شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* شرح الترجمة (المفعول معه) وحده
* حكمه والعامل فيه
* أحوال الإسم الواقع بعد واو المعية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم -رحمه الله تعالى-: المَفْعُوُلُ مَعَهُ، يعني الذي فُعِلَ معه الفعل.
مَعَهُ: هذا كما ذكرنا في السابق أنَّ الضمير، إما أنه يعود إلى (أل) -وهذا هو الصحيح- قبل جعله علماً فيعود إلى (أل)؛ لأنها موصولة، ومن نفى أنها موصولة حينئذٍ أرجعه إلى موصوف محذوف -الشيء الذي-، الشيء المفعول معه الفعل، والصواب هو ما ذكرناه، وهذا قبل جعله علماً.
أخَّر هذا الباب، وهو الباب الأخير من المفاعيل؛ لأن العامل هنا في المفعول معه لا يصل إليه إلا بواسطة، بواسطة (الواو)، لذا قال: يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ، فإذا حذفت (الواو) حينئذٍ خرج عن كونه مفعولاً معه، فصار إما مفعولاً به .. الخ، ولابد من ذكر (الواو) ولا يجوز حذفها، فحينئذٍ دل على أن (الواو) معتبرة في النصب، ولذلك جعله متأخراً.
وهذا الباب الصواب أنه قياسي، بمعنى أنه يحفظ ما نقل عن لسان العرب ويستنبط منه الأحكام، فيقاس عليه، هذا هو الصحيح.
ومذهب أبي الحسن الأخفش أنه سماعي، بمعنى أنه ليس قياسياً، بمعنى أنه يحفظ ما ورد في لسان العرب ولا يقاس عليه، كيف وهو موجود في القرآن؟
الصواب أنه قياسي، وقيل المفعول معه مفعول به -كما سبق-، مفعول به لفعل محذوف، أي سِرْتُ وَلاَبَسْتُ النِّيلَ، سِرْتُ والنِّيلَ، قال: النيل هذا مفعول به والعامل فيه محذوف، سِرْتُ وَلاَبَسْتُ النِّيلَ، حينئذٍ كل ما جاء منصوباً بعد (الواو) لابد من التقدير، وهذا فيه تكلف.
المَفْعُوُلُ مَعَهُ: حقيقته هو اسم فظلة بعد (واو) أريد بها التنصيص على المعية، مسبوقة بفعل، أو ما فيه حروفه ومعناه، هذا حقيقة المفعول معه تجمع الشروط التي ذكرها النحاة، اسم فظلة بعد (واو) أريد بها التنصيص على المعية مسبوقةٍ -هذا بيان شرطه- بفعل، أو ما فيه حروفه ومعناه.
اشترطنا الاسم، إذاً كل ما كان مفعولاً معه، فهو اسم من غير عكس، لماذا؟ ما القاعدة هنا؟
الاسم جنس، والعلاقة بين الجنس في الحد والمحدود العموم والخصوص المطلق -في كل حد-، يوجد في أي فن العلاقة بين الجنس المأخوذ جنساً في حد المذكور يكون بينه وبين المحدود العموم الخصوص المطلق.
إذاً كل ما كان مفعولاً معه فهو اسم، فخرج بالاسم الحرف، وخرج به الفعل وخرج به الجملة، فلا يكون شيء من ذلك مفعولاً معه، والحرف واضح؛ لأن الكلام هنا فيما له معنى والحرف ليس له معنى.
وخرج به الفعل المنصوب بعد (الواو) في نحو: (لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ)، لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ، بالنصب على أن (الواو) (واو) المعية، والفعل منصوب بعدها بأن مضمرة وجوباً بعد (الواو)، و (الواو) هنا على معنى الجمع لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ مع شرب اللبن، حينئذٍ نقول: وَتَشْرَبَ هذا وقع بعد (واو) الجمع هل نعربه مفعولاً معه؟
الجواب لا، لماذا؟
لأن المفعول معه لا يكون إلا اسماً وهذا فعل إذاً الفعل المنصوب بعد (واو) المعية ليس مفعولاً معه وإن دل على معنى الجمع.


كذلك خرج بالاسم الجملة الحالية: (جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ) أي مع طلوع الشمس، (الواو) واو الحال، وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال، جَاءَ زَيْدٌ مع طلوعِ الشمسِ، هل نقول أنه مفعول معه؟
نقول: لا؛ لأنه ليس باسم، قوله: اسم أخرج الحرف، فلا يرد، لا يدخل معنا أصالة، وخرج به الفعل المضارع المنصوب بعد (واو) المعية، كالمثال المذكور، وخرج به الجملة الحالية، كَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ من قولك: (جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ).
اسم فظلة خرج به العمدة، إذاً الاسم إما أن يكون فظلة وهو ما ليس ركناً في الإسناد، وإما أن يكون عمدة، وهو ما هو ركن في الإسناد.
خرج بذكر الفضلة ما بعد (الواو) في نحو (اشترك زيدٌ وعمرٌ)، اشترك، افتعل وهذه تدل على فاعلين في المعنى: تضارب زيدٌ وعمرٌ، اختصم زيدٌ وعمرٌ، اشترك محمد وخالد، نقول: هذه الأفعال تدل على المشاركة، لا يقال: اختصم زيدٌ ونسكت لا، اختصم زيد مع من؟ زيد وعمرو، تضارب زيدٌ لوحده؟ وخالدٌ، وهكذا، حينئذٍ نقول: ما بعد (الواو) وإن كان مفيدً للجمع إلا أنه عمدة، كيف عمدة؟ يعني لا يستغنى عنه في الكلام.
فإنه عمدة؛ لأن الفعل لا يستغني عنه.
اسم فظلة بعد (واو)، خرج بذكر (الواو) ما بعد (مع)، لو جيء بـ (مع) نفسها نحن نقول: (واو) تدل على المعية، حذفنا (الواو) وجئنا بلفظ (مع)، حينئذٍ نقول: ليس بمفعول معه لماذا؟
لأن الشرط أن يكون الملفوظ، أو الدال على المعية هو (الواو)؛ لأن العرب هكذا نطقت، ليس من عندنا، وإنما العرب نطقت بهذا حينئذٍ قلنا: لابد من (الواو) وإلا (مع) أصرح وأدق من (الواو)، ولكن يرِد على أن (مع) هذه ظرفٌ فما بعدها يكون مضافاً؛ لأنها تلزم الإضافة.
إذاً خرج بذكر (الواو) ما بعد (مع) في نحو: (جَاءَنِي زيْدٌ مَع عَمْروٍ) مَع عَمْروٍ، نقول: عَمْروٍ هذا مضاف إليه (ومع) مضاف، وكذلك ما بعد (الباء) في نحو: (بِعْتُكَ الدارَ بأثاثها)، (الباء) هنا بمعنى (مع)، بِعْتُكَ الدارَ بأثاثها، يعني مع أثاثها.
وبذكر التنصيص على المعية: (جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ) (الواو) هنا محتملة للعطف ومحتملة للمعية، ولذلك يجوز برجحانٍ أن ينصب ما بعدها، جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ، جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْراً، جائز، لكنه مرجوح، والرفع أرجح -العطف أرجح-؛ لأنه متى ما أمكن العطف دون ضعف فهو راجح، وما عداه فهو مرجوح، حينئذٍ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرا، ً جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ، نقول: يجوز الوجهان إلا أن الرفع أرجح لإمكان العطف دون ضعفٍ.
إذاً بذكر التنصيص على المعية نحو: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ إذا أُريد بها مجرد العطف.
مسبوقةٍ بفعلٍ أو ما فيه حروفه ومعناه، هذا فيه تنصيص على العامل في المفعول معه، وهو أنه لا يكون إلا فعلاً، أو ما فيه معنى الفعل وحروفه، وهو الوصف والمصدر، حينئذٍ ينصب المفعول معه بالفعل سِرْتُ والنِّيلَ، ينصب المفعول معه باسم الفاعل أنا سائر والنيلَ، ينصب بالمصدر (أعجبني سيرُكَ والنيلَ) نُصِب بالمصدر.


