شرح ألفية ابن مالك للحازمي عناصر الدرس
* فصل ... قلب الياء واواَ من ,,فعلى .. اسماَ ,وبالعكس
* فصل .. حكم اجتماع الواو والياء في كلمة
* شروط قلب الواو والياء الفاَ وموانع القلب
* خلاصة الأبيات
* قلب النون ميماَ وشروطه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ
وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد:
قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (فَصْلٌ).
مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ ... يَاءٍ كَتَقْوَى
غَالِبَاً جَا ذَا الْبَدَلْ
بِالْعَكْسِ جَاءَ لاَمُ فُعْلَى وَصْفَا ... وَكَوْنُ قُصْوَى
نَادِرَاً لاَ يَخْفَى
لا زال النَّاظم رحمه الله تعالى يُبَيِّن حروف الإبدال، وما يُبْدل
بعضها عن بعض، وفَصَّل هذه المسائل بعدَّة فصول من باب التَّنويع فقط،
وإلا كلها داخلةٌ تحت باب: (الاِبْدَالِ).
قلنا: (الاِبْدَالِ) من قوله: (أَحْرُفُ الاِبْدَالِ) إلى آخر باب
الإدغام، كلها يجمعها (الاِبْدَالِ) بالمعنى العام، لذلك أراد النَّاظم
بـ: (الاِبْدَالِ): ما يَعُمُّ القلب.
(فَصْلٌ)
مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ ... يَاءٍ. . . . . .
. . . . . . . .
(بَدَلَ يَاءٍ) (بَدَلَ) بالنَّصب، وقف عليه ضرورة هنا، (بَدَلَ) مضاف،
و (يَاءٍ) مضاف إليه، فصل بين المضاف والمضاف إليه ضرورةً، ووقف على
اللام، لا نقول على لغة ربيعة هذا غلط، لأنَّه لا يوقف على المضاف دون
المضاف إليه، وإنَّما نقول: (بَدَلَ يَاءٍ) لأنَّه غير مُنَوَّن حتى
نقول: وقف على لغة ربيعة، يعني: ترك الألف ووقف على التَّسكين، وإنَّما
اضطرَّه هنا الوزن إلى أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه، فوقف على
الأول بالإسكان، يعني: بدل الفتحة، الأصل: (بَدَلَ ياءٍ) إذاً:
(بَدَلَ) مضاف، و (يَاءٍ) مضاف إليه.
إذا وقف على (بَدَلْ) حينئذٍ هو ليس مُنَوَّنَاً وإنَّما هو مضاف،
حينئذٍ نقول: سَكَّنه للضرورة ولا نقول على لغة ربيعة، (أَتَى الْوَاوُ
بَدَلْ يَاءٍ مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً) (أَتَى) فعل ماضي، و
(الْوَاوُ) فاعل، وقوله: (مِنْ لاِمِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:
(بَدَلْ يَاءٍ)، و (لاَمِ) مضاف، و (فَعْلَى) مضافٌ إليه، و (اسْماً)
هذا حالٌ من (فَعْلَى).
(جَا ذَا الْبَدَلْ غَالِبَاً) إذاً ليس بِمطَّرِد، (غَالِبَاً) هذا
حالٌ من (ذَا)، الذي هو فاعل (جَا)، و (جَا) هنا لغة في: جاء يجيء، ولا
نقول: ضرورة كذلك، إنَّما هو لغةٌ في: (جَاء)، (جَا) فعل ماضي، و (ذَا)
اسم إشارة، و (الْبَدَلْ) بدل أو عطف بيان، أو نعت لسابقه، و
(غَالِبَاً) هذا حالٌ من (ذَا)، أو منصوبٌ بنزع الخافض: في الغالب.
إذاً: جا ذا البدل غالباً من لام فعلى، يعني: أنَّ الياء تُبْدَل
غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ: (فَعْلَى اسْماً)، بفتح الفاء، وسبق
أنَّ (فَعْلَى) فيما سبق أنَّها تكون عين (فُعْلَى وَصْفَا) وهذا سيأتي
في البيت الذي يليه.
(مِنْ لاَمِ فَعْلَى اسْماً) إذاً: الياء
تُبْدَل غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ: (فَعْلَى اسْماً)، بفتح الفاء
وسكون العين، نحو: تقوى وفتوى، هنا أُبْدِلَت الياء واواً، أتى الواو
بدل ياءٍ، إذاً: الأصل أنَّها يائِيَّةٌ، إذاً (تَقْوَى) هذه الواو
مُبْدَلة عن ياء، و (فتوى) هذه الواو مُبْدَلة عن ياء، و (بَقْوَى) أو
(بُقْوَى) الواو هذه بدلٌ عن ياء، كذلك (سَرْوَى) على وزن (فَعْلَى)
هذه الواو بدلاً عن ياء، وأصلها: سَرْيَا وَتَقْيَا وَفُتْيَا
وَبُقْيَا.
وإنَّما قُلِبَت وإن لم يكن لقلبها مُوجِب لفظي فرقاً بين الاسم
والصِّفة، ولذلك قال: (فَعْلَى اسْماً) إذاً لا صِفةً، هي في نفسها ليس
لها موجب لفظي لقلب الياء واواً، وإنَّما من باب الفرق بين (فَعْلَى
اسْمَاً) و (فَعْلَى) صفةً.
إذاً: أتى الواو بدل ياءٍ من لام فعلى اسماً .. حال كونه اسماً، فإن
كان صِفةً حينئذٍ لا يُبْدَل الياء واواً.
إذاً خلاصة البيت: أنَّ الياء تُبْدَل غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ:
(فَعْلَى اسْماً) نحو: تقوى، كما مَثَّل النَّاظم: (كَتَقْوَى) أصلها:
تقيَا، قُلِبَت الياء واواً فصارت: تقوى، هل هناك موجب لفظي .. فُتِحَت
الواو أو الياء فانقلبت؟ ليس لها موجب، إلا أنَّه يُفَرَّق بين
(فَعْلَى اسْماً) وصفةً، ولذلك قيَّده (فَعْلَى اسْماً) حالٌ من
(فَعْلَى).
قال الشَّارح: " تُبْدَل الواو من الياء الواقعة لام اسمٍ على وزن
(فَعْلَى) نحو: تقوى: وأصله: تقيَا"
فالياء هنا لام (فَعْلَى) وهي اسمٌ لا وصفٌ، لأنه من: تقيت، فإن كانت
(فَعْلَى) صِفةً لم تُبْدَل الياء واواً، إذاً: فرَّقوا بين (فَعْلَى
اسْماً) وصِفةً، فإن وقعت الياء لاماً لـ: (فَعْلَى) وهو اسمٌ، حينئذٍ
قُلِبَت الياء واواً، وإن وقعت الياء لاماً لـ: (فَعْلَى) وهو صفةٌ لم
تُقْلَب واواً، هل هناك عِلَّة لفظية، أو موجب لفظي في (فَعْلَى
اسْماً)؟
الجواب: لا، وإنَّما هو للفرق بين (فَعْلَى اسْماً) و (فَعْلَى) صِفةً،
إذاً: فإن كانت (فَعْلَى) صفةً لم تُبْدَل الياء واواً نحو: صديا ..
تقيا، لا فرق بينهما في الوزن، (تقيا) هذه الياء قُلِبَت واواً صارت:
تقوى، و (صديا) هذه الياء بقيت على أصلها، لماذا؟ لكون: صديا، هذه صفة
.. ليس باسمٍ، لأنَّه مُؤنَّث: صديا، و (خزيا) على وزن (فَعْلَى)، كذلك
هو صفةٌ وليس باسمٍ، لأنَّه مُؤنَّث: خزيان، ومثل (تقوى): فتوى، بِمعنى
الفتيا، و (بقوى) بمعنى: البُقيا، كذلك (سروى) بمعنى: سُريا.
واحترز بقوله: (غَالِبَاً) مِمَّا لم تُبْدَل الياء فيه واواً وهي لام
اسمٍ على (فَعْلَى)، كقولهم للرائحة الحسنة: رَيَّاً، و (طَفْيَاً)
لولد البقرة الوحشية.
إذاً قوله (غَالِبَاً): احترز به من غير الغالب، بحيث إنَّه جاءت اللام
ياءً من (فَعْلَى اسماً) ولم تُقْلَب، إذاً: القاعدة هنا ليست
مُطَّردة، وإنَّما هي قاعدةٌ أغلبية.
وخَصَّوا الاسم بالإعلال، لأنَّه أخفُّ من
الصِّفة، لماذا لم يعكسوا .. لو قيل: بأنَّه قُلِبَت ياء (فَعْلَى)
اسماً واواً للفرق بينها وبين الصِّفة .. لماذا لم يعكسوا، فيجعلوا
القلب في الصِّفة دون الاسم؟ قالوا: الصِّفة ثقيلة، والاسم أخف، حينئذٍ
كان الإعلال بالأخف أولى من أن يكون بالصِّفة.
إذاً: خصَّوا الاسم بالإعلال لأنَّه أخفُّ من الصِّفة، فكان أحمل
للثِّقل، لأنَّ الإعلال ثِقَل، الواو ثقيلة أثقل من الياء، والصِّفة
ثقيلة، لأنَّها تدل على معنى، والاسم خفيف، لأنَّه يدل على ذاتٍ فحسب،
فحينئذٍ أيُّهما أولى؟ الخفيف يُعْطَى الثقيل، وأمَّا الثقيل فيبقى على
حاله وهو الياء، إذاً قوله: (أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ يَاءٍ مِنْ لامِ
فَعْلَى) (بَدَلْ) هذا (فَعَل) مصدر، ولذلك تَعلَّق به قوله: (مِنْ
لامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بالمضاف، لماذا تَعلَّق به؟ لأنَّه مصدر،
والمصدر من مُتعلَّقات الجار والمجرور.
(لامِ) مضاف، و (فَعْلَى) قُصِدَ لفظه وهو مضافٌ إليه، (اسْماً) هذا
حالٌ من (فَعْلَى)، يعني: لا وصفاً، فإن كان وصفاً خرج عن القيد،
(كَتَقْوَى) وذلك (كَتَقْوَى) (تَقْوَى) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف
خبر لمبتدأ محذوف تقديره: وذلك كَتَقْوَى.
ثُمَّ استدرك لئلا يُظَن بأنَّ هذه القاعدة مُطَّردة في جميع المفردات
قال: (جَا ذَا الْبَدَلُ غَالِبَاً) وليس بِمطَّردٍ.
ثُمَّ قال:
بِالْعَكْسِ جَاءَ لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً ..
(بِالْعَكْسِ) هذا حالٌ مُقدَّم من فاعل (جَا)، النَّاظم يأتي تارةً
بـ: (جَاء) إذا أمكنه ذلك، وتارةً يأتي بـ: (جَا)، وكلاهما لغةٌ،
(جَاءَ) هذا فعل ماضي، (لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً) (لاَمُ) فاعل (جَاءَ)،
وهو مضاف، و (فُعْلَى) قُصِدَ لفظه مضافٌ إليه، (وَصْفاً) هذا حالٌ من
(لاَمُ فُعْلَى) .. حالٌ من الفاعل.
(بِالْعَكْسِ) هذا حالٌ مُتقدِّم من فاعل (جَا) حال كونه
(بِالْعَكْسِ)، والمراد (بِالْعَكْسِ) هنا: العكس اللغوي، يعني:
خلافاً، يعني: تُبْدَل الواو الواقعة لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً)
ياءً، عكس ما سبق، الذي سبق: تُبْدَل الياء واواً، هنا تُبْدَل الواو
ياءً، متى؟ إذا كان (فُعْلَى) لامه واواً .. إذا وقع (فُعْلَى) لامه
واواً، (وَصْفَاً) فيما سبق قال: لـ (فُعْلَى وَصْفَاً) إن تكن عيناً
بالوجهين .. إذا وقعت الياء عيناً لصفةٍ على وزن (فُعْلَى) فيها
الوجهان، هذا فيما إذا وقعت الياء عيناً، وأمَّا هنا فالكلام في اللام،
فلا يلتبس هذا بذاك، إذا وقعت الواو لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً)
احترازاً من الاسم، قُلِبَت الواو ياءً نحو: دُنْيا وعُلْيَا.
وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى ..
(قُصْوَى) هذه لغة أهل الحجاز .. نطقوا بـ:
(قُصْوَى)، أشار به إلى لغة الحجازيين في (قُصْوَى)، والقياس فيه:
قُصِيا، بقلب الواو ياءً، وهذا الشُّذوذ هنا شاذٌّ قياساً قيل: فصيحٌ
استعمالاً، هكذا عَبَّر ابن هشام في (الأوضح): شاذٌّ قياساً لكنه فصيحٌ
استعمالاً، وهذا سبق التأكيد عليه مراراً بأنَّ الشَّاذ المراد به: ما
خالف القواعد، وأمَّا كونه فصيح أو لا قد لا يكون كذلك، قد يكون في
القرآن، وحينئذٍ نقول: هو فصيح، إذاً: فصيحٌ استعمالاً ونحكم عليه
بكونه شاذًّ، ولا يلزم أن يكون شاذًّا أن يكون قليلاً وليس بفصيح، بل
قد يكون فصيحاً ونحكم عليه بالشُّذوذ.
وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى ..
أشار به إلى لغة الحجازيين في (قُصْوَى)، والقياس فيه: قُصْيا، بقلب
الواو ياءً، لأنَّه من باب: دنيا وعُلْيَا، وبنو تميم يقولون: قُصْيَا،
على القياس.
إذاً: تُبْدَل الواو الواقعة لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً) ياءً نحو:
دنيا، لأنَّها مأخوذةٌ من: الدُّنو، دنيا على وزن (فُعْلَى) الأصل:
دُنْوَا، إذاً: اللام وقعت واواً.
