شرح ألفية ابن مالك للعثيمين

الكلام على أعلم وأرى

تعدية (علم ورأى) بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل

ما ثبت لمفعولي (علم) يثبت للثاني والثالث من مفاعيل أعلم وأرى

ما يتعدى لواحد من الأفعال يتعدى لاثنين بالهمزة ويثبت لثانيهما ما يثبت للثاني من مفعولي كسا

الأفعال التي تعمل عمل (أرى)

 

تعدية (علم ورأى) بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل

 

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أعلم وأرى: إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا إذا صارا أرى وأعلما وما لمفعولي علمت مطلقا للثان والثالث أيضاً حققا وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلا والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به في كل حكم ذو ائتسا وكأرى السابق نبا أخبرا حدث أنبأ كذاك خبرا] قوله: (أعلم وأرى)، هذا عنوان باب، وهو في الحقيقة كالفصل لما سبق؛ لأنه متعلق به تعلقاً مباشراً، و(أعلم) أصلها: عَلِم، دخلت عليها همزة التعدية فصارت (أعلم)، تقول: علم زيدٌ عمراً قائماً، أي: علم زيد أن عمراً قائم، فإذا أدخلت عليها الهمزة قلت: أعلمَ الرجلُ زيداً عمراً قائماً، فـ (زيد) كان في الأول مرفوعاً، وصار الآن منصوباً لدخول همزة التعدية، ولهذا قال: (إلى ثلاثة رأى وعلما عدوا إذا صارا أرى وأعلما) قوله: (إلى ثلاثة): جار ومجرور متعلق بـ (عدوا). رأى: مفعول (عدوا)، فإذا قال قائل: كيف تكون مفعولاً وهي فعل؟ قلنا المقصود اللفظ. وعلما: الواو حرف عطف، علما: معطوف على ما قبله. (إذا صارا) أي: رأى وعلم (أرى وأعلما)، فإذا صارا أرى وأعلما تعديا إلى ثلاثة. وقوله: (عدوا) يحتمل أن يكون المراد النحويين، ويحتمل أن يكون المراد العرب، والأولى هنا العرب؛ لأن الحديث عن لسانهم. مثاله: علم زيدٌ عمراً قائماً، نقول في الإعراب: علم: فعل ماض. زيدٌ: فاعل. عمراً: مفعول أول. قائماً: مفعول ثان. وإذا قلنا: أعلمت زيداً عمراً قائماً، تعدت إلى ثلاثة مفاعيل، فصار الفاعل أولاً مفعولاً من أجل التعدية. وأرى كذلك، تقول: رأى زيدٌ عمراً قائماً، أي: علمه، وليس المقصود أبصره بعينه، كقوله تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:6-7]. فإذا أردت أن أعديه إلى ثلاثة أقول: أريت زيداً عمراً قائماً، أي: أعلمته، فنجد الآن أنها تعدت إلى ثلاثة مفاعيل.

 

 

 

 

ما ثبت لمفعولي (علم) يثبت للثاني والثالث من مفاعيل أعلم وأرى

  

 

وحكم هذه المفاعيل الثلاثة بينه رحمه الله بقوله: (وما لمفعولي علمت مطلقا للثان والثالث أيضاً حققا) ما: مبتدأ لأنها اسم موصول، والتقدير والذي لمفعولي علمت مطلقاً. وجملة (حققا) خبر لاسم الموصول (ما)، أي: أن ما ثبت لمفعولي (علم) في جميع الأحوال يثبت للمفعول الثاني والثالث لـ (أرى وأعلم). وقد سبق أن لها أحكاماً منها: الإلغاء والتعليق، فيثبت هنا للثاني والثالث كما ثبت لمفعولي (علم). أما الأول فلا يثبت له أحكام مفعولي ظن وأخواتها، وذلك لأن الأول ليس عمدة بخلاف الثاني والثالث فإن أصلهما المبتدأ والخبر.

 

 

 

 

ما يتعدى لواحد من الأفعال يتعدى لاثنين بالهمزة ويثبت لثانيهما ما يثبت للثاني من مفعولي كسا

