شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* أقسام (كان) ـ وأخواتها من حيث التمام والنقصان ومعناهما
* هل يلي معمول الخبر العامل؟
* تختص كان دون أخواتها بأربعة امور
* زيادتها _خذفها_حذف نون مضارعها.
* مسائل مهمة وفوائد.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصالة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
................................. ... وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي
فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِمَاً قُفِي
وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ والنَّقْصُ فِي

أشار بهذا البيت إلى أن هذه الأفعال النواسخ تنقسم إلى قسمين: منها ما هو تام، ومنها ما هو ناقص. وبعضها يأتي ناقصاً فحسب ولا يأتي تاماً يعني يلازم النقص، وبعضه قد يكون تارة ناقصاً ويكون تارة تاماً.
وَذُو تَمَامٍ: ..... عرفنا أن منها ما هو تام ومنها ما هو ناقص. ما هو التام وما هو الناقص؟ هذا فيه خلاف بين النحاة، والأصح أن التام ما اكتفى بمرفوعه، يعني: عن طلب المنصوب. والناقص: هو ما لا يكتفي بمرفوعه فيحتاج ويفتقر إلى المنصوب، فحينئذ (كان) نفسها إذا افتقرت إلى المنصوب رفعت الاسم ونصبت الخبر قلنا: هذه ناقصة. وإذا لم تنصب الخبر وإنما اكتفت برفع الفاعل حينئذ نقول: هذه تامة.
وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي
وَذُو تَمَامٍ: يعني من أفعال هذا الباب أي: التام منها.
مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي: مَا .. اسم موصول بمعنى الذي.
يَكْتَفِي: هذا صلتها.
بِرَفْعٍ: هذا جار ومجرور متعلق بـ يكتفي، والمراد به: مرفوع، فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.
إذاً: ما اكتفى بمرفوعه هو الذي يعبر عنه بأنه ذو التمام. وَذُو تَمَامٍ: أي من أفعال هذا الباب أي: التام منها.
مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي: أي: الذي يكتفي برفع، أي: يستغني بمرفوعه عن منصوبه، وحينئذ هذا المرفوع لا نقول: اسم (كان) واسم (أصبح) لا، نقول: فاعل، مثل: قام زيد، ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280] نقول: كَانَ: فعل ماض تام ولا نقول ناقص. وذُو عُسْرَةٍ: فاعل، مثل: قام زيد. إذاً: خرجت عن كونها ناقصاً تدخل على المبتدأ والخبر وترفع فاعلاً صريحاً، إن كان ذو عسرة {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} نقول: هذه تامة ترفع الفاعل الصريح، نعربه فاعلاً مثلما نعرب زيد من قولك: قام زيد، قام: فعل ماض، وزيد: فاعل.
((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280] كَانَ: فعل ماض تام. وذُو عُسْرَةٍ: هذا فاعل، ليس عندنا خبر وليس عندنا (اسم كان) ولا غيرها.
وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ: يعني ما بمرفوع يكتفي، أي: يستغني بمرفوعه عن منصوبه، وهذا المرفوع فاعل صريح. وَمَا سِوَاهُ: والذي سواه، أي: سوى المكتفي بمرفوعه.
وَمَا سِوَاهُ: الضمير يعود على المكتفي بمرفوعه.
وَمَا سِوَاهُ: أي: سوى المكتفي بمرفوعه نَاقِصٌ، لافتقاره إلى المنصوب، نَاقِصٌ لماذا؟ لافتقاره إلى المنصوب. إذاً: عرف لنا التام والناقص، في هاتين الجملتين عرف لنا التام ما هو، قال: ما برفع يكتفي.
وَمَا سِوَاهُ: وما سوى المكتفي بمرفوعه نَاقِصٌ، يعني: الذي يفتقر إلى المنصوب، هذا عرف لنا على جهة العموم.
ثم قال:
....... وَالنَّقْصُ فِي ... فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِمَاً قُفِي


دَائِماً قُفِي: تُبع، حينئذ بهذا التعبير الذي هو حصر لنا أن منها ما هو ناقص أبداً ولا يكون تاماً، فما عداه يكون ناقصاً وتاماً، أثبت لنا النقص -ما لا يخرج عن النقص- وما عداه حينئذ ما لم يذكره من النواسخ نقول: هذا يكون تارة تاماً ويكون تارة ناقصاً.
والنَّقْصُ: النَّقْصُ هذه (أل) للعهد الذكري؛ لأنه قال: وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ. ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16] مثلها، أعيدت النكرة معرفة، فهي عين الأولى.
إذاً: والنقص السابق المذكور وهو الافتقار إلى المنصوب في فتئ وليس، وزال: هذا ماضي يزال قُفِي: تبع دائماً، فلا تستعمل هذه الثلاثة تامة بحال، لا تكون إلا ناقصة، وما عداها يكون تارة ناقص، وتارة أخرى تاماً، وما سواها يستعمل ناقصاً وتاماً.
إذاً: فتئ وليس وزال دائماً قفي، دائماً هذه حال من الضمير المستتر في قفي، تقدم عليه، يعني: قفي دائماً بمعنى أنه مستمر لا ينفك عن النقص بحال من الأحوال.
إذاً: كل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا فتئ وزال التي مضارعها: يزال، لا التي مضارعها: يزول؛ فإنها تامة. هذه الأفعال نواسخ كلها. قوله: كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ .. إلى آخره، نقول: هذه تسمى نواقص. وسبق خلاف: هل تدل على حدث أم لا؟ هل (كان) تدل على حدث؟ هل (أصبح) تدل على حدث أم لا؟ الصحيح قلنا: أنها تدل على حدث، لأنها الأصل في وضع الأفعال أن تكون متضمنة للحدث.
ثم الكثير منها سمع له مصادر، وهل المصدر إلا الحدث؟ إذا قيل: (كان) مشتقة من الكون والكون هو عين الحدث مصدر، فحينئذ نقول: (كان) هذه متضمنة للحدث ولا شك، وكذلك الصباح والمساء ونحو ذلك.
إذاً: هذه الأفعال تسمى نواقص، قيل: لعدم دلالتها على الحدث بناءً على أنها لا تفيد، وهذا مشهور عند النحاة: أن (كان) الناقصة لماذا سميت ناقصة؟ لأنها لا تدل على حدث، وإنما هي لمجرد الربط -ربط الخبر بالمبتدأ- في الزمن الماضي فحسب، فهي زمانية محضة جردت للزمن، كان زيد قائماً ماذا أفادت؟ أفادت اتصاف زيد بالقيام في الزمن الماضي فقط؛ لأن القيام هو مدلول الجملة، الحدث الموجود في الجملة الآن ما هو؟ هو القيام فحسب. و (كان) ما وظيفتها؟ قالوا: أضافت القيام إلى زيد وقيدته بكونه في الزمن الماضي فحسب، أما (هي) هل تدل على حدث عند الكثيرين؟ لا، الصواب أنها تدل على حدث، ولذلك عند بعضهم سميت ناقصة لكونها لا تدل على حدث؛ لأن الأصل في الفعل أن يكون متضمناً لشيئين: زمن وحدث. هنا الأصل فيها (كان) أن تدل على حدث وزمن، لكن دلت على الزمن، إذاً: نقصت أو لا؟ نقصت أحد جزئي الفعل، قام: يدل على حدث وهو القيام وأنه في زمن مضى. (كان) لا تدل على حدث، وإنما تدل على زمن مضى، إذاً: هي ناقصة. فنقصها لأحد جزئي الفعل الذي يوضع له في أصل لسان العرب سميت ناقصة، وهذا مشهور عند كثير من النحاة والصواب خلافه.


