شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

إعراب جمع المذكر السالم

  

تعريف جمع العلم جمعاً مذكراً سالماً

محترزات تعريف الجمع المذكر السالم

شروط جمع الصفة جمعاً مذكراً سالماً

الملحقات بالجمع المذكر السالم

الاحتجاج بالقرآن والسنة في النحو

أمثلة على إعراب جمع المذكر السالم

ضبط حركة النون في المثنى والجمع المذكر السالم

أمثلة للإعراب

 

 

تعريف جمع العلم جمعاً مذكراً سالماً

  

 

الباب الثالث: قال الناظم رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب وشبه ذين] هذا باب جمع المذكر السالم، يقول المؤلف: ارفع بواو نيابة عن الضمة، وبيا اجرر وانصب؛ نيابة عن الكسرة في الجر، وعن الفتحة في النصب. قوله: (سالم جمع عامر ومذنب) يريد بذلك الجمع السالم مفرده؛ لأن الجموع تنقسم إلى قسمين: جموع لا يسلم مفردها من التغيير عند الجمع، فهذه خارجة بقوله: (سالم جمع). وجموع لا يتغير مفردها، فهذه داخلة في قوله: (سالم جمع). ولنضرب لذلك أمثلة: رجل: جمعه (رجال) فليس جمع مذكر سالماً؛ لأن المفرد تغير عند الجمع. مسلم: جمعه (مسلمون) فسلم مفرده عند الجمع، فهو جمع مذكر سالم. وقوله: (سالم جمع عامر ومذنب): كلمة (عامر) علم، وكلمة (مذنب) صفة. فأفادنا المؤلف رحمه الله بذلك أن جمع المذكر السالم يكون جمعاً للأعلام ويكون جمعاً للأوصاف، وهو كذلك، ولا يخرج عن هذين الأمرين، فغير العلم لا يجمع جمع مذكر سالماً، بل يكون ملحقاً به، فأرضون -مثلاً- ملحقة بجمع المذكر السالم وليست جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست علماً. ولكن ننظر أيضاً: كلمة (عامر) فنجد أنها علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب. والمراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل، فلو فرض أن عندنا عشرة مجانين، كل واحد اسمه عامر، فإنهم يجمعون جمع مذكر سالم؛ لأن المراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل. لو سمينا حصاناً باسم علم، وسمينا أيضاً بهذا العلم خيولاً أخرى، فلا نجمعها جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست لعاقل، لأنه لا بد أن يكون لمذكر وأن يكون لعاقل. وهناك شروط أيضاً: أن يكون سالماً من التاء، فإن كان متصلاً به التاء فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: (حمزة)؛ لأن فيه التاء، وإذا كان فيه التاء فإنه يجمع إما جمع مؤنث سالماً أو يؤتى بكلمة (ذوو) مضافة إلى المفرد. وقوله: (ومذنب): هو وصف لمذكر، عاقل. وما أذكى المؤلف رحمه الله حين أتى بكلمة (مذنب) لأن الذنب لا يكون إلا من العقلاء، فالبهائم لا توصف بأنها مذنبة، فكأنه رحمه الله أشار إلى أنه لا بد أن يكون الوصف وصفاً لمذكر عاقل، وذلك بقوله: (مذنب)، لأن غير العاقل لا يوصف بالذنب أبداً، فهذا من ذكائه رحمه الله.

 

 

 

 

محترزات تعريف الجمع المذكر السالم

  

 

