الخصائص الكبرى

ذكر المعجزات والخصائص فِي خلقه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

بَاب مَا جَاءَ فِي خَاتم النُّبُوَّة

أخرج الشَّيْخَانِ عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ قُمْت خلف ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ رَأَيْت خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ مثل بَيْضَة الْحَمَامَة يشبه جسده وَأخرجه التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ غُدَّة حَمْرَاء مثل بَيْضَة الْحَمَامَة
وَأخرج مُسلم عَن عبد الله بن سرجس قَالَ نظرت إِلَى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ عِنْد نغض كتفه الْأَيْسَر جمعا عَلَيْهِ خيلان كأمثال الثآليل النغض بِضَم النُّون وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وضاد مُعْجمَة فرع الْكَتف وَالْجمع بِضَم الْجِيم الْكَفّ إِذا جمع والخيلان جمع خَال وَهِي الشامات السود والثآليل جمع ثؤلول وَهُوَ حب يَعْلُو ظَاهر الْجَسَد
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن قُرَّة قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَرِنِي الْخَاتم فَقَالَ أَدخل يدك فَإِذا هُوَ على نغض كتفه مثل الْبَيْضَة
واخرج احْمَد وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن أبي رمثة قَالَ انْطَلَقت مَعَ أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَظَرت إِلَى مثل السّلْعَة بَين كَتفيهِ وَفِي لفظ لِابْنِ سعد مثل التفاحة وَفِي لفظ لِأَحْمَد مثل بَيْضَة الْحَمَامَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ الْخَتْم الَّذِي بَين كَتِفي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحْمَة ناتئة
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ كَانَ فِي ظَهره بضعَة نَاشِزَة وَأخرجه احْمَد بِلَفْظ لحم ناشز بَين كَتفيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَألْقى إِلَيّ رِدَاءَهُ وَقَالَ انْظُر إِلَى مَا أمرت بِهِ فَرَأَيْت الْخَاتم بَين كَتفيهِ مثل بَيْضَة الْحَمَامَة

(1/101)


وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن التنوخي رَسُول هِرقل قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا اخا تنوخ امْضِ لما امرت بِهِ فَجلت فِي ظَهره فاذا انا بِخَاتم فِي مَوضِع غضروف الْكَتف مثل المحجمة الضخمة قَالَ ابْن هِشَام يَعْنِي أثر المحجمة القابضة على اللَّحْم حَتَّى يكون ناتئا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ أَنه قَالَ فِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ خَاتم النُّبُوَّة أَسْفَل من غضروف كتفه مثل التفاحة
وَأخرج احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق علْبَاء بن احمر عَن أبي زيد قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدن فامسح ظَهْري فدنوت ومسحت ظَهره وَوضعت أصابعي على الْخَاتم فَقيل لَهُ مَا الْخَاتم قَالَ شعر مُجْتَمع عِنْد كتفه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان قَالَ عِنْد غضروف كتفه الْيُمْنَى خَاتم النُّبُوَّة مثل بَيْضَة لَوْنهَا لون جلده
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ أردفني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه فَجعلت فمي على خَاتم النُّبُوَّة فَجعل ينفح عَليّ مسكا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابي زيد بن أَخطب قَالَ رَأَيْت الْخَاتم على ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محجمة ناتئة وَفِي لقظ مثل إِنْسَان مَال عَلَيْهِ بظفره يَعْنِي كَأَنَّهُ يخْتم بِهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر وَالْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ خَاتم النُّبُوَّة على ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل البندقة من لحم مَكْتُوب فِيهَا بِاللَّحْمِ مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج ابو نعيم عَن سلمَان قَالَ بَين كَتفيهِ بَيْضَة كبيضة الْحَمَامَة عَلَيْهَا مَكْتُوب بَاطِنهَا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُحَمَّد رَسُول الله وظاهرها توجه حَيْثُ شِئْت فَإنَّك الْمَنْصُور

(1/102)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن عباد بن عمر وَقَالَ كَانَ خَاتم النُّبُوَّة على طرف كتفه الْأَيْسَر كَأَنَّهُ ركبة عنز وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن يرى الْخَاتم
وَأخرج ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ خَاتم النُّبُوَّة كشامة سَوْدَاء تضرب إِلَى الصُّفْرَة حولهَا شَعرَات متراكبات كَأَنَّهَا عرف الْفرس
قَالَ الْعلمَاء اخْتلفت أَقْوَال الروَاة فِي خَاتم النُّبُوَّة وَلَيْسَ ذَلِك باخْتلَاف بل كل شبه بِمَا سنح لَهُ فواحد قَالَ كزر الحجلة وَهُوَ بيض الطَّائِر الْمَعْرُوف أَو زر البشخاناة وَآخر كبيضة الْحَمَامَة وَآخر كالتفاحة وَآخر بضعَة لحم نَاشِزَة وَآخر لحْمَة ناتئة وَآخر كالمحجمة وَآخر كركبة العنز وَكلهَا أَلْفَاظ مؤداها وَاحِد وَهُوَ قِطْعَة لحم وَمن قَالَ شعر فَلِأَن الشّعْر حوله متراكب عَلَيْهِ كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى
قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم دلّت الاحاديث الثَّابِتَة على أَن خَاتم النُّبُوَّة كَانَ شَيْئا بارزا أَحْمَر عِنْد كتفه الْأَيْسَر إِذا قلل قدر بَيْضَة الْحَمَامَة واذا كبر جمع الْيَد
قَالَ السُّهيْلي وَالصَّحِيح انه كَانَ عِنْد نغض كتفه الْأَيْسَر لِأَنَّهُ مَعْصُوم من وَسْوَسَة الشَّيْطَان وَذَلِكَ الْموضع مِنْهُ دُخُوله
وَقد اخْتلف الْعلمَاء على ولد وَهُوَ بِهِ أَو وضع بعد وِلَادَته وَتمسك الْقَائِلُونَ بِالثَّانِي بِمَا فِي حَدِيث شَدَّاد ابْن أَوْس السَّابِق فِي الرَّضَاع وَقد ورد انه رفع عِنْد وَفَاته كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَفَاة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا وَقد كَانَت عَلَيْهِ شامة النُّبُوَّة فِي يَده الْيُمْنَى إِلَّا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن شامة النُّبُوَّة كَانَت بَين كَتفيهِ

(1/103)


بَاب المعجزة والخصائص فِي عَيْنَيْهِ الشريفتين

قَالَ الله تَعَالَى {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى}
أخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى فِي الظلماء كَمَا يرى فِي الضَّوْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى بِاللَّيْلِ فِي الظلمَة كَمَا يرى بِالنَّهَارِ فِي الضَّوْء
واخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَل ترَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فوَاللَّه مَا يخفى عَليّ ركوعكم وَلَا سُجُودكُمْ إِنِّي لأَرَاكُمْ من وَرَاء ظَهْري
وَأخرج مُسلم عَن انس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي امامكم فَلَا تسبقوني بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُود فَإِنِّي أَرَاكُم من أَمَامِي وَمن خَلْفي
واخرج عبد الرَّزَّاق فِي جَامعه وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لأنظر إِلَى مَا ورائي كَمَا انْظُر الى مَا بَين يَدي
وَأخرج ابو نعيم عَن ابي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي اراكم من وَرَاء ظَهْري
واخرج الْحميدِي فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى من خَلفه من الصُّفُوف كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ

(1/104)


