شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* حدف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراٌ وشروطه
* شروط إبقاء المضاف على حاله بعد حدف المضاف إليه
* حكم الفصل بين المضاف إليه وأنواع الفاصل.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا

عرفنا أن هذه المسألة مسألة حذفِ ما عُلم من مضاف ومضاف إليه، والبيت هذا تقيد ب حذف المضاف في مسألةٍ شهيرةٍ وإن عنونَ لها البيانيون بالمجاز، ولكن يُشترَط في جوازِ حذف المضاف شرطان؛ الأول: أن يكون ثَم دليل أو قرينة على المحذوف، فإن لم تكن قرينةٌ حينئذٍ امتنعَ حذفه، يعني قعّضد ما لا يدلُّ عليه دليل لا يجوز حذفه البتة مطلقاً في أبواب النحو كلها.
الثاني: أن يكونَ المضاف مُفرداً لا جملة؛ لأن الجملة حينئذٍ لا تقوم مقامَ المضاف إذا حُذف.
وأما الأول هذا مُتفق عليه، والثاني حكي عليه الاتفاق.
وَمَا يَلِي الْمُضَافَ أي: الذي يلي المضافَ، الذي يتلوُهُ ويليه -وهو المضاف إليه- يأتي خلفاً عنه بعد حذفه، ولذلك قال: (إِذَا مَا حُذِفَا) ولا يمكن أن يكونَ خلفاً عنه إلا بعدَ حذفه، حينئذٍ دلَّ على الحذفِ قوله: (يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ) وهذا دلَّ على أنه حُذف، وقوله: إِذَا مَا حُذِفَا هذا أشبه ما يكون بالتأكيد.
وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا كَمَا ... قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ ... مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ

وَرُبَّمَا جَرُّوا: ربما هذه للتقليل.
جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا: وهو المضاف إليه، هذا ما يتعلق بالمضاف إليه، في السابق قال: يَأتِي خَلَفَاً عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، قد لا يأتي خلفاً عنه في الإعراب، بل يبقى على أصله على جرِّهِ، فيُحذَف المضاف ويبقى المضافُ إليه على جرِّهِ، فيبقى مجروراً كما هو الشأن فيه قبلَ حذف المضاف.
وَرُبَّمَا جَرُّوا: أي العرب نُطقاً، أو النحاة حكمُوا بذلك، والأول أظهر.
وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا: وهو المضاف إليه، بعدَ حذف المضاف.
أَبْقَوْا المضاف إليه كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: والذي تقدَّمَ ما هو حذفه؟ المضاف، يعني يبقى المضاف إليه على حاله، في السابق بين لنا القاعدة الأصلية وهي: أنه إذا حُذف المضاف أُقيمَ المضاف إليه مقامه فارتفعَ ارتفاعَه أو انتصبَ انتصابَه، أو جُرّ جرَّه .. خفض خفضه، وقد لا يكون كذلك بل يبقى على حاله.
وَرُبَّمَا جَرُّوا: يعني استداموا جرَّ الَّذِي أَبْقَوْا كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: معنى البيت أي: تركوا المضاف إليه على الحالة التي كان عليها قبلَ حذف المضاف وهي الجرّ، فيبقى على حاله، وفُهِم من قوله: وَرُبَّمَا أن هذا قليل؛ رُبَّمَا جَرُّوا نقول: هذا قليل؛ لأن ربّ للتكثير كثير وللتقليل قليل، هنا لا يتأتى فيها التكثير، لماذا؟ لأن حذفَ المضافِ وإقامة المضاف إليه مقامه .. كونه يرتفعُ ارتفاعه وينتصبُ انتصابه، هذا قليل خلاف الأصل.


ثم هذا يُستثنى منه حالة وهي: أنه لا يُقام مقامَ المضاف إليه وإنما يبقى على حاله، إذن هذا استثناء من استثناء، وإن شئتَ قل: خروجٌ عن خروجٍ؛ لأنَّ الأول خروج، الأصل عدم الحذف، والمضاف والمضاف إليه كالجزءِ الواحد .. كالكلمة الواحدة، حينئذٍ لا يجوزُ حذفُ الجزءِ الأول، لكن لما عُلِم ساعدَت القرينة وقوَّت حذف المضاف، إذن خرجنا عن الأصل.
ثم خروجٌ آخر وهو أن لا يُقام المضاف إليه مقامَه، فيبقى على ما هو عليه من جرّه. وفُهِم من قوله: وَرُبَّمَا أن هذا قليل، ومع قلّته كذلك فيه شرط، لَكِنْ بِشَرْطِ كما سيأتي.
وَرُبَّمَا جَرُّوا: أي العرب يعني استداموا جرّ، ليس جرّاً جديداً، إذا حُذِف المضاف وبقي المضاف إليه على حاله من الجرّ فحينئذٍ نقول: الجرّ الذي قبلَ حذف المضاف هو نفسه الجرّ بعدَ حذفه وليس ثَم جرٌّ جديد، ولذلك رُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ.
الَّذِي أَبْقَوْا: بعدَ حذف المضاف وهو المضاف إليه.
كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: هذا معلوم، لماذا نصَّ عليه؟ كما تشبيه، يعني بقي المضاف مجروراً بعد حذف المضاف كما هو الشأن قبل حذفِه، عندنا مُشبّه ومشبّه به، أي كالجرّ الذي قد كان ودفَعَ به توهم أن هذا جرٌّ جديدٌ بجار آخر غير المضاف، يعني كما قد كان قبلَ حذف، قد يُفهم مِن قوله: (وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا) أنه مجرور بعامل جديد ليس هو المضاف الذي حُذِف، لا، ليسَ الأمر كذلك، بل هو العامل قبلَ الحذف هو عينه العامل بعد الحذف، والجرّ قبل الحذف هو عينه الجرّ بعد الحذف، فالكسرة هي الكسرة والعامل هو العامل قبل الحذف وبعد الحذف.
إذن: (كَمَا قَدْ كَانَ) نقول: هذا نصَّ عليه دفعاً لتوهم أن يتوهّم مُتوهِّم بأن الجرّ الذي بقي بعدَ حذف المضاف هذا جرٌّ جديد، وليس الأمرُ كذلك بل هو سابق. بجرٍّ آخر غير مضاف، والمغايرة بين المشبه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب؛ لأنه جاءَ بكاف التشبيه (كَمَا).


