شرح ألفية ابن مالك للحازمي

عناصر الدرس
* .. النسب .. وحده , وعلامته
* مايحذف لأجل النسب
* النسب إلى ماآ خره ألف
* النسب إلى المنقوص
* النسب إلى ماقبل آخره كسرة
* النسب إلى ما آخره ياء مشددة مسبوقا بحرف واحد
* النسب إلى ماآخره علامة تثنية أوجمع.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيَّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (النَّسَبُ).
أي: هذا باب (النَّسَبُ)، ويسمى أيضاً عند بعضهم بـ: (الإضافة)، والنَّسب معناه: الإضافة، إذا نسبت الشيء إلى الشيء معناه: أضفت الشيء إلى الشيء، إذا قلت: هذا دِمَشْقِي، معناه: أنَّك أضفته إلى دمشق؛ لأن بلده دمشق، (مَكِّي) نسبته إلى مَكَّة، إذاً: النَّسبة هي الإضافة والإضافة هي النَّسبة، لكن لا يُفَسَّر الإضافة بالمعنى الاصطلاحي وإنَّما بالمعنى اللغوي: نِسْبَةٌ كما سبق.
وقد سمَّاه سيبويه بالتَّسْمِيَتين، يعني سمَّاه: نسباً، وسمَّاه: إضافةً، وكلٌ منهما سائغ، لأنَّ المشهور هو: (بَابُ النَّسَبِ)، هذا المشهور عند النُّحاة، وعند الصرفيين، إلا أن الكوفيون ذهبوا إلى أنَّ التسمية بالإضافة أولى.
وحقيقته: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة في آخر الاسم لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، هذه حقيقة النَّسب، (إلحاق) يعني: زيادة .. زيادة ياءٍ مُشدَّدة في آخر الاسم، إذ الفعل لا يُنْسَب إليه، والحرف لا يُنْسَب إليه، ولذلك سبق أنَّ بعضهم عدَّ من علامات الأسماء كونه منسوباً: قُرَشِيٌّ .. مَكِّيٌّ .. مَدَنِيٌّ .. دِمَشْقِيّ .. مَصْرِيّ .. تُرْكِيّ إلى آخره، هذه كلها أسماء بدليل النَّسب، فلا يُنْسَب إلا إلى الأسماء.
إذاً: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة لا مُخفَّفة، وياء على جهة الخصوص لا ألف، ولا ياء، ولا واو، في آخر الاسم لا غيره، لأنَّه من خصوص الأسماء، بل من علامات الأسماء، وظيفتها: لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، إذا قلت: مَكِّيٌّ، هنا ألحقت آخر الاسم وهو (مَكَّة) ياءً مُشدَّدة، هذه الياء تدلُّ على أن صاحب هذا الاسم: (مَكِّيٌّ) منسوبٌ إلى البلد مكة.
إذاً: عندنا منسوبٌ، ومنسوبٌ إليه، المنسوب إليه: مَكَّة، والمنسوب هو: مَكِّيٌّ، حينئذٍ مَكِّيٌّ فيه معنى ليس في الاسم المنسوب إليه، إذاً: وظيفة هذه الياء لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، فالمُجرَّد (مَكَّة)، والمتَّصل بها أو الملحق بها (مَكِّيٌّ) حينئذٍ فيه معنىً زائد على مُجرَّد اللفظ المُجرَّد عنها.
ولم تلحق الألف، إنما اختيرت الياء دون الألف لماذا؟ قالوا: لئلا يصير الإعراب تقديريَّاً، لأنَّنا لو جعلنا الألف هي التي تدلُّ على النَّسبة، والألف ليست قابلة للحركة، إذاً: أخرجنا كُلَّ ما يُمكن أن تتصل به هذه الياء .. أخرجناه عن الإعراب الظاهر إلى الإعراب التقديري، لأنَّ الألف لا تظهر عليها فتحة، ولا كسرة، ولا ضمَّة، إذاً: انتقل الإعراب إلى التقديري.
ولا الواو .. لم نختر الواو، لأنَّ الواو ثقيلة، ثُمَّ هي مُشدَّدة، فواوان مع ضمٍّ إذا ضُمَّت صار فيه ثِقَل، وَشُدِّدَت الياء ولم تكن ياءً مخفَّفة إنما هي ياء شديدة .. مشددة: قُرَشِيٌّ .. مَكِّيٌّ، ياءٌ مُشدَّدة .. مثقَّلة .. عبارة عن يائيين، قالوا: ليجري عليها وجوه الإعراب الثلاثة، إذ لو كانت مُخفَّفة لقدَّرنا الضَّمَّة والكسرة، وظهرت الفتحة، حينئذٍ نُشدِّد فصار الثاني مُتحرِّك .. ظهرت عليه الحركات كلها.


إذاً: شُدِّدت الياء ليجري عليها وجوه الإعراب الثلاثة، ولو أُفْرِدت يعني: لم تكن مشدَّدة وإنَّما ياءٌ ساكنة، لاسْتُثْقِلت الضَّمَّة والكسرة عليها كـ: (القاضي)، ولئلا تلتبس بياء المُتكلِّم، وهذا وجهٌ آخر في كونها مُشدَّدة.
الوجه الأول: ليظهر عليها وجوه الإعراب الثلاثة، إذ لو كانت مُخفَّفة لكانت كـ: ياء القاضي، و (القاضي) إنَّما تُقَدَّر عليه الضَّمَّة والكسرة وتظهر الفتحة، لم يستكمل وجوه الإعراب من حيث الظهور.
ثانياً: لئلا تلتبس بياء المُتكلَّم، إذ لو كانت ساكنة لوقع لبسٌ، ياء المُتكلِّم ساكنة: غُلامي .. قُرَشِي، نقول هذا فيه لبسٌ.
ثالثاً: لو كانت خفيفة لَحُذِفَت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين.
وهذا أَوْجَه الوجوه الثلاثة: أنَّها لو كانت خفيفة لَحُذِفت للتَّخَلُّص من التقاء الساكنين، وهذا حينئذٍ نحتاج إلى شيءٍ آخر ليدلَّ على أنَّ هذا اللفظ منسوبٌ إلى المُجرَّد عنها، لأنَّ اللفظ أو الكلمة، أو الحرف الذي جيء به لمعنىً الأصل فيه: أنَّه لا يُحْذَف، وجعلنا هذا قاعدة مُطَّردة في كُلِّ ما كان فيه تردُّدٌ في الحذف بين ما له معنى، وما ليس له معنى، فما كان له معنى أولى بالبقاء، وما ليس له معنى كحرف المبنى حينئذٍ نقول: الأولى أن يُحْذَف.
وهذه الياء حرفٌ عليه الإعراب، هذا لا إشكال فيه: هذا قُرَشِيٌّ .. رأيت قُرَشِيَّاً .. مررت بِقُرَشِيٍّ، إذاً: حرفٌ عليه إعرابٌ، وَنُقِل عن الكوفيين أنَّها اسمٌ مضافٌ إليه في محل جر مثل: أخي، يعني: ياء المتكلِّم كما تقول: أخ: مضاف، وياء المتكلِّم: ضمير متَّصل في محل جر مضاف إليه، مثله: قُرَشِي، نُقِل عن الكوفيين، وهذا يحتاج إلى تحرير في نقله عن الكوفيين في كونها اسماً مضافاً إليه في محل جر.
واحْتَجُّوا بقول بعض العرب: رأيت التَّمِيمِيَّ تَيْمِ عدي، الشاهد في قوله: تَيْمِ .. (تَيْمِ) هذا بدل من سابقه: رأيت التَّمِيمي، (التَّمِيمي) عندنا كلمتان: الكلمة الأولى لا شك أنَّها منصوبة، لأنَّ: رأيت، هذا يَتعدَّى فيحتاج إلى مفعول، إذاً (التَّمِيمي): هذا مفعولٌ به، (تَيْمِ) بالجر دلَّ على أنَّ الياء في محل جر، ولذلك جاء مجروراً، وبدل المجرور مجرور، وهذا ضعيف، لأنَّه يمكن تأويله، ولا يُحْتَج بقاعدة متأصِّلة إلا فيما لا يمكن تأويله، وما أمكن تأويله هذا فيه ضعف، يعني يُمكن أن يُقال: رأيت التَّمِيميَّ صاحب تَيْمِ عَدِي، حُذِف المضاف وَأُبْقِي المضاف إليه على حاله.
واحْتَجُّوا بقول بعض العرب: رأيت التَّمِيميَّ تَيْمِ عَدِيٍّ، بجرِّ (تَيْم) قالوا: أنَّه بدلٌ من ياء النَّسب، لأنَّه هو المجرور .. هو الذي يُتَصَوَّر أن يكون مجروراً .. في محل جر، وَأُجِيب بأن التقدير: صاحب تَيْمِ عَدِي، فَحُذِف المضاف وَأُبْقِي المضاف إليه بحاله، وهذا سبق أنَّه جائز لكنَّه قليل.
(النَّسَبُ)
قال النَّاظم:
يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ زَادُوا لِلنَّسَبْ ... وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ

النَّسب يحدث به .. بسببه وما يكون مُتَرتِّباً على الياء التي تُزَاد ثلاث تغييرات: الأول: لفظي، والثاني: معنوي، والثالث: حُكْمِي.
اللفظي ثلاثة أشياء:


أولاً: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة آخر المنسوب إليه: (يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ).
الثاني: كسر ما قبلها: كُرْسِي، السين مكسورة.
ثالثاً: نقل إعرابه إليها يعني: إلى هذه الياء، لأنَّك تقول: قُرَيْش، الشين هي حرف الإعراب: قُرَيْشٌ .. قُرَيْشَاً .. قُرَيْشٍ، إذا قلت: قُرَشِيٌّ، حينئذٍ الشين صارت مكسورة مطلقاً .. دائماً، أين محلُّ الإعراب؟ انتقل إلى الياء، إذاً: انسحب حرف الإعراب من الشين إلى الياء، إذاً: صارت هي محلاً للإعراب.
إذاً: هذه ثلاثة أحكام لفظية تَتعلَّق بالنَّسب: الأول: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة آخر المنسوب إليه، وكسر ما قبلها، ونقل إعرابه إليها، هذه عامة في كلِّ اسمٍ منسوبٍ إليه، قد يُزَاد بعض التَّغييرات كما سيأتي لكنَّها ليست مُطَّردة في كل منسوبٍ إليه، بل هي في بعضٍ دون بعض كحذف تاء التأنيث مثلاً، أو الألف المقصورة، هذا يكون مُقيَّداً بما فيه تاء التأنيث، كذلك الألف المقصورة الرابعة أو الخامسة تقول: هذا مُقيَّد بما فيه ألف التأنيث المقصورة، كذلك ما فيه ياء مُشدَّدة هذا مقيَّد، أمَّا الحكم العام المُطَّرد مطلقاً في كُلِّ منسوبٍ إليه هي هذه الثلاثة الأحكام.
والثاني معنوي: وهو صيرورته اسماً لِمَا لم يكن له وهو المنسوب، وقد كان قبل ذلك اسماً للمنسوب إليه: مَكَّة، اسمٌ للبلد المعروف، إذاً قلت: مَكِّيٌّ، صار اسماً لك أنت، لفظ: مَكِّي، انتقل ليس انتقالاً كُلِّيَّاً انسلخ من الأول، لا .. صار علماً للبلد، وكذلك صار اسماً لك أنت فأنت مَكِّيٌّ، إذاً: هو اسمٌ، مُسَمَّاه ما يصدق عليه المنسوب.
الثالث: وهو تغيير الحكم .. معاملته معاملة الصِّفة المشبَّهة في رفعه المضمر والظاهر باطِّرادٍ، يعني: يعمل عمل الفعل، لكن هنا يعمل عمل الصِّفة المشبَّهة فيرفع ما بعده فقط إمَّا ضميراً وإمَّا اسماً ظاهراً، ولذلك يصح أن يُقال: زيدٌ تَمِيمِيٌّ أبوه، (زَيْدٌ) مبتدأ، و (تَمِيمِيٌّ) خبر، (أبوه) فاعل، ما الذي رفعه؟ (تَمِيميٌّ) الاسم المنسوب، إذاً: عُومِل معاملة الصِّفة المشبَّهة فرفع ولا ينصب، ولذلك أُلْحِق بالصِّفة المشبَّهة دون غيره لكونه يرفع ولا ينصب.
(يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ) أشار إلى التَّغيير اللفظي الأول الذي قلنا هو ثلاثة أشياء: إلحاق ياءٍ مشدَّدة .. كسر ما قبلها .. نقل الإعراب إليها.
يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ زَادُوا لِلنَّسَبْ ..
(زَادُوا لِلنَّسَبْ يَاءً) (يَاءً) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (زَادُوا)، والواو هنا من؟ العرب، ولا يُحْمَل على النُّحاة، لأنَّ الذين زادوا بالفعل هم العرب، وأمَّا النُّحاة فحكموا بأنَّها للنسب ونحو ذلك، وأمَّا الزِّيادة الحقيقية فهي للعرب.
(زَادُوا) أي: العرب، (لِلنَّسَبِ) يعني: لأجله للدَّلالة على النَّسب، وعرفنا المراد بالنَّسب، (زَادُوا لِلنَّسَبِ) (يَاءً) هذا مفعول مُقدَّم، (كَيَا الْكُرْسِيِّ) كياء .. قصره للضرورة، (كَيَاء الْكُرْسيِّ) (يَا) مضاف، و (الْكُرْسِيِّ) مضاف إليه، والجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف صفة لـ: (يَا)، (يَاءً كائنةً كَيَاءِ الْكُرْسي) فـ: (كَيَا) جار ومجرور صفة لقوله: (يَاءً).