معنى البيت: أنَّ (لاَم فُعْلَى وَصْفَاً) بِضمِّ الفاء إذا كانت واواً
أُبْدِلَت ياءً نحو: دُنْيَا وعُلْيَا، فأصلهما: دُنْوَا، واوٌ مفتوحة
بعدها ألف: وعُلْوَا، لأنَّهما من الدُّنو والعُلوّ، وإنَّما أُبْدِلَت
هنا أيضاً فرقاً بين الاسم والصِّفة .. ليس فيه موجبٌ لفظي، وهذا شأن
الصَّرف عموماً، الأصل فيه: السَّماع .. أن يُحْفَظ: ما كان على كذا
فَيُقْلَب واواً .. تنطق به واوا، أو ياءً، أو تقلب الواو ياءً، والعلل
الغالب فيها أنَّها علل عليلة، ولذلك ليست كالنَّحو، النحو يفترق عن
الصرف، الصرف أكثره مسائل تحفظ .. قواعد، وما عداه لا يُعَوَّل عليه.
إذاً: (لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً) بضمِّ الفاء إذا كانت واواً أُبْدِلَت
ياءً: دُنْيَا .. دُنْوَا، عُلْيَا .. عُلْوَا، وهذا نقول: مستعملٌ في
لسان العرب، قُلِبَت الواو ياءً، (بِالْعَكْسِ) قلنا: هذا مُتعلِّق
بمحذوف حال مُقدَّم من فاعل (جَاءَ)، (جَاءَ) فعل ماضي، و (لاَمُ
فُعْلَى) فاعل، و (وَصْفَاً) حالٌ.
وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى ..
(كَوْنُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (قُصْوَى) مضافٌ إليه .. من إضافة
الكون إلى اسمه، و (نَادِرَاً) هذا خبر الكون، و (لاَ يَخْفَى) خبر
المبتدأ، وأشار به إلى لغة الحجازيين، وهو كأنَّهم نطقوا بـ: (قُصْوَى)
والقاعدة أنَّه: قُصيا، وبنو تميم نطقوا به على القياس، وليس ثَمَّ
عِلَّةٌ أو موجبٌ لفظي يُعَلَّق عليه الحكم، وإنَّما هو السَّماع فحسب،
وعَلَّلوه بالفرق بين الاسم والصِّفة.
وشذَّ قول أهل الحجاز: (القُصْوَى)، فإن كانت (فُعْلَى) اسماً سلمت
الواو كـ: حُزوى، لأنَّه قَيَّده بقوله: (وَصْفَاً)، إن كان اسماً
حينئذٍ بقي على أصله ولم تُعلَّ الواو.
ثُمَّ قال النَّاظم: (فَصْلٌ).
إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ... وَاتَّصَلاَ وَمِنْ
عُرُوضٍ عَرِيَا
فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ مُدْغِمَا ... وَشَذَّ مُعْطىً غَيْرَ مَا
قَدْ رُسِمَا
هذا الفصل ذكر فيه مسألتين فقط:
المسألة الأولى: إذا اجتمعت الواو والياء
في كلمة واحدة، وسبقت إحداهما بالسُّكون - مرت معنا مراراً، فالقاعدة
تحفظ والأمثلة كثيرة جداً -، إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة،
وسبقت إحداهما بالسُّكون حينئذٍ تقلب الواو ياءً، ثُمَّ تُدْغِم الياء
في الياء.
المسألة الثانية أيضاً شهيرة: وهي قلب الواو أو الياء ألفاً: قَوَلَ،
تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، (بَيَعَ) تَحرَّكت
الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، وسيذكر لها عشرة شروط في
الأبيات الآتية.
إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ..
(إِنْ) شرطية، و (يَسْكُنْ) فعل مضارع، (السَّابِقُ) هذا فاعله، (إِنْ
يَسْكُنِ السَّابِقُ) إذاً: قَيَّده، هذا أول قيد: أن يكون السابق
ساكناً، (مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ) (مِنْ وَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:
(يَسْكُن)، (وَيَاءٍ) معطوف على (وَاوٍ)، إذاً: إن يسكن واحدٌ من هذين
إمَّا الواو وإمَّا الياء.
(وَاتَّصَلاَ) (اتَّصَلاَ) فعل ماضي، والألف هذه فاعل تعود إلى الواو
والياء، (اتَّصَلاَ) معطوف على (يَسْكُنْ) لأنَّه شرط، (وَمِنْ
عُرُوضٍ) (عُرُوضٍ) هذا مصدر: عَرَضَ، (وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا)
(عَرِيَا) أيضاً الألف هنا فاعل، (وَمِنْ عُرُوضٍ) جار ومجرور مُتعلِّق
بقوله: (عَرِيَا) والألف فاعل.
(فَيَاءً) الفاء واقعة في جواب الشَّرط:
إِنْ يَسْكُنِ فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ ..
يعني: فاقْلِبَنَّ الْوَاوَ ياءً، إذاً: اجتمعت الواو والياء، وسبق
إحداهما بالسُّكون، واتَّصلا في كلمةٍ واحدة لا في كلمتين، حينئذٍ وجب
قلب الواو ياءً، (مُدْغِمَاً) هذا حال من فاعل (اقْلِبَنَّ)، (اقْلِبْ)
فعل أمر مبنيٌّ على الفتح، والنون هذه نون التوكيد الثقيلة،
(اقْلِبَنَّ الواوَ ياءً)، ولذلك تَقَدَّم عليه المفعولان، وهذا عند
كثيرٍ من النُّحاة أنَّه يُعْتَبَر من باب الضَّرورة، لأنَّ الفعل
المؤكَّد لا يَتَقَدَّم عليه عامله.
(مُدْغِمَاً) هذا حالٌ من فاعل (اقْلِبْ) مستتر .. اقلب أنت، والنون
هذه للتَّوكيد ليست بفاعل، فعل الأمر فاعله يكون مستتراً دائماً ..
واجب الاستتار، ولذلك لا يرفع اسماً ظاهراً، (مُدْغِمَاً) الألف هذه
بدلٌ عن التَّنوين، لأنَّه حال منصوب، (مُدْغِم) اسم فاعل: أَدْغَمَ
يُدْغِمُ مُدْغَمَاً، الإدغام سيأتي حَدُّه في آخر باب.
(مُدْغِمَاً) هذا حالٌ من فاعل (اقْلِبَنَّ)، إذاً: تقلب الواو ياءً،
ثُمَّ تدغم الياء في الياء، لأنَّ المسألة مفروضة في اجتماع واوٍ وياء،
تقلب الواو ياء، إذاً: اجتمع عندنا مثلان فوجب الإدغام.
إذاً بهذه الشروط: (إِنْ يَسْكُنِ
السَّابِقُ) فإن كان مُتحرِّكاً فلا .. لا تُبْدِل الواو ياءً .. تبقى
على أصلها، تصح إذا كانت مُتحرِّكة، فإن كان السَّابق مُتحرِّكاً نحو:
طويل (فَعِيل) اجتمع عندنا واو وياء في كلمة واحدة، واتَّصلا .. لم
يفرق بينهما فارق .. لم يفصل بينهما فاصل، هل نُدْغِم .. هل نَقْلِب؟
الجواب: لا، لأنَّ الشَّرط: أن يكون الأول منهما ساكن، وهنا الأول
منهما مُتحرِّك وهو: طَوِيل، بكسر الواو على وزن (فَعِيل)، (غَيُور)
(فَعُول) اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة، واتَّصلا، هل تُقْلَب
الواو ياء؟ لا تُقْلَب، لأنَّ الشَّرط: أنَّ الأولى تكون ساكنة، وهنا
مُتحرِّكة بالضَّمَّة.
إذاً: (إِنْ يَسْكُنِ) هذا شرطٌ فلا بُدَّ من تحقيقه، فإن لم يسكن بأن
كان مُتحرِّكاً كـ: طويل أو غيور، حينئذٍ لا نقلب الواو ياءً، بل تصحُّ
كما هو الشَّأن فيما ذكرناه من المثالين: طويل وغيور، فوجب التَّصحيح.
إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ..
(وَيَا) قصره للضرورة، قلنا: (يَا) الأصل أنَّه بالهمز، فيقصره كثيراً
ابن مالك هنا كغيره للضَّرورة، (وَاتَّصَلاَ) هذا شرطٌ ثاني (وَمِنْ
عُرُوضٍ عَرِيَا) سيأتي هذا شرحه، (فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ)
فاقْلِبَنَّ الْوَاوَ ياءً، هذه تعكسها في القراءة.
فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ
(مُدْغِمَاً) حال كونك مُدْغِمَاً .. مُدْغِمَاً الواو التي قلبتها
ياءً في الياء.
وَشَذَّ مُعْطىً غَيْرَ مَا قَدْ رُسِمَا ..
معنى البيتين: أنَّه إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة واوٌ وياء، وسكن أولهما
وجب إبدال الواو ياءً وإدغامها في الياء، وذلك بشرطين:
الأول: أن يكونا مُتَّصلين، وأشار إليه بقوله: (وَاتَّصَلاَ) الألف هنا
فاعل تعود إلى الواو والياء، (اتَّصَلاَ) يعني: في كلمة واحدة، فإن
انفصلا في كلمتين ولو كانت الأولى ساكنة، لم تُقْلَب الواو ياء، لو
قال: أخو يزيد .. أخو ياسر، هنا اجتمع واو وياء، وسبقت إحداهما
بالسُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ الجواب: لا، لانتفاء الشَّرط الثاني:
وهو الاتصال.
إذاً: أخو ياسر، الواو والياء اجتمعا وسبقت إحداهما بالسُّكون فلا
تُقْلَب الواو ياءً، لفقد شرط الاتصال، إذاً: فلو كان أولهما في كلمة
وثانيهما في كلمة أخرى لم تُبْدَل، (بني واقد) هنا اجتمع واو وياء
وسبقت إحداهما بالسُّكون، لا تقلب الواو ياءً لكونهما في كلمتين،
والشَّرط: أن يكونا في كلمة واحدة.
إذاً: في مثل: أخو يزيد، أو أخو ياسر، وبني واقد، نقول: وجب التَّصحيح
لانتفاء الشَّرط الثاني، كما أنَّه وجب التصحيح في: طويل وغيور،
لانتفاء الشَّرط الأول وهو السَّبق بالسُّكون.
الشَّرط الثاني: ألا يكون اجتماعهما عارضاً، لأنَّه قال:
وَاتَّصَلاَ وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا ..
يعني: ألا يكون السُّكون عارضاً، وألا يكون الاتصال عارضاً، يعني: ألا
يكون صورياً، فإن كان صورياً فلا، لا بُدَّ أن يكون الاتصال حقيقي، ولا
بُدَّ أن يكون السُّكون حقيقي.
ألا يكون اجتماعهما عارضاً، وَشَمِل صورتين:
- أولاً: عروض السُّكون، مَثَّل له ابن
هشام في: (الأوضح) بـ: قَوْي، أصله: (فَعِلَ) قَوْي تخفيفاً قد
يُسَكَّن فتقول: قَوْي، حينئذٍ اجتمع عندنا واو وياء وسبقت إحداهما
بالسُّكون، لكن السُّكون هنا غير أصلي، هذا سكون من عارض، إذاً: لم
يَعْرَ عن عروض السُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ لا تُقْلَب، مع كونه
في الظَّاهر اجتمع عندنا واو وياء في كلمة واحدة، وسبقت إحداهما
بالسُّكون، حينئذٍ نقول: قَوْي، أصله: (فَعِلَ) وَأُسْقِطَت حركة العين
التي هي الواو طلباً للخفَّة، (عِلْمَ) كما سبق معنا، حينئذٍ نقول: هذا
السُّكون عارض فلا تُقْلَب الواو ياءً.
إذاً: عروض السُّكون نحو: قَوْي، بسكون الواو طلباً للخِفَّة.
- والأخرى عروض الحرف: أن يكون الحرف عارضاً نحو: الرُّويا، هذا بتخفيف
الهمزة، (الرؤيا) نقول: هنا همزة، خُفِّفَت بحذف الهمزة صارت واواً:
الرويا، إذاً: اجتمع عندنا واو وياء، وسكنت الواو .. سبقت إحداهما
بالسُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ الجواب: لا، لا تُقْلَب الواو ياءً،
سُمِع (الرُّويَّا) هذا يُعْتَبَر شاذًّا: (إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَا
تَعْبُرُونَ).
(الرُّوْيَّا) هذا شاذ لكونه أبدل الواو، هي ساكنة، لكن سكونها عارض ..
هنا في عروض الحرف، الواو هذه ليست واواً، وإنَّما هي في الأصل: همزة،
خُفِّفَت الهمزة فَقُلِبَت واواً.
والأخرى: عروض الحرف نحو: الرُّويا، بتخفيف الهمزة وإبدالها واواً،
وَرُويا كذلك، أصله: رؤية، نفس السَّابقة لكن بالتَّاء.
إذاً: هذان شرطان:
- الأول: أن يكونا مُتَّصلين في كلمة واحدة، فإن وقعا في كلمتين ولو
كانت أولاهما السَّابقة ساكنة لا تُقْلَب واواً البتَّة، وهذا محل
وفاق.
- الشرط الثاني: ألا يكون اجتماعهما عارضاً، وهذا يشمل صورتين:
أولاً: عروض السُّكون، والثاني: عروض الحرف، لأنَّ الحرف الأول قد لا
يكون واواً، وإنَّما في الظَّاهر في اللفظ يكون واواً، وفي الحقيقة ليس
بواوٍ.
