شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

الاسم الموصول

  

الموصولات الحرفية

الموصولات الخاصة

حذف الياء من الموصول المفرد إذا ثني

تثنية الاسم الموصول

تشديد النون في المثنى الموصول

اسم الموصول للجمع المذكر

اسم الموصول للجمع المؤنث

الموصولات العامة

الكلام على أل الموصولة

أنواع الاسم الموصول وألفاظه

الكلام على ذو الطائية

الكلام على ذا الموصولة

متى تكون ذا موصولة ومتى تكون ملغاة

صلة الموصول وشروطها

وجوب صلة للموصول

وجوب تأخر الصلة عن الموصول

وجوب اشتمال الصلة على ضمير مناسب للموصول

صلة الموصول يجب أن تكون جملة أو شبه جملة

جملة الصلة خبرية لا إنشائية

حكم الفصل بين الموصول وصلته

صلة أل الموصولة

أي الموصولة وشروط إعرابها

حذف صدر صلة الموصول غير أي

حذف العائد

متى لا يجوز حذف صدر الصلة

حذف العائد المنصوب

حذف العائد المجرور بالوصف

الخلاصة في حذف العائد

 

الموصولات الحرفية

   قال المؤلف رحمه الله: [ الموصول ]. الموصول: اسم مفعول، وسمي موصولاً؛ لأنه لا يتم معناه إلا بصلته، فهو أصلاً مبتور يحتاج إلى صلة. والموصول من المعارف كما سبق، ومرتبته في المعارف: الرابعة. قال: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي). (موصول) يجوز في إعرابها أن تكون مبتدأً، و(الذي) خبر المبتدأ، وذلك حينما نريد أن نخبر عن موصول الأسماء ما هو، ويجوز أن تكون خبراً مقدماً، والمبتدأ (الذي) وما عطف عليه، وهذا إذا أردنا أن نبين أن الذي وما عطف عليه موصول الأسماء، وكلا الوجهين جائز. وقال المؤلف: (موصول الاسماء) احترازاً من موصول الحروف، ومن موصول الأفعال، لكن موصول الأفعال لا وجود له، وإنما يوجد موصول الحروف. وموصول الحروف كل حرف مصدري، أي: يسبك وما بعده بمصدر، وهي: (أنّ وأنْ، ولو، وكي، وما المصدرية) فهذه الخمسة موصولات حرفية؛ لأنها تسبك وما بعدها بالمصدر، وهذا الفعل الذي يحول إلى مصدر هو صلتها، فإذا قلت: ثبت عندي أنّ فلاناً قدم من السفر، فأن هنا موصول، حرفي لأنه يحول إلى مصدر، فتقول: ثبت عندي قدوم فلان. يعجبني أن تقوم: (أن) موصول حرفي؛ لأنه يسبك وما بعده بالمصدر، فتقول: يعجبني قيامك. و(لو) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] أي: ودوا إدهانك، فتكون (لو) هنا موصولاً حرفياً. و(كي) جئت كي أتعلم، أي: جئت للتعلم، فتكون موصولاً حرفياً. و(ما) المصدرية تقول: يعجبني ما تفعل، إذا جعلتها مصدرية، ويجوز أن تجعلها موصولة، لكن إذا جعلتها مصدرية فهو جائز، ويكون التقدير: يعجبني فعلك.

 

 

 

 

الموصولات الخاصة

  

 

 

 

اسم الموصول للمفرد

  

 

قوله: (موصول الاسماء الذي الأنثى التي). الذي: للمفرد المذكر، وقوله: (الأنثى التي): هذه معطوفة على الذي، لكن ابن مالك رحمه الله يكثر إسقاط حرف العطف من أجل ضرورة الشعر والاختصار، وإلا فإن التقدير: الذي والأنثى التي، يعني: وموصول الأنثى التي. فإذا قال قائل: أنت قلت: إن الذي موصول للمذكر، فبماذا عرفت ذلك؟ قلنا: عرفت ذلك بقول ابن مالك : الأنثى التي، فعلم منه أن الذي السابق للمذكر.

 

 

 

 

حذف الياء من الموصول المفرد إذا ثني

  

 

قوله: (والياء إذا ما ثنيا لا تثبت). أي: الياء التي بعد الذال في (الذي) والتي بعد التاء في (التي) لا تثبت إذا ثنيا. الياء: مبتدأ، ولا تثبت: والجملة خبر المبتدأ. إذا ما ثنيا: شرط، و(ما) في قوله: (إذا ما ثنيا) زائدة، قال الراجز: يا طالباً خذ فائـدة ما بعد إذا زائدة فكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة، قال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37] أي: وإذا غضبوا هم يغفرون. قوله: (لا تثبت)، يعني: احذفها. فمثلاً: إذا أردت أن تثني (الذي) فلا تقل: اللذيان، بل احذف الياء وقل: اللذان. وإذا أردت أن تثني (التي) فلا تقل: اللتيان، بل احذف الياء وقل: اللتان. فالمراد بالياء: الياء التي بعد الذال والياء التي بعد التاء، فإذا ثنيت فاحذف الياء؛ لأن علامة التثنية ساكنة، والياء ساكنة، والقاعدة في الساكنين ما أشار إليه ابن مالك في الكافية حيث قال: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق (وإن يكن) أي: السابق، (ليناً) يعني: من حروف اللين، وهي: الواو والألف والياء، (فحذفه استحق) يعني: فقد استحق الحذف. تقول: أخبرني الذي أثق به، وتقول: قرأت على الذي أثق به، وأكرمت الذي أثق به، فالياء لم تتغير، لا في الرفع ولا في الجر ولا في النصب؛ لأنها مبنية على السكون، وكذلك يقال في (التي).

 

 

 

 

تثنية الاسم الموصول

  

 

وعند التثنية يقول: (بل ما تليه أوله العلامة) يقول: الذي تليه (الياء) وهو الذال في الذي، والتاء في التي، أوله العلامة، يعني: اجعل علامة المثنى بعده مباشرة. قوله: (والنون إن تشدد فلا ملامة). يعني: في حال التثنية إذا شددت النون فلا ملامة عليك، وذلك لأن تشديد النون لغة عربية، والذي ينطق باللغة العربية لا يلام. فتقول مثلاً: أكرمت اللذينّ أكرماني، وتقول: جاء اللذانّ أكرمهما، فتشدد النون في حال الرفع، وفي حال النصب، وفي حال الجر. وذكر المؤلف من أسماء الموصول: ما للمفرد المذكر، وما للمفرد المؤنث، وما للمثنى المذكر، وما للمثنى المؤنث. فللمفرد المذكر (الذي) دائماً، في حال الرفع والنصب والجر. والمفردة المؤنثة (التي) دائماً، في الرفع والنصب والجر، فهما مبنيان على السكون. والمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و(اللذين) فيما سواه. قال الله تعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ [النساء:16] ، وقال تعالى: رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا [فصلت:29] الأولى: مرفوعة، والثانية: منصوبة. والمثنى المؤنث: (اللتان) رفعاً، و(اللتين) نصباً وجراً. فإذا كان اسم الموصول مثنى يبنى على الألف في حالة الرفع، وعلى الياء في حالتي النصب والجر، كما يبنى اسم الإشارة، وتكون النون زائدة لتحسين اللفظ.

 

 

 

 

تشديد النون في المثنى الموصول

  

 

قال المؤلف: [والنون من ذين وتين شددا أيضاً وتعويض بذاك قصدا]. ولكن لماذا لا نجعل المثنى من ذين وتين واللذين واللتين معرباً مع أن الإعراب ينطبق عليها تماماً، فهي تتغير باختلاف العوامل؟ وأيضاً التثنية تبعد مشابهتها للحرف الذي هو من أسباب البناء. والقول بإعرابها قد قيل، وليس ببعيد لأن المعرب هو الذي يتغير آخره لاختلاف العوامل، وهذا يتغير آخره باختلاف العوامل تماماً، تقول: جاء الزيدان، ورأيت الزيدين. وعلى هذا يكون إعرابهما على القاعدة المعروفة للمثنى، لكن هنا لا تقول: النون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، لأنه لا يوجد تنوين في الاسم المفرد، بل نعربها زائدة لتحسين اللفظ. قوله: (وتعويض بذاك قصدا) المشار إليه التشديد، كأن قائلاً قال: لماذا تشدد النون في ذين وتين واللذان واللتان؟ فقال: تشدد لأن المقصود بذلك التعويض عما حذف من الذي والتي وهذا وهذي. (الذي) حذفت منها الياء، و(التي) حذفت منها الياء، و(هذا) إذا قلنا: هذان حذفنا الألف التي قبل ألف التثنية، وكذلك حذفنا الألف التي قبل ياء التثنية. فيقول: إنه قصد بهذا التنوين التعويض، ولكن هذا التعليل عليل في الواقع لأمرين: أولاً: لأنه لو كان المقصود التعويض لكان التشديد واجباً؛ لأنه إذا وجد السبب وجب وجود المسبب. فلو قلنا: إن هذا تعويض عن الياء المحذوفة أو الألف المحذوفة في ذان لكان التشديد واجباً، ومع ذلك فليس بواجب. ثانياً: نقول: إن التعليل الصحيح أن العرب نطقوا بهذا وبهذا، أما كون الياء لأجل التعويض فهذا منتقض فلا معول عليه.

