس ابن عقيل، أما إذا ما عرجنا عليه بالكلية يقول: ما قرأنا ابن عقيل. لكن من باب تطييب بعض النفوس نقرأه، نعيد الذي شرحت أعيده في القراءة، اجتهدوا.
وأيضاً المدارسة يعني تجعل الطالب عنده همة، إذا استمر وراجع مائة بيت من الألفية يستمر إن شاء الله، يعني المراجعة تقول: أختي أختي، وإذا شعر أنه ضبط يتحمس أكثر، ولذلك المتون الصغيرة هذه وسيلة أنه يتقن الكبار، والذي دائماً يأتي من فوق هذا ما يضبط، يبدأ فتح الباري وشرح مسلم للنووي، وبعضهم الاستذكار والتمهيد لابن عبد البر، هذا ما ينتهي، هذا ما أظنه ينتهي من الجزء الأول في التمهيد، ثم لو انتهى ما حصل شيء، لكن لا بد من السلم. أنتم فيكم الخير والبركة إن شاء الله.
س: هل هناك شرح لأبي حيان على الألفية؟
الجواب: ما أدري ما أعرف أنه مطبوع، أنا ما أهتم صراحة بجمع الشروحات، أنا ما أتتبع هذه الأشياء لا مخطوط ولا مطبوع، إنما أعتني بالضبط أكثر، يعني آخذ كتاب وأركز عليه وألخص وأحفظ وأذاكر إلى آخره وأحاول أستوعب ولو كان حاشية، وقد أكتفي به وأبحث مسائل، هذه الطريقة التي أسير عليها، أما لا بد أني أجرد كل الشروح ينتهي العمر يحتاج ألف سنة، خمسين سنة ستين سنة هذه ما تنتهي من كتب النحو، لا بد تقرأ كتاب سيبويه والشروحات وما طبع، وبعضهم يذهب ومخطوطات، أشياء ما أدري أحزن عليهم هؤلاء، لأنها أوقات تذهب، فأنت طالب علم لا بد تعرف ما الذي تريده من علم النحو ومن غيره، لا بد تحدد ما تريد هكذا فقط تريد تدرس نحو وتمشي تطقطق رأسك فقط، لا بد تحدد هدف، أريد أن أفهم الكتاب والسنة.
إذاً: إذا حدد أهل العلم طريقة معينة نسلكها، العلل والاستثناءات وما خرج عن المشهور والفصيح إلى آخره كله ما تحتاجه في لسان العرب، كله ما تحتاجه في فهم الكتاب والسنة، أما الذي يريد أن يكفي الأمة يسرح ويكتب ويؤلف وينظم ويريد يتخصص في النحو ما في بأس هذا، لكن نحن ما نريد هذا، نريد أن يكون النحو وسيلة إلى أن نقرأ التفاسير ونقرأ أحاديث الأحكام وأحاديث العقيدة ونستنبط إلى آخره ويكون ديدننا ليل نهار في فهم الكتاب والسنة، هذا يكفيك الأشموني وبعض الكتب التي دائماً نذكرها، أما الذي يتتبع كل شرح .. عندهم نفس في جمع الكتب، كأنها شهوة خفية يعني مثل هذا القبيل.


الذي يشرح كتاب يعني يكتب يحتاج صحيح إلى مراجع، أما الذي يريد أن يضبط فن ما يحتاج أبداً، ألفية ابن مالك إذا ضبطت الأشموني وهذا أنفس كتاب وإذا ظهر الشاطبي جيد لكن إلى الآن في الأدراج، فإذا ضبط الأشموني مع التعليقات للصبان وحاشية الخضري وجمع الجوامع أنت أنت، نعم جمع الجوامع هذا إن شاء الله نضع فيه درس، أنا نفسي فيه صراحة، وهو شرح يعني الجمع الأصل للسيوطي وشرحه شرح نفيس، غاية جداً يعني ما ترك مسألة إلا ذكرها، بعضها أقوال ضعيفة وكذا إلى آخره لكن لو قرأناه مرة مرتين وثلاث مع ضبط الألفية الله أكبر، شيء يفتح النفس صراحة.

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ

هذا شروع منه في وجوب تقدم الخبر على المبتدأ، متى يجب أن يتقدم الخبر على المبتدأ؟ في مواضع كسابقها، في الجملة مجمع عليها متفق عليها، الخلاف فيها يسير، ولذلك السيوطي شرح كلام يسير جداً في همع الهوامع.
الموضع الأول قلنا: إذا كان المبتدأ نكرة والخبر ظرف أو جار ومجرور ولا يوجد مسوغ الابتداء بالنكرة إلا تقدم الخبر الذي هو الظرف والجار والمجرور، وحينئذ يتعين أن يتقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور على المبتدئ.
الثاني مما يجب فيه تقدم الخبر، أشار إليه بقوله:
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ

هذا من الأبيات المعقدة عند ابن مالك، ولذلك بعضهم أصلحه بقوله:
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِنْ مُبْتَدَاً وَمَا لَهُ تَصَدَّرَا

كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ مِنْ مُبْتَدَاً
يعني: أن يتصل -من أجل أن تُفهم- أن يقترن ويتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، أن يتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، قلنا: الأصل في المبتدأ التقدم، والأصل في الخبر التأخر، والأصل في الضمير ألا يعود على متأخر لفظاً ورتبة، هذا الأصل. فإذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر حينئذ عاد الضمير على متأخر لفظاً، لأنه ينطق به متأخراً في اللفظ ورتبة، ما معنى رتبة؟ يعني منزلته في لسان العرب أين يوضع الخبر؟ هو الجزء الثاني، فإذا عاد الضمير على الخبر وهو متأخر لفظاً ورتبة حينئذ قلنا: هذا ممنوع، لو قال: صاحبها في الدار، صاحب هذا مبتدأ وهو مضاف والضمير مضاف إليه. في الدار: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، هنا اتصل الضمير بالمبتدأ، صاحبها في الدار، صاحبها الضمير يعود على الدار، حينئذ عاد على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع، فحينئذ وجب تقديم الخبر على المبتدأ من أجل أن يعود على متأخر رتبة لا لفظاً، وهذا جائز كما سيأتي. عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ممنوع، وأما عود الضمير على متأخر رتبة لا لفظاً هذا جائز.
إذاً: تصحيح للكلام ولئلا يخالف أصلاً من أصول اللغة حينئذ وجب تقدم الخبر على المبتدأ. هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى.
بماذا عبر عن هذا المعنى؟ قال:


كَذَا: أي: مثل ذا السابق، في كونه يلزم فيه تقدم الخبر، يجب تقديم الخبر إذا عَادَ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ الضمير يعود على الخبر، لكن هنا فيه إشكال: وهو أن الضمير لا يشترط فيه أن يعود على كل الخبر، وإنما على ملابس أو مشتمل أو جزء في الخبر، ولذلك قيل: في التركيب هنا حذف مضاف، أي: إذا عاد عليه أي على ملابسه، أو على جزئه، أو على بعضه، لأنك إذا قلت: صاحبها في الدار، في الدار صاحبها، صاحبها الضمير يعود على ماذا؟ قلنا: الخبر هو المحذوف على الصحيح متعلق، وإذا قلنا المجموع أو قلنا الجار والمجرور نفسه، الضمير هنا يعود على الدار فقط وهي جزء الخبر وبعض الخبر ليس كل الخبر.
إذاً: إذا عَادَ عَلَيْهِ: أي: على بعضه، لا يشترط فيه أن يعود على كله.
إذا عَادَ عَلَيْهِ: على الخبر.
مُضْمَرُ: يعني ضمير. إذا عاد عليه ضمير.
مِمَّا: من أين؟ من أين رجع إليه الضمير؟
مِمَّا بِهِ: يعني من مبتدأ، الذي بِهِ بذلك الخبر عَنْهُ عن ذلك المبتدأ.
مُبِيناً: مفسراً.
يُخْبَرُ: يعني هذا الضمير يكون عائداً على الخبر وهو متلبس ومتصل بالمبتدأ.
عَلَيْهِ، إذا عَادَ عَلَيْهِ: يعني على ملابسه، على بعضه، على جزئه ضمير.
مِمَّا: يعني من مبتدأ، الذي مما: ما هذه اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على المبتدأ.
مِمَّا بِهِ: بِهِ، يعني الخبر.
عَنْهُ: يخبر، يخبر عنه.
مُبِيناً: هذا بمعنى مفسراً. في الدار صاحبها إذا لو أخر الضمير لعاد على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع، ولذلك أصلحه ابن غازي بقوله:
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ مِنْ مُبْتَدَاً
لو قالها هكذا أراحنا.
كَذَا أي: مثل ذا.
إذا عَادَ عَلَيْهِ: على الخبر.
مُضْمَرُ من مبتداً: إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، ولا نحتاج إلى هذه الكلفة التي ذكرها ابن مالك رحمه الله تعالى.
الثاني: أن يشتمل المبتدأ على ضمير متصل به يعود على شيء في الخبر، شيء لا يشترط أن يكون كل الخبر. على شيء في الخبر متصل بالخبر أو جزء منه، نحو: في الدار صاحبها، صاحبها: مبتدأ، والضمير المتصل به راجع إلى الدار، وهو جزء من الخبر، الدار الذي رجع إليه الضمير جزء من الخبر، فلا يجوز تأخير الخبر نحو: صاحبها في الدار، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع كما سيأتي في باب الفاعل.
على التَّمْرَةِ مِثْلها زُبداً، زُبداً تمييز. مِثْلها هذا مثل صاحبها مبتدأ اتصل به ضمير يعود على الخبر وهو التمر جزء، جزء من الخبر، حينئذ وجب تقديم الخبر على المبتدئ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة.
((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] مثله؟ مثله إذاً جاء في القرآن. ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] أَقْفَال هذا مبتدأ، مبتدأ مؤخر، وهو متصل به ضمير يعود على القلوب، ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] عَلَى قُلُوبٍ هذا خبر مقدم واجب التقديم، حينئذ نقول: هذا مما يذكر مثالاً لما ذكره المصنف.