إذاً: لا بُدَّ من استيفاء هذين الشَّرطين، وَشَمِل ما استوفى الشروط
صورتين:
الأولى: تَقدُّم الياء على الواو، لأنَّه إذا قيل: اجتمعت الواو والياء
.. لا بُدَّ من اجتماع الواو والياء، عقلاً ولغةً أنَّهما قد تَتَقدَّم
الياء على الواو أو بالعكس، وكلاهما تنطبق عليه القاعدة يعني: الواو
تُقْلَب ياءً سواءٌ تَقَدَّمت الواو على الياء أو بالعكس، إذاً شمل:
إذا استوفى الشروط .. الشرطيين السابقين، شمل صورتين:
تَقدُّم الياء على الواو نحو: سيد، سيد على المرجح أصله: سَيْوِد
(فَيْعِل) اجتمع عندنا في كلمة واحدة الواو والياء، وسبقت إحداهما
بالسُّكون، فَقُلِبَت الثانية .. الواو، إذاً: تَقَدَّمت الياء هنا على
الواو، ميت .. ميوِت (فَيْعِل) اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما
بالسُّكون فَقُلِبَت الواو ياءً فأُدْغِمَت الياء في الياء صار:
مَيِّت، وَيُخَفَّف في لغة: مَيْتٌ، تخفيف إحدى اليائيين: ((إِنَّكَ
مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)) [الزمر:30] هكذا جاء في القرآن.
إذاً: مَيِّت، أصله: ميوت، على وزن (فَيْعِل) هنا تَقَدَّمت الياء على
الواو، والياء ساكنة فَقُلِبَت الواو التي بعد الياء ياءً، ثُمَّ
أُدْغِمَت الياء في الياء.
الصورة الثانية عكسها: تَقَدُّم الواو على
الياء، نحو: مَرْمِيٌّ، أصله: مرمُوي، على وزن (مفعول)، اجتمعت واو
وياء، الواو هذه واو (مفعول) وهذا سيأتي في آخر البحث، حينئذٍ ما كان
على وزن (مفعول) وكانت اللام هنا واو، حينئذٍ اجتمعت الواو والياء،
وسبقت الواو وهي ساكنة فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ وجب أيضاً .. عندنا
وجوبان .. حكمان:
الأول: وجوب قلب الواو ياء، ثُمَّ يجب إدغام الياء الأولى في الياء
الثانية، صار: مَرْمِيٌّ، إذاً: (مَرْمِيٌّ) هذا فيه حرفٌ أصلي .. حرفٌ
يعني: منقلب عن حرف، ثُمَّ أُدْغِم في الياء.
إذاً: مَرْمِيٌّ، تَقَدَّمت الواو هنا على الياء، وَطَيٌّ، أصله:
طَوْيٌ، لأنَّه من: طويت، طَوْيٌ على وزن (فَعَلْ) اجتمعت الواو
والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ وجب إدغام
الياء في الياء، كذلك: لَيٌّ، مصدر: لويت، كما أنَّ: طَيٌّ، هذا مصدر:
طَوَيْتُ .. طَوَيْتُ طَيَّاً، ولويتُ لَيَّاً، وأصلهما: طَوْيٌ،
اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً،
ثُمَّ وجب إدغام الياء في الياء.
(اقْلِبَنَّ الْوَاوَ يَاءً مُدْغِمَاً) (وَشَذَّ مُعْطًى)، (شَذَّ)
فعل ماضي، و (مُعْطىً) هذا فاعل، والأصل أنه يَتَعدَّى إلى مفعولين ..
(أعطى) يَتَعدَّى إلى مفعولين، وهنا (مُعْطَى) هذا اسم مفعول، حينئذٍ
نائب الفاعل ضمير مستتر، و (غَيْرَ) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (مُعْطىً) وهو
مضاف، و (مَا) مضافٌ إليه، اسم موصول بِمعنى: الذي، و (قَدْ رُسِمَا)
قد ثَبَت أو لُفِظَ أَوْ خُطَّ أَوْ قُعِّدَ أَوْ أُصِّلَ، والألف هذه
للإطلاق، (قَدْ) هنا للتحقيق، وجملة (قَدْ رُسِمَا) لا مَحلَّ لها من
الإعراب صلة الموصول، (رُسِمَا) الضمير هنا نائب الفاعل يعود على
(مَا).
إذاً: (شَذَّ مُعْطَى) لأنَّه خالف هذا القياس السابق، والشَّاذ هنا في
هذا المقام يشمل ثلاث صور، هكذا مَثَّله ابن هشام في: (الأوضح):
ما شَذَّ فيه الإبدال، يعني: ما خرج عن هذه الشروط السابقة: واوٌ وياء
سكنت أولاهما .. اجتمعا في كلمةٍ واحدة .. اتَّصلا، وكان السُّكون
حقيقي لا عارض، وكانت الواو الحرف الأول أو الثاني، كذلك حقيقي ليس
بعارض، شَذَّ منه ثلاثة صور:
ما شَذَّ فيه الإبدال لكونه لم يستوف الشروط، يعني: حصل إبدالٌ بقلب
الواو ياءً وإدغام الياء في الياء، ولم يستوف الشروط مثل ما ذكرته:
الرُّويَّا .. (إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَّا تَعْبُرُونَ) (رُويَّا) قلنا:
الواو هذه عارضة، أصلها: رؤيا، ليس عندنا واو وياء، وإنَّما خُفِّفَت
الهمزة فصارت واواً: رويا، ثُمَّ جاء طَبَّق القاعدة على هذه الواو:
وهو أنَّها سكنت، واجتمعت واو وياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون،
فَقُلِبَت الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء فقيل: الرُّويَّا
(إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَّا تَعْبُرُونَ) هكذا قرئ في بعضها.
الثاني: ما شَذَّ فيه التَّصحيح مع استيفاء
الشُّروط، يعني: وُجِدَت الشُّروط وصَحَّت الواو، يعني: لم يحصل قلبٌ،
كقولهم للسَّنَّور: ضَيْوَن، اسمٌ له، ضَيْوَن كلمة واحدة .. اجتمعت
فيها الواو والياء، وسبقت الياء هنا بالسُّكون، والأصل: أن تُقْلَب
الواو ياء، ثُمَّ تُدْغَم الياء في الياء، لكن ما حصل هذا، نقول: هذا
شاذ، لاستيفاء الشُّروط وانتفاء المشروط، وما هو المشروط؟ قلب الواو
ياءً، هذا شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه.
و (أَيْوَم) (أَفْعَل) كذلك مثل ما سبق: ضَيْوَن، هنا (أَيْوَم) اجتمعت
الواو والياء وسبقت الياء هنا بالسُّكون، فلم تُقْلَب ولم تُدْغَم،
نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، إذاً: شذوذٌ من حيث القلب
والإدغام مع عدم استيفاء الشُّروط، وشذوذٌ بالعكس: استوفيت الشُّروط
ولم يحصل القلب.
الثالث: ما شَذَّ فيه إبدال الياء واواً، والقاعدة: إبدال الواو ياء،
هنا لا .. قُلِبَت الياء واواً، والأصل: أن تُقْلَب الواو ياء،
وَتُدْغَم الياء في الياء، هذا شَذَّ بقلب الياء واواً، عكَسَ القاعدة،
نقول: هذا شَاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، ولو استوفيت الشُّروط، لأنَّ
الأصل: أن تُقْلَب الواو ياءً، لا أن تُقْلَب الياء واواً، فإن قُلِبَت
الياء واواً، نقول: هذا شَاذٌّ ولو استوفيت الشُّروط، يُحْفَظ ولا يقاس
عليه، عوى الكلب عَوَّةً، أُبْدِلَت الياء واواً، وأُدْغِمَت الواو
فيها: عَوَّةً، الأصل: عَيْوَة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما
بالسُّكون فَقُلِبَت الياء واواً، ثُمَّ أُدْغِمَت الواو في الواو،
نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه.
إذاً قوله: (وَشَذَّ) في كلام النَّاظم دخل تحته ثلاث صور.
قال الشَّارح: "إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة، وسبقت إحداهما
بالسكون، وكان سكونها أصلياً " لا عارضاً، أُبْدِلَت الواو ياءً،
وأدغمت الياء في الياء، وذلك نحو: سيد وميت، والأصل: سَيْوِد
(فَيْعِلْ)، وبعضهم يرى أنَّه: سَوْيِد (فَعْيِل) لكن المشهور هو الأول
أنَّه (فَيْعِل) لا (فَعْيِل) كذلك: مَيْوِت (فَيْعِل)، وبعضهم يرى
أنَّه: مَوْيِت (فَعْيِل)، يعني: هل تَقدَّم الواو والياء على العين أم
تَأخرَّت؟ الظَّاهر أنَّه تَقدَّمت (فَيْعِل)، لأنَّ (فَيْعِل) موجود
.. (بَيْطَر)، وأمَّا (فَعْيِل) هذا قليل، والحمل عليه لا يسوغ.
فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً،
وَأُدْغِمَت الياء في الياء فصار: سيد وميت، فإن كانت الياء والواو في
كلمتين لم يُؤَثِّر ذلك: يُعْطِى واقد، اجتمعت الواو والياء لكن في
كلمتين، كُلٌّ منهما مُتَّصِلة في الظَّاهر، وكذا إن عرضت الياء أو
الواو للسكون كقولك: رُؤية .. رُوْية، وفي (قَوِي) (فَعِل) سَكِّن
الواو: قَوْيَ، حينئذٍ اجتمعت واو وياء، وسكنت أولاهما، لا تُقْلَب
هنا، لأنَّ السكون هنا عارض، هذا من باب التخفيف ليس أصلياً.
وشذ التصحيح في قولهم: يَوْمٌ .. أيْوُم (أَفْعُل) أيْوُم بِضمِّ
الواو، وشَذَّ أيضاً إبدال الياء واواً في قولهم: عَوَى الكلب عَوَّةً،
هذا يُعْتَبَر شَاذًّا، يُحْفَظ ولا يقاس عليه.
إذاً القاعدة: أنَّه إذا اجتمعت الواو
والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، واتَّصلا في كلمةٍ واحدة ولم يكن في
كلمتين، وكان السُّكون أصلياً لا عارضاً، وكان الحرفان أصليين لا
عارضين، حينئذٍ وجب قلب الواو ياءً لا الياء واواً، ثُمَّ وجب حكمٌ
آخر: وهو إدغام الياء في الياء، والمثال ما ذكرناه.
ثُمَّ انتقل إلى المسألة الثانية: وهي قلب الياء ألفاً، دائماً يمر
معنا: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلب الواو ألفاً ..
تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلب الياء ألفاً، ولها عشرة
شروط، وهي على نوعين:
شروطٌ وجودية، وشروط عدمية.
- شروطٌ وجودية، لا بُدَّ من وجودها كالتَّحرُّك.
- وشروط عدمية: ألا يكون كذا .. ألا يكون كذا.
قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -:
مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ
فَتْحٍ مُتَّصِلْ
إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلالَ غَيْرِ
اللاَّمِ وَهْيَ لاَ يُكَفّْ
إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ ... أَوْ يَاءٍ التَّشْدِيدُ
فِيهَا قَدْ أُلِفْ
مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ ..
(أُصِلْ) هذا مُغيَّر الصيغة، بِضَمِّ الهمزة على وزن (ضُرِبَ)،
(أُصِلْ أَلِفاً إبْدِلْ) أو (أَبْدِلْ) .. الهمزة ما نوعها؟ قطع،
لماذا؟ مَصدَرُه الإبدال .. إكرام إفعال، إذاًَ: الهمزة همزة قطع،
لَكنَّه وصلها هنا للضَّرورة.
(أَبْدِلْ مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ أَلِفاً) (أَلِفاً)
هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أَبْدِلْ) أبدل من واوٍ أو ياءٍ مُحرَّكين
تحريكاً أصلياً، (أَلِفاً بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) هذه كلها شروط:
الشرط الأول: أن يكونا مُحرَّكين (مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ) .. مُحرَّكين،
ثُمَّ هذا التَّحريك أصلي لا عارض، ثُمَّ أن يكون (بَعْدَ فَتْحٍ)، وأن
يكون (مُتَّصِلْ) .. ألا يكون الفتح هنا عارضاً، بل يكون مُتَّصلاً
بالواو أو الياء، يعني: أن يكون ما قبله مفتوحاً .. (بَعْدَ فَتْحٍ
مُتَّصِلْ) تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها، إذاً: ما قبلها هو الذي
يكون بعد فتحٍ مُتَّصلٍ.
(مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ) (مِنْ يَاءٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله:
(أَبْدِلْ)، (أَوْ) للتَّنويع، (وَاوٍ) معطوف على (يَاءٍ)،
(بِتَحْرِيكٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت للياء وما عُطِف
عليها، كأنه قال: من واوٍ أو ياءٍ مُتحرِّكين لا ساكنين، (بِتَحْرِيكٍ)
هذا نعتٌ للياء وما عُطِفَ عليه، أي: مُتحرِّكين.
مفهومه: إن كانا ساكنين فلا تُبْدِل، (بِتَحْرِيكٍ أُصِلَ) (أُصِلَ)
هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مُستتر يعود على
التَّحريك السَّابق .. (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ)، يعني: بتحريكٍ مُتَأَصِّل
لا عارض: أبدل من ياءٍ أو واوٍ ألفاً، إذاً: هذه من مواضع إبدال الواو
أو الياء ألفاً.
(بَعْدَ فَتْحٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ) منصوبٌ على الظرفية، و
(بَعْدَ) مضاف، و (فَتْحٍ) مضاف إليه، (مُتَّصِلْ) هذا نعت لـ:
(فَتْحٍ)، يعني: أنَّه يجب إبدال الواو والياء المفتوح ما قبلها ألفاً،
هذا الحكم الأصلي، وذلك بشروط:
أولاً: ذكَر في هذا البيت شرطين:
- أن يكون التحريك أصلياً - إذا جعلناهما
شرطاً واحداً -، أن يكون التحريك أصلياً فإن كان التَّحريك عارضاً
فحينئذٍ لا تُبْدَل الواو ياءً مثل: تَوَم، أصله: تَوْأَمَ، أُرِيد
تخفيفه: تَوْ .. إذاً: الواو ساكنة في الأصل، (تَوْأَمَ) أُرِيد تخفيفه
بحذف الهمزة، ومعلومٌ أنَّ الهمزة لا تُحْذَف إلا بعد إسقاط حركتها على
ما قبلها إذا كانت ساكنة، حينئذٍ أُلْقِيَت حركة الهمزة على الواو،
ثُمَّ حُذِفَت الهمزة فقيل: تَوَمٌ.