إذن: شبّهَ الصورة الحاصلة بعد الحذف بالصورةِ قبلَ الحذف، وهي عينُها، كأنه قال: زيدٌ كزيدٍ، هل يصحّ؟ لا يصحّ أن يقال: زيد كزيد، فلا يُشبّه زيد بزيد، وإنما يُشبّه زيد بذاتٍ مُغايرة، وهنا لم يحصل التغاير، نقول: حصلَ التغايرُ باعتبار صورة التركيب، فذكرُ المضافِ مع المضاف إليه هذه صورة، وحذف المضاف مع إبقاء المضاف إليه مجروراً كحاله قبل الحذف هذه صورة أخرى، فشبّهَ الثاني بالأول .. شبّه الثاني الذي هو بعدَ حذف المضاف بالأول الذي ذُكِر فيه المضاف والمضاف إليه. والمغاير بينَ المشبّه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب، أو على أن العرض لا يبقى زمانين ووجهُ الشبهِ كون كل بالمضاف، لكن الأول أولى، أن يُقال: شبّه صورة التركيب بصورةِ تركيب آخر، وهنا تحصلُ المغايرة كما ذكرناه في (زيد غير عمروٍ)، قلنا هنا حصلت المغايرة بالتنوع الشخصي، أما الماهية فهي عينُ الماهية، فمطلقُ المغايرةِ حاصلة بغير، كذلك هنا مُطلق المغايرة بينَ المشبه والمشبه به حاصلةٌ، فالتركيبُ الذي فيه المضاف قبلَ حذفه وإبقاء المضاف إليه مجروراً مع ذكرِ العامل ليست هي عين الصورة في حذفِ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله، ولذلك قال: كَمَا، وجاء بكاف التشبيه.
كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا، الذي تقدّما الألف للإطلاق وهو المضاف، لَكِنْ حرف استدراك، لكن يعني: لا يتوهّم أنه يبقى المضاف إليه كحاله قبلَ حذف المضاف مُطلقاً، لا، بشرط، وكلما قُيّد الشيء بشرط دلَّ على أنه فرعٌ وأنه ضعيف، كلما قُيّد بشيء .. وخاصّة هنا خروج عن خرج، يعني ليسَ هو أصل حتى نقول: كاسم الفاعل إذا قُيّد فهو على الأصل، لا. هنا خروج عن خروج. الأصلُ عدمُ الحذف، الأصل أنه إذا حُذِف المضاف أُقيم المضاف إليه مقامَه فارتفع ارتفاعَه، هذا الأصل، وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، هذا الأصل وهو المطّرد في لسان العرب، لكن إبقاؤه على حاله دون أن يأخذَ حكمَ المضاف نقول: هذا خروج عن خروج.
لَكِنْ: حرف استدراك.
بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: الذي هو المضاف.
مُمَاثِلاً: لفظاً ومعنى.
لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: على المعطوف عليه، يعني يُشترَط في المضاف الذي يبقى المضاف إليه كحاله فلا يرتفع ارتفاعه ولا ينتصب انتصابه: أن يكونَ معطوفاً على مماثِلٍ في اللفظ والمعنى، ليصيرَ دليلاً قوياً على المحذوف، فحينئذٍ نقول: لا يجوزُ حذفُ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله دونَ أن يأخذَ حكمَ إعراب المضاف إلا إذا عُطِف على مماثل، والمماثلة هنا تكون في اللفظ والمعنى، أما المعنى دون اللفظ فهذا فيها خلاف كبير والأكثر على المنع، لكن بشرط أن يكون والشرط معلوم: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، حينئذٍ نقول: هذا شرطٌ وجودُه يتحقّق الحكم، انتفاؤه حينئذٍ يرتفع الحكم.
أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: (ما) هذا اسم يكون، صادق على المضاف، (مُمَاثِلاً) هذا خبر يكون، أَنْ يَكُونَ بشرط كون، أَنْ يَكُونَ كون أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، بشرط كون.


مَا حُذِفْ: (ما) اسم موصول بمعنى الذي يصدُق على المضاف، الذي حذف وهو المضاف.
مُمَاثِلاً: هذا خبرُ يكون، لفظاً ومعنى؛ لأنه أطلقَ المماثلة، والمماثلة لها كمال ولها دنو، وأكملُ المماثلةِ أن تكونَ في اللفظ والمعنى معاً، فإن كان المعنى دون اللفظِ ففيه نوعُ مماثلةٍ لكنها ليست على الإطلاق، ولذلك أطلقَ هنا مع التنوين (مُمَاثِلاً) دلَّ على أن المماثلة هنا المراد بها أكملُ درجة، وهي أن تكون في اللفظ والمعنى.
للذي (لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ) (لما) جار ومجرور مُتعلّق بمماثلاً؛ مماثلاً لأي شيء؟ قال: لِمَا عَلَيْهِ، فدلَّ على أن الجار والمجرور مُتعلّق بقوله: مُمَاثِلاً، ودائماً هذه خذها قاعدة: المعنى هو الذي يحكم في المتعلّقات، وخاصّة في الجار والمجرور والظرف لأنه يلتبس كثير، فقد يجوز أن يكون عندَك ثلاثة عوامل، كلها جائزٌ من جهة الصنعة أن يتعلّق بواحدٍ منها، لكن يأتي هنا الحنكة والنظر في أن يُعلِّق الطالب بواحد منها يُتمِّم به المعنى، فيصحّ ويكون أكملَ مِن تعليق بغيره. مُمَاثِلاً لأي شيء؟ أطلقَ الناظم (لِمَا عَلَيْهِ) أي: على المعطوف عليه، (قَدْ عُطِفْ) هذا فيه ضمير يعودُ على (ما) في قوله: مَا حُذِفْ، بأن يكون ما حذف، الذي حذف .. قَدْ عُطِفْ الضمير هنا يعودُ على (ما) في قوله: مَا حُذِفْ.
أن يكون ما حُذف الذي هو المضاف مُمَاثِلاً في اللفظ والمعنى لما قد عُطِف عليه، يعني ثَم معطوف عليه يُعطف عليه المضاف المحذوف، وقيل بالعكس كما سيأتي في المذهبين.


قال الشارح: قد يُحذَف المضاف ويبقى المضاف إليه مجروراً كما كان عندَ ذكرِ المضاف قبلَ حذفِه، لكن بشرط: أن يكونَ المحذوفُ الذي هو المضاف: مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: عُطِف عليه، يعني يكونُ المضافُ المحذوف معطوفا عليه، لفظاً ومعنى، المماثلة هنا لفظاً ومعنى؛ مثاله قول القائل: (ما مثلُ عبدِ الله ولا أخيه يقولان ذلك)، هذا المثال يذكرُهُ النحاة .. ابنُ هشام وغيره، (ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك) مثل: مبتدأ وهو مضاف، وعبد الله مضاف إليه، ولا أخيه: الواو حرف عطف، ولا: زائدة لتأكيد النفي. أخيه: مضاف إليه، يعني و (لا مثل أخيه)، حينئذٍ (أخيه) نقول: هذا مجرور بالمضاف. أين المضاف؟ محذوف، لو عطفتَه .. قد يأتي إنسان في عجلةٍ يقول: معطوفٌ على عبد الله؛ لأنه مجرور، مثل عبد الله وأخيه معطوفٌ على عبد الله، والمعطوف على المجرور مجرور، نقول: هذا يفسدُه ما بعدَه، هو جائز .. إذا رأينا إلى النظرَ الظاهري جائز، لكن يفسدُه (يقولان)، يقولان: خبر عن المبتدأ، حينئذٍ إذا جعلتَ (أخيه) معطوفاً على (عبد الله) صارَ جزءاً واحداً، وصارت تثنية الخبر هنا فاسدة، لا يجوز؛ لأنه يُشترَط في المبتدأ والخبر التطابق إفراداً وتثنية وجمعاً، فيقولان ذلك الألف هنا على أي شيء عائدة؟ إذا جعلتَه معطوفاً على (عبد الله) صار شيئاً واحداً وهو المبتدأ (مثلُ) فقط، أما (مثل عبد الله ولا مثل أخيه) صار مثلين، فإذا قلتَ: يقولان، حينئذٍ المبتدأ وما عُطِف عليه صارَ (يقولان) خبرٌ عنه، إذن فيه إعرابان أحدُهما فاسد وأحدُهما صحيح، لا يصحّ إلا على تقدير حذف مضاف من قوله: أخيه. وما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك، أي ولا مثل أخيه؛ فـ (أخيه) هنا حُذِف المضاف وأبقي المضاف إليه كحالِه، ولو رفعناهُ على الأصل قلنا: و (مثلُ عبد الله ولا أخوه)، لو جرينا على القاعدة الأصلية: وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا

عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، حينئذٍ و (ما مثل عبد الله ولا أخوه)، إذا رفعناه؛ لأنه حُذِف المضاف .. (مثل أخيه) حُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه وارتفعَ ارتفاعه؛ لأنه معطوف على مرفوع والمعطوف على المرفوع مرفوع، لكن هنا أُبقي على حاله فقيل: و (لا أخيه) فدلّ على أنه حذفَ المضاف وأبقى المضاف إليه بجرّه على الأصل، استداموا الجرّ، ويتعينُ هذا لتثنية الخبر (يقولان) ذلك، فلما ثني الخبر حينئذٍ علمنا أن المبتدأ مثنى، فيتعينُ أن يكون (أخيه) مُنفصلاً عن (مثل عبد الله). و (مثل عبد الله ولا زيد ولا عمْرٍ يقولون ذلك) نفسه، لو جعلتَه معطوفاً و (لا زيد ولا عمْرٍ) معطوفاً على الأول (عبد الله) حينئذٍ يقولون الخبر جاء جمعاً، فلم يحصل التطابق؛ لأن الحكمَ صار واحداً، إذا قلت: و (ما مثل عبد الله وزيدٍ وعمروٍ) كلها معطوفة على الأول، جعلتَ المبتدأ مثل فقط وهو شيء واحد، وإذا فصلتَها بالمضافات المحذوفة حينئذٍ جعلتَها ثلاثة أشياء، فيقولون: صارَ الخبر جمعاً، في محله أو لا؟ صارَ في محله، حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر. هذا مثال واضح.
أي و (لا مثل أخيه) بدليل قوله يقولان بالتثنية، وكقول الشاعر:


أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً ... وَنَارٍ توقَّدُ بِاللَّيلِ نَاراً

و (نارٍ) هذا معطوف على قوله .. إذا قلت: امرئ حينئذٍ رجعت المسألة إلى مسألة العطف على معمولين لعاملين مختلفين، هذا يأتي في باب النسق، هذا ممنوع، فحينئذٍ يتعين أن يكون (نار) هذا مضاف إليه، والمضاف محذوف.
أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً وَنَارٍ: يعني: وكل نار.
هل وُجِد الشرط المجوِّز للحذف وإبقاء المضاف إليه كحاله؟ نعم، لكونه عُطِف على مثله، وهو (مثل) في المثال الأول و (كل) في المثال الثاني.
والتقدير و (كل نار) فحذفَ (كل) وبقي المضاف إليه مجروراً كما كان عند ذكرها، والشرط موجود وهو العطف على مماثل المحذوف وهو كل في قوله: أكل امرئ.
وهو له تعليق سيأتي في باب العطف والنسق؛ لأنه يلزمُ العطف على معمولي عاملين مختلفين، وهذا يأتي شرحه في محله.
وقوله كذلك:
وَلمْ أرَ مِثْلَ الخَيْرِ يَتْركُهُ الفَتَى ... ولاَ الشَّرِّ يأتِيهِ امرؤٌ وَهْوَ طَائِعُ

يعني و (لا مثل الشر)، ولم أرَ مثل الخير: مفعول به، مثل مضاف والخير مضاف إليه.
قال: ولا الشر يعني ولا مثل الشر، حينئذٍ جُوّزَ حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله الجرّ؛ لكونه معطوفاً على مماثل له في اللفظ والمعنى، أن يكون لفظُ المضاف المحذوف معطوفاً على لفظ مثله، مثل لفظ كل هنا ومثل.
وقد يُحذَف المضاف ويبقى المضاف إليه على جرّه والمحذوف ليسَ مماثلاً للملفوظ بل مقابل له كقوله تعالى: ((تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ)) [الأنفال:67] في قراءة مَن جرَّ (الآخِرَةِ) والتقدير (والله يريد باقي الآخرة)، على خلاف في التقدير، ومنهم من يقدّره (والله يريد عرض الآخرة)، وهذا أظهرُ، فحينئذٍ صارَ الشرط متحققاً وهو عطف على مثل المحذوف.
فيكون المحذوف على هذا مُماثلاً للملفوظ به والأول أولى، والعكس هو الأولى، يعني الذي يخالف ترجيحَ ابن عقيل هو أرجح.
وقد لا يكون المضاف معطوفاً بل المعطوف جملة فيها المضاف.
إذن: وَرُبَّمَا جَرُّوا أي: استداموا الجرّ، يعني الذي كان قبل حذفِ المضاف؛ استدامَه العربُ بعد حذف المضاف فهو عينه، والعامل فيه المضاف المحذوف، فحينئذٍ لما نُوِي لفظه صحَّ أن يكونَ عاملاً في المذكور، وهذا وجهٌ ضعف فيه، أنه يُحذَف المضاف وعمل المضاف فهو ملفوظ فيه ضعف؛ لأنه اسمٌ جامد، فحذفُهُ حينئذٍ يزيد به ضعفاً.
وَرُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ الَّذِي أَبْقَوْا: أبقوه الضمير هنا هو العائد على الذي؛ لأن جملة الصلة يُشترَط فيها أن تشتمل على عائد يعود على الموصول، وهنا محذوف.
كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: الذي تقدّم وهو المضاف.
لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: يعني المضاف مماثلاً لفظاً ومعنى، فإن لم يكن ثَم مُماثِل فلا يجوزُ، فإن كان ثَم مماثل في المعنى لا في اللفظ فالأصل أنه لا يجوز كذلك.
مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: يعني للذي قد عُطِف هو عليه.
ثم قال: وَيُحْذَفُ الثَّانِى: إذن ما سبقَ يتعلّق بالمضاف، والآن الكلام في المضاف إليه.
وَيُحْذَفُ الثَّانِي فَيَبْقَى الأَوَّلُ ... كَحَالِهِ إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ


بَشرْطِ عَطْفٍ وَإِضَافَةٍ إِلَى ... مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ

فإن كان المحذوف المضاف إليه جملة يعني: الكلام فيه جملة، أن يُقال بأنه على ثلاثة أحوال -إذا حُذف المضاف إليه-، فهو على ثلاثة أحوال أو أقسام أو أنواع؛ لأنه تارة يزولُ مِن المضاف ما يستحقّه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم، وهذا الذي في قوله:
وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا

يُحذف المضاف إليه فيزول الإعراب من المضاف، متى؟ إذا نُوِي معناه.
إذن ليسَ كلّ مضاف إليه يُحذف حينئذٍ يبقى المضاف على إعرابه، بل قد يزول، وخُذ الأمثلة السابقة (غير وقبل وبعد وحسب وأول ودون والجهات الست وعلُ) كل هذه يُحذف المضاف وتُبنى، لكن ليس مطلقاً وإنما بحذف المضاف مع نية معناه.
لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين ويُبنى على الضم نحو: ليس غير ونحو: ((مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] وهذا سبق بيانه.
وتارة يبقى إعرابه ويرد إليه تنوينه، يعني يبقى معرباً لا يُبنى، ويرد إليه تنوينه وهو الغالب، أنه إذا حُذِف المضاف إليه بقي المضاف على إعرابه ورجعَ إليه التنوين الذي حذفناه من أجل الإضافة.
نُوناً تَلِي الإعْرَابَ أَو تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا

هذه النون وهذا التنوين إذا حذف المضاف إليه رجع، هذا هو الغالب، وهو الغالب في كل وبعض وأي ومثلها، ((وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ)) [الفرقان:39]، ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] حُذف المضاف إليه وبقي المضاف معرباً ورجع إليه تنوينه، هذا قسم ثاني مما يُحذف فيه المضاف إليه، وتارة -وهو القسم الثالث- يبقى إعرابه ويترك تنوينه كما كان في الإضافة، هذا من قبلنا، وَمِنْ قَبْلِ نَادَى، ((لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] قلنا هنا: حذف المضاف إليه، ونُوِي ثبوت لفظه، فبقي اللفظ المضاف معرباً على الأصل، وأين التنوين؟ لم يرجع التنوين؛ لأن المضاف إليه محذوف لكنه في اللفظ مُراد، يعني منوي مُقدّر، فالمنوي لفظه كالموجود، فلذلك لم يرجع إليه التنوين، "ابْدَأْ بِذَا مِنْ أَوَّلِ" بالكسر؛ لأنه مُضاف، وإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يمنع من الصرف، وإنما إذا قُطِع عن الإضافة كلياً قيل: مِن أَوَّلَ ممنوع من الصرف للوزن والوصف.
إذن تارة يبقى على إعرابه ويُترك تنوينه كما كان في الإضافة، وشرطُه ما ذكره الناظم.
وَيُحْذَفُ الثَّانِى فَيَبْقَى الأَوَّلُ كَحَالِهِ: يعني مُعرباً، ولم يُرَد إليه التنوين، ولا نون المثنى ولا الجمع، فيبقى على حاله.
إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ: إذا يتصل به، بِهِ جار ومجرور متعلق بقوله: يَتَّصِلُ، إذا به يتصل، إذا يتصل الأول بالثاني أو الثاني بالأول، يعني كأن المضاف إليه موجود، وإذا كان موجوداً حينئذٍ حُذِف منه التنوين ولا يرجع، كذلك يُحذف المضاف إليه ويُنوى كأنه متصل به، فحينئذٍ لا يعود التنوينُ ولا تعودُ النون التي للمثنى والجمع.


فلا ينوَّن ولا ترد إليه النون إن كان مثنى أو مجموعاً، لكن لا يكون ذلك في الغالب إلا بشرط عطف، أي على ذلك الأول، أن يكونَ بشرط عطف على ذلك الأول، ولو بغير الواو كما سيأتي في الأمثلة.
وَإِضَافَةٍ أي: إضافة المعطوف، إِلَى مِثْلِ، والمثلية المطلقة تُحمَل على اللفظ والمعنى معاً، يعني جميعاً.
إِلَى مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: (إِلَى مِثْلِ الَّذِي) هذا يصدق على المضاف إليه، مثل مضاف، والذي مضاف إليه، ودائماً لا بدّ من تفسير الموصول يقع على أي شيء؟ لأنه مبهَم، جاء الذي قام أبوه، مَن هو؟ زيد، إذن الذي يصدقُ على (زيد)، لا بد من تفسيره، وهنا نقول: مِثْلِ الَّذِي اسم موصول مبهم نفسره بالمضاف إليه، يعني مثل المضاف إليه.
الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: يعني المعطوف عليه.
إذن هذا الذي شرطَهُ الناظم في النوع الثالث: أنه يبقى على حاله مُعرباً ويبقى مسلوبَ التنوين والنون كأن الإضافة موجودة كما هي، وهي موجودة بالفعل كما هي، وشرطه الناظم بما ذكر في البيت السابق، بأن يُعطَف عليه اسم عامل في مثل المحذوف، أن يُعطَف عليه اسم عامل في مثل المحذوف، وهذا العامل إما مُضاف كقولهم: (خُذ ربعَ ونصفَ ما حصل)، أين المضاف الذي حُذف المضاف إليه منه؟ (خُذ ربع ونصف ما حصل) ربع ما حصل، ونصف ما حصل. إذن حُذف من الأول المضاف إليه، وبقي المضاف مُعرباً، لكنه لم يرجع إليه التنوين لنية الإضافة، لذلك قال: فَيَبْقَى الأَوَّلُ وهو المضاف كَحَالِهِ من الإعراب وسلبِ التنوين والنون إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ، كما إذا يتصل به، كأنه مُتصل، كأنه لم يحذف .. يُعامل بعد الحذف معاملة قبل الحذف.
(خُذ ربع ونصف ما حصل)، ومذهبُ سيبويه والجمهور أنه من بابِ الفصل بين المضاف والمضاف إليه، يعني هذا التركيب والمثال الذي ذكرَه الشارح: (قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، هذا عند سيبويه والجمهور مِن النحاة أنه مِن باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه. والأصلُ (خُذ ربع ما حصل ونصفه) هذا أصل التركيب، فقيل: (خذ ربع ونصفه ما حصل) فحُذفَ الضمير إصلاحاً للفظ لأنه فيه خللٌ من جهة السماع (ونصف ما حصل)، فقيل: نصف ما حصل، حُذفَ الضمير؛ إصلاحاً للفظ.
حينئذٍ هل عندنا مُضاف محذوف؟ ليسَ عندنا مضاف محذوف، نصفه هو الذي حُذف، لكن لم يكن شيء معطوف على سابقه، والمثال الذي ذكره الشارح أظهرُ: (قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، يدَ مَن قالها ورجلَ مَن قالها، حُذفَ من الأول لكونه عطَفَ عليه مثله، (يَدَ مَنْ قَالَهَا وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، التقدير: قطعَ الله يدَ من قالها ورجلَ من قالها، فحُذفَ ما أُضيف إليه (يد) وهو (مَن قالها) لدلالة ما أُضيف إليه رجل عليه، وهو واضح بينٌ أنه حذفَ من الأول لدلالة الثاني عليه، وهذا مثل السابق: وما مثل عبد الله ولا أخيه، مثل مثل .. حذفَ الثاني المضاف لدلالة الأول عليه، هنا العكس، أن يحذفَ المضاف إليه لدلالة السابق عليه، أو أن يُعطَف عليه مثله، حينئذٍ جوّزَ الحذف لوجود قرينة ظاهرة في اللفظ، وهي ملفوظة بها.


