شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

الكلام على الضمائر

  

تعريف الضمير

الضمائر المتصلة

اتحاد ضمائر الجر والنصب المتصلة

مجيء الألف والواو والنون للغائب وغيره

الضمائر التي تستتر وجوباً

ضمائر الرفع المنفصلة

ضمائر النصب المنفصلة

امتناع مجيء الضمير المنفصل إذا أمكن الإتيان بالمتصل

حالات جواز مجيء الضمير المنفصل مع إمكان مجيء المتصل

حكم تقديم الأخص من الضمائر على غيره

وجوب الفصل عند اتحاد الرتبة

الكلام على نون الوقاية مع ياء المتكلم

جواز مجيء (ليسي) في الشعر

حكم نون الوقاية مع الحروف

 

 

تعريف الضمير

  

ثم شرع المؤلف رحمه الله ببيان تعريف كل من هذه الأقسام الستة، فقال في تعريف الضمير: [ فما لذي غيبة او حضور كأنت وهو سم بالضمير ] أي: ما دل على غيبة أو حضور كدلالة (أنت وهو) سمي بالضمير. لو قال: ( فما لذي غيبه او حضور ) ولم يقيده بالمثال لكان التعريف غير مانع، لأنه لو قال: ( ما دل على غيبة أو حضور ) وأطلق لكانت كلمة (غائب) ضميراً، وكذلك كلمة (حاضر). فقوله: ( كأنت وهو ) ليست مجرد مثال، بل هي مثال مقيد للتعريف، يعني: (ما دل على غيبة أو حضور كدلالة أنت وهو، وليس كل لفظ دل على حضور فهو ضمير، ولو كان كل لفظ دل على حضور فهو ضمير لكانت كلمة ( حاضر ) ضميراً وكلمة ( غائب ) ضميراً. فالضمير (أنت) للمخاطب، والضمير (هو) للغائب. وقوله: (حضور) يشمل المتكلم والمخاطب. ومثل بأنت ولم يمثل بأنا الدال على المتكلم، لأنه أولى من المخاطب. وهذا التعريف تعريف ذاتي، حده وبعضهم بتعريف آخر فقال: ما كُنِيَ به عن الظاهر اختصاراً. قالوا: فإذا قلت: ( أنا قائم ) فأنا كناية عن محمد بن صالح بن عثيمين فجملة (أنا قائم) تغني عن قولي: محمد بن صالح بن عثيمين قائم، فكنيَ به عن الظاهر اختصاراً. وإذا كنت أخاطب مثلاً: عبد الله بن عمر وهو أمامي، فإذا قلت ( أنت فاهم ) كنيت بأنت عن الظاهر وهو عبد الله بن عمر اختصاراً. ومع كونه يدل على الظاهر اختصاراً فهو أدل على المقصود من الاسم الظاهر، فلو قلت للذي أمامي: عبد الله بن عمر قائم، لكان يحتمل أن يكون حاضراً وأن يكون غائباً، لكن قولي: أنت قائم، لا يحتمل أن يكون غائباً. فصار لدينا تعريفان للضمير: الأول ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله بأنه ما دل على الغيبة أو الحضور كدلالة أنت وهو. والثاني: ما كنيَ به عن الظاهر اختصاراً. وهذا وإن كان أقصر من تعريف المؤلف لكنه ليس فيه تبيين واضح، وقد لزم منه الدور، لأن (ما كنيَ به عن الظاهر) هو الضمير، فيكون قد عرف الضمير بالضمير، وهو نوع من الدور. على كل حال ابن آجروم رحمه الله ما عرف لا بهذا ولا بهذا، وإنما سرد الضمائر فقال: الضمائر هي كذا.. وكذا .. وكذا. فعددها بأعيانها دون حدودها. قوله: ( كأنت وهو سم بالضمير ). سم: فعل أمر. والضمير مأخوذ من الإضمار. ويعجبني أنني كنت ذات مرة في المعهد العلمي مدرساً، وكنا نختبر الطلبة قبل أن يدخلوا في المعهد في القواعد وبعض المسائل من الفقه والتوحيد، فاختبرت طالباً فقلت له: ( زيد قام ) أين فاعل قام؟ ففكر قليلاً ثم قال: فاعل قام خفي. فأتى بالمعنى لأن (خفي) بمعنى مستتر. وكان الطالب ذكياً فعرفت أنه جاء بها من عنده؛ لكنه أصاب في المعنى، فأعطيته درجة كاملة. قوله: (ما لذي غيبة): ما: اسم موصول بمعنى الذي، مبتدأ. لذي غيبة: شبه جملة صلة الموصول. وسم: الجملة في محل رفع خبر (ما). والمعنى: الذي لغيبة أو حضور سمه بالضمير. بالضمير: الباء هنا لا نقول إنها زائدة بل نقول إنها أصلية؛ لأن (سمى) يتعدى بنفسه كقوله تعالى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، ولم يقل: سميتها بمريم، ويصح أن تتعدى بالباء فتقول سميت ابني بعبد الله.

