لَكِنْ نَدَرْ: يعني قل، أو إن شئت قل: شذ
غَيْرُ مُضَارِعٍ خبراً لهذين. لهذين المراد بهما: كان وكاد وعسى،
لكن هل الحكم خاص بهما؟ لا، بل الجواب أن الحكم عام.
لِهذَيْنِ: وأخواتهما من أفعال الباب، فالحكم عام وليس خاصاً بكاد
وعسى.
إذاً: نأخذ من هذا البيت أمرين:
الأول: أن كاد وأخواتها تعمل عمل كان، فتدخل على المبتدأ والخبر،
والمبتدأ يكون مرفوعاً اسماً لها، وحينئذٍ يكون الرفع ظاهراً أو
مقدراً بحسب آخر الاسم، وتنصب الخبر وحينئذٍ يكون الخبر في الأصل
منصوباً.
ثم الأمر الثاني: أن يكون الخبر معيناً، بمعنى أنه ليس ككان يكون
جملة فعلية وجملة اسمية ماضوية، مضارعية، ظرفاً أو جاراً ومجرور،
بل هو معين في جزئية واحدة وهي أن يكون مضارعاً، وحينئذٍ إذا قلنا:
الخبر يكون فعلاً مضارعاً فالنصب يكون محلاً لا ظاهراً، والذي يدل
على أن النصب محل في المحل: التصريح بالاسم المفرد وقد ظهر عليه
النصب، وسبق قاعدة معنا: أن المطرد في لسان العرب إذا كان خلاف
الأصل فحينئذٍ لا بد وأن تأتي فلتة من شاعر ونحوه يصرح بالأصل
المهجور، ولذلك يقال: هذه الكلمة ضرورة، فيها تنبيه على أصل مهجور،
وهنا الأصل ما هو؟ إذا قلنا باب كاد وأخواتها محمول على باب كان،
إذاً الأصل في خبر كاد أن يكون جملة فعلية وجملة اسمية، هذا هو
الأصل أن يكون الخبر مثله، فحينئذٍ لما اختص ببعض أفراد خبر كان هل
هو في محل نصب أم لا لأنه لا يظهر، قد يوقع في لبس، هل هي بالفعل
ملحقة أم لا؟ فحينئذٍ جاءت كلمة أو كلمتان من بعض الشعراء صرح
بالخبر وهو مفرد وقد ظهر عليه النصب، فدل على أن هذا الباب بالفعل
ملحق بباب كاد، وأن التصريح بالاسم المفرد في بعض المفردات وما نطق
به بعض الشعراء حينئذٍ يكون تنبيهاً على هذا الأصل المهجور. تنبه
لهذا.
كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ
قوله: غَيْرُ مُضَارِعٍ: يصدق بالجملة الاسمية، والماضوية، وهما لم
يخبر بهما عن كاد وعسى بالكلية، وظاهر النظم يوهم ورودهما خبراً
عنهما.
ونَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير المضارع ما هو غير المضارع؟ الجملة
المفرد والماضوية والجملة الاسمية، هل بالفعل سمع في لسان العرب
التصريح بالخبر كونه جملة اسمية، أو كونه جملة ماضوية ومفرداً؟
الأكثر على النفي أنه لم يسمع إلا مفرداً، ولذلك السيوطي في الشرح
-شرحه على الألفية- قال: وغير مضارع أي مفرد ندر، يعني: ندر سماع
غير المضارع ولم يسمع إلا الاسم المفرد فقط، كما سيأتي. ولكن
الصواب: أنه سمع جملة اسمية وهو مع جعل. قال الشاعر:
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهَيلٍ ... مِنَ الأَكوارِ
مَرْتَعُهَا قَرِيبُ
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ، قَلُوصُ هذا اسم جعل، وجعل هذه من أفعال
الشروع، جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ.
وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهيل ... مِنَ الأكوارِ مَرْتَعُهَا
قَريبُ
مَرْتَعُهَا قَريبُ: مبتدأ وخبر في محل نصب خبر جعل، وقد جاء جملة
اسمية لكنه شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وأما التصريح به اسماً فقد جاء قوله في خبر عسى:
أَكْثَرْتَ فِي الْعَذْلِ مُلِحًّا دَائِمَا ... لاتُكْثِرَنْ
إِنِّي عَسَيْتُ صَائِما
عَسَيْتُ صَائِما: عسى هذا من أفعال
الرجاء، فهي من أخوات كاد، وحينئذٍ تختص بالمبتدأ والخبر، فتدخل
على المبتدأ فترفعه على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه خبر لها
في محل نصب، لأن الأصل فيه أن يكون جملة فعلية، وهنا جاء صائماً:
مفرد، دل على أن الأصل في الخبر الذي يكون في هذا المحل أنه منصوب،
وحينئذٍ نقول: عسى زيد أن يقوم، عسى زيد: زيد هذا اسم عسى. أن
يقوم: هذا نقول: خبر في محل نصب. قد يبقى الإنسان في شكك بالفعل
هذا في محل نصب أو لا؟ نقول: نعم، في محل نصب بدليل ماذا؟ لأن هذا
اللفظ: أن يفعل، أن يقوم وإن كان هو الأصل المطرد إلا أنه دل على
أن النصب محلاً قوله: عَسَيْتُ صَائِما، فصائماً هذا وإن كان اسماً
مفرداً شاذاً التصريح به إلا أنه دل على تأكيد محل أن يقوم من
قولك: عسى زيد أن يقوم.
إذاً عَسَيْتُ صَائِما: تنبيه على الأصل لئلا يجهل، فأجري عسى مجرى
كان فرُفع بها الاسم ونصب الخبر، وجاء بخبرها اسماً مفرداً.
إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير مضارع وهو الاسم
المفرد، أنه جاء مصرحاً به في باب عسى، حينئذٍ نقول: إني عسيت
صائماً، صائماً هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.
وندر مجيئه اسماً بعد عسى وكاد.
فَأبتُ إِلى فَهم ومَا كِدْتُ آئِباً ... وَكمْ مِثلِهَا
فَارَقتُها وهِي تَصفِرُ
ومَا كِدْتُ آئِباً: اسم فاعل وهو خبر كاد، والتاء هذه اسمها.
إذاً: جاء التصريح به لماذا؟ أولاً: نقول: التصريح بالاسم المفرد
منصوباً هنا شاذ، وعبر عنه المصنف بكونه نادراً، ولذلك ابن عقيل
قال: وندر مجيئه اسماً، وعبر غيره بكونه شاذاً.
ومَا كِدْتُ آئِباً: نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. تنبيهاً
على أصل مهجور متروك، إذ أن سائر أفعال هذا الباب مثل كان في
الدخول على مبتدئٍ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه
مفرداً وجملة اسمية وفعلية وظرفاً، فترك الأصل والتزم كون الخبر
مضارعاً، ثم نُبِّه على لأصل شذوذاً في مواضع معدودة تحفظ ولا يقاس
عليها.
إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: المراد بغير المضارع هنا:
الاسم المفرد جاء مصرحاً به خبراً لعسى وخبراً لكاد، وجاء كذلك
الجملة الاسمية مصرحاً بها في خبر جعل على الصحيح، وإن كان كثير
أنه لم يسمع الجملة الاسمية، الماضوية لم يسمع أنه صرح بخبر لكاد
أو عسى وهو جملة ماضوية، وأما المضارعية فهي الأصل في كونها خبراً
لكاد وعسى.
أفعال هذا الباب تعمل عمل كان، فترفع المبتدأ اسماً لها، وتنصب
الخبر خبراً لها. ويدل على ذلك مجيء الخبر في بعضها منصوباً وإن
كان شاذاً تنبيهاً على أصل مهجور.
ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، إذا كان
الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن) لا خلاف أنه هو الخبر. أَنْشَأَ
السَّائِقُ يَحْدُو، يحدو هذا خبر، لماذا؟ لأنه بدون (أن)، هذا ليس
فيه خلاف بين النحاة لا بصريين ولا غيرهم.
ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، أما
المقرون بها وقع فيه خلاف، يعني: عسى زيد أن يقوم، أن يقوم هل هو
خبر أم لا؟ هذا محل نزاع.
أما المقرون بها فزعم الكوفيون أنه بدل من
الأول بدل المصدر. عسى زيد أن يقوم، أن يقوم هذا (أن) وما دخلت
عليه في تأويل مصدر وهو القيام، قالوا: القيامُ بالرفع ليس بالنصب،
بدل من الأول الذي هو زيد، لأن المعنى: عسى قيام زيد، وحينئذٍ صار
بدلاً، وبدل المرفوع مرفوع. مرجوح القول هذا.
إلى أنه بدل من الأول بدل المصدر، فالمعنى في كاد أو عسى زيد أن
يقوم، إذا كان كاد قرب قيام زيد، قرب هذا كاد قيام زيد، لماذا قلنا
قيام زيد؟ قالوا: لأن أن يقوم هذا في محل رفع، لأنه مصدر وهو
مرفوع، والمراد به أنه بدل مما قبله وهو زيد، كيف نفسر المعنى؟
نقدم الخبر على الاسم ونضيفه إليه، فنقول: قرب قيام زيد، فقُدِّم
الاسم وأُخِّرَ المصدر.
