شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

إن وأخواتها

  

عمل إن وأخواتها

إن وأخواتها تعمل عكس عمل كان وأخواتها

حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها

حكم تقديم خبر إن على اسمها في نحو إن في الدار صاحبها

فتح همزة إن وكسرها

مواضع فتح همزة إن

مواضع كسر همزة إن

كسر همزة إن إذا جاءت بعد فعل معلق باللام

إعراب أبيات مواضع كسر همزة إن

مواضع جواز فتح همزة إن وكسرها

أحوال همزة إن إذا كانت جواباً للقسم

دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة

متى يمتنع دخول لام الابتداء على خبر إن

دخول اللام على غير خبر إن المكسورة

دخول ما الكافة على إن وأخواتها

حكم العطف على إن وأخواتها

جواز رفع المعطوف على إن واسمها وخبرها

حكم المعطوف على أخوات إن

إعمال إن المخففة وإهمالها

دخول إن المخففة على الفعل

الكلام على أن المخففة من الثقيلة

حذف اسم أن المخففة

الفصل بين أن المخففة وخبرها

الكلام على كأن المخففة

تخفيف لكن

 

عمل إن وأخواتها

   قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إن وأخواتها: لإنَّ أنَّ ليتَ لكنَّ لعلّ كأن عكس ما لكان من عمل كإن زيداً عالمٌ بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي]. نواسخ المبتدأ والخبر تنقسم من حيث العمل إلى ثلاثة أقسام: ما ينسخ المبتدأ والخبر جميعاً، وما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وهذا من حيث العمل، لا من حيث الأداة هل هي فعل أو اسم أو حرف. فكان وأخواتها سبق أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. وليس ارتفاع المبتدأ بقاءه على ما كان عليه، بل هو رفع مجدد بكان. وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والرفع الذي في الخبر ليس هو الرفع الأول الذي كان قبل دخول إن، بل هو رفع مجدد، فإن بعض الناس قد يقول في إعراب (كان زيد قائماً): زيد: مرفوع بالابتداء، فنقول: لا، زيد مرفوع بكان، فالرفع الذي حصل له رفع مجدد. وكذلك (إن زيداً قائمٌ) قد يقول بعض الناس: قائم: مرفوع على أنه خبر المبتدأ، فنقول: لا، بل هو مرفوع على أنه خبر إن، فـ(إن) أحدثت له رفعاً مجدداً؛ ولهذا قال المصنف في كان وأخواتها: (ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه ). قوله: (إن وأخواتها)، أي: أخواتها اللاتي يعملن عملها، وهي ستة حروف ذكرها في قوله: (لإن أن ليت لكن لعل كأن عكس ما لكان من عمل). قوله: لإنّ: جار ومجرور، فحرف الجر هنا قد دخل على إن، ودخول حرف الجر على كلمة يدل على أنها اسم، مع أن (إنَّ) حرف، فكيف ذلك؟ نقول: لأن المقصود بها اللفظ، فكأن المؤلف قال: لهذا اللفظ. أنّ: معطوفة على إنَّ لكن بإسقاط حرف العطف للضرورة. ليت: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة. لكن: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة. لعل: مثلها. كأن: مثلها. عكس: مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المتقدم. عكس ما لكان من عمل: أي عكس الذي لكان من العمل. لكان: اللام حرف جر، وكان اسم مجرور باللام وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأن المقصود هو اللفظ.

 

 

 

 

إن وأخواتها تعمل عكس عمل كان وأخواتها

  

 

قوله: (عكس ما لكان من عمل)، فإذا كانت كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فـ(إن وأخواتها) تنصب المبتدأ وترفع الخبر. والحمد لله الذي يسر لنا علماء تتبعوا اللغة العربية واستقرءوها واستخرجوا هذه الحروف التي تعمل هذا العمل، فحفظوا للعربية كيانها وإلا لضاعت اللغة العربية، ولو لم تؤلف هذه الكتب فمن يدري أن (إنَّ) تنصب وترفع؟! لكن العلماء جزاهم الله خيراً تتبعوا حتى حصروا هذه الأشياء. مثاله: قال: (كإن زيداً عالمٌ بأني كفؤ). كإن: الكاف حرف جر، وإن زيداً عالمٌ بأني كفء: اسم مجرور؛ لأن المقصود: كهذه الجملة، وهو مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وإذا أردنا أن نعرب هذا المثال على قطع صلته بالكاف قلنا: إن حرف توكيد ونصب ورفع ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وقد قلنا: ورفع؛ لأنه إما أن تقول: حرف توكيد ونصب (ورفع)، وإما أن تقول: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهذا أحسن. زيداً: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره. عالم: خبرها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. بأني: الباء حرف جر، وأن: ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والياء اسمها مبني على السكون في محل نصب. كفء: خبر أن مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، والجار والمجرور متعلق بعالم. إذاً: زيد عالم بأنه كفء، لكن المشكل ابنه، يقول: (ولكن ابنه ذو ضغن) أي: ذو حقد عليه، فالأب عالم وحاكم بأنه كفء، ولكن ابنه ذو ضغن، كأن رجلاً خطب من شخص ابنته، فأجاب الأب، فأجاب الأب؛ لأنه يعلم أن الخاطب كفء، ولكن الابن في قلبه حقد فأراد أن يفسد الموضوع، وأفسد على الأب رأيه ففسدت المسألة. يقول ابن مالك : (كإن زيداً عالم بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن) لكنَّ: إحدى أخوات إن، ونقول في إعرابها: لكنَّ: للاستدراك؛ لأنها استدراك على ما سبق، وهي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. وابنه: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن: مضاف، والهاء: مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. ذو: خبر لكن مرفوع بها وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وذو: مضاف، وضغن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة. وبهذا نكون قد عرفنا الحكم والمثال، فالحكم: أن (إنَّ) وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والمثال الأول: إن زيداً عالم بأني كفء، والمثال الثاني: ولكن ابنه ذو ضغن.

 

 

 

 

حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها

  

 

انتقل المؤلف إلى الترتيب بين اسم إن وخبرها، وقد عرفنا أنه لا يجب الترتيب بين اسم كان وخبرها، قال الله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96]، وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، لكن إنَّ وأخواتها يجب أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، ولهذا قال: [ وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي ] راع: فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهو مبني على حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والأصل (راعي). ذا الترتيب: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب، والترتيب: بدل من ذا. قوله: (إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي). ذكر مثالين: الأول: ليت فيها غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأن الخبر جار ومجرور. والثاني: ليت هنا غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأنه ظرف. إذاً: يجب في إن وأخواتها أن يتقدم الاسم على الخبر؛ إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراًَ فإنه يجوز أن يتقدم. فإن قال قائل: ما الفرق بين كان وإن؟ قلنا: لأن كان فعل، فهي أقوى في العمل من إن وأخواتها، وعمل الأفعال أقوى من عمل الحروف بلا شك، ولهذا إذا أُبعد اسم (إنَّ) عنها بطل عملها، فوجب أن يليها من أجل أن تقوى على العمل، بخلاف كان وأخواتها فإنها أفعال، والأفعال هي الأصل في الأعمال؛ فلهذا قويت على أن تعمل في اسمها ولو كان مؤخراً عنها. لكن الظرف والجار والمجرور أمره سهل وهو مرن، فاجعله في الأول أو في الآخر، كل ذلك جائز، فإذا كان الخبر ظرفاً أو جار ومجروراً فإنه يجوز أن يتقدم ولا يجب، فلك أن تقول: إن زيداً عندك، ولك أن تقول: إن عندك زيداً، وفي قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً [آل عمران:13] قدم الخبر لأنه جار ومجرور، وقوله: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا [المزمل:12] قدم الخبر لأنه ظرف. إذاً: يجب الترتيب بين اسم إن وخبرها؛ لقول ابن مالك : وراع ذا الترتيب، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه يجوز تقديمه. وهل يجوز أن يتقدم الخبر على الأداة؟ لا يجوز، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فلا يجوز: فيها إن زيداً، ولا: هنا إن زيداً؛ وذلك لأن العمل في الحروف ضعيف، فهي لا تقوى على أن تعمل فيما تقدمها. يقول الشاعر: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما وهذا قد يكون متشائماً وقد يكون متواضعاً، حسب القرائن؛ لأنه ربما يكون في مجلس من المجالس فيقال له: تقدم يا فلان في صدر المجلس، فيقول: لا أتقدم: كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما فهذا يكون متواضعاً، وقد يكون متشائماً، وهذا هو الظاهر، لكن الظاهر تغيره بحسب القرائن، لكن هل هذا البيت على إطلاقه في قوله: (ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما)؟ نقول: يستثنى الظرف والجار والمجرور. والمؤلف رحمه الله أتى بالمثال مستغنياً به عن الحكم، وهذا يعد من الاختصار، وهو من قدرة الرجل، فيأتي بالمثال ليؤخذ منه الحكم، لكن أكمل منه أن يؤتى بالحكم ثم يعقب بالمثال.

 

 

 

 

حكم تقديم خبر إن على اسمها في نحو إن في الدار صاحبها

  

 

ويجب تقديم خبر إنَّ على اسمها في نحو: إن في الدار صاحبها، وذلك لأن الضمير في (صاحبها) يعود على الدار، فلو قدم فقيل: إن صاحبها في الدار، لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز. وبيان ذلك: أن خبر إنَّ يتأخر عن اسمها، فهو متأخر رتبة، وهو متأخر أيضاً لفظاً؛ لأننا قدمنا (في الدار) فإذا قلنا: إن صاحبها في الدار، صار الخبر الذي هو (في الدار) متأخراً لفظاً ورتبة، فيكون الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز. وكذلك لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة. أما قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ [البقرة:124]، فالضمير عائد على متقدم لفظاً لا رتبة، فيجوز عود الضمير على متقدم لفظاً لا رتبة. وعليه فالقاعدة هي: أنه لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، إلا أنهم استثنوا بعض المسائل، مثل: ربه رجلاً وما أشبه ذلك.

 

 

 

 

فتح همزة إن وكسرها

  

 

 

 

مواضع فتح همزة إن

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهمز إنَّ افتح لسد مصدر مسدها وفي سوى ذاك اكسر فاكسر في الابتدا وفي بدء صله وحيث إن ليمين مكمله أو حكيت بالقول أو حلت محل حال كزرته وإني ذو أمل وكسروا من بعد فعل علقا باللام كاعلم إنه لذو تقى ] قوله: (وهمز إن افتح) همز: مفعول مقدم لـ (افتح). وقوله: (لسد مصدر): جار ومجرور متعلق بـ (افتح)، واللام للتعليل فهي بمعنى إذا. وقوله: (مسدها) مسد مصدر ميمي لـ(سد) المصدر الأول؛ ولهذا كان منصوباً. قوله: (وفي سوى ذاك اكسر)، (في سوى): متعلقة بـ (اكسر) وهي مضافة إلى (ذاك). يقول رحمه الله: افتح همز إنَّ إذا سد مسدها المصدر، أي: إذا حل محلها المصدر، وفيما عدا ذلك اكسرها. فإذا قال قائل: ما هو ضابط فتح همزة إنَّ؟ فالجواب: أن يحل محلها المصدر، أو أن يسد مسدها المصدر. مثاله: يعجبني أنك فاهم، إذا حولنا (أنك فاهم) إلى مصدر قلنا: يعجبني فهمك. كذلك: علمت أنك فاهم، إذا حولناها إلى مصدر قلنا: علمت فهمك، فالمثال الأول وقعت فاعلاً، والمثال الثاني وقعت مفعولاً به. كذلك: علمت بأنك فاهم، إذا حولناها إلى مصدر قلنا: علمت بفهمك. فصار هذا الضابط مطرداً، أي: كلما حل محلها المصدر، سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به أو مجروراً فإنها تكون مفتوحة، والذي في القرآن كله ينطبق على هذا، وكذلك في كلام العرب.

 

 

 

 

مواضع كسر همزة إن

  

 

قوله: (وفي سوى ذاك اكسر)، ذاك: المشار إليه هو قوله: (لسد مصدر مسدها). قوله: (فاكسر في الابتداء) هذا تفصيل بعد تعميم، أي: إذا وقعت في ابتداء الكلام -أي في صدر جملتها- فاكسرها، فتقول مثلاً: إني قائم، ولا يجوز أن تقول: أني قائم. فإن قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60] فهنا جملة (أنهم) لا صلة لها بما قبلها، فلماذا فتحت مع أنها في ابتداء جملتها؟ فالجواب: أن هذه على تقدير اللام، أي: لأنهم إلى ربهم راجعون؛ ولهذا نقول: إن هذه الجملة تعليلية، أي: سبب وجود وجل قلوبهم هو أنهم يؤمنون بأنهم راجعون إلى الله، ولا يدرون ماذا يلقون الله به؛ فلذلك تجدهم يعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم خائفة، أي: خائفة من أن يرد عليهم عملهم. إذاًَ: كلما وقعت إن في ابتداء الجملة فإنها تكسر، تقول: إن زيداً قائم، ولا يصح أن تقول: أن زيداً قائم؛ لأنها وقعت في الابتداء، هذا هو الموضع الأول. الموضع الثاني: قال: (وفي بدء صلة). أي: إذا وقعت (إن) في بدء الجملة التي تقع صلة للموصول فإنها تكسر، ووجه ذلك أنها واقعة في الحقيقة في ابتداء الجملة؛ لأن الجملة بعد الموصول تابعة له مستقلة. فهي تابعة بمعنى أنها هي التي تصله وتبين معناه، لكنها مستقلة؛ فلهذا تكسر، تقول: يعجبني الذي إنه فاهم، وقال الله تبارك وتعالى: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ [القصص:76]، ما: بمعنى الذي، أي: آتيناه الذي إن مفاتحه لتنوء بالعصبة. الموضع الثالث: قال: (وحيث إن ليمين مكملة). أي: إذا وقعت (إنَّ) جواباً لقسم؛ لأن الذي يكمل اليمين هو الجواب، فإذا وقعت إن جواباً للقسم وجب كسرها، قال الله تبارك وتعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ [التوبة:56] لكن هذه فيها اللام. وتقول: والله إن زيداً قائم، ولو قلت: والله أن زيداً قائم، لما صح كلامك. وتقول: حلفت بالله إن زيداً قائم، فكسرت لأنها جواب القسم، أي: المقسم عليه. الموضع الرابع: قال: (أو حكيت بالقول). أي: إذا كانت (إن) مقولاً للقول فإنها تكسر، مثل قوله تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30]. وتقول: قال فلان إن فلاناً فيه نوم، الشاهد: إن فلاناً فيه نوم؛ لأنها مقول القول. إذاً كلما وقعت (إنَّ) مقولاً للقول فإنها تكسر، فلا يصح أن يقال: قال فلانٌ أن فلاناً قائم، بلا يقال: قال فلان إن فلاناً قائم؛ لأنها مقول القول. الموضع الخامس: قال: (أو حلت محل حال). أي: إذا حلت (إنَّ) هي وجملتها محل حال فإنه يجب كسرها؛ لأن حقيقة الأمر حينئذ أنها وقعت في الابتداء. قال: (كزرته وإني ذو أمل)، زرته: فعل وفاعل، (وإني ذو أمل) حال من التاء في (زرته)، والجملة الواقعة حالاً هي جملة مبتدأة في الواقع كأنها مستقلة؛ ولهذا وجب فيها كسر إنَّ. إذاً: تكسر همزة إنَّ في خمسة مواضع: الأول: الابتداء. الثاني: بدء الصلة. الثالث: إذا كانت جواباً للقسم. الرابع: إذا حكيت بالقول. الخامس: إذا حلت محل حال. هذه مواضع خمسة تكسر فيها همزة إن، ولو قلت: الضابط في كسرها ألا يحل محلها المصدر؛ لأنه قال: (تفتح إذا حل محلها المصدر) لكان صحيحاً؛ لكن هذه المواضع عبارة عن تبيين لمجمل. وقد تكسر في غير هذه المواضع أيضاً، ما دام الضابط عندنا أنها إذا لم يحل محلها المصدر فهي مكسورة، فقد يوجد غير هذه المواضع في اللغة العربية، فالخمسة هذه من باب تفصيل المجمل.

 

 

 

 

كسر همزة إن إذا جاءت بعد فعل معلق باللام

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكسروا من بعد فعل علقا باللام كاعلم إنه لذو تقى ] قوله: (وكسروا) أي: العرب؛ لأن العرب هم الذين ينطقون ويحكمون على النطق بأنه مفتوح أو مكسور أو مضموم. قوله: (من بعد فعل علقا باللام)، مع أن الفعل إذا وقعت (إنَّ) مفعولاً له يجب فيها أن تفتح همزتها، فإذا علق الفعل باللام وجب كسر الهمزة؛ لأنه متى وجدت اللام في خبرها أو اسمها وجب كسرها بكل حال. مثاله: (اعلم إنه لذو تقى)، ولولا وجود اللام في قوله: (لذو) لوجب أن يقال: اعلم أنه ذو تقى، قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، لكن لما علق الفعل باللام كسرت الهمزة، قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]. والحاصل: أنه إذا وقعت إنَّ مفعولاً للفعل، ولكن علق عمل الفعل باللام وجب أن تكسر همزتها، ولولا اللام لوجب الفتح، فإن هذه اللام تمنع الفتح، كـ (اعلم إنه لذو تقى). ويمكن أن نجعل هذا موضعاً سادساً؛ وهو: أن تأتي بعد فعل معلق باللام، فيجب فيها الكسر. فإذا قال قائل: ما وجه وجوب الكسر مع أن الفعل مسلط عليها؟ قلنا: وجه وجوب الكسر أن اللام لا يتأتى معها فتح الهمزة، وإذا حولناها إلى مصدر فإننا نفقد التوكيد الذي دلت عليه اللام، فلهذا كسروها.

 

 

 

 

إعراب أبيات مواضع كسر همزة إن

  

 

قوله: (فاكسر في الابتداء وفي بدء صله)، في الابتداء: جار ومجرور متعلق باكسر. وفي بدء صلة: معطوفة بإعادة حرف الجر، وإن شئت فقل: بإعادة العامل، أي: واكسر في بدء صلة. وحيث: الواو حرف عطف، وحيث: ظرف مكان معطوف على قوله: في الابتداء، أي: واكسر حيث... وهو مضاف إلى (إن) مراداً بها اللفظ. ليمين مكملة: ليمين: متعلقة بمكملة، ومكملة: يجوز أن تكون منصوبة على أنها حال من إنَّ، ولا يصح أن تكون مجرورة، وقد ذكرت في الأول أن حيث مضافة إلى (إنَّ) باعتبار اللفظ، وهذا أحد القولين في النحو: أنه يجوز أن تضاف (حيث) إلى المفرد، ولكن المشهور أن (حيث) لا تضاف إلا إلى الجمل، وبناء على هذا المشهور نقول: إن: مبتدأ، ومكملة: خبره، ولكن غالب عبارات الفقهاء رحمهم الله إضافة حيث إلى ما بعدها، خلاف المشهور في اللغة العربية، وقد جاء ذلك في اللغة العربية، كما قال الشاعر: ألم تر حيث سهيلٍ طالعا نجماً يضيء كالشهاب لامعا فأضاف (حيث) إلى (سهيل)، فلذلك نقول: إن المشهور في إعراب الشطر الثاني: أن (حيث) معطوفة على قوله: في الابتداء، وأن (إنّ) مبتدأ، و(مكملة) خبر المبتدأ، و(ليمين) متعلقة بمكملة. قوله: (أو حكيت بالقول): حكي: فعل ماض مبني للمجهول، وبالقول: متعلق به. (أو حلت محل حال): هذه معطوفة على قوله: حكيت، أو على قوله: إن ليمين مكملة. والظاهر أنها معطوفة على قوله: إن ليمين مكملة، والمعنى: وحيث حكيت بالقول، أو حيث حلت محل حال. ومحل: يحتمل أن تكون ظرف مكان، أي: في محل، ويحتمل أن تكون مصدراً ميمياً، أي: حلت حلول حال، والمعنى لا يختلف على كلا التقديرين. وقوله: (كزرته وإني ذو أمل) الكاف حرف جر، و(زرته وإني ذو أمل): مجرور بالكاف، والتقدير: كهذا المثال، ولهذا دخلت الكاف على الجملة. قوله: (وكسروا من بعد فعل علق باللام). من بعد فعل: متعلق بكسروا، وكسروا: فعل وفاعل. وعلق: الجملة صفة لفعل؛ لأنه نكرة، والقاعدة عند المعربين: أن الجمل الواقعة بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال. باللام: متعلق بعلق. قوله: (كاعلم إنه لذو تقى) الكاف: حرف جر. واعلم إنه لذو تقى: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية. وأما قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39]، ففيها قراءتان: (إن الله) (وأن الله)، فأما على قراءة الفتح فهي على تقدير الباء، أي: نادته بأن الله، وأما على كسرها فعلى الأصل أنها مقول للقول.


 

شرح ألفية ابن مالك [25]

 

(إن) هي أم الباب في الحروف الناصبة للمبتدأ الرافعة للخبر، وقد تفتح همزتها وقد تكسر، وقد بين العلماء مواضع وجوب فتحها ووجوب كسرها وجواز ذلك.

 

مواضع جواز فتح همزة إن وكسرها

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده بوجهين نمي مع تلو فا الجزا وذا يطرد في نحو خير القول إني أحمد ] هذا قسم ثالث: وهو أنه يجوز في همزة إن الفتح والكسر، بمعنى: أنك إذا كسرت لا تغلط، وإذا فتحت لا تغلط، وقد ذكر المصنف في هذين البيتين مواضع جواز الفتح والكسر: الأول: إذا وقعت بعد إذا الفجائية فإنه يجوز فيها الكسر ويجوز فيها الفتح، وإذا الفجائية: هي الدالة على مفاجأة ما بعدها لما قبلها، أي: أن ما بعدها أتى مفاجأة، كقولك: (حضرت فإذا الأسد) أي: ففاجأني الأسد، فإذا جاءت إن بعد إذا الفجائية جاز فيها وجهان: الكسر على أنها جملة استئنافية، بمعنى: أنها جملة مستقلة لا علاقة لها بما سبق، والفتح على أنها جملة مصدرية تؤكد ما بعدها بمصدر. مثاله: قول الشاعر: وكنت أُرى زيداً كما قيل سيداً إذا أنه عبد القفا واللهازم أو: وكنت أَرى زيداً، يجوز فيها الوجهان. ومعنى البيت: كنت أرى زيداً سيداً كما قيل فيه -وعلى ضم همزة أُرى أي: أظنه- ولكن خاب ظني فيه إذا أنه عبد القفا واللهازم، أي: فاجأني الأمر فوجدت أن الرجل عبد القفا واللهازم. فهنا همزة (أنه) يجوز فيها وجهان: الفتح على أنها مؤولة بمصدر والخبر محذوف، أي: إذا عبوديته حاصلة؛ مثلاً. ويجوز الكسر على أنها جملة استئنافية، وحينئذ لا حاجة إلى التقدير؛ لأن الجملة الاستئنافية لا تؤول فيها (إن) بمصدر، فلا تحتاج إلى مبتدأ ولا إلى خبر، والجملة (إنه عبد القفا واللهازم) تامة، لا تحتاج إلى تقدير شيء محذوف. إذاً: نقول: إذا وقعت (إن) بعد إذا الفجائية فلك في همزتها وجهان: الأول: الفتح على أنها تسد مسد المصدر، ويجب في هذه الحال أن يقدر الخبر محذوفاً. والثاني: الكسر على أنها جملة مستأنفة، وحينئذ لا حاجة إلى تقدير خبر؛ لأن الجملة تامة. الثاني: قال: (أو قسم لا لام بعده). إذا وقعت في قسم ليس بعده لام فإنه يجوز فيها الوجهان، لكن هذا إذا ذكر فعل القسم، مثل: حلفت بالله إنك فاهم، فيجوز أن نقول: حلفت بالله أنك فاهم، وحلفت بالله إنك فاهم، فعلى الكسر تكون جملة استئنافية، وعلى الفتح تكون مؤولة بمصدر والخبر لابد أن يكون محذوفاً. أو نقول: لا حاجة للخبر؛ لأننا نقدرها مجرورة بحرف الجر المحذوف؛ لأن حرف الجر يطرد حذفه مع أنْ وأنَّ، قال الشاعر: أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبي فيجوز في (أن) الفتح ويجوز الكسر. فعلى الكسر نقول: إن الجملة مستأنفة، أي: تحلفي، إني أبو ذيالك الصبي. وعلى الفتح نقول: الجملة في موضع الاسم المفرد الذي حذف منه حرف الجر، والتقدير: أو تحلفي بربك العلي بأني أبو ذيالك الصبي؛ لأن حذف حرف الجر مع أنَّ وأنْ يطرد، كما ذكر ابن مالك في الألفية. إذاً: يجوز في (إن) إذا وقعت جواباً لقسم ذكر فيه الفعل وجهان: الوجه الأول: فتح الهمزة. والثاني: كسرها. فعلى الكسر تكون الجملة استئنافية، وعلى الفتح تكون الجملة في محل نصب بنزع الخافض، ويقدر الخافض مناسباً للمقام. فإن وجدت اللام في هذه الجملة تعين الكسر، مثل قوله تعالى: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ [التوبة:56]، فهنا يتعين الكسر لوجود اللام، وإذا وجدت اللام صار الفعل معلقاً بها، وقد سبق أن العرب يكسرون من بعد الفعل المعلق باللام. الموضع الثالث: قال: (مع تلو فا الجزا) أي: إذا وقعت أن بعد الفاء الرابطة للجواب فإنه يجوز فيها الوجهان: الكسر والفتح، فعلى الكسر تكون جملة استئنافية، وعلى الفتح تكون جملة مؤولة بمصدر ويكون الخبر محذوفاً، مثل قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ.. [الأنعام:54]، فهنا (أن) وقعت في جواب الشرط المقرون بالفاء، فيجوز في همزتها الفتح والكسر: (فأنه) و(فإنه). ونأتي بمثال من عندنا لنتمكن من التصرف فيه: إذا زارني زيدٌ فإنه صادق في المودة. يجوز: فأنه صادق، ويجوز: فإنه صادق، فعلى الفتح نقول: الفاء رابطة للجواب، وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر أي: فصدقه، والخبر على هذا محذوف والتقدير: فصدقه ثابت. أما إذا جعلناها مكسورة فنقول: الفاء رابطة للجواب، وإن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والهاء اسمها، وصادق خبرها، ولا نحتاج إلى تقدير. الموضع الرابع: قال: (وذا يطرد في نحو خير القول إني أحمد). ذا: المشار إليه جواز الفتح والكسر. والمعنى: أنه يجوز الوجهان أيضاً في نحو هذه الجملة: (خير القول إني أحمد)، فيجوز في همزة إن الفتح على أنها في تأويل مصدر، والخبر محذوف، أي: خير القول حمد الله. والكسر على أنها جملة استئنافية، أي: خير القول أن أقول: إني أحمد الله، فوجه الكسر أن جملة: إني أحمد الله، وقعت خبراً للمبتدأ، ولم تحتج إلى رابط؛ لأنها في معنى المبتدأ، وقد قال ابن مالك فيما سبق: وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى والقاعدة في هذا: إذا وقعت إن خبراً عن قول، وخبرها قول، وفاعل القولين واحد؛ جاز الوجهان. والكسر أشد توكيداً في كون الإنسان يحمد الله. قوله: (بعد إذا فجاءة أو قسم). بعد: ظرف متعلق بقوله: نمي، وبعد مضاف وإذا: مضاف إليه، وإذا مضاف وفجاءة: مضاف إليه. أو قسم: معطوف على إذا، والمعنى: أو بعد قسم. لا لام بعده: لا: نافية للجنس، ولام: اسمها، وبعده: الظرف متعلق بمحذوف خبر لا النافية للجنس، والجملة في موضع صفة لقسم. بوجهين: جار ومجرور متعلق بنمي. نمي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهذا أحسن من قولنا: للمجهول؛ لأنه قد يكون معلوماً، ولكن أخفاه المتكلم، ولهذا فعبارة الآجرومية جيدة، حيث قال: باب ما لم يسم فاعله. ونمي بمعنى: ذكر، أي: بعد إذا فجاءة أو قسم لا لام بعده ذكر بوجهين، أي: وجهين في همزة إن: الفتح والكسر. قوله: (مع تلو فا الجزاء): مع: ظرف، والظاهر أنها ساكنة من أجل استقامة البيت، أما إذا لم يكن هناك ضرورة فالفتح أكثر؛ لقول ابن مالك في الألفية: ومَعَ معْ فيها قليل... ... وهذا الظرف متعلق بمحذوف، والتقدير: وذلك مع تلو فاء الجزاء، أي: يجوز الوجهان مع إن التي تتلو فاء الجزاء. وقوله: (وذا يطرد)، ذا: مبتدأ، وهو اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع. يطرد: فعل مضارع، والجملة خبر ذا. وقوله: (في نحو خير القول)، في نحو: متعلق بـ (يطرد)، وهو مضاف و(خير القول إني أحمد)، الجملة كلها مضاف إليه، والتقدير: في نحو هذا المثال.

 

أحوال همزة إن إذا كانت جواباً للقسم

  

 

إذا ذكر الفعل ولم يقترن باللام جاز الوجهان: الكسر والفتح، تقول: حلفت إن زيداً قائم، وحلفت أن زيداً قائم، ويكون للفتح وجه؛ لأنه ذكر المتعلق، ويكون الموجب لفتح الهمزة محذوف وهو: على، حلفت على أن زيداً قائم. وإن اقترنت باللام وجب الكسر، فصار يجب الكسر بالقسم في موضعين: الأول: إذا لم يذكر فعل القسم، سواء ذكرت اللام أو لم تذكر. مثاله: والله إن زيداً قائم. الثاني: إذا ذكر فعل القسم وعلق باللام. مثاله: حلفت إن زيداً لقائم.

 

 

 

 

دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء نحو إني لوزر ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الأفعال ما كرضيا وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا ] قوله: (بعد ذات الكسر) بعد: ظرف متعلق بتصحب. والخبر في قوله: (تصحب الخبر): مفعول تصحب. لام ابتداء: فاعل تصحب، وتقدير الكلام: وتصحب الخبر لام ابتداء بعد ذات الكسر. وذات الكسر في هذه الحروف الستة هي (إن)، فظاهر كلام المؤلف أن الخمسة الأحرف الباقية لا تصحب خبرها لام الابتداء، وهي: أن، وليت، وكأن، ولكن، ولعل، فلا تصحب لام الابتداء إلا خبر إن المكسورة نحو: إني لوزر، أي: إني لقوي، فإن هنا مكسورة، والياء اسمها، ووزر خبرها، واللام للابتداء. فإذا قال القائل: لماذا نسميها لام ابتداء وهي متطرفة في الخبر؟ قلنا: لأن الأصل أن تقع في المبتدأ، أي: في أول الجملة، ولكنها تأخرت لوجود إن، وذلك أن (إنَّ) للتوكيد واللام للتوكيد، قالوا: فلا ينبغي أن يجمع بين مؤكدين في أول الكلام، ولهذا يسمونها: اللام المزحلقة؛ لأنها زحلقت من أول الكلام إلى آخره، فلا يجوز أن تقول: لإني ذو وزر، ولا يجوز أن تقول: إن لزيداً قائمٌ، ويجوز أن تقول: إن زيداً لقائم، فمواضع اللام إذاً ثلاثة: قبل إن، وبعدها وقبل الاسم، وبعد الاسم وقبل الخبر، والموضع الجائز هو الثالث، ولهذا قال: تصحب الخبر لام ابتداء نحو: إني لوزر. إذاً: لا تصحب لام الابتداء إلا خبر إنَّ المكسورة، فلا يجوز أن تقول: ليت زيداً لقائم، ولا: لعل زيداً لقائم، ولا: ما قام زيدٌ لكن عمراً لقائم، ولا كأن زيداً لأسد؛ لأن المؤلف خص الجواز بذات الكسر.

 

متى يمتنع دخول لام الابتداء على خبر إن

  

 

ثم قال: [ ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الأفعال ما كرضيا ] ذي: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم. ما: فاعل مؤخر، وهو اسم موصول. قد نفي: الجملة صلة الموصول. ومعنى ذلك: أن لام الابتداء التي تقع في خبر إن لا يليها ما نفي؛ لأن اللام للتوكيد، والنفي بخلاف ذلك، فلا يمكن أن يجمع بين الشيء ونقيضه أو ضده، فلا يصلح أن تقول: إن زيداً لما قام؛ لأنك حينئذٍ جمعت بين الإثبات والنفي، فلا يصح. وقال بعض النحويين: إنه يصح، ويكون هذا توكيداً للنفي لا توكيداً للإثبات. وقال بعضهم: إن الممنوع حرف النفي لا الاسم الدال على النفي، فيجوز: إن زيداً لغير فاهم، ولا يجوز: إن زيداً لما فهم؛ لأن (ما) مع اللام ظاهرة المنافاة، بخلاف (غير) وشبهها. لكن المشهور ما مشى عليه ابن مالك رحمه الله: أن كل ما دل على النفي فإنه لا يمكن أن يجتمع مع لام التوكيد. قوله: (ولا من الأفعال ما كرضيا)، أي: ولا يليها من الأفعال الذي مثل رضي. وقوله: (ما كرضي) يجوز أن نجعل الكاف هنا اسماً، ونقول: ما مثل رضي، وتكون في محل رفع والمبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول، أي: ما هو مثل رضي، ويجوز أن نجعلها حرف جر، ويكون المراد بقوله: (رضي) اللفظ، فتكون داخلة على الفعل باعتبار لفظه، ويكون الجار والمجرور خبراً لمبتدأ محذوف، أي: ما هو كرضي. وإذا نظرنا إلى (رضي) نجد أنه فعل، وأنه ماض، وأنه متصرف، وعليه نأخذ من هذا قاعدة: أن اللام لا تدخل على خبر إن إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً. فخرج بقولنا: (إذا كان فعلاً)، ما إذا كان اسماً وقد سبق. وخرج بقولنا: (ماضياً) ما إذا كان فعلاً مضارعاً، مثل: إن زيداً ليقوم، فهذا جائز. وخرج بقولنا: (متصرفاً) ما إذا كان غير متصرف، مثل: إن زيداً لعسى أن يفهم؛ لأن (عسى) هذه جامدة، فيجوز أن تقترن بها اللام. ثم قال: [ وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا ] قوله: (وقد يليها مع قد)، قد: للتقليل، والقاعدة: أن قد إذا دخلت على الماضي فهي للتحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتقليل، وقد يراد بها التحقيق، مثل قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور:64]، ومثل قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب:18]. ومعنى ذلك: أنه قد يلي هذه اللام الفعل الماضي المتصرف مع قد، وعلى هذا ففي قوله: (يليها) ضمير مستتر يعود على قوله: (ما كرضي). قوله: (كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا). كإن ذا: الكاف حرف جر. و(إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا): مجرور بالكاف باعتبار اللفظ. أما إعراب هذا المثال فنقول: إن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وذا: اسمها مبني على السكون في محل نصب؛ لأنه اسم إشارة. لقد: اللام للتوكيد، وقد: للتحقيق. سما: فعل ماض، وهو فعل ماض متصرف، لكن جاز دخول اللام عليه لأنه فصل بينه وبينها بقد، وفاعل سما مستتر جوازاً تقديره هو. على العدا: جار ومجرور متعلق بسما. مستحوذاً: حال من فاعل سما، والاستحواذ بمعنى السيطرة. والحاصل: أن ابن مالك رحمه الله يقول: إنه يمتنع دخول لام التوكيد على خبر إن إذا كان منفياً، هذا الأول. والثاني: إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً لم يقترن بقد؛ لأنه قال: إنه قد يليها مع قد.

 

 

 

 

دخول اللام على غير خبر إن المكسورة

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وتصحب الواسط معمول الخبر والفصل واسماً حل قبله الخبر ] قوله: (تصحب) الفاعل يعود على اللام. الواسط: مفعول به. معمول الخبر: صفة للواسط. والفصل: معطوف على الواسط. واسماً: كذلك معطوف عليه. حل: فعل ماض. قبله: قبل: ظرف متعلق بـ (حل)، وهو مضاف والهاء ضمير في محل جر مضاف إليه. الخبر: فاعل. ذكر المؤلف رحمه الله أن اللام بالإضافة إلى صحبتها للخبر تصحب ثلاثة أشياء: الأول: معمول الخبر إذا كان متوسطاً بين الاسم والخبر، مثل: إن زيداً لطعامك آكلٌ. إن زيداً: إن واسمها. لطعامك: اللام للتوكيد، وطعام: مفعول مقدم لآكل الذي هو الخبر، وهو مضاف إلى الكاف. آكل: خبر إن مرفوع بها، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره. هذا هو الواسط معمول الخبر. الثاني: وتصحب الفصل، ويريد بالفصل ما يعرف بضمير الفصل عند البصريين، أو بالعماد عند الكوفيين. وضمير الفصل اختلف النحويون: هل هو اسم أو حرف أو كلمة زائدة؟ والصحيح أنه حرف جاء على صورة الضمير، وليس باسم. واختلفوا أيضاً: هل له محل من الإعراب أم لا؟ والصحيح أنه لا محل له من الإعراب، كما في قوله تعالى: لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الشعراء:40]، فلو كان له محل من الإعراب لقال: (هم الغالبون) فدل هذا على أن الواو اسم (كان)، و(الغالبين) خبرها. ولضمير الفصل ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: التوكيد؛ لأنه يؤكد الجملة، فإذا قلت مثلاً: زيدٌ هو الفاضل، فهو أوكد من قولك: زيدٌ فاضل. الفائدة الثانية: الحصر؛ بأن يكون هذا الحكم خاصاً بالمحكوم عليه، فأنت إذا قلت: زيد هو الفاضل، أي: لا غيره. الفائدة الثالثة: التمييز بين الصفة والخبر، وهذا هو سبب تسميته فصلاً؛ لأنه يفصل بين الخبر والصفة، ويظهر هذا في المثال، فإذا قلت: زيد الفاضل، فإن الفاضل هنا يحتمل أن تكون صفة، وننتظر الخبر، فيلزم أن تقول: زيدٌ الفاضل موجود، فإذا قلت: زيد هو الفاضل، تعين أن يكون الفاضل خبراً. فإذا وجد ضمير الفصل بين اسم إنَّ وخبرها فإن اللام تدخل عليه، تقول: إن زيداً لهو الفاضل، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران:62]، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل:16].. والأمثلة في ذلك كثيرة. الثالث: قال: (واسماً حل قبله الخبر)، أي: وتصحب هذه اللام الاسم إذا حل قبله الخبر، ومن لازم حلول الخبر قبله أن يكون متأخراً، فكأنه قال: والاسم إذا تأخر عن الخبر فإن اللام تقترن به، قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً [آل عمران:13] .. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى [الزمر:21]، والأمثلة على هذا كثيرة. إذاً: لام التوكيد تصحب أموراً أربعة: الخبر، ومعموله المتوسط، وضمير الفصل، والاسم المتأخر، لكن لا تصحب الخبر إلا بشروط: الأول: أن يكون مثبتاً؛ لقوله: (ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا). الثاني: ألا يكون فعلاً ماضياً متصرفاً، غير مقترن بقد، لقوله: (ولا من الأفعال ما كرضيا.. وقد يليها مع قد).

 

 

 

 

دخول ما الكافة على إن وأخواتها

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ووصل ما بذي الحروف مبطل إعمالها وقد يبقى العمل وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إن بعد أن تستكملا وألحقت بإن لكن وأن من دون ليت ولعل وكأن ] لما بين المؤلف رحمه الله ما يتعلق بإن وأخواتها من العمل وهو نصب المبتدأ ورفع الخبر، ذكر أن هناك موانع تمنع من عمل إن وأخواتها، فقال: (ووصل ما بذي الحروف مبطل إعمالها وقد يبقى العمل). قوله: (وصل) مبتدأ، وهو مضاف إلى (ما). بذي الحروف: متعلق بوصل. مبطل: خبر وصل. إعمالها: يجوز فيه وجهان: النصب على تقدير أن (مبطل) منون، والجر على تقدير أنها مضافة. غير منونة، فتقول على الوجه الأول: مبطلٌ إعمالهَا، وعلى الوجه الثاني: مبطلُ إعمالهِا، ولكن الوجه الأول أولى، أي: أن تكون منصوبة ليكون اسم الفاعل بمنزلة الفعل، وكأنه قال: وصل ما بذي الحروف يبطل إعمالها. قوله: (وقد يبقى العمل) قد: للتقليل. يبقى: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله. العمل: نائب فاعل. يقول رحمه الله: إن وصل (ما) -وهي حرف- بهذه الحروف يبطل عملها. وقد قلت: (وهي حرف) احترازاً من (ما) الموصولة، فإن (ما) الموصولة لا تبطل عملها؛ لأن (ما) الموصولة تكون هي الاسم، مثل قوله تعالى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134] ، فما هنا لم تبطل عمل إن؛ لأنها اسم موصول بمعنى الذي، أي: إن الذي توعدونه لآت. مثال ذلك: تقول: إن زيداً قائم، فهي الآن عاملة، فإذا أدخلت عليها (ما) قلت: إنما زيدٌ قائم، فيجب أن تهملها، وأن يكون (زيد) بعد النصب مرفوعاً، وهنا هل يختلف المعنى فيما إذا اتصلت (ما) التي أبطلت العمل، كما اختلف الإعراب؟ الجواب: نعم يختلف، فإذا قلت: إن زيداً قائم، لا يمنع أن يكون غيره قائماً أيضاً، لكن إذا قلت: إنما زيدٌ قائم، فقد حصرت زيداً في القيام فلم يقم غيره؛ لإن (إنما) أداة حصر، لكن هذا لا يتعين إلا إذا قلت: إنما زيدٌ القائم، فهنا يتعين انحصار القيام بزيد. وتقول: علمت أن زيداً قائمٌ، فإذا قلت: علمت أنما زيدٌ قائم، أبطلت عملها. وتقول: كأن زيداً فاهمٌ ، فإذا قلت: كأنما زيدٌ فاهم، أبطلت عملها. وتقول: ليت الطالبَ حريص، فإذا قلت: ليتما الطالبُ حريصٌ أبطلت عملها. وتسمى (ما) كافة؛ لأنها كفت هذه الحروف عن العمل. والعلة في ذلك: أنه لا يمكن أن تسلط إن وأخواتها على ما بعد (ما) إذا اتصلت بها، ولهذا تسمى (ما) كافة. قوله: (وقد يبقى العمل). قد: للتقليل، أي: قد تدخل (ما) على هذه الحروف ويبقى عملها، لكنه قليل كما أشار إليه ابن مالك رحمه الله، وظاهر كلامه أنه قليل في جميع هذه الأدوات؛ لأنه قال: (بذي الحروف)، ثم قال: (وقد يبقى العمل)، فيكون بقاء العمل بعد دخول (ما) على هذه الحروف قليلاً في كل هذه الأدوات، لكن النحويين يقولون: إنه لم يسمع إلا في (ليت). أي: لم يسمع أن العمل يبقى مع (ما) إلا في ليت لا في غيرها، وعلى هذا فيكون التقليل في كلام ابن مالك باعتبار الأدوات لا باعتبار العمل، وأنت إذا نسبت (ليت) إلى هذه الأدوات صارت قليلة؛ لأنها واحد من ستة، فيكون التقليل في قوله: (قد يبقى العمل) باعتبار أعيان هذه الأدوات لا باعتبار العمل ووروده، وقد قلنا ذلك من أجل أن يوافق كلام غيره من النحويين رحمهم الله. مثال ذلك في ليت: إذا أعملناها قلنا: ليتما زيداً قائمٌ، وإذا أهملناها قلنا: ليتما زيد قائم، فيجوز الوجهان، وقد روي بالوجهين قول الشاعر: قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد (فقد) بمعنى: فقط. فقد روي: قالت ألا ليتما هذا الحمامَ لنا، وروي: قالت ألا ليتما هذا الحمامُ لنا، فأعملت (ليتما) على الرواية الأولى، وأهملت على الرواية الثانية. والقائلة هي زرقاء اليمامة ، يقولون: إنها امرأة كانت ذات بصر قوي جداً، فقد كانت ترى مسافة ثلاثة أيام على الراحلة، وذات يوم مر بها فريق من الحمام، فأدركت عدده، وقالت: إن عدده ست وستون حمامة، ومعلوم أن عدد ست وستين حمامة سوف يمضي الحمام بعيداً قبل تمام هذا العدد، ومع ذلك أدركته. قالوا: إن هذا الحمام ورد على ماء فيه شباك، فصيد بهذا الماء، وحسب فوجدوه كما قالت، وفي هذا يقول الشاعر: واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد فحسبوه فألفوه كما ذكرت تسعاً وتسعين لم تنقص ولم تزد وفي ذلك تقول زرقاء اليمامة : ليت الحمام ليه إلى حمامتيه ونصفه قديه تم الحمام ميه قولها: (قديه) أي: فقط، (تم الحمام ميه) أي: إذا أضيف إلى حمامتها، وهو ست وستون، ونصفه ثلاث وثلاثون، فإذا أضفنا ثلاثاً وثلاثين إلى ست وستين يصير المجموع تسعاً وتسعين، مع حمامتها يكون مائة، فالله أعلم. الشاهد من هذا: أن ليت إذا اتصلت بها ما الكافة فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال.

  


 

شرح ألفية ابن مالك [26]

 

إن وأخواتها حروف تنصب المبتدأ وترفع الخبر، فإذا عطف عليها فللمعطوف أحكام، وقد تخفف بعض هذه الحروف فتختلف فيها بعض الأحكام.

 

حكم العطف على إن وأخواتها

  

 

 

 

جواز رفع المعطوف على إن واسمها وخبرها

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وجائز رفعك معطوفاً على منصوب إن بعد أن تستكملا ] قوله: [وجائز رفعك]. جائز: خبر مقدم. رفعك: مبتدأ مؤخر. هذا الإعراب هو الصحيح؛ لأنه يشترط في استغناء اسم الفاعل بمرفوعه أن يعتمد على استفهام أو نفي، لكن يجوز على ضعف أن يكون (جائز) مبتدأ و(رفع) خبراً؛ لقول ابن مالك في الألفية: (وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد) قوله: (معطوفاً): مفعول به، والعامل هو المصدر في قوله (رفعك). على منصوب إن: متعلق بـ (معطوفاً). بعد أن تستكملا: متعلق بـ (رفع) أي: يجوز رفع المعطوف على منصوب (إن) إذا استكملت الاسم والخبر. يقول رحمه الله: (وجائز رفعك) أي: جائز لغة إذا عطفت على إنَّ واسمها وخبرها أن ترفع المعطوف. وقوله: (جائز رفعك) يدل على أن الأصل فيه المنع، وكلمة (جائز) لا تعني أنه الأولى، بل الأولى هو النصب. مثال ذلك: إن زيداً قائمٌ وعمرو، يجوز في (عمرو) وجهان: الوجه الأول: النصب (وعمراً)، والوجه الثاني: الرفع (وعمرو)، فعلى النصب يكون معطوفاً على اسم إنَّ، والمعطوف على المنصوب منصوب، ولا إشكال في ذلك. وعلى الرفع قيل: إنه معطوف على إنَّ واسمها؛ لأن محلهما المبتدأ. وقيل: إنه معطوف على محل اسم إنَّ؛ لأن محله في الأصل الرفع؛ لأن أصله مبتدأ. وقيل: إنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: وعمرو قائم، فيكون العطف هنا عطف جملة على جملة. وقوله: (بعد أن تستكملا) يفهم منه أنك إذا عطفت على منصوب إنَّ قبل الاستكمال فإن الرفع لا يجوز، مثاله: إن زيداً وعمراً في المسجد، فلا يجوز أن تقول: إن زيداً وعمرو في المسجد؛ لأنها لم تستكمل معموليها، فيجب أن تقول: (وعمراً) معطوف على اسم إنَّ وهو زيد، والمعطوف على المنصوب منصوب. وتقول: إن زيداً وعمراً قائمان، ولا تقل: إن زيداً وعمرو قائمان؛ وذلك لأنها لم تستكمل معموليها. فأفادنا المؤلف رحمه الله في هذا البيت أن من خصائص (إنِّ): أنه يجوز إذا عطفت على اسمها بعد استكمال معموليها أن تجعل المعطوف مرفوعاً أو منصوباً.

 

 

 

 

حكم المعطوف على أخوات إن

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وألحقت بإنَّ لكنّ وأنّ من دون ليتَ ولعلّ وكأنّ ] قوله: (وألحقت) ألحق: فعل ماضٍ منبي لما لم يسم فاعله، والذي ألحق (لكنَّ وأنّ) هم العرب، فإن العرب هم الذين يعتمد عليهم. بإن: جار ومجرور متعلق بألحقت. لكنَّ: نائب فاعل، وهو حرف، ولكنه صار نائباً للفاعل لأن المقصود لفظه. وأنّ: معطوفة على (لكنَّ). (من دون ليت ولعل وكأن) أي: سوى (ليت ولعل وكأن)، فقوله (من دوه) بمعنى الاستثناء، فليت ولعل وكأن لا تلحق بإن في جواز الرفع، بل يجب النصب. مثال (أن): علمت أن زيداً قائمٌ وعمراً، ولك أن تقول: علمت أن زيداً قائمٌ وعمرٌو برفع (عمرو). مثال (لكن): لكن عمراً قائم وبكراً، ولك أن تقول: لكن عمراً قائمٌ وبكرٌ برفع (بكر). إذاً: يجوز في المعطوف على اسم إنّ وأنّ ولكنَّ وخبرها الوجهان: الرفع والنصب، فصارت هذه الأدوات الست تنقسم إلى قسمين في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد استكمال الخبر: ثلاث منها يجوز فيها الرفع والنصب، وهي: إنَّ وأنَّ ولكنَّ. وثلاث منها لا يجوز، وهي: ليت ولعل وكأنَّ. ووجه عدم جواز رفع المعطوف على اسم هذه الثلاث وخبرها: أنه يختلف المعنى اختلافاً عظيماً، فمثلاً: ليت زيداً قائمٌ وعمرٌو، فعندما رفعنا (عمرو) جعلناه مبتدأ، وحينئذ لم يبق فيه معنى التمني، أي: تمني أنه قائم؛ لأنك إذا جعلته مبتدأ قطعته عما سبق، فلا يدخله التمني. كذلك نقول في لعل: لعل زيداً قائمٌ وعمرٌو، بالرفع: إنه لا يصح؛ لأنك لو فعلت هكذا لم يتبين لنا أنه داخل في الرجاء الذي تعلق بزيد. وكذلك: كأن زيداً أسدٌ وعمرٌو، لا يستقيم؛ لأننا لا ندري هل المراد: كأن زيداً أسد وعمرو قطٌّ، أم وعمرو أسد. إذاً: يجب أن نقول: ليت زيداً قائمٌ وعمراً، وكأن زيداً أسدٌ وعمراً، ولعل زيداً ناجح وعمراً، بنصب (عمرو) لا برفعها. أما قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا [المائدة:69]، فقالوا: إنه يتعين أن يكون الخبر محذوفاً بعد قوله: (( وَالصَّابِئُونَ ))، والتقدير: والصابئون كذلك، أو والصابئون من آمن منهم بالله واليوم الآخر، ويكون (كذلك) مقدراً بعد قوله: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى )). ويمكن أن يحمل على ظاهره ونقول: إن الرفع هنا بناء على العطف على محل إنَّ واسمها، وجملة (( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )) -وهي جملة شرطية- خبر إنَّ. قال محمد محيي الدين عبد الحميد في تعلقيه على شرح ابن عقيل : (وقد ورد في القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذين البيتين: الأولى: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة:69] ، والثانية: قراءة بعضهم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ [الأحزاب:56] برفع (ملائكته). وقد اختلف النجاة في تخريج ذلك: فذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إنَّ باعتباره مبتدأً قبل دخول إنَّ. وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبره المذكور فيما بعد، وخبر إنَّ هو المحذوف، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها. وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إنَّ وخبرها، وهو حسن؛ لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه؛ لأن خبر إنَّ متأخر في اللفظ أو في التقدير على جملة المبتدأ والخبر، وخبر إنَّ جزء من الجملة المعطوف عليها. وكل هذا للدلالة على القواعد، نحن نقول: (الصابئون) معطوفة على محل اسم إنَّ، أو على محل إنَّ واسمها؛ لأن أصلهما الرفع، أما أن نقول: (وَالصَّابِئُونَ ) خبرها: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، وخبر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) محذوف، فهذا يعني أننا حذفنا شيئاً قبل أن نعرف تقديره، وإذا جلعنا (من آمن بالله واليوم الآخر) خبراً لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) وخبر (وَالصَّابِئُونَ) محذوف، فإن الكلام يكون ركيكاً؛ لأن تقدير الكلام سيكون حينئذ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) من آمن بالله واليوم الآخر)، وهذا كلام ركيك ينزه عنه القرآن، لكن إذا قلنا: (وَالصَّابِئُونَ) معطوفة على محل اسم إنَّ، زال الإشكال، وهذا ما فعله الكسائي إمام أهل الكوفة. وقد قلنا: إن طريقنا فيما يختلف فيه النحويون أن نتبع الأسهل.

 

 

 

 

إعمال إن المخففة وإهمالها

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وخففت إنّ فقل العملُ وتلزم اللام إذا ما تهمل وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا ] قوله: (وخففت): خفف: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفعل مبني لما لم يسم فاعله. إنَّ: نائب فاعل باعتبار لفظها. فقل العمل: الفاء عاطفة وهي مفرعة على ما سبق، أو سببية. العمل: (أل) للعهد الذهني، أي: فقل عملها، فأل هنا نائبة مناب الضمير، والعمل: فاعل. وتلزم اللام: اللام هنا يحتمل أن تكون (أل) التي للجنس، ويحتمل أن تكون للعهد، فإن قلنا: إنها للعهد، فاللام هنا لام الابتداء التي تدخل على خبر إنَّ، وإن قلنا: إنها للجنس، فاللام هنا لام جديدة استجلبت للفرق بين إنْ النافية وإنْ المخففة، وعلى كل حال فاللام فاعل. إذا: شرطية. ما: زائدة. تهمل: فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر يعود على إن. وقد قلنا: إن (ما) زائدة؛ لأنها وقعت بعد إذا، وقد قيل: يا طالباً خذ فائدة بعد إذا ما زائدة يقول رحمه الله: (وخففت إن) الذي خففها هم العرب لا النحويون؛ لأن النحويين لا يمكن أن يتصرفوا في اللغة العربية، بل يحللون اللغة العربية ولكن لا يتصرفون فيها، فالمخفف هم العرب. (فقل العمل) أي: قل عملها، أي: وكثر إهمالها، فإذا قلَّ العمل كثر الإهمال، فنستفيد من ذلك: أنه إذا خففت (إنَّ) جاز فيها وجهان: الإعمال وهو الأقل، والإهمال وهو الأكثر. فإن أعملت فالأمر ظاهر، تقول: إنْ زيداً قائمٌ، كقولك: إنَّ زيداً قائمٌ، وفي الإهمال تقول: إنْ زيدٌ قائمٌ. يقول المؤلف: (وتلزم اللام إذا ما تهمل) فيجب أن تقول: إنْ زيدٌ لقائم، أما إذا أعملت فلا تلزم؛ وذلك لأن لزوم اللام من أجل الفرق بينها وبين (إنْ) النافية، فإذا أعملت زال اللبس. فإذا قلت مثلاً: إن زيدٌ قائمٌ، لم يدر هل المقصود إثبات قيامه أو نفيه، لكن إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، أُثبِتَ القيام وزال الإشكال. ففي المثال الأول يجب أن تأتي باللام فتقول: إن زيد لقائمٌ، لأجل أن تفرق بين (إنْ) النافية و(إنْ) المخففة، ووجه ذلك: أن النافية لا تأتي معها اللام؛ لأن اللام للتوكيد، و(إنْ) النافية للنفي، فلا يمكن أن تأتي اللام المؤكدة مع النفي. إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أن (إنَّ) إذا خففت جاز إعمالها وإهمالها؛ لأنه قال: (فقلَّ العمل)، وأفادنا في الشطر الثاني: أنها إذا أهملت وجب اقتران خبرها باللام، وتسمى: اللام الفارقة؛ لأنها تفرق بين (إنْ) النافية و(إنْ) المخففة. ثم هل اللام الفارقة هي لام الابتداء أم لام فارقة جديدة؟ خلاف لا يهمنا؛ لأن هذا الخلاف ليس تحته شيء. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمداً ] قوله: (ربما) يحتمل أن تكون للتكثير، ويحتمل أن تكون للتقليل. استغني عنها: أي: عن اللام، واستغني: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. عنها: جار ومجرور في محل نائب الفاعل. إن بدا: إن: شرطية، وبدا: فعل الشرط بمعنى: ظهر. ما: فاعل بدا. ناطق: مبتدأ. أراده: الجملة خبر المبتدأ. معتمداً: حال من فاعل أراده، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول. والمعنى: ربما استغني عن اللام فلم تأت مع الإهمال إذا اتضح المعنى؛ لكن بأي شيء يتضح المعنى؟ يتضح المعنى بالقرينة، مثال ذلك قول الشاعر: ونحن أباة الضيم من آل مالك وإنْ مالك كانت كرام المعادن (أباة) جمع أبيّ، وهو الممتنع، يعني: أنا من الممتنعين الذين لا يرضون بالضيم. الشاهد: قوله: (وإنْ مالك كانت كرام المعادن)، (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة، وهي مهملة، وليس في خبرها اللام، فكيف لم يأت في خبرها اللام مع أنها مهملة؟ نقول: لأن المعنى واضح، ولو جعلنا (إنْ) بمعنى (ما) النافية، لكان هناك تناقض بين أول الكلام وآخره، ففي البداية يفتخر بأنه من آل مالك، ثم يقول: وما مالك كانت كرام المعادن! فلا يمكن هذا؛ إذ كيف يفتخر بأنه من آل مالك ثم يقدح في مالك، ويقول: إنها ليست كريمة المعادن؟! إذاً: يتعين أنَّ (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة. ولو قال قائل: إنْ موسى فاهم، فنقول: هذا لا يجوز، حتى ولو أعملت؛ لأن الفتحة لا تظهر على موسى، فيكون قول ابن مالك : (إذا ما تهمل) مقيداً بما إذا كانت تظهر علامة الإعراب على الاسم، أما إذا كانت لا تظهر فإنه لا يتبين، حتى ولو أعملت لا يتبين، فلابد حينئذٍ من اللام. وكذلك أيضاً إذا كان اسمها مثنى ولزمنا فيه لغة من يلزمه الألف مطلقاً، فهذا لا بد من اللام لعدم الاتضاح. وكذلك إذا كان الاسم مبنياً فلا بد من اللام. والحقيقة أن هذه الصور وإن كان الذي يبدو للإنسان أن ابن مالك لم يذكرها لكنه ذكرها بقوله: [ وربما استغني عنها إن بدا ما ناطق أراده معتمدا ]. ومعلوم أن ما لا تظهر عليه الحركات لا يدرى ما أراده الناطق، وكذلك إذا كان مبنياً، وكذلك إذا كان إعرابه لا يختلف فيه المرفوع والمنصوب، فلابد أن يقترن الخبر باللام حتى يتضح المعنى، إلا إذا وجدت قرينة كافية. والخلاصة: أن العرب يخففون إنَّ التي للتوكيد، وحينئذٍ يجوز إعمالها وإهمالها، والأكثر الإهمال، وإذا أهملت فيجب اقتران خبرها باللام ما لم يظهر المعنى، فإن ظهر المعنى بقرينة حالية أو لفظية جاز حذف اللام، والقرينة الحالية المعنوية كقول القائل: نحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن والقرينة اللفظية يمكن أن نمثل لها بقولنا: إنْ موسى قائم وعمراً، فهذه قرينة لفظية، وكذلك قول الشاعر: إنِ الحق لا يخفى على ذي بصيرة. فـ(إنْ) هنا مخففة ولابد؛ لأنه لا يصح أن نقول: ما الحق لا يخفى على ذي بصيرة؛ لأن (لا) نافية و(ما) نافية، ولا يجتمع نافيان على حكم واحد للتضاد، ولهذا يعتبر العلماء هذه قرينة لفظية، بخلاف ما إذا قلت: إنِ الحق؛ لأن (إنْ) المخففة من الثقيلة للإثبات، والمعنى: إنَّ الحق لا يخفى على ذي بصيرة.

 

دخول إن المخففة على الفعل

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والفعل إن لم يك ناسخاً فلا تلفيه غالباً بإن ذي موصلا ] من المعلوم أن إنّ وأخواتها ست أدوات، منها المشدد ومنها المخفف، فالمشدد: إنَّ، وأنَّ، ولعلَّ، ولكنَّ، وكأنَّ، والمخفف ليتَ فقط. وقد تكلمنا فيما سبق على حكم (إنَّ) إذا خففت إلى (إنْ)، والآن سيتكلم المؤلف على باقي الحروف التي تخفف. قوله: (والفعل إن لم يك ناسخاً فلا). الفعل: مبتدأ وخبره جملة الشرط: (إن لم يك ناسخاً فلا تلفيه غالباً بإن ذي موصلاً). إن: شرطية. لم: حرف جزم. يك: فعل مضارع مجزوم بلم؛ لأنها المباشرة، والجلمة في محل جزم فعل الشرط. ناسخاً: خبر يكن. فلا تلفيه غالباً: أي: لا تجده غالباً، ومعلوم أن (لا): نافية. تلفيه: تلفي: فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره أنت، والهاء مفعول أول. غالباً: منصوب بنزع الخافض، أي: في الغالب. بإن ذي: المشار إليه هي (إنْ) المخففة، والباء: حرف جر، وإن مجرور بالباء باعتبار اللفظ. وذي: صفة لإن، والجار والمجرور متعلق بموصلاً. موصلاً: مفعول ثان لـ(تلفي)، أي: فلا تلفيه موصلاً في الغالب. معلوم أنّ َ(إنْ) المخففة إذا كانت داخلة على جملة اسمية فقد سبق الكلام أنها تعمل وتهمل، والإهمال أكثر، وأنه إذا أهملت ولم يتضح المعنى وجب اقتران خبرها باللام، والجملة الفعلية هل تتصل بإنْ المخففة؟ فصل المؤلف رحمه الله تعالى، والحاصل: أن (إنْ) لا يليها الفعل إلا إذا كان ناسخاً، مثل: كاد، وكان، ووجد، وما أشبهها، قال الله تبارك وتعالى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ [الإسراء:76]، الفعل الناسخ (كاد). وقال تعالى: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]. و(كان) فعل ناسخ. وقال تعالى: وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ [الأعراف:102]، (وجد) فعل ناسخ. وغير الناسخ لا يلي (إنْ) في الغالب، وقد يليها في غير الغالب، ومنه قول الشاعر: شلت يمينك إنْ قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمد والمعنى: شلت يمينك إنك قتلت مسلماً، وهذا قليل، والأكثر ألا يليها إلا فعل ناسخ. ويخفف دخولها على الفعل غير الناسخ -كما في هذا البيت- وجود اللام: (إن قتلت لمسلماً)؛ لأنه لو قال: إن قتلت مسلماً؛ لأوهم أن تكون (إنْ) نافية أو شرطية، لكن إذا قال: إن قتلت لمسلماً، فيتعين أن تكون (إنْ) هنا مخففة من الثقيلة. ونقول في إعرابها: إنْ: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، والتقدير: إنْه. قتلت: فعل وفاعل، والجملة خبر (إنْ). لمسلماً: اللام فارقة، مسلماً: مفعول لقتلت. ومثاله أيضاً: إنْ يزينك لنفسك، وإنْ يشينك لهيه، فإنْ هنا مخففة، والدليل دخول اللام، والفعل هنا غير ناسخ.

 

 

 

 

الكلام على أن المخففة من الثقيلة

  

 

 

 

حذف اسم أن المخففة

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تخفف أنّ فاسمها استكنّ والخبرَ اجعل جملة من بعد أنْ] هذا هو الحرف الثاني مما يخفف من هذه الحروف الستة. قوله: (إن تخفف) إنْ: شرطية، تخفف: فعل الشرط، وهو مبني لما لم يسم فاعله. أنّ: نائب فاعل، وهو حرف لكن المقصود اللفظ. فاسمها: الفاء رابطة للجواب، واسم: مبتدأ، وهو مضاف إلى الهاء. استكن: بمعنى: اختفى، وهو فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، والجملة من اسمها وخبرها في محل جزم جواب الشرط. قوله: (والخبر اجعل جملة من بعد أن): الخبر: مفعول أول مقدم لـ (اجعل)، وفاعل (اجعل) مستتر وجوباً تقديره أنت. جملة: مفعول ثان، أي: اجعل الخبر جملة من بعد أن. ومعنى البيت: أن (أنّ) تخفف، والمخفف لها هم العرب، وفي حال التخفيف يقول: (اسمها استكن)، وهذه عبارة فيها تساهل؛ لأن ظاهرها أن الاسم مستتر في أنَّ، وهذا غلط؛ لأن (أنَّ) حرف لا تتحمل الضمير، هذا من وجه، ومن وجه آخر: أن اسم (أنَّ) منصوب ولا يوجد ضمير مستتر وهو منصوب في الدنيا كلها، إنما الذي يستتر هو الضمير المرفوع، وذلك لقوة اتصاله، فصار في كلامه رحمه الله نظر من وجهين: الوجه الأول: أنه لا استتار في الحرف. والثاني: لا استتار لضمير منصوب، إنما الاستتار للضمير المرفوع، أما المنصوب فيحذف. وحينئذ نقول: مراد ابن مالك رحمه الله بقوله: (استكن) أي: حذف، وجعله مستكناً لأنه محذوف لم يظهر فكأنه مستتر، وإلا فإننا نعلم -والعلم عند الله- أن ابن مالك لا يخفى عليه أن الحروف ليست محلاً لاستتار الضمائر فيها، ونعلم أيضاً أنه يعلم أن الذي يستتر إنما هو ضمير الرفع. إذاً: ما الذي أوجب لـابن مالك أن يعبر بكلمة (استكن) مع هذا الاحتمال؟ نقول: ضرورة الشعر، و الحريري رحمه الله وصف الشعر بأنه صلف فقال: وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف وهذا صحيح، حتى إن بعض العلماء يقول: يجوز في ضرورة الشعر أن يرفع المنصوب وينصب المرفوع، وكذلك ينصب المجرور ويرفع. قوله: (والخبر اجعل جملة) لما بين أن اسم (أنّ) إن خففت يحذف، فماذا يكون حكم خبرها؟ قال: والخبر يكون جملة، فلا يكون مفرداً أبداً، لكن قد يكون خبرها مفرداً إذا لم يحذف اسمها، ومنه قول الشاعر: لقد علم الضيف والمرملون إذا اغبر أفق وهبت شمالا بأَنْك ربيع وغيث مريع وأنْك هناك تكون الثمالا ففي هذين البيتين خفف (أنّ) وجاء بها مرتين مع اسمها، وخبرها في المرة الأولى مفرد، وهو قوله: (ربيع)، وخبرها في المرة ا لثانية جملة، وهو قوله: (تكون الثمالا). إذاً: تخفف أنّ، والمخفف لها هم العرب، وإذا خففت وجب حذف اسمها، ولا يذكر إلا نادراً، ويجب أن يكون خبرها جملة، ولا يكون مفرداً إلا قليلاً، ولاسيما إذا ذكر الاسم؛ لأنه إذا ذكر الاسم صارت تشبه المشددة في أنه يكون لها خبر مفرد.

 

 

 

 

الفصل بين أن المخففة وخبرها

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا ولم يكن تصريفه ممتنعا فالأحسن الفصل بقد أو نفيٍ او تنفيسٍ او لو وقيل ذكر لو ] قوله: (وإن يكن فعلاً ولم يكن دعا): (وإن يكن) أي: الخبر. (فعلاً) خبر يكن التي استتر اسمها. (ولم يكن دعا) أي: لم يكن الفعل دعاء، ولم: حرف جازم. ويكن: فعل مضارع مجزوم بلم، واسمها مستتر جوازاً تقديره هو. دعا: خبر يكن، وأصلها مهموز (دعاء)، لكن حذفت الهمزة من أجل الروي. قوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعاً:) يكن: فعل مضارع مجزوم بلم. تصريفه: اسم يكن. ممتنعاً: خبرها. ومعنى البيت: (إن يكن الخبر فعلاً) وفي هذه العبارة تجوز؛ لأن الفعل لا يكون خبراً، وإنما يكون الخبر جملة فعلية، ففي كلامه رحمه الله تجوز وتسامح، ويدل لذلك أنه قال قبل هذا البيت (والخبر اجعل جملة)، ومعلوم أن الفعل نفسه ليس بجملة، ففي العبارة تجوز وتسامح. وقوله: (إن يكن فعلاً ولم يكن دعا) خرج به ما إذا كان فعلاً ولكنه دعاء. وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) يريد بذلك أنه لم يكن جامداً. فعندنا ثلاث محترزات: أن يكون فعلاً. وأن يكون خبراً لا دعاءً. وأن يكون متصرفاً لا جامداً. فإذا كان كذلك قال: فالأحسن الفصل بقد.. إلخ. فعلم من كلام المؤلف أنه إذا كان خبر (أنْ) فعلاً دعائياً فإنه لا يجب الفصل بما سيذكره، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا [النور:9] على قراءة (أنْ غضِبَ الله عليها) فهنا (غضِب) جملة دعائية، ولهذا لم يفصل بينها وبين (أنْ) بواحد من الفواصل التالية. وقوله: (ولم يكن تصريفه ممتنعا) احترازاً مما إذا كان جامداً لا يمكن أن يتصرف، فإنه في هذه الحال لا يجب الفصل بواحد من الفواصل، ومثال ذلك قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [الأعراف:185] فهنا (ليس) و(عسى) فعلان جامدان، ولهذا لم يفصل بين (أنْ) وبين هذا الفعل بواحد من الفواصل التالية. وقوله: (فالأحسن الفصل) الفاء: هذه واقعة في جواب الشرط المصدر بإن (وإن يكن فعلاً ... فالأحسن) والأحسن: مبتدأ، والفصل: خبر المبتدأ. ويجوز العكس، أي: يجوز أن يكون (الفصل) مبتدأ مؤخراً،َ و(الأحسن) خبراً مقدماً، ولكن الأحسن أن نجعل (الأحسن) مبتدأ و(الفصل) خبر المبتدأ؛ لئلا نفصل بين المتعلِّق والمتعلَّق بفاصل أجنبي. بقد: جار ومجرور متعلق بالفصل. أو نفي: معطوف عليه. أو تنفيس: كذلك. أو لو: كذلك. (وقليل ذكر لو) قليل: خبر مقدم. ذكر: مبتدأ مؤخر، أي: ذكر (لو) قليل عند العلماء، أي: أنه قل من ذكرها من النحويين، فقوله: (وقليل ذكر لو) أي: أن أكثر النحويين لم يذكروا الفصل بـ(لو)، مع أنه ثابت في القرآن، كقوله تعالى: (( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ))[الجن:16] . وقوله: (فالأحسن الفصل)، علم من تعبيره بالأحسن أن هذا ليس بواجب، وقيل: بل يجب الفصل، وهذا قول ابن هشام رحمه الله، لأنه لم يرد إلا مفصولاً، وإذا لم يرد إلا مفصولاً كان مقتضاه أن اللغة العربية توجب الفصل، وما شذ فهو نادر. أمثلة: قوله: (بقد) مثل أن تقول: علمت أنْ قد قام زيد، لو قلت: علمت أنْ قام زيد، فهو عند ابن مالك جائز لكنه خلاف الأحسن. (أو نفي)، مثل قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ [المائدة:71] فهنا فصل بلا النافية. الثالث: قال: (أو تنفيس) يريد بالتنفيس شيئين: السين وسوف، فمثال السين: قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى [المزمل:20]. ومثال (سوف) قول الشاعر: واعلم فعلم المرء ينفعه أنْ سوف يأتي كل ما قدرا الشاهد فيه قوله: أنْ سوف يأتي. (أو لو) أي: أو تفصل بلو، كقوله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16] فأن هنا مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة (لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) خبرها. إذاً: أفادنا المؤلف رحمه الله أنّ (أنْ) تأتي مخففة، وإذا أتت على هذا الوجه وجب أن يكون اسمها محذوفاً، ويسمى ضمير الشأن، ويكون خبرها جملة. ثم إن كان جملة اسمية أو فعلية دعائية أو فعلية جامدة لم يجب الفصل، بل ولا يستحسن الفصل بين أنْ وخبرها بشيء من الفواصل. وإن كان جملة فعلية فعلها متصرف وليست دعائية، فإن الأحسن على رأي ابن مالك أن يفصل بواحد من أمور أربعة: قد، أو النفي، أو التنفيس، أو لو، ويجوز على كلام ابن مالك ألا يفصل، لكنه خلاف الأحسن. فإذا قيل: علمت أن يأتي زيد من السفر، فإن هذا خلاف الأحسن، والأحسن أن يقال: علمت أن سيأتي، أو: أن سوف يأتي. ولو قيل: علمت أنْ سافر زيد، فهو صحيح لكنه خلاف الأحسن، والأحسن أن نقول: علمت أن قد سافر وددت أن لو سافر زيد.. وهكذا.

 

 

 

 

الكلام على كأن المخففة

  

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وخففت كأنّ أيضاً فنوي منصوبها وثابتاً أيضاً روي ] قوله: (خففت): فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والتاء للتأنيث. كأن: نائب الفاعل. أيضاً: مصدر عامله محذوف، تقديره: آض، أي: رجع، فيكون (أيضاً) بمعنى (رجوعاً)، ومعنى الكلام إذا جاءت أيضاً فيه: أي: رجوعاً إلى ما سبق، والمعنى هنا: (وخففت كأن أيضاً)، أي: كما خففت إنّ وخففت أنّ. فروي: الفاء حرف عطف، وروي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله. منصوبها: منصوب: نائب الفاعل، وهو مضاف إلى الهاء. وثابتاً: الواو حرف عطف، وثابتاً: حال مقدمة من نائب الفاعل في روي. أيضاً: نقول في إعرابها كما قلنا في أختها السابقة. وروي: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو. ومعنى البيت: أن (كأنّ) خففت، وإذا جاءت مخففة فإن اسمها يكون محذوفاً وهو ضمير الشأن، وخبرها يكون جملة. ولم يذكر المؤلف رحمه الله لخبرها شيئاً من الشروط، وكأنه يأتي جملة بدون شرط ولا قيد، قال الله تبارك وتعالى: فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس:24]. (كأنْ): حرف تشبيه مخففة من الثقيلة تنصب المبتدأ وترفع الخبر، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة: (لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) خبرها. وقوله: (وثابتاً أيضاً روي) معناه: أنه قد روي عن العرب بقاء اسمها وعدم حذفه، ومنه قول الشاعر: وصدر مشرق اللون كأن ثدييه حقان الشاهد قوله: (كأنْ ثدييه)، فإن (ثدييه) هنا منصوبة. وروي: (كأنْ ثدياه)، وعلى هذه الرواية: تكون (كأنْ) مهملة، إلا على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقاً، فيكون فيه احتمال، لكن اللغة المشهورة عند العرب أن المثنى ينصب بالياء.

 

تخفيف لكن

  

 

إذا خففت (لكنّ) فإنها تكون مجرد حرف عطف، وتكون مهملة، مثل: ما قام زيد لكن عمرو؛ فلكن: حرف عطف.


 

شرح ألفية ابن مالك [27]

 

لا النافية للجنس تعمل عمل إن، فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولكن لعملها شروط ذكرها النحويون، وكذلك تكثر أحكامها إذا تكررت، أو نعت اسمها، أو عطف عليه، أو دخل عليها حرف استفهام.