ومثله قوله: (سَقَى الأَرَضِينَ الغيث سهل وحزنها ... ) يعني: سهلها وحزنها، حذفَ المضاف إليه وهو الهاء مِن (سهل) لكونه معطوفاً عليه مضاف إلى مثله، وهو حزنها.
التقدير: سهلها وحزنها، فحذفَ ما أُضيف إليه (سهل) لدلالة ما أُضيف إليه (حزن) عليه هذا تقدير كلام المصنف. وقد يفعل ذلك بدون شرطٍ مذكور، لكنه على قلّة، وإن لم يعطف مُضاف إلى مثل المحذوف من الأول كقوله السابق: وَمِنْ قَبْلِ نَادَى يعني: ومِن قبل ذلك.
فحذفَ المضاف إليه ولم يكن ثَم معطوف عليه، لكن هذا لا بد من النظر في الأبيات السابقة ليعلم هل ثَم معطوف عليه أم لا؟
فحذفَ ما أُضيف إليه (قبل) وأبقاه على حاله لو كان مضافاً ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف، والتقدير: (من قبل ذلك)، ومثله قراءة من قرأ شذوذاً ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] أي: (فلا خوف شيء عليهم) حذفَ المضاف إليه وبقي المضاف على حاله، ولذلك لم يُنوّن ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] فلا خوفُ شيءٍ عليهم، كذلك قُرئ ((فَلا خَوْفَ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] هذا يحتمل، يحتمل أنها عاملَهُ عملَ إن فيكونُ مُضافاً منصوباً، فلا خوفَ شيء، مثل: (لا صاحبَ علم ممقوت)، مضاف ومضاف إليه حكمُهُ النصب ظاهراً لفظاً، كذلك (فلا خوفَ شيء عليه)، يحتمل هذا. لكن الشاهد هنا في الرفع ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] أي: فلا خوفُ شيء عليهم.
وهذا الذي ذكرَه المصنف مِن أنّ الحذف مِن الأول وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور هو مذهب المبرد وهو المشهور عندَ النحاة، -وهو المشهور عندَ النحاة عملياً-، وأما من جهة أتباع سيبويه فلا.
ومذهبُ سيبويه أن الأصل: (قطعَ الله يدَ من قالها ورجلَ من قالها) فحذفَ ما أُضيف إليه رجل، الثاني، إذن الحذفَ من الثاني لا مِن الأول، على مذهب المبرد الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ولا إشكال فيه: قطع الله يدَ مَن قالها، حذفناها لوجود (ورجل من قالها)، لا إشكال فيه، واضحٌ بينٌ وليس فيه تعسف ولا تكلف.
عندَ سيبويه والجمهور لا، أن الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، فحينئذٍ (قطعَ الله يد من قالها ورجل)، ثم أُقحمَ قوله: و (رجل) بينَ المضاف وهو (يد) والمضاف إليه الذي هو (من قالها)، هذا تكلّف تعسّف، (قطع الله يد من قالها ورجل) أخذنا (رجل) وضعناها بين (يد ومن قالها)، فصارَ التركيب: قطع الله يد ورجل مَن قالها، إذن (من قالها) مضاف إليه لـ (يد) لا لرجل، ورجل هذا المضاف إليه محذوف، هذا تعسّف تكلف، فقول المبرد أسلم وأقرب.
فعلى هذا يكون الحذفُ من الثاني لا من الأول على مذهب المبرد بالعكس.
إذن قوله: ويحذف الثاني، الذي هو المضاف إليه، ويُنوى ثبوت لفظه؛ لأنه لو نُوِي ثبوت المعنى دون اللفظ حينئذٍ رجعنا للمسألة الأولى: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا .. إلى آخره.
لكن مرادُ الناظم هنا أن يبقى على حاله دونَ أن يتغير، ولذلك ذكرنا أن حذفَ المضاف إليه على ثلاثة أحوال: إما أنه يُبنى المضاف .. خرجَ عن الإعراب، وهذا سبق بيانُه وليس مراد الناظم.


الثاني: أن يرجعَ إليه ما سُلِب منه بالكلية، وهو كل وبعض وأي، ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] رجعَ إليه التنوين، وليسَ هذا مراد الناظم، وإنما مراده أن يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله من الإعراب لا البناء، ويبقى على حاله من سلبِ التنوين والنون، وهذه الحالة الثالثة، وشرطها بما ذكر.
إذن وَيُحْذَفُ الثَّانِى وهو المضاف إليه ويُنوَى ثبوت لفظه.
فَيَبْقَى الأَوَّلُ كَحَالِهِ: يبقى: فعلٌ مضارع، والأول فاعل وهو مضاف.
كَحَالِهِ: أي: حالة كونه كحاله مثل حاله السابق قبل الحذف، وما هو حاله؟ حذفُ التنوين والنون إن كان مثنى أو جمعاً.
إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ: فلا يُنوّن ولا تُرد إليه النون مطلقاً.
بَشرْطِ عَطْفٍ: يعني على ذلك الأول.
وَإِضَافَةٍ: أي إضافة المعطوف، ومثل الإضافة عمل المعطوف في مثل ما أُضيف إليه الأول كقوله: بِمِثْلِ أَوْ أَحْسَنَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى.
وَإِضَافَةٍ إلَى مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: الَّذِي أَضَفْتَ الأَوَّلاَ لَهُ، الأَوَّلاَ: الألف هذه للإطلاق، يعني معطوف إليه؛ لأنه بذلك يصيرُ المحذوف في قوة المنطوق به.
إذن: الحالة الثالثة: أنه يُحذف المضاف إليه ويبقى إعرابه ويُترك تنوينه كما كان في الإضافة، والشرطُ ما ذكره الناظم هنا، ومذهبُ سيبويه على ما ذكرناه أنه مخالف لمذهب المبرد.
هنا فائدة: قد يفعل ما ذكر من الحذف مع مضاف معطوف على مضاف إلى مثل المحذوف وهو عكس الأول، كقول أبي برزة الأسلمي {غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وثمانيَ} يعني: ثماني غزوات، إذن حذُفَ من الثاني بفتح الياء دون تنوين والأصل ثماني غزوات هكذا ضبطَه الحافظ في الفتح.
ثم قال رحمه الله:
فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولاً اَوْ ظَرْفاً أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
فَصْلُ يَمِينٍ وَاضْطِرَاراً وُجِدَا ... بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ بِنَعْتٍ أَوْ نِدَا

فَصْلَ مُضَافٍ: فصلَ بالنصب مفعول به مُقدّم لقوله: أجز، أجز فصل مضاف.
مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ: يعني مُشبه للفعل، صفة لمضاف.
مَا نَصَبْ: شبه مضاف وفعل مضاف إليه، ما نصب: (ما) هذه فاعل المصدر، نصب: الجملة صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب، يعني الذي نصبه، الضمير هذا العائد محذوف، ((أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)) [الفرقان:41] (أهذا الذي بعثه) هذا مثله.
مَا نَصَبْ: يعني نصبه.
مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً: حالان من (ما)، أو من الضمير المحذوف.
أَجِزْ: أجز حذفَ مضاف شبّه فعل ما نصب مفعولاً أو ظرفاً.
المضاف والمضاف إليه كما ذكرنا سابقاً كالشيء الواحد، جزء واحد فهو كالكلمة الواحدة.
فلا يُفصَل بينهما كما لا يُفصَل بين أبعاض الكلمة، كما لا تفصل بين أجزاء زيد، لا تفصل بين غلام زيد، هذا الأصل فيه؛ لأن الثاني نُزِّل من الأول منزلة التنوين كما في (زيدٌ)، زيدٌ هذا كلمتان، زيد اسم، والتنوين هذا حرف معنى، فهو كلمتان، كذلك غلام زيد كلمتان، نزلت الثانية منزلة الأول .. بمنزلة التنوين من الأول.