 

 

 

 

اسم الموصول للجمع المذكر

  

 

ثم شرع المؤلف يبين اسم الموصول لجماعة الذكور، واسم الموصول لجماعة الإناث. فقال: (جمع الذي الألى الذين مطلقاً). (الألى) لنا أن نعربها على أنها مبتدأ وخبرها (جمع). ولنا أن نعرب (جمع) على أنها مبتدأ وخبره: (الألى). وأما قوله: (الذين) فهو معطوف على (الألى)، لكن بحذف حرف العطف، والأصل: جمع الذي الألى والذين. فيستفاد من ذلك أن اسم الموصول لجماعة الذكور له صيغتان: الصيغة الأولى: الألى، والثانية: الذين. أما الألى فهي مبنية على السكون؛ لأن آخرها ألف. وأما الذين فهي مبنية على الفتح؛ لأن آخرها مفتوح. وهي ملازمة للياء في كل حال. تقول: جاء الذين، ورأيت الذين، ومررت بالذين، وجاء الألى، ومررت بالألى، وأكرمت الألى. تقول مثلاً: أكرمت الطلبة الألى اجتهدوا، الألى هنا بمعنى: الذين. وتقول: أكرمت الطلبة الذين اجتهدوا، وهما على حد سواء. قال الشاعر: فتلك خطوب قد تبلت شبابنا قديماً فتبلينا الخطوب وما نبلي (الخطوب) نوائب الدهر. (قد تبلت شبابنا) يعني: أفنته. (فتبلينا الخطوب وما نبلي) يعني: تبلينا ولا نبليها. إلى أن قال: وتبلي الألى يستلئمون على الألى تراهن يوم الروع كالحدأ القبل (تبلي الألى) أي: تفنيهم، و(يستلئمون): يلبسون لأمة الحرب، يعني: الشجعان. (على الألى تراهن) يعني: على الخيل. (يوم الروع) أي الخوف، (كالحدأ): الحدأ جمع حدأة، وهو طائر معروف مغرم بأكل اللحم. (القبل) يعني التي مالت سواد أعينهن، فإذا مالت سواد الأعين من الحدأ إلى اللحم في الأرض انقضت بسرعة. فهو يقول: إن الخطوب تبلي هؤلاء الشجعان الذين يلبسون لأمات الحرب، ويركبون هذه الخيل السريعة التي تراها يوم الروع مثل الحدأة التي أصغت بنظرها إلى اللحم فانقضت عليه بسرعة. الشاهد قوله: (تبلي الألى يستلئمون) أي: تبلي الذين يستلئمون. (على الألى تراهن) أي: على اللاتي تراهن (يوم الروع كالحدأ القبل). فصار اسم الموصول في جمع المذكر له صيغتان: قال: [جمع الذي الألى الذين مطلقا وبعضهم بالواو رفعاً نطقا] يعني: بعض العرب نطق الذين بالواو في حال الرفع، فتقول: قدم الذون جاءوا من السفر، وأكرمت الذين جاءوا من السفر، ومررت بالذين جاءوا من السفر. وعلى هذه اللغة تكون معربة، لأنه يتغير آخرها باختلاف العوامل. فصارت (الذين) فيها لغتان عن العرب: لغة (الذين) مطلقاً كما قال: (الذين مطلقاً)، ولغة أخرى: أنها تكون في حال الرفع بالواو، ومنه قول الشاعر: نحن الذون صبحوا الصباحـا يوم النخيل غارة ملحاحا ولو كان على اللغة الأخرى لقال: نحن الذين، كما قال الصحابة رضي الله عنهم: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً

 

 

 

 

اسم الموصول للجمع المؤنث

  

 

ثم قال: (باللات واللاء التي قد جمعا). جمع المؤنث في الاسم الموصول له صيغتان: اللاتي واللاء. فتقول: جاء النساء اللاتي قمن، ورأيت النساء اللائي قمن، قال الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [النساء:15] وقال تعالى: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]. قال: (واللاء كالذين نزراً وقعا). (نزراً) يعني: قليلاً، و(الذين) صيغة لجماعة الذكور. فيقول: إن اللاء قد تحل محل الذين، أي: تأتي لجماعة الذكور، وبناءً على ذلك يكون جماعة الذكور لهم ثلاث صيغ: الألى والذين واللاء، لكن هذا الأخير قليل، ومنه قول الشاعر: فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا الشاهد قوله: (اللاء قد مهدوا)، أي: الذين قد مهدوا الحجور. فاسم الموصول الموضوع للمفرد المذكر (الذي) مبني على السكون، ومثله (التي) للمؤنث. والموضوع للمثنى المذكر (اللذان) في حال الرفع، و(اللذين) في حال النصب والجر. والموضوع للمثنى المؤنث (اللتان) في حال الرفع، و(اللتين) في حال النصب والجر، وتكون معربة على الراجح. وجماعة الإناث (اللات واللاء) وهما مبنيان على الكسر. وجماعة الذكور (الذين) مطلقاً، وفي لغة ترفع بالواو، يعني يقال: (الذون). وإعراب (الذين) مبنية على الفتح، وعلى اللغة الأخرى (الذون) مرفوع وعلامة رفعه الواو، فهو اسم معرب، والذي جعله معرباً تغيره باختلاف العوامل. مما يذكر هنا أن (اللات واللاء) يجوز فيهما الإشباع، بأن تمد الهمزة اللائي، أو تمد التاء: اللاتي، وهذا تغير صفة للأداة، وليس تغيراً جوهرياً. إما أن تمد الهمزة حتى يتولد منها ياء، أو تمد التاء حتى يتولد منها ياء، وحينئذ تكون أربع صيغ. يقول المؤلف: (واللاء كالذين نزراً وقعا) يعني: قليلاً. وقول المؤلف: (وقعا) بالألف، والألف هنا ليس للتثنية، لكنه لإطلاق الروي. وقوله: (واللاء كالذين نزراً وقعا) له تفسير آخر، وهو أن اللاء تأتي بالياء والنون، كما أتت الذين. فتستعمل للمذكر لكن بالياء والنون على صيغتها الأصلية، فيقال: اللائين، كما يقال: الذين. فيكون في قول ابن مالك رحمه الله هذا وجهان: الوجه الأول: أن اللاء بصيغتها هذه تحل محل الذين. والوجه الثاني: أن اللاء تستعمل بمعنى الذين لكن تغير وتجعل بالياء والنون. وعلى هذا قول الشاعر: وأنا من اللائين إن قدروا عفوا أو أتربوا جادوا وإن تربوا عفّوا فاللائين بمعنى الذين. (إن قدروا عفوا) يعني: عفوا عمن ظلمهم بعد القدرة، وهذا هو العفو الذي يحمد. (أتربوا) يعني: اغتنوا حتى كانت أموالهم كالتراب من كثرتها. (جادوا ) يعني: تكرموا على الناس بالجود. (وإن تربوا) يعني: افتقروا. عفوا: فلا يسألون الناس شيئاً، وهذا فخر عظيم، وهذه ثلاث خصال كلها كريمة.

 

 

 

 

الموصولات العامة

  

 

 

 

الكلام على من وما الموصولتين

  

 