حينئذٍ نقول: العامل مخصوص وهو أنه إما أن يكون فعلاً، أو ليس بفعل، لكنه فيه معنى الفعل وحروفه، إذاً ما لم تكن مسبوقة بشيء وكانت الواو دالة على المعية حينئذٍ لا ينصب: (كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ) -بالرفع- ولا يجوز النصب خلاف لـ (الصيمري) لماذا؟
لأنه لم يسبق (الواو) هنا فعل ولا ما فيه معنى الفعل وحروفه، حينئذٍ كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ نقول: لعدم الفعل وما في معناه لا يجوز النصب، ولا نقول: كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتَهُ -بالنصب-، لا كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ معطوف على (كُلُّ) -فهو مرفوع- وكُلُّ: مبتدأ، والخبر محذوف -مقترنان- والدليل:
وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ

هو هذا، كُلُّ صَانِعٍ وصِنْعَتُهُ، وليس (صَنْعَتَهُ) بالفتح لا، لا يجوز، لماذا؟
لأنه لم يسبق لا بفعل ولا ما فيه معنى الفعل وحروفه، ولا يجوز: هذا لك وأباكَ بالنصب، هذا لك وأباك، (الواو) واو المعية، أباك منصوب على أنه مفعول معه، نقول أين الفعل؟
ليس فيه فعل، وإنما سبق بـ (هذا)، وهو اسم إشارة وهو فيه معنى الفعل دون حروفه؛ لأنَّ (أشار) هذا فيه معنى أُشير وإذا كان فيه معنى أُشير حينئذٍ هذا معنى الفعل، لكن أين حروفه؟
حينئذٍ يتعين: هذا لك وأبيك معطوف على المجرور (الكاف)، هذا لك وأبيك، ولا يجوز هذا لك وأباك بالنصب على أنه مفعول معه؛ لأنه وإن تقدم عليه ما فيه معنى الفعل إلا أنه ليس فيه حروفه، ويشترط إن لم يتقدم الفعل أن يتقدم عليه -على (الواو) - ما فيه معنى الفعل وحروفه؛ لأن اسم الإشارة فيه معنى الفعل وهو أٌشير دون حروفه، فهو عامل معنوي وهو ضعيف.
إذاً المفعول معه اسم خرج الفعل والجملة الحالية، والحرف فضلة أخرج به العمدة بعد (واوٍ) أخرج به (مع) أُريد بها التنصيص على المعية محتمل العطف التنصيص على المعية يعني لا يحتمل العطف (جاء زيدٌ وعمرٌ) هنا نقول: يحتمل المعية ويحتمل العطف مسبوقة بفعل، أو ما فيه حروف ومعناه هذا بيان للعامل.
قال الناظم:
يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ ... فِي نَحْوِ سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ
بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ لاَ بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ

يُنْصَبُ قدم الحكم على حقيقة المفعول معه، لماذا؟
لأنه يتكلم في أبواب المنصوبات، قد يكون هذا عذرٌ له؛ لأنه يتحدث في باب المنصوبات، وإلا الأصل أنه يذكر حقيقة الشيء، ثم يقال حكمة كذا، أما أن يعنون بالمفعول معه، ثم يبدأ بالحكم، نقول: هذا خلاف الأصل؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهذا متفق عليه بين العقلاء، تتصور الشيء ثم تحكم عليه، أما مباشرة تحكم دون أن تتصور، هذا خلاف العقل قبل أن يكون خلاف الشرع.
يُنْصَبُ الاسم الفضلة تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ: يُنْصَبُ ما حكم النصب هنا؟ هل هو كالسابق هناك في المفعول له، بأن يكون جوازاً مطلقا؟
قلنا ننظر في المفعول معه، فإذا به قد يتعين نصبه، وقد يترجح نصبه مع جواز العطف، وقد يترجح العطف مع جواز النصب.


إذاً: له حالان، قد يكون واجب النص، ب وقد يكون جائز النصب، إذاً يُنْصَبُ لم يأتِ بالفعل -فعل الأمر- وجاء بالفعل المضارع ليعم الحالين، وهما الجواز -مطلق الجواز- سواءٌ كان مع الرجحان أو المرجوحية فيدخل فيه نوع واحد.
يُنْصَبُ: وجوباً فيما إذا تعين النصب على المفعولية، فحينئذٍ يتعين حمل اللفظ على عدم العطف.
يُنْصَبُ جوازً ووجوباً تَالِي الوَاوِ، ما هو تالي الواو؟
الاسم الفضلة الذي يقع بعد الواو، تَالِي (الوَاوِ): فيه إشارة إلى أنه لا يجوز الفصل بين (الواو) -واو المعية- والمفعول معه، لا يجوز، إذاً فيه أشارة إلى عدم جواز الفصل بين (الواو) والمفعول معه ولو بالظرف، يعني لا يتوسع يقال بأن الظروف والجار والمجرور يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما، نقول: لا الحكم عام؛ لأنه لم يسمع.
ولو بالظرف لِتَنَزُّلِ (الواو) هنا مع المفعول مُنَزَّلَةَ الجار والمجرور، كما أنه لا يفصل بين حرف الجر ومجروره، كذلك لا يفصل بين واو المعية والمفعول معه، ويجب ذكر هذه (الواو) إذ لم يثبت في لسان العرب حذفها.
إذاً قوله: تَالِي الوَاوِ يُنْصَبُ هذا فعل مضارع مغير الصيغة، تَالِي هذا نائب فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تَالِي في الرسم تثبت الياء، والإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات، فترسم الشيء، تكتبه (ياءً)، ثم في النطق ما تلفظ (بالياء)، (الياء) ثابتة أمامك تَالِي، تكتبها ما تحذفها، إذا جئت تعرب وأنت تنظر في الكتاب: يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، تَالِي أثبت (الواو) في الكتابة، فيخطئ الطالب، فيقول: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء -المذكورة يعني-، لا ليست مذكورة، هي مذكورة في الرسم في الكتابة، الخط، وأما في اللفظ فهي محذوفة، حينئذٍ تعرب ما تنطق به، وأما ما لا تنطق به ولو كتبته -والأصل كتابته-، حينئذٍ لا يتبعه، فالإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات.
يُنْصَبُ إذاً الاسم الفضلة، تَالِي (الوَاوِ): قلنا إشارة إلى عدم جواز الفصل بين (الواو) والمفعول معه، وأيضاً أنها لا تحذف إذ لم يسمع في لسان العرب حذفها.
يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، قال: مَفْعُولاً مَعَهْ، اختصر، (والواو) هذه لها قيود كما عرفنا، تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (معَ)؛ لأن (الواو) قد تكون عاطفة، وقد تكون للمعية، فهي محتملة، وإذا أطلقنا هذا اللفظ تَالِي (الوَاوِ) هكذا، نقول: فيه إشكال، بل نأخذ القيود من المثال، لذا قال: سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ.
إذاً تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (مع)، التالية لجملةٍ ذاتِ فعلٍ أو شبهه، مما فيه حروف الفعل ومعناه -لنتمم التعريف بذكر المحذوف-، تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (معَ)، التالية لجملةٍ ذاتِ فعلٍ أو شبهه، مما فيه معنى الفعل وحروفه، فِي نَحْوِ: كما، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) مَفْعُولاً مَعَهْ، مَفْعُولاً مَعَهْ ما إعرابه؟
يُنْصَبُ هذا مغير الصيغة، نصبتُ تالي (الواو)، انتهينا، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) حال كونه مَفْعُولاً مَعَهْ، حال من نائب الفاعل، كما فِي نَحْوِ " سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ: سِيرِي هذا فعل أمر مبني على حذف النون، ما هو الدليل؟


