شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* فائدة: الفرق بين الإضافة المعنوية واللفظية
* الإضافة اللفظية وفائدتها
* من أحكام الإضافة اللفظية عدم اقتران (ال) بها إلا بشروط.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ
لاَ يُعْزَلُ
كَرُبَّ رَاجِينَا عَظِيمِ الأَمَلِ ... مُرَوَّعِ الْقَلْبِ قَلِيلِ
الْحِيَلِ
وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ مَحْضَةٌ
وَمَعْنَوِيَّةْ
هذا شروعٌ من الناظم رحمه الله تعالى في بيانِ النوع الثاني من نوعي
الإضافة، وسبقَ أن الإضافةَ على نوعين: إضافة محضة وإضافة غير محضة،
الأولى تُسمّى معنوية .. التي هي المحضة، وغير المحضة تُسمّى لفظية،
فعرفنا أن الإضافةَ المحضة هي التي تُفيدُ تعريفاً أو تخصيصاً، بمعنى:
أن المضاف يكتسِبُ التعريف أو التخصيص من المضاف إليه، فحينئذٍ استفادَ
منه تعريفاً، واستفاد منه تخصيصاً، والفرقُ بين التعريف والتخصيص: أن
التعريف فيه رفعٌ للاشتراك بالكلية، والتخصيص فيه تقليلٌ للاشتراك دون
رفعه بالكلية، وذلك فيما إذا أُضيف إلى النكرة.
هنا قال: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً: وإن: هذا
حرفُ شرط، ويُشابه: هذا فعلُ الشرط.
يُشَابِهِ الْمُضَافُ: حرَّكَه من أجل التقاء الساكنين، وَإِنْ
يُشَابِهِ الْمُضَافُ: الذي هو الاسم الأول، هنا فاعل، يَفْعَلُ: هذا
مفعول به قُصِد لفظه، وَصْفاً: هذا حال من الفاعل الذي هو المضاف.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ: هنا كنَّى بـ (يَفْعَلُ) عن
الفعل المضارع، يعني: عن مُطلق الفعل المضارع، هذا كناية (يَفْعَلُ)،
ولم يقل المضارع، ولم يقل: يفعِل أو يفعُل، وإنما ذكر: يَفْعَلُ كناية
عن الفعل المضارع في كونه مراداً به الحال أو الاستقبال، وخرجَ به
يعني: مِن إطلاق يَفْعَلُ هنا مراداً به المضارع، خرجَ به المصدر واسم
المصدر وأفعل التفضيل كما سيأتي.
إذن: يَفْعَلُ وجهُ المشابهة .. مشابهةُ المضاف الذي هو الوصف .. اسم
الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة للمضارع، هذا سبقَ في بيان علّة
إعراب الفعل المضارع، ما هي العلة؟
قال: لأنه أشبهَ الفعلُ المضارع الاسمَ، والمرادُ بالاسم هنا اسمُ
الفاعل، في ماذا؟ حركاته وسكناته وهذا أهم شيء؛ لأنه من جهة اللفظ
وفيه؟
لا؛ ليست هذه. هذه علّة ابن مالك رحمه الله تعالى، وإنما الجمهور على
أنه لامُ الابتداء والإبهام والتخصيص، دخول لام الابتداء، جريانه على
حركات اسم الفاعل وسكناته، هذه أربعة، وردها ابن مالك، هنا ذكرنا علة
ابن مالك ولعلنا لم نذكر هذه.
حينئذٍ نقول: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ: يعني: إذا أشبهَ
المضافُ وهو الوصف، المراد به اسم الفاعل، واسم المفعول وأمثلة
المبالغة والصفة المشبهة دون المصدر واسم المصدر واسم التفضيل.
وَصْفاً: بمعنى الحال أو الاستقبال، هنا قال: وَصْفاً هذه حالٌ لازمة
من المضاف.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ: حال كونه
وصفاً، هذه حالٌ لازمة؛ لأن المضاف لا يُشابه يفعَلُ إلا إذا كان
وصفاً، والمراد وصفاً ولو بالتأويل، كضربِ زيدٍ أي: مضروبِ زيد، حينئذٍ
المصدر إذا أُخرجَ بقولنا: يفعلُ هو المصدر المجرد الذي لم يقصد به اسم
المفعول، وأما إذا قُصد به اسم المفعول حينئذٍ صار وصفاً بالتأويل فهو
مراد.
إذن: (ضرب زيدٍ) إذا أُريد به مضروب زيد حينئذٍ صارت الإضافة لفظية،
وإذا لم يُؤوّل بمضروب زيد حينئذٍ صارت الإضافة محضة يعني: معنوية.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ وَصْفاً: بمعنى الحال أو
الاستقبال.
فَعَنْ تَنكيرِهِ لا يُعْزَلُ: لا يُعزَل عن تنكيره، بمعنى أنه يبقى
على أصله وهو أنه نكرة، ثم إذا أُضيف إلى معرفة أو إلى نكرة لا يستفيد
منها تخصيصا ولا تعريفا، وهذا هو الفارق الجوهري بين النوعين.
في الإضافة الأولى قال: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ
التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ: هنا قال: فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ
يُعْزَلُ.
إذن: هو نكرةٌ قبل الإضافة، ثم إذا أُضيف .. وهو يُضاف إلى المعرفة أو
يضاف إلى النكرة، حينئذٍ نقول: لا يُعزل يعني: لا يُنحّى عن تنكيره
فيبقى على أصله، وهو أنه نكرة، سواء أُضيف إلى معرفة أو أُضيف إلى
نكرة.
فَعَنْ تَنكِيرِهِ: الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، فلا يُعزل، يقال:
عزَلَه عن العمل نحّاه عنه، لا يُعزل بالإضافة؛ لأنه في قوّة المنفصل،
يعني: بضمير الوصف.
ومعنى البيت: أن إضافة الصفة، والمراد بها هنا في هذا الموضع اسم
الفاعل، ويدخل تحتَها أمثلة المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول فقط،
إذا كان المضاف واحداً من هذه الأربعة وأُريد به الحال أو الاستقبال،
حينئذٍ نقول: الإضافة لفظية، لا تُفيد المضاف تعريفاً ولا تخصيصاً،
بمعنى أنه إذا أُضيف إلى النكرة لم يستفد التخصيص، كما هو الشأن في
الإضافة المعنوية، وإذا أُضيف إلى المعرفة كذلك لا يستفيد تعريفاً كما
هو الشأن في الإضافة المعنوية، ما الفائدة منها إذن؟ نقول: الفائدة
منها: تخفيفُ اللفظ بحذف التنوين أو النون من المضاف؛ لأن الأصل: ضارب
هذا، أنا ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هذا تنوين وفيه ضمير الذي هو الفاعل،
وزيداً هذا مفعول به للوصف، حينئذٍ نقول: أنا ضاربٌ زيداً، خفِّفهُ ..
احذِف التنوين وأضفْ (ضارب) إلى (زيد)، يعني: أضفت العامل إلى معموله،
فتقول: أنا ضارب زيدٍ، أنا: مبتدأ، وضاربُ: خبر، وهو مضاف وزيدٍ مضاف
إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله.
أيهما أخفُّ في اللسان: ضاربٌ زيداً أو ضاربُ زيدٍ؟ لا شك الثاني أخفّ
في اللسان، كذلك (جاء الضاربان الرجل)، فتقول: جاء الضاربا الرجل،
حذفتَ النونَ فصار فيه نوعُ تخفيف كما هو الشأن في الأول، وأما من جهة
المعنى فلا تُفيد هذه الإضافة لا تعريفاً ولا تخصيصاً، وإنما الفائدة
منها فقط .. في باب اسم الفاعل دون الصفة المشبهة الفائدة منها التخفيف
فحسب، وأما في باب الصفة المشبهة، فالمراد بها رفع القبح، وهذا يأتي
شرحه في الصفة المشبهة.
إذن: معنى البيت:
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ
لا يُعْزَلُ
أنَّ إضافة الصفة وهي اسم الفاعل واسم
المفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة إلى معمولها، هذا قيد لا بد أن
يكون المضاف إليه معمولاً للمضاف، بمعنى أنه يكون عاملاً، لا بد أن
ينظر هنا في كل باب ما هي شروط إعمال اسم الفاعل، وما هي شروط إعمال
الصفة المشبهة، وما هي شروط إعمال اسم المفعول، وأمثلة المبالغة .. ؟
إن وجدت بشروطها حينئذٍ نقول: من إضافة العامل إلى معموله، فإن لم يكن
حينئذٍ نقول: ليس من إضافة العامل إلى المعمول، ولذلك لو قال: أنا
ضاربُ زيدٍ أمس، ما نوع الإضافة هنا؟ هذه إضافة معنوية محضة ليست إضافة
لفظية، لماذا؟ لأن ضارب زيدٍ في هذا التركيب لا يعمل؛ لأنّ اسم الفاعل
من شرطِ إعماله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإذا كان بمعنى
الماضي فإنه لا يعمل.