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن تعديا لواحد بلا همز فلاثنين به توصلا) قوله: (إن تعديا) الضمير يعود على (علم ورأى). (لواحد بلا همز) وذلك كعلم التي بمعنى (عرف)، تقول: علمت زيداً أي: عرفته، فهنا تعدى لواحد، فإذا تعديا لواحد فدخلت عليهما الهمزة تعديا لاثنين؛ لأن هذه الهمزة تسمى همزة التعدية، حيث إنها تعدي الفعل إلى ما لم يتعد إليه من قبل. تقول: رأى زيدٌ عمراً، هذه الرؤية بصرية، وهي تنصب مفعولاً واحداً، فإذا قلت: أريت زيداً عمراً، أي: جعلته ينظر إليه، نصبت مفعولين؛ لأنها كانت قبل الهمزة تنصب مفعولاً واحداً، فعندما دخلت عليها الهمزة نصبت مفعولين. يقول رحمه الله: (والثان منهما كثاني اثني كسا فهو به كل حكم ذو ائتسا). قوله: (والثان منهما) أي: الثاني من المفعولين فيما إذا تعديا إليه بالهمز، (كثاني اثني كسا)، وثاني اثني (كسا) ليس عمدة ويجوز حذفه بكسرة، ولهذا قال: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا). والفعل (كسا) ينصب مفعولين، لكن ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولهذا لا يصح أن يخبر بالثاني عن الأول، مثاله: كسوت زيداً جبةً، فهنا نصبت مفعولين، لكن هذين المفعولين ليسا بعمدة، ولهذا لو حذفت الثاني فقلت: كسوت زيداً، لصح، ولو حذفت الأول فقلت: كسوت جبة، لصح الكلام، ولو حذفتهما جميعاً فقلت: اليوم كسوت، لصح أيضاً؛ لأنهما ليسا بعمدة. وعلامة ما يكونان عمدة: أن يصح الخبر بالثاني عن الأول، ومن المعلوم أنه لا يصح أن تخبر عن زيد بالجبة، فلا تقل: زيد جبة. قوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا) هذا الشطر تكميل لمضمون الشطر الأول؛ إذ إن الأول يغني عنه، فلو قال: والثاني منهما كثاني اثني كسا، لكان العموم يقتضي أن يكون مساوياً له في كل حكم، لكنه أكد ذلك في قوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا).

 

 

 

 

الأفعال التي تعمل عمل (أرى)

  

 

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وكأرى السابق نبا أخبرا حدث أنبأ كذاك خبرا) ذكر المؤلف خمسة أفعال كأرى، وهي: نبّأ، أخبر، حدث، أنبأ، خبَّر. وقوله: (كأرى السابق) أي: الذي يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول: أخبرت زيداً عمراً قائماً، فهنا نصبت ثلاثة: الأول فضلة، والثاني والثالث عمدة. وتقول: حدثت زيداً عمراً قادماً، الأول فضلة والثاني والثالث عمدة. وتقول: أنبأت زيداً عمراً مجتهداً، خبرت زيداً عمراً فاهماً، ونبأ مثل أنبأ، فهذه الأفعال الخمسة تنصب ثلاثة مفاعيل: الأول منها فضلة والثاني والثالث عمدة. ولو قلت: أخبرت زيداً، دون أن تريد أنك أخبرته بشيء، فلا تنصب ثلاثة مفاعيل، وكذلك: رأيت زيداً، لا تنصب ثلاثة مفاعيل، فهي كما سبق في رأى. يقول في الشرح: وهذه الخمسة لا تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل مصرحاً بها وإلا وهي مبنية للمفعول، كقوله: نبئت زرعة والسفاهة كاسمها يهدي إلي غرائب الأشعار نكمل الإعراب: قوله: (وإن تعديا لواحد): هذه جملة شرطية. تعديا: فعل الشرط، وجواب الشرط: (فلاثنين به توصلا)، والجواب كلمة (توصل)؛ لأن قوله: (لاثنين) متعلق بتوصل. قوله: (بلا همز) بلا جارٌ ومجرور، ومعلوم أن الباء حرف جر، و(لا) حرف، وحرف الجر لا يدخل إلا على اسم، فقال بعضهم: إن (لا) هنا بمعنى (غير)، أي: بغير همز، ونقلت حركة إعرابها لما بعدها لتعذر ظهور الحركة عليها، وعليه فنقول: الباء حرف جر، ولا: اسم بمعنى (غير) مجرور بالباء، ونقلت حركة إعرابه إلى ما بعده لتعذر ظهور الحركة عليه. وقوله: (والثان منهما كثاني اثني كسا): الثاني: مبتدأ، والخبر: كثاني. اثني كسا: اثني: مضاف، وكسا: مضاف إليه. وقوله: (فهو به في كل حكم ذو ائتسا) نقول: الجملة خبرية، فالضمير (هو) مبتدأ، (ذو ائتسا) خبر المبتدأ. قوله: (وكأرى السابق نبا أخبرا). كأرى: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. السابق: صفة له. نبا: مبتدأ، وأعربناه بأنه مبتدأ مع أنه فعل لأن المقصود لفظه. أخبرا: معطوف على (نبأ) بحذف حرف العطف من أجل النظم. حدث أنبأ: مثلها معطوفة لكن بحذف حرف العطف لأجل النظم. كذاك: خبر مقدم. خبرا: مبتدأ مؤخر، والمقصود لفظه.


 

شرح ألفية ابن مالك [30]

 

لكل فعل فاعل، والفاعل عند النحاة من قام بالفعل أو اتصف به؛ وله عندهم أحكام من حيث توحيد الفعل معه أو تثنيته أو جمعه، ومن حيث تذكير الفعل معه أو تأنيثه، ومن حيث تقديمه على الفاعل أو العكس.