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب] هذا مستثنى مما يرفع بالضمة وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة، وهو باب جمع المذكر السالم. فقولنا: جمع المذكر؛ احترازاً من جمع المؤنث. وقولنا: السالم؛ أي: الذي سلم فيه بناء المفرد فلم يتغير، وخرج به الجمع الذي يتغير به المفرد، فهذا لا يرفع بالواو ولا ينصب بالياء ولا يجر بالياء، مثال ذلك: الأعراب، الرجال، الأقوام، هذه لا ترفع بالواو ولا تنصب وتجر بالياء، لأنها ليست جمع مذكر سالماً، والمؤلف يقول: (سالم جمع عامر ومذنب). وكلمة (عامر) يشير بها إلى العلم، و(مذنب) يشير بها إلى الصفة، لأن مذنباً وصف، وعامراً علم، أي: اسم رجل، ولا يريد المؤلف بكلمة (عامر) اسم الفاعل الذي عمر البيت مثلاً، إنما يريد أنها علم لرجل، مثل: عقبة بن عامر ، أبوه اسمه عامر ، وليس معناه أن أباه عَمَر بيوتاً، فأشار بهذين المثالين إلى العلم وإلى الصفة. فنستفيد إذاً أن جمع المذكر السالم لا يكون إلا علماً أو صفة، فإن كان غير علم ولا صفة فإنه يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم في إعطائه حكمه إعراباً، وإن لم يكن منه حقيقة. وجمع المذكر السالم هو الذي سلم فيه بناء مفرده، مثل (رجال) جمع مذكر، ولكن ليس بسالم، لأن رجالاً جمع رجل، فانظر كيف تغير رجل، كان (رَجُل) مفتوح الراء مضموم الجيم، فلما جُمع صار مكسور الراء مفتوح الجيم، وزيد فيه ألف: (رِجَال). أما جمع المذكر السالم فلا يتغير المفرد فيه، فمثلاً (عامر) تقول فيه: عامرون، و(مذنب) جمعه: مذنبون، فالآن لم يتغير المفرد إطلاقاً، غاية ما فيه أنه لحقته العلامة وهي الواو والنون فقط. ولهذا نقول: سنة جمعها سنون، وليس جمع مذكر سالماً؛ لأنه تغير المفرد، لكنها ملحقة بجمع المذكر السالم. أرض نقول في جمعها: أرضون، ولا تكون جمعاً مذكراً سالماً، لأن المفرد تغير، إذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم، أي: تعرب إعرابه وإن لم تكن منه. نرجع مرة ثانية إلى بحثنا في (عامر ومذنب) وجدنا أن عامراً علم ومذنباً صفة، إذاً لا يمكن أن يكون جمع المذكر السالم إلا علماً أو صفة. عامر: علم لمذكر وليس علماً لأنثى، وهو عاقل، وليس كلاحق اسم فرس، وما أشبه ذلك. وهو خال من التاء، فما قيل: عامرة. وخال من التركيب. والتركيب إما تركيب مزجي أو تركيب إضافي أو تركيب إسنادي، المهم أنه خال من التركيب. فهو علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب، فالشروط خمسة. فإن لم يكن علماً، كثوب مثلاً، فلا يمكن أن يكون جمع مذكر سالماً، لأنه ليس علماً، لكن لو سميت ابني (ثوب)، لجمع جمع مذكر سالماً؛ لأنه علم لمذكر، أما ثوب بمعنى ما يلبس فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً. وقولنا: (علماً لمذكر)، فإن كان علماً لأنثى، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: سعاد، لا نقول في جمعها: سعادون، لأنها علم على أنثى. وقولنا: (عاقل) إذا كان علماً لمذكر غير عاقل، مثل: لاحق اسم فرس، وواشق اسم جمل، فإنه لا يجمع جمع مذكراً سالماً؛ لأنه علم لغير العاقل. وقولنا: (خال من التاء): خرج به مثل (طلحة) فهو علم لمذكر عاقل، لكن فيه تاء التأنيث، فلا نقول في الجمع: طلحون؛ ولكن الصحيح في هذا أنه يجمع جمعاً مذكراً سالماً؛ لأن التاء فيه