شرح متن البناء ـ[شرح متن البناء]ـ
المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي
http://alhazme.net
[ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 8 دروس]
عناصر الدرس
* المراد بالبناء.
* علاقة الصرف بالنحو.
*
أربع مقدمات للصرف.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد:
فكما هو معلوم ومقرر أننا سنبدأ في هذه الليلة بإذن الله تعالى في
((متن البناء)) في فن الصرف في متن البناء المسمى بالبناء والمراد به
بناء الأفعال لأن البحث كما سيأتي في مبحث أبنية الأفعال.
وهذا الكتاب غير معروف النسب، مجهول النسب يعني: عالمه غير معروف كاتبه
غير معروف وإن نسب للزنجاني نحوه لكنه ليس بالصواب، هذا مشهور لأنه طبع
معه تصنيف علمي ومتن البناء جمع بينهما في طبعة واحدة وكتب عليهما
للزنجاني فاشتهر أن متن البناء للزنجاني لكن هذا ليس بصواب، بل صاحبه
مجهول النسب، وهذا لا يضر، إذا نظر في الكتاب وعُلم أنه ليس فيه ما
يخالف أصول العلم نقول: إذا علم ما في الفن من أو ما في الكتاب من
صلاحيته أو موافقته لأصول الفن لا يضر كونه غير معروف الكاتب.
هذا المتن على شهرته ومكانته عند أرباب الفن لقلة المتون المختصرة في
هذا الفن، الصرف وهو شقيق للنحو إلا أن قلة المتون الصرفية ليست
كالمتون النحوية، كثر شارحوه، بل أوصل بعضهم عدد الشروح والحواشي أكثر
من مائة وأكثرها مخطوط ولم يخرج فيما اطلعت عليه إلا ((تلخيص الأساس))،
و ((تلخيص الأساس)) هذا لصاحبه علي بن عثمان مطبوع ومعه شرح الكفوي أو
نحو ذلك مختصر أيضًا ولا أعرف أكثر من هذين الشرحين.
والصرف كما هو معلوم أنه شقيق للنحو، واللغة العربية بأثرها شرط في
المجتهد عند أهل العلم، وذكروا أن المجتهد الناظر في الكتاب والسنة لا
بد أن يكون مشتملاً على أدوات وآلات الاستنباط، وهذه الآلات وهذه
الأدوات لا بد أن تكون راسخةً في المجتهد وأصلها ولبها وجامعها هو
اللغة العربية لأن الناظر في الكتاب والسنة إنما يريد الاستنباط
وحينئذٍ لا بد أن يكون عن علم وعلى قدرة تامة باللغة العربية لماذا؟
لأن القرآن والسنة كما هو معلوم مبناهما أو أصلهما اللغة العربية
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:
195] بل أعلى درجات اللغة فحينئذٍ لن يستطيع من أراد الاستنباط
والتحرر عن التقليد إلا إذا كان مليًّا باللغة العربية.
وهذه اللغة العربية فرض عين على المفسر، فإذا أراد المفسر أن يفسر كلام
الله فلا بد أن يكون مليًّا باللغة كما حكى الإجماع السيوطي رحمه الله
تعالى.
النحو الصرف - لا نريد أن نطيل في المقدمة - النحو والصرف شقيقان لذلك
اشتهر عند أرباب الحواشي أن أبا العربية النحو وأمها الصرف، أم وأب لا
غنى لأحدهما عن الآخر، ولذلك على الترتيب أن جرى المتقدمون بتقديم
الصرف على النحو لماذا؟ لأنه متعلق الصرف هو المفردات ومتعلق النحو هو
المركبات، ومعلوم أن العلم بالمركبات هذا فرع عن العلم بالمفردات،
وقدموا علم الصرف على النحو، ولكن عند المتأخرين عكسوا نظرًا لأن النحو
أحوج إليه طالب العلم من الصرف أحوج إليه من الصرف لماذا؟
لأن بالنحو يستطيع أن يميز الكلام بعضه عن
بعض، ويقع التفاهم - كما هو معلوم - والتخاطب بالكلام، وتميز الكلام
بعضه عن بعض إنما يكون بواسطة النحو وهذا أهم، ونظر طالب العلم الشرعي
في النحو أحوج لماذا؟ لأنه أمس به من المفردات ولا غنى عن العلم
بالمفردات، فحينئذٍ شاع عند المتأخرين تقديم النحو على الصرف وهذا أنسب
لطالب العلم، وأنسب من حيثية أخرى في عصرنا هذا أن الطالب لو نظر في
النحو ثم مل فترك حينئذٍ يكون قد حصل شيئًا مما يحتاجه الكتاب والسنة،
لكن لو نظر في الصرف أولاً والصرف من المعلوم أنه أصعب بكثير جدًا من
النحو وعليه من استصعب النحو مباشرة سيكون الصرف عنده من الصعوبة
بمكان.
فإذا نظر في الصرف ثم ترك مل حينئذٍ سيفوته كثير من النحو، ولذلك النظر
في النحو أولى من النظر في الصرف.
قبل الشروع في الكتاب هذا لا بد من مقدمة أولها
نعرف ما حقيقة الصرف والتصريف.
وما موضوع فن الصرف.
وما حكمه في الشرع.
ثم نختم بالمقدمة الرابعة وهي ميزان الصرف.
وهذه لا بد لها من فهم؛ لأن الكتاب إذا لم تذكر هذه الأمور لن يفهم،
وبعد ذلك سنسير إن شاء الله طريقتي في الشرح ستكون متوسطة لكن الليلة
تصبرون عليَّ إن شاء الله.
نقول: الصرف والتصريف هذان لفظان مترادفان عند المتأخرين، أما معناهما
من جهة اللغة يعني في لسان أهل اللغة فلها معانٍ تجمعها أو مدارها على
التغيير والتحويل، ولذلك شاع أن الصرف هو التغيير وعند بعضهم هو
التحويل لكن كل المعاني التي تدور هذه المادة حولها هي التغيير
والتحويل، ولذلك قالوا: تصريف الرياح. أي: تغيرها من حال إلى حال ومن
جهة إلى جهة، وتصريف الأمور يعني: تغيرها وتحويلها من حال إلى حال،
وتصريف المياه ونحو ذلك. وقالوا أيضًا: صرفت فلانًا عن وجهه إذا حولته
وغيرته عن جهة ما إلى جهة أخرى وصرفت الصبيان وصرف الله عنك الأذى إذا
غيره إلى محل آخر كل ذلك يُراد به معنًى واحد ألا وهو التحويل
والتغيير.
إذًا المادة مادة الصاد والراء والفاء تدور حول التحويل والتغيير، وهو
التحويل من وجه إلى وجه ومن حال إلى حال أخرى {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ
الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 46] {نُصَرِّفُ الآيَاتِ}
يعني: نغيرها ونحولها من حال إلى حال، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ} ... [البقرة: 164] أي: تغييرها من حال إلى حال.
هذا معنى الصرف والتصريف في اللسان العربي،
وأما في الاصطلاح عند أرباب الفن فثَمَّ تفريق عند المتقدمين بين الصرف
والتصريف، الصرف هو عينه الصرف عند المتأخرين، وأما التصريف فلهم
اصطلاح خاص فيه وهو المراد به باب التمارين، وهو أن يقال فيه أخذك من
كلمةٍ ما بناءً لم تبنه العرب يعني: يأتون بكلمة فيقول للطالب المعلم:
ايت بهذه الكلمة على وزن ما، ثم هذا الوزن الآخر الذي يُراد به الإتيان
بتلك الكلمة عليه لم يسمع في لغة العرب وإنما المراد به التمرين
فحينئذٍ، يقال: ضَرْب هذا مصدر ايت به على وزن سفرجل فيقول: ضَرَبْرَب.
ضَرَبْرَب هذا ما سمع بلغة العرب، مرادهم بهذا تثبيت القواعد في ذهن
الطالب فحينئذٍ إذا جيء بضرب ضَرَبْرَب ما فيه أي إشكال، لكن مثل الوؤل
ايت به على وزن قُفْلٍ وُؤْلٌ بضم الأول وإسكان الثاني وقلب الهمزة أو
كتابتها على واو فحينئذٍ يحصل نوع تغيير، هذا يسمى التصريف عند
المتقدمين، يسمى بالتصريف عند المتقدمين، فحينئذٍ يكون التصريف جزءًا
من الصرف، وأما عند المتأخرين فالصرف والتصريف سيان مترادفان، وجَعْلُ
باب التمارين في ضمن الصرف والتصريف هذا حكموا عليه بأنه من باب التكلف
والتعسف وليس من باب التأصيل والجري على القياس، لأن القواعد العامة
يمكن العلم بها دون أن يكون للطالب أي مدخل في هذا الباب.
والصرف والتصريف يقال تصريف هذا تفعيل من فَعَّلَ يُفَعِّلُ تَفْعِيلاً
ومرادهم بذلك إذا كان الصرف معناه التغيير فالتفعيل يدل على المبالغة،
فلذلك بُنِيَ الصرف على زنة التفعيل للدلالة على ماذا؟ على الكثرة في
التغيرات التي تطرأ في هذا الفن ولذلك سمي تصريفًا، وأكثر إطلاقهم إذا
أرادوا الفن قالوا: علم الصرف. وقد يُطلق عليه التصريف وهما بمعنى
واحد، لكن الثاني فيه زيادة معنى لماذا؟ لأن مادة التفعيل تدل على
الزيادة، مثل التخريج وخَرَّج يُخَرِّجُ تَخْرِيجًا حينئذٍ نقول:
التخريج هذا فيه زيادة معنى، والتصريف (ال) هذه للمح الصفة لأنه في
الأصل منقول عن المصدر و (ال) إذا كانت في جمع الصفة حينئذٍ يراد به
المعنى الأصلي الذي نُقل عنه.