إذاً نقول: هذه الواو مُحرَّكة .. في اللفظ مُحرَّكة، لكن هل حركتها
أصلية؟ الجواب: لا، كذلك (جَيَلَ) أصله: جَيْأَلَ، فُعِل به ما فُعِل
بسابقه، فحينئذٍ هذه الياء في الأصل ساكنة: جَيْأَلَ، أُرِيد تخفيفه
بإسقاط الهمزة، فَأُلْقِيَت حركتها على ما قبلها وهو الياء صار: جَيَل،
ثُمَّ حُذِفَت الهمزة.
إذاً: تَوَمَ وجَيَل، تَحرَّكت الواو هنا، هل نقول: تَوَمَ، تحرَّكت
الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً؟ الجواب: لا، لأنَّ شرط تحريك
الواو: أن يكون أصلياً وهذا التَّحريك عارض، و (جَيَلَ) كذلك لا
يُقَال: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لأنَّ شرط
تحقيق القلب: أن تكون حركة الياء أصلية لا عارضة.
إذاً أصلهما: تَوْأَم وَجَيْأَل، فَنُقِلَت حركة الهمزة إلى الواو
والياء فلم يُقْلَبَا، لأنَّ الحركة عارضة فهي غير أصلية، هذا الأول.
الثاني: أن تكون الواو والياء مُتَّصلتين بالفتحة، قال: (بَعْدَ فَتْحٍ
مُتَّصِلْ) وهذا شَمِل صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون الفاصل ظاهراً، يعني: ملفوظاً به: واوٌ، الواو
الثانية تَحرَّكت، هل نقول: انفتح ما قبلها وهو الواو الأولى فوجب قلب
الثانية ألفاً؟ الجواب: لا، لوجود الفاصل، إذاً لم يَتَّصل الواوٌ
المُحرَّك بالفتح .. التي تَحرَّكت لا يُشْتَرط أن يكون مُحرَّكاً
بالفتح، الذي قبله هو الذي يَتَعيَّن أن يكون مفتوحاً، فلا نقول:
تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها، والألف هذه ساكنة وحاجز غير حصين،
نقول: لا، هذه الألف ملفوظٌ بها، فحينئذٍ يَتَعيَّن أن تبقى الواو على
حالها، كذلك: زاي، هل نقول: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها؟ نقول: لا،
لوجود الفاصل الملفوظ به.
الثاني: أن يكون الفاصل مُقدَّراً، قالوا: عُلَبِط، أصلها: عُلابِطْ،
حصل تخفيفٌ بحذف الألف، إذا قيل: ائتِ بالغزو والرمي، على وزن
(عُلَبِطْ) فتقول: رُمَيِيْ بياءين .. (غُزَوِي) والأصل: رُمَيِي
وغُزَوِي، وفي الغزو تقول: (غُزَوِي) .. (عُلَبِطْ).
فَأُعِلَّت الياء والواو الأخيرتان بحذف حركتهما كإعلال سائر
المنقوصات، ولم تُقْلَب الواو ولا الياء الأولى، لماذا؟ لأنَّك تقول:
رُمَيِي .. غُزَوِي، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، هل تُقْلَب
ألفاً؟ الجواب: لا، لأنَّ ثَمَّ فاصل بين الزاي والواو: (عُلَابِطْ ..
غُزَاوِو) هذا الأصل، إذاً: الزاي المفتوحة والواو التي بعدها
تَحرَّكت، بينهما فاصلٌ مُقدَّر.
للفاصل بين الفتحة والحرف وهو الألف، لأنَّ الأصل: رُمَايِي
(عُلابِطْ)، وَغُزَاوِو كـ: (عُلَبِطْ) أصله: (عُلابِطْ) فَحُذِفَت
الألف تخفيفاً، وهي مُقدَّرة فمنعت من القلب.
إذاً:
مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ
..
يُشْتَرط: أن يكونا مُحرَّكين تحريكاً أصلياً لا عارضاً، (بَعْدَ
فَتْحٍ مُتَّصِلْ) يعني: أن يكون الفتح الذي قبل الواو أو الياء
مُتَّصلاً بهما، يعني: ليس بينهما فاصل لا لفظي ولا مُقدَّر، (بَعْدَ
فَتْحٍ) هنا عَيَّن الفتح، وقال: (بِتَحْرِيْكٍ) ماذا نأخذ؟ أنَّ الواو
إذا تَحرَّكت بمطلق الحركة: كسرة أو فتحة أو ضَمَّة، والياء مثلها،
وأمَّا ما قبلها تَعيَّن فيه الفتحة، فإن لم يكن مفتوحاً فلا.
إذاً: (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) أي: مفتوحٌ ما قبلهما، سواءٌ كانا لام
كلمة أو غيرها.
ثُمَّ قال:
إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلاَلَ غَيْرِ
اللاَّمِ. . . . . . .
وَثَمَّ شرطٌ آخر تختلف فيه اللام وغيرها، أشار إليه بقوله: (إِنْ
حُرِّكَ التَّالِي).
إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ ... إِعْلاَلَ غَيْرِ
اللاَّمِ. . . . . . .
(إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) ما هو (التَّالِي)؟ يعني: ما بعد الواو أو
الياء، فإن سُكِّن حينئذٍ فيه تفصيل، (وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ) منع
(إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ)، وأمَّا اللام ففيها تفصيل، أمَّا العين
تُمْنَع.
(إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) يعني: يُشْتَرط (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلٍ)
وما بعد الواو أو الياء مُحرَّك، كما تقول: قَوَلَ، الكلام هنا في
اللام، قَوَلَ تَحرَّك ما قبلها بالفتح، وكذلك ما بعدها مُحرَّك:
بَيَعَ، تَحرَّكت الياء وَفُتِح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُحرَّك، فإن
كان ساكناً حينئذٍ (كَفَّ غَيْر إِعْلالَ اللاَّمِ)، وأمَّا اللام
ففيها تفصيل، (إِعْلالَ غَيْرِ اللاَّمِ) كالعين.
(إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، حينئذٍ مفهومه: إِنْ سُكِّنَ فلا
تقلب .. إِنْ سُكِّنَ التالي ما بعد الواو أو الياء فلا تقلب، هذا
المفهوم، لَكنَّه فَصَّل فيه فقال: (وَإِنْ سُكِّنَ) يعني: التالي،
الضمير يعود على (التَّالِي)، (كَفَّ) هذا جواب (إِنْ) الشرطيَّة،
(كَفَّ) يعني: منع الإعلال، إذاً إذا سُكِّن ما بعد الواو أو الياء
فالأصل: المنع، يعني: لا تُقْلَب الواو ألفاً، ولا تُقْلَب الياء
ألفاً.
كَفَّ إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ ..
وأمَّا اللام ففيها تفصيل، يعني: أنَّ إعلال الياء والواو بالإعلال
المذكور إذا كانا غير لامين مشروطٌ: بأن يَتَحرَّك تاليهما، الإعلال
السابق.
مِنْ وَاوٍ اوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ
فَتْحٍ مُتَّصِلْ
إِنْ حُرِّكَ التَّالِي. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . .
هذا شرطٌ فيه: لا بُدَّ أن يَتَحرَّك ما بعدهما .. أن يكون مُحرَّكاً
بأي حركة. أن إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير لامين
مشروطٌ: بأن يَتَحرَّك تاليهما نحو: قام وباع واختار.
فإن سُكِّن التالي منعَ إعلال غير اللام مُطلقاً، لماذا؟ لأنَّ الأصل
في اللام أن تكون آخراً، إلا ما سيذكره من الألف الساكنة وغيرها.
منع (إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ) مُطلقاً،
وَشَمِل العين نحو: بيان، بيان هنا ياءٌ مُتحرِّكة، وَفُتِحَ ما قبلها
في كلمة واحدة مُتَّصِلة، والحركة أصلية، ولم تُقْلَب الياء ألفاً،
لانتفاء الشَّرط، وهو: تحريك ما بعد الياء، لأنَّه ساكن، فإذا سكن ما
بعد الياء حينئذٍ صَحَّت الياء، هذا في العين .. واضح .. بيان، وطويل
وغيور، وغيرها نحو: خَوَرْنَق، خَوَرْنَق ماذا حصل هنا؟
خَوَرْ .. واوٌ تَحرَّكت وانفتح ما قبلها، وَسُكِّن ما بعدها، هل الواو
هنا عين؟ ليست بعين، في (بيان) الياء عين، (وَخَوَرْنَق) الواو هنا
ليست عيناً، إذاً مُطلقاً، سواءٌ كانت عيناً أم لا، إذا لم يَتَحرَّك
ما بعد الواو أو الياء فامنع .. كُفَّ الإعلال، إلا إذا كان لاماً على
التفصيل الذي سيذكره.
إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلالَ غَيْرِ
اللاَّمِ. . . . . . . . .
إذاً: (غَيْرِ اللاَّمِ) يشمل ما إذا كان عيناً نحو: بيان، أو ليس
بعينٍ نحو: خَوَرْنَق، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها ولم تُقْلَب
الواو ألفاً، لعدم تحريك تاليها.
(وَهْيَ) أي: اللام .. هنا فصَّل في اللام، أمَّا غير اللام (كَفَّ) لا
تُعَلّ، سواءٌ كانت عيناً أم لا، وأمَّا اللام فقال:
. . . . . . . . .. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . وَهْيَ
لاَ يُكَفّْ
إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ ... أَوْ يَاءٍ التَّشْدِيدُ
فِيهَا قَدْ أُلِفْ
يعني: بغير ألفٍ ساكنة، وبغير ياءٍ مُشدَّدة، يعني: أن لام الكلمة إذا
كانت واواً أو ياءً مُتَحَرِّكتين بعد فتحةٍ وبعدهما ساكن حينئذٍ يأتي
التفصيل: غير اللام منع .. كفَّ (مُطلقاً، وأمَّا اللام ففيه تفصيل:
إمَّا أن يكون الساكن ألفاً: رميا .. غزوا، وإمَّا أن يكون ياءً
مُشدَّدة، وإمَّا ألا يكون ألفاً ولا ياءً، فإن كان غير الألف والياء
المُشدَّدة لم يَكُفَّ الإعلال، فالإعلال باقٍ ولو كان ساكناً، أمَّا
الألف والياء المُشدَّدة فَتَكُفُّ الإعلال.
إذاً: اللام إن تلاها ساكنٌ فيه تفصيل: إمَّا أن يكون ألفاً أو ياءً
مُشدَّدة، لأنَّ الياء المُشدَّدة أولها ساكن، أو لا يكون ألفاً ولا
ياءً مُشدَّدة، حينئذٍ إن كان غير الألف لم يَكُفَّ الإعلال نحو: رَمَو
وغزَو، ماذا حصل؟ أصلها: رميا، اتَّصلَت بها الواو صار: رمَيُوا ..
(فَعَلُو) .. ضربوا، رمَيُوا، إذاً اتَّصَلَ هنا اللام وهي مُعلَّة،
اتَّصلَت بماذا؟ تلاها ساكن وهو الواو، هل منع إعلال الياء؟
(رَمَوْ) الواو هذه فاعل، أصلها: رَمَيُوا، إذاً: اللام مُعلَّة، نقول:
تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً: رماو، التقت الألف
الساكنة مع الواو الساكنة فَحُذِفَت الألف، إذاً: هل الواو منعت إعلال
اللام؟ الجواب: لا، هنا أُعِلَّت اللام مع كونه لم يوجد الشَّرط: (إِنْ
حُرِّكَ التَّالِي)، و (التَّالِي) هنا لم يُحَرَّك، حينئذٍ (رَمَيُو)
تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلب الياء ألفاً فقيل: رَمَاو،
التقى ساكنان الألف والواو فَحُذِفَت الألف.
إذاً: الساكن هنا الواو ليس بألف ولا ياءٍ مُشدَّدة، ومع ذلك لم تمنع
إعلال اللام.
كذلك: غَزَوْ، أصلها: غزَوُا .. (فَعَلوا)
تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، ثُمَّ التقى
ساكنان: غزاو، الألف والواو فَحُذِفَت الألف، إذاً: غزوا، إذاً:
السَّاكن الواو هنا لم يمنع إعلال اللام، أُعِلَّت اللام مع كون الذي
يتلوها ساكن: (يَخْشَوْنَ) أصلها: يَخْشَيُونَ .. يَفْعَلُونَ ..
يُؤْمِنُونَ، يَخْشَيُونَ تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها
ألفاً، ثُمَّ التقى ساكنان صار: (يَخْشَوْنَ)، الواو قبلها شين مفتوحة،
وهذه الفتحة دليلٌ على الألف المحذوفة: (يَخْشَوْنَ).
(يَرْضَوْنَ) .. (يرضيُون) .. (يفعلون) إذاً: تَحرَّكت الياء
بالضَّمَّة لمناسبة الواو، ثُمَّ تَحرَّكت الواو وَانفتحَ ما قبلها،
فوجب قلبها ألفاً فحصل ما سبق.
إذاً: لم يَكُفَّ السَّاكن هنا -الواو- اللامَ من الإعلال، فَقُلِبَت
في ذلك كله الياء أو الواو ألفاً، ثُمَّ حُذِفَت لالتقاء الساكنين.
وإن كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كَفَّا الإعلال، ولذلك قال:
(وَهْيَ لاَ يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ) الساكن لا يَكُّف إعلالها
.. غير الألف الساكن .. (يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا) لا تُعَل، وغير الياء
المُشدَّدة، فتكف إعلالها.