بنية الانفصال، فهي زائدة، وعلى هذا لو كان عندنا ثلاثة رجال اسم كل واحد طلحة، نقول: جاء طلحون، ولا بأس بذلك، لأن التاء في نية الانفصال لكونها زائدة. قتادة: لا تجمع جمعاً مذكراً سالماً على حسب الشروط التي ذكرنا، لكن على الراجح أنها تجمع، فنقول: قتادون، إذا كان عندنا ثلاثة رجال يسمون بهذا الاسم. وقولنا: (خال من التركيب) خرج به ما كان مركباً تركيباً مزجياً، والتركيب المزجي: ضم كلمتين بعضهما إلى بعض لا على سبيل الإضافة، مثل: بعلبك، لو سميت ولدك: بعلبك، وكان زميلك سمى ولده بعلبك، وزميلك الثاني سمى ولده بعلبك، وجاء البعالبك، فلا تقول: جاء بعلبكون! لأنه مركب تركيباً مزجياً، لكن تأتي بـ(ذوو) بمعنى: أصحاب، فتقول: جاء ذوو بعلبك، أي: أصحاب هذا الاسم، والمسألة سهلة، بدل ما تقول: جاء بعلبكون، تقول: جاء ذوو بعلبك. ولكن ذهب بعض علماء النحو إلى جواز جمع المركب تركيباً مزجياً جمعاً مذكراً سالماً، وعلى هذا فتقول للثلاثة: جاء بعلبكون، وهذا بناء على القاعدة السائرة السائدة الشامخة: أنه إذا اختلف النحويون في مسألة على قولين أخذنا بالأسهل، فنقول على القول الراجح: جاء بعلبكون، ولا مانع. بقينا بالتركيب الإضافي، كيف نجمعه؟ إذا سميت ابني عبد الله، والثاني سمى ابنه عبد الله، والثالث سمى ابنه عبد الله، فجاء العبادلة الثلاثة، ماذا نقول؟ إن قلت: عبد اللّهون، وقعت في مشكلة، حيث جمعت المضاف إليه، وهو سبحانه وتعالى واحد، فهذا مانع شرعي. وإن قلت: عبدو الله بالواو على أنهم جمع، فكأنك أضفت جميع هؤلاء إلى واحد، فلا يعلم المخاطب أنهم جماعة، قد يظن أنه لفظ مجموع على صيغة الجمع وهو لواحد! ولكن الصحيح أنه يصح، وأنه يجمع الجزء الأول منه ويضاف إلى الجزء الثاني، فتقول: جاء عبدو ربهم، أو عبدو الله، كما تقول: عبدا الله، في المثنى ومنه قول الملغز في التثنية: لقد طاف عبدا الله بالبيتَ سبعة وحج من الناسُ الكرام الأفاضل وهذا بيت غريب حيث رفع (الناس) بعد حرف الجر (من) ونصب (البيت) بعد حرف الجر الباء، لكن أصل البيت: لقد طاف عبد الله بي البيتَ سبعة وحج منى الناسُ الكرام الأفاضل فالبيت مفعول طاف، والباء جارة لضمير متصل بها محذوف، أي: بي أنا، و(من الناس) أصلها (حج منى الناس) فالناس فاعل حج والمفعول (منى) تدغم ألفها عند النطق لسكونها والتقائها بساكن صحيح بعدها. والحاصل: إنه يجوز أن يجمع صدر المركب تركيباً إضافياً ويضاف إلى عجزه. التركيب الثالث: التركيب الإسنادي، وهو تركيب جملة، وهو المشكل، فإن جمعه صعب، هناك رجل يسمى شاب قرناها ، مثلما تسمي خالداً وعمراً، فإذا سميت ولدي شاب قرناها، وسميت أنت ولدك شاب قرناها، وسمى الثالث ولده شاب قرناها، وحضر الثلاثة، فلا بد أن نأتي بذوو، فنقول: جاء ذوو شاب قرناها، أي: أصحاب هذا الاسم، لأنك لا تستطيع أن تجمع جملة فعلية. وكذلك قد يكون التركيب الإسنادي جملة اسمية، مثل: الشنفرى ، الشن: مبتدأ، وفرى: الجملة خبر، فإذا سميت ولدي بالشنفرى، وسميت ولدك كذلك والثالث سمى ولده بذلك، فلا يمكن أن نجمع إلا إذا وصلنا بكلمة: ذوو، فنقول: ذوو الشنفري. فتبين بهذا أن القول الراجح أن المركب تركيباً مزجياً أو إضافياً يمكن أن يجمع جمع مذكر سالماً، وأما المركب تركيباً إسنادياً فلا. تم الكلام على جمع المذكر السالم إذا كان جمع علم، وبقي الكلام في الصفة.