يعني: أنَّهم إذا قصدوا نِسبة شيء إلى أبٍ أو قبيلةٍ أو بلدٍ أو نحو ذلك جعلوا حرف إعرابه ياءً مُشدَّدة، (كَيَا الْكُرْسِيِّ) مكسوراً ما قبلها، كقولهم في النَّسب إلى (زيد): زَيْدِي، فحينئذٍ (كَيَا الْكُرْسِيِّ) انظر! في ياء (الْكُرْسِيِّ) ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة .. محل إعرابٍ.
إذاً: ثلاثة أحكام مأخوذة من (يَا الْكُرْسِيِّ)، لكنَّها ليست ياء كرسي ياء نسب بدليل: أنَّها مُشَبَّهٌ بها والمشبَّه هو ياء النَّسب، والمشبَّه مُغَاير للمشبَّه به، إذاً: أراد النَّاظم هنا أن يُبيِّن أنَّ النَّسب إنَّما يكون على هذه الصيغة: ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة: كُرْسِي، ثُمَّ الإعراب يكون على هذه الياء: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ).
إذاً: لم يعن النَّاظم بقوله: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ) أن ياء الكرسي هي ياء نسب، وإنَّما هي ياءٌ زائدة كما سبق معنا، أفهم قوله: (كَالْكُرْسيِّ) أمرين:
أولهما: التَّغيير اللفظي .. المذكور السابق .. الثلاثة الأشياء: من حيث إلحاق الياء المُشدَّدة، وكسر ما قبل الياء، هكذا قال الأشْمُونِي والمكُودِي وغيره، أنَّ النَّاظم هنا أراد بـ: (الْكُرْسِيِّ) الدلالة على التَّغييرات كلها، فدخل فيه أنَّ ما قبله يكون مكسوراً وهذا ظاهر، لكن قد يُقَال بأنَّ النَّاظم لم يُرِد هذا، وإنَّما أراد أنَّ الياء (كَيَا الْكُرْسِيِّ) في شيئين: أنَّها مُشدَّدة، وأنَّها محلُّ إعراب، وأمَّا كون ما قبلها مكسور فهذا قد يُوهِم أنَّ قوله:
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..
يكون حشواً، لماذا؟ لأنَّه قد ذكره بالمثال، ومعلوم أنَّ ابن مالك رحمه الله يُعْطِي الأحكام بالأمثلة، فإذا أخذنا أن الياء مُشدَّدة (كَيَا الْكُرْسِيِّ) هذا حكم، وأخذنا أنَّها حرف إعرابٍ .. نُقِل إليه الإعراب هذا حكم، بقي: كسر ما قبلها، إن أخذناه من المثال وهذا ظاهر ولا بأس به، حينئذٍ كيف نُصْرِف قوله:
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..
يعني: ما تليه الياء .. ما قبله يكون مكسوراً، حينئذٍ نقول: دلَّ قوله: (الْكُرْسِيِّ) على حكمين، والحكم الثالث نأخذه من الشطر الثاني، وهذا أولى.
والآخر .. الحكم الثاني من قوله (كالْكُرْسيِّ): أن ياء الكرسي ليست للنَّسب، لأنَّ المشبَّه به غير المشبَّه، لأنَّه شَبَّه هذه الياء (يَاءً زَادُوا لِلنَّسَبْ) يعني: ياء النَّسب، (كَيَا الْكُرْسيِّ) إذاً: شبَّه ياء النَّسب بياء الكرسي، ولو كانت ياء الكرسي .. ياء النَّسب لصار تشبيه الشيء بنفسه: زَيْدٌ كَزَيْد، سبق أنَّ هذا لا يجوز، إنَّما يُقال: زيدٌ كَعَمْروٍ .. عَمْروٌ كزيد، ياء النَّسب كياء الكرسي فيما ذُكِر، فدل على أنَّ المشبَّه مُغايرٌ للمشبَّه به، إذا: ياء الكرسي ليست للنسب.
وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..


(كُلُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي في محل جر مضاف إليه، (مَا تَلِيهِ) عندنا ضميران: ضميرٌ بارز، وضميرٌ مستتر، الضمير المستتر فاعل ويعود على الياء .. ما تلي الياء (مَا تَلِيه)، والضمير الثاني يعود إلى (مَا) لأنَّ (مَا) هذه اسمٌ موصول ولها صلة، والصلة لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ عائدٌ يعود عليها، (وَكُلُّ مَا تَلِيهِ) ما تليه الياءُ .. ما تكون الياء تاليةً له وهو ما قبل الياء، يعني: الحرف الأخير قبل اتصال ياء النَّسب.
(كَسْرُهُ وَجَبْ) (كَسْرُهُ) هذا مبتدأ ثاني، (وَجَبْ) هذا خبر المبتدأ الثاني، (وَجَبْ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الكسر، والجملة خبر عن المبتدأ الثاني، (كَسْرُهُ) وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول وهو (كُلُّ).
إذاً: كُلُّ حرفٍ آخِر تليه الياء كسره وجب، فـ: (مَا) هنا اسم موصول واقعة على الحرف الأخير، ولذلك قلنا من الأحكام: كسر ما قبلها، يعني: الحرف الأخير قبل ياء النَّسب وجب كسره، (كَسْرُهُ وَجَبْ)، (كَسْرُهُ) أي: كسر الحرف الذي تليه الياء، ما حكمه؟ واجب، والمناسبة واضحة: أنَّ ياء النَّسب بل الياء عموماً لا يناسبه ما قبله إلا الكسر، وأمَّا الفتح فهذا سيأتي أنَّه يقتضي أنَّ الياء الأولى تُقْلَب واواً.
قال الشَّارح هنا: إذا أُرِيد إضافة شيءٍ إلى بلدٍ أو قبيلةٍ أو شخصٍ أو نحو ذلك جُعِل آخره ياءً مُشَدَّدة مكسوراً ما قبلها، فيقال في النَّسب إلى دمشق: دِمَشْقِي" دِمَشْقِيٌّ .. دِمَشْق، قاف ثُمَّ جئت بياء مُشدَّدة، وكسرت ما قبل آخره، انتقل الإعراب من القاف إلى الياء قلت: دِمَشْقِيٌّ، وإلى (تميم): تَمِيمِيٌّ، وإلى (أحمد): أَحْمَدِىٌّ، لكن ما نصَّ ابن عقيل هنا على انتقال الإعراب، لأنَّه قد يكون واضحاً أن الإعراب ينتقل إلى الياء المُشدَّدة.
وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ وَتَا ... تَأْنِيْثٍ اوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتَا
وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ

قلنا: يُزاد من التَّغييرات لأجل النَّسب ثلاث .. قلنا: هذه عامَّة، ثُمَّ تحصل بعض التَّغييرات لبعض الكلمات دون بعضٍ، تُحْذَف لهذه الياء أمورٌ في الآخر، وأمورٌ متَّصلة بالآخر، يعني: يُقَال فيه ما قيل في التَّصغير وفي جمع التَّكسير، فبعض الكلمات إذا أردنا أن نوصل وَنُلْحِق بها ياء النَّسب لا بُدَّ من الحذف، كما ذكرنا كمثال: مكة .. مَكَّةُ، هذه تاء التأنيث لا نقول: مَكَّتِيِّ، ما يصح، نحذف التاء، حينئذٍ التاء هذه آخر: مكة .. مَكَّةُ، وجب حذف التاء لأجل ياء النَّسب، إذاً: نَحذف الأخير، بعض الأشياء تكون مُتَّصلة بالأخير كما سيأتي، ما يُحْذَف وهو آخر الكلمة التي يُراد النَّسبة إليها ستة أشياء:


الأول: أشار إليه بقوله: (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) احذف مثله، الضمير يعود إلى الياء (مِثْلَهُ)، يعني: مثل الياء المُشدَّدة ياء النَّسب، ما كان مثيلاً لها وجب حذفه مُطلقاً سواءٌ كانت الياء المُشدَّدة ياءين زائدتين، أم كانت الأولى أصلية والثانية زائدة .. مطلقاً، كُلُّّ ياءٍ مُشدَّدة وأرَدْتَ النَّسبة إليه تحذفها .. تسقطها، وتأتي مكانها بياء النَّسب.
(وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) احذف مثله، يعني: مثل الياء .. الضمير هنا يعود إلى الياء .. ياء النَّسب، (مِثْلَهُ مِمَّا) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْذِفْ)، (احْذِفْ مِمَّا) يعني: من الذي، (حَوَاهُ) الضمير المستتر يعود إلى (مَا)، والضمير البارز مفعولٌ به يعود إلى المِثْل، يعني: اسمٌ حوى هذه الياء المُشدَّدة مثل: كُرْسِي، لو أردت النَّسبة إليه نقول: احذف مِمَّا حوى هذه الياء وهو: الكرسي، تحذف الياء منه فتقول: كُرْسِي، حذفت الياء المشدَّدة التي هي زائدة في: كرسي، ونسبته إلى: الكرسي .. الشخص قلت: كُرْسِيٌّ، ماذا صَنَعْت؟ أسقطت الياء المُشدَّدة الأولى، ووضعت محلها ياء مُشدَّدة للنسب.
(الشافعي) الأصل: العالم محمد بن إدريس منسوب إلى (شافع)، هذا لا إشكال فيه (شافع) قلت: شافعي، كـ: دِمَشْق .. دِمَشْقِي، لكن لو أراد أحد من أتباعه أن ينتسب إلى الشافعي قلت: هذا شَافِعيٌّ، نسبته إلى شافع أو إلى الشافعي؟ إلى الثاني، حينئذٍ اجتمع عندنا أربع ياءات، فوجب إسقاط الياءين الأوليين التي هي من (الشافعي)، نُسْقِط الياء المُشدَّدة ونأتي بياءٍ مُشدَّدة أخرى.
إذاً: إذا وُجِد في الاسم الذي نريد أن ننسب إليه ونلحق به ياء النَّسب .. إذا وُجِد فيه ياء مُشدَّدة وجب حذفها مطلقاً بدون استثناء سواءٌ كانت هذين اليائيين زائدتين، أم إحداهما زائدة والأخرى أصليه مطلقاً، فتقول نسبةً إلى (الشافعي) الإمام الجليل .. تقول: هذا شَافِعيُّ .. شَافِعيُّ المذهب، نسبته إلى الشافعي رحمه الله، وحينئذٍ أسقطت الياء الأولى، وجئت بياءٍ أخرى.
إذاً: الموضع الأول من المواضع التي يُحْذَف من الآخر وهي ستة:
الياء المُشدَّدة الواقعة بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً، النَّاظم لم يُقَيِّده لكن الشُّراح قيَّدوه، كقولك في النَّسب إلى (الشافعي): شَافِعيُّ، وإلى (المرمي): مَرْمِيٌّ، يُقَدَّر حذف الأولى يعني: الياء المُشدَّدة الأولى، وجعل ياء النَّسب في موضعها، والعلَّة من ذلك قالوا: لئلا يجتمع عندنا أربع ياءات وهذا ثقيل، اجتماع ياءين مع كسرةٍ قبلها ثقيل، فكيف تأتي بأربعة ياءات، وَكُلُّ ياء عبارة عن كسرتين؟! يعني: ثمان كسرات، قالوا: هذا فيه ثِقَل.