وزعم المبرد أنه مفعول به؛ لأنها في معنى: قارب زيد هذا الفعل، فهو
مفعول به. إذاً ليس بخبر لكان، مثل الخلاف في كان، كان زيد قائماً،
قلنا: قائماً هذا خبر عند البصريين، وأما عند الكوفيين فهو حال،
وعند الفراء شبيه بالحال، إذاً: الخلاف نفسه موجود هنا، لكن قيل:
أنه بدل، وهو مذهب الكوفيين، قدم الاسم على الخبر، حينئذٍ قيل: قرب
قيام زيد، وقيل: أنه مفعول به، وهذا مذهب المبرد.
لأنها في معنى: قارب زيد هذا الفعل، إذاً صار في المعنى وقع عليه
شيء وهو القرب وقع عليه، ففيه معنى المفعولية، ولذلك نصبه على أنه
مفعول به.
وحذراً من الإخبار بالمصدر عن الجثة، وهذا سيأتينا الجواب عنه،
لأنك إذا قلت: عسى زيد أن يقوم فيه محذور، وهو أن زيد مبتدأ في
الأصل، وأن يقوم خبر في الأصل، وحينئذٍ التقدير: زيد قيامٌ، أخبرت
بالمعنى عن اسم الذات، وهذا لا معنى له، وحينئذٍ لا بد من التأويل،
إما أن يقال: ثم مضاف من الاسم بحيث يقربه إلى اسم المعنى فحينئذٍ
يكون أخبر باسم المعنى عن اسم المعنى، وإما أن يكون ثمَّ مضاف في
قيام جثة وحينئذٍ أخبر بالجثة عن الجثة، إما بهذا وإما بهذا،
يأتينا إن شاء الله.
وحذراً من الإخبار بالمصدر عن الجثة، ورد بأن (أن) هنا لا تؤول
بمصدر، هكذا قال السيوطي لكن قوله ضعيف، رد قوله: بأن (أن) هنا لا
تؤول بمصدر، والصواب أنها تؤول بمصدر، وإنما جيء بها لتدل على أن
في الفعل تراخياً، وقيل: أن موضعه نصب بإسقاط حرف الجر؛ لأنه يسقط
كثيراً مع (أن). عسى زيد بأن يقوم، نقول: هذا ضعيف أيضاً.
وعند ابن مالك أن موضعه رفع، و (أن) والفعل بدل من المرفوع سد مسد
الجزأين، وهذا سيأتي في عسى التامة هناك.
كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ
لِهَذَيْنِ خَبَرْ
إذاً: انفردت هذه الأفعال بالتزام كون خبرها مضارعاً. انفردت هذه
الأفعال عن باب كان وإن كانت في الأصل ملحقة بها، نقول: انفردت
بالتزام كون خبرها فعلاً مضارعاً، ثم هو على ثلاثة أقسام في
الجملة:
الأول: ما يجب تجرده من (أن)، يعني: لا
يجوز إدخال (أن) المصدرية عليه، لا يجوز. نقول: هذا نوع وهو أفعال
الشروع، لأنها للأخذ بالفعل، فخبرها في المعنى حال، و (أن) تخلص
للاستقبال. أنشأ زيد يحدو، يحدو يعني: شرع في الحداء، فإذا قلت:
أنشأ زيد أن يحدو، (أن) هذه تصير الفعل الماضي من الحال إلى
الاستقبال، كيف تقول: أَنْشَأَ يعني بدأ بالفعل، ثم تقول: أن
يَحْدُو في المستقبل، أليست (أن) مثل السين وسوف؟ أليست (أن) من
المخلصات بدلالة الفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال؟ السين وسوف
مثلها، سوف يصلي، سيصلي، أن يصلي في المستقبل ليس في الحال، أنشأ
تدل على الحال، و (أن) تدل على الاستقبال فتنافيا، إذاً: يمتنع
دخول (أن) المصدرية على أفعال الشروع.
الثاني: ما يجب اقترانه بها وهو أفعال الرجاء، لأن الرجاء من
مخلصات الاستقبال، فنسبه (أن)، الرجاء يكون في المستقبل: أرجو كذا،
عسيت كذا، حينئذٍ ناسبه أن يتصل بخبره (أن) المصدرية، لأنها
للاستقبال، والرجاء إنما يكون في الاستقبال.
الثالث: ما يجوز فيه الوجهان وهو البواقي، وهذه بعضها أكثر من بعض،
يعني لا من جهة الإيجاب ولا من جهة المنع، وإنما يجوز هذا وذاك ثم
قد يقل وقد يكثر، أشار إلى هذا بقوله:
وَكَوْنُهُ بِدُونِ أَنْ بَعْدَ عَسَى ... نَزْرٌ وَكَادَ الأَمْرُ
فِيهِ عُكِسَا
هذا شروع في بيان أقسام الثلاثة.
وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى ... نَزْرٌ
وَكَوْنُهُ: الضمير يعود إلى المضارع الواقع خبراً.
ولَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ.
وَكَوْنُهُ: أي: كون المضارع الذي وقع خبراً بِدُونِ أنْ بَعْدَ
عَسَى نَزْرٌ قليل، حينئذٍ بدون أن قليل، فالأكثر اتصالها به،
إذاً: عسى زيد أن يقوم أكثر من عسى زيد يقوم، مع جواز الثاني.
إذاً من باب الأكثر والأقل في لسان العرب، ولذلك لم ترد في القرآن
إلا بـ (أن).
وَكَوْنُهُ: أي: المضارع الواقع خبراً.
بِدُونِ أنْ: المصدرية.
بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: أي: قليل، كون هذا مبتدأ، خبره: نزر. كون
يطلب اسماً وخبراً، الضمير اسم كون، والخبر محذوف.
وكونه وارداً بدون أن: بدون هذا متعلق بالخبر المحذوف خبر الكون،
وبعد عسى كذلك.
نَزْرٌ: أي: قليل.
وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى
نَزْرٌ: أي: اقتران خبر عسى بـ (أن) كثير، وتجريده من (أن) قليل،
وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من (أن)
إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترناً بـ (أن)، قال الله
تعالى: ((فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ))
[المائدة:52] وكذلك: ((عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ))
[الإسراء:8] عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة، عسى صفة ربكم الرحمة، إما
هذا وإما ذاك. إما أن تقدر في الاسم وإما أن تقدر في الخبر، إما أن
يكون المضاف من الاسم وإما أن يكون المضاف من الخبر، لأن ثم إشكال
-كما ذكرنا- أن (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر والمصدر معنى،
وإذا كان الاسم ذاتاً، حينئذٍ الأصل ألا يخبر باسم المعنى عن اسم
الذات، وحينئذٍ إما أن تقدر في اسم الذات أنه مضاف إلى اسم معنى،
فيتفقان: اسم معنى عن اسم معنى، وإما أن تقدر في الخبر مضافاً هو
اسم ذات، وحينئذٍ صار إخبار باسم الذات عن اسم الذات.
عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة -صاحب رحمة-، صاحب يدل على الذات.
عَسَى صفة ربكم الرحمة، هذا وجه. إذاً: الكلام حينئذٍ يكون على
تقديم مضاف، إما قبل الاسم وإما قبل الخبر.
الوجه الثاني: أن يكون هذا المصدر مؤولاً باسم مشتق، عسى ربكم
رحيماً، رحيم هذا مشتق.
الوجه الثالث: أن الكلام على ظاهره، والمقصود المبالغة، عسى زيد
القيام، لكن هذا الوجه فيه نوع ضعف، والصواب أنه يؤول على الأول
إما بالإضافة وإما بكونه مشتقاً.
إذاً: وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى ... ... نَزْرٌ
يعني الكثير اتصاله بها، والقليل تجرده عنها. فالأعرف في عسى
الإثبات: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا)) [البقرة:216]، ((فَعَسَى
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)) [المائدة:52]، ((فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا)) [محمد:22] وندر
دخول السين في خبر عسى، هذا الأصل، الأصل أن يكون بـ (أل)، لكن ندر
دخول السين في خبر عسى:
عَسَى طَيِّئٌ مِنْ طَيِّىءٍ بَعْدَ هذِهِ ... سَتُطْفِئُ غُلاَّتِ
الكُلَى وَالْجَوانِح
عَسَى: هذا عسى.
طَيِّئٌ: هذا اسمها.
سَتُطْفئُ: السين دخلت في خبر عسى دون (أن)، لكن هذا نادر وضعيف.
وندر إسناد عسى إلى ضمير الشأن، وهذا سيأتي هناك: وجردن عسى أو
ارفع مضمراً.
وحكى غلام ثعلب: عسى زيد قائم، حينئذٍ عسى هنا أعملت في ضمير
الشأن، عسى هو، زيد قائم في محل نصب خبر عسى، وهذا محكي، هذا تجعله
مع دليل الماضي، جعلتُ قَلُوصاً بمعنى: أنه سمع الجملة الاسمية
واقعة موقع الفعل المضارع، وابن عقيل نفاه، والصواب أنه ثابت.
وَكَوْنُهُ: أي الفعل المضارع الواقع خبراً.
وارداً بِدُونِ أنْ المصدرية.
بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: يعني قليل.
وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا: بمعنى أن الكثير خلوها من (أن)،
واليسير -النزر القليل- اتصالها بـ (أن)، عكس عسى.