إذن: إذا لم يكن عاملاً فأضفتَه، حينئذٍ تكون الإضافةُ معنوية على
الأصل. إذن: أنا ضاربُ زيدٍ أمسِ الإضافة معنوية، أنا ضاربُ زيدٍ الآن
إضافة لفظية، اسم الفاعل لا يعمل إلا بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنه
كالفعل المضارع، حينئذٍ إذا كان بمعنى الماضي .. يعني في الزمن الماضي،
وذلك إذا قُيّد بقيد مثل أمس، حينئذٍ نقول: إذا أضفتَه فإضافته معنوية،
فتقول: أنا ضاربُ زيدٍ أمس، تقول: هذا ليس من إضافة العامل إلى معموله؛
لأنك لو قلتَ: أنا ضاربٌ زيداً أمسِ لم يصح .. لا يصح هذا، وإنما الذي
يصح معك أن تقول: أنا ضربٌ زيداً الآن أو غداً.
إذن: نقول: إضافةُ الصفة على ما ذكرناه من الأربع إلى معمولها المرفوع
بها في المعنى أو المنصوب؛ لأن الصفة المشبهة أو اسم المفعول لا ينصب،
وإنما يرفع، مُرَوَّعِ الْقَلْبِ هنا أُضيف إلى مرفوعه؛ لأنها في تقدير
الانفصال، كيفَ في تقدير الانفصال؟ لأن الأصل هنا .. ضاربٌ زيداً، أنا
ضاربٌ زيداً الآن، فلما أضفتَ الأول العامل إلى معموله المنصوب قلت:
أنا ضاربُ زيدٍ، هذا من إضافة العامل إلى مفعوله، وسبقَ أن المفعول لا
يكون مُتصلاً بعامله، الرتبة لا تكون تالية لعامله، وإنما ينفصل عن
عامله بالفاعل.
إذن: أنا ضاربُ زيدٍ الآن، ضاربُ زيدٍ هذا
ثلاث كلمات: ضارب وهي العامل، والضمير المستتر .. ضمير الوصف، وزيدٍ
هذا مفعول به، حينئذٍ إضافتُك (ضارب) إلى (زيد) قُصِد بها التخفيف،
وأما في المعنى فالاتصال لفظي بين المضاف والمضاف إليه، وأما في
الحقيقة وفي المعنى فليس بينهما اتصال، ولذلك عندَ النحاة أن هذه
الإضافة على نيّة الانفصال، يعني: انفصال المضاف عن المضاف إليه
بالضمير المستتر، والضمير المستتر هو فاعل، حينئذٍ: أنا ضاربُ زيدٍ
نقول: هذه ثلاث كلمات، في اللفظ هما كلمتان، وأما في المعنى والحقيقة،
فـ (زيدٍ) هذا مُنفصِل عن ضارب بالفاعل؛ لأنه مفعول به، والمفعول لا
يتصل بعامله، وإنما الذي يتصل بالعامل هو الفاعل، والأصل: أنا ضاربٌ
زيداً هذا الأصل فيه، رتبة العامل ضاربٌ، ثم الفاعل وهو ضمير مستتر، ثم
زيداً، أردتَ التخفيفَ في اللفظ فأضفتَ العامل إلى معموله الملفوظ به،
فقلت: (أنا ضاربُ زيدٍ) ويبقى الفاعل كما هو، إذن: زيدٌ مفصول عن ضارب
في الحقيقة، ولذلك قالَ النحاة: إنها في تقدير الانفصال، فليست مُتصلة
في الحقيقة، ولذلك لما لم تُفِد هذه الإضافة تعريفاً ولا تنكيراً إذا
أُضيفت إلى المعرفة يوصف بها النكرة، ولذلك جاء في قوله تعالى:
((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، بالغ: اسم فاعل،
والكعبة: مفعول به، بالغاً الكعبةَ، مثل: أنا ضاربٌ زيداً، بالغاً
الكعبة.
إذن: بالغاً هذا في الأصل وَصلٌ، فلما أُضيف إضافة لفظية إلى ما بعدَه،
وهو المفعول وهو الكعبة، حينئذٍ لم يكتسب المضاف من لفظ الكعبة
التعريف، وإن كان هو في اللفظ نكرة، بالغ: نكرة، والكعبة هذا علم،
حينئذٍ أُضيف إلى علم، والأصل فيه أنه يكتسب التعريف، لكن لم يكتسب
التعريف، لماذا؟ لأن الإضافة هنا على نيّة الانفصال، فهو في الحقيقة لم
يُضَف إليه؛ لأنه مُنفصِل عنه بالفاعل، فلذلك صحَّ أن يُوصَف به
بالنكرة، هدياً: هذا نكرة، قال: ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]،
وجاء: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، ثاني: اسم فاعل، مضاف إلى عطفه،
منصوب على الحالية، والحال لا يكون إلا نكرة، فدلَّ على أن ((ثَانِيَ
عِطْفِهِ)) [الحج:9]، عطفه هنا أُضيفَ إلى الضمير، فهو معرفة، وأما
ثاني أُضيف إلى معرفة، لكنه لم يَكتسب التعريف، ولذلك قالَ النحاة:
ولذلك وُصِف به النكرة في قوله: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ))
[المائدة:95]، ووقعت حالاً، في قوله: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]،
ودخلَ عليها ربّ، وربّ لا تدخلُ إلا على النكرات، ودلَّ على ذلك كلام
الناظم .. أرادَ أن يُدلّل على أن هذه الإضافة لا تُفيدُ تعريفاً، مثل
باسم فاعل، وما عُطِف عليه على أنه نَعتٌ .. مثَّلَ بدخول ربّ عليه،
وربّ لا تدخل إلا على النكرة، ودخلَ عليها ربّ في قوله:
يا رُبَّ غَابِطِنَا لَو كَانَ يَطْلُبُكُم
غَابِطِنَا: غابِط اسم فاعل دخلت عليه رُبّ، أُضيف إلى الضمير (نا)،
وهو معرفة من أعرفِ المعارف، هل اكتسبَ التعريف؟ نقول: لا، ما الدليل؟
قد يقولُ قائل: يحتمل أنه اكتسبَ التعريف، ما الدليل؟ نقول: الدليل
دخولُ رب عليه، وثبتَ بالاستقراء أن رُبّ لا تدخل إلا على النكرة.
فَكُلُّ ما رُبَّ عَلَيهِ تَدخُلُ ...
فَإِنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ
فإنه نكرة يا رجل، ولذلك قال الناظم هنا:
كَرُبَّ رَاجِينَا: راجينا .. رُبّ، كقولك رُبّ، رُبّ راجينا، راجي:
اسم فاعل، أُضيف إلى (نا)، هل اكتسبَ التعريف؟ نقول: لا، هذا اسم فاعل
يُشبه المضارع في اللفظ والمعنى، راجينا، إذن: هو نكرة.
عَظِيمِ الأَمَلِ: عظيم فعيل، هذا صفة مشبهة، والصفة المشبهة لا تكون
إلا بمعنى الحال، بخلاف اسم الفاعل واسم المفعول، فإنهما يكونان بمعنى
الحال أو الاستقبال أو المضي، وأما الصفة المشبهة لا تكون إلا بمعنى
الحال، وهي تشبهُ المضارع، لكن لا مُباشرة، وإنما بواسطة شَبهِها لاسم
الفاعل، هي محمولة ولذلك نقول: الصفة المشبهة، مُشبّهة بماذا؟ هذا
الكلام فيه اختصار للعنوان، الصفة المشبهة باسم الفاعل، إذن: هي أشبهت
المضارع بشبهها باسم الفاعل الشبيه بالمضارع، إذن: بينهما واسطة، الصفة
المشبهة حُملت على المضارع بواسطة اسم الفاعل، ولذلك نقول: الصفة
المشبهة باسم الفاعل.