ثم قال: [ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا ذو عند طيئ شهر] ما سبق من الموصول يسمى الموصول الخاص؛ لأنه خصص لكل شيء صيغة: المفرد المذكر، المفردة المؤنثة، المثنى المذكر، المثنى المؤنث، جماعة الذكور، جماعة الإناث. وهناك موصولات عامة تصلح لكل نوع من هذه الأنواع، وهي التي ذكرها في قوله: (ومن وما وأل تساوي ما ذكر ...) إلخ. تساوي ما ذكر، أي: من الصيغ السابقة، وهي الذي والتي، واللذان واللتان، والذين واللاء، فتأتي للمفرد المذكر، وللمفردة المؤنثة، وللمثنى المذكر، وللمثنى المؤنث، ولجماعة الذكور، ولجماعة الإناث. فإن قال قائل: ما الذي يعلمنا أنها للمفرد المذكر دون المفردة المؤنثة ولفظها واحد؟ قلنا: الصلة هي التي تعين ذلك. فإذا قلت: يعجبني من قام، فهي للمفرد المذكر. وإذا قلت: تعجبني من قامت، فهي للمفردة المؤنثة. وإذا قلت: يعجبني من قاما، فهي للمثنى المذكر. وإذا قلت: تعجبني من قامتا، فهي للمثنى المؤنث. وإذا قلت: يعجبني من قاموا، فهي لجماعة الذكور. وإذا قلت: تعجبني من قمن، فهي لجماعة الإناث. إذاً (من) صورتها وصيغتها واحدة مهما كان المراد بها، والذي يعين المراد بها هو الصلة. وقوله: (وما) نقول فيها مثل ما قلنا في (مَنْ): تصلح للمفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجماعة الذكور، وجماعة الإناث، والذين يعين واحداً منها هو الصلة. فإذا قيل: هل تأتي (مَنْ) في محل (ما) و(ما) في محل (مَنْ) أو لكل واحدة منهما محل لا تأتيه الأخرى؟ فالجواب: أن الأصل لكل واحدة منهما محل لا تأتي فيه الأخرى، لكن قد يخرج عن هذا الأصل لسبب، فالأصل في (من) أن تكون للعاقل. هكذا عبر أكثر النحويين، ولكن ابن هشام قال: ينبغي أن نقول: إنها للعالم؛ لأنها تأتي ويراد بها الرب عز وجل، والرب لا يقال عنه: عاقل، كما في قوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: الله. فلا تقول: مَنْ للعاقل في هذا المحل؛ لأن الله عز وجل لا يوصف بالعقل، فلهذا اختار ابن هشام رحمه الله أن يعبر بالعالم بدلاً عن العاقل، والله يوصف بالعلم. على كل حال هي لا تكون إلا للعالم الذي يعلم ويتصرف باختياره، هذا الأصل. و(ما) الأصل أن تكون لغير العالم على تعبير ابن هشام ، أو لغير العاقل على تعبير أكثر النحويين، فتكون في الجمادات، وفي المعاني، لأن المعاني أوصاف، لكن قد تأتي (من) محل (ما)، كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ [النور:45] فمن هنا لغير العالم؛ لأن بني آدم لا يمشون على بطونهم، إنما يمشون على أرجلهم. فجاءت (من) هنا في محل (ما)، لكن لماذا جاءت؟ يقول بعضهم: إنها جاءت من أجل المشاكلة، وتغليباً للعالم على غيره، مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ [النور:45] وفي قوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109] ، وفي آية أخرى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرعد:15] فجاءت (من) وجاءت (ما) وكلها في السموات والأرض، لكن انظر: (( يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ ))[الرعد:15] جاءت من، وفي آية أخرى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النحل:49]. إذاً: فهمنا من هذا أن كل واحدة منهما تأتي في مكان الأخرى، لماذا؟ قالوا: للتغليب، أي تغليب العالم على غيره، وتغليب الأكثر على غيره، فإذا عبر بـ(ما) وأريد بها الجميع فهو تغليب لغير العالم على العالم لأنه أكثر، هذا فيما نرى والعلم عند الله، وقد يكون هناك مخلوقات أخرى ذات علم أكثر من هذا. وإذا عبر بمَنْ للعموم فهو من باب تغليب العالم على غيره لشرفه. فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] فنحن ننكح العالمات، وما طاب وصف فنقول: جاءت (ما) في محل (من)؛ لأن المرأة إنما تنكح لأوصافها، والأوصاف معان غير عاقلة، فالإنسان لا ينكح المرأة لذات المرأة فقط، إنما تنكح المرأة لأربع. إذاً جاءت (ما) في محل (من) من أجل هذه النكتة البلاغية، وهي أن المرأة إنما تنكح لأوصافها لا لأنها بشر مخلوق من لحم وعظم وعصب وما أشبه ذلك.

 

 

 

 

الكلام على أل الموصولة

  

 

أل: هل (أل) تأتي اسماً موصولاً؟ يقولون: نعم، كل (أل) في اسم الفاعل واسم المفعول اسم موصول. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هذه في اسم المفعول، وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] في اسم الفاعل. أما إذا أتت في جامد فليست موصولة، فإذا قلت: قام الرجل، فأل هذه غير الموصولة. أكرمت الطالب، فهذه موصولة لأنها دخلت على اسم الفاعل. ونصرت المظلوم موصولة، لأنها جاءت في اسم المفعول. لكن إذا جعلنا أل اسماً موصولاً كيف نعربها وهي على صيغة الحرف؟ قالوا: إنه ينقل إعرابها إلى صلتها لتعذر ظهور الإعراب عليها؛ لأنها بصورة الحرف، فإذا قلت: نصرت المظلوم، أي: الذي ظلم، فإنك تقول: أل مفعول به لنصرت، ونقل إعرابها إلى ما بعدها لتعذر ظهوره عليها. هذا مذهب البصريين، ومذهب البصريين دائماً يكون أقرب للقواعد، لكنه فيه صعوبة وتعقيد. ولا تقول: المظلوم مفعول به منصوب على المفعولية. لكن المذهب السهل الطيب اللين أن تقول: نصرت: فعل وفاعل. المظلوم: مفعول به منصوب. وهذا الرأي هو الصواب: أن أل هذه وإن دلت على اسم موصول فإنها لا يكون عليها إعراب، ولا يمكن أن يظهر عليها الإعراب، فالإعراب ننقله رأساً إلى نفس اسم الفاعل أو اسم المفعول.

 

 

 

 

أنواع الاسم الموصول وألفاظه

  

 

والاسم الموصول ستة أنواع: المفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجمع المذكر وجمع المؤنث، وله ست كلمات: فللمفرد المذكر الذي ومثاله من القرآن: قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]. وللمفردة المؤنثة التي ومثاله: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا [النحل:92]. وللمثنى المذكر اللذان، ومثاله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ [النساء:16]. وللمثنى المؤنث اللتان، مثل: رأيت اللتين اجتهدتا. ولجماعة الذكور الذين، مثل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ [فصلت:30]. ولجماعة الإناث اللاتي مثل: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ [النساء:15] القسم الثاني من أقسام الموصول: العام: من وما وأل. والغالب في مَنْ أن تستعمل للعاقل، وقال ابن هشام : للعالم. ومن الغالب في القرآن وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ [النور:45]. ومن غير الغالب: (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ))[النور:45]. والغالب في (ما) أنها لغير العاقل، أو لغير العالم. مثل: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ [النحل:96]. (أل تساوي ما ذكر) يعني: أل تأتي للمفرد المذكر، للمفردة المؤنثة، للمثنى المذكر، للمثنى المؤنث، لجماعة الذكور، لجماعة الإناث. تقول: يعجبني الفاهم زيد، هذه للمفرد المذكر. تعجبني العابدة هند، للمفرد المؤنث. يعجبني القائمان: مثنى مذكر. يعجبني القائمتان، مثنى مؤنث. يعجبني القائمون، جماعة ذكور. يعجبني القائمات، جماعة إناث.

 

 

 

 

الكلام على ذو الطائية

  

 

قال المؤلف: (وهكذا ذو عند طيئ شهر). طيئ: قوم من العرب، ويسكنون في الغالب عند جبال طيئ في حائل وما حولها، يجعلون (ذو) بمعنى الذي، وبمعنى الذين، فتكون عامة، وهذه لغة عند بعضهم. وعند آخرين: يجعلون ذات للمفردة المؤنثة، وذوات: لجماعة النساء، فكان في (ذو) لغتان عند طيئ: اللغة الأولى: ذو تساوي من، أو ما، أو أل، يعني أنها عامة. واللغة الثانية: يجعلون ذو عامة إلا في المفردة المؤنثة فيجعلون لها (ذات)، وجماعة الإناث يجعلون لهن (ذوات). وما سواهم من العرب لا يستعملون هذه الكلمات الثلاث استعمال الموصول. مثاله: قول الشاعر منهم: فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت يريد أن يدافع عن مائه الذي يسقي منه إبله، يقول: إن الماء ماء أبي وجدي، ورثته كابراً عن كابر. وبئري: يعني وإن البئر بئري. ذو حفرت وذو طويت: يعني التي حفرت، والتي طويت. إذاً: ذو بمعنى التي، وتقول في جماعة الذكور: جاءني ذو قاموا، يعني: الذين قاموا، وفي جماعة الإناث: جاءني ذو قمن. وفي المثنى: جاءني ذو قاما، وجاءني ذو قامتا. وفي المؤنثة: جاءتني ذو قامت، أي: التي قامت. وعلى كل اللغات فهي مبنية لا معربة، فذو بلفظ الواو في حال الرفع والنصب والجر، فتقول: أعجبني ذو أكرمني، وأكرمت ذو أكرمني، ومررت بذو أكرمني، بخلاف (ذو) التي بمعنى صاحب فإنها ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء كما سبق، أما هذه فهي مبنية على سكون الواو دائماً. ذات: مبنية على الضم في حال الرفع والنصب والجر. فتقول: يعجبني ذاتُ قامت، وأكرمت ذاتُ اجتهدت، ومررت بذاتُ اجتهدت. وذوات أيضاً مبنية على الضم. إذاً الخلاف بين طيئ في المفردة المؤنثة والجمع المؤنث فقط، ولذا قال: وكالتي أيضاً لديهم ذات وموضع اللاتي أتى ذوات سوف نعرب المشكل في أبيات الألفية، يقول: وكالتي أيضاً: أيضاً مصدر آض يئيض إذا رجع، وهي منصوبة دائماً على المصدرية وعاملها محذوف، فأنت مثلاً إذا قلت: عندي لك عشرة ريالات وأيضاً خمسة ريالات، يعني: ورجوعاً إلى إقراري: عندي لك خمسة ريالات، ولهذا تأتي أيضاً لبناء ما بعدها على ما قبلها، فهي بمعنى الرجوع، منصوبة على أنها مصدر لفعل محذوف دائماً تقديره: آض. ومنه أحد ألفاظ الحديث في كسوف الشمس: (فانصرف وقد آضت الشمس) يعني: رجعت إلى حالها قبل الكسوف. قوله: (وموضع اللاتي أتى ذوات): موضع: منصوبة على أنها ظرف عامله أتى، يعني: وأتى موضع اللات ذوات. وذوات: فاعل أتى، يعني: أتى ذوات موضع اللات، واللات معروف أنها لجماعة الإناث.