إذن: كالشيء الواحد، فلا يُفصل بينهما كما لا يُفصل بين أبعاض الكلمة إلا في ضرورة الشعر مطلقاً، هذا مذهب جمهور البصريين، أنه لا فصلَ بين المضاف والمضاف إليه إلا في ضرورةِ الشعر خاصة، ولكن الناظم هنا خالفَ الجمهور، وفصلَ في الفاصل.
فقال: قد يكون الفاصلُ جائزاً مستعملا في السعة .. سعة الكلام وقد يكون ضرورة.
إذن: ليسَ كل فصل بين المضاف والمضاف إليه يكون في ضرورة الشعر.
وأما الناظمُ هنا فالفصل عندَه بين المضاف والمضاف إليه قسمان: جائز في سعة الكلام وهو النثر، تستعمله ولك القياس، ومخصوص بالضرورة.
قوله:
فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
فَصْلُ يَمِينٍ .................. ... ......................................

هذه أشارَ بها إلى ما يجوزُ في سعة الكلام.
وقوله: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِنَعْتٍ، أَوْ نِدَا
هذه ثلاثُ مسائل أرادَ بها ما يفصل به بين المضاف والمضاف إليه ضرورة.
أجز فصلَ مضاف، أجز أن يفصل المضافَ منصوبُه؛ لأن ما نصب قلنا هذا فاعل، وإذا كان فاعل حينئذٍ يُقدّر المصدر بأن والفعل، أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حال كونه مفعولاً أو ظرفاً.
لأن ما نصب قلنا: هذا فاعل.
وفَصْلَ مُضَافٍ: فصل مصدر، ومضاف هذا مضاف إليه، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وما نصب فاعل، إذن: كيف يكون التقدير؟ أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حالة كونه مفعولاً أو ظرفاً، والإشارةُ بذلك إلى أن مِن الفصل بين المتضايفين ما هو جائز في السعة، ولذلك قال: أَجِزْ، يعني: في ساعة الكلام لا في الضرورة، ولذا ما عبّرَ عنه بذلك، خلافاً للبصريين في تخصيصهم ذلك بالشعر مطلقاً، والحق أن مسائل الفصل سبعٌ؛ منها ثلاثة جائزة في السعة:
الأول: أن يكون المضاف مصدراً؛ لأنه قال: (شِبْهِ فِعْلٍ) يعني أن يكون المضاف مشابهاً للفعل، وأراد به نوعين: المصدر، واسم الفاعل.
إذن المسألة الأولى التي يجوزُ فيها الفصل بين المتضايفين: أن يكون المضاف مصدراً، وهذا داخل في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ؛ لأن المصدر أشبه الفعل.
أن يكون المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله كقراءة من قرأ -قراءة ابن عامر- ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137] الأصل: قتلُ شركائِهم أولادَهم؛ لأن أولادَهم هذا مفعول به للمصدر وهو قتلُ وهو مضاف، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ) فُصلَ بينَ (قَتْلُ وشُرَكَائِهِمْ) المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف وهو مفعول به، وهو أولادهم، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ).
إذن (أَوْلادَهَمْ) بالنصب على أنه مفعول به، فصلَ بين المضاف وهو قتل وبين المضاف إليه وهو شركائهم، ما المجوز ما المسوغ؟ لكونه معمولاً للمصدر وهو المضاف.
إذن: ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ).
كذلك قوله: (فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ الْبُغَاثَ الأَجَادِلِ ... ) فسقناهم سوقَ الأجادل هذا الأصل.


وإما أن يكون الفاصلُ بين المصدر والمضاف إليه ظرفَه كقول بعضهم: (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا)، (تَرْكُ نَفْسِكَ يَوْماً) هذا الأصل، والمضاف إلى مصدر نصبَ يوماً على الظرفية، ففصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو المصدر الظرف (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا).
الثانية: أن يكونَ المضاف وصفاً، إذن المسألة الأولى: متى يُفصل بين المضاف والمضاف إليه؟
أن يكون المضاف مصدراً، ثم قد يُفصل بمفعوله، وقد يُفصل بظرفه، بمفعوله مثل: (((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ))) [الأنعام:137] شركائهِم بالكسر على أنه مضاف إليه، و (قتلُ) هذا المضاف وهو المصدر، و (أولادَهم) بالنصب على أنه مفعول به للمصدر الذي هو المضاف، فُصلَ بين المصدر (قتل) وبين (شركائهم) بالمفعول به أولادهم، إذن: هل هو أجنبي؟ لا ليس بأجنبي، لأنه معمول للمضاف، المنصوب والمجرور معمولان للمضاف، أولادهم منصوب بقتل وهو مضاف، (شركائهم) مجرور بالمضاف.
إذن له جهتان: كونه مصدراً نَصب، وكونه مضافاً جَرّ، هذا واضح.
كذلك بالظرف (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا).
المسألة الثانية: أن يكونَ المضاف وصفاً، والمضاف إليه إما مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني، يعني يفصلُ بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني فيما إذا أُضيف المضاف إلى مفعوله الأول، وهذا مثلُ قراءةِ بعضهم (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) أين المضاف؟ مُخْلِفَ، أخلفَ، هذا يتعدّى إلى اثنين، (مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) مخلف رسله وعدَه هذا الأصل، أُضيف مخلف إلى رسل وهو المفعول الأول، وعده هو المفعول الثاني.
إذن فُصلَ بين المضاف وهو مخلف والمضاف إليه وهو رسله، بالمفعول الثاني وهو وعدَه.
وما نوعُ المضاف هنا؟ اسم فاعل وصف، وهو يتعدّى إلى اثنين.
إذن: أن يكونَ المضافُ وصفاً، والمضاف إليه إما مفعوله الأول، والفاصل مفعوله الثاني، كقراءة بعضهم: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)، وقوله: (وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المحُتاجِ ... ) مانع المحتاج فضله، حينئذٍ فصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو المفعول الأول لمانع بالمفعول الثاني.
أو ظرفه كحديث: "هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي"، تاركو صاحبي لي، هذا أصل التركيب، ففصلَ بين المضاف وهو تارك، وهو وصفٌ، وبينَ صاحبي الذي هو المضاف إليه بالظرف الذي هو (لي) يعني جار ومجرور يتوسع فيه.
وقوله: (كَنَاحِتِ يَوْماً صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ ... ).
ناحتٍ يوماً، وصخرة هذا هو المضاف إليه، إذن المسألة الثانية التي يجوزُ في سعة الكلام أن يكونَ المضاف وصفاً، ثم هذا الوصف قد يتعدّى إلى اثنين فيُضاف إلى الأول ويكون الفاصل هو المفعول الثاني، وقد يكون الظرف كما في الحديث.