فيتحد لفظ المنسوب والمنسوب إليه، هذا لا إشكال، نقول: جاء الشافعيُّ وتعني به: الشافعيَّ المذهب، والشَافِعيُّ الإمام شافعي، إذاً: اتحد اللفظ هذا وذاك، وفرقٌ بينهما من جهة التقدير فحسب، يعني: معنىً، ولكن يَختلف التقدير، ويظهر أثر ذلك .. قد يقول قائل: ما الفائدة نحذف الياء ونأتي بياء أخرى؟ قالوا: يظهر ذلك التقدير في نحو: بَخَاتِيٍّ أو إن شئت قل: بُخَاتِي، في جمع (بَخْتِيٍّ) إذا سُمِي به ثُمَّ نُسِب إليه، فإنَّك تقول: هذا بَخَاتِيٌّ مصروفاً، وكان قبل النَّسب غير مصروف.
(بَخَاتِيُّ) هذا ممنوعٌ من الصرف، لَمَّا أردت النَّسبة إليه أسقطت الياء المُشدَّدة فزدته ياء النَّسب صُرِف .. صار مصروفاً، لكن هذا أثره قليل، ولكن التَّعليل هو الذي يمكن أن يُعْتَمد عليه، نقول: لو زدنا ياءً مُشدَّدة على تلك الياء المُشدَّدة لاجتمع عندنا أربع ياءات، وأمَّا الصرف وعدمه فهذا قليل .. كلمات محفوظة، والحكم عام هنا في كُلِّ منسوبٍ تُحْذَف الياء وَيُؤْتَى بياءٍ جديدة.
(وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ)، (احْذِفْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، (وَمِثْلَهُ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الضَّم في محل جر مضاف إليه، والضمير هنا يعود على الياء .. ياء النَّسب، (مِثْلَهُ) يعني: مثل ياء النَّسب، (مِمَّا حَوَاهُ) مِمَّا اتصل به.
(حَوَا) فيه ضميران: ضميرٌ مستتر، وضميرٌ بارز، الضمير المستتر يعود إلى (مَا) .. (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ) الضمير يعود على (المِثْل)، لأنَّ (المِثْل) هو الذي حوى تلك الياء التي هي مشابهة لياء النَّسب، أو هي في الحقيقة ياء النَّسب، والضمير البارز يعود إلى (مَا)، يعني: يُحْذَف لياء النَّسب كُلُّ ياءٍ تماثلها في كونها مُشدَّدة، لكن قيَّدوها: بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً، وَيُجْعَل مكانها ياء النَّسب، تحذف هذا وتأتي بهذا، هذا الموضع الأول.
الموضع الثاني: أشار إليه بقوله: (وَتَا تَأْنِيثٍ) قصره للضرورة، هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (لاَ تُثْبِتَاً)، (لاَ) ناهية، و (تُثْبِتَاً) هذا فعل مضارع مبني لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفاً وقفاً، (وَتَا) هذا مفعول مُقدَّم، وهو مضاف، و (تَأْنِيثٍ) مضاف إليه، (أَوْ) عاطفة، (مَدَّتَهُ) هذا معطوف على (تَا)، فدل على أنَّ (تَا) هنا مفعول به، لأنَّه قد يقول قائل: لماذا لا نقول بأنَّه مبتدأ؟ نقول: (تُثْبِتِ) هذا يحتاج إلى تقدير، لأنَّه ينصب .. يحتاج إلى مفعول، ثُمَّ قال: (مَدَّتَهُ) بالنصب فدل على أنَّه معطوفٌ على منصوب، إذاً: (تَا) هذا منصوبز
إذاً: (تَاءَ تَأْنِيثٍ لاَ تُثْبِتِ) إذاً: الموضع الثاني مِمَّا يكون آخراً وَيُرَاد به النَّسب: حذف تاء التأنيث، فيقال في النَّسب إلى (فاطمة) مثلاً: فَاَطِمِيٌّ، حذفت تاء التأنيث، وإلى (مكَّة): مَكِّيٌّ، وإلى (المدينة): مَدَنِيٌّ، سيأتي (فَعِيلَة) تحذف الياء: صحيفة .. صحفي، لئلا تجتمع علامتا تأنيثٍ في نسبة امرأةٍ إلى (مَكَّة) لأنَّه كان يُقال: مَكْتِيَةٌ .. هذا فاسد، ولئلا يؤدي إلى وقوع تاء التأنيث حشواً، هذه عِلَّةٌ أخرى.


إذاً: المسموع في لسان العرب أنَّك إذا نسبت إلى ما فيه تاء أسقطت التاء .. قطعاً نضع العِلَّة، فتقول: مَكِّيٌّ .. مَدَنِيٌّ، ولا تقول: مَكْتِيٌّ ولا مَدِينَتِيِّ ونحو ذلك وهذا كله فاسد، وإنَّما ترجع إلى لسان العرب، وأمَّا قول المتكلمين في (ذات): ذَاتِيٌّ، وقول العامة في (الخليفة): خَلِيفَتِي فلحنٌ، والصواب أن يُقال: ذَوَوِيٌّ .. ذَاتِيٌّ، نسبة إلى الذَّات: ذَوويٌّ وخلِيفيٌّ، هذا الظَّاهر.
(وَتَا تَأْنِيثٍ أَوْ مَدَّتَهُ)، أَوْ مَدَّتَهُ هذا الثالث مِمَّا يُحْذَف وهو مَدَّة التأنيث، فيما سبق إذا أطلق النَّاظم المدَّة صرفناها إلى الممدودة: صحراء، لكن هنا قيَّده، في السابق يُطْلِق المدة، وهنا قيَّده قال: (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، ومتى يكون التأنيث مَدَّاً؟ فيما إذا كانت مقصورة.
إذاً: قصده بقوله هنا: (مَدَّتَهُ) المراد به: ألف التأنيث المقصورة، بدليل الإضافة .. خصَّصه بالإضافة، وإن كان المشهور أن يُعَبَّر عن المقصورة بالألف، والممدودة بالمدَّة على أصلها، هذا المشهور وهذا الذي مضى معنا مراراً، ولكن هنا عنى ألف التأنيث المقصورة لذلك أضافها.
فقوله: (أَوْ) للعطف، (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، وأمَّا الألف في (حمراء) فليست للتأنيث، وإنَّما: حُبْلَى، وَسَلْمَى، وَقَبَعْثَرى، وَحِثِّيثَى، وَكُفُرَّى، كل هذه المراد بها: ألف التأنيث.
إذاً الموضع الثالث: مدَّة التأنيث والمراد بها: ألف التأنيث المقصورة، وألف التأنيث قال: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) لكنَّه استثنى:
وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ

إذاً: فيه تفصيل ليست مطلقاً تُحْذَف، وليست مطلقاً تُثْبَت، حينئذٍ إمَّا أن تكون رابعة أو خامسةً فصاعداً، وأمَّا الثالثة فسيأتي بحثها، فإمَّا أن تكون رابعة أو خامسة، رابعة مثل: حُبْلَى .. وقعت رابعةً، أو خامسةً فصاعداً مثل: قَرْقَرَى، فإن كانت خامسةً فصاعداً حُذِفت وجهاً واحداً .. قولاً واحداً، لا نحتاج إلى قلب ولا غيره، حينئذٍ تحذفها مباشرة.
كقولك في (حُبَارَى): حُبَارِيٌّ، (حُبَارى) وقعت ألف التأنيث المقصورة خامسةً، أردت النَّسبة إليها ماذا تصنع؟ احذف هذه الألف فقل: حُبَارِيٌّ، بكسر الراء، ثُمَّ تزيد ياء النَّسب مُشدَّدة، ثُمَّ الإعراب يكون عليها، انظر! انتقل الإعراب من التقديري إلى الظَّاهر، أصله: حُبَارى، الإعراب تقديري .. الألف غير قابلة للحركات، لَمَّا نسبت إليها انتقل الإعراب .. انظر! من فوائد النَّسب: انتقل الإعراب من التقديري إلى الظَّاهر قلت: حُبَرِيٌّ .. رأيت حُبَرِيَّاً .. مررت بِحُبَرِيٍّ، صار الإعراب فيه ظاهراً.
إذاً: إذا كانت خامسة فصاعداً وجب حذف الألف كما في (حُبَارى): حُبَارِيٍّ، وفي (قَبَعْثَرى): قَبَعْثَرِيٌّ بكسر الراء وزيادة ياء مُشدَّدة، وانتقل الإعراب إليها فصار ظاهراً، وَقَرْقَرِيٌّ في (قَرْقَرى)، كذلك: حِثِّيثِيٌّ في (حِثِّيِثى)، هذا إذا كانت خامسةً فصاعداً قولاً واحداً .. وجهاً واحداً تُحْذَف.


وإن كانت رابعةً حينئذٍ فيه تفصيل، إن كانت رابعةً في اسمٍ ثانيه مُتحرِّك .. إذا وقعت رابعاً انظر إلى الثاني يعني: ثاني الكلمة، إمَّا أن يكون مُتحرِّكاً أو ساكناً، إن كانت مُتحرِّكة لَحِقَت بأختها الخامسة فصاعداً .. حكمها حكم الخامسة فصاعداً: الحذف، كقولك في (جَمَزَى): جَمَزِيٌّ، (جَمَزَى) الألف وقعت رابعةً، ننظر في الثاني: (جَمَـ) ميم، فإذا به مُتحرِّكاً نُزِّل مُنَزَّلة حرف خامس، حينئذٍ حذفناها، بقي:
وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ..
لا تحذف .. إن كانت رابعةً والحرف الثاني ساكن قال: لا تَحذف .. أبقها، (فاقلبها واواً) ولا يَتعيَّن الحذف، (لا تَحذف) يعني: لا تحذف وجوباً .. هذا الذي أعنيه، لا يَتعيَّن حذفها، وإنَّما أنت مُخَيَّر بين اثنين: إمَّا القلب إلى الواو، وإمَّا الحذف، وإن كان ثانيه ساكناً فوجهان: قلبها واواً، وحذفها.
(وَإِنْ تَكُنْ) أي: مدَّة التأنيث المقصورة، (تَكُنْ) الضمير يعود إلى (مَدَّتَهُ)، (تَرْبَعُ) أي: تُصَيِّره ذا أربعة، (تَرْبَعُ) هذا فعل مضارع بِمعنى: تُصَيِّره ذا أربعةٍ، (إِنْ تَكُنْ) الألف صَيَّرت الاسم الذي هي فيه ذا أربعةٍ، (ذَا ثَانٍ سَكَنْ) ساكن.
فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ ..
(قَلْبُهَا وَاواً) يعني: يجوز أن تُقْلَب واواً، أو أن تحذفها: حُبْلَى، رابعة والثاني ساكن، يجوز أن تقول: حُبْلَوِيٌّ، بقلب الألف واو، ويجوز أن تقول: حُبْلِيٌّ، (حُبْلِيٌّ) بالحذف، و (حُبْلَوِيٌّ) بقلب الألف واواً، يعني: إبقائها، وقلبها واواً.
(وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) (تَرْبَعُ) قلنا: فعل مضارع، والضمير يعود إلى اسم (تَكُنْ)، لأنَّ جملة (تَرْبَع) خبر، فلا بُدَّ من رابطٍ بين الاسم؛ لأنَّه في الأصل مبتدأ، فإذا وقع خبر كان وأخواتها جملةً لا بُدَّ من رابطٍ بينها وبين اسمها، لأنَّها في الأصل: مبتدأ وخبر.
إذاً: (تَرْبَعُ) الضمير يعود إلى اسم (تَكُنْ)، أي: تُصَيِّره ذا أربعةٍ، (ذَا ثَانٍ) (ذَا) هذا مفعولٌ لـ: (تَرْبَع)، يعني: صاحب (ذَا ثَانٍ) (ذَا) مضاف، و (ثَانٍ) مضاف إليه، (سَكَنْ) أي: الثاني والجملة صفة لـ: (ثَانٍ)، يعني: (ذَا ثَانٍ سَكَنٍ).
(فَقَلْبُهَا) الفاء واقعة في جواب الشرط، (قَلْبُهَا) مبتدأ، (وَاواً) هذا مفعول ثاني، (قَلْبُ) هذا يَتعدَّى إلى اثنين، وهو مَصدَّر أُضِيف إلى المفعول الأول الهاء، (قَلْبُهَا) قلب الألف، (وَاوَاً) هذا مفعول ثاني، (وَحَذْفُهَا) هذا مبتدأ، و (حَسَنْ) خبر الثاني، أين المبتدأ الأول؟ (فَقَلْبُهَا) مبتدأ، (وَاوَاً) قلنا: مفعول، اترك (وَاواً)، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ، (حَسَنٌ) خبر، أين الخبر؟ (حَذْفُهَا حَسَنْ) هذا مبتدأ وخبر، (قَلْبُهَا) هذا مبتدأ.
لو قال قائل: (وَحَذْفُهَا حَسَنْ)، (فَقَلْبُهَا) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، و (حَسَنْ) خبر الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، هل يصح أو لا؟ يعني: لو قلنا (فَقَلْبُهَا) .. (قَلْبُ) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، و (حَسَنْ) خبر الثاني، والجملة خبر الأول.