 

 

 

 

الكلام على ذا الموصولة

  

 

ثم قال: [ومثل ماذا بعد ما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام] هذا الرابع من صيغ الموصول العام. ومثل ما ذا: مثل خبر مقدم، وذا مبتدأ مؤخر، والتقدير: وذا مثل ما، يعني أنها موصولة عامة، لكن متى؟ قال: (بعد ما استفهام)، أي: بعد ما الاستفهامية، فإذا أتت ذا بعد ما الاستفهامية فهي اسم موصول. (أو من): يعني: أو أتت بعد مَنْ الاستفهامية أيضاً. (إذا لم تلغ في الكلام) الضمير يعود على ذا، يعني: إذا لم تلغ ذا في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل كلمة واحدة مع ما أو مع من. يعني: أن من الأسماء الموصولة العامة كلمة (ذا) بشرط أن تقع بعد (ما) الاستفهامية أو (من) الاستفهامية، هذا شرط. الشرط الثاني: ألا تلغى في الكلام، ومعنى إلغائها: أن تجعل مع ما أو من كلمة واحدة. ويتعين الإلغاء إذا أتى بعدهما اسم موصول، مثل: (( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ ))[البقرة:255] فهنا نجعل (من ذا) كلمة واحدة، لأنك لو جعلتها بمعنى الذي وقلت: من الذي الذي يشفع، لكان الكلام ركيكاً. وإن وقعت بعد (ما) النافية فلا تكون اسماً موصولاً، وإذا ألغيت فإنها لا تكون موصولاً؛ لأنها سوف تكون تابعة لما أو من، وتجعل الكلمتان كلمة واحدة استفهامية، فتقول في: من ذا الذي: (منذا) كله اسم استفهام. وبعضهم يقول: من اسم استفهام، وذا: ملغاة لا محل لها من الإعراب، وهذا ظاهر كلام ابن مالك حيث قال: (إذا لم تلغ في الكلام).

 

 

 

 

متى تكون ذا موصولة ومتى تكون ملغاة

  

 

والذي يدلنا على أن (ذا) ملغاة أو أنها اسم موصول هو الجواب. فهذه آية من القرآن فيها قراءتان: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوُ) (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوَ) فعلى أي القراءتين كانت ملغاة، وعلى أي القراءتين كانت موصولة؟ والجواب: على قراءة النصب تكون ملغاة، لأن اسم الاستفهام مفعول مقدم لينفقون، سواء كانت (ماذا) كلمة واحدة، أو (ما) اسم استفهام و(ذا) ملغاة زائدة، وهذا كما لو قلت: من رأيت؟ فمَنْ مفعول مقدم لرأيت. ويكون الجواب: العفوَ، يعني: قل أنفقوا العفوَ. وإذا قرأت: (العفوُ) بالرفع صار تقدير الكلام: ما الذي ينفقونه؟ فصارت (ما) مبتدأ، والذي اسم موصول خبره، وجملة (ينفقون) صلة الموصول، والعفو: خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الذين ينفقون العفو، أو هو العفو . ولزيادة التوضيح أقول: ذا التي تأتي بعد من أو ما الاستفهاميتين تكون اسماً موصولاً ويجوز إلغائها. ومعنى إلغائها أن يكون وجودها كالعدم ، فإما أن تجعل مع (ما) كلمة واحدة، وإما أن يقال: هي زائدة ولا محل لها من الإعراب. فإذا جعلناها اسماً موصولاً صارت (ما) الاستفهامية مبتدأ، و(ذا) اسم موصول خبر، فإذا قلت: ماذا فعلت؟ وجعلتها اسماً موصولاً؛ يكون تقدير الجملة: ما الذي فعلت؟ وتعرب ما مبتدأ، والذي خبر، وفعلت صلة الموصول، والعائد محذوف والتقدير: ما الذي فعلته. إذا قلت: ماذا فعلتَ؟ وكان التقدير: ما فعلت؟ فإن ذا ملغاة ومعنى ملغاة: زائدة مركبة مع (ما) أو (من)، فنعرب (ماذا) اسم استفهام مفعول مقدم، أو نقول: (ما) اسم استفهام مفعول مقدم و(ذا) زائدة، وفعلت: فعل وفاعل والمفعول هو (ما) المقدمة. فإن أجاب المسئول فقال: خيراً، حمل (ذا) على أنها ملغاة لأن الفعل تسلط عليها والتقدير على جوابه: فعلت خيراً. وإذا قال: خيرٌ، عرفنا أنه حمل (ذا) على أنها اسم موصول، وأن التقدير: ما الذي فعلت، فنعرب (ما) مبتدأ و(ذا) خبره، وفعلت: صلة الموصول، ويكون تقدير الكلام في جوابه: هو خير، أو: الذي فعلته خير. فصارت (ما) و(من) إذا جاء بعدها (ذا) يجوز فيها وجهان: الوجه الأول: أن تلغى (ذا) في الكلام وتعتبر زائدة أو مركبة مع (ما) أو (من). والوجه الثاني: أن تكون اسماً موصولاً. يتعين الإلغاء إذا أتى بعدها اسم موصول مثل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] .. مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] لئلا يجتمع موصولان في كلام واحد. وقول بعضهم: إنه جائز، ونعرب الذي بدلاً من (ذا) غير صحيح؛ لأن البدل معناه أننا حملنا الكلام على أمر زائد وهو خلاف الأصل. لكن أحياناً تأتي (ذا) اسم إشارة، وهي بعد ما أو من، مثل أن يأتي رجل يقرع الباب فتقول: (من ذا)، فذا اسم إشارة، ولم يذكرها ابن مالك ؛ لأنها معلومة ولا توجد صلة ولا خبر، فإذا قلت (من ذا) فـ من: اسم استفهام مبتدأ أو خبر مقدم، وذا اسم إشارة خبر أو مبتدأ مؤخر. ومما سبق يكون التقسيم: أولاً : تأتي (ذا) على أنها اسم إشارة مثل: من ذا؟ أي: من هذا؟ ثانياً: تأتي اسماً موصولاً، ويجوز إلغاؤها في مثل: من ذا قام، أو ماذا فعلت. ثالثاً: تأتي ملغاة -ولابد- إذا وقع بعدها اسم موصول، وتكون إما زائدة، وإما مركبة مع (ما) أو (من).


 

شرح ألفية ابن مالك [14]

 

الاسم الموصول لابد له من صلة يتم بها معناه، وهذه الصلة لا تكون اسماً مفرداً، بل جملة أو شبه جملة، ويلزم أن تشتمل على ضمير يعود إلى الموصول، وقد يحذف هذا العائد في بعض المواضع.

 

صلة الموصول وشروطها

  

 

 

 

وجوب صلة للموصول

  

 

ثم قال: (وكلها يلزم بعده صلة) تقدم أن أسماء الموصول عشرة: ستة خاصة، وأربعة عامة، والعامة ثلاثة منها عند العرب كلهم، وواحد عند طيئ، وهذه الموصولات هي: الذي، والتي، واللذان، واللتان، والذين، واللاتي، ومن، وما، وأل، وذو، يقول المؤلف: هذه كلها يلزم بعدها صلة. فأفاد المؤلف رحمه الله أنه لابد لكل موصول من صلة؛ فلو قلت: (جاء الذي) فلا يمكن أن يتم معناه إلا بصلته, ولهذا قال: (يلزم). وقوله: (يلزم بعده صلة) سواء كان ذلك لفظاً أو تقديراً؛ لأنه قد تحذف الصلة وتكون مقدرة كقول الشاعر: نحن الألى فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا قال النحويون: التقدير: الألى عرفوا بالشجاعة. ويصلح التقدير بقولنا: نحن الذين لا نخاف الموت فاجمع جموعك ثم وجهم إلينا. على كل حال يلزم وجود الصلة: إما لفظاً وإما تقديراً، لكن حذف الصلة قليل جداً، ولا يجوز أن تحذف إلا بقرينة تدل على أنها محذوفة.

 

 

 

 

وجوب تأخر الصلة عن الموصول

  

 

وقول المؤلف: (يلزم بعده) أفادنا أنه يشترط في الصلة أن تكون بعد الموصول، فلا تصح قط قبله، فلو قلت: جاء قام الذي، وأنت تريد أن تجعل (قام) صلة مقدمة للموصول، فهذا لا يصح.

