شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* الإمالة ... وحدها وبعض أحكامها
* أسباب الإمالة
* موانع الإمالة
* الإمالة خاصة بالأسماء المتمكنة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله
وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم: (الإِمَالَةُ).
أي: هذا باب بيان أحكام الإمالة، وهنا أخَّرها عن الوقف، وفي (الكافية)
قَدَّمها على الوقف، قيل: تقديم الوقف أولى، لأنَّه أهم ويحتاجه
الجميع، بخلاف الإمالة فإنَّها تَخْتصُّ بلغةٍ أو يحتاجها القُرَّاء.
(الإِمَالَةُ) مصدر أَمَاَلَ يُمِيلُ إِمَالَةً، وهو من باب الإقامة،
يعني: أَقَاَمَ .. يُقِيمُ .. إِقَامَةً، مِمَّا عينه مُعتلَّة وهو على
وزن (أَفْعَلَة)، (أَفْعَلَة)، المصدر يأتي على الإفعال، إذا كانت
العين مُعتلَّة حُذِفت بعد قلبها ألفاً، ثُمَّ التقى ساكنان الألف التي
هي العين، والألف التي هي ألف المصدر، ثُمَّ حُذِفت وَعُوِّض عنها
التاء فقيل: إمالة.
وتُسَمَّى: الكسر، (الإِمَالَةُ) تسمى الكسر لِمَا فيها من الإمالة إلى
الكسرة، وَتُسُمَّى: البَطْح، لِمَا فيها من بَطْح الفتحة إلى الكسرة
أي: إمالتها، وأصل (بَطْحُ الشَّيء): إلقاؤه ورميه، ويلزم من ذلك
إمالته، وَتُسَمَّى: الإضْجَاع، وهو كسابقه، إذاً هذه أسماء تُسَمَّى:
الإمالة .. تُسَمَّى: الكسر، وَتُسَمَّى: البَطْح، وَتُسَمَّى:
الإضْجَاع.
وحقيقتها: أنْ يُنَحَّى بالفتحة نحو الكسرة، فتميل الألف إن كان بعدها
ألف نحو الياء، يعني: تأتي بالألف كأنَّها ياء، وهذا الحد أدمج
النَّوعين المشهورين في الإمالة لأنَّها قسمان:
- إمَّا إمالة الألف.
- وإمَّا إمالة الفتحة، وسيذكر النَّاظم النَّوع الأول ثُمَّ النَّوع
الثَّاني.
وإذا قيل: إمالة الفتحة حينئذٍ الفتحة تكون قبل الألف، وإذا أمَلْتَ
الفتحة ثُمَّ جاء بعدها ألف حينئذٍ تُنَحِّي الألف نحو الياء، ولذلك
جمع بينهما في حَدٍّ واحد بأن يُنَحَّى - يعني: يُمَال - بالفتحة نحو
الكسرة، يعني: تأتي بِنُطْقٍ للفتحة قريباً من الكسرة، فإن كان بعدها
ألف نَحَّيْت الألف إلى جهة الياء .. كأنَّها ياء، وإن لم يكن بعدها
ألف حينئذٍ نَحَّيْت الفتحة نحو الكسرة.
إذاً: هما قسمان:
- ألفٌ يُنَحَّى ويُمَال إلى الياء.
- وفتحة تُنَحَّى وَتُمَال إلى الكسرة، والنَّاظم ذكر النَّوعين.
وَمَحَلُّها - (الإِمَالَةُ) - الأسماء المُتَمَكِّنة أمّاً غير
المتمكنة فلا .. والأفعال، هذا هو الغالب فيها على ما سُمِع، وسيأتي
نَصَّاً ذلك في آخر الباب، إذاً: مَحَلُّها (الإِمَالَةُ) إنَّما تكون
في الأسماء المتمكنة والأفعال.
وأمَّا أسبابها فنوعان: لفظي، ومعنوي.
فاللفظي: الياء والكسرة .. إمَّا ياءٌ وإمَّا كسرة كما سيأتي.
والمعنوي: الدَّلالة على ياءٍ أو كسرة.
يعني: ما دَلَّ .. ألفٌ تدلُّ على الياء، لم يُنْطق بالياء، وإنَّما
دَلَّت على الياء، إمَّا لكونها تُمَال .. مآلها إلى الياء، وإمَّا
لكونها مُنقلبة عن الياء، وكذلك الكسرة.
وجملة أسباب إمالة الألف على ما ذكره النَّاظم ستَّة .. إمالة الألف له
ستَّة أسباب، وسيذكرها النظم متوالية:
- الأول: انقلابها عن الياء .. كون هذه الألف منقلبة عن الياء، وهذا
الذي أشار بقوله:
الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ
... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . .
هذا السَّبب الأول: كون الألف منقلبة عن ياء.
السَّبب الثاني: مآلها إلى الياء، كونها تُبْدَل إلى الياء، يعني: هي
ألفٌ لو ثُنِّيَت حينئذٍ نقول: ملهيان.
ثالثاً: كونها بَدَلُ عينٍ ما يُقَال فيه: (فِلْتُ) .. خِفْتُ، العين
هنا ألف بدلٌ عن عين، كُلُّ ما كان على وزن (فِلْتُ) خِفْتُ .. بِنْتُ
.. بِعْتُ، نقول هنا جاء على وزن (خِفْتُ).
رابعاً: ياءٌ قبلها أو بعدها، يعني: من أسباب الإمالة: أن يقع قبل
الألف ياء أو بعدها ياء.
خامساً: كسرةٌ قبل الألف أو بعدها.
سادساً: التَّناسب، وهذا أضعفها كما سيأتي يعني: المجاورة، هي ليست
مشتملة على سبب من الأسباب السَّابقة، وإنَّما لكونها جَاوَرَت ما
أُمِيل فَأُمِيلت معها، مثل صرف الممنوع من الصَّرف: ((سَلاسِلا
وَأَغْلالاً)) [الإنسان:4] (سَلاسِلا) للمناسبة .. لكون (أَغْلالاً)
مصروف فَصُرِفَ معه، هذا مثله .. التناسب، وهذه الأسباب كلها راجعةٌ
إلى الياء والكسرة كما بَيَّنَّا.
وأمَّا الغرض والغاية والفائدة من (الإِمَالَةُ) فهي أحد أمرين:
- أولهما: تناسب الأصوات وتقاربها، وبيان ذلك: أنَّ النُّطق بالياء
والكسرة مُسْتَفِلٌ مُنْحَدِر، والنُّطق بالفتحة والألف مُسْتَعْلٍ
مُتَصَعِّد، وبالإمالة تصير الألف من نمط الياء في الانحدار
والتَّسَفُّلْ.
- وثانيهما: التَّنبيه على أصلٍ أو غيره - وهذا الذي يعنينا - لأنَّك
تَعلم بالإمالة إذا سمعت من يُمِيل، أو وُجِد سبب، أو ساغت الإمالة،
تعلم أنَّ هذه الألف والجملة مُنقلبة عن ياء أو مآلها إلى الياء.
وحكمها: الجواز، يعني: إذا وُجِدت الأسباب لا يَتَعَيَّن وإنَّما يجوز،
فمهما وُجِدَت أسباب الإمالة فإنَّ تركها يُعْتَبَر جائزاً، والأسباب
التي سيذكرها النَّاظم والشَّارح أسبابٌ للجواز لا للوجوب، والإمالة
لغة تميم ومن جاورهم ومن سائر أهل نَجْد كـ: أسد وقيس، والحجازيُّون لا
يُمِيلُون إلا قليلاً في الجملة .. ليست عندهم الإمالة، وإنَّما هي عند
تميم ومن جاورهم، والحجازيُّون ثبت في بعض المواضع أنَّهم يَمِيلُون في
مواضع خَاصَّة.
أشار إلى السَّبب الأول بقوله:
الألِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . .
. . . . . .
(الإِمَالَةُ) أن يُنَحَّى بالألف نحو الياء، يعني: يأتي بالألف
قُرَابة الياء: (وَالضُّحَى) الألف ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا
سَجَى)) [الضحى:1 - 2] يأتي بها كأنَّها قريبةٌ من الياء، وعلى هذا
سِرْ.
الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . .
. . . . . .
(أَمِلْ) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، و (الأَلِفَ)
مفعولٌ مُقدَّم على قوله: (أَمِلْ)، و (الْمُبْدَلَ) نعته، وقوله:
(مِنْ يِا) قصره للضَّرورة جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْمُبْدَلَ)،
إذاً: ألفٌ مُبْدَلٌ من ياء، عندنا علم بأنَّ هذه الألف ليست أصلية،
وإنَّما هي مبدلة من ياء، (فِي طَرَفْ) هذا قيد يعني: كونها
مُتطرِّفَة، ما معنى (فِي طَرَفْ)؟ يعني: لا فاءً ولا عيناً، الفاء لا
إشكال، عين سيأتي تخصيصه.
إذاً: (أَمِلْ الأَلِفَ) هذا السَّبب
الأول: وهو انقلابها عن الياء .. كونها منقلبة عن الياء تميلها
للدَّلالة على أنَّ أصلها الياء وهذا أصلٌ مهم، (الألِفَ الْمُبْدَلَة
مِنْ يِاءٍ فِي طَرِفٍ) (فِي طَرَفْ) هذا صفة (يِا) جار ومجرور
مُتعلِّق بمحذوف صفة للمجرور، (أَمِلْ) أي: سواءٌ في ذلك طرف الاسم أو
طرف الفعل، لأنَّه أطلق النَّاظم هنا، وسبق أنَّ محلَّ الإمالة تكون في
الأسماء المُتَمَكِّنة والأفعال.
إذاً: كل ما سيذكره الأصل فيه أنَّه مُتَّحِد، إن وُجِد هذا السَّبب في
الفعل فهو هو، وإن وُجِد في الاسم كذلك فهو هو.
إذاً: أَمِلْ الألِفَ الْمُبْدَلَة مِنْ يِاءٍ فِي طَرِفْ الاسم، وفي
طرف الفعل، سواءٌ كان ذلك في طرف الاسم نحو: مَرْمَى، (مَرْمَى) هذا
معلوم أنَّ الألف هذه منقلبة عن الياء، لأنَّه مِن: رَمَى .. يرمي،
إذاً: هذه الألف منقلبة عن ياء، حينئذٍ تُمَال هذه الألف لكونها
مُبدَلة عن ياء.
إذاً: السَّبب الأول موجود في نحو: مَرْمَى، والفعل نحو: رَمَى، حينئذٍ
تُمِيل هذه الألف إلى الياء: رَمى، تأتي بها كأنَّها قريبةٌ من الياء،
واحترز بقوله: (فِي طَرَفْ) من الكائنة عيناً وسيأتي حكمها (فِلْتُ)
سيأتي حكما.
إذاً أمل: الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفٍ ..
إذا كانت واقعةً في آخر الكلمة وهي مُبدلة من ياء في طرف فعلٍ أو اسمٍ
أملها .. أمل هذه الألف إلى الياء.
السبب الثاني أشار إليه بقوله:
(كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفاً دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ)
(كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق في إمالة الألف، (الْوَاقِعُ) يعني:
الذي وقع، (الْوَاقِع) مبتدأ، و (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:
(الْوَاقِع)، والضمير عائد على (أَلْ) الذي وقع (مِنْهُ)، (الْيَا) هذا
فاعل (الْوَاقِع)، (خَلَفاً) حال كونه خالفاً، (خَلَفاً) حال، وقَف
عليه بالسُّكون على لغة ربيعة، فهو حالٌ من الياء.
(دُونَ مَزِيدٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (الْوَاقِعُ) أو (خَلَفْ)،
(دُونَ) ظرف مكان مُتعلِّق بقوله: (الْوَاقِعُ) أو (خَلَفْ).
. . . . . . . . . . . . . . . . ... . . كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ
الْيَا خَلَفْ
دُونَ مَزِيدٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . .
.
(دُونَ) مضاف، و (مَزِيدٍ) مضاف إليه، (أَوْ شُذُوذٍ) معطوف على
(مَزِيدٍ)، يعني: ألا يكون مزيداً .. زائداً، وألا يكون شاذَّاً.
إذاً السبب الثاني: مآلها إلى الياء، كون هذه الألف ليست مُنقلبة عن
ياءٍ، السبب الأول: أَمِلْ الألف المبدلة من ياء، إذاً أصلها: ياء، هنا
ليست مُبدلة من ياء وإنَّما مآلها إلى الياء مثل: مَلْهَى، الألف هذه:
مَلْهَى .. حُبْلَى، الألف هذه ليست مُبدلة عن ياء لكن ثَنِّها:
ملهيان، إذاً صار مآلها إلى الياء هذا المراد، إمَّا أن تكون مبدلة عن
ياءٍ وهو السَّبب الأول، وإمَّا أن يكون مآلها لو ثُنِّيَت أو جُمِعَت
إلى الياء.
كذلك من أسباب (الإِمَالَةُ): الألف التي يكون مآلها إلى انقلابها ياءً
إذا ثُنِّيَت أَوْ جُمِعَت.
كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفاً ..
عنها في تثنيةٍ أو جمعٍ، أي: تُمَال الألف إذا كانت صائرةً إلى الياء،
يعني: مآلها إلى الياء، دون زيادةٍ ولا شذوذ، وذلك نَحو: ألف مَغْزَى
وَمَلْهَى، من كُلِّ ذي ألفٍ مُتَطَرِّفَةٍ زائدةٍ على الثلاثة ونحو:
حُبْلَى وَسَكْرَى، من كُلِّ ما آخره ألف تأنيث، هذان النَّوعان تُمَال
ألفهما، لأنَّها تَؤُول إلى الياء في التَّثنية والجمع، فأشبهت الألف
المنقلبة عن الياء .. أشبهت هذه الألف الألف المنقلبة عن الياء.
إذاًَ السبب الثاني: كون الألف التي تُمَال مآلها إلى الياء، يعني:
تنقلب إلى ياءٍ، فَكُلُّ ألفٍ انقلبت إلى ياء بالشُّروط التي سبق ذكرها
نقول: هذه تُمَال حملاً على الألف المُبدَلة عن الياء، لأنَّها
أشبهتها.
واحترز بقوله (دُونَ مَزِيدٍ): من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادةٍ
كقولهم في تصغير (قَفَا): قُفَيٌّ، (قَفَا) هذه ألف .. هذه صارت ياءً
.. انقلبت ياءً؛ لزيادة ياء التَّصغير قبلها فَقُلِبَت هذه الألف ياءً
فَأُدْغِمَت فيها ياء التَّصغير، إذاً: هنا لم تنقلب الألف إلا من أجل
الزِّيادة، لولا هذه الزِّيادة لَمَا انقلبت هذه الألف ياءً.
إذاً احترز بقوله (دُونَ مَزِيدٍ): من رجوع الألف إلى الياء بسبب
زيادةٍ كقولهم في تصغير (قَفَا): قُفَيٌّ، وفي تكسيره: قِفِيٌّ، حينئذٍ
الألف هنا أُبْدِلت لكن ليست للتَّثنية، وإنَّما لزيادة ياء التَّصغير،
وكذلك للتَّكسير، فلا يُمَال (قَفَا) لذلك.