تسمى نواقص؛ قيل: لعدم دلالتها على الحدث، بناءً على انها لا تفيده، لا تدل عليه، والأصح لعدم اكتفائها بالمرفوع. هذا الأصح، إنما سميت نواقص؛ لأنها لا تكتفي بالمرفوع، لعدم اكتفائها بالمرفوع؛ لأن فائدتها لا تتم به فقط بل تفتقر إلى المنصوب. كان زيد هل اكتفت في الدلالة؟ لا، ما اكتفت؛ لأن الأصل في دخول (كان) قلنا: نواسخ تنسخ المبتدأ، حكم المبتدأ والخبر، هذا الأصل، وحينئذ دخلت على ما هو عمدة من حيث المبتدأ ومن حيث الخبر، حينئذ لا يتم معناها إلا بالنصب للخبر، كان زيد هكذا لوحدها نقول: هذا لا يفيد شيئاً الأصل فيه، وحينئذ لا بد من منصوب تتعدى إليه بعد رفعها للمبتدأ على انه اسم لها؛ لأن فائدتها لا تتم به فقط، بل تفتقر إلى المنصوب.
ثم منها -من النواسخ-: ما لزم النقص فحسب ولا يتعداه بحال من الأحوال وهو (ليس) باتفاق، وهذا محل وفاق أنها لا تستعمل تامة، وإنما تكون ناقصة، وسيأتي أنه يجوز حذف خبرها عند سيبويه وتبعه ابن مالك رحمه الله تعالى. ليس أحد هنا، ليس أحد هكذا سمعت. ليس أحد هنا، وأما: (ليس أحد) لوحدها نقول: هذا ليست تامة، بل هي ناقصة والخبر محذوف.
منها: ما لزم النقص وهو (ليس) باتفاق، و (زال) خلافاً للفارسي، و (فتئ) خلافاً للصاغاني، وحينئذ (زال وفتئ) محل خلاف؛ هل ملازمة للنقص أم لا؟ تأتي تامة أو تأتي ناقصة؟ هذا محل خلاف، والجماهير على أنها لا تأتي تامة بل هي ملازمة للنقص، وهذا الذي رجحه ابن مالك كما قال:
.... وَالنَّقْصُ فِي ... فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِماً قُفِي

وبقية الأفعال -يعني: عدا (ليس وزال وفتئ) - تستعمل بالوجهين: تارة تأتي تامة فتكتفي بمرفوعها عن طلب منصوبها، وتارة تأتي ناقصة وحينئذ لا بد من منصوب ولا بد من مرفوع، فإن استعملت تامة اكتفت بالمرفوع، فتكون حينئذ (كان) لها معاني مختلفة غير (كان) التي تكون ناقصة؛ لأنها خرجت عن النقص، وحينئذ لا بد من معنىً نستقرأ كلام العرب فنثبت لها معنى، فإذا كانت تامة (كان) حينئذ تأتي بمعنى ثبت، كان الله ولا شيء معه، مثلوا بهذا لدلالتها على ثبت، كان الله يعني: ثبت الله، ولا شيء معه.
وتأتي بمعنى: حدث، نحو: إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأدْفِئُونِي، إذا حدث، ووجد مثلها.
وحضر؛ نحو: ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280].
وتأتي بمعنى: وقع، نحو: ما شاء الله كان، يعني: ما شاءه الله وقع، وحينئذ (كان) بمعنى وقع.
وكفل وغزل، يعني: تأتي بمعنى كفل، يقال: كنت الصبي كفلت الصبي، كنت الصبي، هذا توري به، كنت الصبي، يعني: كفلت الصبي. وكنت الصوف، يعني: غزلته.
وأصبح وأضحى وأمسى بمعنى: دخل في الصباح والضحى والمساء.
وظل بمعنى: دام أو طال أو أقام نهاراً.
وبات بمعنى: أقام ليلاً أو نزل بالقوم ليلاً.
وصار: تأتي بمعنى رجع؛ ((أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)) [الشورى:53] يعني: ترجع الأمور.
وضم وقطع: ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) [البقرة:260] فصرهن بمعنى: قطع، وضم.
ودام بمعنى: بقي.
وانفك بمعنى: خلص أو انفصل، نحو: انفك الأسير أو الخاتم.