وهذا مراد المصنف بقوله: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... البيت، أي: كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه وهو المبتدأ، فكأنه قال: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، عاد عليه هكذا قال وافق ابن عصفور، وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه وليست بصحيحة؛ لأن الضمير في قولك: في الدار صاحبها إنما هو عائد على جزء من الخبر لا على الخبر، فينبغي أن تقدر مضافاً محذوفاً في قول المصنف: عَادَ عَلَيْهِ التقدير إذا عاد على ملابسه، ثم حذف المضاف الذي هو ملابس وأقيم المضاف إليه وهو الهاء مقامه، فصار اللفظ: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ.
ومثل قولك: في الدار صاحبها قولهم: على التَّمْرَةِ مِثْلها زُبداً.
أَهَابُكِ إِجْلاَلاً وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا

حَبِيُبهَا هذا خبر مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ هذا خبر مقدم، حَبِيُبهَا اتصل به ضمير يعود على العين، مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيُبهَا، وحَبِيُبهَا: مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ: خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره؛ لأن الضمير المتصل بالمبتدأ وهو (ها) عائد على عين، وهو متصل بالخبر، فلو قلت: حبيبها ملء عين، عاد الضمير حينئذ على متأخر لفظاً ورتبة.
إذاً: عرفنا أنه يجب تقديم الخبر إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على شيء في الخبر.
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ

أي: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، وفي المكودي والتقدير: كذا يلزم تقديم الخبر إذا عاد على ملابسه ضمير من المبتدأ الذي يخبر الخبر عنه.
كَذَا إذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرا
كَذَا: أي مثل ذا السابق، فهنا يأتي بالكذلكة من باب بيان الحكم لأن الثاني ملحق بالأول، شبيه به في وجوب تقديم الخبر.
إذَا: كان الخبر.
يَسْتَوْجِبُ: يعني يستحق.
التَّصْدِيرا: أي في جملته، إذا كان الخبر له حق الصدارة، إذا كان المبتدأ له حق الصدارة وجب ماذا؟ تأخير الخبر، إذا كان الخبر نفسه له حق الصدارة وجب تقديم الخبر، وهذا مجمع عليه في الجملة، مثل ماذا؟ مثل الاستفهام أو المضاف إليه، كقوله:
كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ
مثَّل هنا.
كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: علمتُه بالضم.
كَأيْنَ: أي كقولك، الكاف داخلة على محذوف.
أيْنَ: نقول: خبر مقدم.
مَنْ عَلِمْتَهُ: من اسم موصول على الذي.
عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: عَلِمْتُ فعل وفاعل، والضمير الهاء مفعول أول، ونَصِيراَ: مفعول ثان، ويحتمل أن علمته بمعنى عرفته، وحينئذ يكون الهاء مفعول به، ونَصِيراَ هذا حال من الهاء من الضمير يحتمل هذا.
إذاً: إذا كان الخبر له حق الصدارة وجب أن يتقدم، وذلك إذا كان اسم استفهام ونحو ذلك، أين زيد؟ زيد هذا نقول: مبتدأ مؤخر، وأين: هذا خبر مقدم؛ لأنه له حق الصدارة في الكلام. ومثله ما قاله الناظم: أيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ.
وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أَبَدَا ... كَمَالَنَا إِلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا


هذا الموضع الرابع، وهو أن يكون خبر المبتدأ المحصور قَدِّمْ، خبر المبتدأ المحصور قَدِّمْ أبَدَا، يعني: قدمه على المبتدأ، يجب تقديم الخبر إذا كان المبتدأ محصوراً.
أن يكون مسنداً إلى مقرون بأداة حصر لئلا يلتبس، نحو: ما في الدار إلا زيد، زيد هذا مقرون بعلة، ابن هشام رحمه الله ما يعبر بالحصر في مثل هذا، ولعل له نكتة، يقول: إذا اقترن الخبر بـ (إلا) لفظاً أو (إنما) معنى، فإذا اقترن الخبر بـ (إلا) حينئذ وجب تأخير الخبر، وإذا اقترن المبتدأ بـ (إلا) وجب تقديم الخبر وتأخير المبتدأ، ما في الدار إلا زيد، أين المقدم وأين المؤخر؟ المقدم هنا في الدار وهو الخبر، وزيد: مبتدأ مؤخر، أيهما المحصور فيه؟
المبتدأ، قلنا: الذي يلي (إلا) هو المحصور فيه، سواء كان مبتدأ أو خبراً، أليس كذلك؟ ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] قلنا: منحصرة، يعني منحصراً فيه، وحينئذ رسول هذا منحصر فيه وهو بعد (إلا).
هنا: ما في الدار إلا زيد، زيد هذا محصور فيه، فالذي يلي (إلا) من مبتدأ أو خبر هو المحصور، المحصور فيه وجب تأخيره من مبتدأ وخبر، والمحصور وجب تقديمه من مبتدأ وخبر. القاعدة عند النحاة والبيانيين: المحصور فيه وهو الذي يلي (إلا) أو يكون الثاني في (إنما) وجب تأخيره من مبتدأ وخبر ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] رَسُولٌ هذا محصور فيه، ما في الدار إلا زيد، زيد محصور فيه، والمحصور فيه وجب تأخيره من مبتدأ وخبر، والمحصور وجب تقديمه من مبتدأ وخبر.
إذاً: وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ: أي: خبر المبتدأ المحصور فيه بـ (إلا) أو بـ (إنما).
قَدِّمْ أبَدَا: على المبتدأ.
كَمَالَنَا: مَا حرف نفي. لنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم واجب التقديم، وهو محصور.
إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا: اتِّبَاعُ هذا مبتدأ مؤخر، ليس لنا طريق إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
أحْمَدَا: الألف هذه للإطلاق.
إذاً هنا المحصور فيه هو المبتدأ، وهو الذي يجب تأخيره، وحينئذ يتعين تقديم الخبر.
وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أبَدَا كَمَالَنَا
هذا محصور.
إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا
وإنما عندك زيد، أين المحصور فيه؟ زيد، لأنه هو الذي يكون متأخر في باب (إنما)، في باب (إنما) الذي يكون متأخر الثاني هو الذي يكون محصوراً فيه، وعند هو المحصور.
إذاً: المحصور يجب تقديمه سواء كان مبتدأً أو خبراً.
إنما في الدار زيد وما في الدار إلا زيد، ومثل: مَالَنَا إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا.
نزيد على هذه المواضع الأربعة: أن يستعمل كذلك في مَثَلٍ، أن يستعمل الخبر كذلك متقدماً في مَثَلٍ والأمثال لا تغير ولا تبدل، القاعدة: لأن الأمثال لا تغير. في كل واد بنو سعد، بنو سعد: هذا مبتدأ مؤخر، في كل واد: هذا خبر مقدم. هل نقول: بنو سعد في كل واد؟ لا يصح، لماذا؟ لغة من حيث هو جائز، يجوز الوجهان، لكن لما كان مثلاً والأمثال لا تبدل ولا تغير التزمناه، إذاً: يجب تقديم الخبر لكونه مثلاً.
السادس: أن يكون الخبر هو كم الخبرية، أو مضافاً إليها، نحو: كم درهمٍ مالك؟ كم خبرية خبر مقدم، وهو مضاف، ودرهم: مضاف إليه. أو درهم مجرور بمن المقدرة، على خلاف يأتينا في محله.