قَالَ الْعلمَاء هَذَا الإبصار إِدْرَاك حَقِيقِيّ خَاص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انخرقت لَهُ فِيهِ الْعَادة ثمَّ يجوز ان يكون بِرُؤْيَة عَيْنَيْهِ انخرقت لَهُ فِيهِ الْعَادة أَيْضا فَكَانَ يرى بهما من غير مُقَابلَة لِأَن الْحق عِنْد أهل السّنة ان الروية لَا يشْتَرط لَهَا الْمُقَابلَة عقلا وَلذَا حكمُوا بِجَوَاز روية الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة وَقيل كَانَت لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عين خلف ظَهره يرى بهَا من وَرَائه دَائِما وَقيل كَانَ بَين كَتفيهِ عينان مثل سم الْخياط يبصر بهما لَا يحجبهما ثوب وَلَا غَيره
بَاب الْآيَات فِي فَمه الشريف وريقه واسنانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

واخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن وَائِل بن حجر قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَلْو من مَاء فَشرب من الدَّلْو ثمَّ صب فِي الْبِئْر أَو قَالَ ثمَّ مج فِي الْبِئْر ففاح مِنْهَا مثل رَائِحَة الْمسك
واخرج أَبُو نعيم عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزق فِي بِئْر فِي دَاره فَلم يكن بِالْمَدِينَةِ بِئْر أعذب مِنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن رزينة مولاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَاشُورَاء كَانَ يَدْعُو برضعائه ورضعاء ابْنَته فَاطِمَة فيتفل فِي أَفْوَاههم وَيَقُول للأمهات لَا ترضعنهم الى اللَّيْل فَكَانَ رِيقه يجزيهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عميرَة بنت مَسْعُود أَنَّهَا دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ وَأَخَوَاتهَا يبايعنه وَهن خمس فوجدنه يَأْكُل قديدة فمضغ لَهُنَّ قديدة ثمَّ ناولني القديدة فمضغنها كل وَاحِدَة قِطْعَة قِطْعَة فلقين الله وَمَا وجد لأفواههن خلوف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي امامة أَن امْرَأَة بذئة اللِّسَان جَاءَت الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْكُل قديدا فَقَالَت أَلا تطعمني فناولها مِمَّا بَين يَدَيْهِ قَالَت لَا إِلَّا الَّذِي فِي فِيك فَأخْرجهُ فَأَعْطَاهَا فألقته فِي فمها فأكلته فَلم يعلم من تِلْكَ الْمَرْأَة بعد ذَلِك الْأَمر الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ من البذاءة والذرابة

(1/105)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عمر بن شبة عَن أبي عبيد النَّحْوِيّ ان عَامر بن كريز أَتَى بِابْنِهِ عبد الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن خمس سِنِين فتفل فِي فِيهِ فَكَانَ لَو قدح حجرا أماهه يَعْنِي يخرج من الْحجر المَاء من بركته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس أَن أَبَاهُ فَارق جميلَة بنت عبد الله بن أبي وَهِي حَامِل بِمُحَمد فَلَمَّا وَلدته حَلَفت ان لَا تلبنه من لَبنهَا فَدَعَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبزق فِي فِيهِ وَقَالَ اخْتلف بِهِ فَإِن الله رازقه فَأَتَيْته بِهِ الْيَوْم الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث فَإِذا امْرَأَة من الْعَرَب تسْأَل عَن ثَابت بن قيس فَقلت لَهَا مَا تريدين قَالَت رَأَيْت فِي مَنَامِي هَذِه اللَّيْلَة كَأَنِّي ارضع ابْنا لَهُ يُقَال لَهُ مُحَمَّد قَالَ فَأَنا ثَابت وَهَذَا ابْني مُحَمَّد
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابي جَعْفَر قَالَ بَيْنَمَا الْحسن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ عَطش فَاشْتَدَّ ظمأه فَطلب لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء فَلم يجد فَأعْطَاهُ لِسَانه فمصه حَتَّى رُوِيَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق سمع صَوت الْحسن وَالْحُسَيْن يَبْكِيَانِ وهما مَعَ أمهما فأسرع السّير حَتَّى اتاهما فَسَمعته يَقُول مَا شَأْن ابْني فَقَالَت الْعَطش فَطلب المَاء فَلم يجد أحد قَطْرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناوليني احدهما فناولته إِيَّاه من تَحت الخدر فَأَخذه فضمه إِلَى صَدره وَهُوَ يضغو مَا يسكت فأدلع لَهُ لِسَانه فَجعل يمصه حَتَّى هدأ وَسكن فَلم اسْمَع لَهُ بكاء وَالْآخر يبكي كَمَا هُوَ مَا يسكت فَقَالَ ناوليني الآخر فناولته إِيَّاه فَفعل بِهِ كَذَلِك فسكتا فَمَا أسمع لَهما صَوت
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افلج الثنيتين إِذا تكلم رُؤِيَ كالنور يخرج من بَين ثناياه

(1/106)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابي قرصافة قَالَ بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انا وامي وخالتي فَلَمَّا رَجعْنَا قَالَت لي امي وخالتي يَا بني مَا رَأينَا مثل هَذَا الرجل أحسن وَجها وَلَا أنقى ثوبا وَلَا أَلين كلَاما ورأينا كَأَن النُّور يخرج من فِيهِ
بَاب الْآيَة فِي وَجهه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَاءَنِي جبرئيل فَقَالَ إِن الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك حَبِيبِي إِنِّي كسوت حسن يُوسُف من نور الْكُرْسِيّ وكسوت حسن وَجهك من نور عَرْشِي قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي سَنَده مَجْهُول والْحَدِيث مُنكر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت كنت أخيط فِي السحر فَسَقَطت مني الابرة فطلبتها فَلم أقدر عَلَيْهَا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتبينت الإبرة بشعاع نور وَجهه فَأَخْبَرته فَقَالَ يَا حميراء الويل ثمَّ الويل ثَلَاثًا لمن حرم النّظر إِلَى وَجْهي
بَاب الْآيَة فِي إبطه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن انس قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع يَدَيْهِ فِي الدُّعَاء حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن جَابر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سجد يرى بَيَاض إبطَيْهِ وَقد ورد ذكر بَيَاض إبطَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدَّة أَحَادِيث عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة
قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ من خصائصة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْإِبِط من جَمِيع النَّاس متغير اللَّوْن غَيره وَذكر الْقُرْطُبِيّ مثل ذَلِك وَزَاد وَأَنه لَا شعر فِيهِ

(1/107)


بَاب الْآيَة فِي لِسَانه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج ابو أَحْمد الغطريف فِي جزئه وَابْن مندة وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن بُرَيْدَة عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَالك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهرنَا قَالَ كَانَت لُغَة إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قد درست فجَاء بهَا جبرئيل فحفظنيها
وَفِي بعض طرقه عَن بُرَيْدَة قَالَ سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول يَا رَسُول الله إِلَخ فَجعله من مُسْند بُرَيْدَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي كتاب النُّجُوم وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن ابراهيم التَّيْمِيّ قَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله مَا رَأينَا الَّذِي هُوَ أفْصح مِنْك قَالَ مَا يَمْنعنِي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بلساني بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أيدالك الرجل امْرَأَته قَالَ نعم إِذا كَانَ مفلجافقال لَهُ ابو بكر يَا رَسُول الله مَا قَالَ لَك وَمَا قلت لَهُ قَالَ إِنَّه قَالَ أيماطل الرجل أَهله قلت لَهُ نعم إِذا كَانَ مُفلسًا قَالَ ابو بكر يَا رَسُول الله لقد طفت فِي الْعَرَب وَسمعت فصحاءهم فَمَا سَمِعت أفْصح مِنْك قَالَ أدبني رَبِّي ونشأت فِي بني سعد ابْن بكر
وَأخرج ابْن سعد عَن يحيى بن يزِيد السَّعْدِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انا اعربكم انا من قُرَيْش ولساني لِسَان بني سعد بن بكر
واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انا أعرب الْعَرَب ولدت فِي قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد فإنى يأتيني اللّحن

(1/108)