وبرح بمعنى: ذهب أو ظهر. واختلف في (كان) الشانية؛ هل هي ناقصة، أم تامة، أم أنها قِسم برأسها؟ فالجمهور على أنها ناقصة، وقيل: من أقسام التامة، وقيل: قسم برأسها. الصحيح أنها من أقسام الناقصة.
إذاً: (كان) تأتي تامة وتأتي ناقصة إذا جاءت تامة حينئذ تكتفي بمرفوعها عن منصوبها. {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة] إن وجد إن ثبت لا بأس، تتناوب.
وقوله تعالى: ((خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ)) [هود:107] يعني: ما بقيت السَّمَوَاتُ، هنا (دام) تامة، فحينئذ تكتفي بمرفوعها. ((مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ)) [هود:107] يعني: ما بقيت.
((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)) [الروم:17] تمسون أي: تدخلون في المساء، وتصبحون يعني: تدخلون في الصباح. وهذا هو معنى التمام.
إذاً: وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي
وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ
ما سوى الذي لا يكتفي بمرفوعه، بل لا بد أن يفتقر إلى منصوب فينصبه، وحينئذ نقول: هذا ناقص. ثم الأفعال قسمان: منها ما هو لازم للنقص، وهو الذي حصره في الشطر الآتي: والنقص في فتئ وليس وزال على إسقاط حرف العطف.
دَائِماً قُفِي: يعني تُبع دائماً.
وما عداه حينئذ يأتي بالوجهين: تارة يكون تاماً، وتارة يكون ناقصاً.
أشار إلى أن التمام: الاكتفاء بالمرفوع، والنقصان: الافتقار إلى المنصوب.
وتسمية هذه الأفعال ناقصة لنقصانها عن بقية الأفعال بالافتقار إلى شيئين، وقيل: لنقصانها عنها بتجردها عن الحدث، أي: من الحدث المقيد؛ لأن الدال عليه هو الخبر، أما هي فتدل على حدث مطلق يقيده الخبر حتى (ليس) وحدثها الانتفاء، (ليس) الجمهور على أنها ليس لا حدث، وإنما هي لنفي الحال فقط، للنفي هل لها حدث؟ ليس لها حدث، وذهب الرضي إلى أن لها حدث وهو الانتفاء، وحينئذ الانتفاء هذا مصدر انتفى ينتفي انتفاءً، حدثها هو الانتفاء، ورده عليهم كثير، لماذا؟ لأنها وإن كانت فعلاً إلا أنها من جهة أصل الوضع دلت على حدث، لكن باستعمالها لنفي الحال جردت عن الحدث، وهذا موافق لما ذكروه في تعريف الفعل.
وحدثها الانتفاء، فإذا قلت: كان زيد قائماً أو ليس زيد قائماً فكأنك قلت في الأول: حصل شيء لزيد حصل القيام، حصل شيء لزيد هذا عام، حصل القيام، وفي الثاني انتفى شيء عن زيد، انتفى القيام، فيكون في الكلام إجمال ثم تفصيل، وعليه؛ فتعمل في الظروف، وقيل: لا تدل على الحدث أصلاً بل هي لنسبة الحدث الدال عليه خبرها إلى مرفوعه وزمانه. وهذا خلاصة ما ذكره الرضي لأنه خالف الجمهور في هذه المسألة بأن (ليس) لها حدث وهو الانتفاء. وكثير من النحاة يرون أنها ليست دالة على حدث.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَلاَ يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرْ


(كان) تدخل على جملة المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها، وحينئذ هي عملت في الاسم وعملت في الخبر. يرد السؤال هنا: هل (كان) باعتبار الاسم وباعتبار الخبر؛ هل هما أجنبيان أم لا؟ الأجنبي عندهم: الذي لا علاقة له بالعامل، هذا الأجنبي. هل لها علاقة أو لا؟ قطعاً واضح، نقول: (اسم كان) إذاً عملت فيه الرفع، إذاً ليس بأجنبي عنها، (اسم كان) ليس بأجنبي عنها، وخبرها كذلك ليس أجنبياً عنها؛ لأنها عملت في الاسم فصار بينهم علاقة، وعملت في الخبر فصار بينهما علاقة، فحينئذ: إذا كان الخبر عاملاً في غيره: كان زيد ضارباً عمْراً، عمْراً هذا إعرابه مفعول به، لضارباً، ضارباً هذا إعرابه خبر (كان).
إذاً: كان زيد ضارباً عمْراً، عمْراً هذا معمول الخبر، عرفنا أن الخبر نفسه ليس بأجنبي عن (كان)، لكن معمول الخبر هل هو أجنبي عن (كان) أم لا؟ هذا محل نزاع وهو الذي أراده الناظم بهذا البيت.
معمول الخبر إذا نصب الخبر أو رفعه أو تعلق به ظرف أو جار ومجرور حينئذ ما علاقة هذا المعمول بالعامل - (كان) الأصلي-؟ هل هو أجنبي أم لا؟ إن قلت: أجنبياً؛ حينئذ لا يجوز أن يلي هذا المعمول (كان)؛ لأنك فصلت بين العامل الأصلي (كان) وبين معموليه، وإذا قلت: لا، ليس بأجنبي بل هو معمول لأن عامله معمول لـ (كان) حينئذ جاز أن يلي (كان) معمول الخبر، هذا محل النزاع، البصريون –جماهيرهم- على أنه يمنع أن يلي (كان) معمول الخبر، لماذا؟ لأنه أجنبي، والكوفيون على الجواز لأنه ليس بأجنبي، لأنه يعتبر كالجد، (كان) جد بالنسبة لعمْراً، وحينئذ إذا فصل بين (كان) ومعموليها بمعمول الخبر حينئذ ليس فيه مخالفة للأصل؛ لأن ألا يفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، وهذا متفق عليه لا إشكال فيه، في الجملة متفق عليه، وإنما الخلاف: هل هذه الصورة داخلة تحت هذا الأصل أم لا؟ البصريون على دخولها، وحينئذ يمنع أن يلي العامل معمول الخبر، والكوفيون على الجواز؛ لأنه ليس بأجنبي فحينئذ لا بأس أن يلي العامل معمول الخبر. هذا هو محل النزاع.
إذاً: وَلا يَلِي الْعَامِلَ، ما مقصوده بالعامل هنا؟ (كان وأخواتها).
لا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ: معمول الخبر من مفعول أو حال أو ظرف أو جار ومجرور، كل ما تعلق بالخبر، فحينئذ: هل يجوز معمول الخبر أن يلي (كان وأخواتها)؟ هذا محل النزاع. المصنف هنا اختار ماذا؟ قال: وَلا يَلِي نفي بمعنى النهي، لا يَلِي الْعَامِلَ: الذي هو (كان وأخواتها) مَعْمُولُ الْخَبَرْ: لا يليه لأنه أجنبي عنه، فحينئذ يكون قد فصل بين العامل ومعموليه، وهذا باطل مخالف لأصله.
وَلا يَلِي الْعَامِلَ: الْعَامِلَ هذا مفعول به.