مالك: هذا مبتدأ مؤخر.
وصاحب كم غلام أنت؟ أنت: هذا مبتدأ مؤخر، وصاحب نقول: هذا واجب التقديم، لماذا؟ لأنه إذا أضيف إلى كم، مثل: غلام من يقم أقم معه.
سابعاً: أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً، نحو: ثَمَّ زيد، بفتح الثاء، وهنا عمرو، عمرو هذا مبتدأ مؤخر، وهنا: هذا خبر مقدم واجب التقديم، ووجه تقديمه القياس على سائر الإشارات، فإنك تقول: هذا زيد ولا تقل: زيد هذا.
ثامناً: أن يكون مسنداً إلى مقرون بفاء، أما في الدار فزيد، هنا لا يجوز تقديم زيد على في الدار؛ لأن أما لا يليها فاء، لا يليها الفاء، ممتنع، وأما في المسجد فخالد، لا يصح أن يقال: أما فخالد في المسجد.
تاسعاً: أن تقترن بالخبر لام الابتداء، وإن كان على خلاف الأصل، إذا اقترنت لام الابتداء بالخبر حينئذ وجب تقديمه. زيد لقائم، لقائم زيد، وجب التقديم لأن لام الابتداء لها حق الصدارة. لقائم زيد، فلا يجوز: زيد لقائم.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا

لما انتهى من المسائل الثلاث والأنواع التي تتعلق بالخبر من حيث جواز التقديم ووجوب التأخير ووجوب التقديم، وهذا التفسير الثاني الذي هو ذكر الحالتين مبين لقوله: إِذْ لاَ ضَرَرَا. إذا لم يكن من الموجبات لتقديم الخبر على المبتدئ أو الموجبات لتأخيره حينئذ يجوز فيه الوجهان، وهذا ضبطه سهل، مثلما يقال في الحرف: ما لا يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل.
ثم انتقل إلى مسألة حذف المبتدأ والخبر، كل منهما مسند، يعني: هما ركنا الإسناد، ليس مسند بمعنى أنه لا يقال بأنه مسند إليه المقصود أن كلاً منهما جزء وركن في الإسناد، وحينئذ المجيء به لحصول الفائدة، ولا يتركب الكلام إلا لمسند ومسند إليه، وإذا كان كذلك فالأصل ذكرهما ولا يجوز الحذف، هذا هو الأصل؛ لكن إذا دلت قرينة على المحذوف فالقاعدة العامة أنه يجوز حذفه، إلا ما استثني ويأتي في محله.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ: يعني من مبتدأ أو خبر أو هما معاً، الأحوال ثلاثة: إما أن يحذف المبتدأ فقط ويذكر الخبر، وإما أن يحذف الخبر ويذكر المبتدأ، أو يحذفا معاً، ولكن لا بد من قرينة، إذا حذفا أو حذف أحدهما أو هما معاً لا بد من قرينة، يعني شيء يفهم منه المحذوف يدل على المحذوف، ولا يشترط في هذه القرينة أن تكون لفظية، بل قد تكون معنوية، يعني تفهم بالمعنى بشيء خارج عن اللفظ.

وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ: من مبتدأ أو خبر أو هما معاً بالقرينة.
كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما
إذاً: يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر. قيل: الجواز قوله: جائز هنا المراد به غير ممتنع، يعني نفي المنع فحسب، ليس المراد به المنع.
جَائِزٌ: بمعنى أنه غير ممتنع، وإذا فسر الجواز بكونه غير ممتنع دخل فيه الوجوب، لأنه قد يجب حذف الخبر وقد يجب حذف المبتدأ، وقد يجوز كل منهما.
هل المراد هنا أن الجواز الذي يصدق على الوجوب أو الجواز المقابل للوجوب؟ فسر بهذا وذاك، وحينئذ لا بأس أن يقال: بأن المراد بالجواز هنا ما يدخل تحته الوجوب، فيقال: جائز أي: غير ممتنع فيصدق بالوجوب.


هناك الملاوي قال: قيل: الجواز هنا أعم من الوجوب.
وقوله: بَعْدَ: يعني فيما سيأتي.
وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَتْمٌ
قال: هذا من ذكر الخاص بعد العام، لأن قوله هنا: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ؛ لأن الواجب حذفه من مبتدأ وخبر لا بد من قرينة تدل عليه، وكذلك ما حذف جوازاً لا وجوباً لا بد من قرينة تدل عليه، وحينئذ نعمم الحكم هنا بالجواز ليصدق على الوجوب، هذا وإن ذكروه المكودي وغيره لكنه غير ظاهر.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ
مَا: أتى بـ: مَا التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون الحذف هنا في سائر الأبواب، في جميع أبواب النحو حذف ما يعلم جائز، ويحتمل أن (ما) هنا مخصصة بالقرينة، وهو كونه ذكرها في باب المبتدأ والخبر، هذا أو ذاك نقول: الحكم عام، سواء قلنا: مراد الناظم هنا (ما) في هذا الباب، أو قلنا العموم، فالحكم عام، كل ما يعلم يجوز حذفه، إلا ما سيأتي من الفاعل ونائب الفاعل، استثناءات وإلا الأصل هو الجواز.
إذاً: أتى بـ (ما) التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون في سائر الأبواب، ويحتمل أن يكون مقصوراً على هذا الباب لأن السياق يدل على ذلك.
كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما
كَمَا: هذا مثال لحذف الخبر للعلم به، حُذف الخبر هنا في هذا المثال لكونه معلوماً، متى؟ تقول: زيد من غير ذكر للخبر بعد قول السائل: من عندكما؟ فالقرينة حينئذ من حذف الخبر كونه واقعاً في جواب سؤال، والسؤال دائماً يعتبر قرينة، لكنها قرينة حالية ليست لفظية، لأن زيد لوحده هكذا ليس فيها لفظ يدل على المحذوف وإنما قلت: زيد، الأصل أنه مفرد، وحينئذ من أين أخذنا أن الخبر محذوف؟ لكونه واقعاً في جواب سؤال، هل هذا لفظ أم حال؟ حال ليس بلفظ.
إذاً تقول: زيد من غير ذكرٍ للخبر بعد قول السائل: من عندكما، فزيد مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به أي: زيد عندنا، هذا التقدير، من عندكما؟ زيد، التقدير: زيد عندنا، ولا يصح أن تقول: عندنا زيد؛ لأن الجواب يجب أن يكون مطابقاً للسؤال، ولو قلت هنا شيء يعني زدته حصراً على السؤال ولم يسأل عنه، قلنا: هذا حشو في الكلام.
عندنا زيد، على التقديم والتأخير، ولم نجعل زيداً فاعلاً للاستقرار، وحينئذ نقول: هذا أفاد الحصر. فزيد: مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به، أي: زيد عندنا. وإن شئت صرحت به؛ لأن هذا المراد بالجواز، يجوز فيه الوجهان: أن تحذف، وأن تصرح به.
ولو كان المجاب به نكرة، وقلنا: النكرة وهي مبتدأ يجوز أن تقع في جواب سؤال، أليس كذلك؟ من جاءك؟ رجل. من عندك؟ رجل عندي، قلنا لا يصح أن تقول: عندي رجل، بل هنا من المسوغات بالابتداء بالنكرة كونه واقعاً في جواب سؤال، فرجل عندي، رجل: هذا مبتدأ. أليس كذلك؟ هو نكرة، أين المسوغ؟ ليس له مسوغ لفظي، وإنما كونه واقعاً في جواب سؤال ابتدأنا بالنكرة ولا بأس، وهذا جائز.
ولو كان المجاب به نكرة، نحو: رجل، فقدر الخبر أيضاً بعده.
قال في شرح التسهيل: لا يجوز أن يكون التقدير: عندي رجل، إلا على ضعف، عندي رجل من أجل أن نبتدئ بالنكرة فيه ضعف، بل الصواب أن يبقى الكلام على أصله، رجل عندي، هذا الأصل. من عندك؟ رجل. هكذا، مثل: من عندك؟ زيد، وهذا مبتدأ حذف خبره.


إذاً: يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر، فالأول الذي هو حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام، نحن: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ)) [القارعة:10] * ((نَارٌ حَامِيَةٌ)) [القارعة:11] يعني: هي نار حامية.
وبعد فاء الجواب: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)) [فصلت:46] أي: فعمله لنفسه.
وبعد القول: ((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) [الفرقان:5] أي: هو.
ويقل بعد إذا الفجائية: خرجت فإذا السبع، يعني: حاضر.
ولم تقع في القرآن إلا ثابتة، ومنه في غير ذلك: ((سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا)) [النور:1] أي: هذه.
إذا ضبطوا بأن هذا الشيء يقع بكثرة خلف كذا فالمراد به تحصيل حاصل، وإلا ليس بضابط بأنه إذا وجد في هذه جاز حذفه وما عداه فلا، لا.
إذا عرفت متى يجب ذكر الخبر من جهة التقديم والتأخير حينئذ ما علم جاز حذفه ولا ينضبط بضابط، لذا قل من ضبطه، وإنما هذا استطراد من السيوطي في جمع الجوامع.
وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا

هنا قاعدة -حشَّيتُ بها-: إذا كان في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأً غير الاستفهام فالاستفهام خبر، وإذا لم يكن في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأ فالاستفهام مبتدأ.
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ ... فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إِذْ عُرِفْ

وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: يعني وقل، هذا مثال لحذف المبتدأ للعلم به، هذه سورة أنزلناها للعلم به.
وَفِي جَوَابِ: قول السائل: كيف زيد؟ زيد كيف؟ كيف زيد؟
قُلْ دَنِفْ: مريض، يعني: زيد مريض، حذفت ماذا؟ حذف المبتدأ وأبقيت الخبر للعلم به، لأنه واقع في جواب سؤال.
إذاً: فِي جَوَابِ: نقول: هذا متعلق بقوله: قل.
قُلْ دَنِفْ: أي مريض، في جواب قول السائل: كيف زيد؟ فدنف يعني مريض: خبر، والمبتدأ محذوف، أي: زيد دنف.
فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: فزيد المبتدأ.
اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: وحذف في اللفظ لفظاً.
إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال، وهذا الشطر حشو، لماذا؟ لأنه قال: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، دخل في قوله: مَا يُعْلَمُ، المبتدأ والخبر، ثم مثَّل فقال:
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ قل مريض، إذاً: زيد حذف لكونه يعلم لما ذكره سابقاً في القاعدة العامة.
فقوله: فَزَيْدٌ المبتدأ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ لفظاً.
إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال. قال المكودي: في الشطر كامل تتميم للبيت ولو استغنى عنه لصح المعنى، لو لم يقل: فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إذْ عُرِفْ، هل مدلول هذا الشطر يكون داخلاً في ما سبق أو نحتاج لا بد على التنصيص؟ داخل في ما سبق وإلا ليس فيه فائدة، ولذلك الأشموني ما اعترض ولا الصبان، لكن .. !
إذاً: هذا هو الموضع الثاني.
وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: هذا حذف للمبتدأ للعلم به.
إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأً وكونه خبراً يجوز الوجهان: إما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبر، يجوز هذا ويجوز ذاك. أيهما أولى؟ هذه ما سيذكرها النحاة في هذا المحل.


قيل: الأولى كون المحذوف المبتدأ، أن يكون المحذوف المبتدأ، هذا الأولى، لماذا؟ لأن الخبر محط الفائدة، فإذا دار الأمر: عندك كلمة فيها محذوف يجوز أن يكون الملفوظ به خبراً لمبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأً خبره محذوف، أيهما أولى؟ قيل: الأولى كون المحذوف المبتدأ والملفوظ به هو الخبر، لماذا؟ لأنه محط الفائدة، وهذا هو أرجح، هذا الراجح أنه إذا دار الأمر بين النوعين أن يكون المحذوف هو المبتدأ؛ لأن الأصل في المبتدأ إنما يذكر لا للجهل به، ننظر إلى المعاني ولا نكون ظاهرية، ننظر إلى المعاني فنقول: الأصل في المبتدأ إنما ذكر توطئة. زيد عالم، تصور معي: زيد عالم، أنا أعرف زيد وأنت تعرف زيد، ولكن كونه عالم هذا الذي أنا تكلمت من أجله، زيد عالم، إذاً: الأصل أن يكون المبتدأ معلوماً، والأصل أن يكون الخبر مجهولاً، وحينئذ إذا دار الأمر بين الاثنين الأولى أن نجعل المبتدأ هو الذي حذف، لأنه معلوم، والخبر هو محط الفائدة.
وقيل: كونه الخبر لأن التجوز في آخر الجملة أسهل، -وهذا ضعيف- التجوز يعني التساهل في آخر الجملة أسهل، نقول: ننظر إلى المعاني.
ومثال المسألة قوله: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)) [يوسف:18] صَبْرٌ هذا يحتمل أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، ويحتمل العكس، أي: شأني صبر جميل، أو صبر جميل أمثل من غيره، صبري صبر جميل، هذا على أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أو شأني صبر جميل لا بأس، أو صبر جميل أمثل من غيره على حذف الخبر، نقول: الأولى أن يجعل صبر جميل خبراً لمبتدأ محذوف، أي: شأني، أو صبري صبر جميل لا بأس، لو قدر صبري لأن هذا عام، صبر جميل هذا خاص لا بأس، السيوطي قدر شأني من أجل أن يفر عن التكرار لكن ليس فيه تكرار.
صبري: هذا عام لأنه يحتمل الجميل وغيره، فلما قال: صبر جميل حينئذٍ مثل أن نقول: علمه علم نافع، لأن العلم قد يكون نافعاً وقد لا يكون نافعاً، فإذا أخبرت بجنس اللفظ مع نوع تخصيص بالإضافة أو الوصفية لا بأس، علمه علم نافع، صبري صبر جميل.


وقد يحذفا معاً إذا حلا محل المفرد: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) [الطلاق:4]، ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)) [الطلاق:4] ثم قال: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) [الطلاق:4] فعدتهن ثلاثة أشهر، وحذف المبتدأ والخبر وهو: ((فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)) [الطلاق:4] لدلالة ما قبله عليه، وإنما حذفا لوقوعهما موقع المفرد، والظاهر أن المحذوف مفرد، -كذا يقول ابن عقيل- وإذا كان كذلك حينئذ بماذا يقدر؟ قال: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ –كذلك- مثل ذلك-، وحينئذ حذف المبتدأ والخبر وكانا في قوة المفرد، وهذا هو المسوغ لحذف النوعين، ولكن الأولى كما قال هنا: أن يمثل بنعم الجوابية ولا الجوابية، هل زيد قائم؟ نعم، نعم حصل بها الفائدة الكلامية، ولذلك قال ابن طلحة: أنه يصح الاكتفاء بحرف عن ماذا؟ عن الإسناد، يعني يحصل الكلام بحرف واحد، كلمة واحدة، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن الجملة والكلام مقدر بعد نعم، نعم زيد قائم، هل زيد قائم؟ نعم، نسكت نحن، نعم زيد قائم، زيد قائم هذا حذف للعلم به، لأنه واقع في جواب السؤال، وهذا أولى مما ذكره الشارح هنا.
وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ وَفِي نَصِّ يَمينٍ ذَا اسْتَقَرّ

هذا شروع في المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، سبق أن الحذف إما أن يكون جائزاً وإما أن يكون واجباً، ولذلك أدخله بعضهم فيما ذكره الناظم في قوله: جائز، أي: غير ممتنع، يصدق على الوجوب، ثم ذكر لنا المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وهي كذلك في الجملة مجمع عليها متفق عليها، وترك الناظم رحمه الله تعالى المواضع التي يجب فيها حذف المبتدأ.
وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ
حَذْفُ: هذا مبتدأ.
وحَتْمٌ: هذا خبر.
وَبَعْدَ لَوْلا: ما إعراب بعد؟؟؟؟ متعلق بالمصدر حَتْمٌ بعد لولا.
وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَتْمٌ: يعني: يجب أو من مواضع وجوب حذف الخبر إذا وقع خبراً لمبتدءٍ تلا لَوْلا.
سبق أن من علامات الاسم وقوعه بعد لولا، من علامات الاسمية أنه يقع بعد لولا، وهنا لَوْلا لا يتلوها ويليها إلا المبتدأ، ثم لَوْلا المقصود بها هنا: لولا الامتناعية، وهي التي يعبر عنها أنها لامتناع لوجود، يعني: امتنع شيء بوجود شيء آخر، لولا زيد لأكرمتك، هذه لولا تسمى لولا الامتناعية، ما الذي امتنع وما الذي وجد؟ امتنع الإكرام الذي هو جواب لولا، لماذا؟ لوجود زيد. إذاً: امتنع الكرم أو الإكرام لوجود زيد، هذه تسمى لولا الامتناعية، أين خبرها؟ لولا زيد، زيد مبتدأ، لأكرمتك، اللام هذه واقعة في جواب لولا، أكرمتك هذه الجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب، أين الخبر؟ الخبر محذوف، وحكم حذفه أنه محذوف وجوباً، تقديره: موجود، لولا زيد موجود لأكرمتك، لولا وجود زيد لأكرمتك.


إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية لأنه معلوم بمقتضاها، إذ هي دالة على امتناع لوجود، فالمدلول على امتناعه هو الجواب: لأكرمتك، الذي دلت على امتناعه هو جوابها، فهو الذي امتنع، لماذا؟ والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمرواً، فالمراد وجود زيد منع من إكرام عمرو، حينئذ نقول: الخبر هنا موجود -تقديره موجود- وهذا الوجود نقول: هو متعلق لَوْلا، يعني من حيث المعنى، لأنا نقول: لولا زيد، يعني: لولا وجود زيد، وهذا كون عام، قيد عام، ليس قيداً خاصاً وليس كوناً خاصاً أو حدثاً خاصاً.
قول ابن مالك:
وَبَعْدَ لَوْلا
أي: الامتناعية.
غَالِباً: لماذا قال غالباً؟ احترازاً من لولا في بعض أحوالها، وهي التي لا يكون الوجود فيها وجوداً عاماً، وإنما يكون الحدث والمتعلق حدثاً خاصاً، فهي حينئذ قسمان: بعد لولا في غالب أحوالها يجب حذف الخبر تقديره موجود، وبعد لولا في قلة وهي التي لا يكون كونها كوناً عاماً بل خاصاً، وحينئذ لا بد من التفصيل: إن دل عليه دليل جاز حذفه، وإلا فالأصل أنه يجب ذكره ولا يجوز حذفه.
إذاً: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً: نقول: لولا الامتناعية، وهو كون الامتناع معلقاً بها على وجود المبتدأ الوجود المطلق وليس الوجود المقيد. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] أين الجواب؟ ((لَفَسَدَتِ)) [البقرة:251] إذاً: نفي الفساد هذا ممتنع، لوجود مدافعة الله تعالى. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) يعني: لولا أن يدفع الله، هذا من إضافة المصدر إلى فاعله.
النَّاسَ: مفعول، أن يدفع الله الناس لفسدت، وحينئذ نقول: انتفى الفساد لمدافعة الله تعالى الناس، هذا وجود مطلق وكون عام أم أنه خاص؟ خاص، لولا دفع الله الناس موجود لفسدت، وحينئذ نقول: هذا كون عام، وهذا الذي أراده هنا. لولا دفع الله الناس موجود، فحذف موجود للعلم به وسد جوابها مسده، فقوله: غالباً أي: في القسم الغالب منها، إذ هي على قسمين: قسم يمتنع فيه جوابها بمجرد وجود المبتدأ بعدها وهو الغالب، وهذا إذا كان الوجود المراد به الوجود المطلق، يعني: يقدر بموجود فقط، مثل: كائن هناك واستقر.
قلنا: إذا كان الكون عام وجب حذفه، وإذا كان خاصاً مثل: زيد مسافر غداً، مسافر هذا متعلق غداً وجب ذكره، هذه لَوْلا مثلها، قد يكون الخبر موجود فقط مطلق، وقد يكون كوناً خاصاً أو حدثاً خاصاً فيجب ذكره. هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى، وهذا الصحيح بتوجيه كلامه، لأنه يميل إلى هذا الرأي في غير هذا الكتاب.
إذ هي على قسمين: قسم يمتنع فيه جوابها بمجرد وجود المبتدأ بعدها وهو الغالب، وقسم يمتنع لنسبة الخبر إلى المبتدئ وهو قليل، وذلك إذا كان الامتناع معلقاً على الوجود المقيد وهو غير الغالب، فغير الغالب لا يجب حذف الخبر، بل فيه تفصيل: إن دل دليل عليه بعد حذفه جاز -يجوز ذكره ويجوز حذفه- وهو داخل في قوله: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، وإن لم يدل عليه دليل حينئذ وجب ذكره.


وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ –منه- حَتْمٌ: لولا زيد لأتيتك، يعني: لولا زيد موجود لأتيتك، هنا يجب الحذف، لأن هذا القسم هو قسم لَوْلا غالباً، أن يكون الخبر كوناً عاماً لا مقيداً.
والثاني: حذفه جائز إذا دل عليه دليل، بخلاف ما إذا لم يدل، نحو: لولا قومكِ حديثو عهد. لولا قومك، لولا هذه امتناعية امتنع شيء لوجود شيء، أليس كذلك؟ فيها معنى الامتناع؟ {لولا قومكِ حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة} إذاً: امتنع هدم الكعبة لكونهم حديثو عهد.
حديثو عهد هل هو كون عام أو حدث عام أم خاص؟ خاص، إذاً هو الخبر، لولا قومكِ: هذا مبتدأ، أين خبره؟ حديثو عهد، هذا واجب الذكر أم أنه يجب حذفه لقوله: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً؟ نقول: لا، هذا يجب ذكره، لماذا؟ لأنه خاص، والذي يجب حذف الخبر إذا كان كوناً أو وجوداً مطلقاً عاماً، ففرق بين المسألتين.
لولا قومكِ، نقول: لولا هذه امتناعية، وقومك: هذا المبتدأ، خبره: حديثو عهد، هذا الخبر، وهنا واجب الذكر؛ لأنه لو حذف لما دل عليه دليل، وليس هو من مسألتنا التي ذكرها الناظم.
هنا يقول: أن يكون خبراً لمبتدئٍ بعد لولا، نحو: لولا زيد لأتيتك، التقدير: لولا زيد موجود لأتيتك.
واحترز بقوله: غَالِباً عما ورد ذكره وفيه شذوذ، -هذا غلط ليس بصحيح- تفسير ابن عقيل لقوله: غَالِباً بكونه في الغالب في لسان العرب أنه يحذف بعد لولا وقليل شاذ لا يحذف ليس هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى، بل المراد أن لولا لها حالان: حال هي غالب، وهو أن يكون خبرها وجوداً مطلقاً عاماً غير مقيد. والحالة الثانية وهو قليل: أن يكون وجودها وجود مقيد، يعني خاص، فحينئذ نقول: وجب حذف الخبر إذا كان الوجود مطلقاً عاماً، وإذا كان خاصاً لا بد من التفصيل، أما كونه يحمله على أنه سمع قليلاً في لسان العرب -التصريح بخبر لولا- نقول: هذا ليس بمراد.
واحترز بقوله: غالباً عما ورد ذكره فيه شذوذاً.
لَوْلاَ أَبُوكَ وَلَوْلاَ قَبْلَهُ عُمَرٌ ... أَلْقَتْ إِلَيْكَ مَعَدٌ بِالْمَقَالِيدِ

لَوْلاَ أَبُوكَ موجود، هذا لا إشكال فيه. الشاهد في الثانية: لَوْلاَ قَبْلَهُ عُمَرٌ، عُمَرٌ: هذا مبتدأ مؤخر، وقبله: هذا خبر صرح به، هذا شاذ يقول، حينئذ نقول: الصواب أن يعرب قبله متعلق بمحذوف حال والخبر محذوف على القاعدة على الأصل، لا إشكال فيه.
وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب من أن الحذف بعد لولا واجب إلا قليلاً -يعني وليس بشاذ- هو طريقة لبعض النحويين، ومنهم من عمم مطلقاً في النوعين -العامة والخاصة-.
والطريقة الثالثة: أن الخبر إما أن يكون كوناً مطلقاً أو كوناً مقيداً، فإن كان كوناً مطلقاً وجب حذفه، لولا زيد لكان كذا، لولا زيد موجود لكان كذا.
وإن كان كوناً مقيداً فإما أن يدل عليه دليل بذكر مثلاً سابقاً أو لا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، لولا زيد محسن إلي ما أتيت، لولا زيد محسن، محسن: هذا كون خاص مقيد بالإحسان ليس مطلقاً. لو قال: لولا زيد ما أتيت، صار كوناً عاماً التبس، وحينئذ إذا أراد الخاص أو كونه محسن أو مكرم ونحو ذلك وجب ذكره لأنه مقيد.


وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه، نحو أن يقال في السؤال: هل زيد محسن إليك؟ قال: لولا زيد لهلكت، يعني: لولا زيد محسن إلي لهلكت وحذفه للعلم به.
هذا الثالث -الطريقة الثالثة- هي ما أرادها الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً، يعني: في غالب أحوالها، وحينئذ نقول: الطريقة الثالثة التي شرحها ابن عقيل هي مراد الناظم رحمه الله تعالى.
وأما الجمهور عندهم أن لولا لا يأتي كونها خاصاً البتة، وإذا جاء نحو ذلك إما أن يُلَحَّنَ قائله، وإما أن يؤول؛ فالجمهور -جمهور النحاة- على أن لولا لا يكون خبرها إلا كوناً عاماً.
التفصيل الثالث هذا الذي شرحنا به كلام الناظم لا يجري على كلام الجمهور، لماذا؟ لأن الكون عندهم مطلق عام في خبر لولا مطلقاً بلا تفصيل، فإذا جاء ما ظاهره خاص إما أن يلحن القائل وإما أن يؤول، ولذلك لم يحتجوا بالحديث السابق، لولا قومكِ حديثو عهد، قالوا: لا، لماذا؟ هذا محتمل أنه من لحن الرواة، فلذلك السيوطي قال: هذا لعله من تصرفات بعض العجم لأنه خالف القاعدة، ليس بصحيح هذا، الكلام فاسد، وحينئذ نقول: نرجع إلى الأصل، ولذلك خطه المعري بقوله:
يُذِيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُلَّ عَضْبِ ... فَلَوْلاَ الْغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالاَ

لَوْلاَ الْغِمْدُ موجود لما صرح بـ: يمسكه وهو خاص، قالوا: هذا لحن، لو لحنوا المعري ما في إشكال، أما الحديث فلا، يبقى على أصله إما أن يؤول، وإما أن يذكر ما؟؟؟
إذاً نقول: القاعدة عامة في هذا الباب: أنه إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية حينئذ حذف الخبر، متى؟ إذا كان كوناً عاماً، وأما إذا كان كوناً خاصاً حينئذ ينظر في الدليل، إن دل عليه دليل جاز حذفه وإلا فلا، على القاعدة المطردة.
إذاً: إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية لأنه معلوم بمقتضاها إذ هي دالة على امتناع لوجود فالمدلول على امتناعه هو الجواب، والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمراً فالمراد: وجود زيد منع من إكرام عمرو.
وجاز الحذف لتعين المحذوف، جاز الحذف لماذا؟ لتعين المحذوف، لأنه معلوم من السياق: لولا زيد لأكرمتك، يعني زيد وجوده كونه حاضر هو الذي منع من الإكرام، هذا مُجَوِّز للحذف بماذا وجب؟ بسد جملة الجواب مسده لأكرمت زيداً.
ووجب لسد الجواب وحلوله محله، ثم أطلق الجمهور وجوب الحذف، هكذا قال السيوطي في جمع الجوامع، ثم أطلق الجمهور جمهور النحاة ماذا؟ وجوب الحذف مطلقاً بعد لولا بدون تفصيل، بدون تفصيل بين: غالباً وغيره.
وقيده ابن مالك بما إذا كان الخبر الكون المطلق، فلو أريد كونٌ بعينه لا دليل عليه لم يجز الحذف فضلاً عن أن يجب، نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، وهذا مثل: لولا الغمد يمسكه لسالا، وحديث: {لولا قومكِ ... } إلى آخره. فإن كان عليه دليل جاز الحذف والإثبات، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج، وهذا فيه دليل لو حذف، حموه: هذا الخبر، لولا أنصار زيد لم ينج، يفهم من السياق؟ يفهم نعم، لأنه أنصار إذاً حموه، فهو لازم له، حينئذ لو حذفه جاز، جاز حذفه للقرينة وجاز إثباته، ومنه بيت المعري السابق.
والجمهور أطلقوا وجوب الحذف بناءً على أنه لا يكون بعدها إلا كوناً مطلقاً. إذاً قوله:


وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ
أن من مواضع وجوب حذف الخبر إذا وقع بعد لولا في غالب أحوالها وهو إذا كان الخبر كوناً عاماً ووجوداً مطلقاً، وفي غير الغالب وهو القسم الثاني من قسمي لولا: أن يكون الخبر كوناً مقيداً، ففيه التفصيل الذي نذكره دائماً: إن دل دليل عليه جاز حذفه، وإلا فلا، والحديث صحيح.
وَفِي نَصِّ يَمينٍ ذَا اسْتَقَرّ
هذا هو الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف الخبر.
وَفِي نَصِّ: يعني وفي المبتدأ الواقع نَصِّ يَمينٍ.
ذَا: اسم إشارة إلى الحكم وهو حذف الخبر وجوباً.
اسْتَقَرّ: يعني ثبت.
وَفِي نَصِّ يَمينٍ: يعني وفي مبتدأ.
نَصِّ: واقع نص يمين.
ذَا: اسم إشارة يشار إليه هو الحكم وهو وجوب حذف الخبر.
اسْتَقَرّ: أي ثبت.
الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف الخبر: أن يكون المبتدأ نصاً في اليمين، نحو: لعمرك لأفعلن، والمراد: أن يكون المبتدأ نصاً أو يعبر عنه بأنه صريح في اليمين، هذا المراد به أحد أمرين: - المراد بكون المبتدأ نصاً وصريحاً في القسم-: ألا يستعمل في غير القسم أصلاً، لا يستعمل إلا في القسم، أو يكثر استعماله في القسم، إما ألا يستعمل في غير القسم أصلاً فيختص به، وإما أن يغلب استعماله في القسم، هذا يعبر عنه بأنه صريح أو يعبر عنه بأنه نص في اليمين، حتى يصير بحيث لا يستعمل في غير القسم إلا بقرينة.
ويفهم منه قبل ذكر المقسم عليه، ويقابله غير الصريح، غير الصريح ما هو؟ هو ما يكثر استعماله في غير القسم، حتى لا يفهم منه القسم إلا بعد ذكر المقسم عليه. عهد الله، عهد الله هذا يستعمل قسماً وغير قسم، لكن الأكثر أنه يستعمل في غير القسم. ((وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ) [النحل:91] هنا ما جاء بقسم. وتقول: عهد الله يجب الوفاء به، هذا ليس بقسم. أما إذا أردت القسم حينئذ لا بد من قرينة: عهد الله لأفعلن كذا، ما الذي دلنا على أن عهد هنا استعمل في القسم؟ قوله: لأفعلن.
إذاً صريح أو نص في اليمين وغير الصريح، الأول: هو ألا يستعمل إلا في القسم فحسب، يعني لا يستعمل في غيره، أو يغلب استعماله في القسم.
وأما الثاني: فهو أن يغلب استعماله في غير القسم، فإذا استعمل في القسم نحتاج إلى قرينة. لعمرك لأفعلن، لعمرك، عمر: هذا مبتدأ. لأفعلن: الجملة جواب القسم، أين الخبر؟ محذوف، لعمرك قسمي، قسمي هذا هو الخبر، ما الذي دلنا عليه؟ القسم لا بد أنه معلوم، لأن السياق سياق قسم، لعمرك لأفعلن، لعمرك نقول: هذه اللام موطئة للقسم وعمر هذا مبتدأ، أين خبره؟ محذوف تقديره: قسمي. قد يقول قائل: هذا خاص، نقول: نعم خاص، ولكن دل عليه القسم: لأفعلن كذا، نقول: هذا مقسم عليه.
إذاً: وجب حذفه لكونه معلوماً، وقد سد الجواب مسده بخلاف غير الصريح فلا يجب حذف خبره، بل يجوز إثباته نحو: علي عهد الله لأفعلن، علي: هذا الخبر، لأنه لا يشعر بالقسم حتى يذكر المقسم عليه.
إذاً: إذا كان المبتدأ نصاً في اليمين وجب حذف الخبر لدلالة المقام عليه، فإن لم يكن نصاً في اليمين لم يجب حذف الخبر، بل مرده إلى القرينة، إن علمت حينئذ جاز وإلا فلا.
وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ


وَبَعْدَ وَاوٍ: يعني وكذا يجب الحذف حذف الخبر وجوباً إذا وقع المبتدأ بعد واو، هذه الواو قد عينت مفهوم مع، عينت مفهوم مع، والمراد بمفهوم مع هو المصاحبة، يعني: إذا كانت الواو تفيد المصاحبة، وإذا قيل: واو مع بمعنى أنها نص في المعية لا تحتمل العطف.
كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ
كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني والذي صنعه إذا جعلنا (ما) اسم موصول، وصنعتُه إذا جعلناها ما مصدر، يجوز الوجهان. أين الخبر؟ كُلُّ صَانِعٍ، كل: مبتدأ وهو مضاف، وصَانِعٍ مضاف إليه، والواو نص في المعية وَمَا صَنَعْ على ما ذكرناه، أين الخبر؟ قالوا: محذوف وجوباً، لماذا؟ لأن المبتدأ هنا وهو كل صانع قد وقع بعده واو المعية -واو المصاحبة- فلما وقعت واو المعية بعد واو المصاحبة دل السياق على أن المراد هنا: الجمع بين كل صانع وصنعته.
كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني كل صانع وصنعته، فهما مقترنان، فحينئذ علم من السياق بواو المعية أن الخبر محذوف، لأنه كما سبق إذا جاءت الواو فالأصل ألا يكون الخبر بعد، هذا الأصل، إلا إذا كان ما بعدها مفرداً داخل في حيز ما قبلها.
فكل صانع: هنا انتهينا هذا المبتدأ، أين خبره؟
وَمَا صَنَعْ: لا يمكن أن يكون خبراً، أين هو؟ قالوا: محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو عليه كأنها نابت مناب الخبر.
الموضع الثالث: أن يقع بعد المبتدأ، انظر! كل صانع، ثم جاءت بعده الواو. أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية احترازاً من الواو التي تكون احتمالاً، كل رجل وضيعته وصنعته هي نفسها، فكل: مبتدأ، وقوله: ضيعته معطوف على كل، والخبر محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية من السياق يعني، الواو دلت على ذلك، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع، قامت الواو مقام مع، ولو جيء بـ مع نصاً لكان كلاماً تاماً، وهذا مذهب البصريين أنه لا بد من الخبر وتقديره مقترنان.
وأما مذهب الكوفيين قالوا: هنا الخبر لم يحذف، وإنما أغنت عنه الواو، يعني الواو هنا سدت مسد الخبر، كما قلنا: قائم الزيدن، الزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر، ليس عندنا خبر محذوف، الكلام لا يفتقر إلى خبر، بل الزيدان سد مسد الخبر، هنا الواو سدت مسد الخبر، فهو كلام تام لا يحتاج إلى تقدير، واختاره ابن خروف.
فإن لم تكن الواو صريحة في المعية بأن احتملت العطف نحو: زيد وعمرو مقرونان جاز الحذف والإثبات.
إذاً: الموضع الثالث الذي يجب فيه حذف الخبر: أن يقع بعد واو هي واو المعية ويكون المبتدأ سابقاً على الواو، كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ، أي: كل صانع وصنعته مقترنان، ومعنى الاقتران هنا: أن صنع إذا كانت رفيعة قالوا: صاحبها كذلك، وإن كانت دنية فصاحبها كذلك. إذاً الصنعة تكون مقرونة أو مقترنة مع صاحبها.
ثم قال:
وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يَكُونُ خَبَرَا ... عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا

هذا الموضع الرابع.
وَقَبْلَ حَالٍ: وكذا إذا كان المبتدأ مصدراً أو مضافاً إلى مصدر وهو قبل حال، لا بد من التقدير.