 

 

 

 

الضمائر المتصلة

  

 

ثم بين المؤلف أن الضمير ينقسم إلى أقسام من عدة أوجه: أولاً: من حيث الاتصال والانفصال، فينقسم الضمير إلى قسمين: متصل ومنفصل. فالمتصل ما لا ينطق به منفصلاً مثل التاء من (ضربته) فلا يمكن أن تنطق بالتاء وحدها فتقول: تُ، ولا الكاف من (أكرمك). فكل ما لا ينطق به منفرداً من الضمائر فهو ضمير متصل، وما صح أن ينطق به منفرداً فهو منفصل هذا هو الضابط. وقد ضبطه المؤلف بما يقرب من هذا المعنى فقال: [ وذو اتصال منه ما لا يبتدا ]. هذا هو معنى قولنا: ما لا يصح أن ينطق به منفرداً فهو متصل. ذو: مبتدأ. اتصال: مضاف إليه. منه: جار ومجرور. ما: اسم موصول خبر المبتدأ، يعني أن الضمير المتصل هو الذي لا يصح الابتداء به، وسيمثل لذلك أيضاً. قال: [ ولا يلي إلا اختياراً أبداً ]. يعني: ولا يأتي بعد (إلا) في حال الاختبار. والمراد بحال الاختيار: الكلام المنثور، وعكسه الاضطرار وهو الشعر، فإن المتصل قد يلي إلا في حال الضرورة الشعرية. إذا عرفنا ضابط المتصل بأنه ما لا يبتدأ به ولا يلي إلا في الاختيار، عرفنا أن المنفصل هو ما يصح الابتداء به، وما يلي إلا في الاختيار، لأن الأشياء تتبين بضدها. قال: [ كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك ] الياء من ابني: ضمير متصل؛ لأنه لا يصلح الابتداء به، ولا يلي إلا في الاختيار. والياء التي في ابني هي ياء المتكلم، إذاً: ياء المتكلم حيثما جاءت -منصوبة أو مجرورة- فإنها من الضمائر المتصلة. والكاف من أكرمك: هي كاف المخاطب، وهي في هذا المثال منصوبة. فكاف المخاطب حيثما جاءت فهي من الضمائر المتصلة، سواء جاءت منصوبة كما في المثال الذي ذكره المؤلف، أو جاءت مجرورة كما في قولك: مر بك غلامك، فإن الكاف هنا في محل جر، الأول بالحرف والثاني بالإضافة. والكاف هنا لا فرق بين أن تكون للواحد كأكرمك، أو للاثنين كأكرمكما، أو لجماعة الذكور كأكرمكم، أو لجماعة الإناث كأكرمكن، فالكاف حيثما جاءت فهي ضمير متصل، والضمير فيها هو الكاف فقط، وما بعدها فهو علامة تثنية أو جمع ذكور أو جمع إناث. قوله: (والياء والها) يعني: وكالياء والهاء (من سليه ما ملك). الياء والهاء هنا ضميران لكن الياء في سليه غير الياء في ابني، فهي ابني ضمير متكلم، وفي سلي ضمير مخاطبة، فالياء الذي هو ضمير مخاطبة من الضمائر المتصلة، وهو في محل رفع، لأن ياء المخاطبة لا يمكن أن تأتي إلا مرفوعة. والهاء في سليه في محل نصب مفعول به. فاستفدنا أن ضمير المخاطبة يكون متصلاً، وأن هاء الغائب يكون متصلاً. و(ما) في قوله (ما ملك) هي المفعول الثاني. مثل المؤلف الآن بأربعة أمثلة: الأول: ياء المتكلم، والثاني: كاف المخاطب، والثالث: هاء الغائب، والرابع: ياء المخاطبة. ياء المتكلم تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها مجرورة: ابني ، ومثالها منصوبة: أكرمني. كاف المخاطب تكون منصوبة مثل: أكرمك، وتكون مجرورة مثل: مر بك، وكتابك، الأولى مجرورة بالحرف، والثانية مجرورة بالإضافة، وتكون للمفرد كأكرمكَ، وللمفردة كأكرمكِ، وللمثنى كأكرمكما، ولجماعة الذكور كأكرمكم، ولجماعة الإناث كأكرمكن. الهاء تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها منصوبة: سليه، ومثالها مجرورة: مر به، أو كتابه، وتكون للمفرد المذكر: مر به، وتكون للمفردة المؤنثة: مر بها، وتكون للمثنى مثل: مر بهما، ولجماعة الذكور: مر بهم، ولجماعة الإناث: مر بهن. ياء المخاطبة لا تكون إلا مرفوعة: تقولين، أكرميه، سليه. وقول المؤلف: (ولا يلي إلا اختياراً) أفادنا أنه قد يلي (إلا) في حالة الضرورة، مثل قول الشاعر: أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر هنا الهاء ضمير متصل، جاءت بعد إلا للضرورة. والضرورة الموجودة عن العرب يسلم بها، لأننا لا نستطيع أن نخضع العرب لقواعد النحو، لكن لو أردنا أن ننشئ شعراً من عندنا، فهل لنا أن نسلك هذا المسلك؟ الجواب: نعم، لنا أن نسلك؛ لأنه ليس أهل الجاهلية أولى منا، وإن كانوا هم أعرب منا، وهم أهل العروبة، لكن نقول: الذي أجازه لهم لعله يسمح لنا، ولكن لو جاءنا رجل بنظم كله ضرورة فلا نأخذ به.