وَكَادَ: هذا مبتدأ أول.
الأَمْرُ: مبتدأ ثاني.
عُكِسَا: الجملة خبر.
فِيهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: عُكِسَا والألف هذه للإطلاق.
فاقترانه بـ (أن) بعدها قليل، والكثير تجرده عن (أن).
وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا: وَكَادَ
الأَمْرُ يعني: وخبر كاد، ليس كاد نفسها، وخبر كاد على حذف المضاف،
وَكَادَ الأَمْرُ: وخبر كاد الأَمْرُ فِيهِ: على هذا المحذوف
عُكِسَا: عكس فيه، للدلالة على قرب الخبر فكأنه في لحال.
الأعرف في خبر كاد وكرب الحذف، ومنه: ((وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ)) [البقرة:71] جرد في القرآن عن (أن).
((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:35] يُضِيءُ جرد عن (أن).
قال: ومن وروده بدون أن -يعني: بَعْدَ عَسَى - قول القائل:
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ، أمسيتُ وأمسيتَ.
عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ... يَكُونُ وَرَاءَهُ
فَرَجٌ قَرِيبُ
يَكُونُ جاء بدون (أن)، هل نقول هذا شاذ أم أنه لغة؟ لغة، نحن
نقول: اتصال (أن) بخبر عسى وهو فعل مضارع الأصل الجواز، ثم أيهما
الأكثر: التجرد أم الاتصال؟
الاتصال أكثر، حينئذٍ خلوها عن (أن) في بعض الأحوال لا نقول: إنه
شاذ، بل نقول: إنه لغة، ليس الأمر في غير المضارع كما هو الشأن في
الاسم المفرد والجملة الاسمية ونحوها لا، بل هو لغة، ولذلك قال:
نَزْرٌ، يعني: قليل. ولم أقف على أحد أنه صرح بأنه شاذ، وإنما
يعبرون بالقلة ويوردون الكثير من الأمثلة.
قال: عَسَى الْكَرْبُ يَكُونُ، الْكَرْبُ هذا اسم عسى، ويَكُونُ:
هذا خبر عسى بدون (أن).
وقوله: عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ إِنهُ
جاء خبر عسى هنا بدون (أن).
وأما كاد فذكر المصنف أنها عكس عسى، فيكون الكثير في خبرها أن
يتجرد من (أن)، ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نص عليه
الأندلسيون من أن اقتران خبرها بـ (أن) مخصوص بالشعر، فمن تجريده
من (أن) قوله تعالى: ((فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ))
[البقرة:71]، وهذا كثير، بل هو الأصل.
((مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ))
[التوبة:117] تَزِيغُ: بالتاء عند ابن عقيل.
ومن اقترانه بـ (أن) قوله صلى الله عليه وسلم: {ما كدتُ أن أصلّي
العصر حتّى كادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبُ} إذاً اتصلت هنا.
كَادَتِ النَّفْسُ أَنْ تَفِيضَ عَلَيْهِ ... إِذْ غَدَا حَشْوَ
رَيْطَةٍ وَبُرُودِ
إذاً: الأصل في خبر عسى أن تتصل به (أن)، ويقل تجردها عنهن كاد
العكس، الأصل في خبرها أن يتجرد من (أن) المصدرية، وقد تتصل به.
وَكَعَسَى حَرَى ولَكِنْ جُعِلاَ ... خَبَرُهَا حَتمَاً بِأَنْ
مُتَّصِلاَ
وَكَعَسَى حَرَى: حرى كعسى، في المعنى ودخول (أن) عليها أم الأول
فحسب؟
في المعنى فحسب، وأما في حكم دخول (أن) عليها فهو مخالف.
إذاً قوله: وَكَعَسَى حَرَى كقوله: كَكَانَ كَادَ، ليس على إطلاق
التشبيه مطلقاً من كل وجه، بل من بعض الوجوه، والمراد هنا التشبيه
في المعنى. إذاً حرى تأتي بمعنى عسى في الرجاء، كل منهما للرجاء
فهو فعل رجاء كما أن عسى فعل رجاء، وأما باعتبار (أن) ودخولها على
المضارع فهذا يختلف.
وَكَعَسَى: هذا خبر مقدم.
حَرَى: بالحاء المهملة، زادها ابن مالك. كقوله: فحَرَى أَنْ يَكونَ
ذَاكَ وكانا
قال أبو حيان: والمحفوظ أن حرى اسم منون لا يثنى ولا يجمع.
قال ثعلب: أنت حري من ذلك أي: خليق وحقيق.
قال ابن قاسم: ولكن ابن مالك ثقة. يعني كأن
مراده أن ابن مالك زاد هذه من عنده من كيسه، لكن قال ابن القاسم:
ابن مالك ثقة، وابن مالك معروف في تتبع الغريب، إذا قال: هذا غريب
أو شيء في لسان العرب فهو هو.
وَكَعَسَى حَرَى: إذاً حرى كعسى، حَرَى هذه مبتدأ مؤخر قصد لفظه،
وَكَعَسَى: هذا خبر مقدم، أي: في العمل والدلالة على الرجعة.
إذاً في أمرين، ولَكِنْ جُعِلاَ ... خَبَرُهَا حَتماً بِأَنْ
مُتَّصِلاً، يعني: يجب اقتران خبر حرى بـ (أن)، ولا يجوز انفصالها
إلا في شذوذ بخلاف عسى، عسى يجوز الانفصال وعدم الاتصال، وأما حرى
لا.
ولَكِنْ جُعِلاَ يعني: اختصت حرى بحكم وهو أنه جُعل خَبَرُهَا
حَتماً وجوباً -هذا حاله من الضمير المستتر- في مُتَّصِلاً،
خَبَرُهَا مُتَّصِلاً حَتماً بِأَنْ: بِأَنْ هذا جار ومجرور متعلق
بقوله: مُتَّصِلاً.
وجُعِلاَ: هذه الألف للإطلاق، وخَبَرُهَا: نائب فاعل وهو مفعول
أول، ومُتَّصِلاً: هذا مفعول ثاني.
وحَتماً: هذا حال من الضمير المستتر في متصلاً، وهذا أولى من جعله
مفعولاً مطلقاً-.
إذاً: ولَكِنْ جُعِلاَ: الألف للإطلاق خَبَرُهَا حَتماً بِأَنْ
مُتَّصِلاً: فلم يجرد عنها لا في شعر ولا في غيره، وإنما وجب
اتصالها به، فيقال: حرى زيد أن يقوم، ولا يجوز: حرى زيد يقوم بدون
(أن) هذا نقول: شاذ، إن ورد يحفظ ولا يقاس عليه.
إذاً: مراده بهذا البيت أن حرى وإن كانت بمعنى عسى في المعنى
والعمل فهي مخالفة لها في الاستعمال بلزوم خبرها (أن).
وَأَلْزَمُوا اخْلَوْلَقَ أَنْ مِثْلَ حَرَى
وهنا لم يقل: اخلولق كعسى، مع أنها مثلها في المعنى.
أفعال الرجاء هنا ثلاثة: عسى وحرى واخلولق، كلها تستعمل بمعنى
رجوت.
وَأَلْزَمُوا: يعني العرب خبر اخْلَوْلَقَ، هذا مفعول أول.
أَنْ: هذا مفعول ثاني، لكونها مثل حرى في الترجي، فحينئذٍ لا يجوز
خلو خبر حرى من (أن)، وكذلك لا يجوز خلو خبر اخلولق من (أن)، فلا
بد من الاتصال، ولذلك قالوا: اخلولقت السماء أن تمطر، لا يجوز:
اخلولقت السماء تمطر بدون (أن)، هذا لا يجوز عندهم، والحجة السماع،
لم يسمع خلوها من (أن) حينئذٍ نقول: السماع هو الحجة.
يعني: أن اخلولق لا يستعمل خبرها إلا مقروناً بـ (أن) فهي إذاً مثل
حرى، إلا أنه لم ينبه على أنها شبيهة في المعنى بعسى كما نبه على
حرى.
وَأَلْزَمُوا: هذا فعل ماضي، والواو فاعل، ألزم: فعل ماضي، والواو
ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وَأَلْزَمُوا: يعني: العرب.
اخْلَوْلَقَ: أيضاً على تقدير مضاف، خبر اخْلَوْلَقَ، لا بد من
التقدير، ليس اخْلَوْلَقَ نفسه، وإنما خبر اخْلَوْلَقَ.
أَنْ: هذا مفعول ثاني.
لكونها مِثْلَ: هذا حال من المفعول الأول اخْلَوْلَقَ، حال كونه
مثل حرى في الترجي.
وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا أَنْ نَزُرَا
أَوْشَكَ: هذه من أفعال المقاربة، مثل: كاد.
وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا أَنْ نَزُرَا
انْتِفَاءُ: قصره هو للضرورة، هذا مبتدأ، ونَزُرَا هذا خبره.
انْتِفَا أَنْ: مضاف ومضاف إليه، وهو مبتدأ.**.
انْتِفَا أَنْ نَزُرَا: أي: قل بَعْدَ
أَوْشَكَ: انتفاء (أن) نزرا بعد أوشك، يعني: بعد أوشك يأتي خبرها،
انتفاء (أن) وعدم (أن) دخولها قليل، فالكثير حينئذٍ يكون اتصالها
بـ (أن).
وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا: انْتِفَا هذا نقول: مبتدأ.
أَنْ: مضاف إليه.
نَزُرَا: يعني من خبرها. يعني: أن خلو خبر أوشك من (أن) قليل، فهي
في ذلك حسب الاستعمال لا في المعنى، فإن عسى للرجاء وأوشك
للمقاربة. إذاً الأعرف هنا الإثبات، الأعرف المشهور في لسان العرب
هو إثبات أن مع خبر أوشك، لأنها موضوعة للإسراع المفضي إلى القرب
بخلاف كاد وقرب، -بالقرب-، فلهذا اختصت عنها بغلبة الاقتران بها.
وندر دخول الباء في خبر أوشك، قال:
أَعَاذِلَ تُوشِكِينَ بِأَن تَرَينِي
بِأَن تَرَينِي هذا قليل، لكنه يحفظ ولا يقاس عليه.
إذاً: حرى مثل عسى في الدلالة على الرجاء، لكن يجب اقتران خبرها بـ
(أن) نحو: حرى زيد أن يقوم ولم يجرد خبرها من (أن) لا في الشعر ولا
في غيره، وكذلك اخلولق تلزم (أن) خبرها نحو: اخلولقت السماء أن
تمطر، وهو من أمثلة سيبيويه.
وأما أوشك فالكثير اقتران خبرها بـ (أن) ويقل حذفها منه، ومن
اقترانه بها قوله:
وَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ التُّرابَ لأَوْشَكُوا ... إِذا قِيلَ
هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمْنَعُوا
إذاً: أنْ يَمَلُّوا وهذا كثير.
لأَوْشَكُوا: انظر، استعمله ماضياً، وسيأتي خلاف فيه.
إذاً: صرح به كونه ماضي، وبعضهم أنكره، قال: بل المسموع فيه يوشك
بصيغة المضارع، والصواب أنه سمع فيه ذاك وذاك.
ومن تجرده منها:
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ ... فِي بَعْضِ غِرَّاتِهِ
يُوَافِقُهَا
مَنْ هذا اسم يوشك، يُوَافِقُهَا بدون (أن) هذا الخبر، نقول: هذا
قليل.
وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا
وَمِثْلُ كَادَ: كرب مثل كاد، كَرَبَا الألف للإطلاق.
كَرَبَا: بفتح الراء، ونقل كسرها والفتح أفصح: كَرَبَا كرِبا أما
كرُبا لا، كَرَبَا هذا الأفصح، ويجوز فيه لغة كسر الراء والألف هذه
للإطلاق.
كَرَبَا مثل كادا: هذا خبر مقدم، يعني: أنها للمقاربة من جهة
المعنى، وفي أنَّ الكثير تجردها من (أن)، يعني: أن إثبات (أن)
بعدها قليل، والكثير التجرد، ولم يذكر سيبويه غيره، ولكن خالفه
الناظم قال: فِي الأصَحِّ. سيبويه لم يذكر إلا التجرد، لم يذكر
اتصال (أن) بالفعل المضارع، وإذا لم يثبته سيبويه حينئذٍ لا نثبته،
لكن خالفه الناظم قال: فِي الأصَحِّ، على طريقة ابن عقيل: إذَا
قَالَتْ حَذَامِ .. لا نثبته، وأما على جهة البحث والنظر حينئذٍ
قال المصنف: في الأصح -خلافاً لسيبويه-.
إذاً: يجوز اتصال (أن) بخبر كرب، وإن كان الكثير الغالب هو التجرد،
ولذلك قد يقال: بأن
سيبويه لم يطلع عليه، والكثير التجرد لا، الذي لم يطلع عليه
الاتصال.
في الأصح يعني: في القول الأصح مقابله شيئان: مقتضى كلام سيبويه،
حيث لم يذكر فيها إلا التجرد، لم يسمع اتصال (أن) بخبر كربا، ومذهب
ابن الحاجب حيث جعلها من أفعال الشروع، وهي من أفعال المقاربة.
قال: لم يذكر سيبويه في كربا إلا تجرد
خبرها من (أن)، وزعم المصنف أن الأصح خلافه. -زعم- وهو أنها مثل
كاد، فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من (أن)، ويقل اقترانه بها،
فمن تجريده:
كَرَبَ الْقَلْبُ مِنْ جَواهُ يَذوبُ ... حينَ قَالَ الْوُشاةُ
هِنْدٌ غَضُوبُ
يَذوبُ: هذا خبر كرب، ولم يتصل بـ (أن)، وهكذا حكاه سيبويه. وسمع
من اقترانه بها:
سَقاها ذَوُو الأَحلامِ سَجْلاً على الظَّما ... وقَدْ كَرَبت
أَعناقُها أَنْ تَقَطَّعَا
أَنْ تَقَطَّعا، (أن) دخلت على خبر كربا، إذاً لماذا يقول: زعم
المصنف؟ ما دام أنه ثابت يبقى على الأصل.
إذاً: وَمِثْلُ كَادَ فِي الأَصَحِّ كَرَبَا
قال: والمشهور في كربا فتح الراء ونقل كسرها أيضاً.
وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا
إذاً: كَرَبَا مثل كاد في المعنى والعمل وفي دخول (أن) عليها؛ لأن
الأكثر هناك في باب كاد تجرد الخبر من (أن)، ويقل دخول (أن) على
خبر كاد، مثلها كربا.
وَتَرْكُ أَنْ مَعْ ذِيْ الشُّرُوعِ وَجَبَا
تَرْكُ أَنْ وَجَبَا.
وَتَرْكُ: مبتدأ.
وَجَبَا: الألف للإطلاق.
تَرْكُ أنْ: يعني: ترك إدخال واتصال (أن) مَعْ ذِيْ، مع ما دل على
الشروع في الفعل، يعني أفعال الشروع وَجَبَا، فهو واجب لما بينهما
من المنافاة؛ لأن أفعال الشروع للحال و (أن) للاستقبال.
كَأَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو وَطَفِقْ ... كَذَا جَعَلْتُ
وَأَخَذْتُ وَعَلِقْ
مثَّل لأفعال الشروع، ما هي؟ قال:
كَأَنْشَأَ: الكاف تدل على التمثيل لا على الاستيعاب، لأنه زاد هو
نفسه في غير هذا الكتاب: هب وقام، فدل على أن الكاف هنا للتمثيل
وليست للاستقصاء.
كَأَنْشَأَ: يعني كقولك: أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو، أنشأ
السَّائِقُ الذي يسوق الإبل يَحْدُو يغني للإبل ينشد. حينئذٍ نقول:
يَحْدُو: هذا فعل مضارع وقع خبراً لفعل الشروع أنشأ، هل يجوز اتصال
(أن) به؟ نقول: لا. لماذا؟ لأن أنشأ تدل على أنه بدأ وشرع، و (أن)
تدل على الاستقبال، حينئذٍ تنافيا فامتنع دخول (أن) على خبر أنشأ.
وَطَفِقْ: طفق زيد يعدو، طفِق بكسر الفاء، وفتحها طفَق، وهو من باب
ضرب يضرب وعلم يعلم، يجوز فيه الوجهان، حكاه الجوهري وغيرهم.
طفِق يطفَق، علِم يعلَم، وطفَق يطفِق ضرَب يضرِب فيه وجهان. وكذلك
طبق بالباء بكسرها، لغة فيها طفق بالفاء أو بالباء، فاء باء
متجاوران.
طفق زيد يعدو، يعني: بدأ شرع نفسه .. طفق لا يلتبس هي مثل أنشأ
ومثل شرع.
كَذَا جَعَلْتُ: أتكلم، وَأَخَذْتُ: أقرأ، وَعَلِقَ: زيد يسمع.
فهذه الأفعال كلها نقول للشروع، يجب ترك (أن) مع أخبارها، فلا يجوز
اتصالها بها لما بينهما من المنافاة.
إذاً: وَتَرْكُ (أَنْ): تَرْكُ هذا مبتدأ وهو مضاف و (أن) مضاف
إليه قصد لفظه.
مَعْ ذِي الشُّرُوعِ: مَعْ ذِي يعني: صاحب، المراد به الفعل أو ما
دل على الشروع في الفعل، يعني: أفعال الشروع.
وَجَبَا: الألف هذه للإطلاق.
إذاً: تحصل عندنا من كلام المصنف أن خبر أفعال هذا الباب بالنسبة
لاقترانه بـ (أن) وتجرده منها أربعة أقسام على التفصيل، هناك
ذكرناها إجمالاً، وهنا أربعة أقسام على التفصيل.
الأول: ما يجب اقترانه وهو حرى واخلولق، ما
يجب اقترانه ولا يجوز انفكاكه وهو حَرَى واخلَوْلَقَ.
الثاني: ما يجب تجرده ولا يجوز اتصاله، وهو أفعال الشروع.
ثالثاً: ما يغلب اقترانه، يجوز الوجهان. قلنا: ذاك القسم الثالث
تحته أمران: ما يغلب اقترانه وهو عسى وأوشك.
الرابع: عكسه، ما يغلب تجرده وهو كاد وكربا. هذا التقسيم يريحك من
الأبيات.
ثم قال:
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعَاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ
وَزَادُوا مُوشِكَا
قبل ذلك مسائل.