 

 

 

 

شروط جمع الصفة جمعاً مذكراً سالماً

  

 

قوله: [وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب] تقدم الكلام على عامر، وأنه إذا تأملته وجدت أنه علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب. وقد تكلمنا على هذا، منطوقاً ومفهوماً. أما قوله: (مذنب) فهو اسم فاعل من أذنب، وهو وصف وليس اسماً، فلا يوجد من يسمي ابنه مذنباً، وإنما هو وصف، يعني: فاعلاً للذنب. هذا الوصف إذا تأملناه وجدنا أنه وصف لمذكر عاقل، لأن الذي يوصف بالذنوب هم العقلاء، أما المجانين فليس لهم ذنوب. وأيضاً (مذنب) خال من تاء التأنيث، أما التركيب فغير وارد، لأنه لا تركيب في الصفات، لكن يقولون هنا: ليس من باب أفعل فعلاء، ولا فَعْلان فَعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأنا أرى أن نحذف هذا، وأن نقول: وصف لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث، فقط. وأما قولهم: وليس من باب أفعل فعلاء، ولا من باب فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فكل هذا موضع خلاف، ونحن ابتدائيون، لا حاجة لنا في أن ندخل أنفسنا في غمار خلاف مرجوح. مثال ذلك: (مذنب) تقول فيه: مذنبون، قائم: قائمون، راكع: راكعون، ساجد: ساجدون.. وهلم جرا. أما (حامل) فإذا كان يَقصد به امرأة حاملاً، فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً، لأنه ليس وصفاً لمذكر، وإذا قصد رجلاً حاملاً فهذا يجمع. ولهذا لو قال لك قائل: هل تجمع (حاملاً) جمع مذكر سالماً؟ فالجواب: بالتفصيل: إن أردت به المرأة الحامل فلا لأنه وصف لمؤنث، وإن أردت اسم الفاعل ممن يحمل العفش مثلاً فهو وصف لمذكر فيجوز أن يجمع جمع مذكر سالماً. قولنا: (خال من التاء)، فإن كان مقروناً بالتاء لم يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان وصفاً لمذكر عاقل، مثل: علاَّمة، لو جاءك ثلاثة علماء كل واحد يستحق أن يقال له علامة، فلا تقول: جاءني علامون. ولكن هذا فيه خلاف أيضاً، يقول بعض النحويين: إذا علمنا المراد فهو جائز، حتى وإن كان مقروناً بالتاء. وكذلك نابغة، فلا تقل: نابغون؛ لأنه مختوم بالتاء. ولكن نقول: إن اشتراط ألا يكون مختوماً بالتاء ليس عليه دليل، لا من القرآن ولا من السنة ولا من الإجماع. فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يعتبر، فالصحيح أنه يجوز. المهم أن نفهم المعنى. والذين قالوا: لا يجوز، قالوا: إنك إذا قلت علامون في جمع علاَّمة، فإنك لم تفصح بالتاء التي فيها زيادة المبالغة، لأن علاَّمة أشد مبالغة من علام. قالوا: فإذا قلت علاَّمون، ظن السامع أنه جمع علاَّم، وهو أقل رتبة من علامة. وتبين مما سبق أنه إذا لم يكن الاسم علماً ولا وصفاً، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان لعاقل، كرجل فإنك لا تجمعه على (رجلون). وإنسان، لا يجمع على (إنسانون) لأنه ليس علماً ولا وصفاً. وبشر: لا يجمع على (بشرون). فإن سميت ابنك رجلاً، وزميلك سمى ابنه رجلاً، والزميل الثاني سماه رجلاً، فجاء هؤلاء الأبناء، فإنك تقول: جاءني رجلون؛ لأن رجلاً هنا صار علماً. وإذا سميت ابنك بَشَراً، وزميلك كذلك والزميل الثاني كذلك، فتقول: بَشَرون؛ لأنه صار علماً، أما إذا كان اسم جنس فإنك لا تجمعه جمع مذكر سالماً. قوله: (وشبه ذين) يعني ما شابههما في كونه علماً أو صفة على الشروط التي ذكرنا.