لأن مضارعه يجزم بحذف النون، فالأمر منه يكون مبنياً على حذف النون، تسيرين مثل تضربين، تضربين هذا يجزم بحذف النون، والقاعدة -وإن كان فيها بعض النظر- أن فعل الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، سِيرِي إذاً فعل أمر مبني على حذف النون، (والياء): ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وَالطَّرِيقَ: (الواو) هذه واو المعية، الطَّرِيقَ هذا اسم فضلة وقع بعد (واو) هي نص في المعية، مسبوق بفعلٍ: سيري، إذاً نقول: هو مفعول معه.
مُسْرِعَهْ: هذا حال من فاعل سِيرِي، سِيرِي هذا مثال للفعل، ومثله أنا سائرٌ والنيلَ، وأعجبني سيرُك والنيلَ.
قال:
بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ
ذَا: مبتدأ اسم إشارة، النَّصْبُ بدل أو عطف بيان أو نعت، يجوز فيه ثلاثة أوجه، ذَا النَّصْبُ كائن بِمَا سَبَقْ مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ، ذا النصب كائن بما سبق؛ لأن بِمَا هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، بالذي سبق هذا صلة ما، مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ هذا متعلق بقوله سَبَقْ، وهذا ما قررناه في الحد: مسبوقة بفعل أو ما فيه معنى الفعل وحروفه.
بِمَا مِنَ الْفِعْلِ: هنا أطلق الفعل فيشمل الفعل الظاهر والمقدر والمتعدي واللازم، والمتعدي، لماذا نصَّ على المتعدي؟
لأن المفعول معه كالمفعول لأجله وغيره، لا يشترط في نصبه أن يكون بفعل متعدي، بل خصه بعضهم بالعكس، خص المفعول معه بأنه لا ينصب إلا باللازم، ولذلك النحاة في مثل هذه المواضع يقولون: ينصب بالفعل المتعدي على الصحيح، غريب هذا على الصحيح، لماذا؟
لأن هناك من ينازع فيقول لا، لا ينصب إلا بالفعل اللازم، فحينئذٍ الصحيح أن الفعل المتعدي كاللازم، إذاً الظاهر والمقدر والمتعدي على الصحيح خلافاً لمن شرط اللزوم، لماذا شرط الزوم؟
لئلا يلتبس بالمفعول به؛ لأنه لو نصبه المتعدي التبس بالمفعول به، هذا غريب، كيف التبس بالمفعول به! ونحن نقول شرطه بعد (الواو)، هذا غريب! لئلا يلتبس بالمفعول به، والناقص ككان بناءً على أنها مشتقة، وأنها تدل على الحدث.
إذاً كان تنصب المفعول معه، إذاً: بِمَا مِنَ الْفِعْلِ مطلقاً سواء كان لازماً أو متعدياً على الصحيح، وسواء كان تاماً أو ناقصاً، فكان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وتنصب المفعول معه كذلك، سواء كان الفعل ظاهراً ملفوظاً به أو مقدراً، وإنما (الواو) هي التي لا يجوز حذفها، وَشِبْهِهِ: يعني مثله، وشبه الفعل المراد به ما فيه رائحة الفعل، هذا الأصل، ولكن هنا زِيدَ عليه أن يكون فيه حروفه، وهذا المقام يكاد يكون مستثنى، وإلا الأصل أن ما فيه رائحة الفعل -معنى الفعل-، يعمل عمل الفعل، وهنا زيد عليه قيد وهو أن يكون فيه حروف الفعل؛ لأنه أقوى، والمراد به اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، شِبْهِهِ المراد به اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر
سَبَقْ هذا قلنا هذا صلة (ما)، حينئذٍ نأخذ منه أنه لا يجوز أن يتقدم المفعول معه على عامله، وهذا محل وفاق؛ لأنه قال: ذا النصب بما سبق من الفعل.


إذاً لو تأخر لا يجوز، لو توسط فيه خلاف، لو توسط يعني الاسم، لو قيل مثلاً: والنيلَ سرتُ، نقول: هذا ممنوع، سار والنيلَ زيدٌ، سار زيدٌ والنيلَ، سار والنيلَ زيدٌ، هذا فيه خلاف والصواب منعه كما سيأتي.
إذاً قوله سَبَقْ فيه إشارة إلى أنه لا يتقدم المفعول معه على عامله، وهذا محل وفاق.
لاَ (بِالْوَاوِ): يعني ليس منصوباً (بالواو)، سرتُ والنيلَ على قول الجرجاني -عبد القاهر- سرتُ والنيلَ، النيلَ هذا مفعول معه منصوب والناصب فيه (الواو)، والفعل ماذا صنع؟
لا شيء له، الفعل لم ينصب وإنما نصب المفعول معه (الواو) فحسب، لذلك قال ابن مالك: لاَ (بِالْوَاوِ)، وهذا ليس من عادته أنه ينفي العامل في القول المقابل، خاصة إذا كان ضعيفاً، لكن قيل: ذكر هذا، والذي سوغ له أنه تأدب معه؛ لأنه قال: فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ، هذا الذي سوغ له، فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ، أَحَقّْ هذا أفعل تفضيل، إذاً حقٌّ وأحق، إذاً هذا القول ليس بذك الضعيف، ولذلك وصفه بكونه حق تنزلاً، وإنما الذي رجحه وهو أنه ينصب بالفعل وشبهه هو الأحق، يعني الأولى والمختار، وقيل تأدب معه، ولذلك نفى هذا القول، لا (بالواو).
فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ يعني المختار، خلافاً للجرجاني في دعواه أن النصب (بالواو)، إذ لو كان كذلك لوجب اتصال الضمير بها، لو قال: جئتُ وكَ، لا يصح هذا، إذ لو كانت عاملة .. الحرف إذا عمل اتصل به الضمير، (إنه) (له) (لك) (لنا) نقول: الحرف إذا عمل اتصل به الضمير، لا بد في تركيب أو تركيبين يتصل به الضمير، إن اتصل به دل على أنه عامل، وهذا من الأدلة على أن (إِنَّ) تعمل، (إنه)، ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ)) [طه:14]، حينئذٍ نستدل بهذا -اتصال الضمير بالعامل- على أن العامل قد عمل، إذ لا يتصل الضمير إلا بعامله، الضمائر لا تتصل إلا بعواملها. إذ لو كان كذلك -كان نصب المفعول معه (بالواو) - لوجب اتصال الضمير بها، فيقال: جلستُ وكَ كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة نحو: (إنك) و (لك) وذلك ممتنع، -حتى عندهم- وذلك ممتنع باتفاق، وأيضاً هي حرف مختص بالاسم، غير منزل منزلة الجزء، فحقه ألا يعمل إلا الجر، كحروف الجر.