وقد شملَ كلامُ الناظم في البيت السابق جميعَ ذلك، كل الذي ذكرناه داخل في قوله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ، شبه الفعل يشملُ المصدرَ واسمَ الفاعل، مَا نَصَبْ الذي نصبه، مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً، ومثّلنا للنوعين، قد يكونُ الفاصلُ المفعول وقد يكون الفاصلُ الظرف (قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ) هذا الفاصل مفعول، (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ) هذا الفاصل الظرف.
إذن هذه داخلة كلها في كلام الناظم في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ.
الثالثة: أن يكون الفاصل قسَمَاً، وقد أشار إليه بقوله: وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ.
يُعَبْ: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بلم، وجزمُهُ سكون آخره، فَصْلُ: نائب فاعل، وهو مضاف و (يَمِينٍ) مضاف إليه، وهو مضاف إلى فاعله، (فصلُ) مصدر أُضيف إلى فاعله، أن يفصلَ اليمينُ المضافَ، هذا التقدير: أن يفصل اليمينُ -يمينُ القسم- المضافَ، كقولك: (هذا غلامُ واللهِ زيدٍ) فصلتَ بين غلام وزيد بالقسم وهو قولك: والله. حكى ذلك الكسائي.
هذه كلها جائزة في سعة الكلام.
إذن: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ، تقدير البيت أجز .. جوازاً في سعة الكلام، في نثر الكلام لا يعيب عليك أي أحد، أجز فصل مضاف، يعني أن يفصلَ بين المضاف والمضاف إليه المفعول والظرف، بشرطِ أن يكونَ المضاف شبه فعل، والمراد بشبه الفعل المصدر واسم الفاعل، وسواء كان الفاصل بين المضاف والمضاف إليه هو المفعول أو الظرف، وكل منهما معمول للمضاف، حينئذٍ النتيجة لن يفصل بين المضاف والمضاف إليه أجنبي، فإن كان أجنبياً صارَ شاذاً إلا في الضرورة، ولذلك قال: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ، أما ما ليسَ أجنبياً عن المضاف فيجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
ثم زاد المسألة الثالثة مما يجوزُ في سعة الكلام: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. ولعله والله أعلم فصلَ بين المسألتين والثالثة أن القسمَ ليسَ معمولاً للمضاف، يعني المسألة الثالثة هذه ليست داخلة في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ؛ لأنّ السابق .. الفاصل يكون معمولاً ليس أجنبياً، وأما هنا فالأصلُ أنه أجنبي هذا الأصل، لكن لكثرةِ استعمالِ العرب للقسَم حينئذٍ توسّعوا فيه: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. بين المضاف والمضاف إليه.
وأما الأربع الباقية فتختصُّ بالشعر، ولقد أشارَ إلى ثلاث مسائل من ذلك:
الأولى: الفصل بأجنبي (وَاضْطِرَاراً وُجِدَا) وُجِدَا أي الفصل، والألف للإطلاق، وجد اضطراراً، هذا مفعول لأجله، وجدَ الفصل بين المضاف والمضاف إليه اضطراراً، يعني لأجل الاضطرار، وهذا دلَّ على أنه مفعول لأجله.
بِأَجْنَبِيٍّ: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: وُجِدَا، والألف للإطلاق. بِأَجْنَبِيٍّ من المضاف، أَوْ بِنَعْتٍ، أَوْ نِدَا .. فالمسألة الأولى الفصل بالأجنبي، ويُعنى به معمول غير المضاف، يعنى بالأجنبي الفاصل بين المضاف والمضاف إليه أن يكون معمولاً، لكنه ليس معمولاً للمضاف بل معمولاً لغيره فصارَ أجنبياً عنه، لو كان العامل هو المضاف لقلنا هذا ليسَ بأجنبي هذا قريب، وأما إذا كان معمولاً لغيره هذا صار دخيلاً.
ويُعنى به معمول غير مضاف فاعلاً كان كقوله:


أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ ... إِذْ نَجَلاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ

أَنْجَبَ أَيَّامَ: أيام: مُضاف، إذ نجلاهُ: مضاف إليه، والداه: فاعل أنجبَ، ففصلَ بينَ (أيام إذ نجلاه) بقوله: والداه، و (والداه) ليسَ معمولاً لا للمضاف ولا للمضاف إليه، فصارَ أجنبياً عنه، (أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ إِذْ نَجَلاهُ)، أيام إذ نجلاه: أيام مضاف، وإذ نجلاه مضاف إليه، فصلَ بينهما بـ (والداه) وهو فاعل أنجبَ، حينئذٍ صار معمولاً لغيره. أي أنجبَ والداه به أيام إذ نجلاه، أو مفعولاً كقوله: (تَسْقِى امْتِيَاحاً نَدَى المِسْوَاكَ رِيَقتِهَا) بالكسر.
أي: (تسقي ندى ريقتِها المسواكَ) بالنصب، فحينئذٍ فصلَ بين المضاف والمضاف إليه بمفعول ليسَ للمضاف، تسقي المسواك: المسواك هذا مفعول لتسقي.
ندى المسواك ريقتِها: فصل بين (ندى ريقتها) بالمسواك وهو مفعول لتسقي.
أو ظرفاً كقوله: (كما خطّ الكتاب بكفِّ يوماً يهودي)، (بكفِّ يهودي يوماً) فصلَ بين (كف ويهودي) بـ"يوماً"، وهو ليسَ معمولاً لكف ولا للمضاف إليه.
هذه المسألة الأولى وهو: الفصل بالأجنبي، وأشارَ إليها بقوله:
وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ.
أَوْ بِنَعْتٍ.
المسألة الثانية: الفصل بنعت المضاف كقوله:
نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ

من ابنِ أبي طالب شيخِ الأباطح، هذا الأصل، من ابنِ أبي طالب فصلَ بين (ابن أبي طالب) بـ (شَيخِ الأَبَاطِحِ)، وهذا نعتٌ للمضاف، والعاملُ ليس هو المضاف، العامل في المضاف هو العامل في النعت؛ لأن العامل في النعت هو العامل في المنعوت، فصارَ أجنبياً.
إذن الفصلُ بنعت المضاف كقوله: مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ.
أي: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح.
الثالثة: الفصلُ بالنداء كقوله:
(كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ ... زَيْدٍ)، والأصل: كأن برذون يا أبا عصام زيد، فصلَ بينَ (برذون) وهو مضاف و (زيد) وهو مضاف إليه.
وهذه ستة مسائل ذكرَها الناظم بقي مسألة واحدة من المختصّ بالضرورة وهي السابعة، الفصل بفاعل المضاف كقوله: (وَلاَ عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ ... ).
إذن قوله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ، أشارَ به إلى ما جازُ أن يفصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو كون الفاصلِ معمولاً للمضاف.
وزادَ المسألة الثالثة وهي قوله: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. وهذه كلها مسائل في السعة، يعني يجوزُ في سعة الكلام.
وَاضْطِرَاراً وُجِدَا: يعني ووجد اضطراراً؛ لأجلِ الاضطرار الفصل بأجنبي من المضاف أو بنعت للمضاف أو نداء، يعني جملة مُنفصلة وقعت بينَ المضاف والمضاف إليه.
قال: أجازَ المصنف أن يفصلَ في الاختيار بينَ المضاف الذي هو شبه الفعل، والمراد به المصدر واسم الفاعل، إذن خصّصَ الشارح هنا شبهَ فعلٍ بقوله: المصدر واسم الفاعل.
والمضاف إليه بما نصبهَ المضاف مِن مفعول به أو ظرف أو شبهه، وهو الجار والمجرور، يعني متوسّعون في هذه التسمية.