 

 

 

 

اتحاد ضمائر الجر والنصب المتصلة

  

 

قال المؤلف رحمه الله: [ وكل مضمر له البناء يجب ]. هذا الشطر أتى به المؤلف توطئة لما بعده، لأن حكمه معروف من الباب الذي سبق، في قوله: [ والاسم منه معرب ومبني لشبه من الحروف مدني ] على كل حال الضمائر كلها مبنية، وهذه تريح طالب العلم الضعيف في النحو؛ لأنه ينسق الضمير ويجعل بنيته واحدة سواء كان مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً. ثم منها ما يبنى على الضم، مثل نحن، ومنها ما يبنى على السكون مثل أنا، ومنها ما يبنى على الفتح مثل قمتَ، ومنها ما يبنى على الكسر مثل قمتِ للمرأة. قال رحمه الله: [ ولفظ ما جر كلفظ ما نصب ]. معناه أن الضمير إذا كان يصلح للجر وللنصب، فإن اللفظ فيه واحد. ياء المتكلم تصلح للنصب وللجر فتقول: أكرمني وتقول: مر بي. وفي الهاء تقول: أكرمه، مبنية على الضم، وتقول: مر به، مبنية على الكسرة، إذاً خرمت القاعدة، لوجود الكسرة قبلها. فالقاعدة يستثنى منها مالم يوجد ما يوجب المخالفة، فإن وجد ما يوجب المخالفة فإنه يتبع. ثم قال رحمه الله: [ للرفع والنصب وجر نا صلح كاعرف بنا فإننا نلنا المنح ] نا: ضمير متصل، يصلح للرفع والنصب والجر بلفظ واحد لا يتغير. كاعرف بنا: هذا الجر. فإننا: النصب. نلنا: الرفع. وتقول: قلنا: هذا ضمير مرفوع، وتقول: أكرمَنا، ضمير منصوب، وتقول: مر بنا، ضمير مجرور. إذاً (نا) ضمير متصل صالح للرفع والنصب والجر.

 

 

 

 

مجيء الألف والواو والنون للغائب وغيره

  

 

قال رحمه الله: [ وألف والواو والنون لما غاب وغيره كقاما واعلما ] الألف من ضمائر الرفع المتصلة. يقول: إن الألف والواو والنون تصلح للغائب وغيره. فالألف ضمير يكون للرفع خاصة، لكنها تكون للغائب وللمخاطب، فتقول: قاما، وتقول: قوما؛ الأول للغائب، والثاني للمخاطب، والمخاطب حاضر، فتكون للغائب والحاضر، ومن جهة الإعراب تكون للرفع فقط. والواو من جهة الإعراب للرفع فقط، وتكون للغائب والمخاطب، قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، فهي للمخاطبين. وقال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ [الصافات:35] ، وهذه للغائب. والنون تكون للرفع فقط، وللنسوة، تقول: النساء يقمن، وتكون للمخاطب وللغائب، فتقول في الغائب: النساء يقمن، وتخاطب النساء فتقول: قمن. فالألف والواو والنون بالنسبة للإعراب لا تكون إلا على وجه واحد وهو الرفع، وبالنسبة للحضور والغيبة تكون للحاضر والغائب. ثم مثل المؤلف فقال: (كقاما واعلما). والخلاصة في الياء أنها تكون للمخاطبة مرفوعة: تقومين، وتكون للمتكلم منصوبة ومجرورة ولا تكون مرفوعة، وأيضاً الياء في أكرمني غير الياء في تقومين، لأن الياء في تقومين مرفوعة وفي أكرمني منصوبة.