بَاب مَا جَاءَ فِي قلبه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ الله تَعَالَى {ألم نشرح لَك صدرك}
اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن طهْمَان قَالَ سَأَلت سَعْدا عَن قَوْله تَعَالَى {ألم نشرح لَك صدرك} فَحَدثني بِهِ عَن قَتَادَة عَن انس قَالَ شقّ بَطْنه من عِنْد صَدره إِلَى اسفل بَطْنه فاستخرج مِنْهُ قلبه فَغسل فِي طست من ذهب ثمَّ ملىء إِيمَانًا وَحِكْمَة ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ
واخرج احْمَد وَمُسلم عَن انس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتاه جبرئيل ذَات يَوْم وَهُوَ يلْعَب مَعَ الغلمان فَأَخذه فصرعه فشق عَن قلبه واستخرج الْقلب ثمَّ شقّ الْقلب فاستخرج مِنْهُ علقَة فَقَالَ هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك ثمَّ غسله فِي طست من ذهب بِمَاء زَمْزَم ثمَّ لأمه فَأَعَادَهُ فِي مَكَانَهُ وَجعل الغلمان يسعون إِلَى أمه يعْنى ظئره فَقَالُوا إِن مُحَمَّدًا قد قتل فَجَاءُوا وَهُوَ منتقع اللَّوْن قَالَ أنس فَلَقَد كنت أرى اثر الْمخيط فِي صَدره
وَأخرج احْمَد والدارمي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن عتبَة ابْن عبد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَت حاضنتي من بني سعد بن بكر فَانْطَلَقت أَنا وَابْن لَهَا فِي بهم لنا وَلم نَأْخُذ مَعنا زادا فَقلت يَا أخي اذْهَبْ فأتنا بزاد من عِنْد امنا فَانْطَلق اخي وَمَكَثت عِنْد البهم فَأقبل إِلَيّ طيران أبيضان كَأَنَّهُمَا نسران فَقَالَ احدهما لصَاحبه أهوَ هُوَ قَالَ نعم فَأَقْبَلَا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بَطْني ثمَّ استخرجا قلبِي فشقاه فأخرجا مِنْهُ علقتين سوداوين فَقَالَ احدهما لصَاحبه إيتني بِمَاء ثلج فغسلا بِهِ جوفي ثمَّ قَالَ ايتني بِمَاء برد فغسلا بِهِ قلبِي ثمَّ قَالَ إيتني بِالسَّكِينَةِ فذراها فِي قلبِي ثمَّ قَالَ احدهما لصَاحبه حِصَّة فحاصه وَختم عَلَيْهِ بِخَاتم النُّبُوَّة

(1/109)


فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه اجْعَلْهُ فِي كفة وَاجعَل ألفا من أمته فِي كفة فَإِذا انا انْظُر إِلَى الْألف فَوقِي أشْفق ان يخر عَليّ بَعضهم فَقَالَا لَو ان أمته وزنت بِهِ لمَال بهم ثمَّ انْطَلقَا وتركاني وَفرقت فرقا شَدِيدا ثمَّ انْطَلَقت إِلَى امي فاخبرتها بِالَّذِي لقِيت واشفقت ان يكون قد الْتبس فَقَالَت أُعِيذك بِاللَّه ورحلت بَعِيرًا لَهَا فجعلتني على الرحل وَركبت خَلْفي حَتَّى بلغنَا أُمِّي فَقَالَت أدّيت امانتي وذمتي وحدثتها بِالَّذِي لقِيت فَلم يرعها ذَلِك وَقَالَت إِنِّي رَأَيْت انه خرج مني نور أَضَاءَت لَهُ قُصُور الشَّام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن جعدة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ملكَيْنِ جاءاني فِي صُورَة كركيين مَعَهُمَا ثلج وَبرد وَمَاء بَارِد فشرح أَحدهمَا صَدْرِي وَمَج الآخر بمنقاره فِيهِ فَغسله مُرْسل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر والضياء فِي المختارة من طَرِيق معَاذ بن مُحَمَّد بن معَاذ بن أبي بن كَعْب عَن أَبِيه عَن جده عَن أبي بن كَعْب أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ يَا رَسُول الله مَا أول مَا ابتديت بِهِ من امْر النُّبُوَّة قَالَ إِنِّي لفي صحراء أَمْشِي ابْن عشر حجج إِذا انا برجلَيْن فَوق رَأْسِي يَقُول احدهما لصَاحبه أهوَ هُوَ قَالَ نعم فأخذاني فلصقاني لحلاوة الْقَفَا ثمَّ شقا بَطْني فَكَانَ أَحدهمَا يخْتَلف بِالْمَاءِ فِي طست من ذهب وَالْآخر يغسل جوفي فَقَالَ احدهما لصَاحبه أفلق صَدره فاذا صَدْرِي فِيمَا أرى مفلوقا لَا اجد لَهُ وجعا ثمَّ قَالَ أشقق قلبه فشق قلبِي فَقَالَ أخرج الغل والحسد مِنْهُ فَأخْرج مِنْهُ شبه الْعلقَة فنبذ بِهِ ثمَّ قَالَ أَدخل الرأفة وَالرَّحْمَة فِي قلبه فَأدْخل شَيْئا كَهَيئَةِ الْفضة ثمَّ اخْرُج ذرورا كَانَ مَعَه فذره عَلَيْهِ ثمَّ نقر إبهامي ثمَّ قَالَ اغْدُ فَرَجَعت بِمَا لم اغْدُ بِهِ من رَحْمَتي للصَّغِير ورأفتي على الْكَبِير قَالَ أَبُو نعيم تفرد بِهِ معَاذ عَن آبَائِهِ وَتفرد بِذكر السن

(1/110)


وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن ابي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله كَيفَ علمت انك نَبِي وَبِمَا علمت حَتَّى استيقنت قَالَ أَتَانِي أَتَانِي وَأَنا ببطحاء مَكَّة فَوَقع أَحدهمَا بالارض وَكَانَ الآخر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه أهوَ أهوَ قَالَ نعم هُوَ هُوَ قَالَ فزنه بِرَجُل فوزنني فرجحته قَالَ زنه بِعشْرَة فوزنني فرجحتهم قَالَ زنه بِمِائَة فوزنني فرجحتهم قَالَ زنه بِأَلف فوزنني فرجحتهم ثمَّ جعلُوا يتساقطون عَليّ من كفة الْمِيزَان ثمَّ قَالَ احدهما لصَاحبه شقّ بَطْنه فشق بَطْني فَأخْرج مِنْهُ مغمز الشَّيْطَان وعلق الدَّم فطرحهما فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه اغسل بَطْنه غسل الاناء واغسل قلبه غسل الملاء ثمَّ قَالَ احدهما لصَاحبه خطّ بَطْنه فخاط بَطْني وَجعل الْخَاتم بَين كَتِفي كَمَا هُوَ الْآن ووليا عني وَكَأَنِّي أرى الْأَمر مُعَاينَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن يُونُس بن ميسرَة بن حَلبس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي ملك بطست من ذهب فشق بَطْني فاستخرج حشْوَة جوفي فغسلها ثمَّ ذَر عَلَيْهَا ذرورا ثمَّ قَالَ قلب وَكِيع يعي مَا وَقع فِيهِ عَيْنَاك بصيرتان وأذناك تسمعان وانت مُحَمَّد رَسُول الله المقفى الحاشر قَلْبك سليم وَلِسَانك صَادِق ونفسك مطمئنة وخلقك قيم انت قثم
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن غنم قَالَ انْزِلْ جبرئيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشق بَطْنه ثمَّ قَالَ جبرئيل قلب وَكِيع فِيهِ أذنان سميعتان وعينان بصيرتان مُحَمَّد رَسُول الله المقفى حاشر خلقك قيم وَلِسَانك صَادِق ونفسك مطمئنة
وَأخرج مُسلم عَن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتيت وانا فِي أَهلِي فَانْطَلق بِي إِلَى زَمْزَم فشرح صَدْرِي ثمَّ غسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أتيت بطست من ذهب ممتلئا إِيمَانًا وَحِكْمَة فحشى بهَا صَدْرِي قَالَ أنس وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرينا أَثَره فعرج بِي الْملك الى سَمَاء الدُّنْيَا وَذكر حَدِيث الْمِعْرَاج

