الاستثناء بغير إلا
حكم المستثنى بغير
حكم المستثنى بسوى
حكم المستثنى بليس وخلا وعدا ولا يكون
حكم المستثنى بخلا وعدا إذا سبقتها (ما)
حكم المستثنى بحاشا
حكم المستثنى بغير
قال المؤلف: [واستثن مجروراً بغير معرباً بما لمستثنى بإلا
نسبا] معناه: أن (غير) من أدوات الاستثناء، وهي تجر ما بعدها
بالإضافة. وقوله: (معرباً) حال من (غير)، وإنما صح مجيء الحال منها
لأن المقصود لفظها فهي معرفة بهذا المعنى، وإلا فالأصل الحال لا
تأتي من النكرة إلا بعد أن تخصص. يعني: لفظ (غير) يستثنى المجرور
به حال كون هذا الغير معرباً بما لمستثنى بإلا نسبا. وقوله: (بما
لمستثنى) هذا متعلق بقوله: (معرباً). وقوله: (لمستثنى بإلا) متعلق
بقوله: (نسبا)، والألف في (نسبا) للإطلاق، أي: معرباً بما نسب
للمستثنى بإلا . إذاً: الاستثناء بغير له حكمان: الأول: حكم هذا
المستثنى، والثاني: حكم غير. أما حكم المستثنى بها فهو الجر
دائماً، تقول: ( قام القوم غيرَ زيدٍ ) وتقول: ( ما قام القوم غيرُ
زيدٍ ) وتقول: ( ما قام غيرُ زيدٍ )، فزيد في كل هذه الحالات مجرور
بالإضافة، وهو المستثنى. أما حكم (غير) فهو حكم المستثنى بإلا
تماماً، ولهذا قال: (معرباً بما لمستثنى بإلا نسبا) فإذا كان
الكلام تاماً موجباً فالواجب نصب غير، تقول: ( قام القوم غيرَ زيدٍ
)، ( قدم القوم غيرَ الأميرِ ). وإذا كان تاماً منفياً أو فيه شبه
نفي فإنه يترجح الإبدال، ويجوز النصب إذا كان الاستثناء متصلاً،
تقول: ( ما قام القوم غيرُ زيدٍ )، ويجوز: ( ما قام القوم غيرَ
زيدٍ ). وإذا كان الاستثناء منقطعاً وجب النصب عند الحجازيين وجاز
فيه البدل عند بني تميم، فتقول: ( ما قام القوم غيرَ حمار ) بل هو
واجب عند الحجازيين، وإذا قلت: ( ما قام القومُ غيرُ حمارٍ )، فهذا
عند الحجازيين لحن لا يجوز، وعند التميميين جائز. وإذا قلت: ( ما
قام غيرُ زيدٍ ) يجب الرفع؛ لأنه مفرغ. ما: نافية. قام: فعل ماض.
غيرُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضم آخره، وغيرُ مضاف، وزيد مضاف
إليه. وإذا قلت: ( ما أكرمت غيرَ طالبِ العلم ) وجب النصب. وإذا
قلت: ( ما مررت بغيرِ زيدٍ ) يجب الجر، كما لو قلت: ( ما مررت إلا
بزيدٍ ).
حكم المستثنى بسوى
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولسِوى سُوى سواء اجعلا على الأصح
ما لغير جعلا] اجعلا: بالألف للإطلاق، ويجوز أن تكون منقلبة عن نون
التوكيد الخفيفة، لأن نون التوكيد الخفيفة يجوز قلبها ألفاً (وقفاً
كما تقول في قفن قفا) كما قال ابن مالك . فهنا يجوز أن نجعل
(اجعلا) فعل أمر مؤكداً بالنون المنقلبة ألفاً، ويجوز أن نجعله فعل
أمر والألف للإطلاق؛ لكن الأولى أن نجعله فعل أمر مؤكداً، لأننا
إذا جعلنا الألف للإطلاق، لزم من هذا أمران: تغيير الفعل، وزيادة
ألف، وإذا جعلناها نيابة عن نون التوكيد صار الفعل مبنياً على
الفتح لأنه متصل بنون التوكيد، وصارت الألف أصلية منقلبة عن نون
التوكيد. وقوله: (ولسوى سوى سواء) هي كلمة واحدة في الواقع لكن لها
ثلاث صور: سِوى، سُوى، سواء، بالمد. (اجعلا على الأصح ما لغير
جعلا)، يعني: اجعل لها ما جعلت لغير، وتقدم أن ما بعد (غير) يجر
بالإضافة دائماً، وأما هي فتعرب كإعراب المستثنى بإلا. إذاً: أضف
(سوى) بصورها الثلاث في الحكم إلى غير، ويكون المستثنى بسوى دائماً
مجروراً، أما هي فعلى حسب المستثنى بإلا، مثل غير تماماً. فتقول
مثلاً: قام القوم سواء زيد، أي: غير زيد، وتقول: قام القوم سِوى
زيد، وقام القوم سُوى زيد، وإعراب "سِوى وسُوى وسواء" واحد. تقول:
قام القوم سواءَ زيدٍ. وتقول: ما قام القوم سواءَ زيدٍ، لكنه
مرجوح، وتقول: ما قام القوم سواءُ زيدٍ، وهو الراجح. وإذا قلت: ما
قام القوم سواءُ حمارٍ. فهذا ممنوع عند الحجازيين، وجائز عند بني
تميم. وتقول: (ما قام سواءُ زيدٍ) بالرفع وجوباً. وتقول: (ما رأيت
سواءَ زيدٍ) بالنصب وجوباً. وتقول: (ما مررت بسواءِ زيد) بالجر
وجوباً. وأنا اخترت التمثيل بسواء لأنها تظهر عليها الحركات، وإلا
فسِوى وسُوى معناهما مع سواء واحد. وقول المؤلف: (على الأصح) يشير
إلى أن هناك خلافاً مرجوحاً وهو خلاف سيبويه ، الذي جعل (سِوى
وسُوى وسواء) دائمة النصب على الظرفية، وما ورد على خلاف ذلك
فمؤول. ولا ريب أن هذا القول لا حظ له من النظر، وأن قول ابن مالك
أصح، إذ إنه ورد في اللغة العربية على أنها حسب العوامل، فتكون
منصوبة إذا تم الكلام وكان موجباً، وتكون مبدلة أو منصوبة إذا تم
وكان منفياً أو شبهه، فكل من يقول إنها إذا وردت غير منصوبة تحتاج
إلى تأويل، فقوله خلاف الظاهر، والصواب مع ابن مالك . وتوسط قوم
فقالوا: إن الأكثر أن تكون منصوبة على الظرفية، وأنها تستعمل
أحياناً للاستثناء فتكون كغير، لكن رأي ابن مالك أن حكمها حكم غير،
و(غير) حكمها حكم المستثنى بإلا على حسب التفصيل السابق. وليس من
الاستثناء مثل قوله تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ
لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [المنافقون:6] لكن إذا جاءت
(سواء) بمعنى إلا، فهي التي تعامل كغير، أما إذا جاءت مبتدأ أو ما
أشبه ذلك فحكمها معروف.
حكم المستثنى بليس وخلا وعدا ولا يكون
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واستثن ناصباً بليس وخلا وبعدا
وبيكون بعد لا] واستثن ناصباً: أي: واستثن حال كونك ناصباً
للمستثنى. إذاً: فالمستثنى بما يأتي يكون دائماً منصوباً، كما أن
المستثنى بغير وسوى يأتي دائماً مجروراً. ومفعول (ناصباً) محذوف
تقديره: المستثنى، أما فاعل (ناصباً) فهو مستتر تقديره: أنت.
واستثن ناصباً المستثنى بـ (ليس) و(خلا) وبـ (عدا) وبـ (يكون) بعد
لا، فهي أربعة. إذاً (ليس) تكون من أدوات الاستثناء، تقول: قام
القوم ليس زيداً. قام: فعل ماض. القوم: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
ليس: أداة استثناء واسمها محذوف، أو إن شئت فقل: اسمها مستتر، فإن
جعلناها حرفاً فاسمها محذوف، وإن جعلناها فعلاً فاسمها مستتر
تقديره (هو) يعود على البعض المستثنى من القوم، يعني: ليس بعض
المستثنى زيداً، أي: ليس القائم زيداً. زيداً: خبر ليس منصوب
بالفتحة الظاهرة. كذلك أيضاً (خلا) نقول: قام القوم خلا زيداً.
خلا: فعل ماض، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو، فهم يقولون: إن
الضمير يستتر وجوباً في هذه الأدوات. زيداً: مفعول به منصوب. إذاً:
هل نصب المستثنى بخلا على الاستثناء أم أن معناه معنى الاستثناء؟
الجواب: إذا أعربناه هذا الإعراب فمعناه معنى الاستثناء، أما لو
أعربنا زيداً في قولك (خلا زيداً) مستثنى منصوب فمعناه أنه نصب على
الاستثناء. قال: و(بعدا)، تقول: قام القوم عدا زيداً. فهي مثل خلا.
قال: (وبيكون بعد لا) يكون: فعل مضارع ولكن بشرط مجيئه بعد (لا).
ومعلوم أن (كان) ترفع الاسم وتنصب الخبر وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا [النساء:96] وهنا (يكون) هي أداة الاستثناء، أي الفعل
المضارع، وذلك بعد (لا) وليس بعد (ما) أو بعد (لم) من أدوات النفي.
فـابن مالك رحمه الله اشترط شرطين: 1- أن تكون بلفظ المضارع، كما
يؤخذ من قوله: (وبيكون). 2- وأن تقع بعد أداة النفي (لا) خاصة.