 

 

 

 

الضمائر التي تستتر وجوباً

  

 

قال المؤلف رحمه الله: [ ومن ضمير الرفع ما يستتر كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر قوله: (ومن ضمير الرفع ما يستتر): من: للتبعيض، والجار والمجرور خبر مقدم. وما: مبتدأ مؤخر. والاستتار الاختفاء. وقوله: (ومن ضمير الرفع .... إلى آخره)، يدل على أن المراد بكلام المؤلف ما يستتر وجوباً؛ لأن من المستتر ما يستتر تارة وجوباً وتارة جوازاً، مثاله: افعل: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. وهنا إشكال في قوله: (كافعل)، كيف دخلت الكاف وهي من حروف الجر على الفعل، ونحن نقول: كل كلمة دخل عليها حرف الجر فهي اسم؛ لأن المراد بها لفظها، كأنه قال: كهذا اللفظ، أو أن الكاف داخلة على مقدر تقديره: كقولك افعل. أوافق: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب فعل الأمر، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنا. وهذا هو الصحيح. وقيل: أوافق: مجزوم لأنه جواب لشرط مقدر تقديره: إن تفعل أوافق، ولكن الصحيح أنه لا داعي لهذا التقدير، لأن التقدير يطيل الكلام. نغتبط: هذا جواب آخر للأمر، وهو فعل مضارع مجزوم، وفاعله مستتر وجوباً تقديره نحن. إذ تَشْكُر أو تُشْكَر: يجوز الوجهان، والمراد به المخاطب، فهو فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت. فإن قيل: لماذا كرر الضمير الذي تقديره أنت في قوله: (افعل) وفي قوله: (تشكر)؟ قلنا: كرره ليشمل ما كان فعل أمر وما كان فعلاً مضارعاً، مع أن (تشكر) أحياناً يكون ضميره مستتراً جوازاً، كما إذا كان يتحدث عن امرأة، فيقول: المرأة تشكر الله، فهنا نقول: تشكر فيه ضمير مستتر جوازاً تقديره هي. ما هو الضابط للمستتر وجوباً والمستتر جوازاً؟ هناك ضابط يسير: وهو أن ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً. إلا أن الأخير يستثنى منه بعض الضمائر التي تقدر بهو أو هي ويكون مستتراً وجوباً، كأفعال التفضيل مثل: ما أحسن زيداً! يقولون: إن تقدير الجملة: شيء عظيم أحسن زيداً، فأحسن فيه ضمير مستتر يعود على (ما) والتقدير: (هو) لكنه مستتر وجوباً، قالوا: لأن مثل هذا التركيب يجري مجرى المثل، والأمثال في لغة العرب تبقى على ما هي عليه ولا تتغير، حتى إنك تقول لرجل فوت الفرصة ثم أراد استدراكها: الصيف ضيعتِ اللبن! إذا‌ً نقول: ما كان تقديره أنا أو نحن أو أنت، فهو مستتر وجوباً، وما كان تقديره هو أو هي فهو مستتر جوازاً. أما على رأي آخرين من العلماء فيقولون: ما صح أن يحل محله الظاهر فهو مستتر جوازاً، وما لا فمستتر وجوباً. فمثلاً: فاعل (اسكن) لا يحل محله الظاهر، فلا تقول: اسكن زيد. على أن زيداً فاعل. فإن قال قائل : فقول الله: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35] قلنا : أنت هنا ليست هي الفاعل، بل هي ضمير فصل، والفاعل مستتر وجوباً في اسكن.

 

 

 

 

ضمائر الرفع المنفصلة

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذو ارتفاع وانفصال أنا هو وأنت والفروع لا تشتبه] يجوز أن نقول: ذو: خبر مقدم، و(أنا هو وأنت) مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس. ذكر المؤلف رحمه الله في هذا البيت ضمير الرفع المنفصل، فقال: (وذو ارتفاع وانفصال أنا)، للمتكلم، (هو) للغائب (أنت) للمخاطب، وهي ضمائر منفصلة بارزة. (والفروع لا تشتبه) يعني: أنها واضحة: ففرع أنا: نحن. وأنت فروعها أربعة: أنتِ أنتما أنتم أنتن. وهو فروعها أربعة أيضاً: هي هما هم هن. فتكون ضمائر الرفع المنفصلة اثني عشر ضميراً، أنا ونحن، وأنت وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن، وهو وهي وهما وهن وهم. وهذه الضمائر التي للرفع تستعار أحياناً للجر، فتدخل عليها الكاف وتكون في محل جر، فتقول: أنا كأنت. أنت: في محل جر، لكن على سبيل الاستعارة لا على سبيل الأصالة. وكذلك ربما تستعار ضمائر الرفع المنفصلة للنصب، فتقول: ضربت زيداً وهي، بدلاً من وإياها. لكن استعارتها للجر كثيرة واستعارتها للنصب قليلة، والأصل فيها أنها ضمائر للرفع.