 

 

 

 

وجوب اشتمال الصلة على ضمير مناسب للموصول

  

 

قال: (على ضمير لائق مشتملة) أي: لا بد للصلة من ضمير، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقاً: أي على حسب الموصول، يعني مذكراً إن كان الموصول مذكراً، مفرداً إن كان الموصول مفرداً، فالذي يكون ضميره مفرداً مذكراً، والتي مفرداً مؤنثاً، واللذان مثنى مذكراً، واللتان مثنى مؤنثاً، والذين جماعة ذكور، واللاتي جماعة إناث. فتقول: جاء الذي قام، وجاءت التي قامت، وجاء اللذان قاما، وجاءت اللتان قامتا، وجاء الذين قاموا، وجاءت اللاتي قمن. لو قلت: جاءني اللذان قاموا، فهذا خطأ؛ لأن الضمير هنا لم يناسب وليس بلائق. لو قلت: جاءني اللذان قام، فهو خطأ. ولو قلت: جاءني الذي قام أبوه، فهذا صحيح؛ لأن الهاء ضمير يعود على الذي. ولو قلت: جاءني الذي قام أبٌ، فليس بصحيح؛ لأن الصلة خلت عن الضمير؛ فلا بد من ضمير يرجع إلى الموصول، ولابد أن يكون هذا الضمير لائقا بالموصول. أما أسماء الموصول العامة مثل: ما، ومن، فما الذي يكون لائقاً بها من الضمائر؟ نقول: إن راعيت المعنى فأت بالضمير موافقاً للمعنى، وإن راعيت اللفظ فأت بالضمير مفرداً مذكراً. وقد يتعين الضمير بحسب السياق؛ لو قلت: جاءني من أرضع، يصح هذا إذا اعتبرنا اللفظ، ويصح جاءني من أرضعت إذا اعتبرنا المعنى. وإذا قلت: جاءني من قام؛ وهما اثنان، فيصح باعتبار اللفظ، وإذا أردت اعتبار المعنى تقول: جاءني من قاما. فإذا قال قائل: هل يجوز أن يعتبر اللفظ مع خفاء المعنى؟ الجواب: لا يجوز إلا إذا قصد العموم، ولهذا إذا كنت تريد أن تبين المعنى فلا بد أن تأتي بضمير مطابق. فلو قلت: أكرمت من أرضع ولده، نقول: هنا لا يناسب إلا أن تقول: أرضعت؛ حتى تبين المعنى. فالحاصل أن: الضمير لابد أن يكون لائقا، وهو في الأسماء الموصولة الخاصة يجب أن يكون مطابقاً للفظ، واللفظ يدلنا على المعنى. أما في الأسماء الموصولة العامة الأربعة فيجوز فيها اعتبار اللفظ واعتبار المعنى. وقول المؤلف: (مشتملة) يشمل ما إذا كان الضمير هو معمول فعل الصلة كجاء الذي أكرمته، أو له صلة بمعمول الصلة، مثل: جاء الذي أكرمت أباه، هنا (أكرم) الذي هو الصلة لم يسلط على ضمير الموصول؛ لكن سلط على ملابسه وهو المضاف إليه. يعني: قد يكون الضمير معمولاً لصلة الموصول مباشرة مثل: جاء الذي أكرمته، الهاء معمول لأكرم الذي هو الصلة مباشرة، وقد يكون متصلاً بملابسه مثل: جاء الذي أكرمت أباه، فهنا الضمير لم يتصل بالصلة مباشرة لكن اتصل بمفعول الصلة. ويشترط في هذه الصلة أن تكون مشتملة على ضمير مطابق للموصول؛ إن كان الموصول خاصاً، والموصولات الخاصة ستة: فالمفرد المذكر لابد أن يكون عائده ضميراً مفرداً مذكراً والمثال: جاء الذي أكرمته. وإذا كان مفرداً مؤنثاً فالعائد مفرد مؤنث مثاله: جاءت التي أكرمتها. وإذا كان مثنى مذكراً فعائده كذلك مثل: جاء اللذان أكرمتهما. وإذا كان جماعة إناث: جاءت اللاتي قمن. وإذا كان جماعة ذكور فمثاله في القرآن: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]. وإذا كان الموصول من الموصولات العامة وهي أربعة: (ما، ومن، وأل، وذا بعد ما أو من الاستفهامية) هذه باتفاق العرب. والخامس: ذو، عند طيئ جاز في عائده أمران: أحدهما: مراعاة المعنى. والثاني: مراعاة اللفظ. فإذا راعينا اللفظ كان العائد مفرداً مذكراً، وإذا راعينا المعنى كان بحسب المراد؛ فإذا قلت: جاءت من أكرمتها، فقد راعيت المعنى، وإذا قلت: جاء من أكرمته، وأنت تريد جماعة فقد راعيت اللفظ. وإذا قلت: جاء من أكرمته راكباً، فهذه مراعاة للفظ والمعنى؛ لأنه مفرد.

 

 

 

 

صلة الموصول يجب أن تكون جملة أو شبه جملة

  

 

إذاً: يشترط في جملة الصلة شروط: الشرط الأول: أن تكون بعد الموصول. الثاني: أن تكون مشتملة على ضمير مطابق. والثالث: أن تكون جملة، أو شبه جملة؛ ولهذا قال: [وجملة أو شبهها الذي وصل به]. جملة: خبر مقدم. أو شبهها: معطوف عليه. الذي: مبتدأ مؤخر. وصل به: صلة الموصول. ومعنى البيت: والذي وصل به جملة، أو شبه جملة، يعني: أن صلة الموصول تكون جملة، وتكون شبه جملة. فالجملة: إما أن تكون جملة فعلية، وإما أن تكون جملة اسمية. وشبه الجملة: إما ظرف، أو جار ومجرور. ولا يمكن أن تكون اسماً مفرداً؛ فلا يجوز أن تقول: جاء الذي أبوه، لأنها لم تتم. وضرب المؤلف مثالين فقال: [ كمن عندي الذي ابنه كفل ]. (من) بمعنى الذي، و(عندي) ظرف، وهو صلة الموصول، فهو شبه جملة. (الذي ابنه كفل) الذي: اسم موصول. وابن: مبتدأ. وجملة (كفل) خبره، والجملة صلة الموصول. وفي المثالين مع ما سبقهما لف ونشر غير مرتب؛ لأنه في الأول قال: (جملة أو شبهها)، فبدأ بالجملة، وفي التمثيل بدأ بشبه الجملة، وهذا لف ونشر غير مرتب، والبلاغيون يقولون: لف ونشر مشوش، ولكننا نبعد التشويش، نقول: لف ونشر غير مرتب. تأمل قوله: (من عندي) وقد تقرر في القواعد أن كل ظرف أو جار ومجرور لا بد له من متعلق؛ ولهذا سميناه شبه جملة، والمتعلق في شبه الجملة فعل محذوف ولابد، فمثلاً: من عندي، التقدير: من استقر عندي. تقول: جاء الذي عندي، يقدر المحذوف: جاء الذي استقر عندي. وإن شئت أن تبين المتعلق الخاص فتقول: جاء الذي سكن عندي؛ لأن الاستقرار معنى واسع والسكنى معنى خاص، فلك أن تقدر المعنى الخاص، ولك أن تقدر المعنى العام. وعلى كل حال فالمحذوف في شبه الجملة إذا وقعت صلة الموصول هو فعل ولابد. فإذا قال قائل: أليس ابن مالك يقول: [وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر] وكائن ليست فعلاً، قلنا: هناك فرق بين هذا وهذا؛ لأن الأصل أن يكون الخبر غير جملة؛ ولهذا قال: (ناوين معنى كائن) فقدم الاسم. وصلة الموصول الأصل فيها أن تكون جملة ولا يوصل الموصول بمفرد؛ ولهذا فلو قال إنسان: جاء الذي عندي، فإذا قدرت: جاء الذي مستقر عندي؛ قلنا: لا يجوز، بل لا بد أن تقدر: جاء الذي استقر عندي، لتتم الجملة؛ لأنك لو قلت: جاء الذي مستقر عندي لزم أن تقدر مبتدأً يكون مستقراً خبره، فيكون عندنا محذوفان، وإذا قدرنا (استقر) فالمحذوف واحد؛ وكلما قل الحذف فهو أولى. الخلاصة: صلة الموصول يجب أن تكون جملة، أو شبه جملة. وشبه الجملة يجب أن يقدر لها فعل تتعلق به، فقوله: (من عندي) أصلها: الذي استقر عندي، وإذا قلت: جاء الذي في البيت، نقول: (في البيت) جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والتقدير: جاء الذي سكن في البيت، أو استقر في البيت، أو ما أشبه ذلك. والجملة التي ذكرها المؤلف (الذي ابنه كفل) اسمية؛ لأن الجملة الاسمية هي التي تبتدأ باسم، والجملة الفعلية هي التي تبتدأ بفعل، والجملة هنا "ابنه كفل" ابن: اسم. إذاً: المؤلف مثل لشبه الجملة بالظرف، ومثل للجملة بالجملة الاسمية، ومثال الجملة الفعلية قول الله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ [الزمر:33] جاء فعل ماض، فهذه جملة فعلية.