 

شرح ألفية ابن مالك [6]

 

جمع المذكر السالم يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، ويلحق به في هذا الإعراب ألفاظ لا تتحقق فيها شروط جمع المذكر السالم، وقد عدها علماء النحو ووضعوا القواعد التي تضبط ذلك، وفرقوا بين نون المثنى ونون الجمع في الحركات.

 

الملحقات بالجمع المذكر السالم

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ .... وبه عشرونا وبابه ألحق والأهلونا أولو وعالمون عليونا وأرضون شذ والسنونا وبابه ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد ونون مجموع وما به التحق فافتح وقل من بكسره نطق ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه فانتبه] وقوله: (وبه عشرونا وبابه ألحق): يعني: وألحق بهذا الجمع -وهو جمع المذكر السالم- عشرون وبابه. وبابه هو ثلاثون وأربعون وخمسون وستون وسبعون وثمانون وتسعون، فهذا ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس علماً ولا صفة، فإذا قلت: جاءني عشرون رجلاً، فالإعراب: جاء: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول به. وعشرون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وهو ملحق من عدة وجوه: أولاً: أنه ليس علماً ولا صفة. والثاني: أنه لا يدل على مفرده فمثلاً: عشرون، لا تدل على (عشر)؛ لأنك لو قلت: عشر مفرد عشرين، فإن الجمع يكون ثلاثين، لأنك إذا جمعت عشراً فأقل الجمع ثلاثة، فيكون عندك عشر وعشر وعشر، وليس الأمر في عشرين كذلك. ثم إنه مع كونه غير جمع العشر يختلف عن العشر، لأن العشر مفتوح العين، والعشرون مكسور العين. إذاً: فهو ملحق بجمع المذكر السالم، وإن شئت فقل: لأنه ليس علماً ولا صفة، واكتف بهذا. قوله: (والأهلون): الأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا [الفتح:11]. وقال عز وجل: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [الفتح:12]. فالأولى: (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) بالواو لأنها فاعل، والثانية: (إلى أهليهم) بالياء لأنها مجرورة بإلى. وأهلون ملحق بجمع المذكر السالم، لأنه اختل فيه من الشروط أنه ليس علماً ولا صفة. قوله: (أولو): أولو أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى [النور:22]. فقال: (( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا )) بالواو لأنها فاعل، ((أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي )) بالياء لأنها مفعول به. وأولو ملازمة للإضافة، ولهذا لا تأتي معها النون، تقول: جاء أولو الفضل، ورأيت أولي الفضل، ومررت بأولي الفضل. وأولو معناها: أصحاب. ألحقت بجمع المذكر السالم ولم تكن منه لأنها ليس لها واحد من لفظها، فهي ليست جمعاً لفظاً وإن كان معناها الجمع، ولا يصح أن أقول: ولأنها ليست علماً ولا وصفاً؛ لأنها وصف، أي أنها بمعنى: أصحاب. قوله: (وعالَمون عليون): عالَمون: أيضاً ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]. فالعالمَ جمعها عالَمون، ونقول: هذا ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه، لأنه ليس علماً ولا صفة، ولا دالاً على المفرد، لأن عالَم وعالَمون معناهما واحد، فكل منهما يدل على الجمع، لذلك صارت عالَمون ملحقاً بجمع المذكر السالم. وعليون: اسم لأعلى الجنة، وهو ملحق بجمع المذكر السالم، قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ [المطففين:18-19] فرفعها بالواو وجرها بالياء. والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست علماً لعاقل، لأنها علم لمكان في الجنة. قوله: (وأَرَضُون شذ): أرضون جمع أرض، والأرضون ملحق بجمع المذكر السالم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أَرَضِين) أرضين