عَظِيمِ الأَمَلِ: عظيم هذا نعت، لراجينا، ونعت نكرة .. نعت نكرة في
هذا المثال نريدُ أن نَستدلّ قال: فَعَنْ تَنكِيرِهِ لا يُعْزَلُ، وأتى
بالأمثلة .. البيت كلّه مثال، حينئذٍ نقول: راجينا، ثبتَ أنه نكرة
بدخول رُبّ عليه.
عَظِيمِ الأَمَلِ: حينئذٍ نقول: هذا من إضافة الصفة المشبهة إلى
معموله، هل هو معرفة؟ الجواب: لا، لماذا؟ لكونه وصفاً لراجينا، وشرطُ
الوصفِ اتحادُهُ مع الموصوف تعريفاً وتنكيراً، فلما كان راجينا نكرة
لزِمَ أن يكونَ عظيم الأمل نكرة مثله.
مُرَوَّعِ الْقَلْبِ: اسمُ مفعول .. مُروَّع هذا نعت لراجينا، ونعت
النكرة نكرة، مُرَوَّعِ اسم مفعول أشبه المضارع معنًى دائماً ولفظاً
أحياناً، اسم المفعول ليس دائماً يُشبه المضارع في اللفظ، وإنما في
المعنى دائماً؛ لأنه يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، وهذا معنى
المضارع، وأما في اللفظ لا، بل أحياناً يشبهه، وفي أحايين لا يشبهه،
بخلاف اسم الفاعل.
قَلِيلِ الْحِيَلِ: قليل هذا صفة مُشبّهة تمّمَ بها البيت، وهو كذلك
صفة لراجينا؛ كل هذه أوصاف: عَظِيمِ الأَمَلِ هذا نعتٌ لراجينا،
ومُرَوَّعِ الْقَلْبِ نعت لراجينا، قَلِيلِ الْحِيَلِ نعت لراجينا.
إذن: هذه الإضافة لم تُفِد المضاف تعريفاً، بل بقي على أصله، وهو
التنكير.
وأما التخصيص، هل استفادَ تخصيصاً بعد إضافته؟ نقول: لا، لماذا لم
يَستفد تخصيصاً؟ من يستنبط العلة؟ .. لماذا لم يَستفد تخصيصاً؟ نقول:
لأن الشرط هنا أن يُضاف وهو عامل إلى معموله، والعامل مع معموله
المعمول يخصّص العامل، فإذا قلت: أنا ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هل هو مُطلَق
أو مخصّص؟ ضاربٌ زيداً بالتنوين؟ مخصّص، بماذا؟ زيد، إذا قلت: أنا
ضاربُ زيدٍ، هل فيه تخصيص جديد؟ لا، لم يستفد تخصيصاً، وإنما التخصيصُ
قبل إضافته فهو واقع عليه، والمخصَّص لا يُخصَّص، كما أن المعرَّف لا
يُعرَّف، ولذلك قال هنا:
فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: يعني: لا
يكتسبُ التعريف، بقي حالة واحدة وهي التخصيص، نقول: هذه لا يستفيدها
بعد الإضافة لماذا؟ لأنه مخصّص؛ لأنا نشترِطُ في المضاف هنا أن يكون
عاملاً، وإذا كان عاملاً صارَ مخصّصاً؛ لأن كل معمول هو مُقيّدٍ لعامله
مخصّصٌ له كل معمول، سواء كان في باب الأفعال أو غيرها، حينئذٍ نقول:
(أنا ضاربٌ زيداً) هذا مخصص، مخصص بماذا؟ لأنكَ ما قلت: أنا ضاربٌ، لو
قلت: أنا ضاربٌ هذا مُطلَق، لكن الكلام لا يتم، لأن هذا يعملُ عملَ
فعله فلا بد له من مفعول به، وزيداً هذا مفعول به، فهو مخصّص به، فإذا
أضفتَه قلت: أنا ضاربُ زيدٍ لم يأتِ شيءٌ جديد، بل التخصيص الذي قبلَ
الإضافة، وهو كونه ضارباً لزيد هو التخصيص بعد الإضافة وهو كونه ضارباً
لزيد.
إذن: المضروب هو هو، والضارب هو هو، لم نستفد أيّ تخصيص بعد الإضافة.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً، لابد أن نقيّدَه
وصفاً بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنه إذا كان وصف اسم فاعل أو اسم
مفعول بمعنى المضي، حينئذٍ لم يخرج عن الإضافة المحضة المعنوية، بل هو
داخل فيها.
وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: أشارَ بإضافة التنكير إلى
ضميرِ المضاف إلى أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلَها، أنا ضاربٌ
.. ضاربُ زيدٍ، فَعَنْ تَنكِيرِهِ، يعني: تنكير المضاف، إذن: هو قبل
الإضافة مُنكّر .. نكرة، وبعد الإضافة نكرة، فدلَّ على أن الأصل وهو
التنكير يبقى بعد الإضافة، والأصل بقاء ما كانَ على ما كان هذا الأصل
فيه، حتى يثبتَ ما يرفعُه.
إلا أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلها، فأفادَ أن إضافته لا
تُفيدُه التخصيص كما لا تُفيدُه التعريف؛ لا تُفيدُه التعريفَ لما
ذكرناه؛ ولا تُفيده التخصيصَ لأنه مخصَّص قبلَ الإضافة، والمخصّص لا
يُخصّص، وسواء أُضيف إلى المعرفة أو أُضيف إلى النكرة فهو نكرة، وهل
الإضافة هذه على معنى حرف؟ كما ذكرنا أنها ليست على معنى حرفٍ هذا هو
الصحيح، والجماهير على هذا، وقيل في اللفظية كذلك؛ لأنها ظهرت في بعض
المواضع: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه، قلنا: أن هذه
ليست بمعنى واحد، يعني: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه،
هذه إذا لاحظنا اللام: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، وأنها أفادت
توكيداً وحينئذٍ فرقٌ بينَ الجملتين بينَ الكلمتين، ظالمُ نفسِه بدون
اللام أقلّ شأناً من جهة التأكيد من ظالم لنفسِه، وتلك فيها نوعُ
تأكيد، لماذا؟ لأن الأصل ظالمٌ نفسَه.
وذكرنا أن العمل إذا كان فرعياً في العامل حينئذٍ يُستحسَن أن يُؤتى
بلام، ماذا نسميها؟ وزِيدَ .. وزِيدَ يعني اللام، متى؟ إذا تقدّمَ
المعمول على عامله، وإذا كان العاملُ فرعاً كاسم الفاعل: ((مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)) [البقرة:97]، ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ))
[هود:107]، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، فإذا أُضيف حُذِفت
اللام، ولا شك أن الثاني أقل تأكيداً من الأول.
وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ
لاَ يُعْزَلُ
كَرُبَّ رَاجِينَا عَظِيمِ الأَمَلِ ... مُرَوَّعِ الْقَلْبِ قَلِيلِ
الْحِيَلِ
وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ:
ذي مُشار بها إلى أقرب مذكور، ذي إشارة إلى أقرب القسمين، وهي الإضافة
غير المحضة، ذِي: مبتدأ، والإِضَافَةُ: صفة أو عطف بيان، اسْمُهَا
لَفْظِيَّهْ، اسْمُهَا مبتدأ ثاني، ولَفْظِيَّهْ: خبر الثاني، والمبتدأ
الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
وَذِي الإِضَافَةُ: السابقة الأخيرة؛ آخر القسمين لأنّ اسمَ الإشارة
يرجعُ إلى أقرب مذكور كالضمير، مثل الضمير يُعامل مُعاملة الضمير، لا
بدَّ له من مَرجع أولاً يفسِّره، ولا بد من أن يكون المرجع على الأصل
أقرب مذكور.
وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ: اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ؛ لأن
مردَّها إلى اللفظ فحسب، فيها تخفيف وهو حذفُ التنوين أو النون، وغير
محضة، يعني: تُسمّى غير محضة، يعني: غير خالصة، مقابلة للمحضة وهي
الخالصة، خالصة من نيّة الانفصال، وغير خالصة من نية الانفصال، غير
خالصة، من أي شيء؟ غير خالصة من نيّة الانفصال، ينعي: نيّة التقدير بأن
ثَم فاصلاً بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن المضاف إليه يكون مفعولاً به
في الغالب، وغير محضة ومجازية، يُسمّيها البعضُ إضافة مجازية؛ لأن
فائدتها راجعة إلى اللفظ فقط، بتخفيف .. إما بالتخفيف يعني إما بحذف
النون أو بحذف التنوين، أو تحسينٍ .. تحسين قبحٍ وهذا يكون في الصفة
المشبه كما سيأتي في محله؛ لأن الكلام فيها طويل، وهي في تقدير
الانفصال.
وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ ..
وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ:
هذه الإضافة الثانية وَتِلْكَ الإضافة الأولى أشارَ إليها باللام، تلك
والكاف، وتلك: هذا مُبتدأ، محضة: هذا خبر، محضة: يعني خالصة، خالصة من
نيّة الانفصال، ومعنوية؛ لأننا استفدنا منها أمراً زائداً على مجرد
اللفظ وهو المعنى، تلك لفظية لا علاقة لها بالمعنى، وهذه معنوية لها
أصل وجوهر في المعنى.
وَتِلْكَ مَحْضَةٌ: أي: الإضافة المغايرة لإضافة الوصف إلى معموله،
محضة أي: خالصة، ومعنوية، وتُسمّى حقيقية كذلك عندَ بعض النحاة؛ لأنها
خالصة من تقدير الانفصال، وعرفنا المراد بتقدير الانفصال، وفائدتها
راجعة إلى المعنى، كما أنها إلى اللفظ تُفيدُ تخفيفاً لا شكّ بحذف
النون أو التنوين، هذه فائدة لفظية مُشترَكة بين الإضافتين، وإنما
انفردَت المعنوية بزيادة على اللفظية، وأما التخفيفُ اللفظي فهو حاصل
بالنوعين؛ لأن غلامُ زيدٍ حُذِف منه التنوين، كما حُذف من ضاربُ زيدٍ،
وكذلك غلاما زيدٍ، كما هو الشأن في الضاربا الرجل مثلاً، حُذِفت النون
منهما فالحكمُ واحد من جهة التخفيف اللفظي، وأما المعنوي فهذه فائدتُها
راجعة إلى المعنى؛ وذلك هو الغرض الأصلي من الإضافة.
وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ مَحْضَةٌ
وَمَعْنَوِيَّةْ
قال الشارح: هذا هو القسمُ الثاني من قسمي
الإضافة، الذي هو إضافةُ الوصف إلى معموله، وهي غير المحضة، وضبَطَها
المصنف بما إذا كان المضافُ وصفاً يُشبِه (يفعل)، أي: الفعل المضارع،
وهو كلُّ اسم فاعل أو اسم مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال، هذا قيدٌ
فيه؛ لأنه لا يكون عاملاً، إلا بهذا المعنى، حينئذٍ ليسَ كلّ ما جاءَ
معك اسم فاعل تقول: هذا إضافة لفظية، ليسَ كل ما رأيتَ اسم فاعل أو اسم
مفعول قلت: هذه إضافة لفظية، لا، إنما تنظر هذا اسم فاعل، هل هو عامل
أم لا، هل وُجِد فيه قيدُ العمل أم لا؟ فنرجِع إلى باب الفاعل لنعرف
شروطُ إعمال اسم الفاعل، فإن وجدتَ شروط إعمال اسم الفاعل، حينئذٍ
نقولُ: هذه الإضافة لفظية، فإن انتفت أو انتفى بعضها حينئذٍ نقول: هذه
الإضافة محضة معنوية، أفادت تعريفاً أو تخصيصاً .. فانتبه.
كلُّ اسمِ فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كانَ اسم
الفاعل أو اسم المفعول لا بمعنى الحال أو الاستقبال فالإضافة معنوية،
هذا له مفهوم لا بمعنى الماضي أو مُطلَق الزمن، فإن إضافته محضة؛ لأنها
ليست في تقدير الانفصال؛ لأنه لم يعمل، لم يرفع فاعلاً حتى نقول:
الكلام مُنفصل بينَ المضاف والمضاف إليه، لا، وإنما هي مثل: غلامُ زيد،
فلا فرقَ بينَهما. إذن: لا انفصال بينهما.
أو صفةٍ مشبهة، ولا تكون إلا بمعنى الحال، وفي معنى اسم الفاعل ما
يشملُ صيغة المبالغة، ولذلك سيذكرُها الناظم في باب اسم الفاعل؛ لأنها
مبالغة في اسم الفاعل نفسه.
فمثالُ اسم الفاعل: هذا ضاربُ زيدٍ الآنَ أو غداً، ضاربُ زيدٍ الآنَ،
إذن: بمعنى الحال، أو غداً: ليسَ في وقت واحد، وإنمّا إمَّا هذا المثال
أو ذاك، قيّده بهذا أو بذاك، هذا ضاربُ زيدٍ الآن، فضاربُ نقول: هذا
عامِل، زيدٍ هذا معمول له، وهو مفعول به، حينئذٍ صارَ من إضافة العامل
إلى معموله، وأما إذا قلتَ: (هذا ضاربُ زيدٍ أمسِ) فليسَ من إضافة
العامل إلى معموله، بل مثل إضافة غلام إلى زيد.
ومثال اسم المفعول: هذا مضروبُ الأبِ، وهذا مُروَّع القلب، واسم
المفعول إذا أُضيف إلى نائبه، قيلَ: يجري مجرى الصفة المشبهة، سيأتينا
أنّ ثَم تداخلا بين اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، قد يكونُ
اسم الفاعل على وزنِ فاعل ويُراد به الثبوت، حينئذٍ يكون صفةً مُشبّهة
.. يأتي في محلّه.
ومثال الصفة المشبهة: هذا حسنُ الوجه، وقليلُ الحيل، وعظيمُ الأمل، لم
يُقيّدها بالحال؛ لأنها لا تكون إلا للحال.
فإن كان المضاف غيرَ وصف أو وصفاً غير عامل
فالإضافة محضة، كالمصدر، وهذا المصدر فيه خلاف، هل إضافته إضافة محضة
أو لفظية؟ فيه خلاف، ذهبَ ابنُ برهان وغيره إلى أن إضافة المصدر إلى
مرفوعه أو منصوبه غيرُ محضة، بمعنى أنها لفظية، مثل إضافة العامل إلى
معموله، والصحيح أنها محضة، إلا إذا أُريدَ بالمصدر تأويلاًَ اسم
مفعول، ضربُ زيدٍ أي: مَضروبُ زيدٍ، إذا أوّلناهُ حينئذٍ صارَ وصفاً
بالتأويل، فيكون مِن إضافة العامل إلى معموله، إذا لم نقصد إلا المصدر
.. عين المصدر نفسِه دون تأويل، حينئذٍ ابنُ برهان ذهبَ إلى أن الإضافة
غير محضة، والصحيح أنها محضة لورودِ السماع بنعته بالمعرفة، نُعِت
بالمعرفة وهو نكرة، فحينئذٍ إذا نُعِت بالمعرفة .. وشرط النعت أن يكون
مطابقاً لمنعوته تعريفاً وتنكيراً فإذا اختلفا حينئذٍ قلنا: هذا ليس
بمعرفة، كقول القائل: (إن وَجدي بك الشديدَ)، إن وجدي: وجدي هذا مصدر،
بك الشديد، هنا نُعِت بماذا؟ الشديد، لو كان وجدي مثل راجين نكرة أو
معرفة؟ نكرة، وهنا قد وُصِفَ بشديد، وشرطُ الوصفِ مع موصوفه التطابق،
فلما نُعِت بالشديد وهو معرفة، دلَّ على أن وَجْدي معرفة، وإذا كان
معرفة حينئذٍ صارت الإضافة معنوية، معنى أن (وجد) وهو مصدر أُضيف إلى
الضمير الياء فاكتسبَ التعريف، ما الدليلُ على أنه اكتسبَ التعريف؟ هنا
لا يمكن الحكمُ على اللفظ في راجين ومُروّع القلب، لوحدها لا يمكن [أن]
تحكم عليها، وإنما تنظرُ إلى ما قبلَها وما بعدَها، يعني: السياق يحكم،
فإن نُعِتت أو وُصِفت حينئذٍ تنظرُ إلى الصفة نكرة أو معرفة، إن كان
المضاف مُضافاً إلى معرفة ونُعت بنكرة عرفتَ أنه لمك يكتسِب التعريف،
إذا نُعِت بمعرفة، وهو قد أُضيف إلى المعرفة حينئذٍ تقول: استفاد
التعريف، لماذا؟ لأنه لو لم يُعرَّف لبقي نكرةً على أصله، وجدي: إذا
قلنا [إنه] مثل راجين نكرة، حينئذٍ نقول: الشديد ليس في محلّه لابد أن
نقول: شديداً بالتنكير يطابق المنعوت.