العاطف يمنع، هذا أولاً، طيب! لو لم يكن عاطف؟ أيضاً: لا يجوز، لأنَّك لو جعلته خبراً حينئذٍ يكون المعنى: (قَلْبُهَا حَذْفُهَا حَسَنْ) قلبها وحذفها معاً في وقتٍ واحد، لكن نحن نُقدِّر هنا خبر للمبتدأ الأول، (فَقَلْبُهَا) جائزٌ، أو مستساغٌ، أو لا بأس به، وتجعل (وَحَذْفُهَا حَسَنْ) جملة مُستقلِّة، أمَّا لو جعلت (حَذْفُهَا حَسَنْ وقَلْبُهَا) هذا ما يصلح، لأنَّه يصير المحل واحد: قلب وحذف، لا، إمَّا قلب فلا تحذف، وإمَّا حذفٌ فلا تقلب، وأمَّا قلبٌ حذفٌ في وقتٍ واحد، هذا ما يَصْدُق .. لا يصلح، فالإعراب إذا أعربته (فَقَلْبُهَا) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، مع أنَّه ما يجوز لوجود الواو، لكن لو أسقطنا الواو، أو أراد إنسان أن يُعرِب هذا نقول، لا.
وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ

يعني: أن ألف التأنيث المقصورة إذا كانت رابعةً في اسمٍ ساكنِ الثاني جاز فيها الحذف والقلب واواً نحو: حُبْلَى، تقول فيها على الأول (حَذْفُهَا): حُبْلِيٌّ، وعلى الثاني وهو القلب: حُبْلَوِيٌّ، بقلب الألف واواً، ويجوز مع القلب أن يُفْصَل بينها وبين اللام بألفٍ زائدة تشبيهاً بالممدودة، فتقول: حبلاويٌّ، تُزاد ألف بين اللام والواو.
وليس في كلام النَّاظم ترجيح أحد الوجهين على الآخر، وليسا على حدٍّ سواء، بل الحذف هو المختار وإن أخَّره.
فَقَلْبُهَا وَاوَاً وَحَذْفُهَا حَسَنْ ..
إذاً: هل فيه ترجيح؟ ليس فيه ترجيح، وإنَّما قدَّم الواو وأخَّر الحذف، قد يُقال بأنَّه لَمَّا حذف – هذه من رأسي! - خبر الأول ونصَّ على خبر الثاني، فَمَا نَصَّ على خبره مُقدَّم .. يُمكن؟ (فَقَلْبُهَا وَاوَاً) حذف الخبر، (وَحَذْفُهَا حَسَنْ) الشُّرَّاح يقولون: لم يَنُص النَّاظم على الترجيح، وهذا مأخذ عليه، لأنَّه سوَّى بينهما والحكم ليس على التَّسويه، لكن يُمكن أن يُقال: بأنَّه نَصَّ على الثاني (حَذْفُهَا حَسَنْ)، وحذف خبر الأول دل على أنَّه مختار وأنَّه أرجح، على كُلٍّ: الأرجح الحذف هنا وهو المختار.
وَفُهِم من البيت تقييده:
وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ..
فُهم من البيت: أنَّها إذا كانت خامسةً فما فوق، أو رابعةً في اسمٍ ثانيه مُتحرِّك وجب حذفها؛ لدخولها في الضابط الأول، لأنَّه قال: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) هذا عام، قلنا: المدَّة هنا .. مدَّة التأنيث، إمَّا أن تكون خامسة أو رابعة - الثالثة سيأتي البحث فيها - إمَّا أن تكون خامسة أو رابعة، إن كانت خامسة وجب حذفها مُطلقاً، هل يُمكن أن نأخذ التفصيل هنا من البيت الثاني؟ نعم، لأنَّه قال: (وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) فسوَّى فيها طرفين: قلب الواو، والحذف.
مفهومه: أنَّ الخامسة تُحْذَف بلا تفصيل، وتقييد الرابعة بأنَّها إذا كانت (ذَا ثَانٍ سَكَنْ) ففيها الوجهان، مُفهومه: أنَّه إذا لم يسكن الثاني كالخامسة.
إذاً: الأحوال ثلاثة: خامسةٌ .. رابعةٌ ثانيها ساكن .. رابعةٌ ثانيها مُتحرِّك، من البيتين. ز من قوله:
أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتَا وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ..


نقول: الخامسة مُطلقاً بلا تفصيل تُحْذَف، الرابعة (ذَا ثَانٍ) مُتحرِّك كالخامسة، بقي الثالث وهو الذي ذكر فيه الوجهين.
وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ

كم ذكر مِمَّا يُحذف؟ ثلاثة:
- (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) هذا الأول.
- (وَتَا تَأْنِيثٍ) هذا الثاني.
- (أَوْ مَدَّتَهُ) هذا الثالث.
قوله: (لاَ تُثْبِتِ) وما بعده هذا تفصيل لقوله: (مَدَّتَهُ).
نعود إلى قوله: (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) المراد هنا: أن تُحْذَف الياء المُشدَّدة كما ذكرناه سابقاً، هذا يشمل على التفصيل ثلاثة مواضع:
- ما كانت فيه الياء للنَّسب كـ: بَصْرِي، فتقول في النَّسب إليه: بَصْرِيٌّ، وهذا واضح وذكرنا له مثالاً كـ: الشافعي، وهو أظهر.
- الثاني: ما كانت فيه الياء لغير النَّسب نحو: كرسي، فتقول في النَّسب إليه: كُرْسِي، وهذا مثَّلنا به.
- الثالث: ما كان أصلها واواً نحو: مَرْمِيٌّ، أصله: مَرْمُوِي، فَقُلِبت الواو ياءً فَأُدْغِمت في الياء فتقول في النَّسب إليه: مَرْمِيٌّ، وسيأتي فيه وجهٌ آخر وهو: قلب الياء الأولى إلى أصلها، فتقول: مَرْمَوِيٌّ، وهذا فيه تفصيل سيأتي بحثه.
قال الشَّارح: يعني أنَّه إذا كان في آخر الاسم ياءٌ كياء الكرسى في كونها مُشدَّدة .. واقعةً بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً وجب حذفها، وَجَعْلُ ياء النَّسب موضعها، فَيُقَال في النَّسب إلى (الشافعي): شَافِعِيٌّ، وفي النَّسب إلى (مَرْمِى): مَرْمِىٌّ.
مثَّل بِمثالين لأنَّ الثاني فيه خلاف والأول مُتَّفق عليه، و (كرسي) من بابٍ أولى، قلنا الأنواع ثلاثة: ياء النَّسب، وياءٌ كياء كرسي، وياءٌ مُشدَّدة الأولى أصلية والثانية زائدة، مَثَّل بـ: الشافعي، ياءٌ زائدة مُطلقاً الأولى والثانية، لأنَّ المُشدَّدة عبارة عن ياءين، و (مَرْمِيٌّ) الياء الأولى منقلبة عن أصل والثانية زائدة، من بابٍ أولى أنَّ ياء (كرسي) تُحْذَف، فإذا حُذِفت ياء النَّسب: شافعي، من بابٍ أولى ياء: كرسي. إذاً: الأنواع ثلاثة.
وكذلك إن كان آخر الاسم تاء التأنيث وجب حذفها للنَّسب، فيقال في النَّسب إلى (مَكَّة): مَكِّىٌّ، ومثل تاء التأنيث في وجوب الحذف للنَّسب ألف التأنيث المقصورة، إذا كانت خامسةً فصاعداً كـ: حُبَارَى، ما قال النَّاظم: خامساً، لكن لَمَّا استثنى قال: (وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) علمنا أنَّ مراده: (أَوْ مَدَّتَهُ) خامسةً، ثُمَّ الرَّابعة على التفصيل الذي ذكرناه.
إذا كانت خامسةً فصاعداً كـ: حُبَارى وَحُبَرِي، أو رابعةً مُتَحرِّكاً ثاني ما هي فيه كـ: جَمَزَى .. جَمَزِي، وإن كانت رابعةً ساكناً ثاني ما هي فيه كـ: حُبْلَى، جاز فيه وجهان:
أحدهما: الحذف وهو المختار فتقول: حُبْلِىٌّ.
والثاني: قلبها واواً فتقول: حُبْلَوِىٌّ، ويجوز زيادة ألفٍ بين اللام والواو: حُبْلَاوِيٌّ.
لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ مَا ... لَهَا ولِلأَصْلِيِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ
وَالْحَذْفُ فِي الْيَا رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ ... قَلْبٍ وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ


(لِشِبْهِهَا) الضمير يعود إلى ألف التأنيث المقصورة، (الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ) قلنا: الألف المقصورة سابقاً في جمع التكسير قد تكون للإلحاق مثل: عَلْقى، وقد تكون للتأنيث مثل: حُبْلَى، وقد تكون أصلية.
قال هنا: (لِشِبْهِهَا) هذا خبر مُقدَّم، والضمير يعود إلى ألف التأنيث، (الْمُلْحِقِ) قيل: بكسر الحاء، أي: المُلْحِق كلمته بكلمةٍِ أخرى، وهكذا ضَبَطَه المكُودِي ونَصَّ عليه الصَّبَّان، (الْمُلْحِقِ) بالكسر وهكذا ضبطه مُحْيي الدِّين.
(لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ) يعني: الألف الأصلي، والألف التي للإلحاق، (مَا لَهَا) الذي لها للتأنيث، فهو ثابتٌ لألف الإلحاق والألف الأصلية، وما هو الذي ثبت لها: الحذف أو القلب؟ التفصيل. يعني: أن الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق نحو: ذِفْرَى وَعَلْقَى، أو مُنقلبةً عن أصلٍ نحو: مَرْمِي، فلها ما لألف التأنيث من نحو: حُبْلَى -إذاً: الضمير هنا يعود إلى المُتَأخِّر- من القلب والحذف، فتقول: ذِفْرِيٌّ وَذِفْرَوِيٌّ، وَمَرْمِيٌّ وَمَرْمَوِيٌّ، فهنا قوله: (لِشِبْهِهَا مَا)، (مَا) هذا مبتدأ، (لِشِبْهِهَا) يعني: الذي ثبت لها .. لتاء التأنيث، (لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ)، (الْمُلْحِقِ) هذا نعت لـ: (لِشِبْهِ)، (وَالأَصْلِيِّ) معطوفٌ عليه، (مَا لَهَا) ما ثبت لها، (لَهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، الذي لألف التأنيث إن كانت رابعةً على التفصيل السابق (لِشِبْهِهَا) يعني: ثابتٌ لشبهها، ما هو الذي ثبت لشبهها؟ التفصيل السابق، وما هو الشبيه بها؟ (الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ).
إذاً: الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق، أو منقلبة عن أصلٍ فحكمها حكم (حُبْلِي) يعني: من حيث حذفها، ومن حيث القلب: حُبْلِي وَحُبْلَوِي، كذلك: ذِفْرِي وَذِفْرَوِي، وَمَرْمِي وَمَرْمَوِي، إلا أنَّ القلب في الأصل أحسن من الحذف، فـ: مَرْمَوِي أفصح من: مَرْمِي، وإليه أشار بقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) يعني: يُختار للأصليِّ قَلْبٌ، (قَلْبٌ) هذا مبتدأ، و (يُعْتَمَى) يعني: يُختار، يُقال: اعتماه يَعْتَمِيه إذا اختاره، (يُعْتَمَى) نائب الفاعل يعود إلى القلب، (وَلِلأَصْليِّ) هذا خبر مُقدَّم.
إذاً: قَلْبٌ للأصليِّ يُعْتَمى، ولكن جملة (يُعْتَمَى) هذه صفة لـ: (قَلْب) فلا يفصل بينهما، حينئذٍ تُقدِّر هكذا: قَلْبٌ يُخْتَار للأصليِّ، ولا تقول: قُلْبٌ للأصلي يُعْتَمَى، (قَلْبٌ يُعْتَمَى) يعني: يُخْتار (لِلأَصْليِّ)، حينئذٍ نَصَّ النَّاظم على أنَّ ما كان مُنقلباً عن أصلٍ فيكون القلب أرجح من الحذف.
وأراد هنا النَّاظم بـ (الأصلي): المُنقلب عن أصلٍ واوٍ أو ياء .. هذا معلوم، لأنَّ الألف لا تكون أصلاً غير منقلبة إلا في حرفٍ وشبه الحرف فقط، وأمَّا في الاسم فلا بُدَّ أن تكون مُنقلبة عن واوٍ أو ياء، أو نحكم لها بالزيادة، وهنا إذا قلنا: ألف أصليَّة حينئذٍ لا بُدَّ أنَّها مُنقلبة عن واوٍ أو ياء.


(وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) خَصَّ النَّاظم هنا الأصلي وسكت عن المُلْحِق .. الألف التي تكون للإلْحَاق، فما هو الأولى؟ قلنا هناك: (قَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ) أي الوجهين المختار؟ الحذف، قلنا: الأصلي استثناه بأنَّ القلب هو المختار، سكت عن ألف الإلحاق وسَوَّى بينها وبين ألف التأنيث، حينئذٍ ألف التأنيث يُخْتَار فيها الحذف على القلب، كذلك ما سوَّى بِها وهو ألف الإلحاق، إذاً يُخْتَار فيها الحذف على القلب، ولكن ليس الأمر كذلك، بل القلب في الملحق أحسن من الحذف.
فقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) حينئذٍ لا بُدَّ من توجيهه بأنَّه يَشمل النَّوعين، وليس الحكم خاصَّاً بالأصلي، حينئذٍ نقول: ألف التأنيث يجوز فيها الوجهان والحذف أرجح .. أحسن، وأمَّا ألف الإلحاق والأصلية يجوز فيها الوجهان والقلب أرجح، وظاهر عبارة النَّاظم: أنَّه خَصَّ الأصلي بأن القلب يُختار، إذاً: سَوَّى بين ألف الإلحاق وألف التأنيث .. هذا الظَّاهر، فيكون ألف الإلحاق الحذف أرجح من القلب، والصواب هو العكس، ونَحمل كلام النَّاظم هنا على ما ذكره في: (الكافية) وشرحها.
تخصيصه الأصلي بترجيح القلب يُوهِم أنَّ ألف الإلحاق ليست كذلك، بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف، لأنَّه مقتضى قوله: (مَا لَهَا) الذي ثبت لها .. لألف التأنيث، يثبت للأصلي والملحق، واستثنى الأصلي .. بقي الملحق.
ليست كذلك بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف، لأنَّه مقتضى قوله: (مَا لَهَا)، وقد صرَّح النَّاظم رحمه الله في (الكافية) وفي شرحها: بأنَّ القلب في ألف الإلحاق الرابعة أجود من الحذف كالأصلية، هو نفسه صَرَّح بهذا .. سوَّى بين ألف الإلحاق والأصلية، وهنا ظاهر عبارته التفريق بينهما، فألحق التي للإلحاق بالتأنيث والحذف فيها أجود، واستثنى الأصلية والصواب: التَّسوية بينهما، لكن ذكر أنَّ الحذف في ألف الإلحاق أشبه من الحذف في الأصليَّة، لأنَّ ألف الإلحاق شبيهةٌ بألف (حُبْلَى) في الزيادة، على كُلٍّ: ينبغي حمل كلامه هنا على أنَّ القلب في الأصلية من أجل أن نجعل الحكم عام .. (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) حينئذٍ نقول: مراده هنا أنَّ القلب في الأصلية أكثر من القلب في التي للإلحاق، وإن كان القلب فيهما جميعاً معاً أجود من الحذف، كما نصَّ هو عليه في: (شرح الكافية)، هذا من باب التأويل، وإن كان ظاهر العبارة يحتاج إلى مُبالغة في التأويل، لأنَّ قوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) هذا تخصيصٌ بعد تعميم، لأنَّه عمَّم (مَا لَهَا) اسمٌ موصول .. عمَّم، كُل ما ثبت لألف التأنيث ثبت لألف الإلحاق والأصلية، هذا الظَّاهر.


ثُمَّ خصَّص قال: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ) قَدَّم الخبر على المبتدأ، (قَلْبٌ يُعْتَمَى) يُخْتَار للأصلي، ظاهره والله أعلم أنَّه قد يكون خالف ما في (الكافية) حينئذٍ سوَّى هنا في هذا المقام .. في هذا المتْن بين ألف التأنيث وألف الإلحاق: في أنَّ الحذف أجود من القلب، وهناك سوَّى بين الأصلية وألف الإلحاق في كون القلب أجود من الحذف، قد يكون هنا رَجَع، لكن ياسين وغيره أوَّلوا العبارة قالوا: قوله (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) ليس مُراده الترجيح من حيث هو، بل مراده أنَّ القلب في الأصلية أكثر من التي للإلحاق، كُلٌّ منهما الرَّاجح فيه: القلب على الحذف فهو المختار، إلا أنَّ القلب في الألف الأصلية أكثر فيها القلب من التي للإلحاق، لكن هذه العبارة فيها، لأنَّ ظاهره ما ذكرناه سابقاً.
على كُلٍّ الصواب قوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) أنَّه لا يختصُّ بالأصلية فحسب، بل الحكم عام في الأصلية والتي للإلحاق.
لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ مَا ... لَهَا ولِلأَصْلِيِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَيَّن الألف إن كانت خامسةً فصاعداً:
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ..
هذا تنصيصٌ على المفهوم السابق، (الأَلِف) هذا مفعول مُقدَّم، (الْجَائِزَ) نعته، (أَرْبَعَاً) مفعول لـ: (الْجَائِزَ) يعني: الذي جاز أربعاً، يعني: أربعة أحرف، وذَكَّر هنا باعتبار تأنيث الحرف، (أَزِلْ) يعني: احذف .. احذف الألف الجائز أربعاً، فحينئذٍ الألف المقصورة إذا كانت خامسةً مُطلقاً وجب حذفها.
أي: إذا كانت ألف المقصور خامسةً فصاعداً حُذِفت مطلقاً، سواءٌ كانت أصليَّة نحو: مصطفى ومستدعى، أو للتأنيث نحو: حُبَارى وَخُلَّيطَى، أو للإلحاق أو التكسير نحو: حَبَرْكَ وَقَبَعْثَرى، فتقول فيها كلها: مُصْطَفِيٌّ، وَمُسْتَدْعِيٌّ، وَحُبَارِيٌّ، وَخُلِّيطِيٌّ، وَحَبَرْكِيٌّ، وَقَبَعْثَرِيٌّ، كلها .. بدون تفصيل تحذف الألف إذا كانت خامسةً فصاعداً، بقطع النَّظر عن كونها للتأنيث أو غيره، وهذا تنصيصٌ على ما سبق، لكن يستفاد منه: أنَّ الحكم في السابق (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، وهنا زاد: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) يعني: مدَّة التأنيث قلنا: إذا كانت خامسةً، هنا زادنا: إذا كانت خامسةً فصاعداً لغير التأنيث، سواءٌ كانت أصلية، أو كانت للإلحاق، أو للتكسير فيكون فيه تصريحٌ بالمفهوم السَّابق من حيث التأنيث، ومن حيث غير التأنيث دخل معنا الخامسة فصاعداً التي للإلحاق، والتي للتكسير، والأصلية.
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ

هذا النوع الرابع مِمَّا يُحذف للنَّسب وهو: ياء المنقوص المتجاوزة أربعاً:
كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ ..


يعني: انتقل إلى بيان المنقوص، وبدأ بالخامسة ثُمَّ على جهة النزول، إذا كانت ياء المنقوص خامسةً وجب حذفها، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك الحكم السابق، (يَا الْمَنْقُوصِ)، (يَاءُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (الْمَنْقُوصِ) مضاف إليه، (عُزِلْ) الجملة خبر .. (عُزِلْ) فعل ونائب فاعل والضمير يعود إلى (يَا الْمَنْقُوصِ) حال كونه خامساً وجب حذفه مُطلقاً.
إذاً: ياء المنقوص إذا كانت متجاوزةً أربعاً وجب حذفها، مثل (مُعْتَدِي) .. مُعْتَدٍ تقول: مُعْتَدِيٍّ .. مُعْتَدِيٌّ .. مُعْتَدِيًّا، بحذف الياء، هو (مُعْتَدٍ) حُذِفت الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين .. التنوين، ولكن إذا نسبته قلت: مُعْتَدِيٌّ بحذف الياء، كذلك (مُسْتَعلِي) مُسْتَعْلٍ .. مُسْتَعْلِيٌّ.
إذاً: إذا كانت ياء المنقوص خامسةً فصاعداً وجب حذفها عند النَّسب إليه، فتقول في (مُعْتَدٍ) و (مُسْتَعْلٍ): مُعْتَديٌّ، ومُستَعْليٌّ، وموجب الحذف هو الثِّقَل، وحينئذٍ لَمَّا نَصَّ على الخامسة علمنا أنَّ السادسة من بابٍ أولى، لأنَّ العِلَّة هي الثِّقَل، فالخامسة ثقيلة بقاؤها مع ياء النَّسب، إذاً: السادسة من بابٍ أولى أن تكون أثقل.
إذاً:
كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ ..
(كَذَاكَ) ما إعرابه؟ (يَا) هذا مبتدأ، (عُزِلْ) هو الخبر، يَاءُ الْمَنْقُوصِ عُزِلْ حال كونه خَامِساً كذاك، أي: مثل ذاك .. الحكم السابق وهو قوله:
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ..
إذاً: مُتعلِّق بقوله: (عُزِلْ)، (كَذَاكَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عُزِلْ).
وَالْحَذْفُ فِي الْيَا رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ ... قَلْبٍ. . . . . . . . . . . . .

(الْحَذْفُ) مبتدأ، (فِي الْيَا) قصره للضرورة، وهو جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْحَذْفُ) لأنَّه مصدر، (أَحَقُّ) هذا خبر المبتدأ، و (رَابِعَاً) هذا حالٌ من الياء، (في الْيَا) حال كونه (رَابِعَاً)، أحق من ماذا؟ (مِنْ قَلْبٍ) إذاً: يجوز فيه الوجهان: الحذف والقلب والحذف أحق، إذاً أولى .. صار فيه ترجيح، إذاً: إذا كانت الياء .. ياء المنقوص رابعةً جاز فيها وجهان: الحذف والقلب، فتقول في النَّسب إلى (قاضٍ): قَاضِيٌّ، بالحذف، وهو أجود من: قَاضَوِيٌّ، تُبقي الياء وتقلبها واواً وتفتح ما قبلها، وسيأتي:
وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً ..
إذاً: (وَالْحَذْفُ فِي الْيَا) من المنقوص حال كون الياء (رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ قَلْبٍ) يعني: من قلب الياء، التنوين هنا عِوَضٌ عن المحذوف، فتقول: قَاضِيٍّ .. قَاضَوِيٌّ، يجوز فيه الوجهان، والحذف أرجح.


(وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ): قَلْب ثَالثٍ حتمٌ، (حَتْمٌ) هذا خبر مُقدَّم بمعنى أنَّه يجب (قَلْبُ ثَالِثٍ)، (ثَالِثٍ) أطلقه النَّاظم، قلنا: في الرابع الألف المقصورة .. الثالثة سَكَت عنها، والياء هنا ذكر الخامسة والرابعة وأطلق: (ثَالِثٍ) فعمَّ النوعين، يعني: (وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ) من ثالث (الفتى) .. الألف المقصورة إذا وقعت ثالثةً، لأنَّه لم يُبيِّن حكمها فيما سبق، وكذلك ياء المنقوص إذا وقعت ثالثة كـ: شَجِي، ما حكمها؟ القلب .. تَعيَّن فيها القلب .. وجب قلب الألف في (الفتى) واواً، هذا في المقصور إذا وقعت ثالثةً، ووجب قلب الياء في المنقوص واواً إذا وقعت ثالثةً.
إذاً: بَيَّن حكم الألف التي للتأنيث فيما إذا وقعت رابعةً وخامسةً، وقلنا: بقي الثالثة لم يَتعرَّض لها، ما حكمها؟ وجب قلبها واواً، فتقول في (فتى): فَتَوِيٌّ، وجب لكون الألف المقصورة هنا وقعت رابعةً.
كذلك في (شَجَى .. شَجِي، هنا وقعت ياء المنقوص ثالثةً، ما حكمها؟ بَيَّن: الخامسة وجب الحذف، الرابعة فيها وجهان، الثالثة يجب القلب، فتقول: شَجَوِيٌّ، ولا تقل: شَجَيٌّ، بالقلب .. قلب الياء واواً.
إذاً قوله: (وَحَتْمٌ) هذا تأكيد، يعني: واجب، (قَلْبُ ثَالِثٍ)، (قَلْبُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ثَالِثٍ) أطلق النَّاظم هنا فيشمل ياء المنقوص والألف المقصورة، (وَحَتْمٌ) هذا خبر مُقدَّم و (يَعِنّْ) بمعنى: يعرض، والضمير هنا يعود على: الثالث، والجملة صفة لـ (ثَالِثٍ)، سواءٌ كان ياء المنقوص، أو ألف المقصور فهو حكمٌ عام نحو: عَمٍ وفتى، فتقول فيهما: عَمَوِيٌّ وَفَتَوِيٌّ.
وإنَّما قُلِبت الألف في (فتى) واواً .. (فتى) قلنا: أصلها: فتيان .. فتية، الألف منقلبة عن ياء، وهنا قلنا: تُقْلَب واواً، لماذا لم ترجع إلى أصلها؟ إذاً: ما رَجَعت إلى أصلها، وإنَّما قُلِبت واواً، لو رجعت إلى أصلها لقلبت ياءً، هنا قيل: فَتَوِيٌّ، نقول: قُلِبت الألف في (فتى) واواً وأصلها الياء؛ كراهة اجتماع الكسرة والياءات، يعني: فراراً من الثِّقَل، لأنَّك لو قلبتها ياءً، ثُمَّ عندنا ياءان، وعندنا كسرة، صار فيها ثِقَل على اللسان، وسيأتي هناك الحذف إذا اجتمع عندنا ثلاث ياءات، أو أربعة ياءات.
(وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ).
قال الشَّارح: يعني: أنَّ ألف الإلحاق المقصورة كألف التَّأنيث فِي وجوب الحذف، إن كانت خامسةً كـ: حَبَرْكَى وَحَبَرْكِى، وجواز الحذف والقلب إن كانت رابعةً كـ: عَلْقَى وَعَلْقِي وَعَلْقَوِي .. جواز الوجهين، ولكن المختار هنا القلب عكس ألف التأنيث، وأما الألف الأصلية فإن كانت ثالثةً قُلِبت واواً.
انظر! ابن عقيل هنا: ألف الإلحاق المقصورة كألف التأنيث ثُمَّ قال: "المختار هنا القلب عكس ألف التأنيث" لم يُسَوِ بينهما، مع أنَّ النَّاظم قال: (مَا لَهَا) ثبت لها.
وأما الألف الأصلية فإن كانت ثالثةً قُلِبت واواً كـ: عصاً وَعَصَوَي، وَفَتَىً وَفَتَوِي، وإن كانت رابعةً قُلِبت أيضاً واواً كـ: مَلْهَوي، وربما حُذِفت كـ: مَلْهِي، والأول هو المختار، يعني: جاز فيها الوجهان لكن لا على السواء.


وإليه أشار بقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) أي: يُخْتَار، يُقال: اعْتَمَيْتُ الشَّيء أي: اخترته، وإن كانت خامسةً فصاعداً وجب الحذف كـ: مُصْطَفِي في: مُصْطَفى، وإلى ذلك أشار بقوله:
وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ..
عام هذا .. وأشار بقوله: (كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ) إلى آخره: إلى أنَّه إذا نُسِب إلى منقوصٍ فإنْ كانت ياؤه ثالثةً قُلِبت واواً، وَفُتِح ما قبلها نحو: شَجَوِي في (شَجٍ)، وإن كانت رابعةً حُذِفت نحو: قاضي في (قَاضٍ)، وقد تُقْلَب واواً نحو: قَاضَوِىٌّ، وإن كانت خامسةً فصاعداً وجب حذفها كـ: مُعْتَدِىٍّ في (مُعْتَدٍ)، ومُسْتَعْلِىٍّ في (مُسْتَعْلٍ)، و (الحبركى): ذَكَر القُرَاد، والأنثى: حَبَرْكَاةٌ، و (العَلْقَى): نبتٌ، واحدة: علقاة.
وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً وَفَعِلْ ... وَفُعِلٌ عَيْنَهُمَا افْتَحْ وَفِعِلْ

(فِعِلْ) بكسرتين.
(وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً) يعني: إذا قَلَبْتَ في المنقوص واواً افتح ما قبله، ولذلك: شَجَوِي، تفتح ما قبله يعني: يكون ما قبل الواو مفتوحاً، لأنَّ الواو هذه مُنقلِبة عن ياء، إذاً: ما قبلها يكون مكسوراً، وأيُّهما أسبق: فتح ما قبل الياء أولاًّ ثُم تُقْلَب، أو العكس؟
(وَأَوْلِ) يعني: أتبع، (ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً)، (وَأَوْلِ) هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العِلَّة، والفاعل أنت، (ذَا) مفعول أول يحتمل أنَّه بمعنى: صاحب، (ذَا الْقَلْبِ) يعني: صاحب القلب، يعني: الحرف المقلوب، حينئذٍ هو مضاف، و (الْقَلْبِ) مضافٌ إليه، ويحتمل أنَّ (ذَا) إشاريَّة .. اسم إشارة، (أَوْلِ ذَا الْقَلْبَ) (الْقَلْبَ) بِمعنى: المقلوب، نعت أو بدل أو عطف بيان، (انْفِتَاحاً) هذا مفعول ثاني لـ (أَوْلِ)، والمراد هنا: أي أنَّ ياء المنقوص إذا قُلِبت واواً فُتِح ما قبلها، ومتى تُقْلَب واواً؟ قد تُقْلَب واواً وجوباً وجوازاً، جوازاً إذا كانت رابعةً، ووجوباً إذا كانت ثالثةً، في الموضعين افتح ما قبل الواو، لأنَّ هذه الواو منقلبة عن ياء وما قبلها مكسور، إذاً: وجب قلب ما قبل الواو فَتحةً.
وظاهر كلام النَّاظم: (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً) يُفِيد تَبَعِيَّة الحرف المقلوب للفتح، يعني: أولاً تقلب ثُم تفتح، والصواب العكس: أنَّك تفتح أولاً ثُم تَقلِب، ظاهر عبارة النَّاظم (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً) .. (أَوْلِ ذَا الْقَلْبِ) يعني: المقلوب أوله .. أتبعه (انْفِتَاحاً) هذا ظاهر العبارة وسيأتي لها توجيه.
والتحقيق: أنَّ الفتح سابقٌ للقلب، يعني: قبل أن تقلب تفتح، وذلك أنَّه إذا أُرِيد النَّسب إلى نحو (شَجٍ) فتحت عَينَه، كما تفتح عين (نَمِر) .. سيأتي (فَعِلْ)، فإذا فتحت انقلبت الياء ألفاً: شَجِي .. شَجَيَا، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً: شَجَيَا.


فتحت عينه كما تفتح عين (نَمر)، فإذا فتحت انقلبت الياء ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، فيصير: شَجَا كـ (فَتَى)، ثُمَّ تُقْلَب ألفه واواً كما تُقْلَب في: فتى، إذاً: الواو في (شَجَوِي) انقلبت عن ألف لا عن ياء، هي انقلبت عن ياء، لأنَّها ياء المنقوص لكنَّها ليست مباشرة، وإنَّما بواسطة قلب الياء ألفاً، ثُم بعد ذلك تُقْلَب الألف واواً، إذاً: الفتح سابقٌ على القلب.
وأمَّا عبارة النَّاظم في ظاهرها تُفِيد تَبَعيَّة الحرف المقلوب للفتح، (وَأَوْلِ) صاحب القلب يعني: المقلوب، (انْفِتَاحاً) إذاً: اقلب أولاً ثُمَّ أتبع (انْفِتَاحاً) .. هذا ظاهر العبارة، ويمكن أن يُجاب: بأن يبقى القلب على معناه المصدري، يعني لا نقول: القلب بِمعنى المقلوب، وإنَّما المراد به المعنى المصدري، نعتاً أو بدلاً أو بياناً من (ذَا) الإشاريَّة، فيُفِيد حينئذٍ سبق الفتح على نفس القلب، لأنَّ المفعول الأول فاعلٌ في المعنى، فيكون كلامه صريحاً في أنَّ القلب ولِيَ الفتح.
الاعتراض يَرِد على ماذا؟ إذا أعربنا (ذَا) بمعنى: صاحب، لأنَّ صاحب هنا في قوة التأويل، حينئذٍ كأنك قلت: وَأَوْلِ المقلوب انفتاح، إذاً: حصل القلب، وقع الإشكال، لكن لو قلت: (أَوْلِ ذَا الْقَلْبِ)، ثُم (ذَا الْقَلْب) هذا مفعولٌ أول، وهو في المعنى فاعل، (انْفِتَاحاً) حينئذٍ يقتضي أن يكون الانفتاح سابقاً على القلب، فنجعل القلب بالمعنى المصدري، يعني: لا نُؤَوِّله بالمقلوب، لو نَزَّلنَاه على المعنى الذي يُراد به .. لو جعلنا (ذَا) بمعنى: صاحب، حينئذٍ وقع الحَدَث .. وقع القلب، أوله انفتاحاً بعد قلبه .. هذا المراد، لكن لو جعلناه على المعنى المصدري: القلب من حيث هو .. المعنى قبل أن تقلب حينئذٍ يُؤَوَّل إذا صغَّرته كما ذكرناه سابقاً (أَوْلِ ذَا الْقَلْبَ انْفِتَاحاً) فإذا أردت القلب حينئذٍ أَوْلِ الذي تريد قلبه انفتاحاً .. صار على معناه الأصلي، هنا عَبَّر الصَّبَّان بقوله: "بأن يبقى القلب على معناه المصدري نعتاً أو بدلاً أو بياناً من (ذَا) الإشاريَّة" إذاً: لا نجعل (ذَا) بمعنى: صاحب، "فيُفِيد سبق الفتح على نفس القلب، لأنَّ المفعول الأول فاعلٌ في المعنى، فيكون كلامه صريحاً في أنَّ القلب ولِيَ الفتح".
(وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبَ انْفِتَاحاً) ثُمَّ قال:
. . . . . . . . . . . . . وَفَعِلْ ... وَفُعِلٌ عَيْنَهُمَا افْتَحْ وَفِعِلْ

يعني: أنَّ المنسوب إليه إذا كان ثُلَاثِيَّاً وعينُه مكسورة مُطلقاً، سواءٌ كانت الفاء مفتوحة نحو: (فَعِلْ) كـ: نَمِرْ، أو (فُعِل) فاؤه مضمومة كـ: دُئِلْ، أو (فِعِلْ) كـ: إِبِل، إذا نسبت إليه تَقْلِب الكسرة فتحة .. كسرة العين: نَمِرْ .. نَمَرِيٌّ، تفتح العين (دُئِل): دُئَلِيٌّ، (إِبِل): إِبَلَيٌّ، (بِلِز): بِلَزِيٌّ، تقلب حركة العين فتحة، لئلا تتوالى عندك كسرة وياءات.
يعني: أنَّ المنسوب إليه إذا كان ثُلَاثِياً مكسور العين، وجب فتح عينه سواءٌ كان مفتوح الفاء كـ: نَمِر، أو مكسورها كـ: إِبِل، أو مضمومها كـ: دُئِل، فتقول فيها: (نَمَرِيٌّ) و (إِبَلِيٌّ) و (دُؤَلِي) كراهة اجتماع الكسرة مع الياء.