إذاً هذا قول ضعيف لا يعول عليه، أقوى منه أن يقال: الفعل بواسطة (الواو) هذا قول أخر، أن الفعل بواسطة (الواو) هو الذي نصب، فحينئذٍ العامل مركب من شيئين: فعل و (واو)، كما قيل في الاستثناء أنه منصوب بالفعل بواسطة (إلا)، وقيل: لا، بـ (إلا) كما سيأتي، ولذلك ابن مالك قال: مَا اسْتَثْنَتِ (الاَّ) .. دل على أنها هي العامل، وهذا هو الظاهر كما سيأتي، ولا بالمخالفة، لا (بالواو) على قول الجرجاني، ولا بالمخالفة في رأي الكوفيين، مخالفة ما بعدها لما قبلها خلافاً للكوفيين، إذ هي معنىً من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني، وإنما ورد الرفع هناك والتجرد في باب الفعل مضارع، قلنا: يرفع بتجرده عن الناصب الجازم هذا عامل معنوي، كذلك في الابتداء عامل معنوي، لكن لم يثبت عامل معنوي في النواصب، وإنما هو خاص بالمرفوعات، وإنما ثبت الرفع بها في الابتداء والتجرد في الفعل المضارع، ولو صح لقيل: جاء زيدٌ بل عمراً، لو صح أن المخالفة لها أثر وتعمل، لقيل: ما جاء زيدٌ بل عمراً بالنصب؛ لأن ما بعد بل مخالف لما قبلها؛ لأنها عامل، وهو ممنوع اتفاقاً. (ولا) محذوف، يعني ليس العامل محذوف، والتقدير: سرتُ ولابستُ النيلَ، فيكون حينئذٍ مفعولاً به، خلافاً للزجاج فيما ذكرناه سابقاً أن هذا الباب ليس بمفعول معه، وإنما هو مفعول به.
إذاً:
بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ لاَ بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ

فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ: يعني المختار، إشارة أن الأحق ليس على بابه، بل هو بمعنى الحق؛ لأن مقابله باطلٌ لا حقٌ، قيل: عبر بالأَحَقِّ تأدباً مع عبد القاهر؛ لأنه دون علم المعاني والبيان، أول من دونه.
على كُلٍّ: يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) مَفْعُولاً مَعَهْ، يُنْصَبُ هذا فعل مضارع مغير الصيغة، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، تَالِي: مضاف، (والواو): مضاف إليه وهو نائب فاعل، مَفْعُولاً مَعَهْ، مَفْعُولاً: هذا حال من نائب الفاعل، فِي نَحْوِ سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ، حينئذٍ من المثال نأخذ القيود السابقة، وَالطَّرِيقَ: الطَّرِيقَ هذا اسم فضلة وقع بعد (واو) أُريد بها التنصيص على المعية مسبوقة بفعل وهو سِيرِي.
ثم بين أن الفعل هو العامل، أو شبه الفعل مما فيه حروفه ومعناه هو العامل في المفعول معه، وليس (بالواو) خلاف للجرجاني ولا بالمخالفة، خلافاً للكوفيين، ولا بكونه مفعولاً به لفعل مقدر خلافاً للزجاج.
وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ

هذا البيت قيل: أنه جواب لسؤال؛ لأنه يرد أنك قلت:
بِ (مَا) مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ذَا النَّصْبُ .. جاء في لسان العرب: ما أنت وزيداً؟ زيداً مفعولاً معه، وكيف تكون؟ وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ كيفَ أنْتَ وقَصْعَةً .. قَصْعَةً هذا مفعول معه وسبقه كيف أنت، ليس فيه فعل ولا معنى الفعل وحروفه، ما أنت وزيداً جاء بعد ما استفهامية، وكيف الاستفهامية، فما الجواب؟
هذا اعتراض على ما سبق، جواب سؤال مقدر تقديره: قد نصبت العرب على المعية من غير تقدم فعل أو شبهه بعض ما ذكرنا، فما جوابه؟
فقال:


وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ

فإذا قيل: ما أنت وزيداً، العامل محذوف، ولذلك قلنا: بما من الفعل ظاهراً أو مقدراً، وإنما يكون كذلك بعد (ما) الاستفهامية، (ما) أنت وزيداً، ما كنت وزيداً، وزيداً: الواو نص في المعية، زيداً مفعول معه، حينئذٍ كنت لما حذفت كان انفصل الضمير، مثل: أمَّا أنْتَ بَرًّا السابق، أمَّا أنْتَ بَرًّا أما كنت .. الخ ما ذكرناه، هنا ما أنت وزيداً .. ما كنت وزيداً؟ ما استفهامية، كنت وزيداً حذفت كان، وانفصل الضمير فارتفع، ما أنت وزيداً، إذاً زيد هذا مفعول معه لفعل وليس لأنت وهو جامد، وإنما هو منصوب بفعل محذوف تقديره كان، وكذلك في قوله: كيف أنت؟ كيف تكون وقصعةً؟ وحذف (تكون) وهو فعل مضارع وفصل الضمير الذي كان مستتراً وهو اسم تكون، حينئذٍ صار قصعة هذا منصوب بتكون المحذوفة.
وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ

وَبَعْدَ (مَا): هذا متعلق بقوله: نَصَبْ، بَعْدَ منصوب على الظرفية، متعلق بقوله: نَصَبْ، وَبَعْدَ مضاف و (مَا) مضاف إليه قصد لفظه، و (مَا) مضاف واسْتِفْهَامٍ مضاف إليه، من باب إضافة الدال إلى المدلول، أوْ بَعْدَ كَيْفَ نَصَبْ، بَعْضُ الْعَرَبْ: هذا فاعل نَصَبْ، هذا فيه إشارة إلى أن الرفع أرجح في مثل هذه التراكيب، ولذلك نُقِل الرفع، ونقل النصب، والرفع أكثر، وهو اللغة الأفصح -أفصح اللغتين-، ولذلك قال: بَعْضُ الْعَرَبْ، نسبه إلى البعض، وهذا يدل على أن ما نطق به بعض العرب دون الكل يكون أدنى في الرتبة، والأفصح ما نُقل أكثر وهو: رفع ما أنت وزيدٌ –بالرفع-، ما أنت وزيدٌ، إذاً لا نحتاج إلى تقدير، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ نقول: هذا لا يحتاج إلى تقدير.
أوْ كَيْفَ نَصَبْ بِفِعْلِ كَوْنٍ: أي بفعل مشتق من لفظ الكون، سواء كان ماضياً، أو مضارعاً، ولذلك سيبويه قدر بعد (ما) الاستفهامية كان بصيغة الماضي، وقدر بعد كيف مضارع كان، فحينئذٍ هل يلتزم هذا؟ أم المراد بِفِعْلِ كَوْنٍ يعني مادة الكون، سواء قدرنا في الموضعين كان ماضية أو بصيغة المضارع، أو بدلنا ما قاله سيبويه، فنقدر الماضي في تكون والمضارع في ما الاستفهامية؟
ظاهر كلام الناظم هنا العموم؛ لأنه قال: بِفِعْلِ كَوْنٍ أطلق ولم يعين الماضي ولا المضارع، فحينئذٍ قدر ما شئت، والمحفوظ عن سيبويه أنه قدر مع (ما) الاستفهامية: (كان)، وقدر مع كيف: تكون، وبعضهم التزم هذا، قال: لا يجوز مع (ما) الاستفهامية إلا (كان)، ومع كيف إلا (تكون)؛ لأن سيبويه هكذا قدره، هذا التعليل؛ لأن سيبويه هكذا قدره.
وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ .. أي بفعل مشتق منه لفظ الكون، وإذا صلح الكلام لتقدير غيره كـ تصنع وتُلابس، جاز تقديره على الصحيح، فلا يختص بالكون، وإن كان الناظم ظاهر عبارته ما ذكرناه، سيبويه قدر الفعل من لفظ الكون في الموضعين، بعد (ما) الاستفهامية وكيف، قدر لفظ الكون -الفعل منه-، وجعل الفعل مضارعاً بعد كيف، وماضياً بعد ما، ثم اختلف أتباع سيبويه في تقدير فعل من مادة الكون في موضعين:


الموضع الأول: في تعيين الماضي أو المضارع في أيهما؟ هل يستويان أم يختلفان؟
الموضع الثاني: في كان التي قدرها سيبويه، هل هي تامة؟ أم ناقصة؟
أما الموضع الأول: هل يجوز الفعل مع (ما) مضارعاً، مع كون سيبويه نطق به ماضياً؟ ومع كيف ماضياً، مع كون سيبويه نطق به مضارعاً؟ أم يلتزم تقديره ماضياً مع (ما)، وتقديره مضارعاً مع (كيف) كما قدره سيبويه؟ هذا محل النزاع بينهم.
فقال السيرافي: يجوز تقدير الماضي والمضارع جميعاً مع كل منهما، هذا ظاهر كلام الناظم وهو أقرب، وقيل: لا يجوز، بل كما قدره سيبويه، هؤلاء أتباع سيبويه بإحسان، لا يجوز إلا كما قدره سيبويه، كان في الاستفهام بعد (ما)، وتكون بعد (كيف)، وقيل: لا يجوز بل كما قدره سيبويه.
الموضع الثاني: هل (كان)، و (يكون) فعلان تامان أم ناقصان؟ يعني في هذا الموضع، إذا قلنا: ما أنت وزيداً، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ ما تكون وزيداً؟ وكيف تكون وقصعةً؟ إذا قدرناه بالمضارع في الموضعين، هل هذه كان تامة أم ناقصة؟
قيل: ناقصة، وهذا أصح؛ لأنه الأصل، وأمكن التقدير، أو إيجاد اسم كان وجعل المذكور خبراً، أو ما قبلة، وهذا أصح، وقيل -وهو رأي الفارسي-: إنهما تامان، يعني في الموضعين، ففاعلها ضمير مستتر، و (ما) تكون نائبة عن مصدر مفعول مطلق، يعني إذا قيل: ما أنت وزيداً؟ ما تكون وزيدا؟ ً أين أسمها؟
قال: فاعلها ضمير مستتر -على الرأي بأنها تامة، و (ما) منصوبة على أنها مفعول مطلق، سبق معنا أن الذي ينوب عن المفعول المطلق (ما) الاستفهامية و (ما) الشرطية، هنا ما تكون وزيداً؟ قال: تكون فيه فاعل ضمير مستتر، و (ما) ماذا نعربها؟
قال: في محل نصب مفعول مطلق مقدر، والتقدير: أيَّ كونٍ من الأكوان كنتَ وزيداً؟ وكيف تكون .. تكون هذا مسند إلى فاعل ضمير مستتر، وكيف .. قال: في محل نصب حال.
وإذا قلنا: كان تامة، حينئذٍ الاسم يكون الضمير المستتر، و (ما) الاستفهامية المقدمة هذه نجعلها في محل رفع خبر كان، ومثله كيف.
بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ: هل الإضمار واجب أم جائز؟
المشهور أنه واجب، فلا يجوز حينئذٍ ذكره؛ لأنه هكذا سمع عن العرب، وهذا أولى؛ لأن هذا التركيب خارج عن القياس، وإذا كان خارجاً عن القياس، حينئذٍ نقول: يبقى على أصله.
وَبَعْدَ (مَا) اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ: بعد هذين الموضعين.
نصب بعض العرب بفعل كونٍ مضمرٍ وجوباً وقيل جوازاً، نصبوا ماذا؟ قال: نصب بعض العرب، أين المفعول؟
نصب بعض العرب مفعولاً معه بعد (ما) استفهام؛ لأننا شرطنا فيما سبق - بِمَا مِنَ الْفِعْلِ إلى أخره- أنه لا ينصب مفعولاً معه إلا بعد الفعل وشبهه، وهنا نصبوا مفعولاً معه، لو لم نحكم بأنه مفعولاً معه حينئذٍ قلنا: المسألة ليست داخله، لكن نحن سلَّمنا أن قولهم: ما أنت وزيداً .. زيداً مفعول معه، ولذلك صح الاعتراض به، حينئذٍ نحاول أن نُخَرِّجه على ما يوافق القواعد، فقلنا: هذا العامل فيه محذوف فهو ما قدره سيبويه.
إذاً:
وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ بَعْضُ الْعَرَبْ مفعولاً معه، دون ذكر فعل أو شبه الفعل، لكن الجواب أنه يقدر بفعل مشق من الكون وهو مضمر وجوباً وقيل جوازاً.


قال الشارح: حق المفعول معه أن يسبقه فعل، أو شبهه، كما تقدم تمثيله، وسمع من كلام العرب نصبه بعد (ما) وكيف الاستفهاميتين من غير أن يلفظ بفعل، ما أنت وزيداً؟ أي ما شئنك وزيداً؟ ما يكوم شئنك وزيداً؟
نحو ما أنت وزيداً، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ، فخرجه النحويون على أنه منصوب بفعل مضمر مشتق من الكون والتقدير: ما تكون وزيداً.
إذاً زيداً العامل فيه تكون (والواو) هذه واو المعية، واسمها ضمير مستتر يعود على (ما)، وما هذه في محل نصب خبر تكون، على جعلها ناقصة، وإذا قلنا تامة فـ (ما) حينئذٍ تكون نائبة عن المفعول المطلق .. وكيف تكون وقصعةً، قصعة هذه مفعول معه و (الواو) واو المعية، وتكون هذه إن جعلناها ناقصة حينئذٍ اسمها ضمير مستتر، وكيف في محل نصب خبر مقدم، وإذا جعلناها تامة حينئذٍ (كيف) تكون في محل نصب حال.
فزيداً وقصعةً منصوبان بتكون المضمرة، واسم (كان) مستكن وخبرها ما تقدم عليها من اسم استفهام، فلما حُذف الفعل من اللفظ انفصل الضمير.
وَالْعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ ... وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ ... أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ

هذه أحوال الاسم الواقع بعد واو المعية، الذي يمكن أن يعرب مفعولاً معه، له ثلاثة أحوال:
قسم يترجح عطفه على النصب على المعية، يعني يجوز فيه الوجهان والعطف أرجح.
القسم الثاني: يجوز فيه الوجهان، والنصب أرجح.
والقسم الثالث: يمتنع فيه العطف، وهذا الذي ذكره الناظم -رحمه الله تعالى-، أشار إلى الأول بقوله:
وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ.
الْعَطْفُ: مبتدأ، إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، ضَعْفٍ .. ضُعْفٍ يجوز فيه الوجهان، أَحَقْ: يعني أرجح من النصب على المعية، متى؟
إن يمكن العطف، والقاعدة هنا في باب المفعول معه، لما كانت (الواو) أصلاً في العطف قبل تضمينها معنى (معَ)، والتنصيص على ذلك، الأصل فيها أنها عاطفة، وجعلها نصاً في المعية خروجاً بها عن الأصل.
إذاً القاعدة في الباب: كل ما أمكن العطف دون ضعف في الإعراب -الصناعة النحوية- أو فساد المعنى، فهو أولى ومُرجَّح، ولذا قعَّد هذه القاعدة: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ من جهة المعنى أو من جهة اللفظ، يعني الصناعة الإعرابية أَحَقْ من النصب على المعية، لماذا؟
لأن (الواو) أصل وضعها بالعطف، وكونها نصاً في المعية خروج بها عن أصلها، فإرجاع الشيء إلى أصله أولى، وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، والضعف هنا المراد به ضعف لفظي صناعي، يعني يخالف القواعد العامة عند النحاة، أو من جهة المعنى، يصح من جهة الإعراب، لكن من جهة المعنى يكون فيه فساد لو عطفنا، الْعَطْفُ: مبتدأ، وأَحَقْ: هذا خبر، بِلاَ ضَعْفٍ يعني بغير ضعف، هذا جار ومجرور متعلق بقوله يُمْكِنْ، و (لاَ) هنا بمعنى غير، وضعف هذه الكسرة كسرة عارية، يعني انسحبت من (لا).


والعطف أحق، يعني وأرجح من النصب على المعية، نحو جاء زيدٌ وعمروٌ، قلنا: جاء زيدٌ وعمروٌ، يحتمل أن (الواو) هنا يراد بها مجرد العطف، ويحتمل أن يراد بها المعية، حينئذٍ نقول يجوز فيه الوجهان، جاء زيدٌ وعمراً، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، (الواو): واو المعية، عمراً: مفعول معه، هذا جائز، جاء زيدٌ وعمروٌ، زيد: فاعل، الواو حرف عطف، وعمرو معطوف على ما سبق، خرج عن المعية، أيهما أرجح؟ جاء زيد وعمرو، لماذا؟
لأنه أمكن العطف دون ضعف في المعنى ولا في اللفظ، لو عطفناه: جاء زيدٌ وعمرو هل خالفنا نصاً أو قاعدة نحوية أو أصلا مطرداً؟
لا، لم نخالف شيئاً، ولم نقع في خلاف، بل هذا هو الأصل، فحينئذٍ نقول: الأصل العطف، والنصب هذا فرعٌ، وجئت أنا وزيد .. جئت أنا وزيداً، العطف أرجح، هل يجوز النصب وزيداً؟ يجوز لماذا رجحنا العطف؟
للقاعدة: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، هل يفسد المعنى لو عطفنا: جئت أنا وزيدٌ؟ لا يفسد المعنى، هل خالفنا قاعدة؟
لم نخالف قاعدة، لو قال: جئتُ وزيدا .. وزيدٌ .. ً ما جاء بـ (أنا)، جئتُ (أنا)، أنا تأكيد وزيداً .. وزيدٌ، قلنا: وزيدٌ أرجح من وزيداً، طيب جئت وزيداً؟ نقول: هنا النصب أرجح، لماذا؟
لأننا لو عطفنا لعطفنا على الضمير المرفوع المتصل دون تأكيده، وهذا سيأتي أنه خلاف ما عليه الجمهور، لو قلت: جئت وزيداً، هذا الأرجح، لماذا تركنا العطف وصار مرجوحاً؟
لأننا لو رفعنا قلت: جئت وزيدٌ، زيدٌ صار معطوفاً على (التاء)، إذاً خالفنا قاعدة وهو أنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده، جئت أنا وزيدٌ، جاز.
إذاً: جئت أنا وزيد أرجح من جئت أنا وزيداً، لماذا؟
لصحة المعنى أولاً، وليس فيه خلاف -فساد معنى-، ثم لم نخالف قاعدة، بخلاف فيما لو لم يُؤكَّد الضمير المرفوع المتصل، جئتُ أنا وزيدٌ، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] وَزَوْجُكَ .. وَزَوْجَكَ، يجوز فيه الوجهان، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) لو قال: اسكن وزوجُكَ النصب أرجح؛ لأننا لو رفعنا، رفعنا على ضمير مستتر قبل تأكيده، -ضمير مستتر وهو متصل- قبل تأكيده، ((اسْكُنْ أَنْتَ)) أكَّدنَاه ((وَزَوْجُكَ)) أكَّدنَاه ((وَزَوْجَكَ)) جاز الوجهان والرفع أرجح لعدم فساد المعنى ولعدم مخالفة قاعدة نحوية، وأما: اسْكُنْ وَزَوْجُكَ خالفنا، فالنصب أرجح من الرفع.
برفع ما بعد (الواو) على العطف لأنه الأصل، -الأصل في هذه الأمثلة كلها-؛ لأنها الأصل، وقد أمكن بلا ضعف ويجوز النصب على المعية هنا.
إذاً الضابط في هذا القسم، وهو ترجيح العطف على النصب على المعية مع جواز النصب على المعية، أنه متى ما أمكن العطف دون وقوع في فساد في المعنى، أو مخالفة أصل نحوي، ولو باعتبار المخالف، نقول: الرفع أرجح، متى؟
إذا أمكن العطف دون ضعف، وهذا الضعف موجه إلى جهتين، إما في المعنى وإما في اللفظ، والمراد باللفظ مخالفة الصناعة الإعرابية.


وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، ما الذي زاده؟ ألا يمكن أخذ هذا الحكم من الشطر السابق: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ؟ مفهومه إن لم يمكن العطف، فالنصب أحق وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ يعني أرجح، وهو المختار، مفهومه: إذا لم يمكن العطف؟ قد يكون النصب واجباً، وقد يكون مختاراً.
إذاً قوله: وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ هو تصريح ببعض مفهوم الشطر السابق؛ لأن المفهوم له عموم، -هذه مسألة أصوليه- المفهوم له عموم ولذلك يخصص، النَّصْبُ مُخْتَارٌ: نَّصْبُ مبتدأ، مُخْتَارٌ: هذا خبره، وَالنَّصْبُ على المعية مختار لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، ماهو النسق؟
عطف النسق، يعني العطف (بالواو)، ضَعْفِ في عطف النسق، إما من جهة المعنى، وإما من جهة اللفظ، يعني إما أن يكون المانع من العطف معنوياً، وإما أن يكون مانعاً لفظياً، من جهة المعنى كقوله -لو قال قائل-: كن أنت وزيداً كالأخِ .. كن أنت وزيدٌ كالأخ .. يجوز فيه الوجهان والنصب أرجح، من جهة الصناعة النحوية الإعراب القواعد، كن أنت أكَّده، وزيدٌ إذاً لا محذور، ليس فيه محذور من جهة القواعد الإعرابية، كن أنت أكَّده، لو قال: كن وزيدٌ قلنا: مرجوح، وزيداً هو الراجح، لكن قال: كن أنت إذاً أكده، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) مثله، لكن كن أنت وزيداً كالأخ لو رفعنا ماذا يكون المعنى؟
كن أنت وزيدٌ، زيدٌ دخل في كونه مأموراً وليس هو مراد للمتكلم، أنا أخاطبك أنت كن أنت وزيداً، زيداً ليس بمأمور ليس مخاطب، لو رفعت حينئذٍ دخل في كونه مخاطباً بقوله: كن وليس هذا مراد، هذا فساد من جهة المعنى، حينئذٍ نعدل عن هذا لئلا يدخل تحت الخطاب بكن، نعدل إلى النصب فلا يكون ثم عطف، فالأرجح حينئذٍ يكون النصب، الأرجح: كن أنت وزيداً كالأخِ، كن أنت وزيداً بالنصب أرجح، لماذا؟ لحصول خلل في المعنى؛ لأنه لو عُطف لكان مأموراً والمخاطب هنا أنت، وليس زيداً، أنا ما خاطبت زيداً ولا أمرت زيداً فليس بمأمور، فحينئذٍ نقول: هذا حصل فيه فساد في المعنى دون اللفظ؛ لأنك لو عطفت زيداً على الضمير في كن لزم أن يكون زيدٌ مأموراً وأنت لا تريد أن تأمره، وإنما تريد أن تأمر مخاطبك بأن يكون معه كالأخِ.
ومثله ما مثل به الأشموني وغيره وهو مشهور: لو تُرِكَتِ النًاقَةُ وفَصيلَها لَرَضَعَها، لو تركت الناقة وفصيلها، يعني مع فصيلها، قالوا: هنا النصب أرجح، لماذا؟ لأننا لو أردنا العطف (وفصيلُها) لأدى ذلك إلى تكلف وتعسف في التقدير، وما كان كذلك حينئذٍ نعدل عنه إلى النصب.
أي مع فصيلها، والعطف ممكن في هذا التركيب على تقدير: لو تركت الناقةَ ترأم فصيلها وتُرك فصيلُها يرضعها لرضعها، مشوار حتى نصل إلى العطف، كن أنت وزيداً كالأخ هذا أوضح، وأما من جهة اللفظ نحو: جئت وزيداً، هذا أرجح من جئت وزيدٌ، لماذا؟
لأننا لو عطفنا لوقعنا في محذور، وهو أننا عطفنا على ضمير رفع متصل قبل تأكيده، إذاً ترجح النصب، جئتُ وزيداً واذهب وعمراً .. اذهب وعمروٌ النصب أرجح، لماذا؟