إذن: وُصِف المصدر المضاف إلى معموله بالمعرفة، فدلَّ على أنه استفادَ
التعريف وهذا يدلُّ على أن الإضافة محضة.
وذهبَ ابنُ السراج إلى أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة، أفعل التفضيل
ليست بمعنى اسم الفاعل، والصحيح أنها محضة، يعني: ليست لفظية، نصَّ
عليه سيبويه لأنه لا يُنعت بالمعرفة، أفعل التفضيل لا يُنعت بالمعرفة،
فإن كان المضاف غير وصف أو وصفاً غير عامل، فالإضافة محضة كالمصدر ..
عرفنا أن الإضافة محضة: عجبتُ من ضربِ زيدٍ، نقول: استفادَ التعريف
هنا؛ لأن (ضرب) نكرة و (زيد) معرفة فالإضافة معنوية، واسم الفاعل بمعنى
الماضي: هذا ضاربُ زيدٍ أمس؛ فالإضافة معنوية لأن الوصف غير عامل،
وأشارَ بقوله: فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لا يُعْزَلُ: إلى أن هذا القسم
للإضافة أعني غير المحضة لا يُفيد تخصيصاً ولا تعريفاً، ولذلك تدخلُ
عليه رُبّ، ونُعِت في قوله: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ))
[المائدة:95]، وإنما يفيدُ التخفيف، وفائدته ترجِعُ إلى اللفظ، فلذلك
سُميت الإضافة لفظية.
وأما القسم الأول فيُفيدُ تخصيصاً أو
تعريفاً، فلذلك سُميت الإضافة فيه معنوية وسُميت محضة أيضاً؛ لأنها
خالصة من نيّة الانفصال، بخلاف غير المحضة، فإنها على تقدير الانفصال
.. التنوين، تقول: (هذا ضاربُ زيدٌ الآنَ) على تقدير هذا ضاربٌ زيداً
ومعناهما مُتّحد، وإنما أُضيف طلباً للخفة.
إذن: الشروط أربعة في المضاف الذي تكون إضافته لفظية.
الأول: أن يكون المضاف وصفاً، والمراد بالوصف واحد من أربعة أشياء: اسم
الفاعل، أمثلة المبالغة، اسم المفعول، الصفة المشبهة. خرجَ به المصدر،
خرجَ بهذا الشرط المصدر، فإضافته محضة، عجبتُ من ضرب زيدٍ، إلا إذا
أُوِّل باسم الفاعل واسم المفعول.
الثاني: أن يكون مُشبَّهاً للمضارع أو مُشبَّهاً بالمضارع أو مُشْبِهاً
للمضارع قل ما شئتَ، خرجَ به اسم التفضيل فإنه لا يُشبه المضارع.
الثالث: أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال. خرجَ به (ضاربُ زيدٍ أمسِ)
فإنها محضة: (أنا ضاربُ زيدٍ أمسِ) هذه محضة.
الرابع: أن يكون المضاف عاملاً والمضاف إليه معمولاً له. خرجَ به
الوصفُ غيرُ العامل (كاتب القاضي)، (كاسب عيالٍ)، هذه إضافة نقول:
معنوية، اسم الفاعل إن كان بمعنى المضي، فإن أُضيف فإنه يتعرّفُ
بالإضافة، اسم الفاعل إذا كان بمعنى المضي لا بمعنى الحال أو
الاستقبال، حينئذٍ إذا أُضيفَ إضافته محضة اكتسبَ التعريف إذا أُضيف
إلى معرفة؛ لأنه لا يشبه الفعل الذي هو بمعناه، وإن أشبهه في المعنى
لكنه لا يُشبهه لفظاً.
إذن: انتفى شرطٌ من شروطه، وأما المصدر واسم التفضيل فيتعرَّفان
بالإضافة لأنهما غير مُشبهين للمضارع.
ثم قال:
وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ
بِالثَّانِ كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ
أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي ... كَزَيْدٌ الضَّارِبُ رَأْسِ
الْجَانِي
وَكَوْنُهَا فِي الوَصْفِ كَافٍ إِنْ وَقَعْ ... مُثَنًّى أَوْ
جَمْعَاً سَبِيلَهُ اتَّبَعْ
هذا حكمٌ من أحكام الإضافة اللفظية.
قال: وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ: وَوَصْل: مبتدأ،
وهو مضاف، وأل: قُصِدَ لفظُه مضاف إليه، بذا: جار ومجرور مُتعلّق بوصل
لأنه مَصدر، وسبقَ أن الجار والمجرور يتعلّقُ بما فيه رائحةُ الفعل ..
ما أشبهَ الفعل، والمصدر منه، بذا: مُتعلّق بوصل، الْمُضَافِ: هذا كل
محلى بأل بعد اسم الإشارة فهو واحد من ثلاثة أشياء: إما أن يُعرَب
نعتاً، وإما أن يُعرَب بدلاً، وإما أن يُعرَب عطف بيان، واحد من ثلاثة،
والنعت هذا فيه كلام.
بِذَا الْمُضَافِ: المراد به المشابه يفعل،
بِذَا الْمُضَافِ الإشارة إلى أقرب مذكور، وهو: وَإِنْ يُشَابِهِ
الْمُضَافُ يَفْعَلُ: إذن: المشابه ليفعل .. فعل المضارع وهو وصفٌ
بمعنى الحال أو الاستقبال، وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ، هذا
إشارةٌ إلى أقرب مذكور كما ذكرنا، مضاف إضافة لفظية، مُغْتَفَرْ: يعني:
أنه يُغتفَر دخولُ (أل) على المضاف المشابه يفعل، وسبق في قوله:
(نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَو تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ)، أنه
يجبُ أن يُزاد على ما ذكره الناظم مما يُحذَف من المضاف: (أل)، يجب
حذفُ (أل والتنوين والنون)، ثلاثة أشياء يجب حذفها، فحينئذٍ إذا أُضيف
المضاف وهو وصفٌ إلى المضاف إليه، قال هنا: مُغْتَفَرْ، لماذا؟ لأن
الأصل في باب الإضافة من حيث هي أن تنزع (أل) من المضاف هذا الأصل،
ولذلك عبّرَ هنا بالاغتفار، كأنه قال: يُسامح في هذا القسم، وَوَصْلُ
(أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ، وصلُ مبتدأ، ومُغتفَر هذا خبره،
يعني: أنه يُغتفَر دخول (أل) على المضاف، لما كانت إضافة الصفة إلى
معمولها لا تفيدُ تعريفاً، بل تخفيفاً جازَ اقترانُ هذا المضاف دون
غيره من المضافات أن يُوصل بأل، يعني: أن يقترنَ بأل، لماذا؟ لأن
المحذور .. الموجود في الإضافة المحضة غيرُ موجود هنا، قلنا: هناك
تستفيدُ تعريفاً من المضاف إليه، طيب إذا لم يستفد؟ إذن: العلةُ غير
موجودة، منعنا دخول (أل) على المضاف في الإضافة المحضة، منعناهُ لأنه
يكتسبُ التعريف، و (أل) تُفيدُ التعريف، إذن: اجتمعَ أداتا تعريفٍ على
مُعرّف واحد، وهذا ممتنع .. ممنوع لا يصلح، وهذه العلة مَفقودة هنا،
فإذا كانت مفقودة فالحكم يَدورُ مع علّته وجوداً وعدماً.
إذن: عُدم إدخال (أل) هناك لوجود علة، وهنا العلة مفقودَة، حينئذٍ
رجعنا إلى الأصل وهو دخول (أل) على المضاف، لهذه العلة جازَ اقترانُ
هذا المضاف دونَ غيره من المضافات بأن يُوصَل بأل؛ لأن المحذور في غيره
-الإضافة المحضة- من اجتماع أداتي تعريف مُنتَفٍ فيه، ليسَ موجوداً،
وقال بعضهم: إذ المضاف إضافة محضة لا تدخلُ عليه (أل)؛ لأن المضاف فيها
إلى معرفة تعرَّف بالإضافة، فلا تدخل عليه (أل) لئلا يلزم اجتماع
مُعرِّفين على معرَّف واحد، هذا ممنوعٌ لا يجوز، والمضافُ إلى نكرة هذا
يَستفيدُ التخصيصَ بالإضافة، ولو أُدخلتَ عليه (أل) لزمَ إضافة المعرفة
إلى النكرة وهي ممنوعة، إذا قيلَ: بأن اجتماع مُعرّفين هذا يُوجَد في:
(غلامُ زيدٍ)، طيب (غلام امرأة) ليس فيه العلة، إذن: الأصل أن نقول:
الغلام امرأة، نقول هنا: لا؛ لأنه تخصّصَ فإذا عرّفنا الأول حينئذٍ
أُضيف إلى نكرة، وإضافةُ المضافِ وهو معرفة إلى النكرة ممنوع أيضاً.