إذاً قوله: (وَفَعِلْ) مبتدأ، (وَفُعِلْ) كـ: دُئِل، معطوفٌ عليه (افْتَحْ عَيْنَهُمَا) متى؟ في النَّسب، (عَيْنَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (افْتَحْ)، (وَفِعِلْ) ما إعراب (فِعِلْ)؟ معطوف على الهاء، (عَيْنَهُمَا) وهنا لم يُعِد المضاف؛ لأنَّ النَّاظم لا يرى وجوب ذلك، حينئذٍ يكون التقدير: (وَفِعِلٍ) معطوف بالخفض على قوله: (عَيْنَهُمَا)، يعني: وعين فِعِلٍ .. قُصِد لفظه، (وعين فِعِلٍ) عطفه على الضمير في قوله: (عَيْنَهُمَا)، والنَّاظم لا يشترط في العطف على الضمير المجرور إعادة العامل كما سبق: (وَعَوْدُ خَافِضٍ).
إذاً: (وَفِعِلٍ) بالخفض عطفاً على الضمير المضاف إليه، (عَيْنَهُمَا) لأنَّ (عَيْنَ) مفعولٌ به وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الضَّم في محل جر مضاف إليه، والميم والألف هذه ملحقات، المضاف والمضاف إليه: (عين) و (الهاء)، والميم: حرف عِمَاد، والألف هذا دلالة على التَّثنية.
إذاً: المضاف إليه هو الهاء، عطف عليه: (وَفِعِلٍ)، ويجوز أن يكون (فِعِلْ) مبتدأ محذوف الخبر، (وَفِعِلٌ) كذلك يعني: في وجوب فتح العين، لأنَّه قال: (افْتَحْ) أنت (عَيْنَهُمَا) إذاً: الفتح واجب للتَّخلُّص من الكسر ثُمَّ ياء، إذاً: (وَفِعِلٌ) كذلك في وجوب فتح العين.
قال الشَّارح: يعنى أنَّك إذا قلبت ياء المنقوص واواً وجب فتح ما قبلها نحو: شَجَوِي وَقَاضَوِي، وأشار بقوله: (وَفَعِلٌ) .. إلى آخره، إلى أنه إذا نُسِب إلى ما قبل آخره كَسْرَةٌ، وكانت الكسرة .. " هو ثلاثي والنَّاظم عَيَّن الثلاثي، لَمَّا قال: (فَعِلٌ) و (فُعِلْ) و (فِعِلْ) ما سَمَّى إلا الثلاثي فقط، دَلَّ على أنَّ النَّاظم يعني به: الثُّلاثي، فُهِم من اقتصاره على الثلاثي: أنَّ ما زاد على الثلاثة مِمَّا قبل آخره كسرة لا يُغَيَّر، لَمَّا اقتصر النَّاظم على الثلاثي مفهومه: أنَّ ما زاد على الثلاثة مِمَّا قبل آخره كسرة لا يُغَيَّر .. يبقى على حاله، فاندرج في ذلك صور:
- الأولى: ما كان على خمسة أحرف نحو: جَحْمَرِشٌ، إذاً: قبل الأخير كسرة وهو خماسي.
- الصورة الثانية: ما كان على أربعة أحرف مُتَحَرِّكات نحو: جُنَدِلْ، إذاً: ما قبل آخره كسرة لَكنَّه رباعي.
- والثالثة: ما كان على أربعة أحرف وثانيه ساكن نحو: تَغْلِب، ما قبل الباء مكسور.
فالأولان لا يُغَيَّران: جَحْمَرِشٌ .. جَحْمَرِشِيٌّ، تبقى الكسرة كما هي: جُنَدِلْ .. جُنَدَلِيٌّ، إذاً: تبقى كما هي الكسرة ولا تُغَيَّر.
وأمَّا الثالثة ففيه وجهان: الأرجح أو الأعرف أنَّه لا يُغَيَّر، والآخر أنَّه يُفْتَح، وقد سُمَِع الفتح مع الكسرة في: تَغْلَبِي .. تَغْلِبِي، وفي القياس عليه كذلك: يَحْصُبِي وَيَحْصِِبي وَيَحْصَِبي، وَيَثْرِبِي وَيَثْرَبِي، وفي القياس عليه خلاف: أي على الفتح، فذهب المُبَرِّد وابن السَّرَّاج إلى اطِّراده، وهو عند الخليل وسيبويه شاذ مقصور على السَّماع.
إذاً: جَحْمَرِشٌ، والثاني وهو: جُنَدِل، والثالث وهو: تَغْلِب، بأن كان الثاني ساكن، نقول: الأول والثاني يبقى كما هو، وأمَّا الثَّالث ففيه وجهان: سُمِع فيه الفتح والكسر، ولكن الفتح عند سيبويه والخليل شاذ.


قال الشَّارح: وأشار بقوله: (وَفَعِلٌ) إلى آخره إلى أنَّه إذا نُسِب إلى ما قبل آخره كسرة، وكانت الكسرة مسبوقة بحرفٍ واحدٍ وجب التَّخفيف بجعل الكسرة فتحة، فتقول في (نَمِْر): نَمَرِي، (دُئِل): دُؤَلِي، (إِبِل): إِبَلِي".
وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ ... وَاخْتِيرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَرْمِيُّ

هذا سبق من الشطر الأول في السابق: وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ، هذه المسألة تَقدَّمت في قوله:
وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ ..
لكن أعادها هنا للتَّنبيه على أنَّ من العرب من يُفَرِّق بين ما ياءاه زائدتان كـ: الشَّافعي، وما إحدى ياءه أصليه كـ: مرمي، فيوافق في الأول على الحذف، فيقول في النَّسب إلى (الشافعي): شافعي، وأمَّا الثاني فلا يُحْذَف ياؤه بل يحذف الزائدة منهما، ويقلب الأصليَّة واواً، فيقول حينئذٍ في النَّسب إلى (مرمي): مرموي، وهي لغةٌ قليلة المختار خلافها.
قال أبو حيَّان: "وشذ في (مَرْمِي): مَرْمَوِي" يعني: يعتبره شاذَّاً.
وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ ..
(مَرْمَوِيٌّ) نائب فاعل لـ: (قِيلَ)، (فِي الْمَرْميِّ) مُتعلِّقٌ به.
وَاخْتِيرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَرْمِيُّ ..
وإن كان ذاك موافق إلا أنَّه من حيث الاستعمال في الاختيار (مَرْمِيّ) فهو مُقدَّم وأرجح على (مَرْمَوِيٌّ)، (وَاْختِيرَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (مَرْمِيّ) نائب فاعل، (فِي اسْتِعْمَالِهِمْ) مُتعلِّق به.
قد سبق أنَّه إذا كان آخر الاسم ياءً مُشدَّدة مسبوقة بأكثر من حرفين وجب حذفها في النَّسب، فيقال في (الشافعي): شَافِعيٌّ، وفي (مَرْمِيّ): مَرْمِيٌّ، وأشار هنا إلى أنَّه إذا كانت إحدى الياءين أصلاً والأخرى زائدة، فمن العرب من يكتفي بحذف الزائدة منهما، ويُبقي الأصلية ويقلبها واواً، فيقول في (المَرْمِيّ): مَرْمَويّ وهي لغةٌ قليلة، والمختار اللغة الأولى وهي: الحذف، سواءٌ كانتا زائدتين أم لا، فتقول في (الشافعي): شَافِعيّ، وفي (مَرْمِي): مَرْمِيّ.
وَنَحْوُ حَيٍّ فَتْحُ ثَانِيهِ يَجِبْ ... وَارَدُدْهُ وَاواً إِنْ يَكُنْ عَنْهُ قُلِبْ

(وَنَحْوُ حَيٍّ) هذا اللفظ ياءٌ مُشدَّدة قبلها حرفٌ واحد:
وَنَحْوُ حَيٍّ فَتْحُ ثَانِيهِ يَجِبْ ..
فإن كانت الياء الأولى مُنقلبة عن واو وجب قلبها واواً .. ردَّها إلى أصلها، فتقول (طَيْ): طَوَوِي .. (حَيْ): حَيَوِي، بإثبات الياء الأولى وقلب الثانية، (وَارْدُدْهُ وَاواً)، (ارْدُدْهُ) أي: الثاني، (وَاواً إِنْ يَكُنْ) ثانيه (عَنْهُ) عن الواو (قُلِبْ)، فإن لم يكن مُنقلباً عن الواو بل أصله ياء ثَبَت على ما هو عليه.


أي: إذا نُسِب إلى ما آخره ياءٌ مُشدَّدة، فإمَّا أن تكون مسبوقةً بحرفٍ، أو بحرفين، أو ثلاثةٍ فأكثر .. إمَّا أن تكون هذه الياء المُشدَّدة مسبوقة بحرفٍ واحد نحو: حي، أو حرفين - سيأتي هذا وسيفردها ببيت - أو ثلاثةٍ فأكثر، فإن كانت مسبوقةً بحرفٍ لم يُحْذَف من الاسم شيء عند النَّسب، ولكن يُفْتَح ثانيه وَيُعَامل معاملة المقصور الثلاثي، فإن كان ثانيه ياءٌ في الأصل لم تزد على ذلك، كقولك في (حَيٍّ): حَيَوِيّ، فتحت ثانيه وهو الياء فَقُلِبت الياء الأخيرة ألفاً: حَيَويّ، الياء المُشدَّدة الأخيرة ياء النَّسب: وَحَيّ، الياءان مُشدَّدة، الأولى فُتِحَت فانْفكَّ الإدغام، لأنَّ الياء الأولى ساكنة، إذا حرَّكتها انْفكَّ الإدغام، وقلبت الياء الثانية واواً قلت: حَيَوِيٌّ.
فتقول في (حَيٍّ): حَيَوِيّ، فتحت ثانيه فقلبت الياء الأخيرة ألفاً لتَحرُّكِها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ قُلِبت واواً لأجل ياء النَّسب، وإن كان ثانيه في الأصل واواً رَدَدْتَه إلى أصله، إذا كان (حَيّ) قلنا: الياء الأولى أصلية .. ليست منقلبة عن واو، لكن (طَيّ) الياء الأولى من (طَوَيْتُ) .. الياء الأولى مُنقلبة عن واوٍ، حينئذٍ إذا حَرَّكته قلبت الياء واواً .. رجعت إلى أصلها فتقول: طَوَوِيٌّ، وإن كان ثانيه في الأصل واواً رددته إلى أصله فتقول في (طَيٍّ): طَوَوِيّ، لأنَّه من (طَوَيْت)، وإن كانت مسبوقةً بحرفين - وهذا سيأتي حكمها - كذلك إن كانت مسبوقةً بثلاثة فأكثر هذا تَقدَّم في السابق في قوله:
وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ ..
قلنا: إن كانت رابعةً فصاعداً، كذلك الثالث (كرسي) تُحْذَف، وأمَّا إن كانت مسبوقةً بحرفٍ أو حرفين، الحرفين سينص عليه، وأمّا حرفٌ واحد ففيه التفصيل الذي ذكرناه.
(وَنَحْوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (حَيٍّ) مضافٌ إليه، (فَتْحُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (ثَانِيهِ) مضافٌ إليه، (ثَانِيهِ) يعني: ثاني حي، (يَجِبْ) الضمير يعود إلى (فَتْحُ ثَانِيهِ) الواجب هو الفتح، والجملة خبر المبتدأ الثاني (فَتْحُ)، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، (نَحْوُ) هذا مبتدأ أول، (فَتْحُ) مبتدأ ثاني، (يَجِبْ) خبر المبتدأ الثاني، (فَتْحُ) مضاف، و (ثَانِيهِ) مضاف إليه.
(وَارْدُدْهُ)، (ارْدُدْ) فعل أمر والفاعل أنت، والضمير هنا مفعولٌ أول، (وَاواً) مفعولٌ ثاني، (ارْدُدْهُ) الضمير يعود إلى الثاني، (فَتْحُ ثَانِيهِ) (ارْدُدْهُ) يعني: الثاني واواً .. رُدَّه إلى أصله، متى؟ (إِنْ يَكُنْ) ثانيه (عَنْهُ) عن الواو، (قُلِبْ) الضمير يعود إلى الثاني، (إِنْ يَكُنْ) الضمير المستتر هنا اسم (يَكُنْ)، (عَنْهُ) يعني: عن الواو، (قُلِبْ) هو أي: الثاني، والجملة خبر (يَكُنْ)، فُهِم منه: أنَّ الياء الأولى إذا كانت ياءً أصلية .. بالأصالة بقيت على حالها كما في: حَيٍّ، ولم يَنصَّ عليه، لأنَّه مثَّل بـ: حَيّ.