ومَعْمُولُ الْخَبَرْ: هذا فاعل يلي. ولا يلي معمول الخبر العامل، سواء كان مفعولاً أو حالاً أو غيرهما، مطلقاً عند جمهور البصريين، يعني: سواء تقدم الخبر على الاسم أم لم يتقدم؛ لأن هذا يدخل تحته صورتان: إما أن يتقدم معمول الخبر على الاسم فقط، وإما أن يتقدم الخبر ومعمول الخبر على الاسم أيضاً مع كون المعمول تالياً لـ (كان)، وتحته صورتان: البصريون مطلقاً على المنع، سواء تقدم الخبر على الاسم، نحو: كان طعامَك آكلاً زيد، كان زيد آكلاً طعامَك، هذا التركيب الأصل فيه: كان زيد آكلاً طعامك، آكلاً: هذا خبر كان، والفاعل هو، وطعامك: هذا مفعول به. هل يجوز أن يقال: كان طعامك زيد آكلاً؟ لا. كان طعامك آكلاً زيد؟ لا، مطلقاً، فتحته صورتان: أن يتقدم الخبر على الاسم، فيقال: كان طعامك آكلاً زيد، زيد هذا متأخر وهو اسم (كان)، وآكلاً: هذا خبرها، تقدم على الاسم، وتقدم معمول آكلاً معمول الخبر على الخبر فتلا (كان)، هذا ممتنع عند البصريين.
أم لم يتقدم، نحو: كان طعامك زيد آكلاً، آكلاً هذا في محله، وزيد في محله لم يتقدم الخبر على الاسم، وإنما تقدم معمول العامل على الاسم فتلا العامل.
إذاً: هذا ممنوع مطلقاً، لماذا؟ للفصل بين العامل ومعموليه بأجنبي.
وأجازه الكوفيون مطلقاً؛ لأنه سيأتي استشهادهم بقوله:
بِمَا كان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا وخُرِّجَ على زيادة (كان) أو ضمير الشأن، كما سيأتي.
استثنى الناظم صورة واحدة وهي: إذا كان معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر، حينئذ يجوز؛ لأنهم يتوسعون في الظروف والمجرورات ما لا يتوسعون في غيرهما، فيستثنى هذا لما ذكرناه من الأصل.
إلاَّ إذَا ظَرْفاً أَتَى: إلا إذا أتى معمول الخبر حال كونه ظرفاً كعند، أو حرف جر مع مجروره، إذا جاء معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر ليس لوحده بل مع مجروره لأنه يستلزمه؛ حينئذ يلي العامل اتفاقاً، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن الكوفيين يجيزون ما هو أشد من هذا وهو: كان طعامك زيد آكلاً، إذا أجازه الكوفيون طعامك وهو اسم أجنبي واضح بين ولا يتوسع فيه فجوازهم للمجرورات والظروف من باب أولى وأحرى، فهو محل وفاق بين البصريين والكوفيين، فالاستدلال حينئذ ليس لإثبات الكوفيين، لأنهم يثبتونه مطلقاً، الجواز عندهم مطلقاً؛ لأن معمول الخبر ليس أجنبياً عن العامل الأصلي وهو كان، فحينئذ جوازه هنا باتفاق، أن يكون معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر.
للتوسع في الظروف والمجرورات: كان عندك زيد جالساً، زيد: اسم كان، وجالساً: خبرها، وعندك: هذا ظرف متعلق بجالس، هو معمول له، لأن (عند) منصوب على الظرفية.
وَعِندَ فِيهَا النَّصبُ يَستَمِرُّ ... لَكنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ

وحينئذٍ؛ تلى (عِندَ) العامل وهو معمول لخبر (كان)، هذا جائز باتفاق، لماذا؟ لأنه ظرف. كان في الدار زيد جالساً، جالساً في الدار، تقدم المعمول وهو جار ومجرور، هذا جائز؛ لأنه جار ومجرور، وهم يتوسعون في الجار والمجرور أكثر من توسعهم في غيره.
إذاً: وَلا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ إلاَّ .. استثنى مسألة واحدة: وهي إذا كان معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر.


قال: ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة. لو قال: كان آكلاً طعامك زيد، يجوز؟ هذا مثل: ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] فيجوز لتقدم الخبر على الاسم، وهنا لم يتلُ معمول الخبر العامل، وإنما الذي تلاه هو الخبر وليس بأجنبي.
إذاً: يخرج من كلامه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم.
وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة؛ لأنه لم يلي (كان) معمول خبرها، فتقول: كان آكلاً طعامك زيد، ولا يمنعه البصريون، وهذا واضح بين لعدم وجود الأجنبي الذي يلي (كان).
وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ إِنْ وَقَعْ ... مُوهِمُ مَا اسْتَبَانَ أَنَّهُ امْتَنَعْ

نحن قعدنا قاعدة: أن معمول الخبر لا يلي (كان)، إذا سمع في لسان العرب ما ظاهره أن معمول الخبر تلا (كان) ماذا نصنع؟ لا بد من التأويل، وهذه طريقة البصريين، لا بد من التأويل. من التأويل الصحيح عندهم: أنه يجعل اسم (كان) ضمير الشأن محذوف واجب الحذف، والجملة التي تليه مبتدأ وخبر في محل نصب خبر (كان)، وحينئذ لم يلي كان معمول الخبر، فصلوا بين كان والجملة التي تليها بالاسم المحذوف وهو مضمر الشأن.
قال: وَمُضْمَرَ الشَّانِ: هذا مفعول مقدم لـ: انْوِ، وهو من إضافة الدال إلى المدلول.
َمُضْمَرَ الشَّانِ: هذا الضمير التفسيري يسمى، المفسر، وبعضهم يسميه ضمير القصة، وهو يرجع إلى جملة بعده كما ذكرناه، يرجع إلى جملة، يعني: لا بد أن يفسر بجملة، ومرجعه يكون متأخراً، وأبرز وأوضح مثال: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، " هُوَ": هذا مبتدأ، هذا ضمير الشأن. اللَّهُ أَحَدٌ: مرجع الضمير الجملة هي التي فسرها، لو قال: " هُوَ" هو، على أي شيء يرجع هذا؟ ليس له مفسر، لو قال هكذا لوحده: " هُوَ"، وهو قول الصوفية وغيرهم، نقول: هذا ليس له مرجع، ليس بكلام، هذه خرافة؛ لأن " هُوَ" لا بد من مرجع ضمير مفسر، هذا بإجماع النحاة. الأصل في الضمير أن يكون مرجعه سابقاً عليه، وهنا في ضمير الشأن يكون مرجعه متأخراً ثم يكون جملة ولا يكون مفرداً، زيد ضربته مرجع الضمير زيد وهو مفرد، لكن هنا: ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] اللَّهُ: مبتدأ، وأَحَدٌ: خبر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وحينئذ نقول: مرجع الضمير الجملة، والجملة مفسرة للضمير.
وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ: انْوِ مُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً، اسماً لماذا؟ لـ (كان).
انو مضمر الشأن، {إنما الأعمال بالنيات} انْوِ، فهو ليس مذكوراً، وإنما يقدر وينوى، فحينئذ: انو مضمر الشأن حالة كونه اسماً، اسماً لماذا؟ لأي شيء؟ لـ (كان) من أجل فك الجملة عما بعدها، ولأجل ألا يلي معمول الخبر (كان) فنأتي باسم محذوف هو ضمير الشأن، انو في العامل مضمر الشأن اسماً حال من مضمر، أي: حالة كونه محكوماً باسميته لـ (كان) فيفيد أن (كان) لشأنية، هذه تسمى (كان) الشأنية، (كان) على أنحاء، (كان) الناقصة و (كان) التامة و (كان) الشانية و (كان) الزائدة، أربعة أنواع، مر معنا ثلاث، هذه الثالثة، وبقي (كان) الزائدة:
وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ


أربعة أنواع: (كان) الناقصة، و (كان) التامة وأشار إليها بقوله:
وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ
وهذه (كان) الشانية والصحيح أنها نوع من الناقصة، وهي يلجأ إليها عند تقدير الاسم ضمير الشأن. كان الناس صنفان، وإلا الناس صنفان، بعضهم رأى أنه قد ترفع (كان) الجزأين: الاسم، وهذا لا إشكال فيه، والخبر، صنفان والأصل نقول: صنفين، وحينئذ تخريجاً لهذا الفرع المخالف للأصل المتفق عليه لا بد من التأويل. كَانَهُ أو كان هوَ الناس صنفان، كان هو الحال والشأن الناس صنفان، هنا مثله، .. لـ (كان) فيفيدنا أن (كان) الشانية ناقصة وهو الأصح؛ لأنه لم يثبت في كلامهم ضمير الشأن إلا مبتدأ في الحال أو في الأصل، في الأصل قبل دخول (كان) هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، أو في الحال وهو: كَانَهُ، الذي معنا. كَانَهُ، نحو: ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] وقيل: تامة فاعله الضمير والجملة مفسرة له، وقيل: واسطة.
انو مضمر الشان اسماً، يعني: انو في العامل مضمر الشان حال كونه اسماً لـ (كان).
إِنْ وَقَعْ: شيء من كلامهم وثبت مُوهِمُ: جواز مَا اسْتَبَانَ وظهر لك أَنَّهُ امْتَنَعْ، وهو أنه لا يلي العامل معمول الخبر، إن جاء في لسان العرب ما ظاهره أنه قد ولي العامل معمول الخبر حينئذ وجب التأويل، وصورة هذا التأويل ماذا؟ أن ننوي اسم (كان) محذوفاً وهو ضمير الشأن.
قال الشاعر:
قَنَافِذُ هَدَّاجُون حَوْلَ بُيوتِهِم ... بِمَا كَان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا

الكوفيون استدلوا بهذا على أنه لا يمتنع، أن يلي (كان) معمول الخبر، لماذا؟ لأن عطية اسم (كان)، وعَوَّدَا: هذا فعل ماضي، والجملة في محل رفع خبر (كان). إيَّاهُمْ عودهم، هذا الأصل، عطية عودهم، عودهم: الهاء هذا مفعول به لعود، فهو معمول للخبر، انفصل فتقدم على الاسم فصار: كان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا، هل يصح الاستدلال بهذا؟ قالوا: لا؛ لأن الأصل مطرد وحينئذ لا بد من التأويل، فننوي ضمير الشأن محذوفاً هنا، كان هو عطية عودا، إياهم بعد أن نوينا ضمير الشأن كَانَهُ إياهم كان هو إياهم، اتصل أو انفصل لا إشكال، كَانَهُ كان هو إياهم، إذاً: إيَّاهُمْ لم يلي (كان)، لماذا؟ لأن الذي تلا (كان) هو الاسم المحذوف، والمحذوف لعلة كالثابت، وحينئذ يراعى حذفه كما أنه ثابت في الكلام، فحينئذ لم يلي العامل معمول الخبر، ولكن الكوفيون لهم تأويل ولهم إشكالات أخرى في هذا، فهذا ظاهره ماذا؟ أنه مثل: كان طعامك زيد آكلاً، تأخر الخبر وتقدم معموله على الاسم. كان طعامك زيد آكلاً، مثله، قلنا: هنا تقدم معمول الخبر ولم يتقدم الخبر نفسه على اسم كان، هذا مثله: كان إياهم عطية عوداً. إذاً: لا بد من التأويل، وهذا الوجه المشهور أنه ضمير الشأن.
ويحتمل أن (كان) زائدة.
بِمَا كَان إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا

إذا خرجناها على أنها زائدة حينئذ خرجت المسألة من باب (كان)، بما بالذي عطية عودهم، وحينئذ صارت الجملة مبتدأ وخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
ومثله:
فأَصْبَحُوا والنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِم ... ولَيْسَ كُلَّ النَّوى تُلْقِي المسَاكينُ


تُلْقِي: هذا الفعل هو خبر (كان). المساكينُ: فاعله. وكُلَّ النَّوى نقول: هذا معمول الخبر، حينئذ نقدر: ليس هو كل النوى تلقي المساكين. الكوفيون إعرابهم مساكين هذا اسم (كان).
وكُلَّ النَّوى: هذا معمول تلقي، وتلقي: هو الخبر، على هذا يكون تلا العامل معمول الخبر، إذا جعلنا كل النوى: هذا منصوب، هذا معمول لتلقي، وتلقي هو الخبر، أليس كذلك؟ المساكين هذا اسم كان متأخر، يكون مثل كان طعامك آكلاً زيد، هذا مثله إذا قدمت الخبر على الاسم، والصواب: أن ضمير الشأن هنا محذوف، وكُلَّ النَّوى: هذا منصوب بتلقي، والمساكينُ هذا فاعل تلقي، ليس اسم (كان) بل هو فاعل على الصحيح.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ كَمَا ... كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا

هذه (كَانَ) الزائدة.
وَقَدْ تُزَادُ
وَقَدْ: للتقليل هنا؛ لأن الزيادة أقل من الأصالة.
وَقَدْ تُزَادُ: قد للتقليل.
تُزَادُ: هذا فعل مضارع مغير الصيغة، وكَانَ: نائب فاعل قصد لفظه.
قَدْ تُزَادُ كَانَ: إذا زيدت (كَانَ) حينئذ هل لها عمل؟ هل تعمل؟ نقول: لا، ليس لها عمل البتة، لا ترفع ولا تنصب، لماذا؟ لأن الشيء الزائد إنما يزاد من جهة اللفظ فحسب، وأما المعنى الذي وضع له في لسان العرب فليس مراداً، فحينئذ يقال: التركيب هنا: زيد فيه كلمة، فنقول: هذا المراد به التأكيد وليس المراد به المعنى الذي وضع له في لسان العرب، فحينئذ (كان) إذا لم يكن المراد بها المعنى الأصلي الذي وضع له في لسان العرب حينئذ لا تعمل، لا ترفع ولا تنصب. إذاً: ما الفائدة من ذكرها؟ نقول: تفيد التأكيد، تأكيد التركيب.
وَقَدْ تُزَادُ: إذاً تزاد ولا تعمل شيئاً أصلاً، وهو مذهب الجمهور. تزاد لا بقيد التمام أو النقصان، هل نقول: تامة أو ناقصة إذا زيدت؟ لا هذه ولا تلك؛ لأننا نقول: قسمة ثلاثية أو رباعية، تامة، ناقصة، زائدة، إذا كانت زائدة إذاً لا بقيد كونها تامة ولا بقيد كونها ناقصة؛ لأنها مباينة للقسمين، تامة لا بد لها من مرفوع، وناقصة لا بد لها من منصوب، وهذه لا ترفع ولا تنصب إلا على بيت سيأتي معنا.
وَقَدْ تُزَادُ كَانَ: هنا ذكر (كَانَ) بلفظ الماضي فحينئذ يلتزم منها -من هذه الأفعال النواسخ التي تزاد- (كان) فحسب، ما عداها فهو شاذ، يعني: لا تزاد (أصبح وأمسى) نقول: هذا شاذ، ولذلك شذ قولهم: ما أصبحَ أبْرَدَها، هذا زائد، نقول: (أصبح) زائد، لكنه شاذ ليس كـ (كان).
وشذ كذلك: وما أمسى أدْفأها، ما أبردها وما أدفاها، ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها، نقول: هذا شاذ؛ لأن التخصيص هنا بـ (كان) فحسب، (كان) بصيغة الماضي، فإن زيدت بصيغة المضارع فهو شاذ كذلك. أنت تكون ماجد نبيل، أنت: مبتدأ، وماجد: خبر، زيدت (كان) بين المبتدأ والخبر زيادتها بين المبتدأ والخبر سماعية هذه، وكونها بلفظ المضارع نقول: هذا شاذ؛ لأن الذي هو أصل للقياس زيادتها بلفظ الماضي، لأن هذا خروج عن الأصل، وما خرج عن الأصل حينئذ لا يقاس عليه غيره البتة، فإن قيس فيكون من باب؟؟؟ فإن سمع قليلاً نادراً قلنا: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه.


إذاً: تزاد كان بلفظ الماضي، ولا تكون بقيد التمام ولا النقصان؛ لأنها مباينة لهما ثم لا تعمل شيئاً. أين تزاد؟ فسره وبين محله وقال: فِي حَشْوٍ: في حشو جار ومجرور متعلق بقوله: تزاد، هذا بيان، تزاد هذا فيه إبهام، ولذلك المتعلقات دائماً تخصص العوامل.
تُزَادُ كَانَ: أين تزاد؟ هذا محتمل في الأول، في الأثناء، في الأخير.
قال: فِي حَشْوٍ: يعني في أثناء الكلام لا في أوله ولا في آخره.
إذاً: نأخذ أن (كان) إذا جاءت في أول الكلام لا تكون زائدة، وإذا جاءت في آخر الكلام خاتمته لا تكون زائدة، وإنما يحتمل زيادتها إذا كانت في أثناء الكلام.
فِي حَشْوٍ: أي: في أثناء الكلام، فلا تزاد في الأول؛ لأن الأول محل الاعتناء، ولا في الآخر الذي هو الأطراف؛ لأنه محط الفائدة.
.. فِي حَشْوٍ كَمَا ... كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا

فسر بعضهم الحَشْوٍ بأنه بين شيئين متلازمين، ليس جاراً ومجروراً، بين شيئين متلازمين، يعني: كل منهما يطلب الآخر كالمبتدأ والخبر، والفعل وفاعله، والصفة والموصوف، والجار مع المجرور، هذه كلها متلازمة، شيئان متلازمان، كل منهما إذا وجد وجد الثاني. ضابط زيادة (كان) إنما تكون في حشو، وهذا الحشو يكون بين متلازمين مبتدأ وخبر، زيد كان قائمٌ، مررت بزيد قائمٍ، بزيد كان قائمٍ، زادت بين متلازمين.
؟؟؟ يقول: وذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين كالمبتدأ وخبره، زيد كان قائمٌ، زيد: مبتدأ، وقائم: خبر، وكان: هذه زائدة. أين اسمها وخبرها؟ ليس لها اسم ولا خبر.
والفعل ومرفوعه، نحو: لم يوجد كان مثلك، لم يوجد مثلك، يوجد مثلك هذا الأصل، قام كان زيد؛ لم يوجد كان مثلك، هذا من باب التأكيد، فمثلك فاعل يوجد، و (كان) هذه زائدة وهي زيدت بلفظ الماضي وليس لها معنىً إلا التأكيد.
والصلة والموصول: جاء الذي كان أكرمته، الذي أكرمته، هذان متلازمان، أليس كذلك؟ وحينئذ الذي كان أكرمته نقول: زيدت (كان) بين متلازمين وهما الصلة والموصول.
والصفة والموصوف: مررت برجلٍ كان قائم، برجلٍ بالتنوين، برجلٍ كان قائمٍ، برجل: هذا موصوف، وقائم: صفته، و (كان) فاصلة أو زائدة بينهما.
وهذا يفهم أيضاً من إطلاق قول المصنف:
وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ
بل هو أعم، لم يقيده بمتلازمين، بل ما كان في أثناء الكلام فحسب، قد يكون بين متلازمين وقد لا يكون، هذا ظاهر كلام المصنف، لكن بالمثال قد يقال: إنه أراد نوعاً معيناً وهو ما يقاس عليه، وهو (ما) التعجبية وفعلها، ما كان أصح، (ما): هذه تعجبية مبتدأ، أصح: هذا فعل التعجب مثل: ما أحسن زيداً، تزاد قياساً بين (ما) التعجبية وفعلها، ما أحسن زيداً؛ ما كان أحسن زيداً، وما عداه فهو سماعي.
ما كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا: الألف هذه للإطلاق يتعجب من علم المتقدمين.
إذاً: وإنما تنقاس زيادتها بين (ما) وفعل التعجب، كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا، ولا تزاد في غيره إلا سماعاً.
إذاً: قوله: فِي حَشْوٍ: إن أراد به القياس فحينئذ مقيد بالمثال الذي ذكره، إن كان أراد به ما هو سماعي وقياسي حينئذ يكون المثال ذكر بعض الأفراد فحسب، وما عداه فهو مرجع أو مرده إلى الموقف.


وقد سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه، هذا سماعي. والأمثلة التي ذكرها الشارح أمثلة مولدة، يعني ليست مسموعة.
سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه: وَلَدتْ فاطمةُ - بنتُ الخُرْشُبِ الأَنْمَارِيَّةُ الكَمَلةَ من بني عَبْس، لم يُوجَدْ (كانَ) أَفْضَلَ مِنْهُم.
لم يوجد كان أفضل منهم، أفضل: هذا فاعل ليوجد، يوجدْ أوجد يوجد ليس نائب فاعل، ولذلك قال: بين الفعل ومرفوعه. يوجدْ جزم بلم، وأفضل: هذا فاعل يوجد، و (كان) هذه فاصلة زائدة. وسمع أيضاً زيادته بين الصفة والموصوف:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ

وَجِيرَانٍ لَنَا كِرَامِ؛ هنا فصل بين الموصوف والصفة، أين الموصوف؟ وَجِيرَانٍ، وكِرَامِ: هذا الصفة فصل بينهما بـ كَانُوا، لكن ورد إشكال هنا: سيبويه استدل بهذا على أن (كان) تزاد بين الصفة والموصوف، وابن هشام لم يرتضِ هذا، لماذا؟ لأن (كان) هنا عملت، الواو هذا اسمها، وهذا محل إشكال، ولذلك قال: هذا البيت لا يقال بأن (كان) زائدة، وإنما الواو هذه اسم (كان) ولنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وإنما فيه الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، على حد قوله: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)) [الأنعام:155] كِتَابٌ: موصوف، مُبَارَكٌ: صفته، فصل بينهما بالجملة: أَنزَلْنَاهُ، هذا مثله، وحينئذ استدلوا به على الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، أما كونه (كان) زائدة هذا محل إشكال.
أجاب بعضهم: بأنه لا مانع بأن يقال: (كان) مع اسمها تزاد، أنها تزاد (كان) مع اسمها، وحينئذ نقول: لا نقول (كان) هي الزائدة، بل الجملة كلها، فحينئذ: هل ينظَّر هذا بمثل "ظننت" إذا أُهملت وأُلغيت؟ وحينئذ تكون ملغاة هي وفاعلها وهذه مثلها الزيادة، لكن فرق بين الإلغاء وبين الزيادة؛ لأن الأصل الزيادة أنها منافية لا تزاد، إنما الزيادة تكون للحروف، وأما الأسماء فزيادتها شاذة لا يُحمل عليها، ولذلك لا يقال: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] كَمِثْلِ الكاف زائدة لا، وإنما نقول: هي أصلية.
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ

وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله:
سَرَاةُ بَنِيْ أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ العَرابِ

عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ، على المسوَّمة: جار ومجرور دخلت بينهما (كان).
والأصل فيها أنها تزاد بلفظ الماضي، هذا كثير، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع؛ لأن (كان) بلفظ الماضي مبنية، فأشبهت الحرف والأصل في الزيادة للحروف، وأما الفعل المضارع فهو معرب وحينئذ يكون قد أشبه الاسم المعرب وزيادة الأسماء شاذة، فما أشبه الاسم حينئذ صارت زيادته شاذة، وما أشبه الحرف من حيث البناء صارت زيادته أصلية، فـ (كان) لماذا نقول: زيادتها قياسية -قياساً-؟ لأنها أشبهت الحرف والجامع هو البناء، هذا مبني وهذا مبني، والحرف يزاد، بل هو الأصل في الزيادة.
و (كان) وتكون الذي هو الفعل المضارع هذا معرب، فأشبه ماذا؟ أشبه الاسم المعرب، والأسماء لا تزاد إلا شذوذاً، وحينئذ زيادة ما أشبهها لأن القاعدة: أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه.


أَنتَ تكُونٌ مَاجِدٌ نَبِيلُ ... إِذا تَهُبُّ شَمأَلٌ بَلِيلُ

فحينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
ثم قال رحمه الله:
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ

الكلام كله الآن فيما سبق، وهذا فيما اختصت به (كان) دون أخواتها، وأكثرها مجمع عليه في الجملة، الخلاف فيه قليل.
مما اختصت به (كان) أنها قد تحذف دون سائر أخواتها ثم تعمل وهي محذوفة، تحذف ويبقى اسمها منسوباً إليها، أو تحذف ويبقى خبرها ويكون منسوباً إليها –منصوباً، حينئذ حذفت وبقي عملها، وهذا من خصائص (كان) دون سائر أخواتها.
وَيَحْذِفُونَهَا: من؟ العرب، يعني نطقوا بها محذوفة، أو النحاة حكموا بجواز حذفها مع ما ذكر.
وَيَحْذِفُونَهَا: الضمير هنا يعود إلى (كان)، ثم إما أن يكون حذف (كان) هنا وحدها، أو مع اسمها، إما أن تحذف وحدها ويبقى الاسم والخبر، وإما أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وزيد: أن تحذف (كان) مع خبرها ويبقى الاسم، ماذا بقي؟ أن تحذف هي واسميها، تحذف (كان) وحدها، هذا أولاً. تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، تحذف مع الخبر ويبقى اسمها، هنا قال:
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ
ظاهر العبارة -والله أعلم- أنه أراد حذف (كان) مع اسمها، والشراح أدخلوا حذف (كان) وحدها كذلك ولا بأس من باب تكثير المعاني، لكن ظاهر العبارة أنه أراد حذف (كان) مع اسمها؛ لأنه قال: وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ
، إذاً: لا يبقون الاسم، وإنما يحذف الاسم مع (كان)، هذا ظاهر العبارة.
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ: أي: (كان) إما وحدها أو مع الاسم وهو الأكثر، أنها تحذف مع اسمها؛ لأن الفعل ومرفوعه كالشيء الواحد، وقد تحذف (كان) مع خبرها ويبقى الاسم، تحذف مع الخبر ويبقى الاسم مرفوعاً، ومن ذلك قولهم: "المرء مجزي بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر" -برفعهما- (المرء مجزي بعمله، إن خيرًا فخير) خير: هذا اسم (كان) المحذوفة مع خبرها، إن كان في عمله خير فجزاؤه خير، وإن كان في عمله شر فجزاؤه شر، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، هذه قل ما شئت، إن شراً فشر وإن خيراً فخير، إن خيرٌ فخير، إن شرٌ فشر، يعني: برفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني ونصب الأول ورفع الثاني، لكن المثال الذي هو الشاهد معنا هنا في حذف (كان) مع خبرها: إن خيرٌ فخيرٌ، إن كان في عمله (كان) حذفت، في عمله: هو الخبر، خير الذي بقي هو الاسم، لكن هذا قليل جداً، قليل، والكثير أن تحذف (كان) مع اسمها.
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ: على حاله كما هو منصوب لا يرفع؛ لأن (كان) المحذوفة هنا تعمل وهي محذوفة، وهذا لقوتها؛ لأنها أم الباب.
ثم بين أن هذا الحذف (كان) مع اسمها في موضعين يكثر.
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
واشْتَهَرْ: يعني الحذف مع إبقاء الخبر، واشْتَهَرْ بعد (إِنْ) و (وَلَوْ) الشرطيتين كَثيراً ذَا الحكم، ذَا مشار به الحكم وهو حذف (كان) مع إبقاء الخبر.
وَبَعْدَ إِنْ: بَعْدَ: هذا متعلق بقوله: اشْتَهَرْ.


إِنْ: هذا قصد لفظه مضاف إليه، بَعْدَ: مضاف، و (إِنْ) مضاف إليه. كيف أضيفت وهي حرف؟ نقول: هذا قصد لفظه، وإذا قصد لفظه صار علماً صار اسماً.
بعد (إن) الشرطية كثير؛ لأنها أم أدوات الجزم (إن)، و (لو) أم أدوات الجزم غير العاملة، ولذلك اختص كثرة الحذف بهذين الحرفين: (إن) أم أدوات الجزم، يعني: التي تعمل الجزم هي أمها، مثل: كان هنا، و (لو) هذه أم أدوات الجزم غير العاملة، ولذلك اختص الحذف بعدهما، إذا جاء اسم منصوب بعد (لو وإن) حينئذ تعربه خبراً لـ (كان) المحذوفة مع اسمها، {الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ} ولو خاتماً، نقول: خاتماً هذا خبر لـ (كان) المحذوفة مع اسمها، ولو كان الملتمس، هكذا تقدره: ولو كان الملتمس خاتماً، حينئذ هذا فصيح أو نقول شاذ؟ نقول: فصيح.
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً: بَعْدَ إِنْ وَلَوْ، (المرء مجزي بعمله، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌ) إن كان عمله خيراً، إن خيراً: حذف (كان) مع اسمها بعد (إن) تقديره: إن كان عمله خيراً، إذاً بقي الخبر على ما هو، (وإن شراً فشرٌ) إن كان عمله شراً فشر.
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ: الشرطيتين.
كَثيراً ذَا: الحكم اشْتَهَرْ، ذَا: مبتدأ، واشتهر: الجملة خبر، وكَثيراً: هذا حال، حال من الضمير المستتر في اشْتَهَرْ، هذا الظاهر.
وذَا اشتهر: ذَا قلنا: الحكم الذي هو حذف (كان) وإبقاء خبرها مع اسمها، وذَا: اسم إشارة مبتدأ، واشْتَهَرْ: الجملة خبر.
وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ: نقول: هذا متعلق باشتهر، وكَثيراً هذا حال من الضمير المستتر في اشْتَهَرْ.
قَدْ قيلَ مَا قِيلَ، إِنْ صِدْقاً، وإِنْ كَذِباً ... فَما اعتِذارُكَ من قَولٍ إذا قيلا؟

إِنْ صِدْقاً: إن كان المقول صدقاً، وإن كان المقول كذباً.
وبعد (لو) كما في الحديث: {التمس ولو خاتماً من حديد}.
وقد شذ حذفها بعد (لدن).
إذاً: بعد (إن ولو) كثير. مفهومه: أنه قد يأتي لا بعد (إن ولو) وهو كذلك، لكنه قليل، وهو بعد (هلا وألا ولدن) هذا قليل يحفظ ولا يقاس عليه، يعني: القلة هنا معبر عنها بالندرة. بعد (هلا وألا ولدن)، (مِنْ لَدُ شَوْلاً فَإلَى إتْلاَئِهَا ... ): مِنْ لَدُ أن كَانَتْ شَوْلاً ثم قال:
وَبَعْدَ أَنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ ... كَمِثْلِ أَمَّا أَنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ

إذاً: عرفنا أن (كان) تحذف مع اسمها، وقد تحذف دون اسمها، وقد تحذف مع خبرها، والأكثر هو حذفها مع اسمها، وقد تحذف وحدها ويبقى الاسم والخبر، ويعوض عنها (ما) الزائدة، وهذا بعد (أن) المصدرية.
وَبَعْدَ أن: المصدرية.
تَعْوِيضُ مَا: الزائدة عنها -عن (كان) المحذوفة فقط دون اسمها-.
ارْتُكِبْ: فتحذف (كان) وجوباً إذا عوض عنها، إذ لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض، إذاً: تحذف (كان) بعد (أن) المصدرية، هذا ضابط في التعويض، الأصل في حذف (كان) ألا يعوض عنها.
وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ
دون تعويض، لكن في محل واحد حفظ عن العرب أنهم عوضوا عن ذلك المحذوف، وهو فيما إذا حذفت (كان) فقط دون اسمها وخبرها، ثم كانت (كان) هذه بعد (أن) المصدرية، هذا ضابطها، ولذلك قيدها:
وَبَعْدَ أنْ: يعني بعد (أن) المصدرية.


تَعْوِيضُ (مَا) عَنْهَا: تعويض (ما) الزائدة عنها، يعني: عن (كان) المحذوفة، لذلك قال: عَنْهَا ولم يقل عنهما.
ارْتُكِبْ: فتحذف (كان) وجوباً بعد التعويض، يعني: لا يصير الحكم وجوباً، قبل التعويض الحذف جائز، لكن لما عوض عنها حينئذ لا يجوز إرجاع (كان) لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض.
أنَّ (كان) تحذف بعد (أن) المصدرية، ويعوض عنها (ما)، ويبقى اسمها وخبرها.
أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ
كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا، أصلها: أن كنت براً، وبعضهم يقدره: لأن كنت براً بلام التعليل ولا إشكال. أن كنت براً، التاء هنا هي اسم (كان)، وبراً: خبرها، احذف (كان)، إذا حذفت (كان) الضمير المتصل ينفصل، صار أنت كنت، هذا متصل، وحينئذ ينفصل، فتقول: (أنْ أنت براً)؛ لأنك حذفت كنت (التاء) كان وبقيت التاء المتصلة فجئنا بالضمير المنفصل، فصار التركيب: أن أنت بعد حذف (كان) براً، عوض عن (كان) ما، فقيل: أن ما أنت، النون مع الميم للتقارب أدغمت، أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ. إذاً (أن): هذا حرف مصدري، و (ما): زائدة، وأنت: هذا اسم (كان) المحذوفة في محل رفع، وبراً: هذا خبر كان المحذوفة، هذا الحذف صار واجباً بعد التعويض، وأما قبله فلا، لا يوصف بكونه واجباً؛ لأنه لما عوض عنها لأنه إذا قلت مثلاً: (التمس ولو خاتماً من حديد) يجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز أن تقول: ولو خاتماً، ويجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً تأتي به وتحذفها، الحذف جائز، أما إذا عوض عنها فحينئذ لا يجوز، خلافاً لمن قال بذلك، وقد قيل به.
إذاً: تحذف بعد (أن) المصدر ويعوض عنها -كذا يقول ابن عقيل- ويعوض عنها (ما) ويبقى اسمها وخبرها نحو: أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ، والأصل: أن كنت براً فاقترب، لأن كنت، قيل هكذا، ابن هشام يقدرها هكذا في التوضيح وفي قطر الندى، فحذفت لام التعليل لأن حذفها مع (أن) مطرد، فحذفت (كان) أن كنت براً حذفت (كان) لكثرة الاستعمال قصداً إلى التخفيف، فانفصل الضمير المتصل؛ لأنه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير، فانفصل؛ لأنه لما اتصل به نقول: لكونه عامل، لأن الضمائر لا تتصل إلا بعواملها، وحينئذ لما ذهب العامل انفصل وهو التاء، فصار: أن أنت براً، ثم عوض عنها (ما) عوضاً عن (كان) فصار: أن ما أنت براً، ثم أدغمت النون في الميم فصار: أمَّا أنْتَ بَرًّا، ومثله قول الشاعر:
أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنتَ ذا نفَرٍ ... فَإنَّ قَومِيَ لم تَأكُلهُمُ الضَّبُعُ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ... !!!