إذاً عرفنا الآن أن هذا الباب - أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة - على
ثلاثة أنواع: منه ما دل على الرجاء، ومنه ما دل على الشروع، ومنه
ما دل على المقاربة، وأنها تدخل على المبتدئ والخبر فترفع المبتدأ
وتنصب الخبر إلا أن نصب الخبر يكون محلاً، وأن هذا الباب خالف باب
كان وإن كان فرعاً عنه وملحقاً به في كونه التزم أن يكون خبره
فعلاً مضارعاً، يعني: جملة مضارعية.
ثم هل يشترط في دخول (أن) عليه دون بعضها أو يغلب أو يكثر؟ ما
ذكرناه سابقاً.
يبقى مسائل:
الأولى: أنه لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، كَكَانَ كَادَ
ليس مطلقاً، هناك يجوز، قائماً كان زيد هنا لا يجوز، أن يفعل عسى
زيد لا يصح وإن كان هو فرعاً عنه.
لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، فلا يقال: أن يقوم عسى زيد
اتفاقاً، لا خلاف فيه أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على الفعل،
ويتوسط بين الفعل والاسم إذا لم يقترن بـ (أن) اتفاقاً، عسى زيد
يقوم، عسى يقوم زيد، يجوز أن يتوسط الخبر بين الفعل والاسم، لكن
بشرط: ألا يقترن بـ (أن)، وهذا أيضاً اتفاقاً محل وفاق. كالمسألة
الأولى.
ولذلك يقال: طفق يصليان الزيدان، أصلها: طفق الزيدان يصليان، جاز
تقدم الخبر على الاسم دون الفعل.
قال ابن مالك: والسبب في ذلك –التعليل- لماذا جاز أن يتقدم على
الاسم دون الفعل إذا كان خالياً من (أن)، ولا يجوز أن يتقدم على
الفعل نفسه مع كون الباب ملحقاً بباب كان؟
قال ابن مالك: والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها،
وهذا بيناه؛ لأن الأصل أن يكون جملة فعلية واسمية وظرفاً وجاراً
ومجروراً .. إلى آخره. خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالاً، فلو قدمت
لازدادت مخالفتها الأصل، وإذا ازدادت حينئذٍ صار العمل وإلحاق كاد
بـ (كان) في العمل، فيه نظر؛ لأنه كلما بعدت المشابهة بعُد العمل،
وكلما قربت المشابهة قرُب العمل، لأننا ما ألحقنا هذا بذاك إلا من
أجل المشابهة، وحينئذٍ كلما وقعت المخالفة للباب السابق وكثرت
المخالفة الأصل فيه أنه لا يلحق به، وحينئذٍ لا بد من المحافظة على
المشابهة. فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل.
وأيضاً: فإنها أفعال ضعيفة، كاد ونحوها أفعال ضعيفة، دائماً الذي
يكون فرعاً ضعيف، الذي يكون فرعاً في باب النحو في العمل دائماً
يكون ضعيف ولو كثر إعماله، ولذلك أدنى مخالفة للتقديم والتأخير
حينئذٍ نقول: هذا مفسد للعمل، كما هو الشأن في (ما النافية ولا
وإن) ولذلك -وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي -نقول
هنا: اشترط الترتيب لماذا؟ لكون (إن) الأصل فيها عدم العمل،
وحينئذٍ لا تعمل إلا بشرط الترتيب.
وأيضاً: فإنها أفعال ضعيفة لا تتصرف، فلها
حال ضعف ولها حال قوة. لها حالان: حال ضعف وحال قوة، حال ضعف
بالنسبة للأفعال الكاملة التصرف، فلم تتقدم أخبارها لتفضلها كان
وأخواتها؛ لأنها إذا تقدمت أخبارها على الأفعال ساوت كاد، ونحن
نريد أن تكون أدنى من كان، فحينئذٍ نمنع التصرف فيها بحيث لا تفضل
كان وتساويها من كل وجه، بل لا بد أن تكون قاصرة. هكذا قال.
وحال قوة بالنسبة للحروف، فأجيز توسطها تفضيلاً لها على (إن
وأخواتها).
إذاً: منع تقدم الخبر على كاد من أجل ألا تساوي كان، فتصير كان
أعلى منها فاضلة عليها وهي مفضولة، وجاز توسط الخبر بين الاسم وكاد
من أجل أن تكون غالبة لباب (إن)؛ لأنه لا يجوز التقديم والتأخير
هناك. هكذا قال رحمه الله. هذا أولاً.
فإن اقترن بـ (أن) ففي التوسط قولان. إذاً قلنا: لا يجوز أن يتقدم
الخبر على الفعل نفسه، أن يقوم عسى زيد: باطل. هل يجوز التوسط؟
قلنا: إذا لم يكن متصلاً بـ (أن) جائز اتفاقاً، طفق يصليان
الزيدان، إن اتصل بـ (أن) هل يجوز أن يتوسط؟ فيه قولان: المنع
والجواز، هذا متى؟ إذا اتصل بـ (أن)، هل يجوز توسطه بين الفعل
والاسم؟ فيه قولان:
الأول: الجواز كغيره.
والثاني: المنع.
المسألة الثانية: يجوز حذف الخبر في هذا الباب إذا علم، ومنه:
((فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ)) [ص:33] أي: يمسح
مسحاً، لدلالة المصدر عليه.
ثالثاً: يتعين في هذا الباب أن يعود منه ضمير إلى الاسم، يعني شرط
الفعل الذي يكون مضارعاً وهو خبر، شرطه: أن يكون رافعاً لضمير
الاسم، يعني: الضمير عائد على الاسم.
عسى زيد أن يقوم، يقوم هذا هو الفعل المضارع، رفع ماذا؟ لا بد من
فاعل، ما فاعله؟ ضمير مستتر. أين مرجعه؟ الاسم؛ لأنه هو المحل الذي
اتصف بالخيار. إذاً: يتعين في هذا الباب أن يعود منه ضمير إلى
الاسم، فلا يجوز رفعه الظاهر لا أجنبياً ولا سببياً. يعني لو رفع
اسماً ظاهراً أجنبياً أو سببياً بمعنى أنه أضيف إلى ضمير يعود إلى
الاسم، قالوا: هذا لا يجوز، ممنوع. فلا يقال: طفق زيد يتحدث أخوه،
طفق زيد يتحدث، يتحدث هو يعني زيد، لو رفع اسماً ظاهراً مضاف إلى
ضمير يعود إلى زيد: يتحدث أخوه، قالوا: لا يجوز هذا.
ولا أنشأ عمرو ينشد ابنه، يعني: يبحث عن ابنه. لأنه إنما جاءت لتدل
على أن فاعلها تلبس بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره، يعني: إنما جيء
بالفعل هنا ليدل على أن فاعل -في المعنى- فاعل هذه الأفعال قد تلبس
بالفعل، فإذا أسندته لغيره ما الفائدة منه؟ عندما نقول: كاد تدل
على قرب الخبر إلى الاسم، إذا جعلت الفعل الذي الأصل فيه أن يكون
للاسم جعلته لغيره، ما الفائدة من المجيء بالأفعال؟ لا فائدة منها،
حينئذٍ يجب أن نقول: بأنه لا يصح إعمالها هذا الإعمال إلا بشرط أن
يكون الفعل المضارع رافعاً لضمير مستتر يعود على الاسم، فإن رفع
ظاهراً حينئذٍ انفك، طفق زيد يتحدث أخوه، الأصل أن التحدث يكون
لزيد، هذا أصل الجملة، وما جيء بالفعل إلا من أجل هذا، وأنت الآن
فصلته ورفعت به ظاهراً فجعلته وصفاً له، إذاً حصل انفكاك في الجملة
وهذا باطل.
لأنها إنما جاءت لتدل على أن فاعلها تلبس
بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره، ويستثنى عسى فقط؛ فإن خبرها يرفع
السبب، كقوله:
وَمَاذا عَسَى الحَجَّاجُ يَبْلغُ جُهْدُهُ -على رواية الرفع-،
يَبْلغُ جُهْدُهُ، هكذا قال الأشموني وصاحب التوضيح.
الرابع: حق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة، أو مقارناً لها كما
في باب كان، وقد يرد نكرة محضة، كقوله: عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ
اللهُ، عَسَى فَرَجٌ.
إذاً: الأصل في هذا الباب أن يكون الاسم معرفة، لأنه في الأصل -أصل
كان- مبتدأ، تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا، إذاً الأصل أن يكون
معرفة، أو يكون مقارناً لها، بمعنى: أنه نكرة لكنها قريبة من
المعرفة.
ثم قال رحمه الله:
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ
وَزَادُوا مُوشِكَا
أراد أن يبين لنا أن الأصل في هذه الأفعال أنها جامدة لا تتصرف،
وتلزم صيغة واحدة وهي الماضي، هذا الأصل فيها. ثم بعضهم سمع
مضارعاً لهذا وبعضهم؟؟؟ الخ، كلها ليست على السنن المطرد، وإنما هي
مسموعات لبعضهم.
أفعال هذا الباب جامدة لا تتصرف ملازمة للفظ الماضي، لماذا؟ قيل:
لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت من بابها وهو التصرف، لما
أريد بها أنها للمبالغة في القرب: كاد زيد يموت، قرب منه الموت
جداً للمبالغة، إذاً: التزمت الفعل الماضي ولا تتصرف.