 

 

 

 

ضمائر النصب المنفصلة

  

 

[ وذو انتصاب في انفصال جعلا إياي والتفريع ليس مشكلا ] ذو: مبتدأ. وهنا يتعين أن تكون مبتدأ، ولا يصح أن تكون خبراً مقدماً؛ لأن الخبر هنا جملة، وهي قوله: (جعلا إياي)، وقوله: جعلا بالألف، وهي للإطلاق. وإياي: قصد لفظه نائب فاعل. لكن كيف نقول: إياي نائب فاعل وهي ضمير نصب؟ نقول: المراد بذلك لفظها، أي: جعل هذا اللفظ. وهنا يرد سؤال: لماذا قال في هذه الضمائر: (وذو انتصاب في انفصال)، وقال قبله: (وذو ارتفاع وانفصال)، مع أنه لو قال هنا: وذو انتصاب وانفصال، لاستقام البيت؟ لم يتبين لي سبب إلا اختلاف التعبير فقط، وقد يقال: إن هناك فرقاً، وهو أن الضمير في إياي وما تفرع منه هو كلمة (إيا) فقط، وأما ضمائر الرفع فالكلمة كلها ضمير. لكن في النفس من هذا شيء، لأن ضمائر الرفع المنفصلة يقولون فيها: إن الضمير هو (أن) فقط، والتاء حرف خطاب، أما هو وهي فكلها ضمير، فالظاهر لي والله أعلم أن هذا لمجرد تغيير العبارة. إذاً: ضمائر النصب المنفصلة إياي وفروعها. يقول: (والتفريع ليس مشكلا) إياي يتفرع منها: إيانا، إياكَ، إياكِ، إياكما، إياكم، إياكن، إياه، إياها، إياهما، إياهم، إياهن، فالجميع اثنا عشر ضميراً. قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقال تعالى: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]، وقال تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ:24].


 

شرح ألفية ابن مالك [10]

 

إذا أمكن الإتيان بالضمير المتصل لم يجز الإتيان بالمنفصل إلا في ضرورة الشعر، وقد يجوز الإتيان بالمنفصل مع إمكان المتصل في باب (سأل)، والخلاف قائم في كان وأخواتها وخال وأخواتها، وإذا اجتمعت الضمائر فلها أحكام من حيث الوصل والفصل، وكذلك إذا اتصلت ياء المتكلم بالحرف أو الفعل فهل تجب نون الوقاية.

 

تابع الكلام على الضمائر

  

 

 

 

امتناع مجيء الضمير المنفصل إذا أمكن الإتيان بالمتصل

  

 

انتقل المؤلف إلى حكم التبادل بين الضمائر المتصلة والضمائر المنفصلة، وهل يحل أحدها محل الآخر أو لا في قوله: [ وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل ] في اختيار: جار ومجرور متعلق بقوله: يجيء، يعني: ولا يجيء الضمير المنفصل في الاختيار إذا أمكن أن يجيء المتصل. فقوله في (اختيار): ضده الاضطرار، والاضطرار هو ضرورة الشعر، وعلى هذا يكون معنى قوله: (وفي اختيار) أي في حال النثر لا يجيء المنفصل إذا أمكن أن يجيء المتصل: أولاً: لأن المتصل أخصر. وثانياً: لأنه أبين في المعنى، فإذا قلت: ضربتك، فهو أبين من قولك: ضربت إياك؛ لأنه أخص، والأخص أدل على المقصود من الأعم. فلا يجوز أن أقول: أكرمت إياك؛ لأنه يمكن أن نأتي بالمتصل، وإذا أمكن أن نأتي بالمتصل وجب. وفهم من كلامه أنه إذا لم يمكن أن نأتي بالمتصل أتينا بالمنفصل، وهذا يرجع إلى قواعد النحو. فمثلاً: في الابتداء لا يمكن أن نأتي بالمتصل؛ لأن الضمير المتصل لا يأتي إلا بعد عامل. ومثاله قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] . ومن قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة! فإذا قال القائل: يمكن أن نأتي بالمتصل فنقول: أعنيك، ويستقيم الكلام! نقول: هذا صحيح، لكن إذا أتينا بالمتصل على هذه الصيغة فاتنا المقصود بالتقديم وهو الحصر. ولو قلت: نبعدك يا ربنا، استقام الكلام، لكن يفوت ما أراده المتكلم وهو الحصر. إذاً: ليس معنى الضرورة أنه لا يمكن النطق إلا كذلك، وإنما هي التي إذا ارتكبناها فات مقصود المتكلم، وليست كضرورة أكل الميتة. فنقدم مقصود المتكلم ونرتكب الانفصال محل الاتصال، ومن ذلك قوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1]، إياكم: ضمير منفصل، ولو كان في غير القرآن لقلنا: يخرجونكم والرسول، واستقام الكلام، لكن قال: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من أجل تقديم الرسول؛ لأن إخراج الرسول أعظم منكراً من إخراجهم، فبدأ بالأعظم نكارة. لو قال القائل: لماذا لا يقال: يخرجون الرسول وكم؟ قلنا: الضمير المتصل لا بد أن يتصل بعامله، وهنا واو عطف، والعطف يقتضي انفصال المعطوف عن المعطوف عليه، ولا يمكن أن يلي الضمير المتصل حرفاً من حروف العطف؛ لأن حرف العطف يقتضي الفصل. خلاصة البيت: متى أمكن أن يؤتى بضمير المتصل فإنه لا يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل.