وَقَبْلَ حَالٍ: يعني وكذا إذا كان المبتدأ مصدراً أو مضافاً إلى مصدر، فهو مقيد. إذاً ليس كل مبتدأ وإنما يشترط في المبتدأ أن يكون مصدراً، ثم هذا المصدر سواء كان هو بنفسه أو بسبب، يعني أضيف إلى مصدر؟؟؟
قَبْلَ حَالٍ: إذاً عندنا حال منصوبة وجدت حال، وهذه الحال لاَ يَكُونُ خَبَرَا، يعني: لا يصلح أن يكون خبراً، لا يكون بالياء، وفي الملوي الرواية بالتاء لا تكون، لا تكون باعتبار حال مؤنثة واجب التأنيث، ولا يكون باعتبار اللفظ، لأن الحال يذكر ويؤنث، أليس كذلك؟ لفظ الحال يذكر ويؤنث، فيجوز فيه الوجهان، لكن الرواية يقول الملوي بأنها بالتاء.
وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يصلح أن يَكُونُ خَبَرَا عَنِ المبتدئ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا يعني: حذف.
مثَّل للمصدر ومثَّل للمضاف إلى المصدر.
كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً: ضَرْبِيَ ضرب: هذا مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل، مصدر مضاف إلى فاعله، ضَرْبِيَ أنا يعني، العَبْدَ مفعول به للضرب وهو مبتدأ.
إذاً: المبتدأ هنا وقع مصدراً. العبد هذا مفعول به لضرب.
مُسِيئاً: هذا حال، حال من ماذا؟ حال من اسم كان المحذوفة، سيأتي.
هذه الحال قال: لاَ يَكُونُ خَبَرَا، يعني: لا يصلح أن يخبر بها عن المبتدئ.
كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئٌ، ضربي مسيء لا يصلح أن يكون خبراً، لا يصلح أن يخبر بها عن المبتدأ، حينئذ نقول: الخبر محذوف هنا، وحكمه: أنه واجب الحذف، لماذا؟ لاشتماله على الشروط المذكورة: أن يكون المبتدأ مصدراً، وعمل في اسم، ثم جاءت حال منصوبة على الحالية، ومن شأن هذه الحال أنها لا تصلح أن تكون خبراً عن المبتدأ، لو صلحت أن تكون خبراً ما خرجت المسألة عن مسألتنا، كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً، فمسيئاً هذا حال سد مسد الخبر المحذوف وجوباً، والأصل: كضربي العبد حاصل، إذ كان أو إذا كان، إذا أردت المضي: إذ كان، إذا أردت المستقبل: إذا كان، وهذا واضح.
إذا كان مسيئاً: فحذف حاصل ثم الظرف الذي هو إذ كان أو إذا كان.
إذاً مُسِيئاً نقول: هذا حال سد مسد الخبر، لما دلت الحال على المحذوف حينئذ اكتفي بهذه الحال بدلالتها على المراد اكتفي بها عن الخبر، فإذا دل الشيء على الخبر حينئذ نستغني عن هذا الخبر ونجعل الموجود كافياً في الدلالة على ذلك المحذوف.
إذاً الموضع الرابع: أن يكون المبتدأ مصدراً، هذا ضابط. عبر السيوطي قال -لم يأت بهذا التعبير إنما ذكر المثال- قال: مسألة ضربي زيداً قائماً، هذه قال فيها رحمه الله: وهذه المسألة طويلة الذيول كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديماً بتأليف مستقل لكثرة الخلاف فيها، وما أقل الحاجة إليها.
ضربي زيداً قائماً، إذاً أن يكون المبتدأ مصدراً، وبعده حال سدت مسد الخبر، وهذه الحال لا تصلح أن تكون خبراً، فيحذف الخبر وجوباً لسد الحال مسده وذلك نحو: ضربي العبد مسيئاً على الإعراب السابق. قال هنا: فضربي مبتدأ، والعبد معمول له، ومسيئاً حال سدت مسد الخبر. وصح كون الحال سدت مسد الخبر لأن الحال بمنزلة الظرف في المعنى.
وصح ذلك لأن الحال بمنزلة الظرف في المعنى، فقولك: ضربي زيداً قائماً في معنى: ضربي زيداً وقت قيامه، وأيضاً الظرف ينتصب على معنى في، وكذلك الحال كما سيأتي.


وكذلك كل من الحال والظرف قيد، فلما تشابه الحال والظرف في هذه الأمور، والظرف يسد مسد الخبر أعطي الحال هذا الحكم فسدت الحال مسد الخبر، والخبر محذوف وجوباً والتقدير: ضربي العبد إذا كان مسيئاً، ضربي زيداً إذا كان قائماً، إذا أردت الاستقبال بـ إذا، وإن أردت المضي فالتقدير: ضربي العبد إذ كان مسيئاً، فمسيئاً حال من الضمير المستتر في كان المفسر بالعبد، وإذا كان أو إذا كان ظرف زمان نائب عن الخبر.
ونبه المصنف بقوله: وَقَبْلَ حَالٍ على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدت مسد الخبر كما تقدم تقريره. ضربي العبد حاصل إذ كان مسيئاً، ضربي العبد حاصل، إذاً قبل الحال.
واحترز بقوله: لاَ يَكُونُ خَبَرَا عن الحال التي تصلح أن تكون خبراً، عن المبتدأ المذكور نحو ما حكى الأخفش من قوله: زيد قائماً، حينئذ نجعل هذا قائماً لا نقول: خبر محذوف، نقول: زيد ثبت قائماً، فهو حال للضمير المستتر في ثبت، والتقدير: ثبت قائم، وهذه الحال تصلح أن تكون خبراً: زيد قائم، فلا يكون الخبر واجب الحذف بل جائز الحذف.
والمضاف إلى هذا المصدر حكمه حكم المصدر، لذلك قال ابن مالك هنا:
وأتَمْ ... تَبْيِينيَ الْحَقَّ مَنُوطاً بِالحِكَمْ
أتَمْ: أفعل التفضيل أتم.
تَبْيِينيَ: هذا مصدر. إذاً أضيف أفعل التفضيل إلى المصدر فأخذ حكمه، مثل: غلام من هناك؟
تَبْيِينيَ الْحَقَّ: الْحَقَّ هذا مفعول به.
مَنُوطاً بِالحِكَمْ: مَنُوطاً أي معلقاً بِالحِكَمْ. منوط هذا حال، أتم تبييني الحق حاصل إذ كان منوطاً، إذا كان منوطاً. إذاً هذه المسألة يعبر عنها بماذا؟ بمسألة: ضربي زيداً قائماً، وهي من مواضع وجوب حذف الخبر.
والجمهور على أن ضربي مبتدأ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وزيداً: مفعول به، وقائماً: حال، على المسألة التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى.
ثم اختلفوا: هل يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر أو لا؟ مسألة في الأصل، هل يحتاج إلى خبر أو لا؟ فيه خلاف.
الجمهور نعم، لا بد من تقدير خبر، ثم اختلفوا: هل يجوز إظهاره؟ فقيل: نعم، والجمهور على المنع. ثم اختلفوا في كيفيته ومكانه، فقال الجمهور: تقديره: إذ كان قائماً إن أردت الماضي، وإذا كان قائماً إن أردت المستقبل وحذف كان وفاعلها ثم الظرف، وما أضيف إليه كذلك.
إذاً: هذه المواضع نقول: مما يجب فيه حذف الخبر: بَعْدَ لَوْلاَ غَالِبَاً يعني: في غالب حاليها، وَبَعْدَ مبتدئٍ هو نَصٌّ فِيِ اليَمِينِ، وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ -أن يكون مبتدأ أولاً ثم يأتي بعده حرف وهو الواو بمعنى المصاحبة-، ثم قَبْلَ حَالٍ على ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى.
زاد ابن عقيل المواضع التي يجب فيها حذف المبتدأ وجوباً، وقد عدها في غير هذا الكتاب أربعة:
الأول: النعت المقطوع إلى الرفع، يعني ثَمَّ مواضع يجب فيها حذف المبتدأ على عكس المسألة السابقة، لكن تركها الناظم ولم ينظمها، ولا أدري هل ذكرها في الكافية أو لا.