لو عطفنا، عطفنا على الضمير قبل تأكيده، وهو مرجوح؛ لأن العطف على الضمير المتصل لا يقوى إلا مع الفصل، ولا فصل فالمختار النصب.
إذاً: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ .. وَالنَّصْبُ على المعية مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، إما من جهة المعنى كما ذكرناه، وإما من جهة اللفظ.
وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقُّ، قلنا: يعني أرجح من النصب على المعية؛ لأنه يقال: جاء زيدٌ وعمروٌ وجئت أنا وزيدٌ و ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ))؛ لعدم الخلاف في جوازه بخلاف النصب إذ قيل: سماعي، ولصيرورة العمدة في النصب فضلة، ولأن الأصل في الواو العطف، ومحل جواز الأمرين إذا اقصد المتكلم مطلق النسبة، فإن قصد التنصيص على المعية تعين النصب، وإن قصد عدم التنصيص عليها فبقاء الاحتمال تعين الرفع .. هذا استثناء مما سبق: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقُّ يعني إذا قصد المتكلم التنصيص على المعية حينئذٍ ترجح النصب، وإن قصد العطف ترجح العطف، وإن لم يقصد حينئذٍ هذا محل الترجيح، هذا محل الترجيح أنه إذا لم يتعين، محل جواز الأمرين إذا قصد المتكلم مطلق النسبة، يعني ما تدري ما مراده، هل مراده العطف أو مراده النصب على المعية؟
حينئذٍ تجوز الوجهين، أما إذا علمت بقرينه حالية بأنه يريد أن ما بعد (الواو) منصوب على المعية فالنصب أرجح، أو أنه معطوف فالرفع أرجح على الأصل، فإن قصد التنصيص على المعية تعين النصب، وإن قصد عدم التنصيص عليها وبقاء الاحتمال تعين الرفع، إذاً محل الجواز هنا إذا لم تدل قرينة على مراد المتكلم بإرادة واحد من الوجهين.
وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ: هذا النوع الثالث ما يمتنع فيه العطف، وهذا نوعان: ما يتعين أن يكون مفعولاً معه، يعني يجب أن يكون مفعولاً معه، والثاني: ما يمتنع أن يكون مفعولاً معه.
وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ، متى لا يجوز؟
لمانع، ثم المانع هذا -في كل الأحوال- إما أن يكون لفظياً، وإما أن يكون معنوياً، يعني إذا فسد المعنى بالعطف حينئذٍ رجعنا إلى النصب، وإذا فسد المعنى بالنصب رجعنا إلى العطف، فهو مُراعى، فساد المعنى لا بد من اعتباره، وكذلك إذا امتنع العطف رجعنا إلى النصب، وإذا امتنع النصب رجعنا إلى الرفع، فالمُحكَّم هنا المعنى والقواعد العامة الاصطلاحية عند النحاة.
وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي، المانع المعنوي مثل (سرتُ والنيلَ) ما حكم نصبه على المفعولية هل يجوز العطف؟ لا يجوز، لماذا؟
النيل لا يسير، إذاً لا يوصف ما بعد (الواو) بما دل عليه الفعل، بمعنى أنه لا يشارك ما قبله في الفعل، (سرتُ والنيلَ) أنا الذي أسير، والسير وصفٌ لي، والنيل؟ لا يسير، إذاً لا يمكن العطف، فحينئذٍ نقول: يتعين النصب سرت والنيلَ هذا واجب النصب، مشيتُ والحائطَ .. هل نقول الحائطُ يمشي؟ لا يصح، ومات زيدٌ وطلوعَ الشمسِ، لو عطفت فسد المعنى، مات زيدٌ وطلوعُ الشمس، طلوع الشمس مات؟ لا يصح؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، فيوصف ما بعد (الواو) بما قبلها.


مما لا يصح فيه مشاركة ما بعد (الواو) منه لما قبلها في حكمه، والمانع اللفظي نحو: مالكَ وزيداً؟ وما شئنُك وعمراً؟ مالك وزيداً؟ (ما) (لك)، (لك) اللام حرف جر، و (الكاف) ضمير مجرور (باللام) وزيداً .. وزيدٌ، نقول: هنا يتعين زيداً -على رأي-، وسيأتي أن الناظم يرجح أنه يجوز، عطف الضمير المجرورِ بحرف جر لا يجوز إلا مع إعادة الخافض، يعني حرف الجر، إذا قلت: مالك وزيدٌ، إذا عطفت وجب أن تقول: مالك ولزيدٍ؛ لأنك لا تعطف على مدخول (اللام) إلا بإعادة (اللام) والنصب عندهم ممنوع، ولذلك لا يعتبروا القراءة المشهورة: ((تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)) [النساء:1] وَالأَرْحَامِ بالكسر قالوا: هذا لا يصح، لماذا؟ لأنه مخالف للقواعد، لو كان معطوفاً على الضمير لقال: تسائلون به وبالأرحام، لا بد أن يأتي (بالباء) مرة أخرى، لا يجوز ولذلك يتعين النصب، وسيأتي معنا أنه يجوز العطف دون إعادة الخافض، لكنه قليل، استدلالاً بالقراءة المشهورة.
ما لك وزيداً؟ وما شئنك وعمراً؟ لأن العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور -جمهور البصريين-، لا بد من إعادة الخافض ((تَسَاءَلُونَ بِهِ وبَالأَرْحَامَ)) إذا أردت الخفض، وإلا إذا لم تعد الباء حينئذٍ يتعين النصب، وأما والأرحامِ دون إعادة الباء هذا ممنوع عندهم، والصواب جوازه كما سيأتي. ولابد من إعادة حرف الجر ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)) [المؤمنون:22] ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ)) لا بد أن تأتي بـ (على) مرة أخرى، فتعين النصب على المعية، وقمتُ وزيداً لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد التوكيد بضمير منفصل ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الأنبياء:54] ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ))، عطف على (كُنتُمْ) وهو الضمير المتصل بعد التأكيد.
إذاً هنا يتعين النصب إذا فسد المعنى، أو خالف قاعدة من أصلها، نقول: لا بد من النصب.
وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ .. امتنع العطف إما لمانع معنوي، مثل ماذا؟ سرتُ والنيلَ، أو لمانع لفظي، مثل ماذا؟ مالك وزيداً، يجب النصب هنا.