مثاله: قام القوم لا يكون زيداً، فنقول: قام القوم: فعل وفاعل. لا:
نافية. يكون: فعل مضارع، واسمها مستتر وجوباً تقديره هو. زيداً:
خبرها منصوب بها. فالاستثناء هنا معنوي. ولو قلت: قام القوم لم يكن
زيداً. فليس من هذا الباب لأنه بعد (لم). ولا يجوز: قام القوم لا
يكون القائم زيداً، لأن اسمها يجب أن يستتر. وبهذا عرفنا أن
الاستثناء يكون بالحروف وبالأسماء وبالأفعال، فالاستثناء بالحروف
يكون بحرف واحد وهو (إلا). والأسماء اثنان: (غير وسُوى)، أما (سِوى
وسواء) فهي لغات في (سُوى). وأما الأفعال فأربعة ( ليس، خلا، عدا،
لا يكون).
حكم المستثنى بخلا وعدا إذا سبقتها (ما)
قال المؤلف: [واجرر بسابقي يكون إن ترد وبعد ما انصب وانجرار قد
يرد] يقول: (واجرر بسابقي يكون إن ترد)، وسابقاها هما (خلا وعدا).
ويفهم من قوله: (إن ترد) أن الأفضل النصب، لكن إن شئت فاجرر. قال:
(وبعد ما انصب) (ما) تكون قبل (خلا) وقبل (عدا)، والمعنى: إن وقع
(خلا وعدا) بعد (ما) فانصب المستثنى. قال: (وانجرار قد يرد) يعني
قد يرد الجر في هذه الحالة، ولكن الأصل النصب، والجر مسموح. قال:
(واجرر بسابقي يكون) مثال ذلك: (قام القوم خلا زيد) الإعراب: قام:
فعل ماض. القوم: فاعل. خلا: حرف جر. زيد: اسم مجرور بخلا. (قام
القوم عدا زيد): قام القوم: فعل وفاعل. عدا: حرف جر. زيد: اسم
مجرور بعدا وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره. وعلى هذا فـ(خلا
وعدا) يصح أن يكونا فعلين، وأن يكونا حرفين؛ فإن نصبت ما بعدهما
فهما فعلان، وإن جررته فهما حرفان، ولهذا قال: [وحيث جرا فهما
حرفان كما إنهما إن نصبا فعلان] إذاً: (خلا وعدا)، إن نصب ما
بعدهما فهما فعلان، وإن جر فهما حرفان. أما إن وقعت قبلهما (ما)
فهما فعلان ويجب نصب ما بعدهما، نقول: (قام القوم ما خلا زيداً،
وما عدا بكراً) ولا يجوز أن تقول: (قام القوم ما خلا زيدٍ) ولا (ما
عدا بكرٍ) بل يتعين النصب، ولهذا قال: (وبعدما انصب) كما تقدم؛
ولكن قد يرد انجرار، فقد تقول: ما خلا زيدٍ، وما عدا بكرٍ، ولكنه
قليل، وبعض العلماء يقولون: لا يجوز، وما ورد فإنه شاذ، وهذا أقرب،
والله أعلم.
حكم المستثنى بحاشا
قال المؤلف: [وكخلا حاشا ولا تصحب ما وقيل حاش وحشا فاحفظهما]
إذاً: تكون الأفعال خمسة: (ليس، لا يكون، خلا، عدا، حاشا)، وكخلا
حاشا لكنها تخالفها في قوله: (ولا تصحب ما) وعلى هذا فليس لها حال
يتعين فيها النصب، بل يجوز فيها النصب والجر، ولا نقول: إلا أن
تسبق بنفي، لأنها لا تصحبها ما. نقول: قام القوم حاشا زيداً، قام
القوم حاشا زيدٍ، والمعنى: أستثني زيداً. قال: (وقيل حاش وحشا
فاحفظهما). والفرق أن (حاش) آخرها الشين، وهو حرف صحيح، أما (حاشا)
فآخرها ألف مقصورة. وقيل أيضاً: (حشا) والفرق أن (حاشا) فيها ألفان
و(حشا) فيها ألف واحد. قال ابن مالك رحمه الله: (فاحفظهما) يريد أن
يبين لك أن استعمالهما قليل، والذي يستعمل قليلاً ينسى، أو أنه
يريد أن يرد به على من قال: إنه لا يصح أن يقال: (حاشا وحشا) فقال:
احفظهما فإني مؤكد أنهما أتيا في اللغة العربية. وحاش وحشا هما نفس
حاشا؛ لكن اختلفت صورة، مثلما قلنا في (سِوى وسُوى وسواء). وقوله
تعالى: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا [يوسف:31] هذه ليست من
هذا النوع، بل هذه بمعنى: تنزيهاً لله، فهي اسم مصدر.
شرح ألفية ابن مالك [38]
الحال من الفضلات المبينة لهيئة صاحبها، ولا يكون الحال إلا نكرة،
وصاحب الحال لا يكون إلا معرفة، والأصل ألا تتقدم الحال على صاحبها
ولا على عاملها، وقد يخالف ذلك في كلام العرب.