إذن: المنعُ من جهتين: في باب التعريف لئلا يجتمعَ مُعرِّفان على
مُعرَّف واحد، وفي باب التخصيص لئلا يُضاف المعرفة إلى النكرة وهو
ممنوع، إذن: كلاهما ممنوعان.
وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ
مُغْتَفَرْ: يعني: مُسامَح فيه، لكن بشرط ليسَ مطلقاً، ليسَ كلُّ مضاف
يعملُ أُضيف إلى معموله كان من الإضافة اللفظية يجوزُ دخول أل، لا، لكن
بشرط، وهي خمسُ صور استثناها النحاة أو خمسُ مسائل: إِنْ وُصِلَتْ
بِالثَّانِ، يعني: يجوزُ دخول (أل) على المضاف الذي أشبهَ يفعل، بشرطِ
أن يكون المضاف إليه مُحلىً بأل.
الْجَعْدِ الشَّعَرْ: الجعد: صفة مُشبّهة، الشعر: دخلت (أل) على
المضاف، وهو وصف أشبهَ يفعل، الشعر: نقول: ما الذي جوَّز دخول (أل) على
المضاف؟ وجودُها في المضاف إليه، ولذلك قال: إن وصلت بالثاني الذي هو
المضاف إليه، كالجعد الشعر، كالجعد الشعر نقول: هذا مُضاف ومُضاف إليه،
والإضافة فيه لفظية، والأصلُ عدم دخول (أل) على المضاف، وهنا سوّغَ
دخول (أل) على المضاف وجودُها في المضاف إليه هذه الصورة الأولى،
الصورة الأولى ما هي؟ صحة دخول (أل) على المضاف إذا وجدت في الثاني،
هذه المسألة الأولى المستثناة.
إِنْ وُصِلَتْ (أَلْ) بالثاني الذي هو المضاف إليه: كَالْجَعْدِ
الشَّعَرْ: هذا صفة مُشبّهة الجعد، والجعد واضح.
قال ياسين: إنما اشتُرطت (أل) في المضاف إليه يعني: من أجل أن يسوغَ
دخول (أل) على المضاف، لماذا اشترطناها في المضاف إليه؟ قال ياسين ..
ياسين الحمصي وهذا له حاشيتان، حاشيةٌ على التصريح .. خالد الأزهري،
وحاشيةٌ على مجيب النداء، وحاشيةُ مجيبِ النداء أقوى كثير من حاشية
التصريح وهي دسمة فيها درر.
إنما اشتُرِطت (أل) في المضاف إليه مع الصفة المشبهة التي هي أصل
المسألة. إذن: الأصلُ في الاشتراط أن تكون في الثاني، وجودها في صفة
المشبهة لما سيأتي في بابه، ثم قِيسَ عليه اسمُ الفاعل وما عداهُ من
الأوصاف، وإلا أصل المسألة في الصفة المشبهة.
قال: إنما اشتُرِط (أل) في المضاف إليه مع الصفة المشبهة التي هي أصلُ
المسألة؛ لأن رفع قُبح نصب ما بعدَها بالإضافة لا يحصل إلا حينئذٍ.
حينئذٍ يُضافُ الصفة المشبهة إلى معموله كما سيأتي في بابه.
لعدمِ قُبح نصبِ النكرة على التمييز بعدَ الصفة المشبهة، وحُمِل اسم
الفاعل عليها.
إذن: لماذا اشتُرط هنا في دخول (أل) على المضاف أن تكون داخلة على
الثاني؛ حملاً لاسمِ الفاعل على الصفة المشبهة، ولماذا في الصفة
المشبهة اشتُرِط إضافتها إلى المحلى بأل للقبح، ووجهُ القبحِ يأتي في
محلّه .. الكلام فيه طويل عريض.
وأيضا ليكون دخول (أل) على المضاف الذي هو خلاف الأصل كالمشاكلة ..
المشاكلة بينَ المضاف والمضاف إليه والعلة الأولى هي المثبتة.
إذن: المسألة الأولى المستثناة: أن تدخل (أل) على المضاف؛ لدخولها في
المضاف إليه، فتقول: (جاءَ الضاربُ الرجلِ) دخلت على الضارب لوجودِها
في الرجل، أو: هذه المسالة الثانية، أو: هذه للتنويع.
أو يكون الثاني مضافاً إلى ما فيه (أل).
أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي: أو
وُصِلت بالذي أُضيف له الثاني، ما هو الثاني؟ المضاف إليه، هنا يكون
المضافُ إلى الوصف المضاف إليه الذي أُضيف إليه الوصف نكرة، لكنه هو في
نفسُه مضاف إلى ما فيه (أل)، انظر المثال: (الضارب رأس)، هذه إضافةٌ
لفظية، الضارب هذا الأصل ضاربٌ رأس زيد هكذا، ضاربٌ، الإضافة لفظية،
أُضيفَ الضارب إلى رأس: ضاربُ رأس، ما الذي سوّغَ دخول (أل) على
الضارب، مع كون المضاف إليه ليس فيه (أل)؟ نقول: لكون المضاف إليه
أُضيف إلى ما فيه (أل)، وهذا كلّه سماعي؛ الأصل فيه السماع؛ لأنه خارجٌ
عن القياس. زيدٌ الضاربُ، إذن: زيدٌ هذا مُبتدأ والضاربُ خبر، وهو
مُضاف ورأسِ مُضاف إليه، إضافة لفظية؛ لأن الضارب وَصفٌ وهو عامل أُضيف
إلى معموله وهو مفعول به، الضارب رأس، رأس مضروب، ضارب رأس، والرأس
الذي هو المضاف إليه أُضيفَ إلى ما فيه (أل)، رأس مضاف والجاني مضاف
إليه.
إذن: المسألة الثانية مما يستثنى وهو دخول (أل) على الوصف: أن يكون
مضافاً إلى نكرة مضافٍ إلى ما فيه (أل)، رأسِ الجاني، أَوْ بِالَّذِي
لَهُ أُضِيْفَ، أُضيف له، له: هذا مُتعلّق بكونه أُضيف، الثاني: هذا
نائب فاعل.
المسألة الثالثة لم يذكرها الناظم، وهي: أن يُوصَل بما أُضيفَ إلى
ضميره، يعني: الثاني بدلاً من أن يضاف إلى ما فيه (أل)، لا، يُضاف إلى
الضمير:
أَلْوُدُّ أَنْتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ
المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ: مُستحقّة اسمُ فاعل مؤنث، المُسْتَحِقَّةُ
صَفْوِهِ اسم فاعل أُضيفَ إلى صفو، وصفو أُضيفَ إلى ضمير، وصاحبُ
الضمير يعودُ إلى الود، الودُ أنتِ، الود: مبتدأ أول، وأنتِ: مبتدأ
ثاني، والمستحقةُ: خبر المبتدأ الثاني، والجملة المبتدأ الثاني وخبره
في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول.
المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ: يعني: صفو الودّ، فحينئذٍ يعودُ الضمير إلى
ما فيه (أل)، وهو الود.
إذن: الودُ أنتِ المستحقة صفوه، هنا أُضيفَ اسمُ الفاعل إلى مُضاف إلى
ضمير، وهذا الضمير يرجعُ إلى المبتدأ، هذه المسألة الثالثة.
المسألة الرابعة مما يُستثنى: أن يكون الوصف مُثنىً، فإذا كان مُثنى
اكتفينا به.
المسألة الخامسة: أن يكون الوصف جمعاً، جمع تصحيح، حينئذٍ نقول: نكتفي
به ولا يُنظَر إلى المضاف إليه، هذه خمس مسائل تُستثنى، وما عداها لا
يُقاس عليها؛ لأن هذه المسائل موقوفة على السماع، وهي خارجةٌ عن
القياس، وما خرَجَ عن القياس غيرُه عليه لا ينقاسُ، فإذا قيل: الضاربُ
الرجلِ، هنا أُضيفَ إلى ما فيه (أل)، مثله: الضاربُ زيد؛ لأن زيد علم
وهو أعرف من الرجل، مثله: الضاربُ هذا، مثله الضاربُ غلام زيد، نقول:
لا هذا كلّه ممنوع، وإن أجازَه البعض، لكنه ممنوع لأنه سُمِع إضافته
إلى ما فيه (أل): {وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع}؛ حينئذٍ نقول: الأصل
السماع.