بالياء، لأنها مجرورة. والذي اختل فيها من شروط جمع المذكر السالم أنها ليست بعلم ولا صفة ولا لمذكر، واختلفت حركاتها أيضاً مع المفرد، فالمفرد أَرْض بسكون الراء والجمع أَرَضون بفتحها، فإذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم من عدة أوجه، ولهذا قال: (شذ)، أي: لبعده عن القياس، فهو شاذ. قوله: (والسنونا وبابه): يعني: وكذلك ألحق بجمع المذكر السالم السنون، وهو جمع سنة، يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، قال الله تعالى: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:42] فلما كان ملحقاً بجمع المذكر السالم جر بالياء. والذي اختل فيه من شروطه أنه ليس بعلم ولا صفة، وليس لعاقل ولا وافق المفرد في الحركات، ولا هو لمذكر، فلهذا صار شاذاً، ولهذا قال: (وأرضون شذ والسنونا) أي: شذ. وبابه: باب السنين عند النحويين: كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر، أي لم يجمع جمع تكسير. ومثلوا لذلك بمائة، قالوا: جمعها مئين في النصب والجر، ومئون في الرفع، كما أنها تجمع أيضاً على مئات جمع مؤنث سالماً؛ لكن إذا جمعت جمع مذكر سالماً ألحقت به إلحاقاً ولم تكن منه. والذي فات من الشروط: أنها ليست علماً ولا صفة، وقد تكون للمذكر وقد تكون للمؤنث، فليست خاصة بالمذكر، تقول: مائة رجل، ومائة امرأة. وهذه الأشياء التي ذكرها المؤلف رحمه الله جاءت بها اللغة العربية، فعاملتها معاملة جمع المذكر السالم. قال: (ومثل حين قد يرد ذا الباب): المراد به باب السنين، أي أنه قد يرد في اللغة العربية مثل كلمة (حين) في الحكم، فيعرب بالحركات على آخره، ويلزم الياء، قال الله تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:88] فتعرب سنين مثل حين، فتقول: مكثت في هذا البلد سنيناً، كما تقول: مكثت فيه حيناً. ولو أردت أن تلحقه بجمع المذكر السالم لقلت: مكثت في هذا البلد سنين. ويختلف الإعراب، فإذا قلت: مكثت في هذا البلد سنيناً، فإن (سنيناً) ظرف زمان منصوب على الظرفية بفتحة ظاهرة، ولو قلت: (سنين) لقلت: ظرف منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. ومن ذلك قول الشاعر: دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا شيباً وشيبننا مرداً لو أتى به على أنه ملحق بجمع المذكر السالم لقال: فإن سنيه. وليعلم أن بعض الطلبة يقرأ: سنيّه، وهذا لحن قبيح، بل يقال: فإن سنينه. فالحاصل أن (سنين) وبابها إما أن تعرب كحين بحركات ظاهرة على النون، أو تعرب إعراب جمع المذكر السالم بالياء جراً ونصباً وبالواو رفعاً. إذا قلت: أتى على هذا البيت سنينٌ عديدة. فاستعملته استعمال حين، فأقول: أتى: فعل ماض. وسنين: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره. وإذا أردت أن أستعملها استعمال الملحق بجمع المذكر السالم، أقول: أتى على هذا البيت سنون، فأرفعها بالواو، كما أقول: أتى علي مسلمون، فيرفع بالواو نيابة عن الضمة، والنون مفتوحة. قوله: [ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد] يعني: هذا الباب يطرد أن يكون كحين عند قوم، فلا يلحقونه بجمع المذكر السالم مطلقاً، ويرون أن إلحاقه بجمع المذكر السالم غير صحيح. ولكن هذا خطأ، والصواب أنه ملحق بجمع المذكر السالم على الأفصح، قال الله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَة سِنِينَ [الكهف:25] ولم يقل: سنينٍ، فالأفصح: أن يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم. أما قوله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] فعالمون هنا جمع مذكر سالم وهي غير التي في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