يَجِبْ ... أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ: وَالنَّصْبُ على المعية إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي يَجِبْ، يَجِبْ هذا خبر وَالنَّصْبُ، أَوِ قد يمتنع العطف والنصب على المعية، هذا وجه رابع، يمتنع الوجهان لا عطف، ولا نصب على المعية، اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ لائق بالمقام تُصِبْ: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً، عَلَفْتُها: فعل وفاعل (والهاء): مفعول أول، تِبْناً: مفعول ثاني، وَمَاءً: هذا لا يصح العطف، ولا يصح النصب على المعية، لماذا؟ لأن الماء لا يُعلف، لا يصح الماء أن يعلف، وإنما العشب هو الذي يعلف، علفتها تبناً وسقيتها ماءً، سقيتها ماءً اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ لا ئقٍ ملائم للمقام تُصِبْ، يعني تصب الحكم الصحيح، فحينئذٍ خرج عن كونه مفعولاً معه، وخرج عن كونه معطوفاً؛ لأنه هو يأتيك منصوب، فلا يمكن فيه النصب؛ لامتناع أن يكون الماءُ معلوفاً، وكذلك لا يصح النصب على المعية لما ذكرناه، إشارة إلى ما امتنع فيه العطف والنصب على المعية.
قال: وإن لم يمكن عطفه تعين النصب على المعية أو إضمار فعل يليق به، لكن المشهور أنه حتى على المعية في هذا التركيب لا يصح، ونص على ذلك ابن هشام في الأوضح.
عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً: العطف ممتنع، قال ابن هشام في الأوضح: العطف ممتنع لانتفاء المشاركة، وماءٌ ينتفي أن يشارك تبناً، عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً لا يصح المشاركة.
والنصب على المعية ممتنع كذلك لانتفاء المصاحبة في الأول، وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني، هذا لأنه جمع بين مثالين: وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا، يعني كحلن العيون لا بد من التقدير، فأُوِّل العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما، فأُوِّل عَلَفْتُها: أنلتها، لكن ليس هذا الذي رجحه ابن مالك -رحمه الله تعالى-، يعني يجوز أن يقال بالتضمين علفتها يعني أنلتها، وأنال هذا يشمل العشب -التبن- ويشمل الماء، حينئذٍ لا يختص بواحد منهما، بل يَنصَبُّ على الاثنين وهذا لا إشكال فيه، لكن يبقى المسألة في: هل يضمن الفعل معنى فعل آخر أو لا؟ المسألة خلافية. فأُوِّل عَلَفْتُها بـ أنلتها، وزُجَّجْنَ بزينا كما ذهب إليه المازني والمبرد وغيرهما.
أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ ملائم لما بعد الواو ناصبٍ له تُصِبْ، أي وسقيتها ماءً، وكحلن العيونا، وهذا مذهب الفارسي والفراء، وهو الذي اختاره الناظم هنا رحمه الله تعالى.
إذاً: وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي يَجِبْ، أَوِ اعْتَقِدْ: هذا عطف على يجب، وهذا فيه مشكلة، وهي عطف الطلبي على الخبري، إما أن يقال: بأن الناظم يرى الجواز وإما من التأويل، إما أن يقال: بأن الناظم هنا قال: أَوِ اعْتَقِدْ، هذا أمر، يَجِبْ، حينئذٍ إما أن نؤول الأول أو نؤول الثاني.


وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ أوجب أَوِ اعْتَقِدْ، هكذا أوَّله المكودي، أوجب أَوَّلَ الأول بطلبي، إذاً هو خبرٌ في معنى الطلب، إذاً حصل التطابق، .. عطف على يَجِبْ من عطف الإنشاء على الإخبار للضرورة، إما أن يقال بأنه للضرورة وبذلك أجاب الصبان في الحاشية بأنه ضرورة، أو يقال: جرياً على القول بجوازه، أو يَجِبْ في معنى أوجب -وهذا أولى-، يَجِبْ في معنى أوجب، فحينئذٍ عطف طلبي لفظاً ومعنىً على طلبي معنىً دون لفظٍ.
إذاً: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً، لا يجوز فيه الوجهان. قال الشارح: فماءً منصوب على المعية أو على إضمار فعل يليق به، -تجويز المعية هذا فيه كلام طويل- والتقدير وسقيتها ماءً بارداً، وكقوله تعالى: ((فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ)) [يونس:71] هذا يمتنع أن يكون عطفاً، فقوله: شُرَكَاءَكُمْ، لا يجوز عطفه على أَمْرَكُمْ؛ لأن العطف -عطف النسق- على نية تكرار العامل، إذ لا يصح أن يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: أجمعتُ أمري وجمعتُ، فرقٌ بين أجمع -هذا في المعنى- وجمعتُ -هذا في المحسوس-، والأمر معنوي والشركاء محسوس، فلا يقال: أجمعتُ أمري وجمعت شركائي، فشركائي منصوب على المعية، والتقدير -والله أعلم- فأجمِعوا أمركم مع شركاءكم، أو منصوب بفعل يليق به، والتقدير: فأجمعوا أمركم واجمعوا، أجمعوا بهمزة القطع، واجمعوا هذا أمرٌ من جمعتُ، شركاءكم.
إذاً الأقسام تكون ثلاثة في لجملة: قسم يجوز فيه الوجهان ويترجح العطف:
وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ.
وقسم ثاني: يجوز فيه الوجهان والنصب أرجح: وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ.
الثالث: ما يمتنع فيه العطف فيتعين فيه النصب، بقي قسم: وهو ما يتعين فيه العطف، ومثَّلنا له فيما إذا لم يسبق اللفظ عاملٌ لا فعل ولا شبه الفعل: كل رجل وضيعتُه نقول: هذا واجب العطف ولا يجوز فيه النصب على المعية لعدم تقدم الفعل وشبهه، كذلك اختصم زيدٌ وعمروٌ، واجب العطف ولا يجوز النصب هنا، بخلاف جاء زيدٌ وعمراً جائز، أما اختصم زيدٌ وعمروٌ لا؛ لأن الفعل هنا لا يقع من واحد، جاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده قلنا: يجب العطف ولا يجوز النصب.
قال ابن هشام: الحالات خمس على جهة التفصيل، الأول: وجوب العطف كما في كل رجلٍ وضيعتُه، ونحو اشترك زيدٌ وعمروٌ، وجاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده.
ثانياً: رجحانه نحو جاء زيدٌ وعمروٌ لأصالة العطف وإمكانه بلا ضعف.
ثالثاً: وجوب المفعول معه وذلك في نحو: مالك وزيداً، ومات زيدٌ وطلوعَ الشمس، لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة، وفي الثاني من جهة المعنى.
رابع: رجحانه، يعني مع جواز العطف، قمتُ وزيداً، وكن أنت وزيداً كالأخِ، هذا في الأول للضعف الصناعي، وفي الثاني من جهة المعنى.
خامساً: امتناعهما معاً -هذا الشاهد- امتناعهما معاً، يعني لا يجوز العطف ولا النصب على المعية، ومثَّل له بـ: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً، وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا.


هذه المفاعيل كلها: المفعول المطبق وبه والمفعول فيه ولأجله ومعه، إذا اجتمعت كلها في تركيب واحد: قُدِّم المفعول المطلق، ثم المفعول به، -يعني أولوية ليس وجوباً- أولوية أن يقدم المفعول المطلق، ثم المفعول به الذي تعدى إليه العامل بنفسه ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول فيه الزماني ثم المكاني، الزماني مقدم على المكاني، لماذا؟؟؟؟ ولذلك عمل الفعل في الظرف بنوعيه، يرد السؤال لماذا فصلنا: وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ .. وأما المكاني فلا؟
نقول: لأن الفعل دلالته على الزمان أقوى، يدل عليه بالتضمن والالتزام، وأما دلالته على المكان فبالالتزام ولذلك عمل فيه على نية النسبة إلى مكان ما.
إذا قلنا: قام زيدٌ، القيام أين يقع؟
لا بد له من مكان دل عليه قام نسبة إلى مكانٍ ما، أما التعيين هذا يرجع إلى تخصيص الفاعل نفسه، وأما الفعل دل إلى نسبة إلى مكان ما مبهم، ولذلك عمل في المبهم دون المختص؛ لأنه لا يدل عليه بالوضع وإنما يدل عليه بدلالة التزام، ثم إن دل عليه بدلالة التزام إنما يدل عليه على جهة الإبهام؛ لأنه قام يستلزم مكاناً ما، لا يستلزم أن يكون في طائرة أو في دور ثاني أو على الأرض أو على بساط، هذا التعيين يكون بفعل الفاعل نفسه، وأما الفعل لا، إنما يستلزم مكاناً ما، وهذا مكاناً ما هو الإبهام، فلذلك عمل فيه، الشاهد هنا: الزماني مقدم على المكاني، ثم المفعول له ثم المفعول معه –متأخر-.
ضربتُ ضرباً زيداً بسوطٍ نهاراً هنا تأديباً وطلوعَ الشمس –أمروها كما جاءت-، ضربتُ ضرباً هذا مفعول مطلق، زيداً مفعول به، بسوطٍ تعدى إليه بحرف، نهاراً ظرف زمان، هنا؟؟؟، تأديباً مفعول لأجله، وطلوع الشمس؟؟؟ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!