(أَوْ شُذُوذٍ) احترز بقوله: (أَوْ شُذُوذٍ) من قلب الألف ياءً في
الإضافة إلى ياء المُتكلِّم، هذا في اللغة الفصحى يُعْتَبَر شاذَّاً،
إذا قُلِبَت الألف ياءً لإضافتها إلى ياء المُتكلِّم، هل تُمَال هذه
الألف؟ لا .. لا تُمَال، لكون هذا القلب شاذَّاً فلا يُعَوَّل عليه.
وهذا في لغة هُذَيل، فإنهم يقولون في (عصا) و (قفا): عَصِيٍّ
وَقَفِيٍّ، يعني: (عصا) أضيف إلى ياء المُتكلِّم، ثُمَّ قُلِبت الألف
ياءً، وَأُدْغِمت الياء في الياء، قال: عَصِيٍّ وَقَفِيٍّ، ومن قلب
الألف ياءً في الوقف عند بعض طَيْ نحو: عَصِيّ وَقَفِيّ، فلا تسوغ
الإمالة لأجل ذلك.
وهذا السبب الثاني وهو أيضاً من الألف الواقع طرفاً كالأول. إذاً: هذه
الألف أيضاً وقعت طرفاً كالأول لكنَّها ليست مُبدَلة عن ياءٍ بل مآلها
إلى الياء.
إذاً قوله: (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، والمشار
إليه هنا (كَذَا) أي: مثل تلك الألف المُتَطَرِّفة في إمالتها، لا في
كونها منقلبة عن ياء، وإنَّما في كونها مُتَطَرِّفة تُمَال،
(الْوَاقِعُ) الذي وقع، (الْوَاقِعُ مِنْهُ) (الْوَاقِعُ) قلنا: مبتدأ،
و (الْيَا) فاعِلُه، (الْوَاقِعُ الْيَاءُ خَلَفاً مِنْهُ) متى؟ في
تثنيةٍ أو جمعٍ، كما نقول: مَلْهَيَان وَحُبْلَيَان، (دُونَ مَزِيدٍ
أَوْ شُذُوذٍ).
(خَلَفاً) قلنا: هذا حالٌ من (الْيَا)، (كَذَا الْوَاقِعُ الْيَاءُ
مِنْهُ) (أَلْ) هنا في (الْوَاقِع) تصدق على الألف .. الألف الذي وقع
الياء منه خلفاً، يعني: تخلفه الياء، ليست هي خلفاً عن الياء ..
مُبدَلة عن الياء، لا، الياء تخلفها عكس الأول.
(كَذَا) أي: مثل (ذَا)، الألف الذي وقع
الياء منه خلفاً دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ، فإن كان لزيادةٍ كزيادة
ياء التَّصغير، (أَوْ شُذُوذٍ) كقلب الألف ياءً عند الإضافة لياء
المُتكلِّم نقول: هذا لا يُمَال.
إذاً قوله: (دُونَ مَزِيدٍ) فما كان القلب لأجل الزِّيادة لا يُمَال
الألف، وإن كان القلب شاذَّاً حينئذٍ كذلك لا يُمَال.
. . . . . . . . . . . . وَلِمَا ... تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ مَا
الْهَا عَدِمَا
(وَلِمَا) هذا جار ومجرور، الذي (تَلِيهِ) قلنا: يرجع للألف المنقلبة
عن ياء، والألف الصائرة ياء يعني: عام، (وَلِمَا تَلِيهِ هَا
التَّأْنِيث) سبق أنَّ الموضعين السَّببين إنَّما يكونان في ألفٍ
مُتَطَرِّفة، لو وقعت بعد هاء التَّأنيث؟ هاء التَّأنيث في نيَّة
الانفصال .. الحكم هو هو.
إذاً: وجود هاء التَّأنيث بعد الألف المنقلبة عن ياء، أو الألف
الصَّائرة ياء لا يمنع إمالتها .. لا يخرجها عن كونها مُتَطَرِّفة بل
هي مُتَطَرِّفة كما هي، لأنَّ تاء التَّأنيث في نِيَّة الانفصال.
(وَلِمَا تَلِيهِ) وللذي (تَلِيهِ) قلنا: الضمير هنا (تَلِيهِ هَا
التَّأْنِيثِ) (هَا) هذا فاعل، والضمير في (تَلِيهِ) يرجع للألف
المنقلبة عن ياء، والألف الصائرة ياء، للنَّوعين السابقين .. السَّببين
السَّابقين، (هَا التَّأْنِيثِ مَا الْهَا عَدِمَا) مَا عَدِم الهاء،
(الْهَا) قصره للضرورة مفعول مُقدَّم لقوله: (عَدِمَا)، يعني: للذي
عَدِم الهاء، إذاً: الحكم مُسْتَوٍ في النَّوعين، سواءٌ عُدِمت الهاء،
وهذا الذي أطلقه النَّاظم فيما سبق، أو خُتِم بالتاء.
(وَلِمَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف (مَا) موصول، (تَلِيهِ) فعل
مضارع، و (هَا التَّأْنِيث) قصره للضرورة، فاعل وهو مضاف، و
(التَّأْنِيث) مضاف إليه، والضمير في (تَلِيهِ) مفعول به يعود على
الألف بنوعيها السَّابقين، (مَا الْهَا عَدِمَا) (مَا) هذا اسم موصول
بِمعنى: الذي مبتدأ، و (الْهَا) مفعول مُقدَّم، قصره للضرورة، ما الذي
.. الذي (عَدِمَا) الألف للإطلاق، و (عَدِمَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير
مستتر يعود على (مَا)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول.
أشار به: إلى أنَّ للألف التي قبل هاء التأنيث في نحو: مَرْمَاة وفتاة،
من الإمالة لكونها منقلبة عن الياء ما للألف المتطرفة، يعني: الحكم
سِيَّان، لأنَّ هاء التَّأنيث غير مُعْتَدٍّ بها، فالألف قبلها
مُتَطَرِّفَةً تقديراً، إذاً: (فِي طَرَفٍ) حقيقةً أو تقديراً، فيشمل
ما إذا خُتِم بالتَّاء.
إذاً:
وَلِمَا تَلِيهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ مَا عَدِمَا الْهَا
سَوَّى بينهما في الحكم، وقوله: (مَا الْهَا عَدِمَا) على تقدير مضاف،
أي: حكم مَا الْهَا عَدِمَا، ولِمَا تليه هاء التَّأنيث حكم ما عَدِم
الهاء، إذاً: (مَا) مبتدأ على تقدير مضاف، حكم ما عَدِم التَّاء من
الإمالة ثابتٌ لِمَا يليه هاء التَّأنيث.
قال الشَّارح هنا: " (الإِمَالَةُ): عبارةٌ عن أن يُنَحَّى بالفتحة عن
الكسرة وبالألف نحو الياء " شَمِل النَّوعين، وبعضهم يجعلها قسماً
واحداً، وفي الحقيقة هما قسمان.
وَتُمَال الألف إذا كانت طرفاً بدلاً من
ياء، هذا السَّبب الأول، (طرفاً) يعني: لا فاءً ولا عيناً، والعين
سيأتي التَّفصيل فيها، بدلاً من ياء .. هذا السبب الأول، أو ليست بدلاً
من ياء، وإنَّما هي صائرة إلى الياء دون زيادةٍ أو شذوذ، فالأول إذا
كانت طرفاً بدلاً من ياء كـ: ألف رَمَى وَمَرْمَى، (رَمَى) منقلبة عن
ياء (رَمَيَ) و (مَرْمَى) كذلك، لأنَّه يُقال: رَمَى .. يَرْمِي
بالياء، إذاً: الألف في (رَمَى) وما اشْتُقَّ منه .. وما تُصُرِّف منه
دائماً تكون الألف مُنقلبة عن ياء، لأنَّ الياء أصْليَّة .. لام
الكلمة.
والثاني: وهو ما ليست مُنقلِبة عن الياء، ولكنَّها صائرة إلى الياء كـ:
ألف مَلْهَى فإنَّها تَصِير ياءً في التَّثنية نحو: ملهيان .. حبليان
ونحو ذلك، واحترز بقوله: (دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذ) مِمَّا يصير ياءً
بسبب زيادة ياء التَّصغير نحو: قُفَىٌّ، أو في لغةٍ شاذَّة (قُفَيٌّ)
هنا الألف انقلبت: قَفَا .. يَقْفُو، الألف هذه ليست مُبدلة عن ياءٍ،
وانقلبت ياءً لزيادة ياء التَّصغير قبلها.
أو في لغةٍ شاذَّة كقول هُذِيل في (قَفَا) إذا أُضِيفَ إلى ياء
المُتكلِّم: قَفَيَّ كما سبق هذا، وأشار بقوله:
. . . . . . . . . . . وَلِمَا ... تَلِيهِ هَا التَّأنِيثِ مَا الْهَا
عَدِمَا
إلى أنَّ الألف التي وُجِدَ فيها سبب الإمالة تُمَال، وإن وليتها هاء
التَّأنيث كـ: فتاة وقناة ونحو ذلك.
إذاً نحو: قفا وعصا قلنا هنا: (قُفَيٌّ) هذا لا يُمَال، لأنَّ الألف
هنا مُنقلبة عن واو، فلا نصيب لها في الإمالة، نحو (قفا) و (عصا) تقول:
قَفَوان وَعَصَوَان. نحو (قفا) و (عصا) من الاسم الثلاثي لا يُمَال،
لأنَّ ألفه مُبدَلةٌ عن واوٍ لا عن ياء، ثُمَّ لا يَؤُول إلى الياء إلا
في شذوذٍ أو بزيادةٍ.
إذاً: لم يُوجد فيه السَّببان: قفا .. عصا، الألف هذه قد يقول قائل: قد
تُبْدل ياءً، نقول: هذا إمَّا شاذ إذا أُضِيفت ياء المُتكلِّم في لغة
بعض طَي، أو بزيادة ياء التَّصغير، حينئذٍ لم يُوجد فيها السَّببان ..
انتفى السَّببان .. ليست مُنقلبة عن ياء، ولا تصير ياءً قياساً، القياس
يعني به: ما ذكره النَّاظم هنا.
وأمَّا: دعا وغزا، كذلك (دعا) الألف مُنقلبة عن واواً، و (غزا) الألف
مُنقلبة عن واو، هنا تُمَال بخلاف: قفا وعصا، لأنَّ (قفا) و (عصا)
الألف في اسمٍ، و (غزا) و (دعا) الألف في فعلٍ وفرقٌ بينهما، ويجوز
إمالة الألف في نحو: دعا وغزا، من الفعل، لأنَّك إذا أسندته إلى الضمير
ماذا تقول؟ لأنَّها تَؤُول إلى الياء في نحو: دُعِي وَغُزِي، ليس
أسندته إلى الضمير وإنما إذا صِيغَ لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، حينئذٍ
تُقْلَب الألف ياءً، إذاً: دخلت في السَّبب الثاني: وهو ما يَؤُول إلى
الياء.
ويجوز إمالة الألف في نحو: دعا وغزا، من الفعل الثلاثي، وإن كانت عن
واوٍ لأنَّها تَؤُول إلى الياء، إذاً: وُجِد فيها السَّبب الثاني: وهو
كون هذه الألف تصير ياءً، متى؟ إذا بُنِي لِمَا لم يُسَمَّ فاعله:
دُعِي وَغُزِي، من المبني للمفعول، وهو عند سيبويه مُطَّرِدٌ، وبهذا
يظهر الفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واوٍ.
إذاً: فِعْلٌ ثلاثي واسمٌ ثلاثي، كُلٌّ
منهما مُنْقَلبٌ، المثال فيما إذا كانت الألف منقلبة عن واو، وأمَّا
ياء فهي داخلة في السَّببين السَّابقين. إذا كانت الألف منقلبة عن واوٍ
نقول: عصا وقفا، لا حَظَّ لهما من الإمالة، لماذا؟ لكون الألف منقلبة
عن واوٍ، فليست منقلبة عن ياء .. انتفى السَّبب الأول، ولا تصير ياءً
إلا في شذوذٍ أو زيادة، وما كان كذلك لا تُمَال للزِّيادة ولا
للشُّذوذ، إذاً: انتفت عنها الإمالة فلا تجوز.
وأمَّا: غزا ودعا، وإن انتفى السَّبب الأول: وهو كونها منقلبة عن ياء،
إلا أنَّه وُجِد السَّبب الثاني: وهو أنَّها تَؤُول إلى الياء، وذلك
فيما إذا بُنِي لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، إذاً: فرقٌ بين الثلاثي الذي
فيه ألفٌ مُتَطَرِّفَة منقلبة عن واو بين الاسم والفعل.
وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ
كَمَاضِي خَفْ وَدِنْ
هذا السَّبب الثالث: وهو كونها بدل عين .. ٍ ما يقال فيه: (فِلْتُ)،
إذا كانت العين مُعتلَّة قُلِبت ألفاً، إذا أسْنَدْتَه إلى الضمير
إمَّا أن تقول: (فِلْتُ) أو (فُلْتُ) (فِلْتُ) .. خِفْتُ، (فُلْتُ) ..
قُلْتُ، إن كانت النتيجة (فِلْتُ) تُمَال، وإن كانت (فُلْتُ) كـ:
قُلْتُ، لا تُمَال .. هذا النتيجة.
(هَكَذَا) هذا خبرٌ مُقدَّم، (هَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة
الألف، لأنَّنا في القسم الأول وهو في الألف التي تُمَال، وفي ذكر
أسبابها السِّتَّة.
السَّبب الثالث: أن تكون العين مُنقلِبة ألفاً، ثُمَّ النتيجة: أن يكون
الفعل إذا أُسْنِد إلى الفاعل تقول: (فِلْتُ) بكسر الفاء، أمَّا
(فُلْتُ) لا .. قُلْتُ لا.
(وَهَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق .. هذا خبر مُقدَّم، (بَدَلُ عَيْنِ
الْفِعْلِ) ما هو بدل عين الفعل؟ الألف .. نحن نتحدث عن الألف، (بَدَلُ
عَيْنِ الْفِعْلِ) يعني: إذا أُبْدِلت عين الفعل لا الاسم .. عين لا
فاء، هل يُتَصَوَّر الفاء؟ لا يُتَصَوَّر الفاء، ما تكون الفاء ألفاً
أبداً، لا اللام كذلك، لأنَّ اللام سبق أنَّها إذا أُبْدِلَت فحكمها ما
سبق.
(وَهَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة الألف إذا كانت (بَدَلُ
عَيْنِ) (بَدَلُ) بالرَّفع مبتدأ وهو مضاف، و (عَيْنِ) مضاف إليه،
(عَيْنِ) مضاف، و (الْفِعْلِ) مضاف إليه.
(إِنْ يَؤلْ إِلَى فِلْتُ) ليست مُطلقاً كُلَّما أُبْدِلت العين ألفاً
تُمَال، إن كانت النتيجة: أنَّه يَؤُول (إِنْ) - هذا شرط – يَؤل .. آل
.. يَؤُول ومنه التأويل، هنا (آل) .. (يَؤُول) بمعنى: رجع، إن يرجع إلى
(فِلْتُ)، (إِنْ يَؤلْ) يَؤلْ فعل مضارع فعل الشَّرط مجزومٌ بـ (إِنْ)
وجزمه سكون آخره، (يَؤُلْ) ضمير مستتر يعود على الفعل، (إِنْ يَؤلْ)
الفعل (عَيْنِ الْفِعْلِ) عاد الضمير على المضاف إليه وهذا جائز، أكثر
النُّحاة على المنع: أنَّ الضمير لا يعود على المضاف إليه، وهنا عاد
على المضاف إليه، وهذا جائز على الصَّحيح.
(إِنْ يَؤلْ) يعني: الفعل (إِلَى فِلْتُ)
جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَؤلْ)، و (فِلْتُ) قُصِد لفظه وإلا هو في
الأصل فِعْل، أي: تُمَال الألف أيضاً إذا كانت بدلاً عن عين فعلٍ
تُكْسَر فاؤه حين يُسْنَد إلى تاء الضَّمير، وهذا أشار إليه بقوله:
(فِلْتُ) فِلْتُ الفاء هذه فاء الكلمة .. فاء الفعل كُسِرت، متى؟ تقول:
خَاَفَ يَخَافُ خِفْتُ، متى كسرت الخاء وهي فاء الكلمة؟ لَمَّا
أسْنَدتَه إلى الضمير (خِفْتُ)، لَمَّا سكن ما قبله وهو الفاء لأنَّه
مبني على السُّكون، حينئذٍ التقى ساكنان: العين، وهي الألف المنقلبة عن
العين .. عين الفعل، وسكون البناء، تَخَلَّصنا من الألف.
وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤلْ إِلَى فِلْتُ. . . .
. . . .
أي: تُمَال الألف أيضاً إذا كانت بدلاً من عين فعلٍ تُكْسَر فاؤه حين
يُسْنَد إلى تاء الضَّمير، سواءٌ كانت تلك الألف مُنقلِبة عن واوٍ
مكسورة (كَمَاضِي): خَافَ، أصله: خَوِفَ، إذاً (خَاَفَ) هذه الألف
مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة (خِفْتُ).
وكذلك: كِدْ .. كَادَ .. يَكِيد، (كَادَ) هذه الألف مُنقلِبة عن واوٍ
مكسورة أصله: كَوِدَ، على وزن (فَعِل)، فهي مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة
كماضي: خِفْ وَكِدْ، وهو: خَافَ وكَادَ، أم عن ياءٍ سواءٌ كانت هذه
الألف مُنقلِبة عن ياءٍِ نحو: ماضي بِعْ وَدِنْ، سواءٌ كانت هذه الياء
مكسورة أو مفتوحة الأصل في: دان، أو ياء مكسورة نحو: هاب، حينئذٍ نقول:
الحكم واحد.
إذاً قوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) أطلق النَّاظم هنا، سواءٌ كانت
هذه العين واواً مكسورة، أو ياءً مفتوحة أو مكسورة، ودخل ما إذا كانت
الواو مضمومة، لَكنَّه أخرجه بقوله: (فِلْتُ) بكسر الفاء، كذلك ما إذا
كانت الواو مفتوحة: خَوِفَ، قلنا: الواو تكون مكسورة وأمَّا إذا فتحت
فلا، لا يكون الفعل إذا أُسْنِد إليه تاء الفاعل على وزن (فِلْتُ)،
وإنَّما تُفْتَح فيه الفاء.
إذاً: ماضي بِعْ وَدِنْ، وهو: باع ودان، فإنَّك تقول في الجميع: خِفْتُ
وَكِدْتُ وَبِعْتُ وَدِنْتُ، فيصيران في اللفظ على وزن: (فِلْتُ).
إذاً قوله:
وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ. . .
. . . . .
قوله: (إِنْ يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ) هذا تقييد لقوله: (بَدَلُ عَيْنِ
الْفِعْلِ)، لأنَّ النَّاظم هنا أطلق: (عَيْنَ الْفِعْل) فشملت ما إذا
كانت واواً مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وياءً ما إذا كانت مفتوحة أو
مكسورة أو مضمومة، واختَصَّ الحكم بالواو المكسورة، والواو المفتوحة أو
المكسورة، وخرج ما عدى ذلك بقوله: (فِلْتُ)، (طَالَ) تقول: طِلْتُ،
(قَالَ): قُلْتُ، على وزن (فُلْتُ)، ومثله: طَالَ، لأنَّه من: طَالَ
يَطُول.
قوله: (إنْ يَؤلْ) احترز به من نحو: طال وقال، فإنَّه لا يَؤُول إلى
(فِلْتُ) بالكسر وإنَّما يَؤُول إلى (فُلْتُ) بالضَمِّ، ولذلك تقول:
طُلْتُ وَقُلْتُ، بضمِّ الفاء، ولذلك مَثَّل النَّاظم له بقوله:
(كَمَاضِي خَفْ) أو (خِفْ)؟ تقول: خِفْتُ، لماذا مَثَّل بمثالين؟
مأخوذة من الدِّين .. (دِنْ).
إذاً: مثَّل للواو بـ: خَفْ، وللياء بـ:
دِنْ، ثُمَّ أضاف (كَمَاضِي خَفْ) إذاً: قُصِد لفظه، و (وَدِنْ) كذلك
قُصِد لفظه، فهما اسمان، (خِفْتُ) هذا فعل ماضي، (خَفْ) هذا فعل أمر
فرقٌ بينهما، لَمَّا قلت: خِفْ .. خِفْتُ .. خَفْ، الفاء الأصل أنَّها
مفتوحة، فما كان على: خَفْ، لا إشكال فيه، إنَّما السؤال عن (خِفْتُ)
لماذا قيل: خِفْتُ؟
نقول: هنا خُشِي التباس الباب هل هو من باب (فَعِلَ) أو (فَعَلَ) أو
(فَعُلَ)، حينئذٍ أُلْقِيَت كسرة العين إلى الفاء قيل: خِفْتُ، فهذه
الكسرة لِلدَّليل على أنَّ بابه (فَعِل) لأنَّه لو قيل: خِفْتُ ..
خَاف، الفاء هذه لام الكلمة، أين العين؟ محذوفة، إذا حُذِفت العين
حُذِف الباب، لا نُمَيِّز بين (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فُعَل) إلا
بالعين، فإذا حُذِفت التبس الباب، لأنَّ الفاء مفتوحة، واللام على حسب
ما يَتَّصل بها.
بقي العين، هي التي تُمَيِّز الباب: هل هو من باب (فَعِل) أو (فَعَلَ)
أو (فَعُلَ)، فإذا حُذِفت حينئذٍ لا بُدَّ من دليلٍ عليه.
وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ. . . . . . . . . .
. . . . .
قوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) فُهِم منه: أنَّ بدل عين الاسم لا
تُمَال مُطلقاً، لأنَّه قَيَّده بالفعل، وَفَصَّل بعضهم بين ما هي عن
ياءٍ نحو: نَابَ نَوْباً وَعَابَ بمعنى: العيب فيجوز، وبين ما هي عن
واوٍ نحو: باب ودار، فلا يجوز، (نَابٍ) و (عَابٍ) ليست بفعل، وإنَّما
هي أسماء.
قال الشَّارح: " أي كما تُمَال الألف المُتَطَرِّفَةُ كما سبق تُمَال
الألف الواقعة بدلاً من عين فِعْلٍ يصير عند إسناده إلى تاء الضمير على
وزن (فِلْتُ) بكسر الفاء، سواءٌ كانت العين واواً كـ: خَافَ، أو ياءً
كـ: بَاعَ ودان، فيجوز إمالتها كقولك: خِفْتُ وَدِنْتُ وَبِعْتُ ".
إذاً الحاصل: أنَّ الألف التي هي عين الفعل تُمَال إن كانت عن ياءٍ
مفتوحة في الأصل نحو: دان، أو ياء مكسورة نحو: هاب، مأخوذٌ من الهيبة،
أو عن واوٍ مكسورة نحو: خَاف، فإن كانت عن واوٍ مضمومة نحو: طال، أو
مفتوحة نحو: قال، لم تُمَلْ، وهذا قلنا: أصلها داخل في قوله: (بَدَلُ
عَيْنِ الْفِعْلِ) لأنَّه أطلق، وأخرج ما كانت عينه مضمومة أو مفتوحة
بقوله: (إِنْ يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ)، لأنَّ العين إذا كانت مفتوحة لا
يأتي على وزن (فِلْتُ)، وإنَّما على وزن (فُلْتُ).
وَنُقِل عن بعض الحجازيين إمالة نحو: خَافَ وطَابَ، وفاقاً لبني تميم،
وعَامَّتُهم يُفَرِّقون بين ذوات نحو (خاف) فلا يُمِيلُون، يعني: ما
كان مُنقلباً عن واو، وبين ذوات الياء نحو (طَابَ) فَيُمِيلُون، إذاً:
عَامَّة الحجازيين التَّفريق في باب (خَافَ) ونحوه.
فإن كان الفعل يصير عند إسناده إلى التاء على وزن (فُلْتُ) بِضَمِّ
الفاء امتنعت الإمالة نحو: قال وجال، فلا تُمِلْهَا كقولك: قُلْتُ
وجُلْتُ.
كَذَاكَ تَالِي الْيَاءِ وَالْفَصْلُ اغْتُفرْ ... بِحَرْفٍ اوْ مَعْ
هَا كَجَيْبَهَا أَدِرْ
(كَذَاكَ) هذا إشارة إلى السَّبَب
الرَّابع، وما هو السَّبب الرَّابع؟ ياءٌ قبلها أو بعدها، يعني: أن يقع
قبل الألف ياء أو يقع بعد الألف ياء .. هذا أو ذاك، (كَذَاكَ) أي: مثل
السَّابق في جواز الإمالة .. إمالة الألف (تَالِي الْيَاء) ما كان
تالياً للياء .. ألفٌ تَالٍ للياء، (تَالِي الْيَاءِ) يعني: الألف تلت
ياءً، فالياء تكون قبلها.
وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ هَا ..
يعني: تُمَال الألف التي تتلو ياءً أي: تتبعها، (مُتَّصلةً بها) هذا
الأصل نحو: سَيَال أو بَيَان، (بَيَان) الألف هذه تُمَال لكونها مسبوقة
بالياء، إذاً: ألفٌ سبقتها ياء فالألف صارت تابعةً للياء تُمَال، هنا
مُتَّصلة أو مُنْفَصِلة؟ مُتَّصلة .. الألف سبقتها ياء وهي مُتَّصلةٌ
بهاء.
أو منفصلة، لذلك قال: (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ) أو حرفين (مَعْ
هَا)، لو كان ثَمَّ فَصلٌ بين الياء والألف بحرفٍ مُغْتَفَر، وإذا كان
بحرفين اشْتُرِط أنْ يكون أحد الحرفين هاء، وقيل: الثاني .. إما أن
يكون أحد الحرفين هاء ولو كان الأول، وقيل: يُشْتَرَط فيه أن يكون
الثاني هاءً، نحو (سَيَال) لِضَرْبٍ من شجر العِضَاه، أو منفصلة بحرفٍ
نحو: شَيْبَان، شَيْبَان ألفٌ قبلها ياءٌ فصل بينهما حرفٌ وهو الباء
كذلك تُمَال: شَيْبَان.
أو بحرفين ثانيهما هاءٌ، يعني: فُصِل بين الياء والألف بحرفين لكن ثاني
الحرفين ياء: (جَيْبَهَا أَدِرْ) مَثَّل له النَّاظم: أَدِرْ
جَيْبَهَا، (جَيْبَهَا) ألفٌ قبلها هاء وقبلها باء، إذاً: فُصِل بين
الياء والألف بحرفين: الباء والهاء، ولكن الثَّاني هاء.
مفهومه: إن فُصِل بحرفين ليس ثانيهما هاء أو أكثر من حرفين فلا إمالة،
لأنَّه قال: (كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ) هذا الأصل فيه: أنَّها لا تُمَال
إلا إذا كانت الألف تابعةً للياء، يعني: بلا فَصْلٍ، ثُمَّ قال:
(وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ) لَمَّا قال: (الْفَصْلُ اغْتُفِرْ) علمنا أنَّ
(الْفَصْلَ) عكس الأصل، فالأصل: هو الوصل، (وَالْفَصْلُ) مُغتفرٌ
حينئذٍ هو خروجٌ عن القياس، وإذا كان كذلك يُنَصُّ عليه.
(وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ) واحد، أو بحرفين (مَعَ هَاءٍٍ)، فإن
كان بحرفين لا مع هاء، أو أكثر من حرفين حينئذٍ نقول: لا إمالة، إذاً:
تُمَال الألف التي تتلو ياءً، أي: تتبعها مُتَّصِلَةً بها نحو (بيان)
أو (سيال)، أو منفصلة بحرفٍ نحو (شَيْبَان)، أو بحرفين ثانيهما هاء كما
مثَّل النَّاظم: (جَيْبَهَا أَدِرْ)، فإن كانت منفصلة بحرفين ليس
أحدهما هاء، أو بأكثر من حرفين امتنعت الإمالة، وهذا ظاهر كلام
النَّاظم رحمه الله تعالى.
كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ ... بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ
هَا. . . .
قوله: (كَذَاكَ) هذا خبر مُقدَّم، و (تَالِي) مبتدأ مُؤَخَّر، (تَالِي)
مضاف، و (الْيَاْ) مضاف إليه، هذه جملة .. هذا الأصل، (كَذَاكَ تَالِي
الْيَاْ) هذا هو السَّبب الرَّابع، ثُمَّ هل هذا على ظاهره؟ لأنَّ
ظاهره إذا فُصِل بينهما بأيِّ فاصلٍ زال السَّبب فلا تُمَل.
ثُمَّ قال .. استدرك: (وَالْفَصْلُ
اغْتُفِرَ) فهمنا أنَّ قولهِ: (تَالِي) مُراده به الاتِّصال مباشرة
مثل: (بَيَان) و (شَيْبَان)، هذا الأصل وهذا ظاهر كلامه، ثُمَّ لَمَّا
كان بعض الانفصال لا يُؤَثِّر استثناه بقوله: (وَالْفَصْلُ) هذا مبتدأ،
(اغْتُفِرَ) مُغَيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على
(الْفَصْل)، والجملة خبر.
(بِحَرْفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اغْتُفِرَ)، (أَوْ) للتَّنويع،
(مَعَ هَا) هذا قيل: معطوفٌ على مُقَدَّر والتَّقدير (بِحَرْفٍ) وحده،
(أَوْ مَعَ هَا) هكذا قاله المكُودِي، وقيل: معطوفٌ على حرفٍ، لكن على
تقدير: (أوْ حَرفٍ مَعْ هَا).
إمَّا أن نقول: (أَوْ) هذا حرف عطف، إمَّا أنَّه معطوفٌ على مُقدَّر،
أو بحرفٍ وحده .. حذف (وحده)، (أَوْ مَعْ هَا) لا إشكال فيه .. هذا
واضح، أو نقول: لا تقدير في حرف، وإنَّما التَّقدير فيما بعد (أَوْ):
بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ .. (أَوْ حَرْفٍ مَعْ هَا)، لأنَّ قوله: (أَوْ مَعْ
هَا) هذا إطلاق يشمل حرفين وثلاثة وأربعة وعشرة، لكن لا بُدَّ من
التَّقدير، فإمَّا أن نقول: بحرفٍ وحده، (أَوْ مَعْ هَا) فالتَّقدير ما
قبل (أَوْ) لا ما بعدها، أو نقول: ما بعد (أَوْ) فيه مُقَدَّر
(بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفٍ مَعَ هَا).
فهمنا أنَّ الفاصل لا يخرج عن نوعين:
- إمَّا أن يكون حرفاً واحداً كـ: شيبان.
- أو بحرفين ثانيهما هاء.
قوله: (بحرفين ثانيهما هاء) لا يَدُلُّ عليه قوله: (أَوْ مَعْ هَا)، هل
يُفْهَم منه (أَوْ مَعْ هَا) أنَّه حرف أو حرفين أو ثلاث؟ ما يُفْهَم،
فلا بُدَّ من التَّقدير، لأنَّه أراد الصورة الثانية: وهي أن يكون مع
الهاء حرفٌ آخر.
(كَجَيْبَهَا أَدِرْ) يعني: كقولك، (مَعْ هَا) قصره للضرورة، كقولك:
(جَيْبَهَا أَدِرْ) أدر جيبها، (جَيْبَ) هذا مفعول به مُقدَّم، و
(جَيْبَهَا) فُصِل بين الألف - (هَا) الألف هذه التي بعد (الهاء) -
فُصِل بينها وبين الياء: جيـ .. بحرفين الباء والهاء، وكانت الثانية
هاء.
قوله: (أَوْ مَعْ هَا) أطلقه النَّاظم، وبعضهم قَيَّده بِما إذا لم
يُضَمَّ ما قبلها، قيَّده غيره: بألا يكون قبل الهاء ضَمَّة،
(جَيْبُهَا) هذا لا يُمَال، فإنَّه لا يجوز فيه الإمالة وإن أطلقه
النَّاظم هنا، فشمل ما كان قبل الهاء ضَمَّة، وما عداها، والصَّواب:
تقييده بألا يكون قبلها ضَمَّة، يعني: قبل الهاء نحو: هذا جَيْبُها،
ليس كقوله: (أَدِرْ جَيْبَهَا) فإنَّه يُمَال مُطلقاً، وأمَّا إذا
ضُمَّت فلا.
وإنَّما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها، فلم تعد حاجزاً، واغْتُفِر الفصل
بحرفٍ واحدٍ لِقلَّة الفصل.
قال الشَّارح: " كذاك تُمَال الألف الواقعة بعد الياء مُتَّصلة بها
نحو: بَيَان، أو منفصلة بحرفٍ نحو: يَسَار، أو بحرفين أحدهما هاءٌ نحو:
(أدِرْ جَيْبَهَا) فإن لم يكن أحدهما هاءً امتنعت الإمالة؛ لبعد الألف
عن الياء نحو: بَيْنَنا " والله أعلم.
أو بحرفين أحدهما هاء، الشَّارح هنا أطلق
.. اختار القول بأنَّ المراد: واحدٌ من حرفين، ولا يُشْتَرط أن يكون
الثاني، والنَّاظم أطلق وقَيَّد بالمثال: (أَوْ مَعْ هَا) حرف مع هاء،
قد تكون الهاء هي الأول وقد تكون الثَّاني، لكن قوله: (كَجَيْبَهَا)
دَلَّ على أنَّه يختار القول الآخر: وهو أن يكون الثاني هاء، فإن كان
حرفان أولهما هاء حينئذٍ لا إمالة، لأنَّه قال: (وحرفٍ مع هاء) يعني:
أن يكون الثاني هاءً، فإن كان الأول هاءً لا إمالة، لأنَّه إذا فُصِل
بين الألف والياء بحرفين لا يُغْتَفَر الفصل إلا إذا كان الثَّاني
هاءً، فإن كان الأول هاءً فلا .. رجعت إلى الأصل.
وثَمَّ قول آخر واختاره ابن عقيل: وهو أنَّ الشَّرط: أن يكون أحد
الحرفين هاءً، الأول أو الثَّاني، لكن ظاهر كلام النَّاظم خلاف هذا.
ثُمَّ قال:
كَذَاكَ مَا يَلِيهِ كَسْرٌ أَوْ يَلِي ... تَالِيَ كَسْرٍ أَوْ
سُكُونٍ قَدْ وَلِي
كَسْراً وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدّ ... فَدِرْهَمَاكَ مَنْ
يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ
هذا أشار إلى السَّبَب الخامس: كَسْرةٌ قبلها أو بعدها.
(كَذَاكَ مَا يَلِيهِ كَسْرٌ) (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة
الألف، (كَذَاكَ) هذا خبر مُقدَّم، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في
محل رفع مبتدأ، يصدق على الألف، (كَذَاكَ مَا يَلِيهِ) ألفٌ، (يَلِيهِ)
الضمير هنا يرجع إلى (مَا) .. الضمير البارز يرجع إلى (مَا)، والجملة
(كَسْرٌ) هذا فاعل (يَلِي) (ألفٌ يَلِيهِ كَسْرٌ) حينئذٍ تُمَال الألف
إذا وليها كسرٌ .. ألفٌ ثُمَّ بعدها كسر مثل: (عَالِم) اللام مكسورة ..
(مَساجِد) الجيم مكسورة، إذاً: ألفٌ تلاها كسرٌ، هذا السَّبب الخامس.
(كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (مَا) مبتدأ، (يَلِيهِ كَسْرٌ) فعل وفاعل
ومفعولٌ به، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صِلَة الموصول، والضمير
البارز في قوله: (يَلِيهِ) يرجع إلى (مَا)، (أَوْ يَلي تَالِيَ كَسْرٍ)
.. (أَوْ) للتَّنويع، (يَلي) فعل مضارع، والضمير هنا يعود إلى (مَا)،
(أَوْ يَلي) ألفٌ لأنَّ (مَا) تصدق على الألف، (أوْ يَلي الألف تَالِيَ
كَسْرٍ) تابع كسرٍ، يعني: تأتي الألف ويسبقها حرفٌ، وهذا الحرف تابعٌ
لكسرٍ: كِتَاب، الألف هنا تابعة لتابع كسرٍ فَتُمَال.
(كِتَاب) هنا الألف لم تتبع كسرة، وإنَّما تبعت ما تبع كسراً (كِـ)
مكسورة (تَـ) التاء مفتوحة، إذاً: الألف وقعت بعد حرفٍ، هذا الحرف ليس
مكسوراً، وإنَّما ما قبله يكون مكسوراً .. هذا واضح، لأنَّ الألف ما
يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ كأنَّه قال: ألفٌ قبلها كسرة، لكن ما تكون
الكسرة مباشرة، لأنَّ الألف ما يسبقها إلا الفتح، حينئذٍ لا بُدَّ من
فاصلٍ بين الحرف المكسور والألف نحو: كتاب.
(أَوْ يَلي) (يَلي) فعل مضارع، والضمير فاعل يعود إلى الألف، (تَالِيَ
كَسْرٍ) تابع كسرٍ (تَالِيَ) هذا مفعول لـ: (يَلي)، (تَالِيَ كَسْرٍ)
(تَالِيَ) مضاف، و (كَسْرٍ) مضاف إليه.
أَوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي كَسْراً ..
(أَوْ سُكُونٍ) هذا معطوف على قوله:
(تَالِيَ كَسْرٍ) (أَوْ) هذه صورة ثالثة، أو يلي تالي سكونٍ، إذاً:
(تَالِيَ كَسْرٍ) .. (سُكُونٍ) معطوف على (كَسْرٍ)، (أَوْ سُكُونٍ) أي:
أو يلي تالي سكونٍ قد ولي كسراً، يلي الألف سكون قد ولي كسراً مثل:
شِمْلاَل، الألف بعد اللام سبقها حرفان أولهما ساكن (شِمْلاَل) الشين
مكسورة مثل (كِتَاب)، هناك الفاصل بين الكسرة وبين الألف حرفٌ واحد،
هنا حرفان لكن سَوَّغ الفصل بحرفين كون الأول ساكن، (شِمْلاَل) هذه
الألف بعد اللام.
قلنا: (كِتَاب) ألفٌ قبلها كسرة، لكن فصل بينهما فاصل وهو حرفٌ واحد
ولا إشكال، وهو داخل في قوله: (أَوْ يَلي تَالِيَ كَسْرٍ) هنا فصل
بينهما ليس حرفاً واحد بل حرفين، والفصل بحرفين هذا كثير، الأصل: أنَّه
يمنع الإمالة، لكن سَوَّغ الإمالة كون الحرف الأول ساكن.
إذاً: سبق الألف كسرة ثُمَّ فُصِل بينهما بحرفين أولهما ساكن:
شِمْلَال، الميم واللام فاصل بين الشين المكسورة وبين الألف، والذي
سَوَّغ هذا سكون الأول، (أَوْ سُكُونٍ) أو تالي سكونٍ، يعني: يلي تالي
سكونٍ (قَدْ وَلِي كَسْراً) هذا السُّكون قد ولِي كسراً.
إذاً: (أَوْ سُكُونٍ) (سُكُونٍ) معطوف على قوله: (كَسْرٍ) أو تالي
سكونٍ، هذا السُّكون (قَدْ وَلِي) (قَدْ) للتَّحقيق، و (وَلِي) فعل
ماضي والفاعل ضمير يرجع إلى السُّكون، قد ولي هذا السُّكون كسراً،
(كَسْراً) هذا مفعولٌ به، يعني: بعد حرفين وليا كسرةً أوَّلهما ساكن،
نحو: شِمْلَال.
وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدّْ ..
(دِرْهَمَاكَ) (دِرْهَمَ) كم حرف؟ ثلاثة، الأصل: أنَّه لا إمالة، لكن
كون وجود الهاء ثالثةً (كَلاَ فَصْلٍ).
(دِرْهَمَاكَ) هذا النُّوع كالسَّابق: الأول ساكن، يعني: فُصِل بحرفين،
لأنَّ الدَّال مكسورة: (دِرْهَمَاكَ)، الرَّاء والميم، والأول ساكن،
هنا نَصَّ على أنَّه إذا وُجِد مع هذين الحرفين السَّاكن أولهما هاءٌ
(كَلاَ فَصْلٍ) يعني: الهاء لا تُؤَثِّر في مثل هذا المثال:
(فَدِرْهَمَاكَ) مثل (شِمْلَالْ)، والهاء هذه قال: (كَلاَ فَصْلٍ)
يعني: لِخِفَّتِها وخفائها لا تُؤَثِّر.
(وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ) في المثال السَّابق:
أَوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي كَسْراً ..
فإن فصل بين الألف وهذين الحرفين السَّاكن أولهما هاءٌ فالهاء (كَلاَ
فَصْلٍ) يعني: وجودها وعدمها سواء فلا تُؤَثِّر، و (فَصْلُ) مبتدأ، وهو
مضاف، و (الْهَا) مضافٌ إليه، (كَلاَ فَصْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق
بقوله: (يُعَدُّ)، و (يُعَدُّ) أي: (فَصْلُ الْهَا كَلَا فَصْلٍ)
(فَصْلُ الْهَا) مبتدأ وهو مضاف، و (الْهَا) مضاف إليه .. قصره
للضرورة، (يُعَدُّ) هذا فعل مضارع مُغيَّر الصِّيغة، والضمير يعود إلى
(فَصْلِ الْهَا)، يُعد ماذا؟ (كَلاَ فَصْلٍ) كأنَّه لم يُفْصَل بينها.
إذاً في نحو: (دِرْهَمَاكَ) ولذلك مثَّل به هنا:
فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ ..
مع كونه فُصِل عن الكسرة والألف بثلاثة أحرف، لكن هذه الهاء كأنَّها
ليست فاصلاً، فحينئذٍ أُلْحِق بـ: شِمْلَالْ، فيما إذا سبق الألف حرفان
وفصل بينها وبين الكسر إلا أنَّ الأول يُعتبَر ساكناً.
(فَدِرْهَمَاكَ) الفاء للتَّفريع،
(دِرْهَمَاكَ) هذا مبتدأ أول، و (مَنْ) شرطيَّة .. مبتدأ ثاني،
(يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ) فعل الشَّرط وجوابه، والجملة (يُمِلْهُ لَمْ
يُصَدّْ) خبر المبتدأ الثاني (مَنْ) المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ
الأول (دِرْهَمَاكَ).
هنا قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) أطلقه، وقَيَّده غيره بألا يَنْضَمَّ ما
قبلها احترازاً من نحو: هو يَضْرِبُها، فإنَّه لا يُمَال.
إذاً السَّبَب الخامس: أن يسبقها أو يتلوها كسرة، هذا الأصل فيه: أن
يكون مباشر له، كذا ما يليه كسرٌ نحو: عَالِمْ، ألفٌ يتبعها كسرة، أو
يلي الألف تالي كسرٍ نحو: كِتَاب، هي لم تتبع الكسر وإنَّما تبعت تابع
الكسر، أو يُفصَل بينها وبين الكسر بحرفين لكن أوَّلهما ساكن، فإن
فُصِل بثلاثة أوَّلهما ساكن وأحد هذه الثَّلاثة الهاء لا عبرة بالهاء
.. لا يُعَدُّ فاصلاً.
إذاً: في هذين البيتين ذكر خمس صور:
- الأولى: أن يقع الكسر بعد الألف، مثل: عَالِمْ .. مَسَاجِدْ، وشرط:
أن يليها، لأنَّه قال: (مَا يَلِيهِ) هذا شرطٌ لا بُدَّ أن يكون تالياً
لها نحو: عَالِمْ وَمَسَاجِدْ.
- الثانية: أن يقع الكسر قبلها، فرقٌ بين أن يتلوها وأن تكون هي
تابعةً، إن كان الكسر بعدها فاشترط النَّاظم: أن يكون تالياً لها يعني:
بلا فَصْلٍ، متى؟ إذا كان الكسر بعدها، (كَذَاكَ مَا) ألفٌ (يَلِيهِ
كَسْرٌ) مباشرة، أو هي تلي الكسرة، ثُمَّ لا يمكن أن تكون مُباشرة
متَّصلة بها، لأنَّ الألف ما يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ قد يكون ثَمَّ
فاصل أو فاصلين بالشُّروط السَّابقة.
الصورة الثانية: أن يقع الكسر قبل هاء وفيه أربع صور – النتيجة خمسة -:
- أولها: أن تكون منفصلة بحرفٍ واحد مثل: كِتَاب، كِتَاب هنا الكسر
سابق على الألف، والفاصل حرفٌ واحد: كِتَاب وَعِمَاد.
- وثانيها: أن تكون منفصلة بحرفين أولهما ساكن نحو: شِمْلَاَلْ.
- وثالثها: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكَين ثانيهما الهاء نحو:
يُرِيد أن يَضْرِبَها، هذا إذا عَمَّمنا كلام النَّاظم وجعلناه
مستقلَّاً، يعني قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) لأنَّ المثال .. قوله:
(دِرْهَمَاكَ) هذا يوافق: شِمْلَاَلْ، أو يُخالف .. أين الكسرة؟ دِرْ
.. في الدَّال: (دِرْهَمَاكَ) مثل: كِتَاب، إذاً الدَّال مكسورة، أين
الألف؟ بعد الميم، كم فصل بين الدَّال المكسورة والألف؟ ثلاثة أحرف،
(دِرْهَمَاكَ) الرَّاء ساكنة مثل: شِمْلَالْ، ألحق بعضهم بهذه الصورة
ما إذا كانا مُتَحَرِّكين ثالثها هاءٌ، فعمَّموا كلام النَّاظم، مع كون
النَّاظم ظاهر كلامه فيما سبق.
على كلٍ الصورة الثالثة: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكين ثانيهما
الهاء - وهذه زادها المكُودِي - نحو: يريد أن يَضْرِبَها، يَضْرِبَها
فُصِل بينهما بِمُتَحَرِّكين ثانيهما هاء.
- رابعها: أن تكون منفصلة بحرفٍ ساكنٍ وَمُتَحَرِّكين أحدهما الهاء،
وهذه التي نَصَّ عليها النَّاظم، وقد مثَّل لذلك بقوله:
فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ ..
فالألف في هذه المُثُل كلها يجوز إمالتها.
قال المكُودِي: " وهذه الصُّور كلها مأخوذة
من كلام النَّاظم " لكن الثالثة تحتاج إلى تَأَمُّل: أن تكون منفصلة
بحرفين مُتَحَرِّكين ثانيهما الهاء، النَّاظم هنا قَيَّد إلا إذا جُعِل
قوله:
وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ ..
أنَّه عام، وَمَثَّل (فَدِرْهَمَاكَ) لأحد النَّوعين وسكت عن النوع
الثاني، يحتمل هذا .. يحتمل أنَّ قوله:
وَفَصْلُ الْهَا كَلَا فَصْلٍ يُعَدْ ..
أنَّه عام، يشمل ما إذا كان الفصل بحرفين مُتَحَرِّكين وثالثهما الهاء،
أو بحرفين الأول ساكن وثالثهما هاء، ومَثَّل لأحد النَّوعين .. هذا
مُحتملٌ، لكن يحتاج إلى تأمل.
قال الشَّارح: " كذلك تُمَال الألف إذا وليتها كسرةٌ نحو: عَالِمْ، أو
وقعت بعد حرفٍ يلي كسرةً نحو: كِتَاب، أو بعد حرفين وليا كسرةً أولهما
ساكن نحو: شِمْلَالْ، أو كلاهما مُتَحَرِّك ولكن أحدهما هاء نحو:
يُرِيد أَنْ يَضْرِبَها - وهذا يحتاج كما ذكرنا -، وكذلك يُمَال ما فصل
فيه الهاء بين الحرفين اللذين وقعا بعد الكسرة أولهما ساكن نحو: هذان
درهماك " والله أعلم، إذاً: خمس صور أدخلوها في كلام النَّاظم.
إذاً: معنى البيتين:
أي كذا تُمَال الألف إذا وليتها كسرةٌ نحو: عَالِمْ ومساجد، أو وقعت
بعد حرفٍ يلي كسرةً نحو: كِتَاب، أو بعد حرفين وليا كسرةً أولهما ساكن
نحو: شِمْلَالْ، أو كلاهما مُتَحَرِّك ولكن أحدهما هاء نحو: يُرِيد
أَنْ يَضْرِبَها، أو ثلاثة أحرف أولُّها سكن وثانيها نحو: هذان درهماك،
وهذا والذي قبله مأخوذان من قوله:
وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ ..
فإنَّه إذا سقط اعتبار الهاء من الفصل ساوى (أن يضربها) كِتَاب، و
(درهماك) نحو: شملال، وَفُهِم من كلامه: أنَّ الفصل إذا كان بغير ما
ذُكِر لم تَجُز الإمالة.
إذاً: النَّاظم هنا ذكر قوله:
وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ ..
حينئذٍ يُعَمِّمُه ليشمل الصورتين فتكون خمس صور، وعلى هذا حمله ابن
عقيل وكذلك الأشموني.
ثُمَّ لَمَّا فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة، وبقي سبب واحد
سيذكره وهو: التناسب، هذه خمسة أسباب فيما سبق، شرع في ذكر موانعها،
يعني: قد توجد الأسباب السابقة ويوجد مانع.
قبل ذلك بقي من أسباب الإمالة: وقوع الياء قبل الألف، هذه تركها
عَمْداً النَّاظم هنا وفاقاً لسيبويه، من أسباب الإمالة: وقوع الياء
قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياءٍ بعدها، وذكرها في
(الكافية) و (التسهيل) وشرطها: إذا وقعت بعد الألف أن تكون متَّصلة
نحو: بايعته وسايرته، ولم يذكر سيبويه إمالة الألف الياء بعدها، لذلك
هنا تركها في هذا النَّظم.
إذاً نقول: شرع في بيان الموانع التي تُزِيل تأثير تلك الأسباب، لأنَّ
السبب إذا وُجِد فالأصل أنَّه يُؤَثِّر، وقد يكون السَّبَب موجوداً ولا
يُؤَثِّر لوجود مانعٍ .. قد توجد الأسباب السَّابقة ويوجد مانع ولكن
هذا المانع منع من تأثير هذا السَّبب، فقال رحمه الله:
وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا
وَكَذاَ تَكُفُّ رَا
(حَرْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (الاِستِعْلاَ)
قصره للضرورة مضاف إليه، (يَكُفُّ) هذا فعل مضارع، والفاء ضمير مستتر
يعود على (حَرْفُ الاِستِعْلاَ)، (يَكُفُّ مُظْهَرَا) (مُظْهَرَاً)
مفعولٌ به، (مِنْ كَسْرٍ) مُتعلِّق بقوله: (مُظْهَرَاً)، (أَوْ يَا)
قصره للضرورة معطوف على (كَسْرٍ)، (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) (وَكَذاَ) أي:
مثل ذا، (تَكُفُّ رَا) (تَكُفُّ) .. (كَذاَ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق
بقوله: (تَكُفُّ)، (وَتَكُفُّ رَا كَذاَ) أي: مثل كَفِّ حرف الاستعلاء،
(تَكُفُّ رَاءٌ) قصره للضرورة .. تَكُفُّ رَاءٌ مثل كَفِّ حرف
الاستعلاء.
إذاً: حروف الاستعلاء سبعة، والرَّاء صارت ثمانية أحرف، يعني: أنَّ
موانع الإمالة ثمانية أحرف، منها سبعة تُسَمَّى: أحرف الاستعلاء، وهي
ما في أوائل هذه الكلمات: قَدْ صَادَ ضِرَارُ غُلَامٍ خَالِي طَلْحَةَ
ظَلِيمَاً، يعني: القاف والصَّاد والضَّاد والغين والخاء والطَّاء
والظَّاء، هذه سبعة أحرف تُسَمَّى: حروف الاستعلاء، والثَّامن: الرَّاء
غير المكسورة .. الرَّاء إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وأمَّا إذا كانت
مكسورة فلا.
فهذه الثَّمانية تمنع إمالة الألف، وَتَكُفُّ تأثير سببها إذا كان
كسرةً ظاهرة، ولذلك قَيَّد النَّاظم قال: (مُظْهَرَا) قيَّد بالمظهر
للاحتراز من السَّبب المُقدَّر والمنوي فإنها لا تمنعه، فتأثير هذه
الحروف الثمانية .. حروف الاستعلاء السَّبعة والرَّاء غير المكسورة -
نقول: (الراء غير المكسورة) لأنَّه سَيُقيِّده فيما يأتي - هذه تَكُفُّ
السَّبب الظَّاهر، وأمَّا المُقدَّر فلا.
إذاً قوله: (مُظْهَرَا) قَيَّد بالمظهر للاحتراز من السَّبَب المنوي،
فإنَّها لا تمنعه، فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو: هذا
قَاضْ، إذا وقفت على (قَاضْ) فيه ياء، إذاً: قَاضْ، هل الألف هذه
تُمَال أم لا؟ نعم لا تمنع، (قَاضْ) الضَّاد وقعت بعد الألف .. لا
يمنع؛ لأنَّ حرف الاستعلاء إنَّما يمنع إذا كانت الياء أو الكسرة مظهرة
يعني: ملفوظاً بها، وأمَّا إذا كانت منوية .. مُقدَّرة مثل: قاض، نقول:
هنا لا تمنع، فَتُمَال الألف في (قاضي)، لأنَّك إذا وقفت على الضَّاد
حينئذٍ حذفت الألف، والمحذوف لِعِلَّة كالثَّابت.
حينئذٍ قوله: (مُظْهَرَاً) مراده: أنَّ هذه الحروف الثمانية تمنع
الكسرة إذا كانت ظاهرة، وأمَّا المُقدَّرة فلا، وتمنع الياء إذا كانت
ظاهرة، وأمَّا المقدَّرة فلا، إذاً: تأثير هذه الموانع في الملفوظ به،
وأمَّا المنوي والمُقدَّر فلا، إذاً لا تمنع كُلَّ سببٍ، فهذه الثمانية
تمنع إمالة الألف وتَكُفُّ تأثير سببها إذا كان كسرةً ظاهرةً،
والنَّاظم زاد الياء وسيأتي.
إذا كان كسرةً ظاهرة، فلا تمنع هذه الحروف جميع أسباب الإمالة، ليست
مطلقة وإنَّما مُقيَّدة فيما إذا كانت الكسرة ظاهرة، وأمَّا المقدَّرة
فلا، وعِلَّة ذلك: أنَّ السَّبْعة الأولى تستعلي إلى الحنك، فلم تَمُل
الألف معها طلباً للمجانسة، وأمَّا الرَّاء فَشُبِّهَت بالمستعلية
لأنَّها حرفٌ مكرر.
إذاً: حرف الاستعلاء – السَّبعة هذه -
تَكُفُّ إمالة الألف، وهنا يَكُفُّ على حذف مضاف، (يَكُفُّ مُظْهَرَاً)
يعني: يَكُفُّ تأثير مُظْهَرٍ، أي: يَكُفُّ ويمنع تأثير سبب الإمالة
الظَّاهر.
إذاً: سبب الإمالة قد يكون ظاهراً، وقد يكون مقدَّراً .. منوياً ..
محذوفاً، الكسرة أو الياء على ما ذكره النَّاظم، إن كانت ملفوظة
منطوقاً بها كَفَّ حرف الاستعلاء والرَّاء غير المكسورة، وأمَّا إذا
كانت منوية أو مقدَّرة حينئذٍ لا تأثير لهذا المانع على ذلك السَّبَب،
لأنَّ السَّبَب قوي إذا وُجِد لفظاً.
وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ..
أي: يمنع تأثير سبب الإمالة الظَّاهر، (مِنْ كَسْرٍ) إذا كانت الكسرة
مُظْهَرة لا مُقدَّرة، قوله: (أَوْ يَا) قصره للضرورة: هذا تصريحٌ من
النَّاظم بأنَّ حرف الاستعلاء والرَّاء غير المكسورة تمنع الإمالة إذا
كان سببها ياءً ظاهرة، (مُظْهَرَاً مِنْ كَسْرٍ أَوْ يَاءٍ) إذا كان
سبب الإمالة الياء ففيه تفصيل، إن كانت هذه الياء ظاهرة منع .. كَفَّ
حرف الاستعلاء، إن كانت مُقدَّرة حينئذٍ لم يمنع، وهذا ظاهر كلام
النَّاظم، وعليه بعض الشُّرَّاح.
وقد صَرَّح بذلك في (التسهيل) و (الكافية) .. أَكَّدَه، ابن مالك إذا
صَرَّح في (التسهيل) و (الخلاصة) و (الكافية) وغيرها دَلَّ على أنَّه
على قوله، وما قاله في الياء غير معروفٍ في كلامه، بل الظَّاهر جواز
إمالة نحو: طُغْيَانْ وَصَيَّادْ وَعُرْيَان وَرَيَّانْ، وقد قال أبو
حيَّان: " لم نجد ذلك " يعني: كَفُّ حرف الاستعلاء والرَّاء في الياء،
وإنَّما يمنع مع الكسرة فقط، والنَّاظم عَمَّم، حرف الاستعلاء والرَّاء
غير المكسورة تَكُفُّ سبب الإمالة إذا كان كسرةً أو ياءً، أبو حيَّان
وغيره يرون أنَّ الياء هذه من عند ابن مالك .. من اجتهاده، وليس في
كلامه.
وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا
وَكَذاَ تَكُفُّ رَا
(رَا) هنا ليست مُطلقة. هل الرَّاء تَكُفُّ مُطلقاً، سواءٌ كانت
مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة؟ نقول: يُقَيَّد بِمَا سيأتي، ولم
يُقَيِّده هنا يعني: الراء بغير المكسورة؛ للعلم بذلك من قوله: " فيما
يأتي بعد ".
وَحَ وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا
وَكَذاَ تَكُفُّ رَا
إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ
بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ
كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ
الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ
يعني: المانع السَّابق .. عرفنا في البيت السَّابق أنَّ حرف الاستعلاء
يَمنع، وأنَّ الرَّاء المكسورة تمنع، ثُمَّ عندنا تفصيل:
المانع من الإمالة قد يكون مُتَأَخِّراً عن الألف .. بعدها، وقد يكون
مُتقدِّماً، إذا كان مُتَأَخِّراً هنا قال:
إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ
بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ
يعني: ما بعد الألف من حروف الاستعلاء، أو
الرَّاء المكسورة، تَكُفُّ إذا كانت مُتَّصلة، يعني: تَاليةً لها، أو
فُصِل بين الألف وبين حرف الاستعلاء بحرفٍ، أو فُصِل بينهما بحرفين،
(إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ) ما هو الذي يَكُفُّ؟ حرف الاستعلاء، (بَعْدُ)
بعد الألف (مَتَّصِلْ)، (مَتَّصِلْ) خبر (كَانَ)، (إِنْ كَانَ مَا
يَكُفُّ) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، اسم (كَانَ)، أين خبرها؟
(مُتَّصِلاً) متصلاً بماذا؟ بالألف، يعني: بعدها .. ليس بينهما فاصل،
أو فُصِل .. بينهما فاصل، ووقع حرف الاستعلاء بعد حرفٍ واحدٍ، يعني:
فُصِل بين الألف وحرف الاستعلاء بحرفٍ واحد، أو فُصِل بحرفين.
أي: إذا كان المانع المشار إليه وهو حرف الاستعلاء، أو الرَّاء
مُتَأَخِّراً عن الألف، فشرطه: أن يكون مُتَّصلاً نحو: فَاقِد، القاف
هذه من حروف الاستعلاء، فَاقِد وقعت القاف بعد الألف مُتَّصل، هذا
أولاً، و (نَاصِحْ) صاد وقعت بعد الألف مُتَّصل: باطل .. باخل .. ، هذا
عِذَارُك، هذا عِذَارُك مُتَّصل أو مُنْفَصِل .. ما الذي فُصِل بينهما؟
(عِذَارُكَ) هذا مُتَّصل، وقعت الرَّاء بعد الألف.
أو منفصلاً نحو: مُنافِق، فُصِل بالفاء، الألف والقاف، هنا وقع القاف
بعد الألف لَكنَّه لم يَلِه، وإنَّما فُصِل بينهما بفاصل وهو حرف واحد،
إذاً: أو منفصلاً بحرفٍ نحو: منافق .. نَافِخ .. نَاشِط .. هذا
عَاذِرُك، الذَّال فَصَلَت بين الألف والرَّاء وهي مُتَحَرِّكة، و
(رَأَيْتُ عَاذِرَك) مِثَال للرِّاء المضمومة والرَّاء المفتوحة أمَّا
المكسورة لا.
(أَوْ بِحَرْفَيْن) نحو: مواثيق، ألف .. ثاء .. ياء، ثُم جاءت القاف،
إذاً: فُصِل بين الألف وحرف الاستعلاء بحرفين، و (مَنَافِيخ) و
(مَوَاعِيظ) ونحو: (هذه دَنَانِيرُك)، و (رَأَيْتُ دَنَانِيرَك) إذاً:
هذه كلها فُصِل بينها .. إمَّا أن يكون مُتَصِّلاً، أو فُصِل بينها
وبين الألف حرف أو بحرفين، حينئذٍ هذه تمنع فلا إمالة في الأمثلة التي
ذكرناها.
فُهِم مِمَّا سبق: أنَّ حرف الاستعلاء أو الرَّاء لو فُصِل بأكثر من
حرفين لم يمنع الإمالة، لأنَّه قال: (مَتَّصِلْ) هذا أولاً، أو بعد
حرفين:
أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ ..
هذا يمنع أو لا يمنع؟
إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ
فُصِلَ بِحَرْفَيْن
يَمنع – المثال أظن ذكرت العكس – يَمنع لو كان متَّصلاً، أو فُصِل بحرف
أو بحرفين، إن فُصِل بأكثر من حرفين لا يمنع .. انتبه للمسألة: إن كان
ما يَكُفُّ حرف الاستعلاء أو الرِّاء (بَعْدُ) يعني: بعد الألف،
(مُتَّصِلاً) هذا أولاً، مثل ما ذكرنا: ناصح وفاقد، وباطل، (أَوْ
بَعَدَ حَرْفٍ) يعني: فُصِل بين الألف وبين حرف الاستعلاء بحرفٍ فيمنع،
(أَوْ فُصِلَ بِحَرْفَيْنِ) فيمنع كذلك: مواثيق ومواعيظ، إذا فُصِل بين
الألف وبين حرف الاستعلاء بأكثر من حرف حينئذٍ لا يمنع.
كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ
الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ
هذا فيما إذا تَقدَّم.
إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ
فُصِلَ بِحَرْفَيْن
(إِنْ) حرف شرط، و (كَانَ) فعل ماضي فعل
الشَّرط، (مَا يَكُفُّ) (مَا) اسم (كَانَ)، و (يَكُفُّ) فعل مضارع،
والفاعل ضمير مستتر يعود إلى (مَا)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب
صلة الموصول، (بَعْدُ) هذا حال من اسم (كَانَ)، وجعله المكودي خبر
(كَانَ) وليس بظاهر، (مُتَّصِلْ) هذا الظَّاهر أنَّه هو خبر (كَانَ)،
وقف عليه على لغة ربيعة.
(أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ) هذا معطوف على (بَعَدُ)، (بَعَدُ) هذا مبني،
والتَّقدير: إنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدَ الألف مَتَّصِلاً، (أَوْ
بَعَدَ حَرْفٍ) معطوف على (بَعَدَ)، أو فُصِل بحرفين.
ثُمَّ انتقل إلى النَّوع الثاني فيما إذا كان حرف الاستعلاء يعني:
المانع مُتَقَدِّماً على الألف، السَّابق فيما إذا تأخر فلا يضر الفصل،
(كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يعني: المانع، (مَا لَمْ يَنْكَسِرْ) مُدَّة عدم
انكساره فـ (مَا) هنا مصدرية ظرفية، (أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ)
يسكن بعد كسرٍ.
أشار بهذا البيت: إلى أنَّ المانع المذكور إذا كان مُتقدِّماً على
الألف اشْتُرِط لمنعه .. أن يكون مُؤَثِّرَاً: ألا يكون مكسوراً ولا
ساكناً بعد كسرة، (مَا لَمْ يَنْكَسِرْ) فإن انكسر لا يمنع، (أَوْ
يَسْكُنْ إِثْرَ الْكَسْرِ) أن يكون ساكناً بعد كسرٍ.
إذاً: في هاتين الحالتين لا يمنع، فاشترط لِمَنعه إن كان
مُتَقَدِّمَاً: ألا يكون مكسوراً، وهذا أشار إليه بقوله: (مَا لَمْ
يَنْكَسِرْ)، (مَا) مصدرية ظرفية، ثُمَّ أدخل النفي على (يَنْكَسِرْ)،
يعني: مُدَّة عدمه منكسراً، فإن انكسر فلا يمنع، (أَوْ يَسْكُنْ إِثْرَ
الْكَسْرِ) هذا معطوف على مدخول (مَا) المصدرية، حينئذٍ المنفي هنا
أمران.
(لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ) (يَسْكُن) هذا فعل مضارع مجزوم
معطوف على قوله (يَنْكَسِرْ)، إذاً: المنفي نوعان: انكسار الحرف، أو
كونه (إِثْرَ الْكَسْرِ) يكون ساكناً إثر كسرٍ، إذاً: يسكن وينكسر
مدخول النَّفي، ثُمَّ كلاهما مُؤَوَّلان بمصدر لوجود (مَا) المصدرية
الظرفية.
ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة، فلا تجوز الإمالة في نحو:
طَالِب وصالح وغالب وقاتل وظالم وراشد، قال: لا تجوز.
(كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق في كونه يَمَنع، (كَذَا يُمَال) هذا جار
ومجرور مُتعلِّق بمحذوف، كذا يُمَال .. يُمَال كذا، (إِذَا قُدِّمَ)
المانع فيمنع:
مَا لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ الْكَسْرِ ..
قال ابن عقيل: " حروف الاستعلاء سبعةٌ وهي: الخاء والصَّاد والضَّاد
والطَّاء والظَّاء والعين والقاف، وَكُلُّ واحدٍ منها يمنع الإمالة إذا
كان سببها: كسرةً ظاهرة، أو ياءً موجودة " أقَرَّ النَّاظم هنا في كون
الحكم عام مع الكسرة والياء خلافاً لِمَا ذُكِر عن أبي حَيَّان.
ووقع بعد الألف - هذا إذا كان بعد - مُتَّصلاً بها كـ: ساخط فيمنع، و
(حاصل) فيمنع، أو مفصولاً بحرفٍ كـ: نافخ وناعق ويَمنع، أو حرفين كـ:
مناشيط ومواثيق فيمنع، وحكم حرف الاستعلاء في منع الإمالة يُعْطَى
للرَّاء التي هي غير مكسورة وهي المضمومة: هذا عِذَارٌ، والمفتوحة:
هذان عِذَارَان، بخلاف المكسورة على ما سيأتي.
وأشار بقوله: (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) إلى
أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً
أو ساكناً إثر كسرة: طالب، الطَّاء مفتوحة فيمنع، كونه لا يمنع إذا كان
مكسوراً، أو (أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ) .. إلى أنَّ حرف الاستعلاء
المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن.
إذاً: كما هو ..
مَا لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ ..
فإن انكسر لا يمنع، وإن سكن إثر كَسْرٍ لا يمنع، فإن فُتِح مَنَع .. إن
ضُمَّ منع، إذاً: طالب، يمنع لأنَّه لم ينكسر، إذاً كلام الأشْمُونِي
في محله.
اشْتُرِط لمنعه: ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة، فلا تجوز
الإمالة في نحو: طال، لكن على ظاهر كلام ابن عقيل: أنَّ حرف الاستعلاء
المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر
كَسْرٍ، فلا يُمَال نحو: صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو: طِلَابْ
وَغِلَابْ وَإِصْلَاح.
(صالح) يُمَال أو لا يُمَال على ظاهر كلام النَّاظم؟ لا يُمَال، لأنَّ
حرف الاستعلاء يَكُفُّ سبب الإمالة فلا يُمَال، ما لم يكن مكسوراً أو
ساكناً إثر كسرة، فإن كان مكسوراً أُمِيل، وإذا كان مفتوحاً منع ..
(كَذَا إِذَا قُدِّمَ) الكلام في المنع .. منع الإمالة، فيمنع الإمالة
فلا يُمَال إذا كان مفتوحاً أو مضموماً، وَيُمَال إذا كان مكسوراً.
إلى أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة فلا تُمَال، ما
لم يكن مكسوراً فلا يَكُفُّها، أو ساكناً إثر كسرةٍ فلا يُمَال نحو:
صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو: طِلَاَبْ، لأنَّ الطَّاء هنا مكسورة
فلا تكون مانعاً، وكذلك: غِلَابْ وَإِصْلَاح وَمِقْدَام وَمِطْوَاع
وَإِرْشَاد.
إذاً:
كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ
الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ
(كَالْمِطْوَاعَ مِرْ) (الْمِطْوَاع) أي: كثير الطَّوْع، يعني: مطيع،
(مِرْ) مِن: ماره، أي: أتاه بالمِيِرة وهي الطَّعام، أو أعطاه مُطلقاً
وهو أشهر.
(كَذَا) ظاهره أنَّه يَمنع ولو فُصِل عن الألف، والذي ذكره سيبويه
وغيره: أنَّ ذلك إذا كانت الألف تليه نحو: قاعد وصالح.
(كَذَا إِذَا قُدِّمَ) (إِذَا) هذا مُضَمَّنٌ بمعنى الشَّرط مُتعلِّق
بـ: يُمَال الذي تَعلَّق به (كَذَا)، (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يعني:
المانع، حينئذٍ (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يَمنع الإمالة فيما إذا كان
مفتوحاً أو مضموماً، فإن انكسر أو وقع ساكناً إثر كَسْرٍ حينئذٍ لا
يمنع الإمالة.
(أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ) (يَسْكُن) هذا معطوف على (يَنْكَسِر)،
(إِثْرَ) يعني: بعد .. ظرف مُتعلِّق بقوله: (يَسْكُن)، وهو مضاف، و
(الْكَسْرِ) مضاف إليه، (كَالْمِطْوَاعَ مِرْ) يعني: كقولك
(الْمِطْوَاعَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (مِرْ)، و (مِرْ) فعل أمر
مأخوذٌ من المِيرة.
هنا قال ابن عقيل: " وأشار بقوله (كَذَا إِذَا قُدِّمَ .. ) البيت: إلى
أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً
أو ساكناً إثر كسرة، فلا يُمَال نحو: صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو:
طِلاَب وغلاب وإصلاح وقتال ".
وشرط الاستعلاء المُتقدِّم: أن يكون
مُتَّصلاً بِها نحو: صالح وضامن وظالم إلى آخره، أو ينفصل بحرفٍ نحو:
غنائم، إلا أن يكون مكسوراً نحو: طِلَاب.
وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ
أَجْفُو
وخلاصة ما سبق: أنَّ هذه الموانع الثمانية لا تَمنع جميع أسباب
الإمالة، بل تمنع الإمالة إذا كان سببها كسرةٌ ظاهرة أو ياءٌ موجودة،
وكان بعد الألف حرفٌ من أحرف الاستعلاء، وكان حرف الاستعلاء مُتَّصلاً
أو مفصولاً بحرفٍ أو حرفين، أو كانت الرَّاء مضمومة أو مفتوحة، وأشار
إليه بقوله:
وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِمَاً لاَ
أَجْفُو
يعني: الموانع من الإمالة قد يعرض لها ما يمنعها – (منع المانع) هذا
موجود عند الأصوليين - يعني: يوجد المانع ويأتي ما يَمنعه من تأثيره.
ثُمَّ إنَّ من الموانع من الإمالة قد يعرض ما يمنعها، ولذلك أشار
بقوله: (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) هذا مصدر مضاف إلى مفعول مبتدأ، (كَفُّ
مُسْتَعْلٍ) (كَفُّ) مصدر .. كَفُكَّ أنْتَ، (مُسْتَعْلٍ) يعني: حرفٍ
مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) وراً .. بالتنوين ويُحذف للوصل بنية الوقف
(وَرَاً)، (يَنْكَفُّ) هذا خبر .. (يَنْكَفُّ) هو، يعود على ماذا؟ ما
هو الذي (يَنْكَفْ)؟ (مُسْتَعْلٍ) قلنا: حرف الاستعلاء والرَّاء إذا
وُجِدت منعت، قد يوجد ما يمنع تأثير حرف الاستعلاء، حرف الاستعلاء مانع
من الإمالة، قد يأتي ما يمنع منع الإمالة لهذا الحرف.
إذاً: (كَفُّ) حرف الاستعلاء الأصل فيه: أنَّه يُؤَثِّر إذا وُجِد، لكن
يوجد ما يمنعه، (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) كَفُّه مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) هذا
معطوف على (مُسْتَعْلٍ)، (يَنْكَفُّ بِكَسْرِ رَا) كقولك: لاَ أجْفُو
غَارِماً (غَارِماً لاَ أَجْفُو)، يعني: أنَّه إذا وقعت الرَّاء
المكسورة بعد الألف كَفَّتْ مانع الإمالة سواءٌ كان حرف استعلاء أو
راءً غير مكسورة، يعني: الرَّاء المكسورة تمنع تأثير الحروف الثمانية
السَّابقة من منع الإمالة.
إذا وقعت الرَّاء المكسورة بعد الألف كَفَّت مانع الإمالة، سواءٌ كان
حرف استعلاء، أو راء غير مكسورة، فَيُمَال نحو: ((عَلَى
أَبْصَارِهِمْ)) [البقرة:7] (أَبْصَارِهِمْ) لو نظرنا إلى حرف
الاستعلاء (الصَّاد) وقع قبل الألف إذاً: هو مانع، جاءت الرَّاء بعد
الألف مكسورة، منعت تأثير الصَّاد في منع الإمالة فَيُمَال .. رجع إلى
الأصل، كأنَّها أبطلت مفعول الصَّاد فلا تأثير لها.
و (غَارِم) مِمَّا ذكره النَّاظم: (كَغَارِماً) الغين قبل الألف كفَّت
الألف عن الإمالة، لكن جاءت الرَّاء المكسورة فَكَفَّت تأثير الغين، و
(ضَارِب) الألف هذه تُمْنَع لوجود الضَّاد، وهي من حروف الاستعلاء،
جاءت بعد الألف راء فمنعت تأثير المانع الذي هو حرف الاستعلاء، و
(طارق) ونحو: ((دَارُ الْقَرَارِ)) [غافر:39] كذلك، قَرَارِ ألف قبلها
راء مفتوحة، الراء المفتوحة تمنع، (قَرَارِ) راء مكسورة، الرَّاء هنا
منعت نفسها، ولذلك يقول المكُودِي: "ومن العجب أنَّ الرَّاء المكسورة
تَكُفُّ نفسها إذا كانت مفتوحة".
(قَرَارِ) الألف هذه تمنعها الرَّاء
السَّابقة، لأنَّها مفتوحة فهي من الموانع، حينئذٍ منعتها من التأثير
الرَّاء المكسورة التي بعد الألف، ومن العجب أنَّ الراء المكسورة
تَكُّف نفسها إذا كانت مفتوحة. ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء ولا للرَّاء
غير المكسورة، لأنَّ الرَّاء المكسورة غلبت المانع .. قُدِّمت عليه
وكفَّته عن المنع فلم يبق له أثر.
وسبب كَفِّ الرَّاء المكسورة لنفسها ولحرف الاستعلاء: أنَّها
مُكَرَّرة، فتضاعفت فيها الكسرة فقوي بذلك على سبب الإمالة.
وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا. . . . . . . . .
. . .
(بِكَسْرِ رَا) المراد به: الرَّاء المكسورة، لأنَّ الرَّاء المكسورة
بِمنْزلة حرفين مكسورين، فَقوَّت جَنْبَ الإمالة، وهذا عند جمهور
العرب، وبعضهم يجعل الرَّاء المكسورة مَانعةً من الإمالة كالمفتوحة
والمضمومة، لكن المشهور هو الأول.
بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ أَجْفُو ..
كقولك: (غَارِماً) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أجْفُو) .. (لاَ أَجْفُو)
(لاَ) نافية، و (أَجْفُو) فعل مضارع مرفوع بضَمَّة مُقدَّرة.
ومن هنا عُلِم أنَّ شرط كون الرَّاء المانعة من الإمالة: أن تكون غير
مكسورة، لأنَّه قال: (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) أطلق النَّاظم هنا فَشَمِل
المفتوحة والمضمومة والمكسورة، وحينئذٍ الرَّاء المكسورة تَمنع تأثير
المانع، اقتضى أن نُقَيِّد قوله: (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) بأنَّ المراد
بها: المضمومة أو المفتوحة لا المكسورة.
قال الشَّارح: " يعني أنَّه إذا اجتمع حرف الاستعلاء أو الرَّاء التي
ليست مكسورة مع المكسورة غلبتها المكسورة، وَأُمِيلَت الألف لأجلها،
فَيُمَال نحو: (عَلَى أَبْصَارِهِمْ)، و (دَارُ الْقَرَارِ) ".
" وَفُهِم منه جواز إمالة نحو: حِمَارِكَ، لأنَّه إذا كانت الألف
تُمَال لأجل الرَّاء المكسورة مع وجود المقتضِي لترك الإمالة وهو حرف
الاستعلاء، أو الرَّاء التي ليست مكسورة، فإمالتها مع عدم المقتضي
لتركها أولى وأحرى " إذا كانت الرَّاء المكسورة تمنع تأثير المانع،
فإذا لم يوجد مانع من باب أولى أنّهَا تُمَال معها الألف.
وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ... وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ
مَا يَنْفَصِلْ
(وَلاَ تُمِلْ) (لاَ) ناهية، (تُمِلْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لاَ)،
(تُمِلْ لِسَبَبٍ) سواءٌ كان كسرة أو ياء، وسواءٌ تَقدَّم على الألف أو
تَأخَّر، أطلق النَّاظم هنا.
وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ..
(لِمْ يَتَّصِلْ) هذه الجملة نعت لـ: (سَبَبٍ)، (لِسَبَبٍ) غير
مُتَّصلٍ؛ بأن يكون مُنفصلاً من كلمةٍ أخرى .. هذا المراد، ليس المراد
أن يُفْصَل بين الألف (كِتَابْ)، هناك فُصِل بينهما، لكن المراد هنا
الفاصل قد يكون في كلمة والألف في كلمة، هناك قال:
وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ..
بأن يكون منفصلاً من كلمةٍ أخرى، حينئذٍ الإمالة ونحوها تكون في كلمة
واحدة، هذا مثل المَدّ المنفصل والمتَّصِل.
وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ..
يعني: سببٍ غير مُتَّصل، بأن يكون منفصلاً
من كلمةٍ أخرى، فلا تُمَال ألف: سابور، للياء قبلها في قولك: رَأَيْتُ
يَدَيْ سَابُور، (سابور) لا تقل الألف هنا وقعت قبلها ياء (يَدَيْ)،
هنا جاء السَّبَب الياء سابق عن ألف وَفُصِل بينهما بِحرفٍ لَكنَّه في
كلمة مُنفصلة، وإنَّما يكون سبباً للإمالة إذا كان في نفس الكلمة.
إذاً: لا تُمَال ألف (سَابُور) للياء قبلها في كقولك: رأيت يدي سابورٍ،
(يَدَي) آخره ياء، ثُمَّ قلت: سا .. وقعت الألف ثالثة باعتبار الياء،
نقول: لا .. هنا لا تُمَال، لأنَّ هذه الألف مُنفصلة، ولا ألف (مالٍ)
للكسرة قبلها في قولك: لهذا الرجل مالٌ، ما .. كسرة ثُمَّ ميم ثُمَّ
ألف، هل تُميل؟ لا، لأنَّ سبب الكسرة منفصل بكلمةٍ أخرى، وَيُشْتَرَط:
أن يكون في كلمة واحدة.
وكذلك لو قلت: ها إِنْ ذِي عِذْرَه، بالكسر .. (عِذْرَه) و (عُذْرَه)
بالكسر، لم تُمِل ألف ها لكسرة إن (إِنْ عِذْرَه) هنا لا تُمَال؛
لأنَّها من كلمةٍ أخرى، والحاصل أنَّ شرط تأثير سبب الإمالة: أن يكون
من الكلمة التي فيها الألف.
وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ ..
هذا عكسه، يعني: الكَفُّ بحرف الاستعلاء قد لا يكون في نفس الكلمة
ويمنع الإمالة.
(وَالْكَفُّ) هذا مبتدأ، (قَدْ يُوجِبُهُ) الجملة خبر، (قَدْ)
للتَّقليل هنا، (يُوجِبُهُ) يوجب الكَفَّ، (مَا يَنْفَصِلْ) (مَا) هذا
فاعل (يُوجِب)، والضمير (يُوجِبُهُ) في محل نصب مفعول به، و
(يَنْفَصِلْ) الجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (يُوجِبُهُ
مَا يَنْفَصِلْ) يعني: الذي ينفصل، ويصدق على الكاف الذي هو حرف
الاستعلاء، أو الرَّاء غير المكسورة.
وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ ..
يعني: من الموانع كما في نحو: يُرِيْدُ أَنْ يَضْرِبَها قَبْل، هل
تُمَال الألف هنا: يَضْرِبَها قَبْل .. قبل أختها مثلاً؟ قاف منفصلة،
وقبلها ألف في آخر كلمة أخرى.
وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ ..
يعني: لا يُشْتَرط في الكَافِّ الذي يَكُف: أن يكون مُتَّصلاً بنفس
الكلمة، بل قد يكون منفصلاً بخلاف السَّبَب، السَّبَب لا يُؤَثِّر إلا
إذا كان في نفس الكلمة .. كسرة أو ياء، أمَّا إذا كان في كلمة
مُستقلَّة والألف في كلمة أخرى فلا إمالة، بخلاف الكَفْ.
وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ ..
من الموانع كما في نحو: يُرِيْدُ أَنْ يَضْرِبَها قَبْل، فلا تُمَال
الألف لأنَّ القاف بعدها، وهي مانعةٌ من الإمالة، هنا منعت مع كونها
مُنفصلة، وإنَّما أثَّر المانع مُنفصلاً ولم يُؤَثِّر السَّبب منفصلاً؛
لأنَّ الفتحة - يعني: ترك الإمالة - هو الأصل، فَيُصَار إليه لأدنى
سبب، ولا يخرج عنه إلا لسببٍ مُحقَّق، يعني: السَّبب في الإمالة لا
بُدَّ أن يكون مُحقَّقاً.
وإذا وُجِد منفصلاً في كلمةٍ أخرى حينئذٍ ضَعُف وجود السَّبَب، وأمَّا
المانع فهو يَرُدُّنا إلى الأصل وهو: تحقيق الفتحة وَعَدَم الإمالة،
فأدنى ما يَرُدُّنا إلى الأصل نَتَمَسَّك به، فما دام أنَّ المانع وهو
حرف الاستعلاء قد وُجِد بعد ألفٍ في كلمةٍ منفصلة، وحينئذٍ نقول: هذا
يُؤَثِّر في عدم الإمالة.
(وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ) فُهِم منه:
أنَّ ذلك ليس عند كلِّ العرب، (قَدْ) للتَّقليل، (قَدْ يُوجِبُهُ)
فُهِم منه: أنَّ ذلك ليس عند كلِّ العرب، فإنَّ من العرب من لا
يَعْتَدُّ بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمةٍ أخرى فيُميل، يعني
كالسَّبب، لا تأثير له إلا إذا كان في كلمةٍ واحدة، وأمَّا ما اختاره
النَّاظم فهو أنَّه لو .. فرقٌ بين السَّبب والمانع.
قال في (شرح الكافية): " إنَّ سبب الإمالة لا يُؤَثِّر إلا مُتَّصلاً،
وإنَّ سبب المنع قد يُؤَثِّر مُنْفَصِلاً، فيقال: أَتَى أَحْمَدْ،
بالإمالة، و (أَتَى قَاسِمْ) بترك الإمالة " والذي اختاره هنا
التَّفريق بين السَّبب والمانع، فالسَّبب لا يُؤَثِّر إلا متَّصلاً،
والمانع قد يُؤَثِّر وهو منفصل ولكنَّه ليس لغة جميع العرب.
قال الشَّارح: " إذا انفصل سبب الإمالة لم يُؤَثِّر بخلاف سبب المنع
فإنَّه قد يُؤَثِّر مُنْفَصِلاً، فلا يُمَال نحو: أَتَى قَاسِمٌ،
بخلاف: أَتَى أَحْمَدْ ".
(أَتَى أَحْمَدْ) لماذا يُمَال؟ ليس عندنا مانع ولا .. ، (أَتَى)
لوحدها مثل: رَمَى، (رَمَى) .. (أتى) الألف هذه مُنقلِبة عن ياء، إذاً
وُجِد السَّبب الأول الذي هو: الألف المبدلة من ياء (الأَلِفَ
الْمُبْدَلَ مِنْ يَا فِي طَرَفْ أَمِلْ)، أمَّا: (أَتَى قَاسِمٌ)
قَاسِمٌ هنا جاء مانع وهو في الكلمة الثَّانية، وهذا المثال اعترضه
الأشْمُونِي.
وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلاَ ... دَاعٍ سِوَاهُ كَعِمَادَاً
وَتَلاَ
(وَقَدْ أَمَالُوا) (قَدْ) للتَّحقيق، هذا السَّبب السَّادس وهو
التَّناسب، قلنا: هنا تناسب مثل ما سبق في الصَّرْف، (وَقَدْ
أَمَالُوا) (قَدْ) للتَّحقيق، (أَمَالُوا) يعني: العرب، (لِتَنَاسُبٍ)
اللام هنا لِلتَّعليل، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَمَالُوا)، (بِلاَ
دَاعٍ سِوَاهُ) أمالوا بلا داعٍ سواه، (بِلاَ دَاعٍ) يعني: بلا سَبَبٍ
من الأسباب الخمسة السَّابقة، (سِوَاهُ) يعني: سوى التَّناسب، لو وُجِد
سبب آخر غير التَّناسب أحلنا عليه، لكن هنا لا يوجد أي سبب من الأسباب
الخمسة السَّابقة، حينئذٍ عُلِّق الحكم على ما ذُكِر.
هذا هو السَّبب السَّادس من أسباب الإمالة وهو التَّناسب، وتسمَّى:
الإمالة للإمالة، والإمالة لمجاورة المُمَال، وإنَّما أخَّرَه لضعفه
بالنِّسبَة إلى الأسباب المُتقدِّمة، ولإمالة الألف لأجل التَّناسب
صورتان:
إحداهما: أن تُمَال لِمجاورة ألفٍ مُمَالة، كإمالة الألف الثانية في
نحو: رَأَيْتُ عِمَادَا، (عماداً) إذا وقفت عليه تقف بالألف، الألف
الأولى لها سبب: وهو كسر ما قبلها مثل (كتاب)، والألف الثانية التي هي
بدلٌ عن التَّنوين ليس لها سبب، ومع ذلك يجوز إمالتها لِمجاورتها للألف
التي أُمِيلت السَّابقة، إذاً: لم يوجد سبب الإمالة في الألف التي هي
بدلٌ عن التَّنوين إلا كونها مُجاورة للألف المُمَالة حينئذٍ أخذت
حكمها.
أن تُمَال لمجاورة ألفٍ مُمَالة، كإمالة الألف الثانية في نحو: رأيت
عمادا، الألف الثانية بعد الدَّال التي محل الوقف، هذه ألفٌ مُبدلة عن
نون، فإنَّها لمناسبة الألف الأولى فإنَّها مُمَالةٌ لأجل الكسرة:
عِمَا، مثل (كتاب).
والأخرى: أن تُمَال لكونها آخر مُجاور ما
أُمِيل آخره كإمالة ألف: تلا، من قوله: ((وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا))
[الشمس:2] تلا .. يتلو؛ فإنَّها إنَّما أُمِيلت لمناسبة ما بعدها
مِمَّا ألفه عن ياءٍ، يعني: (جَلَّاهَا) و (يَغْشَاهَا) مثل:
((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)) [الضحى:1 - 2] سجى .. يسجي،
إذاً الألف منقلبة عن ياء، لا إشكال في الإمالة، لكن (الضُّحَى) الأصل
ما تُمَال، مأخوذٌ من: (الضَّحوة)، الألف هذه مُنقلِبة عن واو، فالأصل
فيها أنَّها لا تُمَال، لكنَّها أُمِيلت لِمجاورة ما بعدها،
فالتَّراكيب كلها مُمَالة لختمها بألفٍ.
حينئذٍ ما وُجِد فيه السَّبَب فالسَّبب مُقدَّم للتَّعليل، وما لم يوجد
فَأُمِيل مثل: (وَالضُّحَى) نقول: هنا أُمِيل للتَّناسب، ولكنَّه فرقٌ
بين (عِمَادَا) وبين (والضُّحَى)، (عِمَادَا) في كلمة واحدة، وأمَّا
(الضُّحَى) فلمجاورة تركيبٍ آخر أُمِيل فيه الألف وإن لم يوجد فيه
السَّبَب.
وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلاَ ... دَاعٍ سِوَاهُ. . . . . . . .
. . . .
(سِوَاهُ) يعني: سوى التناسب .. الضمير يعود إلى التَّناسب،
(كَعِمَادَا) الأصل لا يُقرأ بالتنوين، (كَعِمَادَا وَتَلاَ) إذا قلت:
رأيت عمادا، ثُمَّ وقفت عليه فقلبت التَّنوين ألفاً، فحينئذٍ تُمِيل
الألفين معاً يعني: الألف التي بعد الميم، والألف المبدلة من
التَّنوين، أمَّا الألف التي بعد الميم فلإمالتها سببٌ: وهو كسر العين
قبلها، وأمَّا الألف المبدلة عن التَّنوين فلا سبب لإمالتها إلا
المناسبة للألف المُمَالة قبلها.
(وَتَلاَ) هذا معطوف على (عِمَادَاً)، كقولك: عماداً، وقولك: (تَلاَ)،
من قوله: ((وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)) [الشمس:2] فالألف فيه منقلبة
عن واوٍ فلا حَظَّ لها في الإمالة، لكن أُمِيلت لمناسبة رؤوس الآي،
وفيها ما لإمالته سببٌ نحو: ((إِذَا جَلَّاهَا)) [الشمس:3].
قال الشَّارح: " فلا تُمَال الألف الخالية من سبب الإمالة لمناسبة ألفٍ
قبلها مشتملةٍ على سبب الإمالة، كإمالة الألف الثانية من نحو:
عَمَادَا، لمناسبة الألف المُمَالة قبلها، وكإمالة ألف (تَلاَ) كذلك ".
وَلاَ تُمِلْ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا ... دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَهَا
وَغَيْرَنَا
قلنا: الإمالة إنَّما تكون في الأسماء المُتمكِّنَة والأفعال.
قال:
وَلاَ تُمِلْ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا ... دُونَ سَمَاعٍ. . . . . .
. . . . .
يعني: إذا جاء شيءٌ من الأسماء غير المُتمكِّنَة وقد أُمِيل نقول: هذا
سماع، يعني: أسماء الإشارة (ذا) إذا أُمِيل نقول: هذا سماع، لأنَّه اسم
غير مُتمكِّن، كذلك الحروف كـ: (حتَّى) و (بلى)، سُمِع أنَّها تُمَال
حينئذٍ نقول: هذا مسموعٌ، لأنَّ مَحلَّ الإمالة إنَّما يكون في الأسماء
المُتمكِّنة.
(وَلاَ تُمِلْ) (لاَ) ناهية، و (تُمِلْ) فعل مضارع مجزومٌ بـ: (لاَ)
وجزمه سكون آخره، (مَا) مفعولٌ به، (لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا)
(تَمَكُّنَا) مفعول به، و (يَنلْ) الضمير هنا يعود على (مَا)، (وَلاَ
تُمِلْ) اسماً أو فعلاً، ونقول: هنا المراد به الاسم، لأنَّ التَّمكُّن
إنَّما يُوصف به الاسم دون الفعل.
(وَلاَ تُمِلْ) اسماً (مَا لَمْ يَنلْ
تَمَكُّنَاً) من الأسماء (دُونَ سَمَاعٍ)، أي: الإمالة من خواصِّ
الأفعال والأسماء المُتمكِّنَة، فلذلك لا تَطَّرِد إمالة غير
المُتمَكِّن نحو (إذا) و (مَا) النافية، إلا (هاء) و (نا) وهي استثناها
النَّاظم، لذلك قال: (غَيْرَهَا وَغَيْرَ نَا) (هَا) هذا لفظ ضمير
المُؤنَّثة الغائبة: ضربها .. ضربتها إلى آخره، و (نَا) الدَّالة على
المُتكلِّم أو المُتكلِّمِين .. المُتكلِّم وحده أو معه غيره، تقول:
هذان الاسمان غير مُتَمَكِّنَيْن، ومع ذلك أُمِيلا، نقول: هذا موقوفٌ
على السَّماع، وكثُرت الإمالة فيها، نحو: مَرَّ بها ونظر إليها،
وَمَرَّ بِنَا ونظر إلينا، فهذان تَطَّرِد إمالتهما لكثرة استعمالهما.
قوله: (دُونَ سَمَاعٍ) أشار به إلى ما سُمِعت إمالته من الاسم غير
المُتمكِّن، وهو (ذَا) الاشارية، (ومتى)، و (أنَّى) وقد أُمِيل من
الحروف (بلى)، و (ياء) في النِّداء، وقيل: (حتَّى) وغير ذلك مِمَّا
عَدَّه الشُّرَّاح.
(دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَ) بالنَّصب، (دُونَ) هذا مُتعلِّق بقوله:
(تُمِلْ) وَلَا تُمِلْ دُونَ سَمَاعٍ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا ..
الذي لم ينل .. لم يكن له نصيب من التَّمكُّن لا تُمِله دون سماعٍ،
فالأمر موقوفٌ على السَّماع، وما عداه فهو قياسي، يعني: الأسماء
المُتمكِّنَة قياس ليس موقوف على السَّماع، وأمَّا غير المُتمكِّن
حينئذٍ لا بُدَّ من السَّماع.
(غَيْرَ) هذا منصوب على الحال أو الاستثناء وهو مضاف، و (هَا) مضافٌ
إليه، (وَغَيْرَ) معطوف على (غَيْرَ)، وهو مضاف، و (نَا) مضافٌ إليه.
مقتضاه: أنَّ إمالة (ها) و (نا) ليست من القسم المسموع:
دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَ هَا ونَا ..
فأملها ولو لم يُسْمَع .. هذا ظاهره، على كلٍ: ليس هذا المراد، مع
أنَّها منه وإن كَثُرت، فكان الأولى أن يقول: إلا الذي سُمِع نحو: ها
ونا، إذاً قوله:
دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَهَا وَغَيْرَنَا ..
هذا يُفْهَم منه أنَّ (ها) و (نا) لم يُسْمَع فيهما الإمالة، وليس
الأمر كذلك.
قال الشَّارح: " الإمالة من خَواصِّ الأسماء المُتمكِّنة، فلا يُمَال
غير المُتمكِّن إلا سماعاً، إلا (ها) و (نا) فإنهما يُمَالان قياساً
مُطَّرِدَاً مع أنَّه سُمِع فيهما، نحو: يريد أن يضربها، وَمَرَّ بِنَا
".
ولا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو: يا فتى .. يا حبلى، لأنَّ الأصل
فيه الإعراب، إذاً: إذا كان البناء عارضاً الإمالة لم تُمْنَع، أيضاً:
لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنياً خلاف ما أوهمه
كلام النَّاظم هنا. الفعل الماضي يُمَال، كذلك ما عَرَض بناؤه كالمنادى
نحو؟؟؟ كذلك يُمَال.
لَمَّا فرغ من إمالة الألف وأسبابها انتقل إلى إمالة الفتحة ولها
سببان، أشار إلى السبب الأول بقوله:
وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . .
. . . . . . .
(وَالْفَتْحَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله:
(أَمِلْ)، و (قَبْلَ) هذا مُتعلِّق ظرف .. منصوب على الظرفية ..
مُتعلِّق بقوله: (أَمِلْ)، (أَمِلْ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ) راءٍ مكسورة،
هذا من إضافة الصِّفة إلى الموصوف، (فِي طَرَفْ) هذا مُتعلِّق بمحذوف
نعت لـ: (رَاء)، يعني: الفتحة إذا وقعت قبل راءٍ مكسورة، (فِي طَرَفٍ
أَمِلْ) أملها، إذا وقعت الفتحة قبل راءٍ مكسورة، وهذه الرِّاء
المكسورة مُتَطرِّفة، هذا السَّبب الأول.
(أَمِلْ) هذا أمر، أطلق النَّاظم فَعُلِم أنَّ الإمالة في ذلك وصلاً
ووقفاً، بِخلاف السَّبب الثاني الآتي، وأنَّ الإمالة جائزة في حرف
الاستعلاء وفي غيره، لم يُقَيِّده بالكفِّ فهو عام هنا سواءٌ سبقه حرف
استعلاء أو لا، أو راء أو لا، كل ما سبق من الأمور السَّابقة.
وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . .
. . . . . . .
فُهِم منه: أنَّ المُمَال في ذلك هو الفتح لا المفتوح، لأنَّ المفتوح
هو الحرف، وهنا الإمالة إمالة حركة وليست إمالة حرفٍ، لأنَّه قال:
(وَالْفَتْحَ) ولم يقل الألف، لو كان الألف لقلنا المراد هنا: الإمالة
للحرف، يعني: يُمَال وَيُنَحَّى إلى ياءٍ، وهنا الفتحة تُنَحَّى
وَتُمَال إلى كسرة.
ولا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف استعلاء نحو: من البقر، أو في راءٍ
نحو: بِشَرر، أو في غيرهما نحو: من الكِبَر.
(فِي طَرَفٍ) اشترط كون الراء في الطَّرف هو بالنظر إلى الغالب، يعني:
اشتراط النَّاظم هنا لكون الرَّاء في الطَّرف هو بالنَّظر إلى الغالب
وليس ذلك بلازم، وقد ذكر سيبويه إمالة فتحة الطَّاء في نحو: رَأَيْتُ
خَبْطَ رِيَاحٍ.
كَـ"لِلأَيْسَرِ مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ" ..
(مِلْ للأَيْسَر) يعني: الجهة الأيسر، الراء هنا مكسورة وقعت طرفاً
وقبلها فتحة، أمل الفتحة، وقد وُجِد الشَّرط وأنَّها: (قَبْلَ كَسْرِ
رَاءٍ فِي طَرَفٍ) .. وُجِد السَّبب: راءٌ مكسورة في طرفٍ قبلها فتحة،
إذاً: تُمَال الفتحة إلى الكسرة كما تُمَال الألف، لأنَّ الغرض الذي
لأجله تُمَال الألف: وهو مُشَاكَلة الأصوات، وتقريب بعضها من بعضٍ
موجودٌ في الحركة، كما أنَّه موجودٌ في الحرف، فالِعلَّة موجودة.
كَـ"لِلأَيْسَرِ مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ" ..
هذا تَتِمَّة (تُكْفَ) هذا مُغيَّر الصيغة مجزوم لوقوعه في جواب
الطَّلب، (مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ) (كُلَفْ) هذا مفعول ثاني، والضمير
المستتر نائب الفاعل في (تُكْفَ) مفعوله الأول، و (تُكْفَ) هذا مجزومٌ
بحذف حرف العِلَّة وهو الألف، (لِلأَيْسَرِ مِلْ) (لِلأَيْسَرِ) جار
ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مِلْ)، كقولك: مل للأيسر، والجملة في محل نصب
مقول لقولٍ محذوف.
إذاً:
وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . .
. . . . . . . .
(قَبْلَ) فُهِم منه: أنَّ الفتحة لا تُمَال لكسرة راءٍ قبلها نحو:
رِمَمْ، رِمَمْ مِيمٌ مفتوحة قبلها كسرة، والنَّاظم هنا شرط: (فَتْحَ
قَبْلَ كَسْرٍ) فلو كانت الكسرة قبل فتحٍ لا تُمَال نحو: رِمَمْ.
كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ إِذَا مَا
كَانَ غَيْرَ أَلِفِ
(كَذَا) هذا السَّبب الثاني من سببي إمالة
الفتحة، فَتُمَال كُلُّ فتحةٍ تليها هاء التَّأنيث إلا أنَّ إمالتها
مخصوصة بالوقف، (كَذَا الَّذِي تَلِيهِ) الضَّمير هنا يعود إلى الفتح،
لأنَّه الذي يُمَال لا الحرف (الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ)،
يعني: إذا وقفت على تاء تأنيث قبلها فتحة فَأَمِل الفتحة إلى الكسرة.
(كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق .. الفتح، (الَّذِي تَلِيهِ هَا
التَّأْنِيث) (كَذَا) أي: مثل ذاك الفتح الذي يُمَال إلى الكسر،
(الَّذِي) مبتدأ، (تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي وَقْفٍ) نحو: نِعْمَه،
نِعْمَه وُجِد الشَّرط ميمٌ مفتوحة .. الفتحة وهي التي تُمَال قبل هاء
التأنيث في الوقف، حينئذٍ تُمَال الفتحة إلى الكسرة.
(كَذَا الَّذِي) هذا مبتدأ، (تَلِيهِ هَا) (هَا) هذا فاعل (تَلِي)،
قصره للضرورة وهو مضاف، و (التَّأْنِيث) مضافٌ إليه، والضمير في
(تَلِيهِ) يعود إلى الفتح، لأنَّه الذي يُمَال لا الحرف الذي تليه هاء
التأنيث، وإذا كان كذلك فلا وجه لاستثناء النَّاظم الألف بقوله:
إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِف ..
يعني: تُمَال الفتحة إلا إذا كان ما قبلها ألف، نحن نَتكلَّم في إمالة
الفتحة، والألف إنَّما يكون في إمالة الحروف فكيف دخل في قوله ما سبق
ثُمَّ أخرجه؟ هذا فيه نظر.
كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ. . . . . . . .
. . . . .
(فِي وَقْفٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (تَلِي)، (إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ
أَلِف) (مَا) هذه زائدة، كان الذي تليه هاء التأنيث (غَيْرَ أَلِف)،
احترز به عَمَّا إذا كان قبل الهاء ألفٌ، فإنَّها لا تُمَال نحو:
الصَّلاة والحياة، هذا انتهى، (الصَّلاة) الألف هذه لا تُمَال لكونها
قبل تاء التأنيث، ليست مثل (نعمة)، لكن نقول: هذا ليس بداخلٍ معنا هنا.
نحن في القسم الثَّاني: وهو إمالة الفتحة إلى الكسرة، لها سببان:
الأول: أن تقع قبل راءٍ مكسورة في طرفٍ غالباً مثل: (لِلأَيْسَرِ
مِلْ).
الثاني: أن تكون الفتحة التي تُمَال إلى الكسرة قبل تاء التأنيث وقفاً.
حينئذٍ لا داعي لقوله: (إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِف) فاستثنى نحو:
صلاه، إذا وقفت عليها الألف لا تُمَال، ونحن لا نتحدث عن إمالة الألف،
وإنَّما نتحدث عن إمالة الفتحة.
كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ إِذَا مَا
كَانَ. . . . . . .
الذي تليه هاء التأنيث (غَيْرَ أَلِف)، (كَانَ) اسمها ضمير مستتر يعود
على (الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيث)، (غَيْرَ) هذا خبر (كَانَ) وهو
مضاف، و (أَلِفِ) مضافٌ إليه.
فُهِم منه: أنَّ الإمالة جائزة في جميع الحروف ما عدا الألف، هذا إذا
قلنا بأنَّه داخلٌ هنا.
هذا هو السَّبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فَتُمَال كُلُّ فتحةٍ
تليها هاء التأنيث إلا أنَّ إمالتها مخصوصةٌ بالوقف، وَشَمِل قوله:
(هَاءَ التَّأْنِيثْ) هاء المبالغة نحو: علامة، وإمالته جائزة، وخرج
بهاء التأنيث هاء السَّكْت نحو: ((كِتَابِيَهْ)) [الحاقة:19] الياء
مفتوحة، وقفت على هاء السَّكْت، فلا تُمَال الفتحة قبلها على الصَّحيح
خلافاً للكِسائي.
إذاً: قوله:
إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِفِ ..
هذا مُسْتَدْرَك، لكن قيل: إذا كان كذلك
فلا وجه لاستثناء الألف بقوله .. إلى آخره، إذ لم يندرج الألف في
الفتح، وهو إنَّما فعله لدفع تَوَهُّم أنَّ هاء التأنيث تُسَوِّغ إمالة
الألف كما سَوَّغت إمالة الفتحة، يعني: قد يظن الظَّان بأنَّ: نِعْمَه،
أُمِيلت الفتحة إلى الكسرة لأجل تاء التَّأنيث، إذاً (صلاه) فلنمل
الألف من باب القياس لأنه وُقِف على تاء التأنيث .. قد يوهم ذلك،
حينئذٍ يُعْتَذَر على النَّاظم بذلك.
وهو إنَّما فعله لدفع تَوَهُّم، إذاً: ليس قيداً فيما ذُكِر .. هذا
يُؤَكِّده المعنى، لأنَّ البحث في إمالة الفتحة، لئلا يَتَوَهَّم
مُتَوَهِّمٌ بالقياس الفاشل الفاسد منعه النَّاظم، إنَّما فعله لدفع
تَوَهُّم أنَّ هاء التأنيث تُسَوِّغ إمالة الألف كما سَوَّغت إمالة
الفتحة.
ولم يقل هنا النَّاظم: تاء التأنيث، لتخرج التاء التي لم تُقْلب هاءً
فإن الفتحة لا تُمَال قبلها، وإنَّما شَبَّهوا (هَاء التَّأْنِيثِ) هنا
بألفه لاتِّفاقهما في المخرج والمعنى والزِّيادة والتَّطرُّف والاختصاص
بالأسماء، لماذا خَصُّوا الحكم بتاء التأنيث؟
قالوا: حملوا تاء التأنيث على نحو: حُبْلَى، للمشابهة في المخرج
والمعنى والزِّيادة والتَّطرُّف والاختصاص بالأسماء.
قال الشَّارح هنا: " أي تُمَال الفتحة قبل الراء المكسورة وصلاً ووقفاً
نحو: بِشَرَرْ ".
راءٍ مكسورة قبلها فتحة، (وللأَيْسَرِ مِلْ) هذا ما ذهب إليه في البيت
السَّابق .. السَّبب الأول، والسَّبب الثاني: كذلك يُمَال ما ولِيَه
فتحٌ وليه هاء التأنيث من نحو: قَيِّمَه وَنِعْمَه – لكنه وقفاً -
وَرَحْمَه وَقَصْعَه، وأمَّا الألف فلا إمالة فيها نحو: فتاه وحصاه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ...
!!!
|