 

 

 

 

جملة الصلة خبرية لا إنشائية

  

 

والجملة في كلام المؤلف جملة خبرية وليست طلبية، فهل تمثيله يدل على أنه يشترط في جملة صلة الموصول أن لا تكون جملة طلبية بناء على أن التمثيل يحدد الشروط، لأن الكتاب مختصر تؤخذ شروطه من الأمثلة؟ الجواب: نعم، هذا هو المشهور عند النحويين، فلا يصح أن تقول: جاءني الذي اضربه، فإن وقع مثل هذا في كلام العرب -والعرب يحكمون علينا ولا نحكم عليهم- فإنه يقدر لهذه الجملة الطلبية جملة خبرية، فنقدر (جاء الذي اضربه) بقولنا: جاء الذي يقال في حقه اضربه، وجملة (يقال) خبرية. ولا يصح أن أقول: جاء الذي هل قام؛ لأن الجملة إنشائية استفهامية ويشترط أن تكون جملة الصلة خبرية. فإذا جاء في كلام العرب مثل هذا التعبير (جاء الذي هل قام؟) فلا نقول إنه لحن أو خطأ في اللغة، إنما نقول: لابد أن نقدر شيئاً يصح به الكلام، فنقول: جاء الذي يقال في حقه هل قام؟ ولهذا قالوا في رجل استضافه قوم، وتركوه في النهار كله فما أعطوه شيئاً، ولما كان في الليل جاءوا بلبن أكثره ماء، ما جاءوا به في النهار لئلا يراه، فقال: حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (المذق) المخلوط، بمذق: نكرة تحتاج إلى صفة، والصفة هي: (هل رأيت الذئب قط)، جملة استفهامية لا تصلح أن تكون صفة، قالوا: التقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. فصور أن لون هذا اللبن أشهب رمادي، والشاعر اختار الذئب لأنه سبع يأتي في الليل، فكأنه قال: هذا اللبن لونه لون الذئب، وزمن حضوره زمن حضور الذئب. على كل حال هذا جئنا به ليعلم أنه إذا جاء في كلام العرب ما يخالف قواعد النحويين، فإن قواعد النحويين لا تحكم على كلام العرب، بل يجب أن نقدر ما يصح به الكلام على القواعد. ولقائل أن يقول: ما دمنا أسسنا أننا لا نحكم على العرب فلماذا لا نقول: إنه إذا فهم المعنى فلا حرج أن تكون الجملة خبرية أو إنشائية؟ ولهذا لو قال قائل: جاء الذي ما أظرفه! فإننا نقدر فنقول: جاء الذي يقال فيه: ما أظرفه. وإذا قلت: حضر الطلبة الذين ما أفهمهم للنحو! نقول: هذا -إن شاء الله- تعبير صحيح لفظاً ومعنى، لكن على القواعد نقدر: الذين يقال فيهم: ما أفهمهم!

 

 

 

 

حكم الفصل بين الموصول وصلته

  

 

قول المؤلف: (يلزم بعده صلة) وأتى بالصلة بعد الموصول يؤخذ منه أنه لابد ألا يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي؛ لأنها صلته لا تتم إلا به، فلو قلت مثلاً: جاء الذي زيد قائم في البيت، تريد أن تقول: (في البيت) صلة للذي، لا يصح، فلا يجوز أن يفصل بين الصلة والموصول بأجنبي بينهما. أما إذا كان غير أجنبي فلا بأس، مثاله: جاء الذي زيداً أكرم، تريد: جاء الذي أكرم زيداً؛ لأن زيداً مفعول للفعل الذي وقع صلة، فليس أجنبياً من الصلة. إذاً: يشترط في الصلة ألا يفصل بينها وبين الموصول بأجنبي. فأما قول الشاعر يخاطب الذئب: تعش فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فالشاهد في (مثل من يا ذئب يصطحبان) فهنا فصله بالمنادى الأجنبي، وهذا خلاف الأصل.

 

 

 

 

صلة أل الموصولة

  

 

يقول المؤلف: [وصفة صريحة صلة أل]. (صفة) خبر مقدم، وصلة أل: مبتدأ مؤخر؛ وإنما اخترنا أن تكون صلة أل هي المبتدأ؛ لأنها معرفة وصفة نكرة، والأصل أن المعرفة هي المبتدأ؛ لأنه محكوم عليه فلابد أن يكون معلوماً، فإذا جاءت كلمتان كل واحدة تصح أن تكون مبتدأ فاجعل المبتدأ هو المعرفة لأنه محكوم عليه. والصفة الصريحة هي التي لا يشوبها تأويل، وهي ثلاثة أشياء: (اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة). وخرج بقولنا (صريحة) الصفة التي ليست بصريحة، مثل أن تكون مصدراً، كأن يقال: فلان الرضا، فلان العدل. هنا الرضا والعدل ليسا صفة صريحة، وعلى هذا فلا تكون (أل) موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا بد أن تكون صلتها صفة صريحة. كذلك الأسد قد يوصف به، ولكنه ليس بالصفة الصريحة، فـ(أل) الداخلة عليه ولو في مقام الوصف لا تكون موصولة؛ لأن (أل) الموصولة لا تكون صلتها إلا صفة صريحة. وأقرب من هذا أن نقول: (أل) التي تدخل على اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، موصولة، و(أل) التي تدخل على غير ذلك ليست موصولة. وقوله: (وكونها بمعرب الأفعال قل). يعني: كون (أل) توصل بمعرب الأفعال قليل، ومعرب الأفعال هو المضارع؛ لأن الماضي والأمر كلاهما مبني. وأفادنا المؤلف رحمه الله بأن (أل) قد توصل بالفعل المضارع لكنه قليل عند العرب، وإذا كان قليلاً عند العرب فينبغي أن يكون عندنا أقل. وأنشدوا على ذلك قول الشاعر: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فمقتضى القاعدة في (أل) الشمسية والقمرية أن نقول: ما أنت بالحكم التُّرضى؛ لأن أل المقترنة بالتاء شمسية. كما تقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وفي القرآن التَّائِبُونَ [التوبة:112]. لكن هنا لا نجعلها شمسية، بل نجعلها قمرية؛ لأن (أل) الموصولة في منزلة المنفصل فيقال في النطق في البيت: ما أنت بالحكم الترضى، بسكون اللام. وكذلك قد توصل (أل) بالظرف، لكنه أيضاً قليل، وعليه قول الشاعر: من لا يزال صابراً على المعه فهو حَرٍ بعيشة ذات سعه (على المعه) يعنى: على الذي معه، أي: أن الإنسان الذي يصبر على ما معه من النفقة والعيش؛ فهو حرٍ بعيشة ذات سعة؛ لأن الله تعالى قال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7] والقناعة كنز لا يفنى. إذاً توصل (أل) قياساً باسم فاعل مثل: الضارب، واسم مفعول مثل: المضروب، والصفة المشبهة مثل: البطل، وتوصل قليلاً بالفعل المضارع، وكذلك توصل قليلاً بالظرف.

 

 

 

 

أي الموصولة وشروط إعرابها

  

 

قال المؤلف: [أي كما وأعربت مـا لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف] (أيٌّ كما) يريد ابن مالك (ما) التي سبقت في قوله: (وما وأل تساوي ما ذكر). أي: أن أياً تستعمل اسماً موصولاً عاماً مثل (ما) الموصولة. ونحن نعلم أن أياً لها استعمالات: فهي تأتي استفهامية، وتأتي شرطية. ومثال الاستفهامية أن تقول: أي الرجلين قام؟ والشرطية كقوله تعالى: أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110]. وجمهور النحويين على أنها تأتي موصولة، وعليه ابن مالك في قوله: (أي كما). وقال بعض علماء النحو: إن أياً لا تأتي موصولة، إنما تأتي شرطية أو استفهامية، ولكن إذا وجد ما ظاهره أنها موصولة؛ فإنه عندهم يؤول حتى تكون للاستفهام. قال: (وأعربت ما لم تضف). لما ذكر حكمها من حيث إنها تأتي موصولة، ذكر حكمها من حيث الإعراب، يعني: إذا جاءت موصولة فهل تكون مبنية كما هو شأن الموصولات أو تكون معربة؟ ذكر المؤلف أنها تكون معربة إلا بشرطين، وكونها تعرب إلا بشرطين يدل على أن الأكثر فيها الإعراب؛ لأن البناء وارد على الإعراب. قال: (وأعربت ما لم تضف وصدر وصلها ضمير انحذف). يعني: إذا لم تكن مضافة، وصدر صلتها محذوف فحينئذ تبنى. إذاً تبنى بشرطين: الأول: أن تكون مضافة. والثاني: أن يكون صدر صلتها ضميراً، وإذا كان صدر صلتها ضميراً صارت الصلة اسمية. وقوله: (وصدر وصلها) الواو نعربها على أنها واو الحال، يعني: ما لم تضف والحال أن صدر وصلها ضمير انحذف. وأفادنا قول المؤلف رحمه الله: (ما لم تضف) أنها قد تأتي غير مضافة، وأفادنا قوله: (وصدر وصلها ضمير) أنها تأتي ويكون صدر وصلها غير ضمير، وذلك إذا كانت صلتها جملة فعلية. وأفادنا قوله: (ضمير انحذف) أنه إذا كان موجوداً فإنها تعرب، لأنها لا تبنى إلا بالشرطين: أن تضاف، وأن يكون صدر وصلها ضميراً محذوفاً. فإذا قلت: يعجبني أيٌّ هو قائم، فهي في هذا المثال معربة؛ لأنه فات الشرطان؛ فهي ليست مضافة، وصدر وصلها ضمير موجود. ويعجبني أيهم هو قائم، أي: معربة؛ لأن صدر الصلة لم يحذف. يعجبني أيٌّ قائم معربة؛ لأنها لم تضف. ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر وصلها ضمير محذوف. ويعجبني أيهم قام، هذه معربة؛ لأنها وإن كانت مضافة، لكن ليس صدر صلتها ضميراً محذوفاً. ويعجبني أي هو قائم، معربة؛ لأنها ليست مضافة، وصدر وصلها ليس ضميراً محذوفاً، ففات الشرطان. ويعجبني أيهم هو قائم، معربة أيضاً. ويعجبني أيٌّ قائم، معربة؛ لأنها لم تضف. ويعجبني أيهم قائم، مبنية؛ لأنها مضافة وصدر الصلة محذوفة والتقدير يعجبني أيهم هو قائم. وإذا قلت: أكرم أياً هو قائم، معربة، ولذلك صارت منصوبة. ومررت بأيٍ هو قائم، معربة. ومررت بأيُّهم قائمٌ فهنا أي مضافة وصدر الصلة ضمير محذوف فتكون مبنية على الضم. وقال تعالى: ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا [مريم:69]. فأي مضافة و(أشد) خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: أيهم هو أشد، فتكون مبنية؛ ولهذا هي مضمومة مع أن الفعل واقع عليها، ولو كانت معربة لقيل: ثم لننزعن من كل شيعة أيَّهم أشد على الرحمن عتياً. قال: (وبعضهم أعرب مطلقا). إذاً: فيها خلاف حتى في البناء لو تم الشرطان، يعني: لو كانت مضافة وصدر وصلها ضميراً محذوفاً فبعضهم أعربها مطلقا. لكن كلمة (بعضهم) راجعة إلى أهل اللغة، فهم الذين ينطقون، أما النحويون فإنهم يوجهون فقط.

 

حذف صدر صلة الموصول غير أي

  

 

ثم قال: [ وبعضهم أعرب مطلقا وفي ذا الحذف أيا غير أي يقتفي أن يستطل وصل وإن لم يستطل فالحذف نزر وأبوا أن يختزل ] أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يحذف العائد المرفوع إلا إذا كان صدر الصلة، لقوله: (وصدر وصلها ضمير انحذف) إما إذا كان فاعلاً فلا يمكن أن يحذف، وكذلك نائب الفاعل واسم كان، فلا يحذف إلا إذا كان صدر صلة، ولا يكون صدر صلة إلا وهو ضمير. لكن هل يحذف صدر الصلة المرفوع في غير أي؟ يقول: يحذف لكن بشرط أن يستطيل الوصل، يعني: إن كانت الصلة طويلة، أما إذا كانت غير طويلة؛ فإن الحذف قليل. فإذا قلنا: جاء الذي قائم، فالذي اسم موصول، (قائم) خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: جاء الذي هو قائم، فالصلة ليست طويلة، إنما هي كلمة واحدة، إذاً: فلا تحذف (هو) لأن الصلة غير طويلة، فيجب أن تقول: جاء الذي هو قائم. وإذا قلنا: جاء الذي راكب بعيراً جاز؛ لأن الصلة طويلة، و(بعيراً) تكون مفعولاً به، ويجوز أن تقول: جاء الذي هو راكب بعيراً. والضابط: إذا كان كلمة لها متعلق فهي طويلة، مثل: جاء الذي هو جالس عندك فهذا طويل يجوز أن تقول: جاء الذي جالس عندك، فتحذف الضمير؛ لأن الصلة طويلة. قال الله تعالى: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام:154] وفي قراءة: (تماماً على الذي أحسنُ)، فهذه من القليل، والتقدير: تماماً على الذي هو أحسن، حذفت هو لكن على وجه القلة مع أنه قليل، لكن القراءة المشهورة: (تماماً على الذي أحسنَ). الآن عرفنا الحكم، والسؤال: هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول أيّاً؟ الجواب: إن طالت الصلة فنعم، وإن لم تطل الصلة فالحذف قليل. نرجع إلى كلام ابن مالك رحمه الله: قال: (وفي ذا الحذف أياً غير أي يقتفي). ذا: اسم إشارة، والمشار إليه حذف صدر الصلة وهو الضمير. أياً: مفعول مقدم ليقتفي. غير أي: (غير) مبتدأ، وجملة يقتفي خبرها. وتقدير هذا الشطر: وغير أي يقتفي أياً في هذا الحذف. ثم قال: (إن يستطل وصل) يعني: إن كان الوصل طويلاً. (وإن لم يستطل فالحذف نزر)، أي: قليل. معناه: أنه إذا طالت الصلة فالحذف كثير. فمثلاً: إذا قلنا: جاء الذي هو راكب سيارته. الصلة طويلة، فيجوز الحذف، فتقول: جاء الذي راكب سيارته. وإذا قلنا: جاء الذي هو ذكي. فالصلة قصيرة فيجوز حذف (هو) فتقول: جاء الذي ذكي؛ لكنه قليل.

 

 

 

 

حذف العائد

  

 

 

 

حذف العائد المرفوع

  

 

هل يحذف صدر الصلة إذا كان الموصول غير أي؟ الجواب: إن طالت الصلة جاز الحذف، وإن لم تطل فالحذف قليل، والضابط في طول الصلة وقصرها أن ما زاد على ركني الجملة الموجودين تكون به الصلة طويلة. قال ابن مالك : [إن يستطل وصل وإن لم يستطل فالحذف نزر ..]. والسؤال: عرفنا الآن أن صدر الصلة يحذف بشروطه التي ذكر المؤلف، فهل يحذف غيره، أعني: هل يحذف الفاعل أو نائب الفاعل أو اسم كان؟ والجواب: لا يجوز؛ ولهذا إنما يجوز الحذف في المرفوع إذا كان صدر صلة.

 

 

 

 

متى لا يجوز حذف صدر الصلة

  

 

ثم قال المؤلف: (وأبوا أن يختزل). (أبوا) الضمير يعود على العرب، ويجوز أن يكون يعود على النحاة؛ لأنه ممكن أن يقول النحويون: هذا ممنوع؛ لأنه لم يسمع، وهذا هو الأقرب؛ لأن العرب لا يقال عنهم: يأبون أو يوافقون، إنما يتكلمون فقط. (أبوا أن يختزل) أي: (أن يحذف إن صلح الباقي لوصل مكمل). ووجه ذلك: أنه إذا صلح الباقي لوصل مكمل لم يكن هناك دليل على المحذوف، مثاله: جاء الذي هو في البيت، فصدر الصلة (هو) موجود، فلو حذفت وقلت: جاء الذي في البيت، لم يصح؛ لأن (في البيت) تصلح أن تكون صلة، فإذا كان الباقي بعد الحذف يصلح أن يكون صلة فإنه لا يجوز حذف صدر الصلة. فإن قال قائل: أي فرق بين أن تقول: جاء الذي هو في البيت، أو: جاء الذي في البيت؟ قلنا: الفرق بينهما التخصيص. فقولنا: جاء الذي هو في البيت يعني لا غيره، وجاء الذي في البيت، قد يكون معه غيره وفي المثال الأول الصلة جملة اسمية وفي الثاني شبه جملة. فإذا قال قائل: جاء الذي هو في البيت، وأراد أن يحذف (هو)، قلنا: لا يصح؛ لأن الباقي لا يصلح للصلة على الوجه الذي نريده مع بقاء صدر الصلة، فهو لا يدل على ما تدل عليه الصلة إذا كان صدرها موجوداً. وخلاصة الكلام: أنه يجوز حذف العائد المرفوع بشرط أن يكون صدر الصلة، وأن تكون الصلة طويلة إلا في (أي)، فإنه يجوز حذف صدر صلتها وإن لم تكن الصلة طويلة، وهو في (أي) كثير، وفي غيرها قليل. أما الفاعل ونائب الفاعل واسم كان؛ فإنها لا تحذف فلا يحذف إلا العائد المرفوع الواقع صدر الصلة.

 

 

 

 

حذف العائد المنصوب

  

 

[.. والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب بفعل أو وصف كمن نرجو يهب] (والحذف عندهم) أي: عند العرب. (كثير منجل) أي: واضح. في عائد متصل منصوب بفعل أو وصف. فإذا كان العائد منصوباً بفعل أو وصف وكان متصلاً فإنه يجوز حذفه. مثاله: (كمن نرجو يهب)، (من) هنا ليست شرطية، بل هي اسم موصول بمعنى الذي، أي: كالذي نرجوه يهب لنا. و(يهب) مرفوعة في الأصل لكن سكنت للروي؛ لأنه آخر البيت. و(من نرجو يهب) أصلها من نرجوه يهب، أي: يهب لنا، الضمير في (نرجوه) متصل منصوب والناصب له فعل. فانطبقت عليه الشروط. ولو قلت: الذي إياه نرجو يهب. لا يجوز؛ لأن الضمير منفصل. فإذا قال المتكلم: أنا أريد ضميراً متصلاً، قلنا: إذا أردت الضمير المتصل فاتت الفائدة في الضمير المنفصل؛ لأن قولك: كالذي إياه نرجو، ليس كقولك: كالذي نرجوه. فالجملة الأولى تفيد التخصيص والحصر، أما الثانية لا تفيد التخصيص والحصر. ولهذا نقول: كالذي إياه نرجو، لا يجوز أن تحذف العائد فيها؛ لأنك لو حذفت العائد فيها اختل المقصود بالكلام وهو الحصر. وإذا قلت: الذي لا نرجو إلا إياه يهب، فحذفت وقلت: الذي لا نرجو إلا يهب، لا يجوز. فصار حذف العائد المنصوب يشترط فيه شرطان: الشرط الأول: أنه متصل. والشرط الثاني: أنه منصوب بفعل أو وصف. فإذا قلت: جاء الذي إنه قائم، وحذفت العائد وقلت: جاء الذي إنّ قائم، فالعائد منصوب ومتصل، لكنه منصوب بغير الفعل ولا الوصف، فلا يجوز حذفه. وقد أتى المؤلف للفعل بمثال: كمن نرجو يهب، ومثال الوصف: جاء الذي راجوه يهب، بمعنى: نرجوه، فهنا يصح أن يحذف لأنه منصوب بوصف. فإذا نصب بوصف أو فعل فإنه يجوز حذفه، أما إذا نصب بغيره فلا يجوز. وإذا قلت: الذي أنا معطيكه درهم، وحذفت الهاء، وقلت: الذي أنا معطيك درهم، يجوز؛ لأنه منصوب بوصف، وهو معط. وخلاصة ما سبق: أنه يجوز حذف العائد المنصوب بشرط أن يكون متصلاً، وأن يكون ناصبه فعلاً أو وصفاً. والمؤلف يقول: إنه كثير، ولكنه ليس بأكثر، فالأكثر وجوده، لكن حذفه كثير.

 

 

 

 

حذف العائد المجرور بالوصف

  

 

ثم قال: [كذاك حذف ما بوصف خفضا كأنت قاضٍ بعد أمر من قضى] الآن انتقل إلى حذف العائد المجرور، والمجرور قد يجر بوصف، وقد يجر بحرف، ولكل منهما شروط. فيقول: (كذاك حذف ما بوصف خفضا) يعني: أن العائد المجرور يحذف، لكن أحياناً يجر بوصف، وأحياناً يجر بحرف وخرج ابن مالك عن قاعدة البصريين في هذا البيت لكونه أطلق على (الجر) الخفض. فإذا جر بوصف؛ فإنه يجوز حذفه، مثاله: قوله تعالى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] وهو المراد بقول المؤلف: (كأنت قاض بعد أمر من قضى) فهو يشير إلى الآية، والأمر من قضى اقض. (ما أنت قاض) (ما) اسم موصول، و(قاض) وصف، وأصل الكلام: اقض ما أنت قاضيه، فحذف الضمير المجرور؛ لأنه مجرور بوصف. ولو قلت: أكرم الذي غلامه في البيت، وأردت أن تحذف الهاء من (غلامه)، وتقول: أكرم الذي غلام في البيت، لا يجوز الحذف؛ لأنه جر بالإضافة إلى غلام، وهو ليس وصفاً؛ فالعائد المجرور يحذف، لكن بشرطين: الشرط الأول: أن يكون مجروراً بوصف. والشرط الثاني: أن يكون مجروراً بوصف مستقبل. وأخذنا هذين الشرطين من قوله: كأنت قاض بعد أمر من قضى. ولو قال: جاء الذي مضروبه في البيت، وأراد أن يحذف الهاء فقال: جاء الذي مضروب في البيت، لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون الوصف اسم فاعل، وأيضاً بمعنى الحال أو الاستقبال، فعلى هذا إذا قلت: جاء الذي مضروب في البيت، فإنه لا يستقيم. قد يقول قائل: جاء الذي هو مضروب في البيت، نقول: يختلف المعنى اختلافاً كبيراً، إذا قلت: جاء الذي هو مضروب في البيت، صار الجائي هو الذي ضُرب في البيت. وإذا قلت: جاء الذي مضروبه في البيت، كان الذي في البيت ليس الجائي ولكنه من ضربه الجائي، فيكون الجائي هو الضارب. فما جر بالإضافة: إن جر باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه، ومثاله: قوله تعالى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72]. وإن جر بحرف أو باسم جامد أو جر بوصف غير اسم الفاعل فإنه لا يجوز. لكن ما جر بالحرف يقول المؤلف فيه: [كذا الذي جر بما الموصول جر كمر بالذي مررت فهو بر] (كذا الذي جر): كذا يعني الضمير الذي جر (بما الموصول جر)، أي: بحرف جر الموصول. وعلى هذا فنعرب (الموصول) على أنه مفعول جر مقدماً، وتقدير البيت: كذا الذي جُرّ بحرف جَرّ الموصول، بحيث يكون الموصول مجروراً بالباء، والعائد مجروراً بالباء، فإن اختلف الجار فلا حذف. فيحذف العائد المجرور بالحرف بشرط أن يجر بالحرف الذي جر الموصول، يؤخذ الشرط من قول المؤلف: (بما الموصول جر). ثم مثل قال: (كمر بالذي مررت فهو بر) (فهو بر) تكميل للبيت. (مر بالذي مررت) أصلها مر بالذي مررت به، فحذف الضمير المجرور بالباء، وحذف حرف الجر؛ لأنه لا يمكن أن يبقى حرف الجر بدون مجرور. قال الله تبارك وتعالى: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33] وأصله: مما تشربون منه، لكن حذف العائد وهو الضمير المجرور بمن، وحذف حرف الجر لأنه لا يمكن أن يبقى وحده، وصارت الآية: ((مِمَّا تَشْرَبُونَ )). فإن اختلف حرف الجر فإنه لا يحذف المجرور، فإذا قلت: رغبت فيما رغبت عنه، أي: رغبت أنا فيما رغبت عنه أنت، فلا يمكن أن نحذف الهاء في قوله: عنه؛ لاختلاف الحرف، فيتعين أن يوجد الحرف والعائد، ولا يجوز الحذف. ويشترط أيضاً أن يكون العامل الذي تعلق به حرف الجر مطابقاً للعامل الذي جر الموصول لفظاً ومعنى. مثال ذلك أن تقول: مررت بالذي مررت به، فهنا العاملان متفقان، كلاهما مر، والحرفان متفقان، وكلاهما باء، والمعنى واحد. فإن اختلف الحرف امتنع الحذف، مثاله: رغبت فيما رغبت عنه، وإن اختلف اللفظ في العاملين امتنع الحذف، فلو قلت: وقفت على ما قمت عليه، أي: وقفت أنا على ما قمت عليه أنت، أي: وقف، امتنع الحذف؛ لاختلاف العاملين لفظاً مع اتحاد معناهما. ولو قلت: وقفت على من وقفت عليه، تريد بالأول القيام، وتريد بالثاني الوقف الذي هو التحبيس والتسخير، فلا يجوز الحذف؛ لاختلاف العاملين معنى. فصار الشرط في العائد المجرور بالحرف اتفاق الحرفين، واتفاق العاملين لفظاً ومعنى، والمثال في كتاب الله عز وجل: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون:33].

 

 

 

 

الخلاصة في حذف العائد

  

 

فصار العائد: إما مرفوعاً وإما منصوباً، وإما مجروراً. والمرفوع: إما ضمير (هو) صدر الصلة، فيجوز حذفه، وسبق التفصيل فيه، هل هو كثير أو قليل. وإما غير ضمير الصدر فإنه لا يجوز حذفه، مثل: مررت باللذين قاما، لا يصح أن أقول: باللذين قام، أو: مررت بالذين قاموا، فلا يصح أن أقول: بالذين قام. لأن الضمير المرفوع ليس صدر صلة. والمنصوب: إما أن ينصب بفعل أو بوصف، وحذفه جائز بشرط أن يكون متصلاً. المجرور: إما أن يكون مجروراً بالإضافة، وإما أن يكون مجروراً بالحرف. والمجرور بالإضافة يشترط أن يكون مجروراً باسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال. والمجرور بالحرف يشترط فيه اتفاق العاملين لفظاً ومعنى، واتفاق الحرفين لفظاً ومعنى. وبهذا ينتهي الكلام على حكم الضمير الذي هو العائد.


 

شرح ألفية ابن مالك [15]

 

من المعارف المعرف بأل، وقد اختلف النحاة هل التعريف حاصل بأل كلها أم باللام وحدها. وقد تلزم أل في بعض الكلمات، وقد تأتي في الشعر للضرورة، وقد تدخل في بعض الأعلام للمح الأصل، وبعض الأسماء تدخل عليها أل فتكون علماً بالغلبة.