إذن: وَكَوْنُهَا، أي: كون (أل)، كان هنا ناقصة أو تامة؟ الظاهرُ أنها
تامّة وكونها أي: وجودها، وجود (أل)، كونها: كون (أل) .. وجودها، في
الوصف الذي هو المضاف، كَافٍ في الوصف فقط دون المضاف إليه، كَافٍ،
يعني: يكفي، وكونها كافٍ؛
كون إذا قلنا: كون تامّة، صارت مُبتدأ لا
تحتاجُ إلى خبر لذاتها، وهذا الظاهرُ أن كون هنا مَصدَر كان تامّة، إذا
قلنا بأنها مُبتدأ كون، إذن: تحتاجُ إلى خبر من جهة كونها مبتدأ،
بخلاف:
وَكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيُر
فيحتاجُ إلى خبرين، خبرُ كونه مبتدأ وخبر كونه كان الناقصة.
هنا إذا قيلَ بأنها تامّة، صار كون أل، هذا من إضافةِ الكونِ إلى
فاعلِهِ في المعنى، كون (أل) .. وجود (أل) .. وجدت (أل)، إذن: صارَ فعل
وفاعل، فالضميرُ هنا يُراعى فيه من جهة المعنى أنه مِن إضافة المصدر
إلى فاعله، فلا نحتاجُ إلى خبرٍ ولا إلى فاعل. كَافٍ هذا خبر، خبر
الكون.
وَكَوْنُهَا في الوَصْفِ كَافٍ: يكفي عن اشتراطِ كونها في المضاف إليه،
أو يكون المضاف إليه مضافاً إلى ما فيه (أل) أو الضمير، فنكتفي بوجودها
في الوصف إذا كان مثنىً، كافٍ في اغتفارِه؛ لأنه لما طالَ ناسَبَه
التخفيف فلم يشترط وصل (أل) بالمضاف إليه؛ لأنه طويل: ضاربان، قالوا:
فيه طول.
إذن: لا نشترِطُ فيه شيئاً زائداً على مجرّد كونه مثنى: كذلك الضاربون.
إِنْ وَقَعْ مُثَنًّى، وَكَوْنُهَا في الوَصْفِ كَافٍ إِنْ وَقَعْ: في
بعضِ النسخ: (أن وقعَ) بفتح (أن)، وعليها شرح المكودي، (أن) وقعَ بفتح
الهمزة، وموضعه رفعُ فاعل كافٍ، كافٍ اسمُ فاعل، حينئذٍ يحتاج إلى
فاعل، أن وقع، صار كافٍ وقوعها، فأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل
لكافٍ هذا وجهٌ. وقيل: مُبتدأ ثانٍ وكافٍ خبره مُقدّم، والجملة خبر
الأول الذي هو الكون، حينئذٍ لا يكون كافٍ خبر الكون، بل أن وقع: هذا
مبتدأ وكافٍ خبره، والجملة في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول.
وقال المكودي: في موضع نصبٍ على إسقاط لام التعليل، كافٍ لوقوعه، وهذا
فيه ضعف.
إذن: (إِنْ وَقَعْ) بكسر (إن) صارت شرطية،
و (أن وقع) حينئذٍ صارت الجملة هنا في تأويل مصدر، إِنْ وَقَعْ
مُثَنًّى: مررتُ بالضارِبَي زيدٍ، نقول: الضاربي، هذا وصفٌ ودخلت عليه
أل، وهو مُضاف والإضافة لفظية، وجوّزَ دخول (أل) على المضاف كونه مثنى
دون شرط آخر أو قيد: مَررتُ بالضاربي زيدٍ، كذلك جمع الضاربين أصله، أو
جمعاً، أو للتنويع، أَوْ جَمْعاً يعني: مجموعاً، سَبِيلَهُ: سبيل
المثنى اتبع، أو جمعاً: اتبعَ سبيله الجملة صفة لجمعاً، سبيله: هذا
منصوب باتبع، أي: سبيل المثنى، في كون الإعراب بحرف بعدَه .. بعدَه
نون، ولذلك قيل: سبيل المثنى يعني: على طريقة المثنى، يعني: سلِمَ فيه
بناء الواحد هذا الأصل، ويُعرَب بحرفين، ويُختَم بنون زائدة، يُعرَب
بحرفين ليست الألف والنون، وإنما الألف والياء، يُقال: يعرب بحرفين،
ليست الألف، بعضهم يَعترض، يقول: كيف تقول: يُعرَب بحرفين والألف هي
التي تكون علامة الإعراب، والنون هذه زائدة قائمة مقامَ التنوين؟ نقول:
لا، المراد يُعرَب بحرفين، يعني: الألف والياء، وكذلك الجمع يُعرَب
بحرفين الواو والياء، بخلاف الأسماء الستة، تُعرَب بالأحرف الثلاثة،
ولذلك مِن حيث الإعراب هي أقوى؛ لأنها مُفرَد، أُعرِبت بالواو التي هي
نيابة عن الضمة .. مُشبَعة، والألف نيابة عن الفتحة، والياء نيابة عن
الكسرة، بخلاف الألف هناك، الألف الأصل أنها نائبةٌ عن الفتحة جاءت في
محلّ رفعٍ، والياء في الأصل أنها للكسرة جاءت في محلّ نصب، والواو في
الجمع على أصلها، وإنما الذي خالف هو الياء في حالة النصب.
على كلٍ: أَوْ جَمْعاً سَبِيلَهُ اتَّبَعْ: يعني: جمعاً اتبعَ سبيله،
يعني سبيلَ المثنى، احترزَ به عن جمعِ التكسير وجمعِ المؤنث السالم،
فحينئذٍ حكمُهُ حكم الأول، وهو أن إضافته لفظية، وهل تدخل عليه أل؟
بالشروط السابقة، يعني: لا بد أن يكون مضافاً إلى ما فيه (أل)، أو إلى
نكرة مضافاً إلى ما فيه (أل) أو إلى ضميره.
حينئذٍ:
وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ
بِالثَّانِ ..........
أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي، هذا يشملُ المفرد وجمع التكسير
وجمع المؤنث السالم.
وأما كونه مثنى أو جمعاً .. جمع تصحيح .. مذكر سالم، هذا الذي يختصُّ
بالحكم الأخير.
قال الشارح: لا يجوزُ دخولُ الألف واللام على المضاف الذي إضافته محضة،
إضافته محضة خالصة معنوية، لا يجوزُ دخولُ (أل) على المضاف لأنه
سيكتسبُ التعريفَ من المضاف إليه، حينئذٍ لا يجتمع معرفان.
طيب. في غير التعريف التخصيص، نقول: لئلا يُضاف المعرفة إلى النكرة
فإنه ممنوع.
فلا تقولُ: (هذا الغلام رجل)؛ غلامُ رجلٍ، الغلامُ رجلٍ، هنا لم
يَكتسِب التعريف، لماذا؟ لأنه مُضاف إلى نكرة استفادَ التخصيصَ؛ اكتسبَ
التخصيص، حينئذٍ نقول: إذا اكتسبَ التخصيص، دخول (أل) على المضاف مع
بقائه نكرة، حينئذٍ عرّفته هو .. المضاف، فيكونُ من باب إضافة المعرفة
إلى النكرة وهو ممنوع؛ لأن الإضافةَ مُنافيةٌ للألف واللام، يعني:
اجتمعَ مُعرِّف ومُخصِّص فلا يجمع بينهما، الكلامُ فيه إجمال هذا على
التفصيل الذي ذكرته.
وأما ما كانت إضافته غير محضة، وهي المراد
بقوله: بِذَا المُضَافِ، أي: بهذا المضاف الذي تقدّمَ الكلام فيه قبلَ
هذا البيت، فكانَ القياسُ أيضاً يقتضى أن لا تدخلَ الألفُ واللامُ على
المضاف، هذا القياس؛ لأن المضافَ مِن حيث هو مضاف يمتنعُ دخولُ (أل)
عليه .. هذا الأصل فيه، لما تقدّمَ من أنهما مُتعاقبان، كلٌّ منهما
يعقبُ الآخر؛ لأن (ضاربٌ) منون، والأصل فيما نُوِّن أن لا تدخلَ عليه
(أل).