فمثال ما فصلَ فيه بينهما بمفعول المضاف الآية: ((وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137]، ومثال ما فُصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف، وفُهِم منه جوازُ الفصل بالمجرور إذ الظرف والمجرور من وادٍ واحد، بظرف نصبه المضاف الذي هو مصدر ما حكي عن بعض من يُوثَق بعربيته ((تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا سَعْيٌ لَهَا فِي رَدَاهَا).
ومثال ما فصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذي هو اسم فاعل، قراءةُ بعض السلف: ((فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)) [إبراهيم:47].
ومثالُ الفصل بشبهِ الظرف حديث: {هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي} هل تاركو صاحبي، وهذا معنى قوله: فَصْلَ مُضَافٍ .. إلى آخره، وجاءَ الفصلُ أيضاً في الاختيار بالقسم حكى الكسائي (هذا غلام والله زيد)، ولهذا قال المصنف: وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ.
وأشارَ بقوله: (وَاضْطِرَاراً وُجِدَا) إلى أنه قد جاءَ الفصلُ بينَ المضاف والمضاف إليه في الضرورة بأجنبي مِن المضاف، وبنعت المضاف وبالنداء .. ثلاث مسائل، وبقي الرابعة وهي الفصل بفاعل المضاف.
فمثال الأجنبي:
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُوِدىٍّ يُقَارِبُ أوْ يُزِيلُ

ففصلَ بـ يوماً بين كفِّ ويهودي وهو أجنبي مِن (كفِّ) لأنه معمول لـ (خط).
ومثال النعت قوله:
نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ

الأصل من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، وكذلك قول الشاعر:
وَلَئِنْ حَلَفْتُ على يَدَيكِ لأحلفَنْ ... بَيَمِينِ أصْدَقِ من يمينِكِ مُقْسِمِ

بيمين مقسم أصدق من يمينك، فُصلَ بينهما بالنعت.
ومثال النداء قوله:
(وفاقُ كَعْبُ بُجَير) يعني: يا كعبُ، وفاق بجير، مضاف ومضاف إليه، (يا كعب) هذا نداء.
خاتمة: قال في شرح الكافية: المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه، يعني يكون المضاف إليه مُكمّلاً للمضاف، مكمّلاً لمعناه، ولذلك قلنا العامل وهو المضاف إنما عمِلَ مع كونه جامداً، والأصلُ في الجامد لا يعمل، وإنما يعملُ المشتق الذي فيه رائحة الفعل، والمضاف (غلام زيد)، (غلام) ليسَ فيه رائحة الفعل، لماذا عملَ؟ لكونه أشبهَ اسم الفاعل في الافتقار والطلب لما بعده.
إذن المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه تكمل الموصول بصلته، كما أن الموصولَ لا يتمّ معناه سواء كان موصولاً حرفياً أو اسمياً، لا يتكمل معناه إلا بما بعده .. بالصلة، سواء كانت جملة أو لا.
والصلةُ لا تعملُ في الموصول ولا فيما قبله، وكذا المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبلَ المضاف.
إذن: ينزلُ المضافُ مع المضاف إليه منزلةَ الصلة مع صلته، في كون المضاف إليه لا يعملُ في المضاف، كذلك لا يعملُ فيما قبل المضاف، فلا يجوزُ في نحو (أنا مثلُ ضاربٍ زيداً)، مثل: مضاف، وضارب: مضاف إليه، زيداً: معمول لأي شيء؟ لضارب وهو مضاف إليه، هل يجوزُ أن يتقدّم زيداً على مثل؟ أنا زيداً مثل ضارب؟ نقول: لا يجوزُ، كما أن معمولَ الصلة لا تتقدّم على الصلة، كذلك معمولُ المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف.


فلا يجوزُ في نحو: (أنا مثل ضاربٍ زيداً) أن يتقدم (زيداً) على (مثل) وإن كان المضافُ غيراً، إن كان المضاف لفظ (غير)، وقُصِد بها النفي، ومتى يُقصَد بها النفي؟ بأن صحَّ حلولُ حرف النفي والمضارع محل (غير) ومخفوضها، يعني إذا صحَّ أن يُؤتى بلفظ المضارع مع حرف نفي موضع (غير) قلنا: غير هذه أُريد بها النفي، إن قُصِد بها النفي جازَ أن يتقدَّمَ عليها معمول ما أُضيفت إليه كما يتقدَّمُ معمول المنفي بلا، فأجازوا (أنا زيداً غير ضارب)، أنا غيرُ ضاربٍ زيداً، غير: مضاف، وضارب: مضاف إليه، وزيداً: معمول له، جازَ أن يتقدّم (أنا زيداً غير ضارب)، لماذا جازَ في هذا ولم يجز في الأول؟ لأن غير هنا مُضمّنة معنى النفي وهو صحةُ حلول حرف النفي مع المضارع.
فأجازوا (أنا زيداً غير ضارب)، كما يقال: (أنا زيداً لا أضرب)، هنا يتقدّم المعمول لا إشكال فيه، لأنه فعلٌ والفعل يتصرّف في معموله بالتقدم والتأخر، بخلاف (لن)، (لن) لا يتقدّم عليها معمولها، أما (لا) فيجوز، يعني: لن أضرب زيداً، (زيداً لن أضرب) هذا ممنوع، أما (لا أضرب زيداً) (زيداً لا أضرب) هذا جائز.
ومنه قوله تعالى: ((عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)) [المدثر:10] غيرُ يسيرٍ على الكافرين، قلنا الأصل أنه لا يتقدَّم معمول المضاف إليه، وهنا تقدَّم معموله (على الكافرين) هذا متعلق بقوله يسير، فتقدم عليه، دلَّ على الجواز.
فإن لم يقصد بغير النفي لم يتقدَّم عليها معموليها، معمولي ما أُضيفت إليه، فلا يجوز في قولك: (قاموا غير ضارب زيداً)، هل يصحّ أن تقدم: (قاموا زيداً غير ضارب)؟ لا يجوزُ، لماذا؟ لأن غير هنا ليست مُضمّنة معنى النفي، حينئذٍ لا يصح أن يحل محلها في هذا التركيب حرف نفي مع الفعل المضارع.
قاموا زيداً غير ضارب، هذا لا يصح؛ لعدم قصد النفي بغير.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ثم قال الناظم: المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين ... !!!