 

الاحتجاج بالقرآن والسنة في النحو

  

 

وأنا عندي قاعدة أسأل الله ألا يؤاخذني بها: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، وليس هذا من باب تتبع الرخص. والقرآن حجة بلا شك، أما السنة ففيها خلاف بين العلماء؛ لأن السنة يرويها الرواة بعد تغير اللسان، وأكثر المحدثين على جواز الرواية بالمعنى، لكن الذي عليه ابن هشام وجماعة من العلماء ومنهم ابن مالك : أن الأصل أنها على اللغة العربية، والأصل أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن مع ذلك أحياناً يشذذونها، مثل: (يتعاقبون فيكم ملائكة) قالوا: إن هذا جاء على لغة: أكلوه البراغيث، وقالوا: إن هذه لغة شاذة، حتى أن بعض العلماء زعم أن منها قوله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة:71] قال: إن (كثير) فاعل. ولكنه ليس بصحيح، و(كثير) هذه بدل من الواو. أما القراءة المخالفة للقاعدة فلا أظن أحداً ينكر القراءة، وهي ثابتة، لكن هم يقولون شاذة عن القواعد فقط، فالقاعدة العامة في اللغة تأتي القراءة أحياناً مخالفة لها، لكن مع ذلك نقول: الشاذ أنت، القرآن ليس فيه شيء شاذ.

 

أمثلة على إعراب جمع المذكر السالم

  

 

سبق لنا أن جمع المذكر السالم وما ألحق به يرفعان بالواو، وينصبان ويجران بالياء، وأن كل ما اختلت فيه الشروط فهو ملحق، بألا يكون علماً، أو كان علماً لغير عاقل، أو علماً لمؤنث، أو علماً مختوماً بالتاء، أو علماً مركباً، وما أشبه ذلك. المهم ما اختل فيه شرط من الشروط وعومل معاملة جمع المذكر السالم فإنه يقال فيه: ملحق بجمع المذكر السالم. ونحن الآن نأخذ أمثلة على ذلك: إذا قلنا: قام المسلمين. فالعبارة خطأ، والصواب: قام المسلمون، لأن جمع المذكر السالم يرفع بالواو. وإعرابها: قام: فعل ماض مبني على الفتح. المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم. وقال بعض النحويين: إن الحركات مقدرة على الحروف، فالضمة مقدرة على الواو، والفتحة مقدرة على الياء، والكسرة مقدرة على الياء.. لكن كلام ابن مالك يدل على أن الواو هي علامة الرفع، قال: (وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... إلخ). مثال آخر: إذا قيل: أتى المسلمين أمر الله، فهذه العبارة خطأ، والصحيح: أتى المسلمون أمر الله. وإعرابها: أتى: فعل ماض مبني على الفتح. المسلمون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. أمر: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، وأمر مضاف. الله: لفظ الجلالة مضاف إليه. ويحتمل أن المعنى: أتاهم أمر الله، ويحتمل أنهم أتوا أمر الله.

 

 

 

 

ضبط حركة النون في المثنى والجمع المذكر السالم

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونون مجموع وما به التحق فافتح وقل من بكسره نطق ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه فانتبه] قوله: (ونون مجموع) أي: سواء كان مرفوعاً أم مجروراً أم منصوباً، فنونه مفتوحة، تقول: المسلمونَ والمسلمين. قوله: (وقل من بكسره نطق): يعني: قل من نطق بكسر النون من العرب، فقال: المسلمينِ. قوله: (ونون ما ثني والملحق به بعكس ذاك استعملوه..). يعني أنهم كسروه فقالوا: الزيدانِ والعمرانِ والزيدينِ والعمرينِ. وقلَّ من نطق بفتحه وقال: الزيدانَ والعمرينَ.