ولكن لما كانت الإضافة فيه على نيّة الانفصال اغتفرَ ذلك؛ تُسومِحَ
فيه؛ بشرطِ أن تدخلَ الألف واللام على المضاف إليه هذه الحالة الأولى،
كالجعد الشعر، والضاربُ الرجلِ أو الضاربِ الرجلِ، أو على ما أُضيفَ
إليه مضاف، زَيْدٌ ؤ، وَهُنَّ الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ
الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ: دخلت (أل) على المضاف وهو جمعُ مُؤنّث
سالم، الشافيات، الحوائم: دخلت على المضاف إليه، الذي سوَّغَ دخولها
على المضاف مع كونه جمعَ مؤنثٍ سالم دخولها على المضاف إليه، وَهُنَّ
الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ.
كذلك قوله: لَقَدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى
الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى: هذا مِن باب: الضَّارِبُ رَأْسِ
الْجَانِي؛ لأنه قال: الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى.
فإن لم تدخل اللام والألف على المضاف إليه ولا على ما أُضيف إليه
المضاف امتنعت المسألة، فلا تقل: هذا الضارب رأسِ رجلِ، ولا هذا الضارب
زيدٍ ولا هذا الضاربُ رأسِ جانٍ؛ لأن المسألة سماعية.
واختُلِفَ في تابع المضاف إليه، إذا قلت:
الضارب الرجل، ثم أتبعته ببدلٍ أو عطفِ بيان أو نعتٍ، فما حكمه؟
فسيبويه يُجوِّز عدمَ وصله بأل، نحو: جاء الضاربُ الرجلِ وزيدٍ، هنا
ليسَ فيه (أل)؛ لأنه في قوّة: جاء الضاربُ زيدٍ، وهذا ممنوعٌ، الضاربُ
زيدٍ ممنوع لفقدِ الشرطِ صح دخول (أل) على المضاف؛ لأنه يُشترَط أن
يكون المعرفة الذي يُضاف إليه محلىً بأل لا معرفة .. لا علم، فإذا قيل:
(جاءَ الضاربُ الرجلِ وزيدٍ)، و (هذا الضاربُ الرجلِ زيدٍ) على أنه
بدلٌ، حينئذٍ سَلَّط عليه المضاف؛ لأنّ العامل في التابع هو العامل في
المتبوع، فإذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ وزيدٍ كأنك قلتَ: جاءَ الضاربُ
زيدٍ، وهذا ممنوع، وإذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ زيدٍ على أنه بدلٌ أو
عطفُ بيان، صارَ ممنوعاً هذا الأصل فيه، لكن قيل: يُغتَفَر في التوابع
ما لا يُغتفَر في الأصول، فتُسُومِح في هذا وإلا الأصل عدمُ الجواز،
مثلما ذكرناه في: رُبّ رجلٍ وأخيه، قلنا: لو جعلناه معرفة لسوَّغنا
دخول رُبّ عليه، وهذا ممنوع، ولذلك قلنا: الضمير هنا نكرة، لكن في هذا
المقام سيبويه خالفَ، فجعله سائغاً، فسيبويه يجوِّزُ عدمَ وصلِه بأل،
نحو: جاء الضاربُ الرجلِ وزيدٍ، يعني: عطفتَ على الرجل مضاف إليه، وهذا
الضارب الرجل زيدٍ أبدلت من المضاف إليه، وهو الرجل، على أن (زيدٍ) عطف
بيان، والمبرد لا يُجوِّز ذلك، بل يُوجِب أن يصحَّ وقوعُ التابع موقع
متبوعه وهذا أقيسُ؛ لأننا مَضينا على هذا فيما سبقَ .. في باب: لا ..
اسمِ لا النافية للجنس، وكذلك في مدخول رُبّ؛ لأنك إذا عطفتَ عليه
سوّغتَ دخول رُبّ عليه، كذلك هنا، إذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ زيد
على أن زيد عطف بيان من الرجل، هذا في قوّة قولك: جاءَ الضاربُ زيدٍ،
وهذا ممنوع، إذن: نمنعُهُ، لابد أن يكون مما يجوزُ أن تقول فيه: جاء
الضاربُ الرجلِ، لو قال: جاءَ الضاربُ الرجلِ العالم صحّ؛ لأنكَ تقول:
جاءَ الضاربُ العالم، إذن: لا إشكال فيه، أما زيد فلا؛ لأنه لا يُضافُ
إليه ولا يكتسبُ منه صحة دخول (أل)، والأول أرجحُ؛ هكذا قال الصبان؛
والأول أرجحُ؛ لأنه قد يُغتفَر في التابع ما لا يُغتفَر في المتبوع،
لكن لماذا لا تطرد هذه القاعدة في باب (لا) هناك؟ ولذلك قولُ المبرد له
أصله، هذا إذا كان المضاف غير مُثنىً ولا مجموعاً جمعَ سلامة لمذكر،
ويدخلُ في هذا المفرد، كما مُثِّل: الرجل الضارب، وجمع التكسير
كالضوارب والضُّرَّاب، إذا قلت: (الضواربُ الرجلِ) فحكمه حكمُ الضارب
الرجل، الضرّاب صيغة مبالغة، مثلُهُ الضرّاب الرجلِ.
وجمع السلامة لمؤنّث: الضاربات الرجل أو غلام الرجل، فإن كان المضاف
مُثنىً أو مجموعاً جمع سلامةٍ لمذكر كفى وجودُها في المضاف، ولم يشترِط
وجودها في المضاف إليه، وهو المراد بقوله:
وَكَوْنُهَا فِي الْوَصْفِ: يعني: كون (أل) في الوصف المضاف فقط.
كَافٍ إِنْ وَقَعْ مُثَنَّى أَوْ جَمْعاً: يعني: مجموعاً.
سَبِيلَهُ اتَّبَعْ: أي: وجود الألف واللام
في الوصف المضاف إذا كان مثنى أو جمعاً اتبع سبيلَ المثنى، على حدِّ
المثنى يعني، وهو جمعُ المذكر السالم يغني عن وجودِها في المضاف إليه:
هذان الضاربا زيدٍ، وهؤلاء الضاربو زيدٍ، وتُحذَف النون للإضافة.
فإن انتفت الشروطُ المذكورة .. هذه خمسُ مسائل بشروطها، غيرها عليها لا
يَنقاس، إن انتفت الشروطُ المذكورة امتنعَ وصلُ (أل) بذا المضاف،
ممنوعٌ لا يُقال: الضاربُ هذا، ولا الضاربُ زيد، ولا الضاربُ رجلٍ كلّه
ممنوعٌ؛ لأن المسألة سماعية، لا يجوزُ أبداً.
وأجازَ الفراء فيه مُضافاً إلى المعارف مُطلقاً من باب القياس، قال: ما
دام أنه جازَ: الضاربُ الرجل، وهو مَعرفة غيره أولى .. اسم الإشارة
والعلم، الضاربُ زيدٍ، نقول: لا، الضاربُ زيدٍ، والضاربُ هذا، بخلاف
الضاربُ الرجل، وقال المبرد: إذا أُضيفَ الضارب إلى الضمير (الكاف)
سواء كان محلىً بأل أو مجرداً: ضاربك، فالضمير موضع خفض، الضاربك،
ضاربك، الضمير في موضع خفض.
وقالَ الأخفش: في موضعِ نصب، إذا قيل: الضاربك يجوزُ أو لا يجوزُ؟
يجوزُ، ,إذا قيل: ضاربك؟ هذا جائزٌ لا إشكالَ فيه، الضمير هنا في موضعِ
خفضٍ عندَ المبرد، وفي موضعِ نصبٍ عندَ الأخفش، وعندَ سيبويه الضمير
كالظاهر، فهو منصوب في: الضاربك، مخفوضٌ في: ضاربك، الضاربك، نقول: هذا
منصوب؛ لأنّ (أل) هنا إذا دخلت على اسمِ الفاعل عمِلَ مُطلقاً بدون شرط
أو قيد؛ حينئذٍ الكاف في محلّ نصب، وأما ضاربك نقول: الكاف في محلّ
خفض.
ويجوزُ في الضارباك والضاربوك الوجهان؛ لأنه يجوزُ الضاربا زيداً،
والضاربو عمراً، وتُحذَف النون في النصب كما تحذف الإضافة، وعندَ حذف
النون، ما هو الأحسن؟ الجرّ بالإضافة؛ لأنه المعهود؛ والنصبُ ليس
بضعيف؛ لأن الوصف صلة، فهو في قوّة الفعل فطلب معه التخفيف.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!
|