 

 

 

 

حالات جواز مجيء الضمير المنفصل مع إمكان مجيء المتصل

  

 

ثم استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل، فقال: [ وصل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه في كنته الخلف انتمى كذلك خلتنيه واتصالا أختار غيري اختار الانفصالا ].. (أو) في قوله: (صل أو افصل) للتخيير، يعني: يجوز الوصل والفصل في الهاء من سلنيه، وما أشبه الهاء في سلنيه. ولنعد إلى (سلنيه) حتى نعرف ما أشبهها: سلني بمعنى: اسألني عطاءً، وليس المعنى سلني عن خبر، بل السؤال هنا من سؤال العطية، وفعلها الماضي سأل، فإذا قلت: سألنيه، يجوز في الهاء الوصل والفصل؛ لأنه قال: (صل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه)، فتقول: سلنيه، وتقول: سلني إياه، ويجوز أن أقول: سألنيه، ويجوز أن أقول: سألني إياه. والذي يشبه سلنيه: كل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. تقول: الثوب كسانيه، الثوب كساني إياه؛ لأن (كسا) من باب سأل، تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. وتقول: الدرهم أعطانيه، الدرهم أعطاني إياه. والوصل أفضل، وأخذنا هذا من وجهين: الوجه الأول لفظي: وهو أن المؤلف قدم (صل) على (افصل) والتقديم يشعر بأنه أولى. والثاني معنوي: وهو أن الأصل هو الاتصال. وقوله: (في كنته الخلف انتمى كذاك خلتنيه). انتمى: أي انتسب للنحويين. والخلف: هو الخلاف. في كنته: يعني في كان وأخواتها. كذاك خلتنيه: أي خال وأخواتها. فكان ترفع الاسم وتنصب الخبر، واسم كان الضمير (التاء) مبنياً على الضم في محل رفع، والهاء في محل نصب خبر. الخلف: مبتدأ. انتمى: الجملة خبر الخلف. يقول: (كذاك خلتنيه): كذاك: الجار والمجرور خبر مقدم. وخلتنيه: مبتدأ مؤخر، وهي جملة مكونة من فعل وفاعل ومفعوليه؛ لكن المراد اللفظ ولهذا قال المعربون للألفية: إن مقول القول في قول ابن مالك ( قال محمد هو ابن مالك ) كل الألفية كما تقدم. واتصالا: مفعول به مقدم لـ (أختار). ورجح الاتصال لأنه الأصل ولأنه أخصر، فاختياره وجيه، لكنه قال: (غيري اختار الانفصالا). وغيره هم كل الناس، لكن هذا عموم يقصد به الخصوص، قالوا: إنه يريد سيبويه ، ويجوز أن يراد بالعام فرد من أفراده، وفي القرآن: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، والمقصود بالناس أبو سفيان بن حرب فعلى رأي ابن مالك تقول: المجتهد كنته. وعلى رأي سيبويه تقول: المجتهد كنت إياه. وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام لما استأذنه عمر في قتل ابن صياد قال: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله)، وابن مالك تابع لهذا الحديث.

 

 

 

 

حكم تقديم الأخص من الضمائر على غيره

  

 