أخرجت عن بابها وهو التصرف، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة، كنعم
وبئس وفعل التعجب، وقيل: بالاستغناء بلزوم المضارع خبرها، فلم
يبنوا منها مستقبلاً.
لما اشترطوا في خبرها أن يكون فعلاً مضارعاً قالوا: اكتفوا بالماضي
عن المضارع في نفسها في ذاتها، لكونهم اشترطوا الخبر أن يكون
مضارعاً. كاد زيد يموت، لماذا كاد لا يأتي منه المضارع؟ هو يأتي
لكن مثال، لماذا؟ قال: لأنهم اكتفوا بـ يموت، يموت هذا خبر كاد،
فلما اشترطوا الفعل المضارع استغنوا به عن صيغتها في نفسها فلم
يأتوا به على المضارع.
وَاسْتَعْمَلُوا: أي: العرب، هنا ما نقول النحاة؛ لأن الاستعمال
هنا استعمال العرب، وهو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى. وبعضهم يجعله
مرادفاً للموضوع، ولذلك يُجعل اللفظ قسمين: الأول: مهمل. والثاني:
مستعمل. وبعضهم يقول: لا، الصواب مهمل وموضوع، ثم الموضوع نوعان:
مستعمل وغير مستعمل. هكذا أورده على حاشية مجيب النداء.
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً: يعني العرب فعلاً مضارعاً: هذا مفعول
به.
لأَوْشَكَا: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ
لاَ غَيْرُ
إذاً: لم يسمع في لسان العرب مضارع لهذه الأفعال إلا فعلين فقط،
وهما: أوشك وهذا فعل ماضي، وكاد وهو فعل ماضي.
لا غَيْرُ: أي: دون غيرهما من أفعال الباب، فإنه ملازم لصيغة
الماضي.
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا: وهو أكثر استعمالاً من
ماضيها. يعني: باب يوشك، يوشك: نقول: هذا فعل مضارع لأَوْشَكَا،
إذاً: أوشك فعل ماضي مضارعه يوشك، أيهما أكثر استعمالاً؟ المضارع،
المضارع أكثر استعمالاً من ماضيها، حتى زعم الأصمعي أنه لا يستعمل
ماضيها، كأنه لم يطلع على الماضي مع كونه لأَوْشَكَا كما سبق
بيانه.
وَكَادَ لاَ غَيْرُ
وَكَادَ: ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ))
[النور:35] يَكَادُ: هذا فعل مضارع جاء في القرآن، وحينئذٍ هو
كثير.
ولأَوْشَكَا: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتهِ.
وَزَادُوا مُوشِكَا: يعني زادوا العرب في الاستعمال لأَوْشَكَا
-اسم فاعل-، فقالوا: موشكاً، أوشك يوشك فهو موشك.
ظاهر كلام الناظم هنا أن المضارع في هذه الأفعال مقصور على أوشك
وكاد، يوشك ويكاد فقط، وأنه لم يسمع اسم الفاعل إلا لأوشك فقالوا:
موشك. وقال ابن هشام في التوضيح: أربعة ألفاظ استعمل لها مضارع.
أربعة ألفاظ في هذا التركيب هنا الباب استعمل لها مضارع: كاد،
وعرفنا المثال: ((يَكَادُ زَيْتُهَا)) [النور:35]. وَأَوْشَكَا،
وعرفنا المثال: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتهِ. وَطَفِقْ، حكى
الأخفش: طفَق يطفِق كضرَب يضرِب، وطفِق يطفَق كعلِم يعلَم.
والرابع: جعل.
إذاً: طفَق يطفِق وطفِق يطفَق، سمع هذا وسمع ذاك بالوجهين.
وجعل، كذلك يجعل، حكى الكسائي: "إِنَّ البَعيرَ لَيَهْرَمُ حَتَّى
يجْعَلَ إِذَا شَرِبَ الماءَ مَجَّه".
إن البعير ليهرم حتى يجعلُ –بالضم-، حتى يجعلُ، حتى هنا ابتدائية.
حَتَّى يجْعَلَ إِذَا شَرِبَ الماءَ مَجَّه، وحينئذٍ أربعة ألفاظ
سمع لها سمع لها مضارع.
إذاً: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ
غَيْرُ
هذا فيه نظر، يزاد عليه: طفِق يطفَق ويطفِق، ويزاد عليه: جعل يجعل.
وأما قوله: وَزَادُوا مُوشِكَا فحسب دون غيره، قال ابن هشام:
استعمل اسم فاعل لثلاثة. الذي حكي ما عليه عند النحاة ثلاثة: كاد
وكرب وأوشك، أوشك عرفنا:
فَمُوشِكَةٌ أَرْضُنَا أَنْ تَعُودَ ... خِلاَ فَ الأَنِيسِ
وَحُوشاً يَبَابَا
فَإِنَّكَ مُوشِكٌ أَلاَّ تَرَاهَا، نقول: فَإِنَّكَ مُوشِكٌ هذا
اسم فاعل.
وأما كاد فقيل: ورد في الشعر:
أَمُوتُ أَسىً يَوْمَ الرَّجَامِ وَإنَّني ... يَقِينَاً لَرَهنٌ
بِالَّذي أَنَا كَائِدُ
وَكَائِدَ هذا اسم فاعل من كاد يكيد فهو كائد. وكذلك سمع كرب:
أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ كَارِبُ يَوْمِهِ ... فَإِذَا دُعِيْتَ
إِلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلِ
والصواب في هذين البيتين: أن كائد الصواب فيه كابد، كابد اسم فاعل
من المكابدة، غير جار على فعله إذ القياس مكابد، فليس هو كائد،
وإنما الرواية الصحيحة: كابد بالباء. إذاً لم يسمع لكاد اسم فاعل.
وكذلك قوله: أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ كَارِبُ، نقول: الثاني هذا
اسم فاعل من كرب التامة وليست الناقصة، نحو قولهم: "كَرَبَ
الشتاءُ"، أي: قرب، كما جزم به الجوهري وغيره.
وحكى عبد القاهر الجرجاني المضارع واسم الفاعل من عسى، فقال: عسى
يعسي عاسٍ، عاسٍ اسم فاعل.
وحكى أبو حيان الأمر وأفعل التفضيل من أوشك، وحكي اسم الفاعل من
كرب كما ذكرناه، وحكى الجوهري مضارع طفِق، وكذلك الكسائي مضارع
جعل. إذاً: سمعت كلمات لكنها ليست بالكثيرة.
وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ
وَزَادُوا مُوشِكَا
ثم قال رحمه الله:
بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ
يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
هذا المراد به أن هذه الأفعال منها ما هو
تام ومنها ما هو ناقص، هذا مراده على قول الجمهور، منها ما هو تام
وهو الذي يكتفي بمرفوعه، وما هو ناقص وهو الذي لا يكتفي بمرفوعه بل
لا بد من منصوب:
....................................
وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ .................... ... وَذُو تَمَامٍ مَا
بِرَفْعٍ يَكْتَفِى
.....................................
التعريف هو نفسه هنا، لأن هذا الباب فرع عن ذاك.
قال: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أوْشَكْ
أوْشَكْ: أوشك بالإسكان للوزن.
بَعْدَ عَسَى: هذا متعلق بقوله: يَرِدْ.
اخْلَوْلَقَ: على إسقاط حرف العطف: واخلولق.
أوْشَكْ: أي: وأوشك.
وأوْشَكْ قَدْ يَرِدْ: بإسكان الكاف، أصله: أوشكَ.
غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ: أي يستغني بِأَنْ يَفْعَلَ -الذي هو الخبر-
أن يفعل يستغنى به عَنْ ثَانٍ: يعني عن ثانٍ من معموليها فُقِدْ،
عن ثان مفقود، ما هو الثاني من معموليها؟ الخبر، إذاً: يستغنى بـ
(أن) يفعل عن معموليها، وحينئذٍ (أن) يفعل أقيم مقام المعمولين،
وسد مسد المعمولين، أكثر الشراح -شراح الألفية- على أنهم أرادوا أن
الناظم بهذا البيت قسم الأفعال إلى تامة وناقصة، وأنه لم يسمع
التمام إلا في هذه الأفعال فحسب، وهي: عسى واخلولق وأوشك، وليس
الأمر كذلك كما سيأتي.
غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ: يعني: من معموليها.
فُقِدْ: يعني حذف وهو الخبر، ضمير يعود إلى ثانٍ، وحينئذٍ إذا قيل:
عسى أن يقوم، (أن) وما دخلت عليه قلنا: هذا في تأويل مصدر. أين اسم
عسى؟ لم يذكر.
أن يقوم إما أن نقول: بأن عسى هنا اكتفت بمرفوعها عن المنصوب، فهي
تامة، وإما أن نقول: أن عسى هنا اكتفت بـ (أن) يفعل عن معموليها،
يعني: سدت مسد معموليها، وإذا قيل بأنها سدت مسد معموليها فهي
ناقصة ليست بتامة، وهذا هو اختيار الناظم في غير الكتاب وظاهر
كلامه هنا على هذا، وإن جعله البعض أنه محتمل لهما كالصبان وغيره،
وحينئذ: هل مراد الناظم بقوله:
قَدْ يَرِدْ ... ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
هل المراد أن هذه الأفعال خرجت عن النقصان إلى التمام؟ أم أنها
باقية على النقصان و (أن) يفعل سد مسد المعمولين؟
كقوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2]
حَسِبَ: هذه تتعدى إلى مفعولين، النَّاسُ: فاعل.