 

أمثلة للإعراب

  

 

مثال أول: خلق الله الأرضين: خلق: فعل ماض مبني على الفتح. الله: لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. ونقول: لفظ الجلالة أو الاسم الكريم تأدباً؛ لأنك إذا قلت: الله، فقد تريد به المسمى ولا تريد هذا اللفظ، فإذا قلت: الاسم الكريم أو لفظ الجلالة كان أحسن. الأرضين: مفعول به منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. مثال ثان: أصاب الناس سنون: أصاب: فعل ماض مبني على الفتح. الناس: مفعول به مقدم على فاعله بفتحة ظاهرة على آخره. سنون: فاعل مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين. وهذا على إعرابها إعراب الجمع المذكر السالم. ومثال ما تأتي مثل حين بالنون: مرت علي سنينٌ كثيرة، فهنا أجريناها مجرى حين. وإعراب (سنين): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره. ولو أعربناها إعراب جمع المذكر السالم لقلنا: سنونَ طويلة. وقال الله تعالى: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ [طه:40]. لبثت: فعل وفاعل. سنين: ظرف منصوب بالياء نيابة عن الفتحة. والنون عوض عن التنوين. وقول ابن مالك : (ومثل حين قد يرد ذا الباب وهو عند قوم يطرد): الفرق بين العبارتين: أن قوله: (قد يرد)، يعني: سماعاً، ونحن لا نستعمله كحين، (وهو عند قوم يطرد) فيستعملونه هم بأنفسهم استعمال حين. فعلى القول الأول: (قد يرد ذا الباب) لا يجوز لي أنا الآن أن أكتب رسالة وأقول: مكثت سنيناً، لأن هذا مبني على السماع. وعلى الرأي الثاني: (وهو عند قوم يطرد) يجوز أن أقول: مكثت سنيناً. والمشهور عند النحويين أنه مقصور على السماع؛ لأن الأفصح أنه يعرب إعراب جمع المذكر السالم. مثال آخر: اشتريت عشرون نعجة: الصواب أن يقول: اشتريت عشرين نعجة. اشتريت: فعل وفاعل. عشرين: مفعول به منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. نعجة: تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة. وهكذا كلما جاءنا شيء مبين لنوع العدد سميناه تمييزاً، مثل عشرين نعجة، عشرين بعيراً، عشرين درهماً، المهم أن ما بيَّن المبهم من العدد يسمى عندهم تمييزاً. مثال آخر: قدم إلى البلاد شاب قرناها: قدم: فعل ماض. إلى البلاد: جار ومجرور. شاب قرناها: جملة لكن بمعنى المفرد، ولهذا نقول في إعرابها: شاب قرناها: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. الفرق بين نون المثنى والجمع هو: أن نون جمع المذكر السالم مفتوحة، ونون المثنى مكسورة، فتقول: جاء الرجلان، وأكرمت الرجلين، ومررت بالرجلين، وتقول: جاء المسلمون، وأكرمت المسلمون، ومررت بالمسلمين. هذه هي اللغة الفصحى، وهناك لغة ضعيفة تفتح نون المثنى وتكسر نون جمع المذكر السالم، لكنها ضعيفة لا معول عليها ولا يقبل من أي إنسان أن يتكلم الآن بهذه اللغة، لأن لغتنا الآن ليست لغة عربية حتى نقول: هذه لهجاتنا، بل هي لغة مركبة من عربية وعجمية، فيجب أن نرجع إلى اللغة الفصحى في خطاباتنا.


 

شرح ألفية ابن مالك [7]

 

جمع المؤنث السالم والاسم الذي لا ينصرف هما مما تكون فيه النيابة في الإعراب، لكنها نيابة حركة عن حركة؛ فتنوب الكسرة عن الفتحة في جمع المؤنث، والعكس في الاسم الذي لا ينصرف، لكن بشرط ألا يضاف ولا يحلى بأل. ومما تدخله النيابة أيضاً الأفعال الخمسة، فإنها ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها.