شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* مسوغات مجئ صاحب الحال نكرة
* تقديم الحال على صاحبه
* مسوغات مجئ صاحب الحال مضافاُ إليه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ ... لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ
يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ
مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلاَ ... يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى
امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ
هذا شروعٌ منه في ما يتعلَّق بصاحب الحال, صاحبُ الحال يُشترَط فيه عند
النحاة أن يكون معرفة بلفظه أو يكون نكرة لكنه بمسوّغ؛ لأن حكمه حكم
المبتدأ، الحال في المعنى كالخبر، وإذا كان كذلك صار صاحب الحال
كالمبتدأ؛ لأنه محكوم عليه، والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، والحكم
على النكرة لا يُفيد شيئاً.
إذن لا بد أن يكون صاحب الحال معرفة؛ هذا وجهُ اشتراط صاحب الحال أن
يكون معرفة؛ لأن الحال في المعنى مُوافقة للخبر، والخبرُ محكوم به،
وإذا كان كذلك حينئذٍ يُشترَط في الحال ما اشتُرِط في الخبر، وهو كون
المحكوم عليه معرفة أو نكرة لها مسوّغ.
وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ .. وَلَمْ يُنكَّرْ ذُو
الْحَالِ غَالِباً، وَلَمْ يُنكَّرْ: هذا مُغيّر الصيغة ومجزوم بلم،
وذُو الْحَالِ، ذُو: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من
الأسماء الستة.
إذن ذُو نقول: نائب فاعل مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضمة، لأنه من
الأسماء الخمسة أو الستة، وهو مضاف والْحَالِ مضاف إليه.
صاحب الحال المراد به من كانت الحال وصفاً له، فحينئذٍ يُنظَر فيه إلى
المعنى، جاء زيدٌ راكباً, راكباً وصف لمن؟ لزيد، ضربتُ اللص مكتوفاً،
مَن المكتوف؟ قطعاً المضروب الضارب كيف يضرب وهو مكتوف؟ إذن: نقول: هذا
حال من المفعول به.
ذُوالْحَالِ أي صاحب الحال، وهو من كانت الحال وصفاً له، وهذا يُرجَع
فيه إلى المعنى، وإذا احتملَ حينئذٍ جُوِّز الوجهان؛ ضربت زيداً
راكباً، يحتمل أني ضارب وأنا راكب وزيد ماش، ويحتمل العكس؛ أنا ماشي
وزيد راكب، فراكباً هذه يحتمل أنه حال من الفاعل، ويحتمل أنه حال من
المفعول، فيُجوَّزُ على حسب المعنى، هنا المقاصد لها اعتبار، إذا أراد
أنهما راكبان حينئذٍ يقول: ضربت زيداً راكبينِ، بالتثنية، هذا واجب؛
لأن الأصل راكباً راكباً, (راكباً) الأولى حال لزيد، و (راكباً)
الثانية حال للتاء، ضربت زيداً راكباً راكباً، هذا الأصل، فإذا اتحدا
لفظاً وجبَ التثنية تقول: ضربت زيداً راكبين.
وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ، لَمْ يُنكَّرْ إذا لم ينكر
حينئذٍ جاء معرفة.
قوله: غَالِباً احترازاً من غير الغالب، حينئذٍ قد يأتي نكرةً، وهل هو
سماعي أو قياسي؟ سيأتي أن سيبويه يرى العموم.
الأصل في صاحب الحال أن يكون معرفة، والسرُّ في ذلك أنه في الحقيقة
مُبتدأ، فنسبةُ الوصف إليه كأنه مبتدأ؛ فقولك: (جاء زيد راكباً) بمنزلة
(زيد راكب)، مُبتدأ وخبر، فصاحبُ الحال شبيهٌ بالمبتدأ، وعليه فالمبتدأ
لا يكونُ إلا معرفة أو نكرةً بمسوّغ.
قال:
إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ ... مِنْ بَعْدِ
نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ .......
عرفنا إذا كان معرفة، إذا جاء نكرة حينئذٍ
لا بدّ مِن مسوّغ، وذكرَ الناظم هنا أربع أوجه لتسويغ كون صاحب الحال
نكرة؛ هي أربعة في الجملة، وستة عند التفصيل.
إذن: حقُّ صاحب الحال أن يكون معرفة، ولا يُنكّر في الغالب إلا عند
وجود مسوّغ، قد يكون هذا مراد الناظم؛ أن غير الغالب أن يكون نكرة
بمسوّغ، ويحتمل أنه نكرة بدون مسوّغ، ولذلك عند سيبويه لا يُشترَط أن
يكون صاحب الحال معرفة، بل يكون نكرة عنده، كما سيأتي.
إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني: صاحب الحال إذا كان نكرة؛ فمن المسوّغات
أن يتأخّرَ صاحب الحال ويتقدّم الحال النكرة، فإن تأخّرَ كان ذلك
مسوّغاً لمجيئه نكرة، إذا قلت مثلاً: رجلٌ فيها قائماً، هل يصحّ؟ لا
يصحن لماذا؟ لكون صاحبِ الحال وهو رجل نكرة، إذن ماذا نصنع؟ قائماً
فيها رجل أو قائم رجل فيها، قدَّمنا الحال على النكرة، فإذا قُدّمت
الحال على النكرة حينئذٍ نقول: هذا مُسوّغ، يعني: مُجوِّز، سَوّغ الشيء
يعني جوّزه، جَوّزَ لك أن تبتدأ بنكرة وهي صاحب حال، والأصل فيها أن
تكون معرفة، كون الحال متقدمة فتأخّر صاحب الحال هذا فيه نوع إفادة,
إفادةٌ ما، وسبقَ معنا هناك: (مَا لَمْ تُفِدْ)، فإن أفادت أَيَّ فائدة
بحيث يكون المخاطَب مستفيداً من كلام المتكلم شيئاً ما حينئذٍ نقول:
حصلت الفائدة، هذا الضابطُ فيها، مثلُهُ الحكم هنا.
إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني صاحب الحال، فإن تأخّرَ حينئذٍ نقول: جازَ
أن يكون صاحب الحال نكرة.
لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ, طَلَلُ هذا مبتدأ، وهو صاحب الحال،
ومُوحِشاً هذا حال، جوّزَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها،
لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ، مُوحِشاً هذا حال من المبتدأ، وفيه خلاف؛
سيبويه على الجواز .. أن يكون الحال من المبتدأ، والجمهور على المنع.
إذن المسوّغ الأول: التأخير؛ أن يتأخَّرَ من صاحب الحال أو الحال؟ أن
يتأخر صاحبُ الحال، وأن يتقدَّمَ الحال على النكرة، نقول: فيها قائماً
رجلٌ، وكقول الشاعر وأنشده سيبويه:
وَفِي الجِسْم مِنِّي بَيِّناً لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإِنْ
تَستَشْهِدي العَيْنَ تَشْهَدِ
شُحُوبٌ: مبتدأ مؤخّر، وَفِي بِالجِسْم هذا خبر مُقدّم، بَيِّناً هذا
حال، شُحُوبٌ بَيِّناً، بَيِّناً هذا حال، وصاحب الحال هو شُحُوبٌ، وهو
مبتدأ وهو نكرة، سوَّغَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها، وهذا
هو المسوّغ.