(أَنْ يُتْرَكُوا) سد مسد المعمولين، هل معنى ذلك أن حسب خرجت عن
أصلها؟ لا، بل هي باقية على إعمالها، هذه مثلها -هذا الظاهر من
كلام الناظم-.
بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ
يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
مذهب الجمهور أنها في هذه الحالة أفعال تامة، اكتفت بمرفوعها وهو
أن يفعل، عن ماذا؟ عن طلبها للخبر، و (أن يفعل) فاعلها ولا خبر
لها.
عسى أن يفعل: عسى فعل ماض.
أن يفعل: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل عسى، فعل وفاعل
مثل: قام زيد، مثل: ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280]،
((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ))
[الروم:17] مثلها، هذا مذهب جمهور النحاة، ولا خبر لها، ومذهب
الناظم أنها ناقصة على أصلها.
وأن يفعل: سد مسد معموليها، كما في قوله
تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2].
الصبان يقول: كلام الناظم محتمل للمذهبين، لكنه صرح في غير هذا
الكتاب أنه اختار أنها ناقصة مطلقاً، ولا يكون في هذا الباب تمام
البتة، وإنما كلها ناقصة، ولكن استثني أن (أن) ويفعل تسد مسد
المعمولين في ثلاثة أفعال فحسب هي التي نص عليها، لذلك: بَعْدَ
عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ .. لا بعد غيرها، قدمه
للحصر. قد يرد بعد عسى، فقدم (بعد) هذا متعلق بقوله: يَرِدْ، إذاً
لا بعد غير هذه الثلاثة، وحينئذٍ لا يكون من باب التمام وإنما هو
من باب النقصان، واكتفي بـ (أن) يفعل عن المعمولين، وتأمل قوله:
((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] تدرك المسألة
من أصلها.
ومعناه على مذهب الجمهور: غنىً بأن يفعل عن أن يكون لها ثان
لتمامها، وعلى مذهب غنىً بأن يفعل عن أول وثان لكن لم يذكر الأول
لظهور إغناء (أن) يفعل عنه لوقوعه في محله بخلاف الثاني، وهذا
تأويل لأن الصبان يعني أراد أن يحمل البيت على المذهبين.
بَعْدَ عَسَى: أي لا بعد غير هذه الثلاثة وكأنه لعدم السماع.
قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ.
قال الشارح: اختصت عسى واخلولق وأوشك بأن تستعمل ناقصة وتامة. فأما
الناقصة فقد سبق ذكرها، وأما التامة فهي المسندة إلى (أن) والفعل،
أن يفعل، عسى أن يفعل، نحو: عسى أن يقوم، واخلولق أن يأتي، وأوشك
أن فعل، فـ (أن) والفعل في موضع رفع فاعل عسى واخْلَوْلَقَ
وأَوْشَكْ، واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها. هذا على القول
بأنها تامة.
وهذا متى -الإعراب هذا التفسير هذا-؟ إذا لم يل الفعل الذي بعد
(أن) اسم ظاهر يصح رفعه به، فإن وليه: عسى أن يقوم زيد، حينئذٍ زيد
إذا جاء في مثل هذا التركيب: عسى أن يقوم زيد، زيد يحتمل أنه فاعل
ليقوم، ويمكن أن نجعله اسماً لعسى، يحتمل هذا ويحتمل ذاك.
فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعاً
بالفعل الذي بعد (أن)، فـ (أن) وما بعدها فاعل لعسى وهي تامة ولا
خبر لها، ليس فيه جديد.
وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ما ذكره الشلوبين،
وتجويز وجه آخر: وهو أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد (أن) مرفوعاً
بعسى اسماً لها، وأن والفعل في موضع نصب بعسى، وتقدم عن الاسم
والفعل الذي بعد (أن) فاعله ضمير يعود على فاعل عسى، وجاز عوده
عليه وإن تأخر لأنه مقدم بالنية.
إذا قلت: عسى أن يقوم زيد، فزيد هذا يحتمل أنه فاعل ليقوم،
والمسألة هي المسألة: عسى أن يقوم، عسى أن يقوم زيد لا إشكال فيه،
حينئذٍ اكتفي بـ (أن) وما دخلت عليه بكونه فاعلاً لعسى، فهي تامة.
وجوَّز المبرد وغيره ما ذهب إليه الشلوبين، ووجهاً آخر: وهو أن
يكون زيد –الظاهر- اسم عسى، وأن يقوم هو الخبر تقدم -توسط بين
الفعل والاسم-. عسى أن يقوم زيد، عسى أن يقوم، أن يقوم: هذا خبر
مقدم، وزيد هذا اسم عسى، وسبق: هل يجوز توسط الخبر إذا كان مقترناً
بـ (أل)؟ قلنا: إذا اقترن بـ (أل) ففيه وجهان: الجواز والمنع، وإذا
خلا من (أل) فالجواز مطلقاً، وحينئذٍ نحتاج إلى التخريج في مثل
هذا.
تظهر الفائدة بين القولين، إذا جعلنا (زيد)
بأنه فاعل ليقوم أو أنه اسم لعسى، ما الفرق بينهما؟ إذا جعلناه
اسماً لعسى حينئذٍ نحتاج إلى ضمير يعود على الاسم كما اشترطناه
سابقاً، لا بد من ضمير يعود من الفعل على اسم عسى، وحينئذٍ إذا
ثني: عسى أن يقوم الزيدان، عسى أن يقوم الزيدون، يصح أو لا يصح؟
على مذهب الشلوبين لا إشكال، وعلى مذهب المبرد وغيره فيه إشكال، لا
بد من أن نضمر في الفعل ما يناسب ذلك الاسم لأننا جعلناه اسماً:
عسى أن يقوما الزيدان، عسى أن يقوموا الزيدون، عسى أن تقوم هند،
لماذا؟ لأن الذي تلا الفعل ليس فاعلاً له بل هو اسم عسى، كأنه قال:
عسى زيد أن يقوم بالإفراد، عسى الزيدان أن يقوما، عسى الزيدون أن
يقوموا، أخِّر الاسم فيبقى الفعل كما هو. إذاً: يظهر في ماذا
الخلاف بين القولين؟ في التثنية والجمع والتأنيث، عسى أن تقوم هند،
وحينئذٍ هند نقول: هذا اسم عسى، وتقوم هذا فيه ضمير مستتر وهو فاعل
يعود على هند، عسى أن يقوما الزيدان، عسى أن يقوموا الزيدون.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول على
مذهب غير الشلوبين:
عسى أن يقوما الزيدان، كما ذكرناه.
وَجَرِّدَنْ عَسَى أَوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا ... بِهَا إِذَا اسْمٌ
قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا
هذا لو تقدَّم اسم على عسى، قلت: زيد عسى أن يقوم، هي تراكيب
مسائل، زيد عسى أن يقوم.
قالوا: وَجَرِّدَنْ عَسَى، يعني من ضمير، أَوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا
بِهَا، يعني انو ضمير الشأن، متى؟ بِهَا إِذَا اسْمٌ قَبْلَهَا
قَدْ ذُكِرَا.
وَجَرِّدَنْ هذا ما إعرابه؟ فعل أمر مبني على الفتح، لاتصاله بنون
التوكيد الخفيفة.
وَجَرِّدَنْ عَسَى يعني جردها من الضمير، واجعلها مسندة إلى أن
يفعل كما مر، زيد عسى أن يقوم، إذاً عسى هل فيها ضمير يعود على
زيد؟ على القول الأول -وهو التجريد- وهو لغة الحجاز- حينئذٍ لا فرق
بين عسى أن يقوم، وزيد عسى أن يقوم، لا فرق بين المسألتين. لماذا؟
لأننا قلنا: زيد مبتدأ وعسى أن يقوم فعل وفاعل، لأنها تامة أو أن
يقوم أقيمت مقام المعمولين سدت مسد المعمولين، حينئذٍ لا إشكال على
لغة الحجاز لا إشكال، أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا، هذا لغة تميم، أوِ
ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا يكون اسمها وأن يفعل خبرها، فهي ناقصة.
أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا: يعني ضميراً هو ضمير الشأن، بِهَا:
أي بعسى، يكون اسمها، وأن يفعل خبرها، فهي ناقصة، حينئذٍ كيف
نُعرب: زيد عسى أن يقوم؟ زيد مبتدأ، عسى فعل ماضي، واسمها ضمير
مستتر يعود على زيد، وأن يقوما خبر -ناقصة-.