يقول رحمه الله: [ وقدم الأخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال ] عرفنا الضمير المتصل والضمير المنفصل، فإذا اجتمع ضميران فأيهما يقدم؟ يقول المؤلف: في حال الاتصال قدم الأخص، وفي حال الانفصال قدم ما شئت. وحينئذ نحتاج إلى معرفة الأخص من غير الأخص: فأخص الضمائر ضمير المتكلم، لأنه لا يحتمل غيره، ومن بعده ضمير المخاطب؛ لأن المخاطب قد يكون واحداً وقد يكون متعدداً فهو أوسع من ضمير المتكلم، ثم ضمير الغائب. فإذا اجتمعت ضمائر من جنس واحد -في رتبة واحدة- فإنه سيأتينا كلام المؤلف عليها، لكن إذا كانت مختلفة الرتب فإنه يجب أن نقدم الأخص في الاتصال. مثال ذلك: إذا قلت: الدرهم أعطيتنيه.. ففيها ضميران كلاهما مفعول وهما الياء والهاء، فلا يجوز أن تقول: أعطيتهوي لأن ياء المتكلم أخص من ضمير الغائب. فيجب أن تقدم الأخص في الاتصال ووجه الوجوب أن قولك: أعطيتهوي كلام ثقيل، وأعطيتنيه كلام خفيف، وكلما كان الكلام أخف على اللسان فهو أولى. وكذلك: أعطيتكه؛ فالكاف ضمير المخاطب وهو أخص من الهاء التي هي ضمير الغائب، فيجب أن تقول: أعطيتكه، ولا يجوز أن تقول: أعطيتهوك؛ لأنك لو قلت: أعطيتهوك، لقدمت غير الأخص على الأخص في حال الاتصال. أما في حال الانفصال فيقول: (وقدمن ما شئت في انفصال): أي: إذا كان الضمير منفصلاً فقدم الأخص أو غير الأخص، فأعطيتنيه إذا فصلت الضمير الأخص، وقلت: (أعطيته إياي) جاز، لأن الأخص كان ضميراً منفصلاً فيخف على اللسان، ولا شك أن قولك: أعطيته إياي خفيفة على اللسان.

 

 

 

 

وجوب الفصل عند اتحاد الرتبة

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا وقد يبيح الغيب فيه وصلا ] يعني إذا كان الضميران في رتبة واحدة فإنه يجب الفصل لئلا يجتمع ضميران متصلان في كلمة واحدة، مثال ذلك: إذا قال العبد لسيده: ملكتني إياي، كلاهما ضمير المتكلم فيجب أن يفصل ويقول: ملكتني إياي، فلو قال: ملكتنيي، قلنا: هذا ممنوع، حتى لا يجتمع ضميران متصلان مع اتحاد الرتبة. وكذلك أيضاً لو كانا لمخاطب، مثل أن يقول السيد لعبده: ملكتك إياك، أي ملكتك نفسك، فهنا لا يجوز أن يقول: ملكتكك؛ لأنه ثقيل. وكذلك في الغائب، مثل: أعطيته إياه، ولا يجوز أن نقول: أعطيتهوه إلا على قوله: (وقد يبيح الغيب فيه وصلا) يعني قد يجتمع ضميران للغائب في رتبة واحدة ويكونان متصلين. وخلاصة كلام المؤلف أنه إذا اجتمع ضميران متصلان في رتبتين مختلفتين فيجب تقديم الأخص، وإن كانا منفصلين جاز تأخير الأخص، وإذا كانا في رتبة واحدة وجب الفصل، ولم يجز الاتصال، إلا إذا كانا للغائب فقد يبيح الغيب فيه وصلا، فيقول أعطيته إياه وأعطيتهوه.

 

 

 

 

الكلام على نون الوقاية مع ياء المتكلم

  

 

 

 

وجوب نون الوقاية في الأفعال إذا اتصل بها ياء المتكلم

  

 

ثم قال المؤلف: [ وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية وليسي قد نظم ]. انتقل المؤلف رحمه الله إلى حكم اتصال الضمير بالفعل فقال: (وقبل يا النفس مع الفعل التزم نون وقاية) أي: التزم من قِبَلِ أهل اللغة العربية أنه إذا جاء ضمير المتكلم -وهو الياء- متصلاً بالفعل، فإنه يجب أن تقترن به نون الوقاية، مثال ذلك: أكرمني، ولا يجوز أن تقول: أكرمي. وقول المؤلف: (مع الفعل) يشمل الماضي كما مثلنا، والمضارع كما لو قلت: فلان يكرمني، والأمر كما لو قلت: أكرمني، فيتعين الإتيان بنون الوقاية. وسميت نون الوقاية لأنها تقي الفعل الكسر، لأن ياء المتكلم يكون ما قبلها مكسوراً، والفعل لا يكسر، فيؤتى بنون الوقاية ليكون الكسر في النون فتقول: أكرمني، لأنك لو نطقت الفعل بدون نون لكانت العبارة: أكرمي، يكرمي، أكرمي، وهذا لا يصح في الأفعال.