إذن بَيِّناً حال، وعند الجمهور أنه حال من
الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبراً، يعني: ليس من شُحُوبٌ،
يعني: شُحُوبٌ هذا مبتدأ مُؤخّر، وبَيِّناً هذا حال، وهذا عند الجمهور
لا يجوز؛ لا يجوز أن يكون الحال آتياً من المبتدأ، لا يجوز هذا؛ لأن
شرط العامل في الحال أن يكون عاملاً في صاحب الحال، ومتى ما اختلفا لا
يصحّ، وهنا العامل في (بَيِّناً) -إذا أعربناه حال- العامل فيه
شُحُوبٌ، وهو صاحبُ الحال، والعاملُ في شُحُوبٌ وهو مبتدأ الابتداء،
إذن اختلفا، إذا اختلفا لا يجوز؛ لأن شُحُوبٌ هذا مرفوع بالابتداء،
والحال منصوب بالمبتدأ، ويُشترَط في صحة الحال من صاحب الحال أن يكون
صاحبُ الحال مُعرباً بعاملٍ هو عينُهُ العامل في صاحب الحال، فإن اتفقا
حينئذٍ نقول: هذا جائز، جاءَ زيدٌ راكباً، راكباً منصوب بـ (جاء)، أينَ
صاحبُ الحال؟ زيد، مرفوع بماذا؟ بـ (جاء)، إذن اتحدا في العامل,
العاملُ في صاحب الحال هو عينُه العامل في الحال، إن اختلفا لا يجوز،
ولذلك امتنعَ مجيءُ الحال من المبتدأ؛ لأن المبتدأ يكون عاملاً في
الحال؛ النصب، طيب ما الذي رفع المبتدأ؟ الابتداء وهو شيء مُغاير
للمبتدأ، فامتنع، ولذلك هنا في مثل هذا التركيب ما استشهد به سيبويه؛
لأنه يرى صحة مجيءَ الحال من المبتدأ؛ لأنه لا يَشترِط اتفاقَ واتحاد
العامل. إذن شُحُوبٌ نقول: هذا مبتدأ مؤخّر، وبَيِّناً هذا على مذهب
سيبويه حال من شُحُوبٌ، والذي سوّغَ مجيء الحال من النكرة تقديمُه
عليها وتأخيرُ صاحب الحال، وعندَ الجمهور بَيِّناً ليس حالاً من شحوب،
وإنما حالٌ من الضمير المستتر في (بِالجِسْم)؛ جار ومجرور متعلق بقوله:
مستقر أو استقر، فانتقلَ إليه الضمير فهو حال منه. عندَ الجمهور حال من
الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبراً؛ لامتناع مجيء الحال من
المبتدأ، لا بد أن يتحدَ عامل الحال وعامل صاحب الحال، فلذا لا يُصحح
الجمهور مجيء الحال من المبتدأ لاختلاف العامل:
وَمَا لاَمَ نَفْسِي مِثْلَهَا ليَ لاَئِمٌ ... وَلاَ سَدَّ فَقْرِي
مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي
وَمَا هذا حرف نفي، وهذا هو المسوّغ هنا، لكن باعتبار آخر، مَا لاَمَ
نَفْسِي هذا مفعول به، لاَمَ فعل ماضي، ونَفْسِي هذا مفعول به،
مِثْلَهَا بالنصب على أنه حال، ليَ لاَئِمٌ، لاَئِمٌ هذا صاحب الحال،
مَا لاَمَ فعل ماض، لاَئِمٌ هذا فاعل، مِثْلَهَا هذا حال، ما الذي
سوّغَ مجيءَ صاحب الحال نكرة؟ تقديمُ الحال عليه.
إذن إن لم يتأخّر صاحبُ الحال لا يجوزُ
مجيءُ الحال منه وهو نكرة، وحينئذٍ صارَ التأخيرُ مسوّغاً له، لماذا؟
لأنه إذا تأخّرَ حصلَ نوع فائدة، مثلما قلنا هناك: في الدار رجلٌ، إذا
قلت: رجلٌ في الدار، يعني: كائن في الدار، رجلٌ في الدار، في الدار
رجلٌ, (رجلٌ في الدار) لا يجوز، لماذا؟ لكون (في الدار) هذا خبر،
وحينئذٍ (رجل) هذا مبتدأ نكرة، وافتقار النكرة للنعت أشدُّ من افتقارها
للخبر، فيُتوهّم أنه نعت لا خبر، فقُدِّم الجار والمجرور للدلالة على
أنه خبر لا نعت، فحصلَ نوعُ إفادةٍ للمبتدأ، ليس فائدة تامّة؛ (في
الدار رجل) (رجل في الدار) النتيجة واحدة، لكن لئلا يلتبس بالنعت،
حينئذٍ صارَ تقديمٌ وتأخير، هنا كذلك، فإذا قُدِّم النكرة وهو الحال
على صاحبها حصلَ نوعُ تخصيص عند السامع؛ نوعاً ما، وإن لم يكن على وجه
التمام.
إذن هذا هو المسوّغ الأول؛ كونه يتأخَّر؛ يعني: صاحب الحال.
أَوْ يُخَصَّصْ والتخصيص هنا تحته صورتان: إما أن يُخصَّص بالوصف، وإما
أن يُخصَّص بالإضافة، فيشمل صورتين: بالوصف (جاء رجلٌ طويلٌ راكباً)،
(جاء رجلٌ راكباً) لا يصح؛ لأن رجل هذا صاحب الحال وهو نكرة، إذا
وصفتَه حصلَ له نوع تخصيص، كما تقول .. هناك كما ذكرنا: وَمَصْدَرٌ
مُنكَّرٌ، قلنا: مَصْدَرٌ هذا نكرة، وصحَّ الابتداء به لماذا؟ لكونه
موصوفاً بقوله: مُنكَّرٌ، (جاء رجل طويل راكباً) نقول: راكباً هذا حال،
وصاحب الحال رجل وهو نكرة، ما الذي سوّغَ كون صاحب الحال نكرة؟ وصفُهُ
بطويل، كذلك بالإضافة، كما يُخصّص المبتدأ بالإضافة كذلك يُخصَّص صاحب
الحال بالإضافة، (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ)، خمسُ صلوات:
حصل التخصيصُ بالإضافة، هنا "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء
لِّلسَّائِلِينَ" سواءً أي مُستوية، وهذا حال من أربعة، أربعة ماذا؟
دنانير .. أربع سموات .. أربع أراضين .. ؟ هذا يحتمل لمّا قال:
((أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)) حينئذٍ حصلَ له نوع تخصيص، لكن فيه نوعُ
إبهام، وهو تعيين هذه الأيام، حينئذٍ نقول: حصلَ نوعُ تخصيص بالإضافة
"فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ"، سواءً: هذا حال من
أربعة وهو نكرة؛ لأن النكرة هنا أُضيفت إلى نكرة فلم تكتسب التعريف،
وإنما اكتسبت التخصيص.
ومنها أن تُخصّص النكرة بالوصف أو
بالإضافة، فمثال ما تَخصّص بوصفٍ قوله تعالى: " فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا" هذا فيه نزاع طويل بينَ
النحاة، ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ)) , كُلُّ هذا نائب فاعل، وهو مضاف،
وأمرٍ هذا مضاف إليه، وهو واحد الأمور وهو صاحب الحال، حيكم نعت له،
نعت، حصلَ له تخصيص بالنعت، أمراً هذا حال منه؛ حالٌ من المضاف إليه،
والمضاف هنا جزء من المضاف، أمراً نقول: هذا حالٌ من المضاف إليه وهو
أمرٍ، وهو نكرة؛ لأن كل هنا أُضيفت إلى نكرة ولم تكتسب التعريف،
فحينئذٍ هو نكرة، وكل كما سبقَ باعتبار ما تضاف إليه؛ إن أُضيفت إلى
المصدر فهي مصدر، وإن أُضيفت إلى الزمن أو المكان فهي اسم زمان أو اسم
مكان وَهَلُمْ جَرَّا .. ، وحينئذٍ (كُلُّ أَمْرٍ) نقول: هذا في قوة
المصدر، وهو نكرة، قيل: حكيم هذا وصف له؛ فهو المسوّغ لا الإضافة،
أمراً نقول: هذا واحد الأوامر، وهو حال، وقيل: أمراً منصوب بفعل محذوف
تقديره أعني أمراً من عندنا، أمراً ليس بحال وإنما هو مفعول به لفعل
محذوف تقديره: أعني، ولك أن تجعلَه مفعولاً لأجله، فِيهَا يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ لأجل أنه أمرٌ من عندنا، فهو تعليل، ولكَ أن
تجعله مفعولاً مطلقاً منصوباً بفعل من معنى يُفرق، مثل قعدتُ جلوساً،
على قول، والشاهد هنا أن الشارح أتى به على أنه منصوب على الحالية،
أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا، فيه إشكال عند بعض النحاة.
نَجَّيْتَ يَا رَبِّ نُوحَاً وَاُسْتَجَبْتَ لَهُ ... فيِ فُلُكٍ
مَاخِرٍ فيِ الْيَمِّ مَشْحُونَا
فيِ فُلُكِ مَاخِرٍ، فُلُكِ نقول: هذا نكرة، وصفَه بقوله: مَاخِرٍ، ثم
قال: مَشْحُونَا, مَشْحُونَا هذا حال من فُلُكِ، وهو موصوف وهو نكرة.
ومثال ما تَخصّص بالإضافة قوله تعالى: "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ"
أَرْبَعَةِ: هذا نكرة مضاف إلى أيامٍ، وهو نكرة، حينئذٍ لم يكتسب
التعريف بل استفادَ التخصيص، سَوَاءً هذا حال، وقد يُخصّص بمعمولٍ نحو
(عجبت مِنْ ضَرْبٍ أَخُوكَ شَدِيداً)، ضربٍ أخوك، شديداً هذا حال من
ضربٍ وهو مصدر، وهو نكرة، أين التخصيص؟ نقول: حصلَ بالعمل، وسبقَ أن
المبتدأ من المسوّغات له كونها: (وَرَغْبَةٌ فِي الخَيْرِ)، كونها
عاملة سوّغَ الابتداء بها، هنا كون صاحب الحال عاملاً مُسوّغ لمجيء
الحال منه وهو نكرة، عجبتُ من ضربٍ بالتنوين، أما من (ضرب أخيك) صار
مضاف ومضاف إليه، من ضرب أخوك شديداً، فـ (شديداً) هذا حال من ضرب وهو
نكرة، وسوّغَ مجيء الحال منه وهو نكرة كونه عاملاً.
إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ
يَبِنْ: هنا طبعاً على تكرير العامل، إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ
يُخَصَّصْ يعني، يُوصف أو يُضَف، أَوْ لم يَبِنْ، يَبِنْ يعني يظهر
الحال واقعاً، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ: مِنْ بَعْدِ هذا مُتعلّق بقوله:
يَبِنْ، يعني: يظهر ويبين، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ أي
مُشابهه، وهذا يدخلُ تحته صورتان: الاستفهام والنهي، وحينئذٍ على
التفصيل هذه ستُّ مسوّغات؛ لأنه دخلَ تحت التخصيص صورتان، ودخلَ تحت
مضاهيه صورتان، فالمجموعُ ست، وإذا نظرنا إلى العموم فهيا أربع. مِن
المسوّغات أن تقعَ النكرة بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام
والنهي، وهو المراد بقوله: أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ.
مَا حُمَّ مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا ... وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ
بَاقِيَا
مَا: نافية، حُمَّ: هذا مغير الصيغة، مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا،
وَاقِيَا: حال، صاحب الحال حِمًَى، حِمًَى هذا نكرة، ما المسوّغ لمجيء
الحال من النكرة؟ وقوعُها في سياق النفي؛ لأن النكرة في سياق النفي
تعمّ، وإذا عمّت صارت من جهة المعنى معرفة، نعم معرفة؛ من جهة المعنى
صارت معرفة؛ لأنه يعمّ كل شخص يصدقُ عليه هذا اللفظ وهو داخل، ولذلك
نقول: هنا العموم استغراقي، بمعنى أنه يستغرق كل الأفراد، لا يخرج عنه
فردٌ من الأفراد، حينئذٍ صارَ عاماً من جهة المعنى، صار معرفةً من جهة
المعنى. إذن حِمًَى نقول: صاحبُ الحال نكرة؛ سَوّغَ مجيئه نكرة كونه في
سياق النفي، وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ بَاقِيَا، بَاقِيَا كذلك حال،
وصاحبُ الحال (أَحَدٍ) وهو نكرة، حينئذٍ نقول: سوّغَ مجيء صاحب الحال
نكرة لكونه في سياق النفي، (وَلاَ) الواو حرف عطف، (لا) هذه زائدة
للتأكيد، ترى إن جعلناها بصريّة حينئذٍ صحَّ التمثيل، وتكون باقياً هذا
حال، و (مِن أَحَدٍ) أَحَدٍ هذا يكون صاحب الحال، وإذا جعلناها علميّة
حينئذٍ صارَ (بَاقِياً) هذا مفعولاً ثانياً، ليسَ فيها شاهد، إنما
الشاهد يكون في الطرف الأول.
ومنه قوله تعالى: "وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا
كِتَابٌ مَّعْلُومٌ"، " إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ"، هناك الشاهد أوضح
((إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ)) كتابٌ معلومٌ لها، لَهَا كِتَابٌ
مَعْلُومٌ، لَهَا خبر مُقدّم، وكِتَابٌ مَعْلُومٌ مبتدأ وصفته،
والجملةُ في محلّ نصب حال، والواو هنا هي المسوِّغة، وكذلك الفصل بإلا
مُسوّغ، وما هذه نافية، لكن أرادَ هنا الشارح أن يأتي بالمثال لكون
النكرة مسبوقة بنفي ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , قرية هذا
نكرة في سياق النفي فيعمّ، ولذلك دخلت عليه مِن الزائدة ((وَمَا
أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , (قَرْيَةٍ) ما إعرابها؟ مفعول به، تضعُه
من الأمثلة التي جُرّ المفعول به ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْ رَسُولٍ)) رسولاً ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) وما أهلكنا
قريةً، إذن هو مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة منعَ من ظهورها اشتغال
المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة (وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) في
محلّ نصب حال، فالمسوّغ هنا في هذه الآية ثلاث: ما النافية كونه في
سياق النفي، وإلا، وواو الحال.
ومثال ما وقع بعد الاستفهام:
يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ العُذْرَ
فِي إِبْعَادِها الأَمَلاَ
يا صَاحِ هَلْ هذا حرف استفهام، عَيْشٌ: فاعل، حُمّ هذا مُغيّر الصيغة،
وعَيْشٌ نائب فاعل، وبَاقِياً حالٌ من عيش، وهو نكرة، ما الذي سوّغَ
لمجيء الحال منه وهو نكرة؟ كونه في سياق الاستفهام، والنكرة في سياق
الاستفهام تعمّ، يعني: مثلما إذا جاءت في سياق النفي، وهو شبه النفي.
ومثال ما وقَعَ بعد النهي قولُ المصنف: لاَ يَبْغِ أمْرُؤٌ عَلَى
امْرِيءٍ مُسْتَسهِلاً، امْرُؤٌ هذا فاعل، مُسْتَسهِلاً هذا حال من
الفاعل، ما الذي سوّغَ ذلك؟ كونُ امرؤ في سياق النهي.
لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الوَغَى
مُتَخَوِّفَاً لِحَمَامِ
مُتَخَوِّفَاً هذا حال، وصاحبُ الحال هو أَحَدٌ.
إذن: وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً يعني: في الغالب، وَلَمْ يُنكَّرْ ذُو
الْحَالِ غَالِباً، ما مفهوم (في الغالب)؟ هل مجيء صاحب الحال نكرة
بمسوّغ أو مجيئها بدون مُسوّغ مطلقاً؟ الظاهر الثاني، يحتمل هذا وذاك،
لكن الظاهر أن المراد بغير الغالب هنا أنه نكرة بدون مُسوّغ، ولذلك
قالَ ابن عقيل: واحترزَ بقوله: غالباً مما قلَّ مجيءُ الحال فيه من
النكرة بلا مسوّغ من المسوّغات المذكورة، ومنه قولهم: مَررتُ بِمَاءٍ
قِعْدَةَ رَجُلٍ، قعدة أي مقدارَ قعدته، فهو حال، وصاحب الحال ماءٌ،
وقولهم: عليه مِئَةٌ بيضاً، جمع أبيض ليس بتمييز، إذ لو كان كذلك كان
تمييز المائة مفرد، وهو مجرور وهنا جاءَ منصوباً وهو جمع، إذن ليس
تمييزاً، إذن مئةٌ هذا مبتدأ، وجاءَ منه بيضاً، وأجازَ سيبويه فيها رجل
قائماً، مُقدّم على المبتدأ، وجعلَ قائماً حالاً من رجل، أين المسوّغ؟
لا مسوّغ له، أجازَه سيبويه دون مسوّغ.
إذن قوله: وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً مرادُه أنه قد تأتي النكرة بدون
مسوّغ، وجاء في الحديث: {صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً وصلى
وراءه رجالٌ قياماً}، قياماً هذا حال من الرجال، وليسَ له مسوّغ، ولذلك
ذهبَ أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثيرٌ مَقيس، أبو حيان
النحوي الشهير ذهبَ إلى أن مجيء الحالِ من النكرة كثير مقيس، ونقلَ ذلك
عن سيبويه، إذن المسألة فيها نزاع.
وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فإن
تأخَّر صارَ تأخيره مسوّغا لمجيء الحال منه، أو لم يُخَصَّصْ بوصفٍ أو
بإضافة، فإن خُصِّص بواحد منهما حينئذٍ صحَّ مجيءُ صاحب الحال نكرة،
أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ يعني: يظهر من بعد نفي؛ أن يكون صاحب
الحال نكرة بعد نفي أو استفهام أو نهي، كَلاَ يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى
امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ، فمستسهلاً هذا حال من امرؤ.
إذن الأصلُ في صاحب الحل أن يكون معرفة لما ذكرناه سابقاً.
الأصل في صاحب الحال التعريف، ويقع نكرةً بمسوّغ، إلا ما ذُكِر عن
سيبويه وعن أبي حيان.
الحالُ له شبه بالخبر، فلذا كانت كالحكم
على صاحبها، فالتزموا أن يكون صاحبُها معرفةً؛ لأنها حكمٌ عليه،
والحكمُ على المجهول لا يُفيد، هذا الأصل فيه، الحكمُ على المجهول لا
يُفيد وهو النكرة لذلك لا تفيد كما هو الشأن في المبتدأ والخبر، وأيضاً
لدفع توهُّم السامع أنها نعتٌ ومنعوت، هذا وجهٌ آخر، وعندَ أرباب
الحواشي يقولون: النكات لا تتزاحمُ، يعني: التعليل لماذا جيء به كذا
وكذا لا يُقال بالخلاف، يقال بهذا وذاك.
إذن الأصلُ في الحال أنه نكرة؛ لماذا؟ لأنه كالخبر، صاحب الحال؛ لأنه
كالمبتدأ والمبتدأ لا يكون نكرة، هذا الأصل.
كذلك فرقاً بينه وبين المنعوت والنعت؛ لأن النعت والمنعوت إذا وقعا
مَعرفتينِ حينئذٍ قد يلتبسُ بصاحب الحال إذا وقعَ معرفةً، وإذا وقعا
نكرتين حينئذٍ حصلَ الفرقُ بينهما؛ لدفع توهم السامع أنهما نعت ومنعوت،
فإذا قيل: رأيتُ زيداً راكباً، إذن اتفقا في النصب، واختلفا في التعريف
والتنكير.
إذن كونُ صاحب الحال يُشترَط فيه أنه معرفة، ويُشترَط في الحال أن يكون
نكرة حصلَ تمايزٌ بينه وبين النعت، إذ لو كان نعتاً لوجبَ التطابق بين
النعت والمنعوت، فلا يصحُّ أن يُقال: رأيتُ زيداً راكباً، لا يصح هذا؛
لأن المنعوت زيد معرفة، وراكباً نكرة، هذا فاسد لا يصحّ، بل يجبُ فيه
التطابق بين النعت والمنعوت.
وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ ... لَمْ يَتَأَخَّرْ
أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ
مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلاَ ... يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى
امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ
وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ ... أَبَوْا وَلاَ أَمْنَعُهُ
فَقَدْ وَرَدْ
وَسَبْقَ حَالٍ هذا مفعول به لقوله: أَبَوْا، يعني أبوا أي: النحاة،
وهنا حَكى، أو أشبه ما يكون حكاية لإجماع، والمرادُ به أكثرُ النحاة،
وإنما نزّلَ الأكثر منزلة الكل، وإلا المراد به أكثرُ النحاة لا كلّهم،
نزّلَ الأكثر منزلة الجميع، أَبَوْا ماذا؟ أبوا سَبْقَ حَالٍ مَا، مَا
واقعةٌ على صاحب الحال، مَا بِحَرْفٍ جُرَّ: ما جُرَّ بحرف، صاحب حال
جُرَّ بحرف، صاحبُ الحال إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً
وإما أن يكون مخفوضاً، وإذا كان مخفوضاً إما أن يكون مخفوضاً بحرف أو
بإضافة، صاحبُ الحال إما أن يكون مرفوعاً، جاء زيدٌ راكباً، وإما أن
يكون منصوباً، رأيتُ زيداً راكباً، وإما أن يكون مخفوضاً؛ وهذا تحته
صورتان: إما أن يكون مخفوضاً بإضافة أو بحرف جر.
هنا قال: سَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ إذا
كان صاحبُ الحال مجروراً بالحرف أَبَوْا أن يَسبقه الحال، يعني: الحال
لا تتقدّمُ على صاحب الحال. مراده في هذا البيت أن يبين أحكام الحال من
حيث تقدّمه على صاحبها؛ هل يجوز أو لا؟ هنا خصّصَ الحكم بما جُرّ بحرف
الجر، مفهومه أن ما كان مرفوعاً جاز أن يتقدَّم، تقول: جاء ضاحكاً
زيدٌ، جاء ضاحكاً زيدٌ يصحّ أو لا؟ يصح لكون صاحب الحال مرفوعاً،
وَسَبْقَ حَالٍ لصاحب حال مرفوع هذا جائزٌ باتفاق، كذلك إذا كان
منصوباً؛ تقول: رأيت ضاحكاً زيداً, زيداً هذا صاحبُ الحال، وهو منصوب،
هل يجوزُ أن تتقدّم الحال عليه دون العامل؟ نقول: نعم يجوز؛ لماذا؟
لكونه منصوباً، ماذا بقيَ؟ بقيَ جرُّه بحرف جرّ، مررتُ بزيدٍ ضاحكاً هل
يجوز؟ لا هذا الذي عناهُ الناظم: وَسَبْقَ حَالٍ، أَبَوْا النحاةُ
سَبْقَ حَالٍ .. أن تسبقَ الحال ما جُرّ بحرف يعني: صاحب حال جُرّ
بحرف، فإن جُرّ بالحرف حينئذٍ امتنعَ تقديمُ الحال على صاحبها؛ مفهومُه
إن كان مرفوعاً أو منصوباً فهو جائزٌ باتفاق، مفهومه إن كان مُضافاً
فهو جائز لكن المفهوم هذا يجبُ إبطاله؛ لأنه من بابٍ أولى، وقع فيه
الاتفاق بخلاف ما جُرّ بحرف، وَسَبْقَ حَالٍ هذا مصدر مضاف إلى فاعله،
يعني: أن تسبقَ حال. سَبْقَ حَالٍ مَا، مَا في موضع نصب على المفعولية،
العاملُ فيه سبق؛ لأنه مصدر، سبق حال صاحب حال، جُرَّ بِحَرْفٍ والمراد
بالحرف هنا أطلقَه الناظم، ويشملُ حرفَ الجر الزائد والأصلي، لكنَّ
الأول وِفاقاً غيرُ مراد، فيُخصّص الحكم حينئذٍ بحرف الجر الأصلي،
فحينئذٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ .. ما جُرّ بحرف يُشترَط فيه أن يكون الحرف
أصلياً، فلو كان مجروراً بحرف جرّ زائد جازَ تقديمُ الحال عليه، مثلُ
ماذا؟ ما رأيتُه راكباً من رجلٍ، ما إعراب (رجل)؟ مفعول به؛ لأن الأصل
ما رأيتُ رجلاً راكباً، هذا، الأصل فزيدت عليه (مِن) الزائدة في سياق
النفي وهو نكرة، حينئذٍ نقول: هو مفعول به منصوب، وقُدِّم عليه الحال،
هو مجرور كيف جازَ ونحن نمنع؟ نقول: المنعُ متعلَّقه حرفُ الجر الأصلي،
وأما حرفُ الجر الزائد فلا، فيجوز حينئذٍ وفاقاً أن تتقدّمَ الحال على
ما جُرَّ بحرف جرّ زائد، ما رأيت راكباً من رجلٍ، فمحلُّ الخلاف إذا
كان الحرف غيرَ زائد، فإن كان زائداً جازَ التقديم اتفاقاً، وما ذكرَه
الناظم هنا عن أكثر النحاة أنهم أبوا تقديمَ الحال على صاحب الحل إذا
جُرَّ بحرف جرّ أصلي، أي: منعَ أكثرُ النحاة تقديم الحال على صاحبها
المجرور بالحرف، وأما إذا كان صاحبُ الحال مرفوعاً أو منصوباً جازَ
تقديمُ الحال عليه باتفاق، والمجرور بحرف الجرّ هذا فيه مذهبان.
بقيَ المجرور بالإضافة وهو ممنوع باتفاق.
إذن الأحوال أربعة: مرفوع، منصوب جائزٌ
باتفاق، مضاف، والمراد هنا بالإضافة الإضافة المحضة لا اللفظية هذا
ممنوع باتفاق، بقيَ ماذا؟ أن يكون صاحب الحال مجروراً بحرف جرّ أصلي
فهذا محلّ النزاع، والجماهير على المنع، وهو ما حكاه الناظم عنهم، لكنه
قال: وَلاَ أَمْنَعُهُ يعني يجوزُ. إذن ألحقَه بالمرفوع والمنصوب.
وَلاَ أَمْنَعُهُ تبعاً لغيري، ما جاءَ بشيء من عنده، بل أُجيزه تابعاً
لغيري كالفارسي وابنِ كيسان وابن بَرهان؛ إذ ذهبوا إلى جواز ذلك،
وتابعهم المصنف لورود السماع بذلك. وَلاَ أَمْنَعُهُ أن يسبقَ الحال
صاحبَ الحال إذا كان مجروراً بحرف جرّ أصلي، فقد ورد السماعُ به:
لَئِنْ كَانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً ... إِليَّ حبِيبَاً
إِنَّهَا لَحَبِيبُ
هَيْمَانَ صَادِياً حالان من الياء المجرورة بقوله: إِليَّ، إلى ثم
الياء، إليّ، إذن جار ومجرور، هو صاحبُ الحال, هَيْمَانَ صَادِياً
نقول: هذا حالان من الياء. إذن جازَ تقديمها في السماع.
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ ونِسْوَةٌ ... فَلَنْ يَذْهَبُوا
فَرْغَاً بِقَتْلِ حِبالِ
فَرْغاً حال، بِقَتْلِ هذا جار ومجرور، والحال هنا جاءت مِن قتل، وهو
صاحب الحال، فَرْغَاً حال من قَتْلِ. إذن تقدّمَ الحالُ على صاحب الحال
وهو مجرور بحرف جرّ أصلية. ومذهبُ الجمهور إلى أنه لا يجوزُ تقديم
الحال على صاحبها المجرور بحرف، حينئذٍ لا تقل: مررتُ بهندٍ جالسةً، لا
تقل: مررتُ جالسةً بهند، إذا قلت: مررتُ بهندٍ نقول: هذا مجرور صاحب
الحال، جالسةً هذا واجبُ التأخير، لا يجوزُ أن يتوسّطَ بين العامل
وصاحب الحال، لماذا؟ لكون صاحب الحال مجروراً بحرف جرّ، والعلةُ في
المنع قالوا: إن الفعلَ وصلَ إلى صاحب الحال بحرف جر، يعني: بواسطة،
وصلَ الفعلُ إلى صاحب الحال بواسطة حرف الجر، والحالُ تابعة لصاحبها،
وصاحبُها مجرور بحرف الجر، فكأن الحال جُرّت بنفس بذلك الحرف، وعندهم
من الممنوع أن الفعل يتعدّى إلى شيئين بحرف واحد، ولا بد أن يتغير معنى
الحرفين. هذه علة لكن فيها نظر.
وَلاَ أَمْنَعُهُ يعني: بل أُجيزه تبعاً لغيري، فَقَدْ وَرَدْ في لسان
العرب تقديمُ الحال على صاحب الحال وهو مجرورٌ بحرف جرّ أصلي، كما
ذكرناه في البيتين السابقين.
وذهبَ الفارسي وابنُ كيسان وابن بَرهان يعني: تابعهم الناظم في ذلك،
والعلةُ عندهم يعني الجواز مع السماع، قالوا: لأن المجرورَ بالحرف
مفعولٌ به في المعنى، مررتُ بهندٍ جالسة، نقول: مررتُ بهندٍ، هند هذا
في المعنى مفعول به، فلا يمتنعُ تقديم حالِه عليه، كما لا يمتنعُ تقديم
حال المفعول به، كما أنه إذا قلتَ: رأيتُ راكباً زيداً، زيداً هذا
مفعول به صراحةً، وراكباً تقدّمَ عليه، كذلك مررتُ جالسةً بهندٍ, هندٍ
هذا مفعول به في المعنى، إذن ما الفرق بينهما؟ إلا كونُ هذا جُرّ بحرف
جر، وهذا يحتاج إلى دليل قوي للمنع، فالأصل فيه الجواز.
إذن وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ
قَدْ أَبَوْا, أبوا سبقَ حالٍ ما جُرّ بحرف، فما اسم الموصول بمعنى
الذي، يصدقُ على صاحب الحال، فالمراد به صاحبُ الحال وهو مفعولٌ به
لقوله: وَسَبْقَ، وهو مصدر. مفهوم المخالفة في البيت أن المرفوع
والمنصوب يجوزُ تقديم الحال عليه، وصاحبه المجرور بالإضافة كذلك،
فيُؤخَذ المنع من طريق الأولى، هذا قيل به، يعني: إذا مُنِع تقديمُ
الحال على المجرور بحرف الجرّ فمن باب أولى أن يُمنَع إذا كان مجروراً
بالمضاف؛ لأنّ الجرّ إما أن يكون بحرف وإما باسم، أيهما أصل وأيهما
فرع؟ مرَّ معنا، الأصلُ هو حرف الجر، وعملُ المضافِ في المضاف إليه
الجرّ، هذا من باب الفرعية، فإذا مُنِع الأصل من تقديم الحال عليه فمن
باب أولى وأحرى أن يُمنَع الفرع، حينئذٍ صار محلّ وفاق، ولذلك أجمعوا
على أنه يُمنَع تقديم الحال على المضاف إذا كانت الإضافة محضاً.
إذن نقول: يجبُ تأخيرُ الحال عن صاحبها إذا
جُرّ صاحب الحال بحرف جرٍّ أصلي، ومن الأسباب كذلك الموجبة لتأخير
الحال عن صاحبها أن يكونَ مجروراً بالإضافة، وإن دلَّ عليه بالمفهوم
السابق؛ أن يكون مجروراً بالإضافة نحو عرفتُ قيامَ زيد مُسرعاً،
مسرعاً: حالٌ من زيد، هل يجوزُ أن يُقال: عرفتُ مُسرعاً قيام زيد؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأنه إذا مُنِع الأصل وهو ما كان مخفوضاً بحرف، فمن
باب أولى أن يُمنَع الفرع، وأعجبني وجهُ هندٍ مُسفرةً، هند: مضاف إليه،
مُسفرة: حال من المضاف إليه، لا يصح أن يقال: أعجبني مُسفِرةً وجهُ
هند، لماذا؟ لكونه مجرورا بالمضاف، فلا يجوزُ بإجماع تقديم هذه الحال
واقعةً بعد المضاف، يعني: فاصلةً بين المضاف والمضاف إليه، وأن تكون
مُتقدّمة على المضاف، يعني: تحته صورتان: إما أن يُفصَل بين المضاف
والمضاف إليه، وهذا ممنوع قطعاً، وإما أن يتقدّمَ الحال على المضاف،
حينئذٍ لا يُقال مثلاً: عرفتُ قيامَ مُسرِعاً زيدٍ، هذا واضحٌ بيّنٌ لا
يُقال؛ لأنه لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، وكذلك
لا يُقال: عرفتُ مسرعاً قيامَ زيد، فيمنع الصورتان، فلا يجوزُ بالإجماع
تقديم هذه الحال واقعةً بعد المضاف؛ لئلا يلزمَ الفصل بين المضاف
والمضاف إليه ولا قبله؛ لماذا؟ لأن المضاف إليه مع المضاف كالصلة مع
الموصول، فكما لا يتقدّمُ ما يتعلّق بالصلة على الموصول -هذا سبقَ
معنا- كذلك لا يتقدّم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف وهذا في
الإضافة المحضة. سيأتي تقسيمُ الإضافة إلى نوعين: محضة ولفظية،
واللفظية أن يكون المضاف اسمَ فاعل أو اسم مفعول أو صفة مُشبّهة كما
سيأتي، حينئذٍ إذا كانت الإضافة محضة بأن يكون المضاف ليسَ في معنى
الفعل هذا محلّ وفاق، لا يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالحال، ولا
تتقدّمُ الحال على المضاف أصلاً لماذا؟ لأنّ المضاف والمضاف إليه
كالصلة مع الموصول، والمضافُ إليه يكون عاملاً في الحال، حينئذٍ لا
يتقدّم عليه، كما أنه لا يتقدّم معمول الصلة. وأما غيرُ المحضة نحو هذا
شاربُ السويقِ ملتوتاً، شاربُ اسم فاعل، السويق: مضاف إليه، إذن وقعَ
المضاف اسمَ فاعل، هذه نسميها إضافة لفظية، تلك مُتصلة، ثَمَّ اتصال
بين المضاف والمضاف إليه، هذه يُعبِّر عنها النحاة بأنها في معنى
الانفصال، فالاتصال لفظي، والمعنى الانفصال، وأما الإضافة المحضةُ فهي
مُتصلة في اللفظ والمعنى، لذلك امتنعَ الانفصال بينهما، وأما هنا في
الإضافة اللفظية فهو اتصال لفظي في النطق فحسب، وأما في المعنى فلا،
تقول: هذا شاربُ السويقِ ملتوتاً الآن أو غداً، فيجوزُ كما قاله في
التسهيل، يعني يجوزُ تقديم الحال؛ لأن غير المحضة في نيّة الانفصال،
فالمضافُ إليه فيها مفعول به، وتقديمُ حاله عليه جائز، فيصحّ أن يُقال:
هذا ملتوتاً شاربُ السويق، يجوزُ لماذا؟ لأنه ليس عندنا مُضاف ومضاف
إليه حقيقةً، وإنما هما في نية الانفصال، وهذا ذهبَ إليه الناظم في
التسهيل، وقيلَ بالمنع كما ذهبَ إليه ابن هشام في التوضيح.
إذن كونُ صاحب الحال مضافاً إضافةً محضة
يمتنعُ التقديم بالإجماع، وأما إذا كانت الإضافة لفظية فمحلُّ نزاع.
ومنها أن تكون الحال محصورة، يعني: مما يجبُ فيه تأخير الحال، لا
تتقدم، أن تكون الحال محصورة نحو قوله: "وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ
إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ" {6/ 48} مُبَشِّرِينَ: هذا حال، لا
يجوز تقديمها، لا يقال: ما نرسِلُ إلا مبشرين المرسلين لا يصحّ؛ لماذا؟
لأن الحالَ هنا محصورة، وإذا كانت محصورة يفوتُ المعنى بتقديمها. إذا
كانت الحال محصوراً فيها وجبَ تأخيرها، إذا قلت مثلاً: ما جاء زيد إلا
راكباً، لا يصحّ أن يُقال: "ما جاءَ إلا راكباً زيد"، هذا ممنوع؛ لأن
الحال محصورة، "إنما جاء زيد راكباً"، لا يصحّ أن يقال: "إنما جاء
راكباً زيد"، هذا ممنوع لماذا؟ لكون الحال محصورة كما سبق في المفعول
وفي الخبر.
وَمَا بِإِلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ ... أَخِّرْ
................................
هذا مثله، حينئذٍ تبقى على أصلها.
إذن يجبُ تأخيرُ الحال إذا جُرّت بحرف جرّ أصلي، "مررت بهند جالسةً" لا
يجوز تقديمها، كذلك إذا كان صاحب الحال مُضافاً إضافة محضة -مضافاً
إليه-، ونوع الإضافة إضافة محضة معنوية، يمتنعُ حينئذٍ، لا تقول:
"عجبُت مسرعاً قيام زيد"، لا يصح؛ لكون الإضافة هنا إضافة محضة، أما
الإضافة اللفظية فمحل نزاع بين النحاة.
الثالث: أن تكون الحال محصورة؛ "ما جاء زيد إلا راكباً"، "إنما جاء زيد
راكباً"، يمتنع تقديم الحال على صاحبها.
وأما المرفوع والمنصوب فنقول: هذا جائز باتفاق، محلّ إجماع، وهو
المفهوم، وأما المفهوم الوارد في البيت من كون المضاف يجوزُ التقديم
هذا مفهومٌ باطل، وهذا بناءً على أن المفهوم له عموم، المفهوم هل له
عموم أم لا؟ محلّ نزاع عند الأصوليين. هنا المفهوم عام، وَسَبْقَ حَالٍ
مَا بِحَرْفٍ جُرَّ، إذن قيّدَ الحكم بماذا؟ المنطوق أنه يُمنَع سبقُ
الحال إذا كان صاحبُ الحال مجروراً بحرف، مفهوم المخالفة .. لأن الحكم
هنا حكم بالمشتق، وتعليقُ الحكم بالمشتق حينئذٍ نقولُ: له مفهوم،
((السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا))، إذا لم يسرقا لا قطعَ،
مفهومٌ عكسي. المفهومُ هنا يشمل ثلاثة أشياء: المرفوع والمنصوب
والمضاف.
حينئذٍ إذا قلنا: لا عموم للمفهوم كيف نُخصّص؟ فيردُ الاعتراض على
الناظم.
نقول: كان الأولى أن يستثنيه ولم يستثنه، تقول له: لا من بابٍ أولى.
يقول: لا، لا يصلح لماذا؟ لأن المفهوم لا عموم له، وإذا قلنا: بأن
المفهوم له عموم -وهو المرجح عند الأصوليين- حينئذٍ صحّ التخصيص،
فيُخصّص المفهوم بالمضاف للإجماع، ولنا أن نقيسَه على الملفوظ من باب
قياس الأولى، وهو أنه إذا مُنِع الأصل فالفرع من باب أولى وأحرى.
ثم قال رحمه الله:
وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ ... إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى
الْمُضَافُ عَمَلَهْ
أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا ... أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ
تَحِيفَا
الأصلُ في الحال أنها لا تجوزُ من المضاف
إليه، لا يجوزُ مجيءُ الحال من المضاف إليه؛ لماذا؟ لعدم صدقِ الشرط
السابق، وهو عدمُ اتحاد العامل، لو قلتَ مثلاً: جاء غلام زيد مُسرعاً،
غلامُ: فاعل وهو مضاف، وزيد: مضاف إليه هو صاحب الحال، مُسرعاً: حال من
زيد، طيب؛ صاحب الحال زيد، ومسرعاً هو الحال، ما العاملُ في الحال؟ ما
العامل في المضاف -غلام-؟ الفعل، ما العامل في المضاف إليه؟ المضاف، ما
العاملُ في الحال؟ الفعل، هل حصلَ الاتحاد أم حصل الافتراق؟ حصل
الافتراق.
إذن لا يجوزُ أن تكون الحال آتية من المضاف إليه؛ لماذا؟ لما اشترطَه
الجمهور من وجوب اتحاد العامل في صاحب الحال والحال نفسها.
قال: لا يجوزُ مجيءُ الحال من المضاف إليه؛ لماذا؟ لما حصلَ من
الافتراق بين عامل الحال وعامل صاحب الحال؛ إلا في ثلاث مسائل، يجوزُ
إتيان الحال من المضاف إليه.
وَلاَ تُجِزْ ما إعرابه؟ مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل أنت،
حَالاً؟؟؟ مِنَ الْمُضَافِ: هذه صفة لحال، مِنَ الْمُضَافِ لَهْ اللامُ
هنا بمعنى إلى؛ لأن مادة أضافَ تتعدى بإلى، فاللام هنا بمعنى إلى. إذن
لاَ تُجِزْ حَالاً من المضاف إليه، فالكلامُ عن المضاف إليه لا عن
المضاف، أما المضافُ فيأتي منه الحال لا إشكالَ فيه؛ جاء غلامُ زيدٍ
مسرعاً على أنه حال، من غلام هذا لا إشكال فيه، هذا محلّ وفاق، وإنما
الكلام في المضاف إليه.
لاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ يعني إليه؛ لأن أضافَ يتعدّى
بـ (إلى)، فاللام حينئذٍ بمعنى إلى، ما العلة؟ نقول: لوجوب كونِ العامل
في الحال هو العامل في صاحبها، هذا العلة، فالحكمُ عام، لاَ تُجِزْ
نهي، فلا يجوزُ أن تأتي بالحال من المضاف إليه لوجوب كون العامل في
الحال هو العامل في صاحبها، وذلك يأباه، يعني: مجيء الحال من المضاف
إليه يأبى أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال. يأبى
جوازَ مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن المضاف إليه مِن حيث إنه مُضاف
لا يعملُ النصب؛ إذ الحال وصاحبها كالنعت والمنعوت، وعاملُهما واحد،
العامل في النعت هو العامل في المنعوت، "جاء رجل راكبٌ", راكبٌ مرفوع
بجاء. زيد مرفوع بجاء؛ هذا مثله، ولذلك عندَهم أن الحال لها شبهان:
شبهٌ بالنعت وشبهٌ بالخبر، فثَمَّ أحكامٌ مأخوذة من أحكام النعت مع
المنعوت، وثَمَّ أحكامٌ مأخوذة من أحكام الخبر مع المبتدأ، فحقيقةُ
الحال كلّها من أولها إلى آخرها مُركّبة من البابين. ثَمَّ أحكام
تتعلّق بالخبر بالمبتدأ نُقِلت إلى هذا المحل، وثَمَّ أحكام مأخوذة من
باب النعت.
إذن الحال وصاحبها كالنعت مع المنعوت، كما
أنه يجبُ أن يكون العامل في النعت هو العامل في المنعوت فكذلك ما أشبهه
وهو الحال وصاحبها، يجبُ أن يكون العامل فيهما واحد؛ لأن الشيء إذا
أشبَه الشيء أخذَ حكمه. وعاملهما يعني النعت والمنعوت واحد، وهذا مذهبُ
الجمهور، وهو وجوبُ كون العامل في الحال هو العامل في صاحبها، هذا
مطلَق خلافاً لسيبويه، وذهبَ سيبويه إلى عدمِ وجوب ذلك؛ لأن الحالَ
أشبهُ بالخبر. الجمهورُ عاملوها معاملة النعت، فأوجبوا اتحاد العامل،
سيبويه شبَّهها بالخبر، حينئذٍ العاملُ في الخبر ما هو؟ المبتدأ،
والعامل في المبتدأ ما هو؟ الابتداء. إذن لا يُشترط؟ هذا قياس الشبه،
يعني: مما تختلفُ فيه الأنظار، ولا بأس هذا أو ذاك.