حينئذٍ على لغة الحجاز هي تامة، وعلى لغة
تميم هي ناقصة، ولغة الحجازيين أفصح، لماذا؟ جاء القرآن بها: ((لا
يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا
مِنْهُمْ)) [الحجرات:11] عَسَى أَنْ يَكُونُوا، ما قال: عَسَوا، لو
رفعت ضميراً حينئذٍ الضمير يوافق المرجع، إن كان مفرداً فمفرد، إن
كان مثنىً فمثنى، لو قال: عسى زيد أن يقوم، ورفعنا ضميراً، حينئذٍ
إذا قيل هند، ماذا نقول: هند عست أن تقوم، الزيدان عَسَيا -لا بد
من إظهار- عَسَيَا أن يقوما، الزيدون عسَوا هذا إذا رفعنا ضميراً
مستتراً يبرز مع التثنية والجمع، هذا على لغة تميم، على لغة الحجاز
لا، زيد عسى أن يقوم، هند عسى أن تقوم، الزيدان عسى أن يقوما،
الزيدون عسى، يلازم حالة واحدة ((لا يَسْخَرْ قَومٌ))، قَومٌ جمع،
مِنْ قَوْمٍ عَسَى –أفرده-، لو كان فيه ضمير لقال: عسوا أن يكونوا،
((وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى)) ما قال عسينا، لو كان رافعاً
لضمير حينئذٍ جاءت النون.
وَجَرِّدَنْ عَسَى هنا خص عسى أما غير عسى فيجب الإضمار، وألحَق
بها غير واحد اخْلَوْلَقَ وأَوْشَكْ، هذه الثلاثة الأفعال يجوز
فيها التجريد ويجوز فيها الإضمار.
إذا اسم ما إعراب اسم؟ نائب فاعل، ولا يكون مبتدأً هذا مذهب ابو
علي الفارسي لكنه ضعيف، ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) مثلها، نائب
فاعل لفعل محذوف، إذا ذُكر اسم، لأن إذا ذكر - قَدْ ذُكِرَا- هذا
مفسر والجملة لا محل لها من الإعراب، دائماً إذا جاءت (إذا وإن) لا
يمكن أن يكون الاسم بعدها تالياً لها، إذا أردت أن تقدر وتعرف هل
هو فاعل أو نائب فاعل حينئذٍ تنظر إلى الفعل الذي بعدها، هل هو
مبني للمعلوم أو مغير الصيغة.
((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] هذا نائب فاعل مبتدأ؟ لا أكمل الآية:
((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) إذن استجارك
أحد إذاً هو فاعل، ((إِذَا الشَّمْسُ)) –يحتمل-، كُوِّرَتْ: كُوِّر
مغير الصيغة، إذن الشمس هذا نائب فاعل، إذَا اسْمٌ قَبْلَهَا
ذُكِرَ، ذكر: هذا مغيَّر الصيغة، إذن اسم هذا نائب فاعل، إذَا: هذا
يضمن للشرط لأنها ظرفيه، اسْمٌ: هو اسمها في المعنى، لكنه لا يُعرب
اسماً لها لأنه متقدم بل هو مبتدأ، قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا، قَدْ:
للتحقيق وذُكِرَا: هذا مغير الصيغة، والألف للإطلاق، والضمير يعود
إلى اسْمٌ، وقَبْلَ هذا متعلق به.
إذاً: إذا جاء في الترتيب بهذه الصورة: زيد عسى أن يقوم، فلك
وجهان، لغة الحجاز تجريدها من الضمير وتبقى تامة كما سبق، ولغة
تميم -وهو الزائد عندنا- وهو أنها تُعمل في ضمير ثم هذا الضمير
يختلف باختلاف مرجعه إن كان مفرداً مذكراً ذُكِّر مؤنثاً مثنىً
جمعاً إلى آخرة.
قال الشارح: اختصت عسى من بين سائر أفعال
هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز جعل الفعل مسنداً إلى (أن
يفعل) وجعله مسنداً إلى ضمير السابق، و (أن يفعل) الخبر، فعلى
الأول يُجرد الفعل من علامة التثنية والجمع والتأنيث وعلى الثاني
يُلحق بها والتجرد أجودُ -لما ذكرناه سابقاً-. من بين سائر أفعال
هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسمٌ جاز أن يضمر فيها ضمير يعود
على الاسم السابق وهذه لغة تميم، يعني إعمالها في الضمير لغة تميم،
وجاز تجريدها عن الضمير وهذه لغة الحجاز وذكرنا أنها أفصح لوجودها
أو ورود القرآن بها.
وذلك نحو: زيد عسى أن يقوم، زيد مبتدأ، عسى فعل، أن يقوم نقول هذا
فاعل، فعلى لغة تميم يكون في عسى ضمير مستتر يعود على زيد، وأن
يقوم في موضع نصب بعسى، وعلى لغة الحجاز لا ضمير في عسى، وأن يقوم
في موضع رفع بعسى، تظهر الفائدة أين؟ إذا قلت: هند عست أن تقوم،
إذا جردتها من الضمير، هند عسى أن تقوم، وإذا أعملتها في الضمير
تقول: هند عست، لأنه يجب التأنيث هنا، أسند إلى ضمير يعود إلى مؤنث
بقطع النظر عن كونه حقيقياً أو مجازياً -فهو واجب التأنيث-،
والزيدان عَسَيَا أن يقوما، والزيدون عَسَوا أن يقوموا، والهندان
عَسَتَا أن تقوما، والهندات عَسَيْن أن يقمن، هذا على لغة تميم وهي
قوله: أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا.
وأما على لغة الحجاز، فحينئذٍ تُجرد من الضمير، هند عسى أن تقوم،
زيد عسى أن يقوم، الزيدان عسى أن يقوما، الزيدون عسى أن يقوموا إلى
آخره، أما غير عسى فالناظم ظاهر كلامه أنه لا تعمل في ضمير البتة،
وإنما يكون حكمها كحكم السابق.
وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّينِ مِنْ ... نَحْوِ
عَسَيْتُ وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ
وَالفَتْحَ: هنا قدَّمه لماذا لاختياره له، وهو أولى.
وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أجِزْ: أجِزْ الفَتْحَ، الفَتْحَ هذا مفعول
به مقدَّم، وأجز الفتح فِي السِّينِ نَحْوِ عَسَيْتُ، مِنْ جار
ومجرور هذا حال من السين لأنه معرفة، والجار والمجرور إذا وقع بعد
المعرفة أعربناه حال، فِي السِّينِ حالة كونه مِنْ نَحْوِ، يعني
كما في نحو عَسَيْتُ عسى إذا اتصل بها ضمير، إما أن يكون ضمير رفع،
وإما أن يكون ضمير نصب، إذا اتصل بها ضمير نصب هي التي وقع فيها
النزاع: هل هي أخت إنَّ أم لا، وسيأتينا بحثها إن شاء الله.
وأما إذا اتصل بها ضمير رفع، حينئذٍ التاء والنون -نون الإناث- و
(نا)، إذا اتصلت بها حينئذٍ نقول: جاز في سينها الوجهان، الفتح
والكسر، عَسَيت وعَسِيت، عَسِينا وعَسَينا، يجوز فيه الوجهان،
الفتح والكسر، هذا من باب الضبط فقط.
وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أجِزْ فِي السِّينِ
مِنْ نَحْوِ: عَسَيْت وعَسِينا وعَسَيْنا إناث، وَانْتِقَا
الْفَتْحِ زُكِنْ، انْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ: علِم، علِم لماذا؟
لأنه قدَّمه أولاً، هذا وجه ولا بأس به، علم زُكِنْ انتقاء الفتح
على الكسر علم، لماذا؟ لكونه قدمه أولاً، وابن مالك إذا قدم الشيء
دل على اختياره، أو لأنه الأصل وعليه أكثر القراء، لقوله: ((فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)) و ((هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
كُتِبَ)) هذه القراء قرؤوها بالفتح وقرأ نافع في الموضعين بالكسر،
فدل على أنه أكثر، هذا لغة وهذا لغة لا نطعن، وإنما نقول الأكثر
والأفصح ما كان عليه أكثر القراء، والثاني جائز ولا ننكر، نقول هو
لغة ثابتة فصيحة ولا إشكال فيها.
وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّينِ مِنْ ... نَحْوِ
عَسَيْتُ وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ
انْتِقَا هذا مبتدأ وهو مضاف والمراد به اختيار، وَالفَتْحَ مضاف
إليه، وزُكِنْ، هذا مغير الصيغة ونائب الفاعل يعود إلى الفتح،
-عُلِم-.
قال الشارح: إذا اتصل بعسى ضمير موضوع للرفع، وهو لمتكلم عَسَيْتُ
أو لمخاطب عَسَيتَ وعَسَيتِ وعَسَيْتُما وعَسَيْتُم وعَسَيتُنَّ أو
لغائبات عَسَينَ جاز كسر سينها وفتحها والفتح أشهر، وقرأ نافع
((فَهَلْ عَسِيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)) بكسر السين، وقرأ
الباقون بفتحها.
حق عسى إذا اتصل بها ضمير أن لا يكون إلا بصورة المرفوع، هذا الأصل
فيها، إذا اتصل بها ضمير بارز ألا يكون إلا بصورة المرفوع، وهو
الثلاث المذكورة (التاء ونون الإناث ونا)، هذا هو المشهور في كلام
العرب وبه نزل القرآن ومن العرب من يأتي به بصورة المنصوب المتصل،
يعني هو مرفوع لكنه جاء بصورة المتصل، من باب الفكاك أن عسى تعمل
عمل إن وهذا سيأتي فيقال: عساني وعساك وعساه.
يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَ
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
... !!!