(1/111)


قَالَ الْبَيْهَقِيّ يحْتَمل ان شقّ الصَّدْر كَانَ مَرَّات مرّة عِنْد مرضعته حليمة وَمرَّة عِنْد المبعث وَمرَّة لَيْلَة الْمِعْرَاج
قلت قد تقدم فِي الرَّضَاع شقّ صَدره من عدَّة طرق وَسَيَأْتِي فِي أحادث المبعث وَأَحَادِيث الْإِسْرَاء ذَلِك أَيْضا وَالتَّحْقِيق فِي الْجمع بَينهَا الْحمل على التَّعَدُّد وَوُقُوع ذَلِك ثَلَاث مَرَّات مِمَّن صرح بِوُقُوعِهِ مرَّتَيْنِ السُّهيْلي وَابْن دحْيَة وَابْن الْمُنِير وَمِمَّنْ صرح بِالثلَاثِ ابْن حجر وَأبْدى لذَلِك معنى لطيفا وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الإسباغ والتطهير بالتثليث كَمَا هُوَ فِي شَرعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّهَارَة واختصت الْأَوْقَات الثَّلَاث بذلك لينشأ من الطفولية على أكمل الاحوال من الْعِصْمَة من الشَّيْطَان وليتلقى عِنْد الْبَعْث مَا يُوحى اليه بقلب قوي وليتأهب عِنْد الاسراء للمناجاة
وَقد اخْتلف هَل شقّ الصَّدْر وغسله مَخْصُوص بِهِ اَوْ وَقع لغير من الْأَنْبِيَاء قَالَ ابْن الْمُنِير شقّ الصَّدْر لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَبره عَلَيْهِ من جنس مَا ابتلى بِهِ الذَّبِيح وصبر عَلَيْهِ بل هَذَا أشق وَأجل لِأَن تِلْكَ معاريض وَهَذِه حَقِيقَة وَأَيْضًا فقد تكَرر وَوَقع لَهُ وَهُوَ رَضِيع يَتِيم بعيد من أَهله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب الْآيَة فِي حفظه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التثاؤب

اخْرُج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن ابي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن سعد عَن يزِيد بن الاصم قَالَ مَا تثاءب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ
واخرج ابْن أبي شيبَة عَن مسلمة بن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ مَا تثاءب نَبِي قطّ

(1/112)


بَاب الْآيَة فِي سَمعه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو نعيم عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ واسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا ان تئط لَيْسَ فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته ساجد لله
وَأخرج ابو نعيم عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه إِذْ قَالَ لَهُم تَسْمَعُونَ مَا اسْمَع قَالُوا مَا نسْمع من شَيْء قَالَ إِنِّي لأسْمع أطيط السَّمَاء وَمَا تلام ان تئط مَا فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا وَعَلِيهِ ملك ساجد اَوْ قَائِم
بَاب الْآيَة فِي صَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبلوغه حَيْثُ لَا يبلغهُ صَوت غَيره

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن الْبَراء قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى اسْمَع الْعَوَاتِق فِي خُدُورهنَّ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن بُرَيْدَة قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا ثمَّ انْفَتَلَ فَنَادَى بِصَوْت أسمع الْعَوَاتِق فِي أَجْوَاف الْخُدُور
وَأخرج ابو نعيم عَن ابي بَرزَة قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالهاجرة العلياء فَخَطَبنَا بِصَوْت يسمع الْعَوَاتِق فِي خُدُورهنَّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس يَوْم الْجُمُعَة على الْمِنْبَر فَقَالَ للنَّاس اجلسوا فَسَمعهُ عبد الله بن رَوَاحَة وَهُوَ فِي بني غنم فَجَلَسَ فِي مَكَانَهُ
واخرج ابْن سعد وابو نعيم عَن عبد الرَّحْمَن بن معَاذ التَّيْمِيّ قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى ففتحت أسماعنا وَفِي لفط فَفتح الله أسماعنا حَتَّى إِن كُنَّا لنسمع مَا يَقُول وَنحن فِي مَنَازلنَا
واخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم هَانِيء قَالَت كُنَّا نسْمع قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوف اللَّيْل عِنْد الْكَعْبَة وَأَنا على عريشي

(1/113)


بَاب الْآيَة فِي عقله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أخرج ابو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ قَرَأت إحدا وَسبعين كتابا فَوجدت فِي جَمِيعهَا ان الله لم يُعْط جَمِيع النَّاس من بَدْء الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا من الْعقل فِي جنب عقل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كحبة رمل من بَين جَمِيع رمال الدُّنْيَا وَأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرجح النَّاس عقلا وأرجحهم رَأيا
بَاب الْآيَة فِي عرقه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أخرج مُسلم عَن أنس قَالَ دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عندنَا فعرق وَجَاءَت امي بقاروة فَجَلَست تسلت الْعرق فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا ام سليم مَا هَذَا الَّذِي تصنعين قَالَت هَذَا عرق نجعله لطيبنا وَهُوَ أطيب الطّيب
واخرج من وَجه آخر عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِي ام سليم فيقيل عِنْدهَا فتبسط لَهُ نطعا فيقيل عَلَيْهِ وَكَانَ كثير الْعرق فَكَانَت تجمع عرقه فتجعله فِي الطّيب والقوارير فَقَالَ يَا أم سليم مَا هَذَا قَالَت عرقك أدوف بِهِ طيبي
واخرج أَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم سليم قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقيل عِنْدِي على نطع فَإِذا عرق أخذت سكا فعجنته بعرقه
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِصَال لم يكن فِي طَرِيق فيتبعه أحد إِلَّا عرف انه قد سلكه من طيب عرقه اَوْ عرفه وَلم يكن يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا سجد لَهُ
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ كُنَّا نَعْرِف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اقبل بِطيب رِيحه

(1/114)


وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى عَن انس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مر فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة وجدوا مِنْهُ رَائِحَة الطّيب وَقَالُوا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا الطَّرِيق
واخرج الدَّارمِيّ عَن ابراهيم النَّخعِيّ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرف بِاللَّيْلِ برِيح الطّيب
واخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر وَأَبُو نعيم والديلي من طَرِيقين عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ ثَنَا عَمْرو بن مُحَمَّد بن جَعْفَر ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى ثَنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت كنت قَاعِدَة أغزل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخصف نَعله فَجعل جَبينه يعرق وَجعل عرقه يتَوَلَّد نورا فبهت فَقَالَ مَالك بهت قلت جعل جبينك يعرق وَجعل عرقك يتَوَلَّد نورا وَلَو رآك ابو كَبِير الْهُذلِيّ لعلم أَنَّك أَحَق بِشعرِهِ حَيْثُ يَقُول شعر
(ومبرأ من كل غبر حَيْضَة ... وَفَسَاد مُرْضِعَة وداء مغيل)
(وَإِذا نظرت إِلَى أسره وَجهه ... برقتْ بروق الْعَارِض المتهلل)
فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ فِي يَده وَقَامَ إِلَيّ فَقبل مَا بَين عَيْني وَقَالَ جَزَاك الله يَا عَائِشَة خيرا فَمَا أذكر أَنِّي سررت كسروري بكلامك قَالَ ابو عَليّ صَالح بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ لَا أعلم أَن أَبَا عُبَيْدَة حدث عَن هِشَام بن عُرْوَة شَيْئا قَالَ لَكِن الحَدِيث حسن عِنْدِي حِين صَار مخرجه مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس وَجها وأنورهم لونا لم يصفه واصف قطّ إِلَّا شبه وَجهه بالقمر لَيْلَة الْبَدْر وَكَانَ عرقه فِي وَجهه مثل اللُّؤْلُؤ أطيب من الْمسك الأذفر
وَأخرج ابو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي زوجت ابْنَتي وَأحب أَن تعينني قَالَ مَا عِنْدِي شَيْء وَلَكِن إيتني بقارورة وَاسِعَة الرَّأْس وعود شَجَرَة فَأَتَاهُ بهما فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْلت الْعرق من ذِرَاعَيْهِ حَتَّى امْتَلَأت القارورة قَالَ فَخذهَا وَمر ابْنَتك ان تغمس هَذَا

(1/115)


الْعود فِي القارورة وتطيب بِهِ فَكَانَت اذا تطيبت بِهِ يشم أهل الْمَدِينَة رَائِحَة ذَلِك الطّيب فسموا بَيت المطيبين
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن رجل من بني حريش قَالَ كنت مَعَ أبي حِين رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاعِز بن مَالك فَلَمَّا أَخَذته الْحِجَارَة أرعبت فضمني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فَسَالَ عَليّ من عرق إبطه مثل ريح الْمسك واخرجه عَبْدَانِ فِي الصَّحَابَة فَقَالَ عَن حريش
وَأخرج الْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل قَالَ كنت أَسِير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أدن مني فدنوت مِنْهُ فَمَا شممت مسكا وَلَا عنبرا أطيب من ريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب الْآيَة فِي طوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اخْرُج ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالطويل الْبَائِن وَلَا بالقصير المتردد وَكَانَ ينْسب إِلَى الربعة إِذا مَشى وَحده وَلم يكن على حَال يماشيه أحد من النَّاس ينْسب إِلَى الطول إِلَّا طاله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولربما اكتنفه الرّجلَانِ الطويلان فيطولهما فَإِذا فارقاه نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الربعة وَذكر ابْن سبع فِي الخصائص ذَلِك وَزَاد أَنه كَانَ إِذا جلس يكون كتفه أَعلَى من جَمِيع الجالسين
بَاب الْآيَة فِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يرى لَهُ ظلّ

اخْرُج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ذكْوَان ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يرى لَهُ ظلّ فِي شمس وَلَا قمر قَالَ ابْن سبع من خَصَائِصه ان ظله كَانَ لَا يَقع على الأَرْض وَأَنه كَانَ نورا فَكَانَ إِذا مَشى فِي الشَّمْس أَو الْقَمَر لَا ينظر لَهُ ظلّ قَالَ بَعضهم وَيشْهد لَهُ حَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُعَائِهِ واجعلني نورا

(1/116)


بَاب فِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا ينزل الذُّبَاب عَلَيْهِ وَلَا على ثِيَابه

ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء والعزفي فِي مولده ان من خصائصة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه كَانَ لَا ينزل عَلَيْهِ الذُّبَاب
وَذكره ابْن سبع فِي الخصائص بِلَفْظ أَنه لم يَقع على ثِيَابه ذُبَاب قطّ وَزَاد ان من خَصَائِصه ان الْقمل لم يكن يُؤْذِيه
بَاب الْآيَة فِي شعره الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن أَبِيه ان خَالِد بن الْوَلِيد فقد قلنسوة لَهُ يَوْم اليرموك فطلبها حَتَّى وجدهَا وَقَالَ اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحلق رَأسه فابتدر النَّاس جَوَانِب شعره فسبقتهم إِلَى ناصيته فجعلتها فِي هَذِه القلنسوة فَلم أشهد قتالا وَهِي معي إِلَّا رزقت النَّصْر
بَاب الْآيَة فِي دَمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اخْرُج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الزبير انه اتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحتجم فَلَمَّا فرغ قَالَ يَا عبد الله اذْهَبْ بِهَذَا الدَّم فاهرقه حَيْثُ لَا يراك أحد فشربه فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ يَا عبد الله مَا صنعت قَالَ جعلته فِي أخْفى مَكَان علمت انه مخفي عَن النَّاس قَالَ لَعَلَّك شربته قلت نعم قَالَ ويل للنَّاس مِنْك وويل لَك من النَّاس فَكَانُوا يرَوْنَ أَن الْقُوَّة الَّتِي بِهِ من ذَلِك الدَّم
بَاب الْآيَة فِي قدمه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا وطىء بقدمه وطىء بكلها لَيْسَ لَهُ أَخْمص
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي امامة الْبَاهِلِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أَخْمص لَهُ يطَأ على قدمه كلهَا

(1/117)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ كَانَت خنصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رجله متظاهرة
وَأخرج احْمَد عَن ابْن عَبَّاس ان قُريْشًا اتوا كاهنة فَقَالُوا لَهَا أَخْبِرِينَا بأقربنا شبها بِصَاحِب هَذَا الْمقَام إِن انتم جررتم كسَاء على هَذِه السهلة ثمَّ مشيتم عَلَيْهَا أنبأتكم فجروا ثمَّ مَشى النَّاس عَلَيْهَا فَأَبْصَرت أثر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت هَذَا أقربكم شبها بِهِ فَمَكَثُوا بعد ذَلِك عشْرين سنة أَو قَرِيبا من عشْرين سنة ثمَّ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَاب الْآيَة فِي مَشْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة فَكنت إِذا مشيت سبقني فَالْتَفت إِلَى رجل إِلَى جَنْبي فَقلت تطوى لَهُ الأَرْض وخليل الله إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن سعد عَن يزِيد بن مرْثَد قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَشى أسْرع حَتَّى يُهَرْوِل الرجل وَرَاءه فَلَا يُدْرِكهُ
بَاب الْآيَة فِي نَومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت يَا رَسُول الله أتنام قبل أَن توتر فَقَالَ يَا عَائِشَة إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عَيْني وَلَا ينَام قلبِي
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْبِيَاء تنام اعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء تنام أَعيننَا وَلَا تنام قُلُوبنَا

(1/118)


وَأخرج عَن الْحسن مَرْفُوعا تنام عَيْنَايَ وَلَا ينَام قلبِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حضرت عِصَابَة من الْيَهُود يَوْمًا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم انشدكم بِاللَّه الَّذِي نزل التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تعلمُونَ أَن هَذَا النَّبِي تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه
بَاب الْآيَة فِي جمَاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج البُخَارِيّ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة قلت لأنس أَو كَانَ يطيقه قَالَ كُنَّا نتحدث أَنه اعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ
وَأخرج ابْن سعد عَن سلمى مولاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نسائة التسع لَيْلَة
وَأخرج ابْن سعد انا عبيد الله بن مُوسَى عَن اسامة بن زيد عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتاني جبرئيل بِقدر فَأكلت مِنْهَا فَأعْطيت قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا فِي الْجِمَاع
وَأخرج ابْن عدي من طَرِيق سَلام بن سُلَيْمَان عَن نهشل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا مثله وَالطَّرِيق الأولى جَيِّدَة على إرسالها بِخِلَاف هَذِه فَإِنَّهَا واهية
وَقَالَ ابْن سعد انا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد بن ابراهيم عَن ابيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنت من أقل النَّاس فِي الْجِمَاع حَتَّى انْزِلْ الله عَليّ الكفيت فَمَا اريده من سَاعَة الا وجدته وَهُوَ قدر فِيهَا لحم

(1/119)


وَقَالَ أَنا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا ابْن أبي سُبْرَة وَعبد الله بن جَعْفَر عَن صَالح بن كيسَان مثله
وَقَالَ انا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت كَأَنِّي أتيت بِقدر فَأكلت مِنْهَا حَتَّى تضلعت فَمَا أُرِيد أَن آتِي النِّسَاء أَي سَاعَة إِلَّا فعلت مُنْذُ أكلت مِنْهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن مُجَاهِد وَطَاوُس قَالَا أعطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا فِي الْجِمَاع
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَن مُجَاهِد قَالَ أعطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُوَّة بضع وَأَرْبَعين رجلا كل رجل من أهل الْجنَّة
وَأخرج عَن ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَعْطَيْت قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا فِي الْبَطْش وَالنِّكَاح
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والإسماعيلي فِي مُعْجَمه وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضلت على النَّاس بِأَرْبَع بالسماحة والشجاعة وَكَثْرَة الْجِمَاع وَشدَّة الْبَطْش
بَاب الْآيَة فِي حفظه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الِاحْتِلَام

اخْرُج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس والدينوري فِي المجالسة من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مَا احْتَلَمَ نَبِي قطّ وَإِنَّمَا الِاحْتِلَام من الشَّيْطَان
بَاب المعجزة فِي بَوْله وغائطه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق حُسَيْن بن علوان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْغَائِط دخلت فِي إثره فَلَا أرى شَيْئا إِلَّا كنت أَشمّ رَائِحَة الطّيب فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ أما علمت أَن أَجْسَادنَا تنْبت على أَرْوَاح أهل الْجنَّة فَمَا خرج مِنْهَا من شَيْء ابتلعته الأَرْض

(1/120)


وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث من مَوْضُوعَات ابْن علوان
قلت كلا لَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِن الحَدِيث لَهُ طَرِيق آخر عَن عَائِشَة قَالَ ابْن سعد أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن أبان الْوراق وَحدثنَا عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي عَن مُحَمَّد بن زَاذَان عَن ام سعد عَن عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله تَأتي الْخَلَاء فَلَا يرى مِنْك شَيْء من الْأَذَى قَالَ أَو مَا علمت ان الأَرْض تبتلع مَا يخرج من الْأَنْبِيَاء وَلَا يرى مِنْهُ شَيْء وَأخرجه ابو نعيم من هَذَا الطَّرِيق
وَله طَرِيق ثَالِث قَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا مُحَمَّد بن ابراهيم حَدثنَا عَليّ بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الْمصْرِيّ حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الْبَلْخِي حَدثنَا شهَاب بن معمر الْعَوْفِيّ حَدثنَا عبد الْكَرِيم الخزاز حَدثنَا أَبُو عبد الله الْمَدِينِيّ عَن ليلى مولاة عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله إِنَّك تدخل الْخَلَاء فاذا خرجت دخلت اثرك فَمَا أرى شَيْئا إِلَّا أَنِّي اجد رَائِحَة الْمسك قَالَ إِنَّا معشر الانبياء تنْبت اجسادنا على ارواح اهل الْجنَّة فَمَا خرج مِنْهَا من شَيْء ابتلعته الأَرْض
وَله طَرِيق رَابِع قَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك اخبرني مخلد بن جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بن جرير حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقي حَدثنَا ابراهيم بن سعد حَدثنَا الْمنْهَال ابْن عبيد الله عَمَّن ذكره عَن ليلى مولاة عَائِشَة عَن عَائِشَة قَالَت دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَضَاء حَاجته فَدخلت فَلم أر شَيْئا وَوجدت ريح الْمسك فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي لم أر شَيْئا قَالَ إِن الأَرْض أمرت ان تكفته منا معاشر الانبياء
وَله طَرِيق خَامِس قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْبَاهِلِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن حسان الْأمَوِي حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله إِنِّي اراك تدخل الْخَلَاء ثمَّ يَجِيء الَّذِي بعْدك فَلَا يرى لما يخرج مِنْك أثرا فَقَالَ يَا عَائِشَة اما علمت ان الله امْر الأَرْض أَن تبتلع مَا خرج من الْأَنْبِيَاء هَذَا الطَّرِيق اقوى طرق الحَدِيث قَالَ ابْن دحْيَة فِي الخصائص بعد إِيرَاده هَذَا سَنَد ثَابت مُحَمَّد بن حسان بغدادي ثِقَة صَالح وَعَبدَة من رجال الشَّيْخَيْنِ

(1/121)


وَله طَرِيق سادس مُرْسل أخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن قيس الزَّعْفَرَانِي عَن عبد الْملك بن عبد الله بن الْوَلِيد عَن ذكْوَان ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يرى لَهُ ظلّ فِي شمس وَلَا قمر وَلَا أثر قَضَاء حَاجَة وَله طَرِيق سَابِع يَأْتِي فِي بَاب وَفد الْجِنّ
بَاب الِاسْتِشْفَاء ببوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وابو يعلى وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نعيم عَن أم أَيمن قَالَت قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل إِلَى فخارة فِي جَانب الْبَيْت فَبَال فِيهَا فَقُمْت من اللَّيْل وَأَنا عَطْشَانَة فَشَرِبت مَا فِيهَا فَلَمَّا أصبح أخْبرته فَضَحِك وَقَالَ إِنَّك لن تَشْتَكِي بَطْنك بعد يَوْمك هَذَا أبدا
واخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ اخبرت ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَبُول فِي قدح من عيدَان ثمَّ يوضع تَحت سَرِيره فجَاء فَإِذا الْقدح لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَقَالَ لامْرَأَة يُقَال لَهَا بركَة كَانَت تخْدم ام حَبِيبَة جَاءَت مَعهَا من أَرض الْحَبَشَة أَيْن الْبَوْل الَّذِي كَانَ فِي الْقدح قَالَت شربته قَالَ صِحَة يَا أم يُوسُف وَكَانَت تكنى ام يُوسُف فَمَا مَرضت قطّ حَتَّى كَانَ مَرضهَا الَّذِي مَاتَت فِيهِ قَالَ ابْن دحْيَة هَذِه قَضِيَّة أُخْرَى غير قَضِيَّة أم أَيمن وبركة أم يُوسُف غير بركَة أم أَيمن
بَاب جَامع فِي صفة خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن الْبَراء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس وَجها وَأَحْسَنهمْ خلقا لَيْسَ بالطويل الذَّاهِب وَلَا بالقصير
واخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء أَنه سُئِلَ أَكَانَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف قَالَ لَا وَلَكِن كَانَ مثل الْقَمَر
وَأخرج مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة أَنه سُئِلَ اكان وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا قَالَ لَا بل مثل الشَّمْس وَالْقَمَر مستديرا

(1/122)


وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة اضحيان وَعَلِيهِ حلَّة حَمْرَاء فَجعلت أنظر إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَر فَلَهو كَانَ أحسن فِي عَيْني من الْقَمَر فِي الصِّحَاح لَيْلَة إِضْحِيَان بِكَسْر الْهمزَة والحاء لَا غيم فِيهَا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أسر استنار وَجهه كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك مِنْهُ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كدارة الْقَمَر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابي اسحاق عَن امْرَأَة من هَمدَان قَالَت حججْت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت لَهَا شبهيه قَالَت كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر لم أر قبله وَلَا بعده مثله
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ قلت للربيع بنت معوذ صفي لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لَو رَأَيْته لَقلت الشَّمْس طالعة
واخرج مُسلم عَن أبي الطُّفَيْل انه قيل لَهُ صف لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ ابيض مليح الْوَجْه
واخرج الشَّيْخَانِ عَن انس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربعَة من الْقَوْم لَيْسَ بالطويل الْبَائِن وَلَا بالقصير ازهر اللَّوْن لَيْسَ بالآدم وَلَا الْأَبْيَض الأمهق رجل الشّعْر لَيْسَ بالسبط وَلَا بالجعد القطط الْبَائِن الطَّوِيل فِي نحافة والآدم الشَّديد السمرَة والامهق الشَّديد الْبيَاض الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من الْحمرَة وَلَيْسَ بنير والسبط الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تكسر والقطط الشَّديد الجعودة وَالرجل بَينهمَا كانه مشط فتكسر قَلِيلا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض مشربا بحمرة
وَأخرج ابْن سعد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ مَا رَأَيْت شَيْئا أحسن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم كَأَن الشَّمْس تجْرِي فِي وَجهه وَمَا رَأَيْت احدا اسرع فِي مَشْيه مِنْهُ كَأَن الارض تطوى لَهُ إِنَّا لنجهد وانه غير مكترث