التصريف والصرف له معنيان من جهة الاصطلاح، قد يراد به الجهة العلمية،
وقد يرى به الجهة العملية، لأنه إما أن يكون علمًا نظريًا، وإما أن
يكون علمًا مرادًا به العمل وهو التمارين يعني التطبيق، وعلى الثاني
إذا أريد به العمل نُعَرِّفَهُ بأنه تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة
مختلفة لمعاني مقصودة لا تحصل إلا بها. تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة
مختلفة لا تحصل إلا لمعاني مقصودة لا تحصل إلا بها، هذا حد الصرف الذي
عنون به الزنجاني في التصريف العزي.
تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة،
تحويل المراد به التغيير تحويل مصدر حَوَّلَ يُحَوِّلُ تَحْوِيلاً
فحينئذٍ التحويل نقول المراد به التغيير وفيه معنى النقل لماذا؟ لأن
المصرف يصرف المصدر إلى الفعل الماضي مثلاً حينئذٍ ينقل حروف المصدر
إلى الفعل ماضي فإذا قيل: الضرب. هذا مصدر ايت بفعل ماضي من المصدر
الضرب نقول: ضَرَبَ. هل ضَرَبَ الحروف هي عينها في الضرب أم نقلها؟
الثاني حصل تحويل وحصل تغيير مع النقل فنقلت حروف ضَرْبٍ التي في
المصدر إلى الفعل الماضي ونقلت كذلك إلى يضرب وإلى اضرب فحينئذٍ نقول:
تحويل وهو متضمن لمعنى النقل، تحويل الأصل واحد الأصل في اللغة ما
يُبْنَى عليه غيره، والمراد به هنا المصدر لأن أصل الاشتقاق على مذهب
البصريين وهو الأصح مصدر.
وَالْمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأَيُّ أصلِ ... ومنْهُ يَا صاحِ اشْتِقَاقُ
الفِعْلِ (1)
فأصل المشتقات كلها الفعل وسائر المشتقات الأصل أنها مشتقة مأخوذة من
المصدر والمصدر هو الأصل وسائر المشتقات ومنها الأفعال فهي فرع.
__________
(1) ((ملحة الإعراب البيت الأول في باب المصدر.
تحويل الأصل الواحد لِمَ عَبَّرَ بالأصل
ولم يقل بالمصدر مباشرةً ما دام أن المصدر هو الذي يُحَول؟ هذا مراعاة
لمذهب المخالف، ليشمل هذا الحد مذهب الكوفيين ومذهب البصريين لأن أصل
الاشتقاق عند البصريين هو المصدر، حينئذٍ إذا أراد المصرف أن ينصرف
الكلمة فيبدأ بالمصدر لأنها هي الأصل وكل الأفعال وسائر المشتقات هي
فرع فينطلق من المصدر إلى سائر المشتقات الفعل وصفاته، وعند الكوفيين
العكس أصل الاشتقاق هو الفعل الماضي والمصدر فرع عنه وهو مذهب ضعيف -
إذا جاء وقت مناسب لذكر الأدلة ذكرناها - وليشمل هذين المذهبين
القائلين بأن الأصل أصل الاشتقاق هو المصدر والقائلين بأن أصل الاشتقاق
هو الفعل الماضي ليشمل هذين المذهبين قال: تحويل الأصل الواحد. ولم
يقل: تحويل المصدر. لأنه لو قال: تحويل المصدر. وكان القارئ كوفيًا
قال: لا، هذا خطأ التعريف هذا ليس بصواب لأن المصدر هذا ليس أصلاً
للاشتقاق بل هو فرع. ولو قال: تحويل الفعل الماضي. لقال الكوفي: هُوَ
هو هذا هو الحد الصحيح. ولقال البصري: هذا حد ليس بصواب لأن الفعل
الماضي فرع وليس بمشتق. فحينئذٍ عدولاً عن هذه النزاعات وليرضي
الفريقين قال: تحويل الأصل الواحد. جمع بينهما توحيد الصف. فحينئذٍ
تحويل الأصل الواحد والأولى أن يقال المراد بالأصل الواحد هنا المصدر
وغيره والمراد به المصدر وغيره لماذا؟ ليشمل المصدر وهو أصل للمشتقات -
ولا إشكال في ذلك - ويشمل غير المصدر لأن مبحث الصرف قد يكون في
التسمية وقد يكون في الجمع بأنواعه وقد يكون في التصغير وقد يكون في
النسب ونحو ذلك، فحينئذٍ هذه ليس فيها تحويل للمصدر فإذا قيل: ضَرْبٌ
هذا مصدر الضرب حوله إلى فعل ماضي. تقول: ضَرَبَ. حوله إلى الفعل
المضارع قلت: يَضْرِبُ نَضْرِبُ أَضْرِبُ وتَضْرِبُ، حوله إلى فعل
الأمر تقول: اضْرِب. حوله إلى اسم الفاعل تقول: ضارب. حوله إلى اسم
المفعول تقول: مَضْرُوب ضاربون ضُرَّاب نَضْرِب نَضْرَب إذًا حولته
وصار هو مصدر ولا إشكال لكن إذا قيل: زيد حوله إلى تثنية. فتقول:
الزيدان. حوله إلى جمع تصحيح تقول: زيدون. هند حوله إلى تثنية فتقول:
هندان هندات هنود جمع تكثير قريش حوله إلى كونه منسوبًا إليه فتقول:
قرشي. غيرته قرشي هذا مبحث يبحث في أي شيء في أي باب؟ في النسب، والنسب
من مباحث الصرف باب كبير طويل عريض عند الصرفيين يسمى باب النسب وأصله
ليس بمصدر مثل قريش مكة تقول: مكي. مدينة مدني فحينئذٍ ليس عندنا فيه
تحويل للمصدر بل تحويل لاسم جامد، فليشمل المصدر وغيره ليدخل معنى
التثنية وجمع التصحيح بأنواعه والتصغير تصغير جبل تقول: جبيل. غيرته
فرس فريس، غيرته إذًا ليس عندنا هنا مصدر كذلك باب النسب فحينئذٍ ليشمل
هذا الحد كل أبواب الصرف فالأولى أن يقال: تحويل الأصل الواحد المراد
بالأصل الواحد هو المصدر وغيره ليشمل كل الأبواب إلى أمثلة، تحويل
الأصل الواحد إلى أمثلة، إلى أمثلة هذا جار ومجرور متعلق بقوله: تحويل.
إلى أمثلة فحينئذٍ المراد بالأمثلة هذا جمع
مثال والمراد به الأبنية جمع بناء ويقال بناء وبنية وصيغة ووزن وزنة،
والأبنية هذه المختلفة مراد بها الصِّيَغ التي تدل على المعاني الخاصة
مثل ماذا أمثلة؟ مثل الفعل الماضي وفعل المضارع وفعل الأمر والنهي واسم
الفاعل واسم المفعول واسم الآلة واسم المكان واسم الزمان هذه كلها
أمثلة وصيغ لها أوزان معينة، تحويل الأصل الواحد إلى أي شيء أنت حولت
الضرب إلى أي شيء؟ إلى أوزان وصيغ هذه الصيغ معينة تدل على معنى خاص
فإذا أردت مثلاً تحول الفعل المصدر الضرب إلى فعل ماضي متى يُشرع لك أن
تأتي بالضرب وهو مصدر على زنة الفعل الماضي، هذا لا بد أن يكون مرتبطًا
بمعنى في النسخ فأنت تريد أن تعبر عن إيقاع هذا الحدث الذي هو الضرب عن
إيقاعه في زمن قد مضى وانقطع عندك ضرب اسم فحينئذٍ إذا أردت أن تنذر
وتخبر بأن هذا الضرب قد وقع في زمن قد انقطع وانقضى فتأتي به على زنة
فَعَلَ ضَرَبَ، إذًا ضَرَبَ حولت الضَّرْبِ إلى ضَرَبَ أليس كذلك؟ لأي
غرض؟ لمعنى خاص أو بدون معنى؟ لمعنى خاص، هذا المعنى هو الذي قام
بالنفس، فحينئذٍ ضرب له صيغة معينة فعل ماضي له صيغة معينة إما أن يكون
من باب فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ كما سيأتي فإذا أردت الدلالة على
الفعل الماضي فتأتي به على زنة من هذه الأوزان الثلاثة ولا يمكن أن
تأتي به على زنة يَفْعُلُ أو يَفْعِلُ أو يَفْعَلُ لماذا؟ لأن الصيغة
الثانية هذه لها دلالة غير الدلالة السابقة لأنها تدل على إيقاع الحدث
في زمن الحالي، وفرق بين أن تدل بالكلمة بالصيغة بالزنة والبناء على
حدث وقع في الزمن الماضي أو يقع في الزمن الحال أو مطلوب إيقاعه في
الزمن المستقبل.
إذًا قوله: بلا أمثلة. أي أبنية وصيغ، فيقال: بِنَاء وبِنْيَة وصِيغَة
وَوَزْن وَزِنَة كلها أسماء مترادفة، والمراد بالبنية والزنة هيئة
الكلمة يعني عدد حروفها وتركيبها وحركاتها المعينة وسكناتها والحروف
الأصلية من الزائدة - وهذا سيأتي بيانه في مبحث الميزان الصرفي -.
إذًا الأمثلة المراد بها الصيغ الفعل
الماضي، والفعل المضارع، وفعل الأمر، واسم الفاعل، واسم المفعول،
والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم الزمان، واسم المكان والآلة هذا
المراد بها من السياق، لمعاني هذا جار ومجرور متعلق بقوله: تحويل. لأي
غرض؟ لإفادة المعاني المقصودة يعني ليست أو ليس النظر في الصرف فقد
يكون البحث فيه لفظيًا وقد يكون معنويًا، كل الصيغ التي ذكرتها الآن
البحث فيها من جهة المعنى يعني: ما تأتي بزنة فَعَلَ وَيَفْعُلُ وفاعل
ومفعول والمعاني متحدة أليس كذلك؟ فَعَلَ وَيَفْعُلُ وفاعل ومفعول
وَمَفْعِل ومَفْعَل هذه أوزان صِيَغُ لو جعلت في ضمن هذه الصيغ مادة
حروف قلت: ضَرَبَ وَيَضْرِبُ وَاضْرِب وضَارِب وَمَضْرُوب وَمَضْرِب أو
مَضْرَب هل المعاني متحدة، سؤال هل المعاني متحدة؟ الجواب: لا، إذًا
هذه المعاني مقصودة، لماذا غَيَّرت بين ضَرَبَ ويَضْرِب والحروف واحدة
لأي شيء؟ للصيغة للزنة للوزن هو الذي غيرت بين ضَرَبَ ويَضْرِب الحروف
واحدة ضَرَبَ يَضْرِب ضَارِب اضْرِب مَضْرِب مَضْرَب ضُرَّاب هذه كلها
الحروف واحدة المادة واحدة، كيف فرقت بين المعاني؟ لو قيل لك: زيد
ضَرَبَ زيدٌ عمرًا يَضْرِبُ زيدٌ عمرًا اضْرِب يا زيد هل المفهوم كله
واحد تفهمها مرة واحدة والمعنى واحد أو بمعاني مختلفة؟ بمعاني مختلفة،
ما الذي دل على الخلاف أو اختلاف هذه المعاني هي الصيغ.