أولاً: النعت المقطوع إلى الرفع، يعني إذا كان مخبراً عنه بنعت مقطوع، المبتدأ قد يخبر عنه بنعت، ثم هذا النعت يقطع، يعني: يفصل عما قبله، وحينئذ يكون خبراً لمبتدأ محذوف وحكم هذا المبتدأ واجب الحذف. مطلقاً؟ لا، إذا كان لمدح أو ذم أو ترحم.
إذا كان مخبراً عنه بنعت مقطوع لمدح نحو: مررت بزيدٍ الكريمُ، زيدٍ هذا مجرور بالباء، الكريمِ هذا الأصل نعت –صفة- يجوز قطعه بمعنى: أنك تفصله عما قبله فترفعه، فإذا رفعته تعين أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، هل يجوز ذكر هذا المبتدأ؟ نقول: في مقام المدح لا، وهنا مقام المدح: زيد الكريم هذا مدح وثناء، وحينئذ لا يجوز أن يقال: بزيدٍ هو الكريمُ، وإنما: مررت بزيدٍ الكريمُ، والكريمُ: هذا خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف.
أو ذم: مررت بزيد الخبيثُ، هو الخبيثُ كسابقه، أو تَرَحُّم: مررت بزيد المسكينُ. فالمبتدأ في هذه المُثل نقول: محذوف وجوباً، والتقدير: هو الكريم، هو الخبيث، هو المسكين.
وأما إذا كان من باب الإيضاح فلا يجب، كما قال هناك: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، قال محمد بن مالك، هذا الأصل قطعه فقال: هو ابن مالك من باب الإيضاح فقط، وحينئذ لا نعترض على المصنف أنه يجب حذفه، لأنه ليس من المدح ولا الذم ولا الترحم، وإنما من باب الإيضاح، فيجوز ذكره ويجوز حذفه، وإنما التزم فيه النعت المقطوع إلى الرفع -مدح وذم وترحم- التزم فيه الحذف لأنهم لما قطعوا هذه النعوت إلى النصب التزموا إضمار الناصب أمارة على أنهم قصدوا إنشاء المدح والذم والترحم كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهروا لأوهم الإخبار، وأجري الرفع مجرى النصب.
وأما غير هذه الثلاث من النعوت فيجوز فيه الحذف والذكر نحو: مررت بزيد الخياطُ، أي: هو الخياط من باب الإيضاح.
الثاني: أن يكون الخبر مخصوص نِعْمَ أو بئس، نحو: نِعْمَ الرجل زيد، نِعْمَ الرجل: فعل وفاعل، وزيد: هذا المخصوص بالمدح، وبئس الرجل عمرو، بئس الرجل: فعل وفاعل، وعمرو هذا هو المخصوص بالذم، فزيد وعمرو نقول: خبران لمبتدأ محذوف وجوباً هو زيد، أي: الممدوح زيد، هو عمرو أي: المذموم عمرو، على أحد الوجوه.
الموضع الثالث: ما حكى الفارسي من كلامهم: في ذمتي لأفعلن، فـ في ذمتي: خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف، والتقدير: في ذمتي يمين هذا إذا كان الخبر مشعراً بالقسم ليس صريحاً فيه، الموضع هذا يعنون له، نقول: إذا كان الخبر مشعراً بالقسم لكنه ليس صريحاً فيه، حينئذ يجب حذف المبتدأ.
الموضع الرابع: أن يكون الخبر مصدراً نائباً مناب الفعل، صبر جميل، صبري صبر جميل، وهذا محل نزاع أيضاً، لذلك مثلنا هناك بما جاز، وهذا محل خلاف.
وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا ... عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا

وَأخْبَرُوا: العرب، يعني نطقوا بخبرين فأكثر، أو النحاة يعني: حكموا بجواز أن يخبر الشخص بخبرين فأكثر.
وَأخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ: يعني بخبرين.
أوْ بِأكْثَرا: الألف للإطلاق، يعني بأكثر من اثنين، وهذا المراد به جواز تعدد الخبر.


عَنْ وَاحِدٍ: يعني عن مبتدئٍ واحد يجوز، وجمهور النحاة على هذا، جمهور النحاة على أنه يجوز تعدد الخبر، لأن الخبر وصف، فهو أشبه ما يكون بالنعت، ويجوز تعدد النعوت كما سيأتي، وحينئذ إذا جاز تعدد النعت جاز تعدد الخبر.
إذاً: جواز تعدد الخبر لفظاً ومعنىً لمبتدءٍ واحد في اللفظ والمعنى، كقوله تعالى: ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [البروج:14، 15، 16].
((وَهُوَ)) هذا مبتدأ.
((الْغَفُورُ)) هذا خبر أول.
((الْوَدُودُ)) ثاني.
((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)) الْمَجِيدُ بالرفع، الْمَجِيدِ بالخفض صفة للعرش، -قراءة- الْمَجِيدُ بالرفع يكون خبراً رابعاً.
((فَعَّالٌ)) خبر خامس.
إذاً: أخبروا بمتعدد عن شيء واحد.
هنا قال: جمهور النحاة على جواز تعدد الخبر كما في النعوت، سواء اقترن بعاطف أم لا، فالأول نحو: زيد فقيه وشاعر وكاتب، والثاني كقوله: ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)) [البروج:14] إلى آخر ما ذكرناه.
فالخبر إن كان متعدداً لفظاً ومعنى لمبتدئ واحد في اللفظ والمعنى هذا الذي وقع فيه نزاع بين النحاة والجمهور على الجواز وهو الصحيح، ولا ينبغي إنكاره. فإن كان الخبر لفظين لكن مجموعهما يدل على معنى واحد، ولا يكتفى بأحدهما نحو: حلو حامض، "الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ"، الرُّمَّانُ: مبتدأ، وحُلْوٌ: هذا خبر أول، وحَامِضٌ: خبر ثاني. كيف نعربها؟
هذا تعدد الخبر، لكن لا يصح أن يتقدم هذا النوع على مبتدئه كما سيأتي، ولا يجوز أن يفصل بينهما بالواو، هذا حلو حامض لم يكن ذلك من محل الخلاف، وإن كان المبتدأ لفظاً واحداً ولكن معناه متعدد كالمثنى والجمع لم يكن ذلك من محل الخلاف، وإنما الخلاف فيما إذا تعدد الخبر لفظاً ومعنىً، بمعنى: أن كل لفظ يستقل بالإخبار به عن المبتدأ، كقولك: زيد كاتب شاعر فقيه، كل لفظ من هذه يمكن أن تستقل بنفسها، فالثانية ليست قيداً في مفهومها، هذا محل النزاع؛ وأما إذا كانت الثانية داخلة في مفهوم الأول فهذا لا بد منه، لأن اللفظ قد يكون مركباً في اللفظ وفي المعنى كذلك، يعني: التعدد يكون في اللفظ ويكون في المعنى، وقد يكون اللفظ واحداً والمعنى متعدد، وقد يكون العكس، اللفظ متعدداً والمعنى واحد، وهو ما يعبر عنه بالإفراد والتركيب فيهما.
قال محيي الدين: الذي يستفاد من كلام الشارح أن تعدد الخبر على ضربين: تعدد في اللفظ والمعنى جميعاً، وضابطه: أن يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراد، كالآية القرآنية التي تلاها وكمثال الناظم والبيتين، وحكم هذا النوع عند من أجاز التعدد أنه يجوز فيه العطف وتركه، وإذا عطف أحدهما على الآخر جاز أن يكون العطف بالواو وغيرها، فأما عند من لم يجز التعدد فيجب أن يعطف أو يقدم بما عدا الأول مبتدآت. وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ)) من منع يجعل كل خبر من هذا أنه خبر مبتدأ محذوف.
((وَهُوَ الْغَفُورُ)) هذا خبر لـ: َهُوَ.
((الْوَدُودُ)) خبر لمبتدأ محذوف، هو الودود.


((ذُو الْعَرْشِ)) خبر مبتدأ محذوف، هذا كله تكلف، لماذا؟ لأن هذه الأخبار إذا صلح أن يخبر بها عن مبتدئٍ واحد فالأصل حينئذ نقول: عدم التقدير وعدم الفصل، وكل جملة إذا فصلت حينئذ صارت جملة من الجمل المستقلة عن الأخرى، وهذا فيه تكلف، بل الصحيح أنه جائز التعدد.
الثاني: التعدد في اللفظ دون المعنى، وضابطه: ألا يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده، نحو قولهم: الرمان حلو حامض، ولهذا النوع أحكام، منها: أنه يمتنع عطف أحد الأخبار على غيره، فحلو: هذا خبر أول، وحامض: هذا خبر ثاني.
ومنها: أنه لا يجوز توسط المبتدأ بينهما، ومنها: أنه لا يجوز تقدم الأخبار كلها على المبتدأ، فلا بد في المثالين من تقدم المبتدأ عليهما والإتيان بهما بغير عطف.
إذاً الخلاصة نقول: الصحيح أنه يجوز أن يتعدد الخبر لمبتدأ واحد، فإذا قلت: زيد كاتب فقيه شاعر ولم تأت بحرف العطف نقول: الأول خبر أول، والثاني ثاني، والثالث ثالث، وهذا جائز ولا إشكال فيه، وليس مع من منع حجة في ذلك.
وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا ... عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا

هُمْ: هذا مبتدأ.
وسَرَاةٌ: هذا خبر أول.
وشُعَرَا: قصره للنظم، شعراء هذا خبر ثاني، فجاز التعدد لأن الخبر حكم ويجوز أن يحكم على الشيء الواحد بحكمين فأكثر.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!