وذهب سيبويه إلى عدم وجوب ذلك؛ لأن الحال أشبه بالخبر، وعامله غير عامل
المبتدأ على الصحيح؛ لأن عامل المبتدأ هو الابتداء، وليسَ هو الخبر،
وعامل الخبر هو المبتدأ. إذن افترقا، فحينئذٍ لماذا نُلحق الحال
وصاحبها بالنعت والمنعوت مع كون ثَمَّ شبهٌ آخر بالخبر، قال: الثاني
أولى من الأول، واختارَه ابنُ مالك في التسهيل، وقال: وقد يعملُ فيها
غير عاملِ صاحبها خلافاً لمن منعَ.
إذن مذهب سيبويه أنه لا يُشترَط اتحاد العامل في صاحب الحال وفي الحال،
ولذلك جوّزَ مجيءَ الحال من المبتدأ، وجوّزَ مجيءَ الحال من المضاف
إليه مطلقاً .. من المسائل الثلاث وغيرها، ليسَ عنده تفصيل، ولكن
الجمهور يقولون لا بدّ من استثناء في المضاف إليه على أنه نوع مُعين
ليصح أن يكون حالاً منه.
إذن على مذهب سيبويه نقولُ: كلّ مُضاف إليه يجوزُ إتيان الحال منه بدون
استثناء؛ لماذا؟ لأنه لا يُشترَط عنده اتحادُ العامل في صاحب الحال
والحال، وأما عندَ الجمهور فلا، لا بدّ أن يكون واحداً من هذه المسائل
الثلاث، وما عداها لا يجوزُ؛ فيبقى على الأصل.
وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ: إليه .. هذا الأصل مطرد إلا
في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: استثناها بقوله: إِلاَّ أداة استثنى، إِذَا اقْتَضَى
الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: إذا كان المضاف أُجري مجرى الفعل فحينئذٍ
جازَ للمضاف إليه أن يأتي بالحال منه، إذا كان المضافُ اسمَ فاعل أو
اسم مفعول أو صفة مُشبّهة جازَ إتيان الحال من المضاف إليه. إِلاَّ
إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ، عَمَلَهُ الضمير يعودُ هنا على
الحال، أي: نصبَه، عمل الحال أي: نصبه.
إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ، اقْتَضَى يعني:
طلب، الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: عمل الحال وهو النصب، أي: نصبه. أي:
العمل في الحال بأن كان ذلك المضاف عامل الحال، وذلك إذا كان المضاف
مما يصحّ عملُه في الحال كاسم الفاعل والمصدر ونحوهما مما تضمّنَ معنى
الفعل؛ فتقول: هذا ضاربُ هندٍ مجرّدةً، "ضاربُ هند" مضاف ومضاف إليه
مجردةً. نقول: الأصل في المضاف إليه أن لا تأتي الحال منه، وهنا سوّغَ
مجيءَ الحال من المضاف إليه مع كون الأصل المنع هو كون المضاف يعملُ
عملَ الفعل، فحينئذٍ ما العامل في هند؟ هو اسم الفاعل؛ ظارب، وما
العامل في (مجردةً)؟ هو اسم الفاعل أيضاً. إذن اتحدا أو لا؟ اتحدا. إذا
كان المضاف يعملُ عمل الفعل صح مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن المضاف
إليه يكونُ معمولاً للمضاف، وكذلك الحالُ تكون معمولةً للمضاف، فاتحدا،
وُجِد الشرط المذكور. كذلك "أعجبني قيام زيد مسرعاً"، قيامُ نقول: هذا
مصدر، والمصدر حينئذٍ ينصِب ويرفَع، قيام زيد: مضاف ومضاف إليه، زيد:
هذا مضاف إليه، مسرعاً: حال من زيد، ما المسوّغ مع أن الأصل المنع؟
نقول: لأن مُسرعاً هذا منصوب بقيام، وهو مصدر وهو يعمل عملَ الفعل؛
أجري مجرى الفعل، فيه رائحة الفعل، فيه معنى الفعل، فيعملُ، وزيدٍ هو
معمول له. إذن "قيام" خفضَ زيد ونصبَ الحال، ومنه ((إِلَيْهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعَاً)) جَمِيعَاً هذا حال، ومَرْجِعُ هذا مصدر ميمي
بمعنى الرجوع والقياس فتحُ عينه كمَذهَب، هذا الأصل، مرجِع هذا مما
استثني، والأصل مَرجَع بفتح العين، كمَذهَب.
تقُولُ ابْنَتِي إِنَّ انْطِلاقَكَ وَاحِدَاً ... إِلى الرَّوْعِ
يَوْماً، تَارِكِي لاَ أَبالِيَا
إنَّ انْطِلاَقَكَ وَاحِدَاً، وَاحِدَاً: حالٌ من الكاف، انْطِلاَقَكَ،
انْطِلاَقَ: اسم إن، وهو مضاف والكاف مضاف إليه، وقولها: وَاحِدَاً:
حال من الكاف فهو مضاف إليه. ما الذي سوّغَ مجيء الحال من المضاف إليه؟
نقول: كون المضافِ يجري مجرى الفعل، حينئذٍ نقول: يعملُ عملَ الفعل،
فيكون هو الخافض للمضاف إليه، وهو الناصب للحال.
إِلاَّ إِذَا اقْتَضى الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: عمل الحال، يعني: نصب
الحال، فإذا نصبَ المضاف الحال اتحدا، وإما إذا كان لا عملَ له "جاء
غلام زيد مسرعاً"، مسرعاً هذا ما الناصب له؟ غلام؟ هذا لا ينصب؛ لأنه
ليس فيه معنى الفعل فحينئذٍ نُعلّقه بجاء، وإذا علقناه بجاءَ افترقا،
فلم يُوجَد الشرط، فانتهى المثال من أصله، يعني: لا يجوز.
أَوْ هذه المسألة الثانية، كَانَ المضاف جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا،
يعني: المضاف والمضاف إليه باعتبار الجزئية والكلية أحدُهما جزءاً
للآخر، "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا",
إِخْوَانًا: هذا حال من الضمير وهو المضاف إليه (فِي صُدُورِهِم)، هنا
المضاف جُزءٌ حقيقي من المضاف إليه، صُدُورِهِم هم البشر كلهم، والصدور
هذه بعض من المضاف إليه. إذا كان كذلك حينئذٍ صحَّ مجيء الحال من
المضاف إليه.
أَوْ كَانَ المضاف جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا
ما أُضيف له، جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا الألف هذه للإطلاق، يعني: الجزء
الذي أُضيف له مثل قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ
غِلٍّ إِخْوَانًا) فـ إِخْوَانًا: هذا حال من الضمير المضاف إليه (فِي
صُدُورِهِم)، وصُدُورِ: هذا مضاف، وهو جزءٌ من المضاف إليه، جزءٌ
حقيقي.
أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ ليس جزءاً حقيقياً، وإنما مُنزّل منزَّلة الجزء،
"ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفًا" مِلَّةَ: مضاف، وإِبْرَاهِيمَ: مضاف إليه، حَنِيفًا: حال من
إبراهيم، ما العلاقة بين مِلّة وإبراهيم؟ كذلك جزئية؛ لأنّ الدين جزءٌ
من الشخص نفسه، وإن لم يكن جُزءاً حقيقياً، فنزّل منزَّلة الجزء، ولذلك
ضابطُه أنه يصحّ الاستغناء عنه، فلو قيلَ في غير القرآن: ثم أوحينا
إليك أن اتبع إبراهيم حنيفاً صحّ، إذن نقول: مثلُ الجزء ضابطُه أن يصح
الاستغناء عن المضاف ثم يسلكُ التركيب مع المضاف إليه، هذه ثلاث صور
استثناها الناظم من الأصل، وهو القاعدة المطردة عدمُ جواز مجيء الحال
من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف يعملُ، أُجري مجرى الفعل كاسم
الفاعل واسم المفعول والمصدر. أو كان المضاف جزءاً حقيقياً من المضاف
إليه، أو كان المضاف مثلَ الجزء وهو ما صحّ الاستغناء عنه به.
قال أبو حيان في الصورتين الثانية والثالثة: الأولى مُتفق عليها بين
النحاة، وأما الصورة الثانية وهي أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا
... أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ قال: لم يسبق المصنف إلى ذكرهما أحدٌ، يعني:
هذا الاستثناء باطل من أصله عند أبي حيان، فتبقى الصورة الأولى هي
المتفق عليها، والثانية والثالثة هذه محلّ نظر؛ إذ لم يستثنهما أحدٌ
قبل المصنف.
قال السيوطي: قد نقلَهما المصنف في فتاواه عن الأخفش، وقد تَبعه عليها
جماعة.
المراد من هذا أن الصورة الثانية والثالثة محلّ نزاع بين النحاة؛ حتى
أنكرَ أبو حيان أن يكون أحدٌ قال بهما قبلَ المصنف، وإلا الأصل يبقى
على المنع.
وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ أي: إليه.
إذن البيتان هذان في مجيء الحال من المضاف
إليه، الأصل فيه المنع، إِلاَّ هذا استثناء، إِذَا اقْتَضَى أي طلب،
الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني عمل الحال وهو النصب، أَوْ كَانَ جُزْءَ أو
كان المضاف جزء مَالَهُ أُضِيفَا يعني: المضاف جزء من المضاف إليه،
مَالَهُ أُضِيفَا، مَالَهُ اللام هنا بمعنى إلى، ما أُضيف إليه،
وحينئذٍ صار المضافُ جزءاً من المضاف إليه، أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ وهو
ما يصحُّ الاستغناء به عنه، فَلاَ تَحِيفَا أي: لا تمل إلى عن ذلك إلى
زيادة عليه أو نقص عنه، لا تزد على هذه الثلاث المسائل ولا تنقص؛ كما
نقص أبو حيان. وإنما جاز مجيءُ الحال من المضاف إليه في هذه المسائل
الثلاث لوجود الشرط المذكور وهو: اتحاد العامل في صاحب الحال مع الحال،
عاملهما واحد، في المسألة الأولى واضح، قيامُ زيدٍ مسرعاً، واضح، أما
الثاني والثالث ففيها نوع إشكال. أما في الأولى فواضح، وأما في
الأخريتين فلأن العامل في الحال عاملٌ في صاحبها حُكماً، العامل في
الحال عامل في صاحبها حكماً. إذا كان المضاف إليه والحالةُ هذه في قوّة
الساقط لصحة الاستغناء عنه بصاحب الحال وهو المضاف إليه، يعني: في
الصورة الثانية والثالثة لما كانَ المضاف جُزءاً من المضاف إليه أو
كالجزء صحّ الاستغناء عن المضاف، وإذا صحّ الاستغناء عن المضاف صارَ
العاملُ في المضاف إليه هو العامل في المضاف، وإذا كان كذلك صارَ هو
العامل في الحال والله أعلم.
إذن: فَلاَ تَحِيفَا هذا مأخوذ من الحيف، فَلاَ تَحِيفَا الألف هذه
للإطلاق، وهو تَتميمٌ للبيت، وعلى كل فالمسالة فيها نزاع.
قال ابن عقيل: فإن لم يكن المضاف مما يصحّ أن يعمل في الحال ولا هو جزء
من المضاف إليه ولا مثل جُزئه حينئذٍ لم يجز أن يجيء الحال منه، فلا
تقل: "جاء غلام هند ضاحكةً"، لا يصحّ، خلافاً للفارسي، وقولُ ابن
المصنف رحمه الله تعالى: إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف ليس بجيد، فإن
مذهبَ الفارسي جوازُها كما تقدم، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات
ابن الشجري في أماليه.
وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ
أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا
زَيْدٌ دَعَا
هنا الكلامُ في عامل الحال مع اعتبارِ الحال، في السابق: وَسَبْقَ
حَالٍ هل يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على صاحبها دون العامل؟ والكلامُ الآن
في تقدُّمها على العامل؛ هل يجوز أو لا؟
عامل الحال إما أن يكون فعلاً مطلقاً سواءٌ كان متصرفاً أو لا، وقد
يكون شِبهَ فعل مطلقاً سواءٌ كان مُتصرّفاً أو لا، أو ما فيه معنى
الفعل دون حروفه. هذه ثلاثة أنواع للعامل.
ثم الأول الفعل قد يكون مُتصرّفاً وقد لا يكون، والصفة قد تكون
مُتصرّفة، وقد لا تكون، وما كان فيه معنى الفعل دون حروفه هذا فيه
تفصيل آتي.
وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ
أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ ................
إذن متى يجوزُ تقديم الحال على العامل؟
ليسَ الكلام في صاحب الحال, صاحب الحال أشارَ إليه بقوله: وَسَبْقَ
حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ أَبَوْا, فالمرفوع والمنصوب جائزٌ
تقديمهما باتفاق على الخلاف السابق، وهنا الكلامُ في الحال وتقديمه على
العامل نفسه.
قال: َالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا هذا الشرط الأول، أن
يكون الفعل مُتصرِّفاً بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، هذا
المراد بالمتصرّف هنا، وغير المتصرّف هو الذي يلزمُ لفظ الماضي فحسب.
أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا إذن هذا قيد أخرجَ الصفة التي لم
تُشبه المصرف، إن كان العامل واحداً من هذين، فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه،
أي؛ تقديمُ الحال على العامل، ولذلك قال: كَمُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ،
ذَا: مبتدأ؛ اسمُ إشارة، رَاحِلٌ: خبر وهو اسم فاعل وهو صِفَةٌ
أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا يعني: تتصرّف؛ لأنها باعتبار الأصل، والتصريف
المراد به هنا في الصفة أن تقبلَ العلامات الفرعية، يعني: تُؤنث وتُثنى
وتُجمع، ويقال: راحلةٌ وراحلان وراحلون.
إذن هي مُتصرّفة، ومُسْرِعَاً هذا حال من الفاعل المستتر في رَاحِلٌ,
رَاحِلٌ هو، رَاحِلٌ اسم فاعل، يرفعُ فاعلاً وهو ضمير مستتر،
مُسْرِعَا: هذا حال منه، والأصل: ذا راحل مسرعاً؛ حالة كونه مسرعاً،
فمُسرعا: حال من الضمير المستتر. لكون العامل راحلاً وهو صفة متصرفة
جاز تقديمها على العامل؛ فقيل: مُسرِعاً ذا راحل.
وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا الأصل "زيد دعا -يعني ربه- مخلصاً"،
فمُخْلِصًا هذا حال من الفاعل في دعا، مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا، زيد دعا
ربه مخلصاً، مُخْلِصًا هذا حال من الفاعل المستتر، زيدٌ مبتدأ، ودعا
هذا الجملة خبر، والفاعلُ ضمير مُستتر يعودُ على زيد، وَمُخْلِصًا هذا
حال، والمفعول به محذوف –ربه-, لمّا كان دعا فعل ماضي مُتصرّف جازَ
تقديم الحال على العامل فقيل: مخلِصاً زيدٌ دعا، وهاتان الصورتان
تحتَهما صورتان؛ لأنه إذا قيل: ذا راحل مسند ومسند إليه .. جملة تامة،
لكونِ العامل صفة مُتصرّفة جاز تقديم الحال عليها وعلى المسند إليه؛
الذي أُسندت إليه الصفة، أسندت لـ"ذا" فمن بابٍ أولى أن تتقدّمَ على
الصفة دون المسند إليه؛ فيشمل قوله: "مُسْرِعاً ذَا رَاحِلٌ"، يشمل
أيضا "ذا مسرعا راحل"من بابٍ أولى؛ لأنها إذا تقدّمت على "ذا" وهو
مبتدأ، فمن بابٍ أولى أن تتقدم على العامل فقط دون المبتدأ، داخِل تحته
صورتان، كذلك " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا"، زيد: مبتدأ، ودعا: الجملة خبر،
ما دام أنه جُوِّزَ تقديم الحال على المبتدأ المسند إليه، ودعا جُملة
هي مسند، فمن بابٍ الأولى أن يُفصَل بين الخبر والمبتدأ، فيُقال: "زيد
مخلصاً دعا"، أيّهما أبعد وأيهما أقرب؟ " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا" أبعد،
فإذا جازت هذه فمن بابٍ أولى وأحرى أن يجاز "زيد مخلصاً دعا"، وإذا جاز
"مسرعاً ذا راحل" فمن بابٍ أولى وأحرى أن يُقال: "ذا مسرعاً راحلٌ".
وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ
أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا
زَيْدٌ دَعَا
والبيتان تحتاج إلى مزيد شرح سنتناوله إن
شاء الله تعالى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
!!!
|