إذًا ما وظيفة الصرف؟
يأتي إلى الوزن أو المصدر نفسه ويحوله إلى أبنية، هذه الأبنية التي
ذكرناها المشتقات العشرة كل بناء كل وزن له معنى خاص، أنت يكون في نفسك
الإخبار باسم فاعل فتأتي بضَارِب لأنك دللت به على ذات متصلة بحالة وهو
الضرب إذا أردت لها العكس أنه وقع عليه الضرب فتقول: مَضْرُوب زيد
مَضْرُوب. إذًا لا يمكن ضارب ومضروب هما مفترقان والذي فرق بينهما هو
الزنة الوزن تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة بمعالم، معالم هذا
جمع معلم وهو في الأصل مصدر ميمي من العناية نقل إلى معنى المفعول وهو
ما يراد من اللفظ، المعنى هو ما يُقْصَدُ من اللفظ. لو قيل لك: ما الذي
يقصد من ضرب؟ تقول: الإخبار على إيقاع ضَرْبٍ قد وقع وانقطع في الزمن
الماضي. ما المقصود مِنْ يَضْرِب؟ الإخبار بإيقاع ضَرْبٍ يقع في الزمن
الحال أو الاستقبال، ما المقصود يضرب؟ تقول: طلب إيجاد الضرب في الزمن
المستقبل. ما المقصود بضارب؟ دلالته على ذات متصفة بحدث هي التي أوجدت
الحدث أوقعت الحدث على الغير، مضروب ما المقصود بها؟
تقول: دلالة على ذات متصفة بحدث قد أُوقِعَ عليها.
إذًا فرق بين هذه المعاني، لمعاني مقصودة لا تحصل إلا بها، لا تحصل هي
أي: المعاني. إلا بها بالأمثلة، لا تحصل إلا بها يعني: لا تحصل تلك
المعاني المقصودة إلا بها يعني: بتلك الأمثلة، إلا بها أي: بتلك
الأمثلة.
هذا حد علم التصريف أو الصرف من حيث ماذا؟ من حيث الصناعة والعمل وهذا
الذي يحتاجه عمليًّا طالب فن الصرف.
وأما من حيث العلم فهو علم بأصول يُعرف بها
أحوال أبنية الكلمة التي ليست بإعراب ولا بناء. علم يعني: إدراك. علم
المراد به إدراك، ويمكن أن يكون مراد به المسائل نفسها، ويمكن أن يكون
المراد به الْمَلَكَة، ولكن نقول: الأصل حمله على الإدراك وهو وصول
النفس إلى المعنى بتمامه. ودائمًا الأولى أن يفسر العلم في حدود العلوم
أن يكون المراد به الإدراك. والإدراك المراد به وصول النفس إلى المعنى
بتمامه، يعني: يقع في النفس إدراك ووصول للمعاني المرادة بمتعلق العلم،
وهنا علق العلم بأصول باء حرف جر وأصول مجرور والجار مجرور متعلق
بقوله: علم. ولذلك عُدِّيَ هنا علم بأصول وإن كان الأصل أن مادة العلم
تتعدى بنفسها وقد تتعدى بحرف الجر، تتعدى بنفسها مثل ماذا؟ {يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}، {يَعْلَمُ مَا} ما اسم موصول بمعنى الذي في
محل نصب مفعول به {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 255]،
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ} [العلق: 14] تَعَدَّى بماذا؟ بالباء
إذًا قد يتعدى بنفسه فينصب مباشرة وقد يتعدى بالباء، إذا عُدِّيَ
بالباء يحتمل وجه آخر وهو أنه ضُمن العلم معنى الإحاطة لأن الإحاطة
تتعدى بالباء.
إذًا علم بأصول علم الإدراك مع الإحاطة، وهذا لا بأس به. وهنا التضمين
هو أن يُشرب اللفظ معنى لفظ الآخر فيُعَدَّى بما يُعَدَّى به ذلك
اللفظ، وهنا الإحاطة تتعدى بالباء، فحينئذٍ عُدِّيَ العلم بالباء لأن
الأصل وهو الإحاطة يَتَعَدَّى بالباء {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ
عِلْمِهِ} [البقرة: 255] لا يحيطون بشيء تعدى بالباء حينئذٍ ما ضمن
معنى الإحاطة يتعدى بالباء، مثل الشرب شربت كذا يتعدى بنفسه {عَيْناً
يَشْرَبُ بِهَا} لِمَ قال: {يَشْرَبُ بِهَا}. لأنه ضمن معنى الارتواء،
ارتوى بها فحينئذٍ عُدِّيَ بما يُعَدَّى به الأول، علم بأصول أصول جمع
أصل والأصل في اللغة ما يُبنى عليه غيره.
فَالأََصْلُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ بُنِي ... وَالْفَرْعُ مَا عَلَى
سِوَاهُ يَنْبَنِي (1)
وفيه الاصطلاح يُطلق ويراد به أربعة معاني، والمراد به هنا عندنا
القاعدة المستمرة ويطلق الأصل مرادًا به القاعدة وهو المراد هنا، علم
بأصول أي: بقواعد. جمع قاعدة أو بضوابط أو بأسس والأساس، والقاعدة،
والضابط، والقانون كلها ألفاظ مترادفة اصطلاحًا ويجمعها قضية كلية
يتعرف بها أحكام الجزئيات في موضوعها.
__________
(1) نظم الورقات للعمريطي البيت 11.
إذًا قضية كلية بمعنى أن موضوعها كلي لا
يختص بواحد دون آخر بل يشمل أفرادًا كثيرة، مثل اللفظ العام يشمل
أفرادًا كثيرة، قضية كلية لا جزئية يتعرف بها أحكام الجزئيات في
موضوعها لأن النظر في النحو مثلاً في قاعدة الفاعل مرفوع هذه قاعدة أصل
كما نقول في النحو: علم بأصول يعرف بها أحوال وأواخر الكلم إعرابًا
وبناء مثله علم بأصول، من أصول النحو تقريبًا لأن النحو واضح الفاعل
مرفوع هذه قاعدة أصل مطرد قاعدة عامة لا يخرج عنها فرد من أفرادها
أبدًا، قضية كلية هل اختصت بزيد دون غيره هل اختصت بإنسان واحد دون
غيره يعني: يصدق كل فاعل تحت قولنا: الفاعل المرفوع؟ كل فاعل إذًا قضية
كلية لا خاصة يتعرف بواسطتها بالنظر فيها أحكام جزئيات موضوعها، ما هو
الموضوع؟ ما هو المبتدأ في الفاعل المرفوع ما هو المبتدأ؟ الفاعل نقول:
الفاعل مرفوع لجملة اسمية مبتدأ وخبر الفاعل مرفوع حكمنا عليه بأنه
مرفوع، فالفاعل مبتدأ هنا ومرفوع خبر وهذه قضية كلية لفظ عام فحينئذٍ
نقول: الفاعل مرفوع قضية كلية إذا نظرنا فيها نستطيع أن نستنبط منها
أحكام جزئيات موضوعها لأن الفاعل هذا لفظ عام يشمل أو له آحاد وجزئيات
بلا نهاية، فتقول: جاء زيدٌ، قام زيدٌ، مات عمروٌ، ذهب خالدٌ، سافر
محمدٌ، فنقول: محمدٌ وخالدٌ وبكرٌ ووو .. إلى آخره هذه ما نوعها في باب
النحو؟ فاعل حكمنا عليها بأنها فاعل بتطبيق الحد، فحينئذٍ إذا أردنا أن
نكشف حكمه من جهة الإعراب فنقول: جاء زيدٌ. زيدٌ هذا فاعل، زيدٌ فاعل
ما حكمه؟ الرفع، من أين أخذت أنه فاعل وحكمه الرفع؟ من قولك: الفاعل
مرفوع وزيد فاعل حينئذٍ يلزم منه أن يكون زيد مرفوعًا، وهذا يركب تركيب
قياس من الشكل الأول فيقال زيدٌ من قولك: جاء زيدٌ فاعل، وكل فاعل
مرفوع فزيد مرفوع لأنه فاعل.
إذًا بواسطة هذه القاعدة تستطيع أنت تستنبط أحوال كثيرة لكل ما حكمت
عليه بأنه فاعل لأن الحكم على الشيء بالوصف الذي هو تحديد أنه فاعل أو
مفعول به هذا يؤخذ من جهة الحد، ثم إذا حكمت عليه بالحد وعينته على
غيره لأنه يلتبس عليه جاء زيد، زيد يحتمل أنه فاعل في الذهن ابتداءً أو
أنه مفعول به أو تمييز أو حال ما الذي يُمَيِّزُ لك هذا عن هذا؟ تطبيق
الحد، تطبق الحد أولاً فإذا طبقت الحد على زيد من قولك: جاء زيد. فإذا
به فاعل، ثم يرد السؤال ما حكم الفاعل؟ فنحتاج إلى قاعدة هذه قاعدة
مستنبطة من كلام أهل اللغة العرب وقيل: الفاعل مرفوع. كذلك المفعول به
.. إلى آخره.
مثله الصرف علم بأصول يعني: بقواعد. هذه
القواعد عامة كالفاعل مرفوع بها يتعرف أحكام الجزئيات موضوعها، كمثال
مثلاً نقول: الواو إذا تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألف. هذه
قاعدة عامة عندهم أصل إذا تحركت الواو أو الياء وانفتح ما قبلهما قلبت
ألفًا هذا من مشتهرات القواعد، فإذا تحركت الواو هل حددت أي كلمة؟ لم
تحدد مثلها مثل الفاعل هل حددت كلمة الفاعل زيد من قولك: جاء زيد. أو
عمرو من قولك: مات عمرو. ما حددت، إذًا كل ما يصلح أنه فاعل فيدخل في
قوله: الفاعل مرفوع. كذلك هنا الواو إذا تحركت الواو أي واو لم تعين أي
واو وإنما كل واو تحركت وانفتحت ما قبلها بشروطها الثمان فحينئذٍ تدخل
تحت القاعدة. قَوَلَ قال أصله قَوَلَ، تحركت الواو وانفتح ما قبلها
فقلبت ألفًا لماذا؟ نقول: قَوَلَ هذه واو متحركة انفتح ما قبلها هذه
مقدمة صغرى وكل واو تحركت وانفتح ما قبلها وجب قلبها ألفًا فقيل: قال.
بيع باع، بَاع أصل الألف هذه منقلبة عن ياء كيف انقلبت عن ياء؟ تطبيقًا
للقاعدة الأصل الذي معنا أصله بَيَعَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها
فقلبت ألفًا فتقول: بَيَعَ. تُنطق بالأصل تحركت الياء وانفتح ما قبلها،
وكل ياء - هذه قاعدة - وكل ياء تحركت وانفتح ما قبلها وجب قلبها ألفًا،
فحينئذٍ صار باع ومثله صام ودعا ... إلى آخره.
فحينئذٍ نقول: علم بأصول بقواعد عامة عند الصرفيين كما أن عند
الأصوليين قواعد عامة، وعند الفقهاء قواعد عامة، وعند النحويين قواعد
عامة، كذلك عند الصرفيين قواعد عامة.
العلم بهذه الأصول يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها التي ليست بإعراب
وقال: علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلمة. أحوال جمع حال والمراد
بها الصفة وأبنية الكلم جمع بناء، وسبق لنا معرفة أو المراد بالبناء
عدد الحروف وهيئيتها .. إلى آخره.
أحوال أبنية الكلمة. أحوال جمع حال والذي يمكن أن تتعلق به أبحاث
الصرفيين الأوائل والأواسط والأواخر. الأوائل يعني: مبحث الصرفيين قد
يتكلم عن أول الحروف مثل فَلْس صغره فُ تضم الفاء، إذًا حكم لك الصرف
بوجوب ضم أول الاسم المصغر إذًا مبحثه يتعلق بأوله، وبالثواني يعني
الأواسط وزيادة ياء قبل آخره فقيل: فُلَيْس فَلْ كان سكانًا أليس كذلك؟
فَلْسٌ ضم أوله في التصغير إذًا تعلق مبحث الصرفيين بالأوائل، وتحرك
اللام فُلَيْس وزيدت الياء فُلَيْسٌ إذًا الصرفي يبحث عن الأوائل ويبحث
عن الأواسط، الأواخر هنا يشترك النحوي مع الصرفي لأن مبحث النحوي هو
الكلمات العربية مفردة الكلمات العربية بعد تركيبها من حيث الإعراب
والبناء، كون الكلمة مبنية وأين تظهر علامة البناء وحركة البناء؟ آخر
الكلمة، لا تظهر في الأول ولا في الأثناء، وأين تظهر حركة الإعراب؟ في
الآخر إذًا لا في الأول ولا في الأثناء.
إذًا النحوي انقطعت علاقته بالأوائل والأواسط وبقي له بعض الأواخر.
الصرفي يشترك مع النحوي في الأواخر، لكن لا
من حيث الإعراب والبناء وإنما من حيثيات أخرى كالإدغام شدة {قَالَت
طَّائِفَةٌ} هنا حصل إدغام {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] {قُمِ} أصلها
ساكنة التقى ساكنان ومبحث التقاء الساكنين هذا يبحث عنه الصرفيون فيحكم
لك بأن الأول الأصل أنه يحرك بالكسر فقيل: {قُمِ اللَّيْلَ} الكسرة هذه
من مبحث الصرفيين أو النحاة؟ الصرفيين لأنها ليست بكسرة إعراب وليست
بكسرة بناء فإذا لم تكن كسرة إعراب ولا بناء ارتفع علم النحو واختص
بالصرف.
إذًا قد يشترك الصرفي مع النحوي في الحرف الأخير من حيث ماذا؟ الصرفي
ينفرد من حيث عدم النظر إلى الإعراب والبناء في الأواخر، الكلام في
الأواخر، الأوائل والأواسط انتهينا النحوي ارتفع لا علاقة له، لكن
يشترك النحوي مع الصرفي في الأواخر نظر النحوي من حيث الإعراب والبناء
فإن كانت الحركة حركة إعراب فهي من مبحثه وإن كانت الحركة حركة بناء
فهي من مبحثه، إذا لم تكن كذلك فليست من مبحث النحوي، مثل دعا أصله
دَعَوَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، هذا مبحث متعلق
بالأخير هل النحوي له مدخل في هذا؟ الجواب: لا، لكن كون هذه دعا فعل
ماضي مبني على فتح المقدر هنا نظر النحوي لماذا؟ لأنه من حيث البناء.
إن كان متعلق الحرف الأخير البناء والإعراب فهذا مختص بالنحوي إن لم
يكن كذلك فهو مختص بالصرفي.
اشترك النحوي في قوله: أحوال أبنية الكلم. لأن هذا عام يشمل ماذا؟
الأوائل والأواسط والأواخر لما اشترك علم النحو هنا وخرجت بقوله: علم
بأصول يعرف به أحوال أبنية الكلم. خرجت كل مباحث أو علوم اللغة ولم يبق
معنا إلا الصرف والنحو فدخل النحو معنا في قوله: أحوال أبنية الكلم.
فأخرجه بقوله: التي ليست بإعراب ولا بناء. إذًا عرفنا الآن حد ماذا؟
الصرف لغةً واصطلاحًا لكن الذي عليه العمل هو تحويل الأصل الواحد إلى
أمثلة مختلفة لمعاني مقصودة لا تحصل إلا بها، لأن الطالب إنما يحتاج
هذا لفهم ما تتعلق به تلك المعاني المقصودة.
موضوعه علم الصرف في أي شيء؟
ما موضوع علم الصرف؟
ما متعلقه؟
المفردات العربية كعلم النحو، مبحث علم النحو الكلمات العربية لكن
الكلمات العربية بعد تركيبها لأن الكلمة قبل التركيب ليست معربة ولا
مبنية والإعراب والبناء طارئان بعد التركيب، فحينئذٍ مبحث النحو أو
النحاة أو موضوع علم النحو هو الكلمات المفردة العربية أو المفردات
العربية لكن من حيث الإعراب والبناء وإنما يكون الإعراب والبناء بعد
التركيب، إذًا قبل التركيب لا إعراب ولا بناء.
مبحث الصرفي في الكلمات العربية وهذه قبل
التركيب ولذلك نقول: دعا زيدٌ عمرًا. دعا، دعَا فعل ماضي مبني على فتح
المقدر أنت ركبتها وهي دَعَا ولا دَعَوَ؟ دَعَوَ؟ دعا، قلت: دعا زيد.
وقبل التركيب حصل إعلال للقلب وهو كون هذه الألف منقلبة عن واو أصلها
دَعَوَ فأجري عليه مبحث الصرفيين بتطبيق القاعدة السابقة فقلبت الواو
ألفًا ثم ركبت فحينئذٍ لا يشترط في مبحث الصرفيين في تعلقه بالكلمات
العربية أن تكون بعد التركيب وإنما النظر إلى المفردات من حيث هي لأن
متعلق القواعد العامة التي عندهم لا ترتبط بالتركيب لأن الذي يرتبط
بالتركيب هو الإعراب والبناء، حينئذٍ نقول: الكلمات العربية هي موضوع
فن الصرف والكلمات هذه جمع كلمة والمراد بالكلمة قول مفرد وهي: اسم،
وفعل، وحرف. إذًا هي ثلاثة أنواع: اسم، وفعل، وحرف. هل كل الكلمات
العربية تكون متعلقة بمبحث فن الصرف أم بعضها دون بعض؟ الجواب: الثاني.
ليس كل اسم يتعلق به فن الصرف، وليس كل فعل يتعلق به فعل مبحث الصرفية،
وإنما بعض الأسماء دون البعض وبعض الأفعال دون البعض والحرف لا تعلق له
أصلاً، حينئذٍ يعرف طالب العلم أن المبحث هنا ليس متعلقًا بكل ما هو
كلمة لأن الكلمة ثلاثة أنواع: اسم، وفعل، وحرف. بل هو متعلق ببعضها دون
بعض والذي يتعلق به مبحث الصرفيين شيئان أو أمران لا ثالث لهما: الاسم
المتمكن، والأفعال المتصرفة. الاسم المتمكن، والفعل المتصرف وإن شئت
قل: الأفعال المتصرفة ما عدا ذلك وهو الحرف بأنواعه والاسم المبني
والفعل الجامد لا مبحث للصرفيين فيها البتة.
الاسم المتمكن المراد به المعرب، ولذلك سُمِّيَ الْمُتَمَكِّن ويقال:
الأمكن لماذا؟ لأنه تمكن في باب الإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى ولا
الفعل فيبنى أو ينصرف أليس كذلك؟ .. لا، الاسم الْمُتَمَكِّن هو مقابل
للاسم غير المتمكن لأن الاسم إما أن يكون متمكنًا وإما أن يكون غير
متمكن، الاسم غير المتمكن هذا هو المبني وهو ما أشبه الحرف، الاسم غير
المتمكن هو المبني وهو ما أشبه الحرف شبهًا قويًا، لذلك قسم ابن مالك
الاسم إلى معرب ومبني.
وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ
مُدْنِي (1)
إذًا القسمة ثنائية ولا ثالث لهما وخطئوا من أثبت الواسطة، فالاسم الذي
أشبه الحرف هذا مبني إذًا المعرب هو الذي لم يشبه الحرف، الذي لم يشبه
الحرف هو المعرب وهذا قسمان ويسمى بالمتمكن وهو قسمان:
متمكن أمكن.
ومتمكن غير أمكن.
المتمكن الأمكن هذا الذي يدخل تنوين التمكين، المصروف كزيد وعمرو وبيت
ومسجد ... إلى آخره هذه نقول: أسماء معربة متمكنة ويدخلها تنوين
التمكين وهو التنوين الدال على تمكن الاسم في باب الاسمية أو باب
الإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف، يقابله
المتمكن غير الأمكن وهو الذي أشبه الفعل وهو الممنوع من الصرف.
__________
(1) ألفية ابن مالك البيت 15.
الاسم المتمكن بنوعيه مبحث للصرفيين الاسم
المبني لا تعلق للصرفيين بالاسم المبني، الحرف بأنواعه لا علاقة
للصرفيين به، الفعل إما أن يكون متصرفًا أو جامدًا، والمراد بالمتصرف
سواء كان تصرفًا تامًا أو ناقصًا، وهو ما، مَا هو المتصرف؟ ما جيء
بالماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة
وأفعل التفضيل من مصدره. إذًا له مصدر وله ماضي وله مضارع وله أمر وله
اسم فاعل يسمى المتصرف لأنه يدخله التحويل والتغيير، وقد يكون بعض
أنواع الفعل المتصرف غير تام يعني: لم يسمع منه إلا الماضي والمضارع،
أو سمع منه المضارع والأمر مثلاً مع الأصل فحينئذٍ يكون متصرفًا غير
تام لكن أصل التصريف والتغيير والتحويل إلى أمثلة وهذه الأمثلة ولو
كانت بعض دون بعض فحينئذٍ يسمى متصرفًا لكنه متصرف تصرفًا ناقصًا إذًا
مبحث الصرفيين يتعلق بالاسم المتمكن خرج الاسم المبني، الاسم المبني لا
علاقة للصرفيين به لم يمر عليك في باب الصرف أي بحث للاسم المبني
فترتاح، الفعل المتصرف أخرج الفعل الجامد الذي لم يُسمع إلا الفعل
الماضي ولم يسمع له مصدر أو فعل مضارع أو أمر .. إلى آخره، مثل ليس،
ليس هذا فعل جامد ليس له مصدر وليس له فعل مضارع وليس له فعل أمر ولا
اسم فاعل .. إلى آخره، بل هو جامد فإذا كان جامدًا كيف نطبق عليه تحويل
الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة ممكن؟ ما يمكن هو جامد باقٍ على حاله لم
يُسمع له مصدر حتى يحول إلى أمثلة، ولم يسمع له فعل مضارع حتى يأتي
المتكلم بالفعل المضارع، ومثله عسى ونعمة وبئس هذه كلها أفعال جامدة،
إذًا امتنع الاشتقاق فيها لماذا؟ لعدم تطبيق حدِّ الصرف عليها، وهو
تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لا يمكن تطبيقها على عسى ونعمة
وليس .. إلى آخره إذًا ما عدا ذلك لا يكون من مباحث علم الصرفيين.
سُمِعَتْ بعض الألفاظ تصغيرها وتثنيتها وهي مبنية ذا وتا والذي والتي
هذا كما هو مشهور في باب الأسماء الإشارة والموصولات اختلف النحاة فيها
هل هي مثناة حقيقة أو لا؟ هل هي معربة أو مبنية لكن على القول بالبناء
أسماء الإشارة مبنية كلها سُمِعَ ذَانِ في الرفع وذَيْنِ في النصب
والجر، وتَانِ في الرفع وتَيْنِ في النصب والجر، واللذان وهو اسم موصول
وهي مبنية في الرفع واللذين في النصب والجر، واللتان في الرفع واللتين
في النصب والجر. ومعلوم أن ذا اسم إشارة للمفرد مذكر وتا اسم إشارة
للمفردة مؤنثة، والذي اسم موصول للمفرد المذكر خاص والتي اسم موصول
للمفردة المؤنثة وهو موصول خاص، وهي موصلة أسماء الإشارة، ومعلوم أن
التثنية من أبواب التصريف، والتصغير من أبواب التصريف لأنه سُمِعَ
ذَيَّ وتَيَّ والذَيَّ والتَّيَّ تصغيرها فكيف صغرت هذه وهي أسماء
مبنية وقلنا: المبنيات لا مدخل للصرفيين فيها، وكيف ثُنِّيَتْ وذكرنا
أن المثنى من أبواب الصرف ولا مدخل لمباحث الصرفيين في الاسم المبني؟
الجواب: إما أن نقول: هذه ليست من مثناة
الحقيقة وليست مصغرة حقيقية وإنما هي ألفاظ وضعت لإرادة الاثنين
بالمثنى وللدلالة على المصغرة ابتداء وضعت هكذا، وضعت ذان ووضعت ذَيْنِ
ووضعت تَانِ وتَيْنِ واللذان واللذين واللتان واللتين مباشرةً وبقيت
على ما هي عليه، فاللذان مبني على الألف واللذين مبني على الياء كما
سُمِعَ
(نحن اللَّذون صَبَّحوا الصَّباحا) (1)
اللذون والذين فالذين مبني على الياء واللذون مبني على الواو مثل هذه
لأنها لو كان مثناة حقيقة لقيل في ذا تصغيره لقيل في ذا يصغر على ذوات
بلقب الألف واو لأن عصا اسم تصغير بالتثنية لو قيل: ذا تثنيته على
ذَوَانِ وذَوَيْنِ، ذَوَانِ في الرفع وذَوَيْنِ في النصب والجر لكن ما
سُمِعَ هذا فدل على ماذا؟
على أنها ليست مثناة حقيقة، لأن عصا يقال فيه: عصوان بقلب الألف واوًا،
وذا القاعدة لو كانت تصح تثنيته لوجب قلب ألفه واوًا فقيل ذَوَانِ لكن
لم يسمع هذا فدل على ماذا؟ على أنه ليس بمثناة حقيقة وإنما وضع في أول
ما وضع عليه مثنى، وهذا لا بأس به، لا بأس أن يوضع اللفظ مباشرة
ابتداءً مثنى على صيغة المثنى، كذلك ذَيَّ وتَيَّ واللذيَّ واللتيَّ
تصغير لو كان قياسيًّا لضم أوله فالس تصغيره على فُلَيْس ولم يكن
ذُوَيَّ هنا بضم الذال وإنما قيل ذَيَّ بفتح الدال فدل على ماذا؟ على
أنه ليس مصغرًا حقيقةً لو سُلِّمَ بأنه مثناة بأن هذه الألفاظ مثناة
حقيقة أو مصغرة حقيقة فهي شاذة فهي ألفاظ تحفظ ولا يُقاس عليها،
فحينئذٍ القول بأن الصرف لا يدخل الأسماء المبنية لا اعتراض عليه
البتة، ولو سُمِّيَ ذَا وتَا والذي والتي نقول: هذه ليست من مثناة
حقيقة، ولو سلم أنها مثناة حقيقة وحينئذٍ نقول: هذه شاذة وشذوذها من
جهتين:
من جهة الإقدام عليها لأنها مبنية ولا يصح تثنية إلا المعربات.
ومن حيث الصورة لم تجر على سَنَنِ وقاعدة العرب، لأن قاعدة العرب في
التثنية لها متحدة لقلب الألف واوًا وكذلك في المصغر له قاعدة مطردة
متحدة لا تختلف في باب دون باب حينئذٍ ذُوَيَّ هذا أصل فيه ولا يقال
ذَيَّ.
وَلَيْسَ هَذَا بِمِثَالٍ يُحْذَى ... فَاتَّبِعِ الأَصْلَ وَدَعْ ما
شذَّا (2)
إذًا عرفنا بهذا الموضوع فن الصرف وأن مبحثه الألفاظ العربية والمراد
به الاسم المتمكن والفعل المتصرف.
__________
(1) وتتمة البيت:
نحن اللَّذون صَبَّحوا الصَّباحا ... يومَ النُّخِيلِ غارةً مِلحاحا
والبيت مذكور في خزانة الأدب (6/ 23) من أرجوزة أوردها أبو زيد. # #
(2) ملحة الإعراب آخر بيت في فصل الحروف الزائدة.
حكمه: فرض كفاية كما ذكرناه في أول المقام،
وعلى المفسر فرض عين كالنحو وكالبلاغة لأن هذه الفنون كلها يخدم بعضها
بعضًا، فالصرف يتعلق بالمفردات، والنحو يتعلق بالتراكيب من حيث إفادة
الإعراب لأنه الذي يقصر به التفاوض والتخاطب بين الناس وكذلك يفهم به
كلام الوحي، والبلاغة هي كان ما يُسمى الآن بالترميم ونحو ذلك، فالأصل
أن تقام المفردات كاللبنة البناء ثم نُشَيَّدُ بالنحو، ثم بعد ذلك
يُتَمَّم و .. إلى آخره بفن البلاغة، أشبه ما يكون بالبيت البناء الآن،
تأتي باللبنة تضعها هذا هو الصرف لأن متعلقه المفردات، ثم إذا تممت
البيت ونحوه فهذا هو متعلق النحو، ثم إذا رممت وحسنت وصلحت وتممت هذا
فن البلاغة، ولذلك لا تسكن بيتًا هكذا دون أن يرمم أليس كذلك؟ فلا يقال
أنه خارج عنه البلاغة يعني بعضهم يتعدى عليها ويسميها البلاهة، وهذا
خطأ وهذا ليس بصحيح.
الميزان الصرفي وهو المبحث الرابع لأنه مهم ولن يفهم هذا الكتاب إلا
بفهم الميزان الصرفي الميزان الصرفي عرفنا أن الأبنية والأمثلة
المختلفة هي الصيغ، هي الصيغ، والمراد بها عدد الحروف وهيئتها وترتيبها
وحركاتها المعينة وسكناتها والحروف الأصلية والزائدة كل في موضعه لا
يتقدم حرف على حرف، أراد الصرفيون أن ينظروا في هذه الأبنية وأن يحكموا
على كل حرف بما نُطق به أولاً، وأن يحكموا على الحرف بكونه زائدًا أو
أصليًّا وبكونه مقدمًا أو متأخرًا، فاخترعوا واستنبطوا ما يُسَمَّى
بالميزان الصرفي مأخوذ من الوزن ميزان أصله ميوزان سكنت الواو وكسر ما
قبلها فقلبت ألفًا هذا من قواعده إذا سكنت الواو وانكسر ما قبلها وجب
قلب الواو ياءً فقيل: ميزان. لأنه مأخوذ من الوزن أين الواو؟ هي الياء
التي انقلبت ياءً، الواو هي الياء التي انقلبت في كلمة ميزان.
إذًا أرادوا أن ينظروا في هذه الحركات وهذه الهيئات وهذه الحروف
فاخترعوا هذا الميزان الصرفي لأن الميزان مأخوذ من الوزن ما يعرف به
قيمة الشيء أو كمية الشيء فحينئذٍ أرادوا أن يزنوا هذه الألفاظ الثلاث
الأول الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة فاخترعوا هذا ما يُسمى
بالميزان فحينئذٍ فائدة الميزان أمران لا ثالث لهما، فائدة الميزان
لماذا وضع الصرفيون الميزان؟
أولاً: أن يفرق بين الحرف الأصلي والزائد في الأكثر باختصار لماذا؟
لأنه لو قيل ضَرَبَ على وزن ماذا؟ فَعَلَ أين الوزن؟ فَعَلَ ما
الموزون؟ ضَرَبَ، إذًا عندنا وزن وعندنا موزون، مثل ما تضع الميزان،
الميزان الحسي هذا تضع كيلو تفاح فيه الموزون هو التفاح والوزن هو عين
ما يُوزَن به، فَعَلَ هو الميزان، وضَرَبَ هو الموزون. إذًا لو قيل لك:
أين الحروف الأصول في ضَرَبَ؟ تقول: الضاد والراء والباء أصول. لكن لو
قلت: ضَرَبَ على وزن فَعَلَ حصل اختصار أو لا؟ وحكمت على أن هذه الحروف
الثلاثة كلها أصول لماذا؟
لأنك قابلت الضاد بالفاء فدل على أنه أصلي،
وقابلت الراء بالعين فدل على أنها أصلي، وقابلت الباء باللام فدل على
أنها أصلي، لأن ما يقابل فاء الميزان أصلي وما يقابل عين الميزان أصلي
وما يقابل لام الميزان أصلي، فحينئذٍ باختصار وفرقت أو حكمت على كون
ضَرَبَ كلها من الأصول، وَأَكْرَمَ على وزن أَفْعَلَ إذًا ليس كضرب
ضَرَبَ أقصر ومع ذلك احتجنا إلى الميزان لأن ضَرَبَ كلها أصول لكن
أَكْرَمَ فيه أصول وفيه زوائد، أَكْرَمَ لو قيل: ميز ما حروف الأصول
وما حروف الزوائد؟ فقلت: الهمزة زائدة، والكاف أصلية، والراء أصلية،
والميم أصلية. هذا كلام طويل لكن لو قلت: أَفْعَلَ. حكمت بالميزان ما
هو الزائد إذًا نطقت أَفْعَلَ مباشرةً السامع الذي يفهم ويعرف القواعد
يحكم مباشرة أن الهمزة زائدة أليس كذلك؟ لأن ما قابل الفاء أصل وهو
الكاف، وما قابل العين أصل وهو الراء، وما قابل اللام أصل وهو الميم،
والهمزة نزلت كما هي في الميزان فدل على ماذا؟ على أنها زائدة أم أصل؟
زائدة لأنها لم تقابل بالفاء ولا العين ولا اللام وكل موزون لم يقابل
بالفاء أو العين أو اللام حكمنا عليه بأنه زائد، إذًا لو قيل لك ما
الزائد والأصل في قولك: أَكْرَمَ. فقلت: أَفْعَلَ على وزن أَفْعَلَ.
حصل الاختصار اسْتَفْعَلَ اسْتَغْفَرَ مثلاً، اسْتَغْفَرَ واسْتَخْرَجَ
على وزن اسْتَفْعَلَ بدلاً من أن تقول: الألف والسين والتاء زوائد،
والغين والفاء والراء أصول قلت على وزن اسْتَفْعَلَ السامع يحكم مباشرة
أن الثلاثة الأول زوائد والثلاثة الأخر أصلية.
إذًا فائدة الميزان أن يُمَيَّزَ عند السامع الحرف الأصلي عن الزائد،
قد تكون كلها أصول فحينئذٍ إذا سمع السامع فَعَلَ أو فَعْلَلَ كدعرج
يحكم بأن الكلمة كلها أصول وإذا سمع أَفْعَلَ أو اسْتَفْعَل أو
انْفَعَلَ حكم بماذا؟ أن الكلمة مشتملة على أصول وعلى زوائد.
باختصار يعني: بدلاً أن يشرح فيقول: الألف زائدة والسين زائدة والتاء
زائدة والغين أصلية والفاء أصلية والراء أصلية، هذه سلسلة جمل فبدلاً
من هذا اختصر وقال: استغفر على وزن استفعل في الأكثر هذا لأنه قد لا
يميز في الوزن الزائد عن الأصلي كما في قَطَّعَ على وزن فَعَّلَ هنا
العين الطاء الثانية زائدة وليست بأصلية لكن لم يميز في الوزن لما
سيأتي بيانه.
الأمر الثاني: بيان محل الحرف الأصلي. بيان
محله في الوزن بأن يبقى كما هو إن كن متأخرًا وإن كان متقدمًا فحينئذٍ
في الوزن يجب أن يكون كما هو الحال في موزنه فإن تقدم حرف على حرف في
الموزون وجب أن يتقدم كذلك في الوزن فمثلاً أَيِسَ على وزن أَيِسَ على
وزن فَعِلَ هكذا الظاهر يكون فَعِلَ مباشرةً لكن نقول: أيس ما مصدره؟
اليأس الهمزة متقدمة عن الياء أم الياء متقدمة عن الهمزة؟ الياء يأس
الياء متقدمة إذًا في المصدر يَأْسٌ على وزن فَعْلٌ إذًا الياء هي
الفاء والهمزة هي العين طيب وأَيِسَ الهمزة صارت ماذا؟ صارت فاءً
والياء صارت عينًا واليَأْسُ يَأْسُ الياء هي الفاء والهمزة هي العين
وأَيِسَ الهمزة هي الفاء والياء هي العين إذًا فيه قلب فحينئذٍ أَيِسَ
على وزن عَفِلَ وليس على وزن فَعِلَ، ما الذي دلنا على ذلك؟ المصدر،
بالنظر إلى المصدر إذًا من فوائد الميزان أنه يبين المتقدم من المتأخر،
فَأَيِسَ لها أمثلة طويلة ذكرناها في شرح ((المقصود)) وهنا نختصر فقط
ما ذكرناه في ... ((المقصود)) فَأَيِسَ قد يظن الظان أنه من باب فَعِلَ
نقول: لا، رحمك الله ليس من باب فَعِلَ لأنك لو نظرت تقول: هذا فيه قلب
مكاني جاءت العين فاء والفاء عين فحينئذٍ وزن أَيِسَ عَفِلَ بتقديم
العين على الفاء وتأخير الفاء على العين لماذا؟ لأنه مأخوذ من اليَأْس،
واليَأْس وزنه فَعْلٌ مثل ضَرْبٌ مثل الضَّرْبٌ، وضع الميزان في أصله
على ثلاثة أحرف الأصل أنه على ثلاثة أحرف فَعْل اختاروا له الفاء
والعين وماذا؟ واللام ثلاثة أحرف، فَعْلٌ فَعَلَ، أو فَعْلٌ في الأسماء
وفي الأفعال مع أن الكلمة في الأصول - لأن المبحث الصرفيين يتعلق
بالأفعال وبالأسماء - من الكلمات ما هو ثلاثي، ومنها ما هو رباعي،
ومنها ما خماسي، فاختاروا الصرفيون أن يضعوا المصدر على ثلاثة أحرف مع
أن المتبادر إلى الذهن أن قد وضع على خمسة أحرف لماذا؟ لأن عندنا من
الكلمات ما هو على ثلاثة وهي الأصول وهذا يشترك فيه الفعل والاسم لأن
الاسم يكون ثلاثيَّ الأصول والفعل يكون ثلاثيَّ الأصول، والرباعي وهذا
أيضًا يشترك فيه الاسم والفعل لأن الاسم يكون رباعي الأصول مثل جعفر
ويكون رباعي والفعل كذلك يكون رباعي الأصول، والخماسي هذا يختص به
الاسم دون الفعل فالفعل لا يكون خماسي الأصول أبدًا، وإذا وجد من
الأفعال ما هو على خمسة أحرف نحكم بأن الخامس هو زائد.
طيب لِمَ اختار الصرفيون كون الفعل الوزن
على ثلاثة أحرف فلم يكن أربعة أو خمسة قالوا: لأنا لو وضعناه على خمسة
وأردنا أن نزن الرباعي فماذا نصنع؟ نحذف منه حرفًا لأن الوزن على خمسة
أحرف والموزون رباعي إذًا لم يطابق لا بد من حذف حرف، وإذا وضعناه على
خمس وأردنا أن نزن الثلاثي لا بد من حذف حرفين، ولو وضعناه رباعيًا
ووزن به الخماسي لا بد من زيادة حرف، ولو وضعناه رباعيًا ووزننا به
الثلاثي لا بد من حذف الحرف، إذًا لو وضع خماسيًا لا بد من الحذف ولو
وضع رباعيًا لا بد من الحذف، ولو وضع ثلاثيًا ووزن به الرباعي زيد
حرفًا ولو وزن به الخماسي لزيد حرفان ولم ينقص منه، وعندهم قاعدة أن
الزيادة أسهل من الحذف حينئذٍ ارتكاب ما يؤدي إلى الأسهل أولى من
ارتكاب ما يؤدي إلى ما هو دونه، فوضعوه على ثلاثي لأنه لا حذف فيه
البتة وإنما فيه زيادة، هذا نظر من حيث التعليل، وما هو أدق من هذا أن
يقال أكثر الكلمات ثلاثية فراعوا الكثرة من حيث وضع الوزن، حينئذٍ يكون
وضعوا الميزان على ثلاثة أحرف لسببين:
- لأن أكثر الكلمات ثلاثية، وهذا بالتتبع والاستقراء، وهذا صحيح أكثر
الكلمات ثلاثية، الثلاثي أكثر من الرباعي لأن الرباعي ثقيل على اللسان
لزيادة حرف، والرباعي أكثر من الخماسي والخماسي قليل باعتبار النوعين.
- من حيث التعليل يقال: إن الثلاثي إذا وزن به الرباعي أو الخماسي يزاد
به حرفًا أو حرفان ولا يحذف منه شيء بخلاف الرباعي أو الخماسي لو وزن
منه لا بد من الحذف، والزيادة عندهم أسهل من الحذف.
لِمَ اختاروا الفاء والعين واللام دون غيرها من الحروف لماذا قالوا:
فَعَلَ؟
اختاروا الفاء والعين واللام نقول: لا، أخذوا من كل مخرج حرفًا فَعَلَ،
والمخارج ثلاثة أخذوا من كل حرفٍ مخرجًا لأن المخارج ثلاثة وأريد أن
يشارك كل مخرج بحرف فقيل فَعَلَ، هذا تعليل وبعضهم لم يسلم بهذا.
أيضًا الفعل أو معنى الفعل أعم الأحداث كلمة فَعَلَ أو فِعْل نقول: هذه
تصدق على كل حدث لو قيل: هل صمتَ؟ تقول: قد فعلتُ. هل قمتَ؟ قد فعلتُ،
هل ذهبتَ؟ قد فعلتُ، هل سافرتَ؟ قد فعلتُ، يصح أن تجيب عن كل حدث بهذه
اللفظة أليس كذلك؟ فحينئذٍ صارت أعم الأحداث صام هذا يتعلق بحدث معين
ولا يشمل القيام وغيره لكن الفعل يصدق على كل الفعل {الَّذِينَ هُمْ
لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] والأصل يكون مزكون صحيح؟ لِمَ
قال فاعلون؟ لأن الفعل يصدق على الزكاة وغيرها حينئذٍ يصح هذا الوصف قد
فعلتُ أن يقع جوابًا في كل سؤال عن حدث ما، وهذا لا خلاف عند الصرفيين
في هذا.
عرفنا الآن لماذا اختاروا الفاء والعين واللام.
كيفية الوزن: كيف نزن الموزونات، ذكرنا أن عندنا وزن وعندنا موزون
والوزن هو الذي نبحث فيه، عندنا وزن وعندنا موزون فَعَلَ هو الوزن
وضَرَبَ هو الموزون ما كان على ثلاثة أحرف وافق الوزن موزونه أليس
كذلك؟ وافق الوزن موزونه فتجعل ضَرَبَ على وزن فَعَلَ، فالضاد قوبلت
بالفاء، والراء قوبلت بالعين، والباء قوبلت باللام. فحينئذٍ يقال في
الضاد: فاء الكلمة. تسمى الضاد ضَرَبَ تسمى فاء الكلمة، والراء تسمى
عين الكلمة لأنها قوبلت بالعين في الوزن، والباء تسمى لام الكلمة.
إذًا ما قوبل به وكان متساويًا معه فَعَلَ
وضَرَبَ نقول: هذا مراد لموزنه، اتفق العدد، اتفق عدد الحروف فحينئذٍ
لا إشكال من حيث الحكم على الموزون على كل حرف بأنه أصل لأن أقل ما
يكون عليه الفعل والاسم ثلاثة أحرف، ولا يكون على حرفين إلا لعلة
تصريفية في الأفعال وفي الأسماء لو وجد على حرف أو حرفين حينئذٍ يكون
مبنيًا ولا يكون متمكنًا وعليه خرج عن حد أو مبحث الصرفيين هذا إن كان
ثلاثيًا، إذًا من جهة المقابلة الحروف في الوزن يقابل فاء الكلمة
بالفاء في الوزن وعين الكلمة بالعين في الوزن واللام كذلك، والحركات
لأن فَعل فَ هذه لا بد من حركة، والعين حرف لا بد من حركته، واللام لا
بد من حركته لماذا تحركوا الوزن؟ تحركه بما حُرِّكَ به الموزون ضَ
بالفتح إذًا فَ ضَرَ إذًا العين تكون بالفتح اللام هذا محل إعراب
عَلِمَ وزنه فَعِلَ إذًا العين فاء الكلمة واللام عين الكلمة واللام
عَلِمَ لام الكلمة، وحركت فاء الكلمة الفتح وحركت عين الكلمة الكسر
فحينئذٍ تُكْسر في الوزن فيقال: عَلِمَ على وزن فَعِلَ، كَرُمَ على وزن
فَعُلَ، إذًا تحرك الوزن بما حرك به الموزون، هذا في الثلاثي.
طيب لو كانت الكلمة مشتملة على حرف زائد باعتبار الوزن يعني: الموزون
على أربعة أحرف والوزن على ثلاثة أحرف ماذا نصنع؟ نقول: الزيادة التي
تكون في الموزون لا تخلو عن ثلاثة أحوال هذه لا بد من ذكرها ستأتينا في
الفعل - لا تظنوا أن هذا خروج عن الأصل - لا تخلو عن ثلاثة أحوال تلك
الزيادة التي تكون في الموزون وهو أربعة أحرف وزيادة لا تخلو عن ثلاثة
أحوال:
- أن تكون الزيادة فيه من أصوله وهذا متى؟ إذا كان الموزون رباعي
الأصول أو خماسي الأصول، لأن الرباعي من الكلمة قد يكون على أربعة حروف
الأصول مثل دحرج هذا أربعة أحرف وكلها أصول وهو فعل ماضي لأنه كما سبق
الفعل قد يكون ثلاثيًا وقد يكون رباعيًا، والرباعي منه ما هو رباعي
الأصول ومنه ما هو رباعي بالزيادة والكلام في الأصول، فدحرج لو أردنا
أن نزنه نقول: دَحْرَجَ الجيم هذه زائدة على الوزن لأن الفاء تقابل
الدال الأولى، والعين تقابل الحاء، واللام تقابل الراء، والجيم ماذا
لها؟ لم يكن في الوزن ما يقابل الجيم الذي هو الحرف الأصلي فحينئذٍ
ننظر في هذا الحرف هل هو أصلي أم زائد باعتبار الوزن هو زائد على الوزن
لا إشكال لكن باعتباره نفسه وهو موزون حرف أصلي قالوا: إذا كانت
الزيادة فيه من أصل الكلمة تزاد لام ثانية في الوزن فيقال: دَحْرَجَ
على وزن فَعْلَلَ زادوا لامًا ثانية، فصارت اللام الأولى دالة على
كونها أصلاً والثانية دالة على كونها أصل، جَعْفَر على وزن جَعْفَرٌ
فَعْلَلٌ هذا في الأسماء وذاك في الأفعال، إذًا أن تكون الزيادة فيه من
أصوله وهذا النوع يوزن بهذا الميزان فَعَلَ مع زيادة لام ثانية إن كانت
رباعية نحو جَعْفَر فَعْلَل ودِرْهَمٌ فِعْلَلٌ ومثله دَحْرَجَ #
1.12.22 .... لأنها رباعي في الأسماء وفي الأفعال والزيادة هذا الحرف
الرابع هو حرف أصلي من أصل الكلمة.
النوع الثاني من الزيادة: أن تكون الزيادة
ناشئة عن تكرير حرف أصلي سواء كان هذا التكرير من إلحاق أم لغيره من
المعاني. الإلحاق سيأتي شرحه في موضعه مثل ماذا؟ جَلْبَبَ قالوا: هذا
فعل ماضي على وزن فَعْلَلَ، لكن الأصل فيه أنه يوزن بفعل وهو على أربعة
أحرف جَلْبَبَ الجيم هو فاء الكلمة واللام هو عين الكلمة والباء الأولى
هو لام الكلمة، الحرف الرابع الزائد وهو الباء هذا ليس بحرف أصلي ليس
مثل الجيم في دحرج ولكن هذه الزيادة هذا الحرف زائد للإلحاق - وسيأتي
معنى الإلحاق والكلام فيه يطول - فحينئذٍ في مثل هذا قالوا: نزيد لامًا
ثانية فنقول: جَلْبَبَ على وزن فَعْلَلَ. فحينئذٍ ورد الإشكال فيما
ذكرناه في السابق أن الوزن في أصل وضعه عند الصرفيين أنه يُمَيِّزُ
الأصلي عن الزائد، وهل حصل التمييز في هذا؟ الجواب: لا، ولذلك قلنا
هناك لا بد من القيد في الأكثر، لا بد أن نقول: تمييز الحرف الأصلي عن
الزائد في الأكثر في الغالب أنه مميز وقد لا يميز مثل المثال الذي معنا
فَجَلْبَبَ على وزن فَعْلَلَ، فَعْلَلَ هذا يوزن به دَحْرَجَ والحرف
الثاني أصلي ويوزن به جَلْبَبَ والحرف الباء الثاني زائد ليس بأصلي،
حينئذٍ لم يحصل التميز بفَعْلَلَ ولكنه هذا قليل لأنه في الرباعي
والخماسي وليس في الثلاثي، التكرير بغير الإلحاف كتكرير العين في
قَطَّعَ وَقَتَّلَ، قَطَّعَ على وزن فَعَّلَ حينئذٍ إذا كان التكرير من
جنسِ العين يعني: من جنس الحرف فماذا يحصل؟ قالوا: في الميزان نكرر
الحرف الذي زيد الحرف وهو من جنسه كما فعلنا في الأول جَلْبَبَ الباء
الثانية زائدة أليس كذلك؟ هل هي من جنس اللام أو لا أم مغايرة؟ من
جنسها أو لا كيف من جنسها؟ باء مثلها هي باء واللام باء فحينئذٍ نضعف
اللام فنقول: جَلْبَبَ على وزن فَعْلَلَ ضعفنا اللام، قَطَّعَ كم حرف
هذه؟ أربعة قاف وطاء وطَاء وعين، الطاء الأولى أصلية وهي عين الكلمة،
والطاء الثانية زائدة هل هي من جنس العين؟ جنس العين في الوزن، حينئذٍ
نأتي بالحرف الذي سابق لها فالذي سابق لها وهو الطاء وزناه بماذا؟
بالعين كذلك يوزن هذا بالعين كما وزنت الباء هنا باللام لأن الباء سابق
وزنت باللام فنقول: فاء قَطَّعَ على وزن فَعَّلَ جماهير الصرفيين على
هذا أن اللام إذا كررت من جنسها كالباء في جَلْبَبَ والعين إذا كررت من
جنسها فيضعف العين أو اللام فتقول في جَلْبَبَ فَعْلَلَ وفي قَطَّعَ
وَقَتَّلَ وَخَرَّجَ فَعَّلَ وذهب بعضهم إلى أنك تقول في الأول
جَلْبَبَ على وزن فَعْلَبَ وليتهم يختارون هذا لينطبق حد الميزان على
ما ذكرناه سابقًا، وفي فَعَّلَ قَطَّعَ على وزن فَعْطَلَ لماذا؟ لأن
الطاء الحرف الثاني حرف زائد وليس بأصلي فحينئذٍ كيف يقابل بالعين؟ لكن
الجماهير على هذا فنسلك مسلكهم فنقول: قَطَّعَ على وزن فَعَّلَ ولكن
الرضي في شرح الشافي ما يرتضي هذه الأشياء إذًا نقول: إذا كانت الزيادة
ناشئة عن تكرير حرف أصلي كُرر الحرف الأصلي سواء كان عينًا أو لامًا
ماذا نصنع؟ نقابله بما قوبل ذات الحرف الأصلي سواء كانت الزيادة
للتكرير أو للإلحاق.
الثالث: أن تكون الزيادة غير أصلية - هذا
خرج النوع الأول - ولا ناشئة عن تكرير ولا إلحاق - خرج النوع الثاني
كما تقول هذا لم يكن باسم ولا فعل فهو حرف الزيادة إن لم تكن من أصل
الكلمة وإن لم تكن ناشئة عن تكرير ولا إلحاق فحينئذٍ تكون من النوع
الثاني وهو أن يوزن ذات الحرف الزائد بنفسه
في الوزن، ينقل كما هو كما تقول: أَكْرَمَ. الهمزة هذه ليست من أصل
الكلمة ليست مثل دحرج إذًا هي زائدة وهذه الزيادة ليست لتكرير ولا
إلحاق إذًا من النوع الثالث ماذا نصنع؟ نزن الكاف والراء والميم
بالأصول فعل فنقول: الكاف هي فاء الكلمة والراء هي عين الكلمة والميم
هي لام الكلمة، والهمزة نُنْزِلُهَا كما هي في الوزن، فنقول: أَكْرَمَ
على وزن أَفْعَلَ. انطلق الطاء هي فاء الكلمة واللام هي عين الكلمة
والقاف هي لام الكلمة، والهمزة زائدة والنون زائدة فنقول: انطلق على
وزن انْفَعَلَ. وتَكَلَّمَ على وزن تَفَعَّلَ، ما الذي حصل هنا؟ اجتمع
نوعان من الزيادتين التاء هذه زائدة ليست بأصل وليست بتكرير ولا إلحاق
فنزلت كما هي في الوزن فقيل: تَكَلَّمَ على وزن تَفَعَّلَ أو تَعَلَّمَ
على وزن تَفَعَّلَ، تَفَعَّلَ ولم شددت العين تَكَلَّمَ؟ لأن اللام
كُرِّرَت وهي من جنس العين، مثل قَطَّعَ وخَرَّجَ حينئذٍ اجتمع زيداتان
ومثله اعْشَوْشَبَ واغْدَوْدَنَ على وزن - كله سيأتي هذا - افْعَوْعَلَ
اغْدَوْدَنَ حصل تكرير للعين اغْدَوْ افْعَوْ إذًا العين هي الواو
وكررت من جنسها اغْدَوْدَ كررت من جنسها فأعيدت العين مرة أخرى لكن
بفاصل لم تدغم فيها لوجود فاصل بخلاف قَطَّعَ لأن الأول صار ساكنًا
والثاني متحركًا فأدغم الأول في الثاني لكن اغْدَوْدَنَ على وزن
افْعَوْعَ إذًا فصل بين العينين والفاء المكررة من جنس العين الأولى
فصل بينهما بالواو، والواو حرف زائد نزل كما هو في الوزن فقيل:
اغْدَوْدَنَ افْعَوْعَلَ. وسيأتي هذا في موضعه إذا أعيد الموزون جئت به
في الوزن كما لو جئت بالوزن على الأصل قلت: قَوَلَ على وزن فَعَلَ،
وقول هذه هل بقيت الواو كما هي؟ لا قلبت ألفًا إذًا قَالَ وإذا جئت تزن
تقول فَالَ أو فَعَلَ؟ إن قلت: فَالَ. راعيت الفرع وهو بعد قلب الواو
ألفًا، وإذا قلت: فَعَلَ. راعيت الأصل قبل قلب الواو ألفًا، فحينئذٍ
أيهما أولى بالمراعاة؟ نقول: يراعى الأصل لأن أصل الفعل قَوَلَ وبَيَعَ
فتقول: وزن قَالَ فَعَلَ ولا تقل فَالَ وأصل وزن بَاعَ فَعَلَ ولا تقل
فَالَ، وغَزَا أصل غَزَوَ على وزن فَعَلَ هل تقول فَعَا أو فَعَلَ؟ غزا
لو راعيت اللفظ لقلت وزنه فَعَا بالألف دون اللام قلبت اللام ألفًا لكن
نقول: تراعي الأصل فنقول: قال أصله قَوَل فوزنه فَعَلَ ومثله بَاعَ
بَيَعَ فوزنه فعل.
إذا حصل حذف في الموزون لزم الحذف في
الوزن، يعني: ما يقابله في الوزن قُلْ على وزن فُلْ أين العين؟ حذفت
العين أصلها قول هكذا فما تنطق بهذا قُول الواو ساكنة واللام ساكنة
لأنه فعل أمر مبني على السكون قُلْ اللام الساكن مثل {قُمِ اللَّيْلَ}
[المزمل: 2] قم قول اللام ساكنة والوا التي عين الكلمة ساكنة التقى
ساكنان حُذِفَتِ الواو فصار قُل فالوزن هل تراعي به النهاية أو تراعي
به الابتداء؟ قالوا: لا، هنا لا، لبيان المحذوف لا بد أن تذكر الوزن
للفعل الموزون بعد الحذف فتقول: قُلْ على وزن فُلْ قَاضٍ على وزن فَاعٍ
لأن اللام محذوفة قاضٍ بالتنوين أصلها قاضي ثم التنوين التقى ساكنان
الياء ياء قاضي والتنوين فحذفت الياء فصار قاضٍ حذفت الياء وهي لام
الكلمة حذفت لعلة تصريفية كما قُلْ فُلْ حذفت العين لعلة تصريفية يعني
لسبب تطبيقًا للقاعدة، فحينئذٍ تقول: قاضٍ على وزن فاعٍ بحذف اللام
لماذا؟ لأن القاعدة عندما ينكر أن يحذف من الوزن ما حذف من الموزون
فتقول: فاعٍ، داعٍ، قاضٍ.
هِبَة وعِدَة على وزن عِدَةٌ على وزن عِلَةٌ، لأن عدة مأخوذ من الوعد
من وَعَدَ أليس كذلك؟ وَعَدَ من الوعد إذًا عدة هذا المصدر أين الواو؟
حذفت عِدَةٌ وزنه عِلَةٌ تحذف الفاء والفاء هو الواو لأنه مأخوذ من
الوعد، هبة وَهَبَ يَهِبُ وَهَبَ حينئذٍ أصله مثال واوي حذفت الواو في
المصدر وعُوِّضَ عنها التاء عدة انتهى بعوض عن الفاء المحذوفة وهبة هذا
عوض عن التاء عن الواو المحذوفة، ودِيَةٌ، دية من الودى مثل وعد حذفت
الواو في كل الكلمات هذه وهي فاء الكلمة وعوض عنها التاء، إذا جئت تزن
المصدر تقول وزن عِلَةٌ، مثل الاسم اسم هذا عند الكوفيين مأخوذ من
الوسم حذف الواو التي فاء الكلمة اعتباطًا وعوض عنها على قول الهمزة أو
سكنت ثانيه من الوزن الثاني ساكن جيء بهمزة الوصل، وزنه على مذهب
الكوفيين اعْلٌ اسْمٌ اعْلٌ حذفت الفاء اعتباطًا، وعلى مذهب البصريين
مأخوذ من السمو لأن أصل السمة أو السمو # 1.25.46 [هل هكذا] حذفت الواو
وهو لام الكلام اعتباطًا لغير علة تصريفية وسكن أوله فاجتلبت همزة
الوصل للتمكن والابتداء بالساكن وصار وزنه افْعٌ، إذًا لفظ اسم على
مذهب البصريين اعْلٌ افْعٌ على مذهب البصريين افْعٌ بحذف اللام، وعلى
مذهب الكوفيين اعْلٌ بحذف الفاء.
هذا ما يتعلق بالميزان الصرفي.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ). وهذا يحتاج إلى وقفة معه ونكمل غدًا بإذن الله تعالى.
وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|