 

 

 

 

جواز مجيء (ليسي) في الشعر

  

 

قال: [ ... وليسي قد نظم ]. يعني أن (ليس) فعل من الأفعال، لكنها من الأفعال الجامدة، والجامدة عندهم هي التي لا تتصرف، مأخوذة من الجمود وهو الركود وعدم الانسياب، والمائع هو الذي ينساب ولا يركد. فـ (ليس) فعل جامد لا يتصرف، فليس لها فعل مضارع ولا فعل أمر، ولكنها من الأفعال، فإذا اتصل بها ياء المتكلم، فهل يجب أن تقترن بها نون الوقاية؟ نقول: كلام المؤلف يدل على وجوب ذلك، لكنها قد جاءت في النظم غير مقرونة بنون الوقاية، ولهذا قال: (وليسي قد نظم)، يعني: جاء في الشعر (ليسي) بدون النون، وهو قول الشاعر: عددت قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي ولم يقل: ليسني أو ليس إياي، بل قال: ليسي، فأتى بالضمير المتصل بدون نون الوقاية، لكن هذا لضرورة الشعر، والشعر يجوز فيه ما لا يجوز في النثر، لأنه يجبر الشاعر على أن يرتكب ما لا يجوز من أجل الوزن، وأنشدتكم سابقاً قول صاحب الملحة: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف فالشعر صلف يجبر صاحبه على أن يرتكب ما لا يجوز في النثر.

 

 

 

 

حكم نون الوقاية مع الحروف

  

 

قال المؤلف رحمه الله: [ وليتني فشا وليتي ندرا ]. انتقل المؤلف إلى نون الوقاية في الحروف، أي: هل تقترن نون الوقاية في الحروف إذا اتصلت بياء المتكلم؟ الجواب: من الحروف ما يقترن بنون الوقاية ومنها ما لا يقترن، فمثل: إلى، تقول: إلي، ولا تقول: إليني، على؛ تقول: عليَّ، ولا تقول: عليني. وبعض الحروف تدخلها نون الوقاية، ولهذا قال المؤلف: (وليتني فشا)، فـ(ليت) هنا حرف دخلت عليها نون الوقاية بكثرة، قال الله تعالى في القرآن: يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [النساء:73]. وقوله: (وليتي ندرا) يعني أنه يندر حذف نون الوقاية من ليت، ومعنى يندر: يَقِلّ، فتقول: ليتي قائم، بدل: ليتني قائم، وهل يُغلَّط من جاء بذلك وقال: ليتي قائم؟ الجواب: لا يغلط، لكن يقال: الأكثر ليتني وهو الأفصح أيضاً. قال: (ومع لعل اعكس)، يعني ونون الوقاية مع لعل على العكس من ليت، فيكون الفاشي فيها حذف النون، والقليل إثبات النون. قال الله تبارك وتعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، وقال عن فرعون: لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [غافر:36-37]، ولم يقل: لعلني، ومع ذلك لو قال قائل: لعلني قائم أو لعلني فاهم لم ينكر عليه، لأنه جائز لغة لكنه قليل. (وكن مخيراً في الباقيات): كن مخيراً بين النون وعدمها في الباقيات من إن وأخواتها؛ فيجوز فيها على السواء إثبات النون وحذفها، فتقول: إني وإنني، قال الله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ [طه:14]، فأثبت النون. وقال عن نوح إنه قال لقومه: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ [هود:25]، وكذلك تقول: لكنني ولكني على السواء، وليس من ذلك قوله تعالى: لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف:38] لأن أصلها: لكن أنا هو الله ربي، ولهذا كتبت بالألف. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ واضطراراً خففا مني وعني بعض من قد سلفا ] اضطراراً: مفعول لأجله. مني وعني: مفعول خفف باعتبار اللفظ، وإلا فالأصل أن العامل لا يتسلط على الحرف. والمعنى: خفف هذا اللفظ (مني وعني) بعض من قد مضى من العرب في حال الضرورة وهي الشعر، لأنه يضطر الإنسان إلى شيء لا يريده، ومن ذلك قول الشاعر: أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني لو قال: أيها السائل عنهم وعنيَّ، لست من قيس ولا قيس منيَّ، لاختل البيت. قال رحمه الله تعالى: [ وفي لدنيََ لدني قلَّ ] لدنيِّ أصله لدي، ويقال فيه: لدن، قال الله تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل:6]، فإذا اتصلت بها ياء المتكلم يقال: لدنيِّ بإثبات نون الوقاية ويقال: لدُنيِ، لكن هذا قليل، إلا أنه وارد عن العرب. قال: [ وفي قدني وقطني الحذف أيضاً قد يفي ]. قدني: أي حسبي. وقطني: أي حسبي. الحذف أيضاً قد يفي: أي قد يكون جائزاً.


 

شرح ألفية ابن مالك [11]

 

من أنواع المعارف العلم، وهو في الرتبة بعد الضمير، وينقسم إلى علم مرتجل وعلم منقول، وإلى مركب وغير مركب، والمركب أقسام، وكذلك منه علم شخصي وعلم جنسي.