إذاً: إذا كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كفَّا الإعلال:
رَمَيَا، حصل إعلال؟ لم يحصل إعلال، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها
ولم تُقْلَب .. كُفَّت، لماذا؟ لكون الذي يتلو اللام ساكنٌ، وزِد عليه
ألفٌ، ليس مطلق الساكن وإنَّما هو ألف، إذاً: رَمَيَا، كَفَّت الألف
هنا من الإعلال .. اللام، (غَزَوَا) مثله، مَعْنَوِيٌّ .. عَلَوِيٌّ،
هنا ياءٌ مُشدَّدة: علوي (فعلي) اللام هنا هي الواو، تَحرَّكت وانفتح
ما قبلها: عَلَوِي، إذاً: واوٌ مكسورة وقلنا: لا يُشْتَرَط أن تكون
مفتوحة .. تَحرَّكت بمُطْلَق الحركة وَفُتِح ما قبلها، أُعِلَّت؟ لم
تُعَل.
إذاً: مُنِعَت، لماذا؟ للياء المُشدَّدة بعدها، (عَلَوِيُّ) ياءٌ
مُتحرِّكة قبلها فتحة فلم تُقْلَب، إذاً: الياء المُشدَّدَة كَفَّت
اللام هنا عن الإعلال، ومثلها (مَعْنَويٌّ) واوٌ تَحرَّكت وانفتح ما
قبلها فلم تُقْلَب ألفاً، لأنَّ الياء المُشدَّدة كَفَّت اللام عن
الإعلال.
إذاً: هذا تفصيلٌ في اللام، وأمَّا العين فكل ساكنٍ يَكُفُّ إعلالها،
كذلك غير العين إن لم يكن لاماً، فكل ساكنٍ يَكُفُّ إعلالها، أمَّا
اللام ففيه تفصيل: إن كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كَفَّا
إعلال اللام فلم تُعَل، ولو تَحرَّكت .. بل هي تَتَحرَّك بالألف،
وَفُتِحَ ما قبلها فلا تُقْلَب ألفاً، وأمَّا إذا كان السَّاكن غير
ألفٍ ولا ياءٍ مُشدَّدة كالواو أُعِلَّت اللام، وهذه تُحْفَظ .. لا
نحتاج إلى تعليل.
وإنَّما كَفَّت الألف والياء المُشدَّدة
إعلالها، لأنَّهم لو أعَلُّوا (رميا) و (غزوا) .. لو أعْلَلْتَ ..
قلتَ: رَمَيَا، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً،
حينئذٍ قلت: رَمَى، اجتمع عندنا ألِفَان، حذفت الألف الأولى صار: رمى،
ونحن نريد: رميا .. اثنان، و (رمى) واحد، إذاً التبس بالواحد، (غزَوا)
لو تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت الواو ألفاً اجتمع عندنا
ألفان فَحُذِفَت إحدى الألفين فصار: غزى، و (غزى) هذا للواحد، هذه
عِلَّة طيبة .. لا بأس بها.
وإنَّما كَفَّت الألف والياء المُشدَّدة إعلالها، لأنَّهم لو أعلُّوا:
رميا وغزوا، لصار: رمى وغزى، فيلتبس بفعل الواحد، وأمَّا: علويٌّ، فلم
تُبْدَل لامه ألفاً، لأنَّه في موضعٍ تُبْدَل فيه الألف واواً، في هذا
الموضع لو جاءت الألف أُبْدِلَت واواً، إذاً: الواو لا تُبْدَل ألفاً،
هذا كما سبق في باب النَّسب.
إذاً قوله: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، (إِنْ) حرف شرط، و
(حُرِّكَ) مُغيَّر الصيغة، و (التَّالِي) نائب فاعل، إذاً مفهومه: إن
سُكِّن لا تُعَلُّ الواو ولا الياء، وهذا ليس بعام، وإنَّما استثنى منه
اللام، (وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ) (إِنْ) شرطٌ، و (سُكِّنَ) فعل مُغيَّر
الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (التَّالِي)، (وَإِنْ
سُكِّنَ التَّالِي كَفَّ) هذا جواب الشَّرط، (كَفَّ) ما هو الذي كفَّ؟
الساكن.
(إِعْلالَ) هذا مفعول لقوله: (كَفَّ)، (إِعْلالَ) مضاف، و (غَيْرِ
اللاَّمِ) مضاف إليه، (غَيْرِ) مضاف، و (اللاَّمِ) مضاف إليه.
فأمَّا اللام ففيه تفصيل قال: (وَهْيَ) أي: اللام، أعاد الضمير على
المضاف إليه على الصحيح وهو جائز، (وَهْيَ) أي: اللام، سَكَّنه هنا
لغة، (وَهْيَ لاَ يُكَفُّ) (هْيَ) مبتدأ، و (لاَ) نافية، و (يُكَفُّ)
فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، (وَهْيَ لاَ يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا).
إذاً: (إِعْلاَلُهَا) في البيت التالي: نائب فاعل، (بِسَاكِنٍ)
مُتعلِّق بماذا؟ (إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ) ما يأتي المعنى، (إِعْلاَل)
مصدر يصح أن يَتَعلَّق به الجار والمجرور، لكن المعنى: (لاَ يُكَفُّ
بِسَاكِنٍ) هذا من جهة المعنى أجود .. هذا المراد، (بِسَاكِنٍ غَيْرِ)
هذا نعت لـ: (سَاكِنْ)، وهو مضاف، و (أَلِفْ) مضاف إليه.
(أَوْ) للتَّنويع، (يَاءٍ) هذا معطوف على (أَلِفْ)، (التَّشْدِيدُ
فِيهَا قَدْ أُلِفْ) يعني: ياءٍ مُشدَّدة، (التَّشْدِيدُ) هذا مبتدأ،
(قَدْ أُلِفْ فِيهَا) (فِيهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (أُلِف)، و
(قَدْ) للتَّحقيق، و (أُلِفْ) مُغيَّر الصيغة، والضمير يعود على
(التَّشْدِيد) المبتدأ، قد أُلِفَ التشديد فيها، والجملة خبر عن
المبتدأ، (التَّشْدِيدُ قَدْ أُلِفْ فِيهَا) يعني: ياءٍ مُشدَّدة،
ولذلك نقول: الجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لـ: (يَاءٍ)،
يعني: ياءٍ مُشدَّدةٍ.
إذاً: كم شرطاً ذكر؟ (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) نجعلهما شرطاً واحداً: أن
يكون مُتَأَصِّلاً، ابن هشام فصل بينهما وسيأتي إن شاء الله،
(بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) يعني: مُحرَّكين تحريكاً متأصِّلاً.
(بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) أن يكون بعد
فتحٍ، وهذا الفتح مُتَّصل لا منفصل، لا بلفظٍ ولا بتقدير.
(إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ رابع، وهذا ليس مطلقاً وإنَّما فيه
تفصيل.
قال الشَّارح: " إذا وقعت الواو والياء مُتَحرِّكةً - لو قال:
متحرِّكين أحسن - إذا وقعت الواو والياء مُتَحرِّكةً بعد فتحة " أليس
مُتحرِّكتين أولى؟ لأنَّ الأصل: وقعت الواو مُتحرِّكةً، والياء
مُتحرِّكةً، إمَّا أن يفصل بينهما، وإذا كان الوصل مشترك ثُنِّي .. على
القاعدة السابقة، الأصل أن يقال: الواو، لأنَّ التَّحريك هنا شرطٌ في
الواو أن تكون مُتحرِّكة، وشرطٌ في الياء أن تكون مُتحرِّكة، حينئذٍ
يُجْمَع بينهما، ولذلك (بِتَحْرِيكٍ) نقول: مُتحرِّكين .. في النَّظم.
مُتَحَرِّكةٌ بعد فتحةٍ قُلِبَت ألفا نحو: قال وباع، أصلهما: قَوَل
وَبَيَع، فَقُلِبَت الواو والياء ألفاً لتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها،
هذا إن كانت حركتهما أصلية، ولذلك قال: (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) فإن لم
يكن كذلك فلا تُقْلَب الواو ولا الياء ألفاً.
فإن كانت عارضةً لم يُعْتَدَّ بها، إن كانت حركة الواو أو الياء عارضةً
ليست أصلية، وإنَّما هي مُجْتَلَبة .. حركة نقلٍ، حينئذٍ نقول: هذه
الحركة لا يُعْتَد بها، لم يُعْتَدَّ بها كـ: جَيَلٍ وَتَوَمٍ، أصلهما
(جَيْأَلٌ) و (تَوْأَمٌ)، نُقِلَت حركة الهمزة إلى الياء والواو فصار:
جَيَلاً وَتَوَمَاً، و (جَيَل) قيل: الضَّبُع، و (توأم) واضح.
فلو سكن ما بعد الياء أو الواو ولم تكن .. ، الأصل أن يقول: (وسُكِّنَ)
أو (وحُرِّكَ التَّالِي) يجعله شرطاً، فلو سكن ما بعد الياء أو الواو
ولم تكن لاماً وجب التصحيح نحو: بيان، هنا تَحرَّكت الياء وانفتح ما
قبلها لا تُقْلَب، وجب أن تصح .. تبقى كما هي، فلا تُقْلَب ألفاً، لكون
ما بعدها ساكن.
إذاً: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، وهنا وقعت الياء عيناً،
إذاً: قد تقع الياء عيناً حينئذٍ ما بعدها يكون ساكناً فلا تُقْلَب ..
يجب تصحيحها، و (طويل) .. (فَعِيلْ) وقعت الواو هنا عيناً وَحُرِّكَت
وما بعدها ساكن، السَّاكن هذا منع من قلب الواو ياءً، لأنَّ شرط قلب
الواو ياءً: أن يَتَحرَّك ما بعدها، فحينئذٍ: طويل، تَحرَّكت الواو
وانفتح ما قبلها، لكن لا تُقْلَب ألفاً لانتفاء شرطٍ: وهو تحريك ما
بعدها، وهنا (طويل) الياء ساكنة على وزن (فَعِيل).
فإن كانتا لاماً -الواو والياء- وجب الإعلال، ما لم يكن السَّاكن
بعدهما ألفاً أو ياءً مُشدَّدة، يعني: هذا الشَّرط (إِنْ حُرِّكَ
التَّالِي) ليس شرطاً للام، وإنَّما للعين أو غيرها، فأمَّا اللام ففيه
تفصيل، إطلاق الشَّرط ليس للام بل للعين أو غيرها مثل: خَوَرْنَق،
حينئذٍ (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا الشَّرط ليس في اللام، لأنَّ
اللام فيها تفصيل، قد يلتحق بما سبق، وقد يكون له حكمٌ خاص.
ولذلك قال ابن عقيل: فإن كانتا لاماً
-الواو والياء- وجب الإعلال، ما لم يكن الساكن بعدهما - بعد الواو
والياء - ألفاً أو ياءً مُشدَّدة، فإن كان ياءً أو ألفاً حينئذٍ كَفَّت
هذه الألف وهي ساكنة .. كَفَّت إعلال اللام، وكذلك الياء وهي ساكنة ..
ياء مُشدَّدة، لكن نقول: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) فإن كان التالي
ساكناً، الياء المُشدَّدة أولها ياءٌ ساكنة، إذاً: هو الذي تلا اللام،
وليست الياء مطلقاً.
كـ: رَمَيَا وعَلَوِي، (رَمَيَا) هنا صَحَّت اللام، لأنَّ الساكن ألف،
فَكَفَّت الألف الياء عن الإعلال، و (عَلَوِيّ) كَفَّت الياء
المُشدَّدة الواو عن الإعلال، وذلك نحو -يعني: الذي لم يمنع-
(يَخْشَوْنَ) أصله: (يَخْشَيُون) .. (يفعلُون) يَخْشَيُون ياءٌ
مُتحرِّكة قبلها فتحة، يَخْشَيُ تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها،
فحينئذٍ تُعَل أو لا؟ تُعَل، لكون السَّاكن غير ألفٍ ولا ياءٍ مُشدَّدة
.. لكونه واواً، حينئذٍ نقول: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها إلى آخر
ما ذكرناه.
فَقُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ حُذِفَت
لالتقائها ساكنةً مع الواو الساكنة.
إذاً: هذه الشروط التي ذكرها شروطٌ لا بُدَّ من تَحَقُّقِها في الواو
والياء.
ثُمَّ قد يعرض للواو والياء المذكورتين أسباب تمنعهما عن الإعلال،
سَمَّاها المكودي: موانع، وعَدَّها الكثيرون شروطاً عدمية، لأنَّ
الشَّرط قد يكون شرطاً وجودياً، وقد يكون شرطاً عدمياً.
قال هنا:
وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ ... ذَا أَفْعَلٍ كَأَغْيَدٍ
وَأَحْوَلاَ
(وَصَحَّ) هذا فعلٌ ماضي، و (عَيْنٌ) فاعل وهو مضاف، و (فَعَلٍ) مضافٌ
إليه، وأراد به المصدر، (وَفَعِلاَ) أراد به الفعل على وزن (فَعِل)
بكسر العين، والألف هذه للإطلاق.
(ذَا أَفْعَلٍ) حالٌ من (فَعِلا) مكسور العين، (ذَا أَفْعَلٍ) يعني:
صاحب (أَفْعَلٍ) يعني: اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل)، حينئذٍ تصحُّ
العين، لا تُقْلَب الواو ولا الياء ألفاً .. تصح عينه.
إذاً نقول: تُقْلَب الواو الياء ألفاً ما لم تكن الواو (عَيْنَ فَعِل)
الذي اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل): (عَوِرَ) طبق عليه الشُّروط
السابقة: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُتَحرِّك
فالأصل: أن تُقْلَب الواو ياءً .. التي صَحَّت .. ما قُلِبَت، لماذا؟
لكونها على وزن (فَعِلَ)، اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل) وهو: أعور.