إذاً مُراده بهذا البيت: أنَّه إذا تَقدَّم على الياء حرفٌ واحد ونسبت إليه، لم يُحذف منه شيء، بل يُفْتَح ثانيه وهو الياء الساكنة المدغمة الأخيرة، فإن كان أصله واواً رددتها فقلت في (طَيٍّ): طَوَوِي، وإنَّما قُلِبت الياء الأخيرة واواً (طَوَوِي) لماذا؟ قالوا: العِلَّة هي العِلَّة في (الفتى): فَتَوِي، قلنا: لئلا تكون عندنا ياء وقبلها كسرة، فالعِلَّة هي العِلَّة.
قال الشَّارح: وأشار هنا إلى أنَّها إذا كانت مسبوقةً بحرفٍ واحدٍ لم يُحْذَف من الاسم في النَّسب شيء، بل يُفْتَح ثانيه وَيُقْلَب ثالثه واواً، ثُمَّ إن كان ثانيه ليس بدلاً من واوٍ لم يُغَيَّر، وإن كان بدلاً من واوٍ قُلِب واواً .. رجع إلى أصله، فتقول في (حَيٍّ): حَيَوِي، لأنه من: حييتُ، وفي (طَيّ) أصله (طَوَى): طَوَوِيٌّ، لأنه من: طويتُ.
وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ

هذا ما يَتعلَّق بالخامس والسادس مِمَّا يجب حذفه من الأخير وهو: علامة التَّثنية، وعلامة جمع التَّصحيح.
(وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ) يعني: علامته، (عَلَم) مضاف، و (التَّثْنِيَةِ) مضافٌ إليه، (احْذِفْ لِلنَّسَبْ) يعني: لأجل النَّسب.
وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ ..
(مِثْلُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذَا) المشار إليه الحذف للنسب، (جَمْعِ تَصْحِيحٍ) مُتعلِّق بقوله: (وَجَبْ)، (جَمْعِ) مضاف، و (تَصْحِيحٍ) مضاف إليه، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (وَجَبْ)، (وَجَب ذَا) الذي هو: حذف العلامة للنَّسب، إذاً: عاد الضمير إلى العلامة .. إلى المضاف دون المضاف إليه، لأنَّه لو رددته إلى المضاف والمضاف إليه وقَعْتَ في لَبسٍ.
حذف علامة التَّثنية من جمع تصحيحٍ، هذا ما يتأتَّى، إنَّما عاد الضمير على المضاف دون المضاف إليه، إذاً: (وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ) أي: علامته، (احْذِفْ) وجوباً، (لِلنَّسَبِ) لأجل النَّسب، (وَمِثْلُ ذَا) الحذف السابق .. العلامة، (وَجَبْ فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ)، (مِثْلُ) مبتدأ، (وَجَبْ) الجملة خبر.
إذاً: إذا أرَدْتَ أن تَنْسِب إلى ما فيه ألفٌ ونون: زيدان، تحذف الألف والنون تقول: زَيْدِي .. (زَيْدِين) تقول: زَيْدِيِّ كذلك، فيستوي حينئذٍ النَّسبة إلى المفرد وإلى المثنَّى والجمع، ولذلك الشُّرَّاح أكثرهم .. الشَّارح والمُرادِي والأشْمًونِي حملوا البيت هنا على النَّسبة إلى المثنَّى والجمع، يعني: إذا سمَّيت رجلاً بـ: زيدان، وسمَّيت رجل بـ: زيدون، ونسبت إليه، لكن المكودي أبى وجعل هنا النَّسبة إلى المفرد.
وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ..
حينئذٍ تحذف من أجل أن تنسب إلى المفرد، لا أن تنسب إلى المثنَّى نفسه، لماذا؟ لأنَّك إذا جعلت الحكم مُعلَّقاً على المفرد .. على واحد المثنَّى وواحد الجمع، أُخِذ منه المثنَّى والجمع، وإذا عكست قد لا يُؤْخَذ منه المفرد.


عندنا أمران: زيدان، إذا أردت النَّسبة إلى واحده، حينئذٍ تحذف الألف والنون وتنسب إلى (زيد) لا إلى (زيدان) .. تحذف الألف والنون وتنسب إلى (زيد)، وهذا واضح تقول: زَيْدِيّ .. (مسلمون): مُسلِمِيِّ، تنسب إلى المفرد، وإذا سُمِّي بـ: (زيدان) و (زيدون) (مسلمون) و (مسلمات)، الحكم عين الحكم في المفرد: تحذف الألف والنون، والألف والتاء، والواو والنون، والياء والنون، وتنسب إلى المفرد، حينئذٍ نسبت إلى المفرد تبعاً لا أصالةً، وعلى رأي المكودي نسبت إلى الواحد أصالةً لا تبعاً، على كُلٍّ: النتيجة واحدة، وإنَّما المراد ما مقصود النَّاظم بهذا البيت: هل هو مقصوده واحد المثنَّى، أو المثنَّى نفسه إذا نسبت إلى المثنَّى؟ كله مُحتمِل، لأنَّ الحكم مُتَّحِد.
إذاً: وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ إلى المفرد أو إلى المثنَّى؟
مُحتمل، على ما ذهب إليه المكودي: للنسب إلى المفرد، فأنت أردت: زيد، زيدان لا تنسب إلى اللفظ، وإنَّما ارجع إلى المفرد لو قلت (زيد): زَيْدِيٌّ، وإذا سُمِّي بـ: زيدان، صار مدلوله مفرد، حينئذٍ كيف تنسب إلى (زيدان)؟ كما تنسب إلى المفرد فتحذف الألف والنون.
عندنا (زيدان) عَلَم، إذا أرَدْتَ النِّسبَة إليه ماذا تصنع: هل تنظر إلى المفرد، أو تنظر إلى اللفظ نفسه؟ تنظر إلى اللفظ نفسه على ظاهر العبارة هنا، فتأتي إلى الألف والنون تحذفها، وتأتي بالياء المُشدَّدة تقول: زَيْديٌّ، كذلك: زيدون، تأتي إلى الواو والنون وتحذفها تقول: زَيْدِيٌّ .. استويا.
قال المكُودِي: يعني: أنَّك إذا نَسَبْتَ إلى مثنى أو مجموعٍ على حده، حذفت العلامة ونسبت إلى الواحد، فتقول في النَّسب إلى (زَيْدِيِن) و (زَيْدَين): زَيْدِيٌّ .. – اتَّحَدَا -.
ثُمَّ قال: وحمل الشَّارح كلام النَّاظم على أنَّ ذلك فيما سُمِّي به من المثنَّى والمجموع" وتبعه المرادي، وكذلك الأشموني، والصَّبَّان كلُّّهم على هذا وفيه نظر، والذي ينبغي أن يُحْمَل عليه ما ذكرت، وَيُفْهَم منه: أنَّ حكم ما سُمِّي به من النوعين على لغة الحكاية حكم المثنَّى والمجموع، حتى ابن هشام جعله فيما سُمِّي به.
إذاً: أكثر الشُّرَّاح على أنَّ هذا البيت مُراد النَّاظم به: ما سُمِّي به من المثنَّى، سَمَّيت رجل بـ: زيدان، إذاً: مدلوله مُفرد، وسمَّيت رجل بـ: زيدون، إذاً: مدلوله مفرد.
قال الشَّارح: ويُحْذَف من المنسوب إليه ما فيه من علامة تثنيةٍ أو جمع تصحيح، فإذا سَمَّيت رجلاً - حتى ابن عقيل هنا حمله على المسمَّى بالمثنَّى والجمع - وأعربته بالألف رفعاً، وبالياء جراً ونصباً قلت: زَيْدِيٌّ، فتقول فيمن اسمه (زيدون) إذا أعربته بالحروف: زَيْدِىٌّ، وفيمن اسمه (هندات): هِنْدِىٌّ" وهذا فيه لبس.
إذاً: الخامس والسادس: علامة التثنية، وعلامة جمع تصحيح المُذكَّر، فتقول في النَّسب إلى (زيدان) و (زيدون) علمين معربين بالحروف: زَيْدِيٌّ، وفي النَّسب إلى (مُسْلِمَين) و (مُسْلِمِين) و (مسلمات): مُسْلِمِيٌّ، وفي النَّسب إلى (تمرات): تَمْرِيٌّ بالإسكان، وأمَّا من أجرى المثنَّى مُجرى (حمدان) يعني مُجرى حمدان ماذا؟ ألزمه الألف وأعربه بالحركات، نُعبِّر عنه بـ: سلمان.


والجمع المُذكَّر مجرى (غِسْلِين)، فإنَّه لا يحذف منه شيء، بل يقول في النسب فيمن اسمه (مسلمان): مُسْلِمَانِيٌّ، كما هو .. هذا فيمن أعربه بالحركات، وفي النسب إلى (زيدون) علماً: زَيْدِينِنيٌّ، بقلب الواو نوناً.
ومن أجراه مجرى (هارون)، أو مجرى (عربون)، أو ألزمه الواو وفتح النون قال: زَيْدُونِيٌّ وَمُسْلِمُونِيٌّ، ومن منع صرف الجمع المؤنَّث نَزَّل تاءه مُنَزَّلة تاء (مكَّة) وألفه مُنَزَّلة ألف (جَمَز) وحذفهما، فيقول فيمن اسمه (تَمرات): تَمَرِيٌّ، مثل: جَمَزِيٌّ.
وأمَّا نحو: ضخْمَات، ففي ألفه القلب والحذف (ضَخْمَات) الثاني ساكن، لأنَّها كألف (حُبْلَى) فتقول: ضَخْمَاوِيّ وَضَخْمَوِيٌّ، والحذف هو المختار، وليس في ألف (مسلمات) و (سُرادَقات) إلا الحذف، أي: مِمَّا ألفه خامسة فصاعداً، سواءٌ كان جمعاً لاسمٍ أو صفة، وحكم ما أُلْحِق بالمثنَّى والمجموع تصحيحاً حكمهما، فتقول في النَّسب إلى (اثنين): اثْنِيِّ وثَنَوِيٌّ، وإلى (عشرين): عِشْرِيِّ، وإلى (أُلات): أُلِيٌّ، إذاً: هذه كلها تفريعات على هذه المسألة.
وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ

بهذا انتهت المسائل التي يجب حذفها من آخر الاسم المنسوب إليه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!