إذاً يُشْتَرَط: ألا تكون الواو ولا الياء عين (فَعِل) بكسر العين الذي
فاعله .. اسم الفاعل على وزن (أَفْعَل)، ولا (فَعِل) الذي مصدره على
(فَعَلٍ)، فتصحُّ حينئذٍ في المصدر، وفي اسم الفاعل، وفي الفعل، هذه
الأحوال الثلاثة: (فَعِلَ) و (أَفْعَل) و (فَعَلٌ) المصدر، فَرِحَ
فَرَحَاً، المصدر من (فَعِلَ) اللازم أن يكون على وزن (فَعَل) بفتحتين،
حينئذٍ في هذه الأنواع الثلاثة إذا جاءت العين واواً أو ياءً صَحَّت،
يعني: لا تُقْلَب واواً ولا ياء، هذا شرطٌ وجودي أو عدمي؟ شرطٌ عدمي،
ولذلك عَدَّه ابن هشام من الشروط، وجعله المكودي من الموانع، والخلاف
لفظي.
يعني: قلب الواو ياءً، وُجِدَت فيه الشروط
السابقة الأربعة في (عَوِرَ)، لكن منع منه مانع: وهو كونه على وزن
(فَعِلَ)، فكونه على وزن (فَعِلَ) هذا مانع، وإذا قلنا: هو شرط، فرقٌ
بين الشَّرط والمانع، لكن النتيجة واحدة، إذا قلنا: شرط، حينئذٍ: ألاَّ
يصحُّ أن يُقَال: بأن الواو في (عَوِرَ) قابلاً للقلب، لأنَّ الشرط لم
يَتَحقَّق.
وإذا جعلناه مانعاً حينئذٍ الشَّرط تَحقَّق، لكن منع منه مانعٌ، كالحيض
مع المرأة المُكَلَّفة، شرط التَّكليف موجود، والحيض مانعٌ، هل الحيض
يرفع التَّكليف؟ لا يرفع التَّكليف، على كُلٍّ: سَمَّينا هذا أو ذاك لا
إشكال فيه.
وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ ..
الألف للإطلاق معطوف على (فَعَلٍ)، (ذَا) هذا منصوب حال من (فَعِل)
مكسور العين، يعني: صاحب (أَفْعَلٍ)، وذلك (كَأَغْيَدٍ) (أَغْيَدْ) هذا
اسم فاعل فعله (غَيِدَ) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، وما بعدها
مُتحرِّك، لا تُقْلَب ألفاً، لكونه على وزن (فَعِل)، والمصدر منه
(غَيَدٌ) .. (فَعَلٌ).
انظر! (غَيِدَ) و (أَغْيَد) و (غَيَدٌ) في الثلاثة الأحوال الياء
صَحَّت، لكونها إمَّا (فَعَلْ) أو (فَعِلْ) أو (أَفْعَلْ) حينئذٍ تصح
الياء في هذه الأحوال الثلاثة، وتقول: هَيِف، على وزن (فَعِلَ)،
وأهْيَف وهَيَفٌ (فَعَلٌ)، فتقول: أَحْوَلْ .. حَوِلَ .. حَوَلٌ،
(حَوِلَ) .. (فَعِلَ) صَحَّت الواو، لم تُقْلَبَ، (أَحْوَل) صَحَّت
الواو، ماذا بقي؟ (حَوَلٌ)، أمَّا (أَفْعَل) هذا واضح أنَّ الأصل فيها:
(أحْوَل) وُجِدَت فيها الشروط؟ لا، لماذا؟ سكن ما قبلها، وَيُشْتَرَط:
أن يكون (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) هذا لا إشكال فيه، وإنَّما هو
يُضْبَط به (فَعِل)، لأنَّ (فَعِلَ) قد يكون اسم الفاعل منه على وزن
(أَفْعَل)، وقد لا يكون.
ما كان اسم الفاعل على وزن (أَفْعَل) حينئذٍ صَحَّت العين: الواو أو
الياء، وما لم يكن فلا. يعني: أنَّ ما كان من الأفعال على وزن (فَعِل)،
وكان مصدره على (فَعَلٍ)، مِمَّا جاء اسم فاعله على (أَفْعَل) يُصَحَّح
هو ومصدره، وأمَّا (أَفْعَل) فواضح أنَّه خارجٌ، لم يَتَوَفَّر فيه
الشرط، وأمَّا المصدر (فَعَلْ) و (فَعِلْ) الذي هو الفعل الأصلي، هذا
وُجِدَت فيه الشروط السابقة ولكن منع منه مانع.
وإن كان مستوفياً لشروط الإعلال، هذا إذا لم نجعل هذا شرطاً وإنَّما
قلنا: (مانع) وهذه عبارة المكودي، وسبب تصحيحهما: أنَّ (حَوِلَ) وشبهه
من أفعال الخِلَق والألوان، وقياس الفعل في ذلك: أن يأتي على
(افْعَلَّ) نحو: احْوَلَّ .. احْوِلالاً، فصحَّ عين فعله ومصدره،
لأنَّهما في معنى ما لا يُعَلُّ لعدم الشرط.
إذاً: صُحِّح (فَعِلَ) لكون الأصل أن يكون على (افْعَلَّ)، و
(افْعَلَّ) يُصَحّ .. تَصحُّ فيه العين، وَحُمِلَ هذا على ذاك، على
كُلٍّ: هذه عِلَّة فيها نظر، والصواب أن يُقال: أنَّه مسموعٌ هكذا.
وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ ... ذَا أَفْعَلٍ كَأَغْيَدٍ
وَأَحْوَلاَ
كل فعلٍ كان اسم الفاعل منه على وزن
(أَفْعَل)، فإنَّه يلزم عينه التَّصحيح، هذا ما أراده النَّاظم؟
النَّاظم قَيَّد، والشَّارح أطلق، النَّاظم قَيَّد الفعل بـ: (فَعِل)،
والشَّارح أطلق: " كل فُعْلٍ، نحو: عَوِرَ فهو أَعْوَر، وَهَيِفَ فهو
أهْيَف، وَغَيِدَ فهو أَغْيَدْ، وَحَوِلَ فهو أَحْوَل، وَحُمِلَ المصدر
على فعله نحو: هَيَفٍ وَغَيَدٍ وَعَوَرٍ وَحَوَلٍ".
إذاً القاعدة: أنَّ العين إذا كانت واواً أو ياءً مستوفية للشروط إلا
أنَّ الفعل على وزن (فَعِلَ) والمصدر (فَعَلَ)، بشرط: أن يكون اسم
الفاعل من الفعل على وزن (أَفْعَل) حينئذٍ تصحُّ العين في المصدر وفي
الفعل، وأمَّا (أَفْعَل) فهذا واضحٌ بيِّن.
وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ
سَلِمَتْ وَلَمْ تُعَلّْ
هذا المانع الثاني، أو الشرط العدمي الثاني.
(وَإِنْ يَبِنْ) (إِنْ) حرف شرط، (يَبِنْ) .. (يبين)، (يَبِنْ) فعل
مضارع مجزومٌ بـ: (إِنْ) وجزمه سكون آخره، وَحُذِفَت الياء هنا
للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، أصله: (يبين)، (وَإِنْ يَبِنْ) يعني:
يظهر، (تَفَاعُلٌ) هنا فاعل، (يَبِنْ) فعل مضارع، (تَفَاعُلٌ) هذا
فاعل، لكن لا بُدَّ من تقديره على حذف مضاف، لأنَّ (تَفَاعُل) هذا وزن
ولا يظهر مِمَّا سيذكره، وإنَّما يريد به معنى (تَفَاعُل).
(مِنِ افْتَعَلْ)، إذاً: (افْتَعَلْ) لا يَدلُّ في لفظه على
(تَفَاعُل)، وإنَّما قد يُفْهَم منه من جهة المعنى: المشاركة، فإذا
فُهِمَ من (افْتَعَلْ) المشاركة (وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ)، إذاً:
الكلام هنا في (افْتَعَلْ)، إذا وقعت الواو عين (افْتَعَلَ)، فـ:
(افْتَعَلَ) حينئذٍ على نوعين:
إمَّا أن يُفْهَم منه المشاركة والمفاعلة، وهو معنى: (تَفَاعُلْ) أو
لا، إن كان الأول سلمت عينه .. صَحَّت ولم تُعَلْ، وإن كان الثاني
أُعِلَّت.
إذاً قوله: (تَفَاعُلٌ) هذا فاعل (يَبِنْ)، لكن لا بُدَّ على تقدير
مضاف، لأنَّ (تَفَاعُل) هذا وزنٌ وليس الحكم أو الكلام فيه، (وَإِنْ
يَبِنْ) معنى (تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلَ) .. (مِنَ افْتَعَلَ) يجوز فيه
تحريك النُّون هنا بالكسر وهو الأصل، أو بالفتح، (مِنِ افْتَعَلْ)
يعني: ما كان على وزن (افْتَعَلْ)، (مِنِ افْتَعَلْ) جار ومجرور
مُتعلِّق بقوله: (يَبِنْ)، (إِنْ يَبِنْ مِنِ افْتَعَلْ) يعني: إن
دَلَّ (افْتَعَلْ) على معنى (تَفَاعُل).
(وَالْعَيْنُ وَاوٌ) (الْعَيْنُ) مبتدأ، و (وَاوٌ) خبر، والواو هذه واو
الحال، (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) يعني: والحال أن العين واو (مِنِ
افْتَعَلْ)، وحينئذٍ هذه حالٌ، والرابط فيها الواو، وصاحب الحال
(افْتَعَلَ) لأنَّ الكلام فيه.
. . . . . . . . . مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمَتْ. . .
. . . . . .
(سَلِمَتْ) هذا جواب الشَّرط، (إِنْ يَبِنْ سَلِمَتْ) يعني: سلمت الواو
.. هذا جواب الشَّرط، سلمت الواو أو سلمت العين؟ هو يقول: (وَالْعَيْنُ
وَاوٌ سَلِمتْ)، يحتمل، لا بأس أن يُقَال: سلمت العين لكن بقيد: أن
تكون واواً لا مطلقاً، أو سلمت الواو، والثانية لها تقدير.
إذاً: (سَلِمَتْ) هذا جواب الشَّرط،
والضمير هنا يعود على الواو أو العين بشرط كونها واواً، (وَلَمْ
تُعَلْ) الواو هذه واو الحال، (سَلِمَتْ وَلَمْ تُعَلْ) إذا قيل:
(سَلِمَتْ) معناها أنَّها صَحَّت .. معناها أنَّها لم تُعَل، إذاً
قوله: (وَلَمْ تُعَلّ) هذا تتميمٌ، يعني: ليس فيه فائدة جديدة لصِحَّة
الاستغناء عنه، فَكُلُّ ما صَحَّ الاستغناء عنه، وكان داخلاً فيما سبق
إلا أن يكون تصريحاً بمفهومٍ فلا إشكال فيه .. هذا له فائدة، وأمَّا
كونه (سَلِمَتْ) هذا منطوق، (سَلِمَتْ) يعني: صَحَّت، (وَلَمْ تُعَلّ)
(لَمْ) حرف نفيٍ وجزم، والواو واو الحال، (تُعَلّ) فعل مضارع مجزوم بـ:
(لَمْ)، (لَمْ تُعَلّ) أي: الواو.
يعني: أنَّ وزن (افْتَعَلَ) من الواوِيِّ العين، لأنَّه قال: (مِنِ
افْتَعَل .. وَالْعَيْنُ وَاوٌ) إذا أظهر معنى (تَفَاعُل) مِمَّا يدلُّ
على اشتراكٍ صُحِّحَ، يعني: لم يُعَلّ .. يعني: الواو سلمت .. لم
تُقْلَب ألفاً، نحو: اجْتَوَرُوا، على وزن (افتعلوا) هل الشروط موجودة؟
(اجْتَوَ) تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُتَحرِّك،
لم تُقْلَب الواو ياء، لكونه على وزن (افْتَعَل) واوي العين، مرادٌ به:
المشاركة.
(اجْتَوَرُوا) بِمعنى: تجاوروا، كُلٌّ منهم جاور الآخر، (تشاوروا) ..
(اشْتَوَرُوا) .. (افْتَعَلُوا) إذا جئت من المشاورة على وزن
(افْتَعَل) قلت: (اشتوروا)، إذاً: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَلم
تُقْلَب الواو ياءً لكونها على وزن (افْتَعَلَ) وهو واوي العين،
وَأُرِيَد به المفاعلة .. المشاركة.
وإنَّما صَحَّ مع تَوَفُّر شروط الإعلال، لأنَّه حُمِلَ على (تَفَاعُل)
الذي بمعناه، وليس في (تَفَاعُل) شروط الإعلال، هذه عِلَّة عليلة!
عِلَّة الحمل هذه ضعيفة، حملاً على كذا .. حملاً على كذا، ما وجدوا
عِلَّة إلا هذه، والأصل أن يُقَال في باب (الصَّرف) السَّماع ..
التَّوقيف.
إذاً: إنَّما صَحَّ مع تَوَفُّر شروط الإعلال ولم يُعَل؛ لأنَّه لَمَّا
جاء على معنى (تَفَاعُل)، نظرنا في (تَفَاعُل) ولم توجد فيه الشروط،
لأنَّ (تَفَاعُل) العين لو وقعت واواً، هل يمكن قلبها؟ ما قبلها ساكن
.. لا يمكن، إذاً: إذا كان (افْتَعَلَ) بمعنى: (تَفَاعُل) إذاً: صحَّت
حملاً عليه، وهذا أيضاً عليل.
(وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ) أي: معنى (تَفَاعُل)، فإن لم يبن معنى
(تَفَاعُل) أُعِلَّ على مقتضى القياس، لأنَّه ليس محمولاً على باب
(تَفَاعُل)، إذاً بقي على الأصل، أُعِلَّ على مقتضى القياس نحو: اعتاد
وارتاب، (اعتاد) أصلها: اعْتَوَدَ .. (افْتَعَلَ)، تَحرَّكت الواو
وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، مع كونه على وزن (افْتَعَلَ) والعين
واوٌ، ولم تصح كما في (اشتوروا) لماذا؟ لأنَّه لم يَدلَّ على المشاركة.
إذاً قوله: (إِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ) يعني: معنى (تَفَاعُل)، مفهومه: إن
لم يَبِن معنى (تَفَاعُل) أُعِلَّت على القياس، فـ: اعتاد وارتاب،
(اعْتَاَد) أصلها: اعْتَوَد، و (ارْتَاد) أصله: ارْتَيَدَ، إذاً: العين
ياءً .. تَحرَّكت الياء وفُتِحَ ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً .. على
الأصل.
قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) هذا شرطٌ،
مفهومه: أنَّ العين لو كانت ياءً ولو دَلَّ على مشاركة أُعِلَّت.
فُهِمَ من قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) أنَّ ما عينه ياءٌ وجب إعلالها،
وإن أبان معنى (تَفَاعُل)، ولذلك مَثَّل ابن عقيل هنا: استافوا، أي:
تضاربوا بالسِّيوف، (استافوا) أصلها: اسْتَيَفُوا (افْتَعَلُوا)، إذاً:
العين وقعت ياءً وَأُعِلَّت، مع كونه دَلَّ على المفاعلة، هذا لم
يَتَحقَّق فيه الشَّرط السابق.
إذاً قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) لو كانت العين ياءً ولو أبان معنى
(تَفَاعُل) أُعِلَّت العين، لأن الأحوال كم إذا قيل: (افْتَعَلَ)؟
(افْتَعَلَ) إمَّا أن يكون واوي العين، أو يائي العين، هذان قسمان،
ثُمَّ كُلٌّ منهما إمَّا أن يَبِين فيه معنى (تَفَاعُل) أو لا، صارت
أربعة أقسام.
(افْتَعَلَ) واوي العين أبان (تَفَاعُل) صَحَّت.
(افْتَعَلَ) واوي العين لم (يَبِنْ تَفَاعُل) أُعِلَّت.
(افْتَعَلَ) يائي العين مُطلقاً أبان (تَفَاعُل) أو لا، أُعِلَّت.
وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ
سَلِمَتْ. . . . .
(سَلِمتْ) هذا جواب الشرط، سلمت الواو أو العين بهذا القيد.
قال الشَّارح: "إذا كان افتعل معتل العين، فَحَقُّه أن تُبْدَل عينه
ألفاً نحو: اعتاد وارتاد -على الأصل- لِتَحَرُّكِهَا وانفتاح ما قبلها،
فإن أبان (افْتَعَلْ) معنى (تَفَاعَل)، وهو الاشتراك في الفاعلية
والمفعولية " لأنَّ (تَفَاعَل) تَقَاتَل زَيْدٌ وَعَمْروٌ، هنا اشتراكٌ
في الفاعلية والمفعوليَّة، كما ذكرناه سابقاً: تَضَارَب زَيْدٌ
وَعَمْروٌ، (زَيْد) هذا فاعل ومفعول، وعَمْرو فاعل ومفعول، كُلٌّ منهما
فاعل ومفعول، إمَّا في الاصطلاح والمعنى، وإمَّا في المعنى فقط.
لذلك قال هنا: " وهو الاشتراك في الفاعليَّة والمفعوليَّة" لا يعني بها
الفاعليَّة والمفعوليَّة اصطلاحاً .. ليس هذا مراده، وإنَّما مراده: ما
هو أعم، نعم صحيح تقول مثلاً: تضارب زَيْدٌ، (زَيْدٌ) هذا فاعل
اصطلاحاً، لَكنَّه ليس هو فاعل التَّضارب لوحده، لا بُدَّ أن يكون زيدٌ
مشاركاً له.
إذاً: وهو الاشتراك في الفاعليَّة والمفعوليَّة من جهة المعنى، حُمِلَ
عليه بالتصحيح إن كان واوياً. حُمِلَ حُمِلَ عليه، يعني: على
(تَفَاعَلَ)، (حُمِلَ عليه) هذه إشارة إلى العِلَّة، لماذا هنا:
(افْتَعَلْ وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ)؟ لأنَّه حُمِل على (تَفَاعَل)،
حُمِل عليه في التصحيح إن كان واوياً نحو: اشْتَوَرُوا، فإن كانت العين
ياءً وجب إعلالها، إذاً: فَرَّقوا بين الواوي واليائي، فالواوي وجب
تصحيحها، واليائي وجب إعلالها، وإنَّما أُعِلَّت في الواو دون الياء
لِثِقَل الواو في المخرج بخلاف الياء، نحو: ابتاعوا .. (ابتاع) أصله:
ابْتَوَعُوا، قُلِبَت الواو ألفاً، و (استافوا) .. استيَفُوا: تضاربوا
بالسيوف.
وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ
وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ
قد يجتمع في كلمة واحدة واوٌ وياء، وَكُلٌّ
منهما مُسْتَوفٍ للشُّروط، يعني يصح أن نقول: تَحرَّكت الواو وانفتح ما
قبلها فوجب قلبها ألفاً، وتَحرَّكت الياء .. والحكم، فإذا اجتمعا حرفا
عِلَّةٍ في كلمةٍ واحدة، وَكُلٌّ منهما مستوفٍ للشروط امتنع إعلال
الحرفين، لا بُدَّ من إعلال واحدٍ منهما.
وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ.
. . . . . . . . . . .
يعني: الأول صُحِّحَ .. لم يُقْلَب، وأُعِلَّ الثاني مثل: هَوَى، أصله:
هَوَيٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها وُجِدَ الشرط (هَوَيٌ) وما
بعدها مُتَحرِّك، وكذلك الياء هنا تَحرَّكت وانفتح ما قبلها، إذاً:
كُلٌّ منهما وُجِدَ فيه شرط الإعلال، أيُّ الحرفين نقلب ونصحِّحْ؟
(صُحِّحَ أَوَّلٌ) يعني: بقي على حاله، ولو كان مستوفياً للشروط،
ونُعِلَّ الثاني المُتطرِّف، لأنَّ التَّغيير يكون في الطَّرف.
ولذلك الإعلال والإبدال والحذف أكثر ما يكون في اللام، بخلاف الفاء
والعين، لو نظرت: الفاء أقل من حيث الإعلال والإبدال والتَّغيير
والحذف، ثُمَّ أكثر منه العين، ثُمَّ الأكثر اللام، أكثر ما يكون من
الإعلال والحذف والقلب في اللامات.
صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ ..
عَكْسٌ قَدْ يأتي، (وَإِنْ) هذا حرف شرط، (لِحَرْفَيْنِ ذَا
الإِعْلاَلُ) .. (وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَلُ)
(لِحَرْفَيْنِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اسْتُحِقَّ)، و (ذَا) اسم
إشارة نائب فاعل لفعلٍ محذوف، لأنَّه هو الذي يتلو (إِنْ)، أمَّا
(لِحَرْفَيْنِ) واضح أنَّه مُتَقدِّم، ولا يكون جملةً اسمية ولا فعلية،
(وَإِنْ) لا يتلوها إلا فعلٌ.
حينئذٍ: (ذَا) هذا أول ما تلا (إِنْ) من الأسماء مثل: ((وَإِنْ
أَحَدٌ)) [التوبة:6] مثله: (وَإِنْ ذَا الإِعْلاَل اسْتُحِقَّ) وَإِنْ
اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَل، إذاً: (ذَا) هذا نائب فاعل، مثل: ((إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] (الشَّمْسُ) نائب فاعل، والفعل
محذوف يُفَسِّره المذكور، ونقول (كُوِّرَ) هذا مُغيَّر الصيغة، لأنَّ
(إِذَا) لا يتلوها إلا الفعل.
هنا (إِنْ) لا يتلوها إلا الفعل، وجاء بعدها اسمٌ، وأمَّا الحرف هنا ..
(لِحَرْفَيْنِ) هنا لا اعتداد به، (وَإِنْ ذَا) هذا نائب فاعل (وَإِنْ
اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَلُ) (الإِعْلاَلُ) بدل من (ذَا) أو عطف بيان،
أو نعت، يجوز فيه الأوجه الثلاثة، والنَّعت محلُّ خلاف.
وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ ..
(اسْتُحِقَّ) فعل ونائب فاعل، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب،
لأنَّها مُفَسِّرة .. فسَّرت الفعل المحذوف وجوباً.
(صُحِّحَ أَوَّلٌ) (صُحِّحَ) هذا جواب الشَّرط، (وَإِنْ اسْتُحِقَّ ذَا
الإِعْلاَلُ الِحَرْفَيْنِ صُحِّحَ) هذا جواب الشَّرط، وهو مُغيَّر
الصيغة، و (أَوَّلٌ) نائب فاعل، (وَعَكْسٌ قَدْ يَحِق) (عَكْسٌ) مبتدأ،
يعني: خلاف ما سبق وهو تصحيح الثاني وإعلال الأول (صُحِّحَ أَوَّلٌ).
مفهومه: أنَّ الثاني تُطَبَّق عليه الشروط،
وهو كونه يُعَل، (وَعَكْسٌ) هذا مبتدأ، (قَدْ يَحِقّْ) (قَدْ)
للتَّقليل، إذاً: القاعدة المُطَّردة والأغلبية: أن يُصَحَّح الأول
والعكس (قَدْ يَحِقّْ) قد يرد، (قَدْ) للتَّحقيق، و (يَحِقّ) هذا فعل
مضارع .. يحقُّ، (هو) الذي هو العكس، وما هو العكس؟ (صُحِّحَ) ثانٍ،
والأول يُعَلّ.
هذا المانع الثالث: أن يجتمع في كلمةٍ واحدة حرفا عِلَّةٍ، كُلٌّ منهما
مُسْتَحِقٌّ للإعلال، حينئذٍ يمتنع أن يُعَلَّا معاً، لأنَّه إجحافٌ
بالكلمة، لأنَّه تغيير، وحينئذٍ لا بُدَّ من إبقاء واحدٍ وإعلال
الثاني، ولا شَكَّ أنَّ الثاني أولى بالإعلال.
قال الشَّارح: "إذا كان في كلمةٍ واحدةٍ حرفا عِلَّةٍ، كُلُّ واحدٍ من
الحرفين -حرفي العِلَّة- مُتَحَرِّك مفتوحٌ ما قبله" يعني: وُجِدَ فيه
شرط الإعلال "لم يجز إعلالهما معاً"، لماذا؟ لئلا يتوالى .. يتتابع في
كلمة واحدةٍ إعلالان، وهذا إجحاف .. ظلم، فيجب إعلال أحدهما وتصحيح
الآخر، والأحق منهما بالإعلال الثاني لتطَرُّفه، لأنَّه مُتأخِّر وهو
الذي يكون مَحلَّاً للتَّغيير نحو: الحيا، أصله: حَيَيٌ، اجتمع عندنا
ياءان كُلٌّ منهما مُتحرِّك مفتوحٌ ما قبله: (حَيَـ) تَحرَّكت الياء
الأولى وَفُتِحَ ما قبله، (ـَييٌ) تَحرَّكت الياء الثانية وَانفتحَ ما
قبلها، إذاً وُجِدَ في كُلٌّ منهما شرط الإعلال، فَقُلِبَت الثانية
قيل: حيا.
(هوى) .. هويٌ، والأصل: حَيَيٌ وهَوَيٌ، الثانية ياءٌ مُتحرِّكة وانفتح
ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً صارت: هوى، أمَّا الواو الأولى فتبقى كما هي
.. تَصِحُّ، مع وجود شرط الإعلال، ومنع منه مانع: وهو إعلال ما بعده.
فَوُجِدَ في كُلٍّ من العين واللام سبب الإعلال فَعُمِل به في اللام
وحدها لكونها طرفاً، والأطراف محل التَّغيير، وَشَذَّ إعلال العين
وتصحيح اللام نحو: غاية، أصله: غَيَيَ، ماذا اجتمع عندنا؟ ياءان كُلٌّ
منهما وُجِدَ فيه شرط الإعلال، هنا أُعِلَّت الأولى، لكن ابن مالك قال:
(وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّ) ما حكم عليه بالشُّذوذ، إنَّما هو قليل،
والشَّارح هنا حكم عليه بكونه شَاذًّا، فهو استدراكٌ على النَّاظم.
إذاً: السَّبب المانع من إعلال الأول فيهما إعلال الثاني، فجعل الثاني
مانعاً من الأول، وقد يُعَلُّ الأول ويصح الثاني نحو: راية وغاية
وطاية، (طاية) أصله: طَيَيَ بيائين فَأُبْدِلَت الأولى، و (غاية) أصله:
غَيَيَ، و (راية) رَيَيَ، إذاً: أُعِلَّت الأولى وَصُحِّحَت الثانية.
وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيْدَ مَا ... يَخُصُّ الاِسْمَ وَاجِبٌ
أَنْ يَسْلَمَا
(عَيْنُ) هذا المانع الرابع، الأول: كونه على وزن (فَعِلَ) اسم الفاعل
(أَفْعَل) هذا مانع.
الثاني: كونه على وزن (افْتَعَل) مع بقية الشُّروط.
الثالث: وجود حرفٍ معه أُعِلَّ، وَوُجِدَت الشروط في الحرف الأول ..
صُحِّحَ الأول واستوفى الشرط، ولكن مُنِعَ من قلبه ألفاً لوجود المانع:
وهو قلب الثاني.
وهنا أشار إلى المانع الرابع:
وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيْدَ مَا ... يَخُصُّ الاِسْمَ وَاجِبٌ. .
. .
(عَيْنُ) مبتدأ، (وَاجِبٌ) خبر، (عَيْنُ
مَا) (عَيْنُ) مضاف، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي في مَحلِّ جر مضاف
إليه، (آخِرَهُ) بالنَّصب، يستعمله النَّاظم هنا منصوباً على
الظَّرفيَّة المكانيَّة: (آخِرَهُ) (مَا قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) فـ:
(آخِرَ) هذا منصوبٌ والعامل فيه (زِيدَ)، و (زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر
الصيغة، (زِيدَ مَا) هذا نائب فاعل لـ: (زِيدَ)، و (قَدْ) للتَّحقيق،
وجملة (قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول.
(وَعَيْنُ مَا قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) يعني: في آخره، لأنَّ الظرف على
معنى: في (زِيدَ في آخِرَهُ) ما الذي زِيِد؟ (مَا يَخُصُّ الاِسْمَ)،
حينئذٍ إذا زيد في آخر الكلمة التي وُجِدَ فيها واوٌ أو ياءٌ تَحقَّق
فيها شرط الإعلال، هنا قد اتَّصل بالاسم الذي وُجِدَ فيه الواو
بالشَّرط السابق أو الياء بالشَّرط السابق، حينئذٍ هذه الزيادة
الخاصَّة بالأسماء منعت الإعلال.
لأنَّه إنَّما أُعِلَّ الاسم كما ذكرناه سابقاً .. الإعلال، بل الصَّرف
كله دخوله في الأفعال دخولاً أصلياً، ودخوله في الأسماء دخولاً تبعياً
.. غير مستقل، لأنَّ التَّغيير في الأصل يكون للفعل، حينئذٍ إذا وُجِدَ
في الاسم ما هو من خصائصه، ولو وُجِدَ فيه ما يكون مُعلَّاً كالواو
والياء بشرطها، حينئذٍ نقول: اتَّصل بالاسم ما يُبْعِد شبهه بالفعل.
وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيدَ مَا ..
(مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، نائب فاعل، و (يَخُصُّ) هذا فعل مضارع
مرفوع، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (الاِسْمَ) مفعولٌ به،
(مَا يَخُصُّ الاِسْمَ) وجملة (يَخُصُّ الاِسْمَ) لا مَحلَّ لها من
الإعراب صلة الموصول، (وَاجِبٌ) هذا خبر، (أَنْ يَسْلَمَا) (أَنْ) حرف
مصدر ونصب، (يَسْلَمَا) فعل مضارع منصوبٌ بـ: (أَنْ)، والألف هذه
للإطلاق، (يَسْلَمَا) وفيه ضمير مستتر يعود على (وَاجِبٍ).
و (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لـ: (وَاجِب)، لأنَّ
(وَاجِب) اسم فاعل فيعمل، إذاً يرفع (وَاجِبٌ سلامتُه)، ولو عُكِس قيل:
(عَيْنُ) مبتدأ، (وَاجِبٌ) خبر مُقدَّم، و (أَنْ يَسْلَمَا) مثل: أن
تصوموا (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ مُؤخَّر، (واجبٌ)
خبره، والجملة من الخبر المُقدَّم والمبتدأ المُؤخَّر خبرٌ عن (عَيْن)،
عينٌ سلامته واجبة، أيهما أولى .. وعَيْنُ واجبٌ سلامته؟
الثاني أولى، على كُلٍّ يجوز فيه الوجهان، لكن الظَّاهر: أنَّ (وَاجِب)
خبر مُقدَّم، و (يَسْلَمَا) مبتدأ مُؤخَّر، والجملة خبر (عَيْن) هذا
أولى.
يعني: أنَّه يمنع من قلب الواو والياء ألفاً لتحرُّكهما وانفتاح ما
قبلهما كونهما عيناً -لا لام ولا فاء، فيما آخره زيادة تخصُّ الأسماء،
لأنَّه بتلك الزِّيادة يبعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال وهو الفعل،
فَصُحِّحَ لذلك، وشملت الزيادة الخاصة بالأسماء الألف والنُّون نحو:
جَوَلان، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لكن منع
منه مانع: وهو اتِّصال هذا اللفظ (جَوَلاَن) بألفٍ ونون، والألف
والنُّون من خصائص الأسماء، فأبعد شبه هذا الاسم من الفعل فلم يُعَل،
وهذه عِلَّة عليلة، لكن هكذا قالوا!
(هَيَمَان) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها
فوجب قلبها ألفاً، لكن لم تُقْلَب؛ لوجود مانع وهو الألف والنُّون،
لأنَّه من خصائص الأسماء.
كذلك من الموانع: ألف التأنيث، نحو: حَيَدَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما
قبلها وما بعدها كذلك مُحرَّك فلم تُقْلَب؛ لكون هذا الاسم اتَّصلت به
ألف التأنيث وهي من خصائص الأسماء فأبعدت شبهه عن الفعل، وكذلك
(صُوَرَ) -هذا اسم وادٍ- مثل: حَيَدَ.
قال الشَّارح: "إذا كان عين الكلمة واواً مُتَحَرِّكة مفتوحاً ما قبلها
" (عَيْن) خَصَّ العين هنا النَّاظم.
إذا كان عين الكلمة واواً مُتَحَرِّكَة مفتوحاً ما قبلها، أو ياءً
مُتَحَرِّكة مفتوحاً ما قبلها، يعني: وُجِدَ فيها شرط الإعلال، وكان في
آخرها زيادة تَخُصُّ الاسم لم يجز قلبها ألفاً، إمَّا لانتفاء الشَّرط
العدمي، أو لوجود مانع .. هذا أو ذاك، بل يجب تصحيحها وذلك نحو: جولان
وهيمان، وشذَّ: ماهان وداران، هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه.
إذاً: هذه المسألة التي بدأها النَّاظم بقوله:
مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيْكٍ أُصِلْ ... أَلِفَاً ابْدِلْ بَعْدَ
فَتْحٍ مُتَّصِلْ
إلى هذا البيت، كُلَّ هذه الأبيات مُتعلِّقة بمسألة واحدة: وهي إمَّا
أن تجعلها شروط أربعة ولها موانع أربعة، وإمَّا أن تجعلها شروط
مُفصَّلة مع الموانع، وتُقَسِّم الشروط إلى وجودية وعدمية .. تجعلها
عشرة، وهو الذي جرى عليه ابن هشام في (التَّوضيح) حيث قال: "إبدال
الألف من أختيها الواو والياء مَشروطٌ بعشرة شروط":
الأول: أن يتحركا، يعني: كُلٌّ من الواو أو الياء مُتحرِّكين، فلذلك
صَحَّتَا في: البَيْع والقَوْل، (بَيْعٌ) ما قُلِبَت الياء ألفاً،
لماذا؟ لأنَّها ساكنة .. صحَّت، و (القول) مصدر، لم تُقْلَب الواو
ألفاً، لأنَّها صَحَّت، هذا الأول.
الثاني: أن تكُون حركتهما أصلية، قال النَّاظم: (أُصِلْ) إذاً: جعلهما
شرطين، (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) لك أن تجعلهما شرطين أو شرطاً واحداً،
ولذلك صَحَّتَا في: جَيَل وتَوَم، كما ذكرناه سابقاً.
ثالثاً: أن ينفتح ما قبلهما، ولذلك صَحَّتَا في: عِوَض، عِوَض تَحرَّكت
الواو وَكُسِرَ ما قبلها، والشَّرط: أن يكون فتح، فلو كُسِرَت أو
ضُمَّت ولم تُفْتَح صَحَّت العين أو الواو: (عِوَض) نقول: الواو هنا
تَحرَّكت، وما بعدها كذلك مُحرَّك، لكنَّها لا تُقْلَب ألفاً، لأنَّ ما
قبلها لم يُفْتَح .. انتفى شرطٌ، وكذلك: (حِيَل) ياءٌ مُتحرِّكة وما
بعدها مُتحرِّك، ولكن ما قبلها كُسِرَ ولم يفتح، (سُوَر) فُتِحَت الواو
وتَحرَّكت، وما قبلها مضموم.
الرابع: أن تكون الفتحة مُتَّصِلة، أي: في كلمتيهما ولذلك صَحَّتَا في:
ضَرَبَ واحدٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فلا تُقْلَب ألفاً:
وَضَرب ياسرٌ.
الخامس: أن يَتَحرَّك ما بعدهما إن كانتا عينين، وألا يليهما ألفٌ ولا
ياءٌ مُشدَّدة إن كانتا لامين، على التفصيل السابق، ولذلك صَحَّت العين
في: بَيَان، لأنَّ ما بعدها ساكن، و (طَويِل) و (خَوَرْنَق) هذا في غير
الياء، واللام في: رَمَياَ وغَزَوَا وفَتَيَان وعَصَوَان وعَلَوِي
وقتَوِي.
وَأُعِلَّت العين في: قَام وبَاعَ، وبَاب
.. (بَوَبٌ)، وناب .. (نَيَبٌ) لِتَحَرُّك ما بعدها، إذ ليس بعدها ألفٌ
ولا ياءٌ مُشدَّدة، وكذلك في: يَخْشَوْنَ، كما سبق بيانه.
السادس: ألا تكُون إحداهما عيناً لـ: (فَعِلَ) الذي الوصف منه على
(أفْعَلَ). ألا تكون إحداهما، يعني: الواو أو لياء عيناً لـ: (فَعِلَ)
بكسر العين، الذي الوصف منه على (أفْعَلَ) .. أفعل التفضيل، نحو:
أهْيَفْ، المراد به اسم فاعل ليس أفعل التفضيل .. إنما للزينة فقط:
أَهْيَف .. هَيَفٌ .. هَيِفَ، والكلام هنا في المصدر، وفي (فَعِلَ)،
أمَّا: أهْيَف، فواضح أنَّه لا يُعَلّ، و (عَوِرَ) كذلك.
سابعاً: ألا تكُون عيناً لمصدر هذا الفعل كـ: الْهَيَف، جعله
مُستقِّلاً، انظروا! الشُّروط يمكن تداخلها.
الثامن: ألا تكُون الواو عيناً لـ: (افْتَعَلَ) الدَّال على معنى
(التَّفَاعُل)، أي: تشارك الفاعليَّة والمفعوليَّة نحو: اجْتَوَرُوا
واشتوروا، فإنَّه في معنى: تجاوَرُوا وتشاوَرُوا.
فأما الياء فلا يُشْتَرط فيها ذلك، لأنَّه قال: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ)؛
لقربها من الألف، ولهذا أُعِلَّت في: اسْتَافُوا مع أن معناه:
تَسَايَفُوا.
التَّاسع: ألا تكُون إحداهما مَتْلُوَّةً بحرفٍ يستحق هذا الإعلال،
يعني: إذا اجتمع حرفان، فإن كانت كذلك صَحَّت وَأُعِلَّت الثانية نحو:
اَلِحْيَا والهَوَى، وقد يرد العكس، ولم يحكم بالشُّذوذ هناك ابن هشام،
بخلاف ابن عقيل هنا، والنَّاظم قال: (وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ) (قَدْ)
هنا للتَّقليل فليس بشاذ، لكن الأفصح والأكثر أن تُصَحَّح الأولى.
العاشر: ألا يكُون عيناً لِمَا آخِرَهُ زيادةٌ تختص بالأسماء، فلذلك
صَحَّتَا في نحو: اَلجْوَلاَن والَهَيمَان والصَّوَرَى والحَيْدَى.
ثُمَّ قال النَّاظم:
مسألة:
وَقَبْلَ بَا اقْلِبْ مِيمَاً النُّونَ إِذَا ... كَانَ مُسَكَّناً
كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا
اقلب النُّون ميماً، وباءً .. ما إعراب (بَاءً)؟ (قَبْلَ بَا) قصره
للضرورة، (قَبْلَ) هذا منصوبٌ على الظرفية مُتعلِّق بقوله: (اقْلِبْ):
اقلب النُّون ميماً قبل باءٍ، (إِذَا كَانَ مُسَكَّناً) ما هو؟ الضمير
(إِذَا كَانَ) اسم (كَانَ) ضمير مستتر يعود على (النُّون) (إِذَا كَانَ
النُّونَ مُسَكَّناً) سواءٌ كان مُتَّصلاً في كلمة واحدة أو منفصلاً،
وهذه يَتَكلَّم عنها أهل التجويد.
(كَمَنْ بَتَّ) قلبت النُّون ميماً، (انْبِذَا) هنا نونٌ ساكنة بعدها
باءٌ، إذاً: اقلب النُّون ميماً قبل باءٍ، وهنا قلبت النُّون ميماً
فقلت: (كَمَنْ بَتَّ) (مَنْ) نون ساكنة ثُمَّ جاءت بعدها باء، اقلب
النُّون ميماً تقول: (كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا) (انْبِذَا) انبذاً ..
الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة.
يعني: أنَّ النُّون الساكنة إذا وقعت قبل الباء وجب قلبها ميماً، وذلك
فيما كان من كلمتين ومن كلمة، يعني: قد يكونا في كلمة، وقد يكونا في
كلمتين، ولذلك مَثَّل بالنوعين، فالمتَّصل نحو: (انْبِذَا)، والثاني ..
المتَّصل نحو: (مَنْ بَتَّ).
قال الشَّارح: " لَمَّا كان النطق بالنُّون
الساكنة قبل الباء عَسِراً " إذاً: سبب القلب هنا طلب الخِفَّة ..
فراراً عن العسر،"لاختلاف مخرجيهما مع منافرةٍ بين النُّون وَغُنَّتِها
لِشدَّة الباء، وجب قلب النُّون ميماً، ولا فرق في ذلك بين المتَّصلة
والمنفصلة"، يعني: في كلمة واحدة أو في كلمتين، متى ما جاءت النُّون
ثُمَّ باءٌ والنُّون ساكنة، قلبت النُّون ميماً طلباً للخِفَّة،
ويجمعهما قوله: (مَنْ بَتَّ انْبِذَا) أي: مَنْ قَطَعَكَ فَأَلْقِه
عَنْ بَالك وَاطْرَحه، وألف (انْبِذَا) مُبدَلَةٌ من نون التوكيد
الخفيفة.
إذاً: في هذه الخاتمة .. المسألة الثالثة: وهي قلب النُّون ميماً، وذلك
إذا كانت ساكنةً قبل الباء على جهة الخصوص، أمَّا قبل غيرها فلا،
والنُّون إذا كانت مُتحرِّكة فلا، وإنَّما هي خاصَّةٌ بالسَّاكنة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ...
!!!
|