(1/123)


وَأخرج ابْن سعد عَن قَتَادَة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس قَالَ مَا بعث الله نَبيا قطّ إِلَّا بَعثه حسن الْوَجْه حسن الصَّوْت حَتَّى بعث نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَعثه حسن الْوَجْه حسن الصَّوْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن ابي طَالب قَالَ مَا بعث الله نَبيا قطّ إِلَّا صبيح الْوَجْه كريم الْحسب حسن الصَّوْت وان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ صبيح الْوَجْه كريم الْحسب حسن الصَّوْت
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن ابْن عمر قَالَ مَا رَأَيْت احدا أَشْجَع وَلَا أَجود وَلَا أوضأ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن ابْن عمر قَالَ مَا رَأَيْت أحدا أَشْجَع وَلَا أَجود وَلَا أوضأ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضليع الْفَم اشكل الْعَينَيْنِ منهوس العقبين الشكلة كَهَيئَةِ الْحمرَة تكون فِي بَيَاض الْعين بِخِلَاف الشهلة فَإِنَّهَا حمرَة فِي سوادها وضليع الْفَم واسعه ومنهوس العقبين قَلِيل لحم الْعقب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَظِيم الْعَينَيْنِ أهدب الأشفار مشرب الْعين بحمرة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عَليّ أَنه نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لم يكن بالطويل الممغط وَلَا بالقصير المتردد كَانَ ربعَة من الْقَوْم لم يكن بالجعد القطط وَلَا بالسبط كَانَ جَعدًا رجلا وَلم يكن بالمطهم وَلَا بالمكلثم كَانَ فِي وَجهه تدوير أَبيض مشرب أدعج الْعَينَيْنِ أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذُو مسربة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين إِذا مَشى تقلع كَأَنَّمَا يمشي فِي صبب وَإِذا الْتفت الْتفت مَعًا بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة الممغط الطَّوِيل الْبَائِن والمتردد الَّذِي تردد خلقه بعضه على بعض فَهُوَ مُجْتَمع والمطهم المسترخي اللَّحْم والمكلثم المدور الْوَجْه اي لم يكن شَدِيد تدوير الْوَجْه بل فِي وَجهه تدوير قَلِيل وَالْمشْرَب الَّذِي فِي بياضه حمرَة والأدعج الشَّديد سَواد الحدقة والأهدب الطَّوِيل الأشفار وَهِي شعر الْعين

(1/124)


والمشاش رُؤُوس الْعِظَام كالركبتين والمرفقين والمنكبين وجليلها عظيمها والكتد بِفتْحَتَيْنِ مُجْتَمع الْكَتِفَيْنِ والأجرد الَّذِي لَا شعر على بدنه والمسربة خيط شعر بَين الصَّدْر والسرة وشثن الْكَفَّيْنِ غليظ الْأَصَابِع
وَأخرج من وَجه آخر عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسود الحدقة أهدب الأشفار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مفاض الجبين أهدب الأشفار مفاض وَاسع
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن ابي طَالب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل ضخم الرَّأْس واللحية شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين ضخم الكراديس مشربا وَجهه حمرَة طَوِيلَة المسربة اذا مَشى تكفأ تكفأ كَأَنَّمَا ينحط من صبب لم أر قبله وَلَا بعده مثله الكراديس رُؤُوس الْعِظَام كالمشاش
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شج الذراعين بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أهدب أشفار الْعَينَيْنِ لم يكن صخابا فِي الاسواق وَلَا فحاشا وَلَا متفحشا كَانَ يقبل جَمِيعًا وَيُدبر جَمِيعًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسود اللِّحْيَة حسن الثغر
وَأخرج عَن انس انه سُئِلَ هَل شَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا شانه الله بالشيب مَا كَانَ فِي رَأسه ولحيته إِلَّا سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة شَعْرَة بَيْضَاء
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن الْبَراء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مربوعا بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ يبلغ شعره شحمة أُذُنَيْهِ مَا رَأَيْت شَيْئا أحسن مِنْهُ
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن محرش الكعبي قَالَ اعْتَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجِعِرَّانَة لَيْلًا فَنَظَرت إِلَى ظَهره كَأَنَّهُ سبيكة فضَّة

(1/125)


وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ام هَانِئ قَالَت مَا رَأَيْت بطن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا ذكرت الْقَرَاطِيس الْمثنى بَعْضهَا على بعض
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض كَأَنَّمَا صِيغ من فضَّة رجل الشّعْر مفاض الْبَطن عَظِيم مشاش الْمَنْكِبَيْنِ يطَأ بقدمه جَمِيعًا إِذا اقبل اقبل جَمِيعًا وَإِذا أدبر أدبر جَمِيعًا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن انس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضخم الرَّأْس والقدمين سبط الْكَفَّيْنِ
واخرج البُخَارِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضخم الْقَدَمَيْنِ وَحسن الْوَجْه لم أر بعده مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَيْمُونَة بنت كزدم قَالَت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا نسيت طول اصبع قدمه السبابَة على سَائِر أَصَابِعه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن رجل من الصَّحَابَة من بلعدويه قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رجل حسن الْجِسْم عَظِيم الْجَبْهَة دَقِيق الْأنف دَقِيق الحاجبين وَإِذا من لدن نَحره إِلَى سرته كالخيط الْمَمْدُود شعره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قصير وَلَا طَوِيل وَهُوَ إِلَى الطول أقرب وَكَانَ شثن الْكَفّ والقدم وَكَانَ فِي صَدره مسربة وَكَأن عرقه اللُّؤْلُؤ إِذا مَشى تكفأ كَأَنَّمَا يمشي فِي صعد التكفؤ الْميل إِلَى سنَن الممشى
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالذاهب طولا وَفَوق الربعة اذا جَاءَ مَعَ الْقَوْم غمرهم أَبيض ضخم الهامة أغر أَبْلَج أهدب الأشفار شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين إِذا مَشى يتقلع كَأَنَّمَا ينحدر فِي صبب كَأَن الْعرق فِي وَجهه اللُّؤْلُؤ لم أر قبله وَلَا بعده مثله الهامة الرَّأْس

(1/126)


وَأخرج مُسلم عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزْهَر اللَّوْن كَأَن عرقه اللُّؤْلُؤ إِذا مَشى تكفأ
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس كَانَ ربعَة وَهُوَ إِلَى الطول أقرب بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أسيل الْخَدين شَدِيد سَواد الشّعْر أكحل الْعَينَيْنِ أهدب إِذا وطىء بقدمه وطىء بكلها لَيْسَ لَهُ أخمض إِذا وضع رِدَاءَهُ عَن مَنْكِبَيْه فَكَأَنَّهُ سبيكة فضَّة وَإِذا ضحك يتلألأ فِي الْجدر لم أر مثله قبله وَلَا بعده
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن انس قَالَ مَا مسست حَرِيرًا وَلَا ديباجا أَلين من كف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا شممت مسكا وَلَا عنبرا أطيب من ريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ مسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خدي فَوجدت ليده بردا وريحا كَأَنَّمَا اخرجها من جونة عطار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن الْأسود قَالَ ناولني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فَإِذا هِيَ أبرد من الثَّلج وَأطيب ريحًا من الْمسك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد عَن أَبِيه قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذت بِيَدِهِ فَإِذا هِيَ أَلين من الْحَرِير وأبرد من الثَّلج
وَأخرج احْمَد عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ اشتكيت بِمَكَّة فَدخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي فَوضع يَده على جبهتي فَمسح وَجْهي وصدري وبطني فَمَا زلت يخيل إِلَيّ أَنِّي اجد برد يَده على كَبِدِي حَتَّى السَّاعَة
واخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض مشربا بحمرة شثن الْأَصَابِع لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير وَلَا بالسبط وَلَا بالجعد إِذا مَشى هرول النَّاس وَرَاءه لَا يرى مثله أبدا
وَأخرج ابو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة عَن امد بن أَبَد الْحَضْرَمِيّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأَيْت قبله وَلَا بعده مثله

(1/127)


واخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أحسن الْبشر قدما
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابيض اللَّوْن مشربا حمرَة أدعج الْعَينَيْنِ دَقِيق المسربة دَقِيق الْعرنِين سهل الْخَدين كث اللِّحْيَة ذَا وفرة كَأَن عُنُقه إبريق فضَّة لَهُ شعر يجْرِي من لبته إِلَى سرته كالقضيب لَيْسَ فِي بَطْنه وَلَا صَدره شعر غَيره كَأَن عرقه فِي وَجهه اللُّؤْلُؤ ولريح عرقه أطيب من الْمسك الأذفر الْعرنِين أَعلَى الْأنف والوفرة الشّعْر إِلَى شحمة الْأذن والأذفر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة
واخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَإِنِّي لأخطب يَوْمًا على النَّاس وَحبر من أَحْبَار يهود وَاقِف فِي يَده سفر ينظر فِيهِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ صف لنا أَبَا الْقَاسِم فَقلت لَيْسَ بالطويل الْبَائِن وَلَا بالقصير وَلَيْسَ بالجعد القطط وَلَا بالسبط وَهُوَ رجل الشّعْر أسود ضخم الرَّأْس مشرب لَونه حمرَة عَظِيم الكراديس شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين طَوِيل المسربة أهدب الاشفار مقرون الحاجبين صلت الجبين بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ إِذا مَشى يَتَكَفَّأ كَأَنَّمَا ينزل من صبب لم أر قبله وَلَا بعده مثله قَالَ عَليّ ثمَّ سكت فَقَالَ لي الحبر وماذا قلت هَذَا مَا يحضرني قَالَ الحبر فِي عَيْنَيْهِ حمرَة حسن اللِّحْيَة حسن الْفَم تَامّ الْأُذُنَيْنِ يقبل جَمِيعًا وَيُدبر جَمِيعًا قَالَ عَليّ هَذِه وَالله صفته قَالَ الحبر وَشَيْء آخر قلت وَمَا هُوَ قَالَ وَفِيه جناء قلت هُوَ الَّذِي قلت لَك كَأَنَّمَا ينزل من صبب قَالَ الحبر فَإِنِّي اجد هَذِه الصّفة فِي سفر آبَائِي ونجده يبْعَث من حرم الله وأمنه وَمَوْضِع بَيته ثمَّ يُهَاجر إِلَى حرم يحرمه هُوَ وَيكون لَهُ حَرَكَة كَحُرْمَةِ الْحرم الَّذِي حرم الله ونجد أنصاره الَّذين هَاجر إِلَيْهِم قوما من ولد عَمْرو بن عَامر أهل نخل وَأهل الأَرْض قبلهم يهود قَالَ عَليّ هُوَ هُوَ قَالَ الحبر فَإِنِّي أشهد انه نَبِي وَأَنه رَسُول الله إِلَى النَّاس كَافَّة الْقرن اتِّصَال شعر الحاجبين وصلت الجبين واضحه

(1/128)


واخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ أقبل قوم من الْيَهُود فَأتوا عليا فَقَالُوا صف لنا ابْن عمك فَقَالَ عَليّ لم يكن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالطويل الذَّاهِب وَلَا بالقصير المتردد كَانَ فَوق الربعة أَبيض اللَّوْن مشرب الْحمرَة جَعدًا لَيْسَ بالقطط يفرق شعره إِلَى أُذُنَيْهِ صلت الجبين وَاضح الْخَدين أدعج الْعَينَيْنِ مقرون الحاجبين سبط الأشفار أقنى الْأنف دَقِيق المسربة براق الثنايا كث اللِّحْيَة كَانَ عُنُقه إبريق فضَّة كَانَ الذَّهَب يجْرِي فِي تراقيه لَهُ شَعرَات من لبته إِلَى سرته كأنهن قضيب مسك أسود لم يكن فِي جسده وَلَا فِي صَدره شَعرَات غَيْرهنَّ بَين كَتفيهِ كدارة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر مَكْتُوب بِالنورِ سطرين السطر الاعلى لَا إِلَه إِلَّا الله وَفِي السطر الْأَسْفَل مُحَمَّد رَسُول الله الأقنى السَّائِل الانف الْمُرْتَفع وَسطه
واخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى حبر من أَحْبَار بَيت الْمُقَدّس بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَليّ فَقَالَ صف لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لم يكن بالطويل الذَّاهِب وَلَا بالقصير كَانَ ربعَة من الرِّجَال أَبيض مشربا بحمرة جعد المفرق شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ صلت الجبين وَاضح الْخَدين مقرون الحاجبين أدعج الْعَينَيْنِ سبط الأشفار أقنى الْأنف دَقِيق المسربة مفلج الثنايا كث اللِّحْيَة كَأَن عُنُقه إبريق فضَّة كَأَن الذَّهَب يجْرِي فِي تراقيه عرقه فِي وَجهه كَاللُّؤْلُؤِ شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين لَهُ شَعرَات مَا بَين لبته إِلَى صَدره يجْرِي كالقضيب لم يكن على بَطْنه وَلَا على ظَهره شَعرَات غَيرهَا يفوح مِنْهُ ريح الْمسك إِذا قَامَ غمر النَّاس وَإِذا مَشى فَكَأَنَّمَا يتقلع من صَخْرَة إِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا وَإِذا انحدر كَأَنَّمَا ينحدر من صبب قَالَ الحبر إِنِّي أصبت فِي التَّوْرَاة هَذِه الصّفة أشهد انه رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ أوحى الله إِلَى عِيسَى بن مَرْيَم جد فِي أَمْرِي وَلَا تهزل واسمع واطع يَا ابْن الطاهرة الْبكر البتول إِنِّي خلقتك من غير فَحل فجعلتك آيَة للْعَالمين فإياي فاعبد وَعلي فتوكل فسر إل أهل سوران إِنِّي أَنا الله الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا أزول صدقُوا النَّبِي الْأُمِّي الْعَرَبِيّ صَاحب الْجمل

(1/129)


والمدرعة والعمامة وَهِي التَّاج والنعلين والهراوة وَهِي الْقَضِيب الْجَعْد الرَّأْس الصَّلْت الجبين المقرون الحاجبين الأنجل الْعَينَيْنِ الأهدب الأشفار الأدعج الْعَينَيْنِ أقنى الْأنف الْوَاضِح الْخَدين الكث اللِّحْيَة عرقه فِي وَجهه كَاللُّؤْلُؤِ وريح الْمسك ينفح مِنْهُ كَأَن عُنُقه إبريق فضَّة وَكَأن الذَّهَب يجْرِي فِي تراقيه لَهُ شَعرَات من لبته إِلَى سرته يجْرِي كالقضيب لَيْسَ على صَدره وَلَا على بَطْنه شعر غَيره شثن الْكَفّ والقدم إِذا جَاءَ مَعَ النَّاس غمرهم وَإِذا مَشى كَأَنَّمَا يتقلع من الصخر وينحدر فِي صبب ذُو النَّسْل الْقَلِيل الأنجل الْوَاسِع شقّ الْعين والتراقي مَا بَين ثغرة النَّحْر والعاتق
وَأخرج ابْن سعد التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نسيم وَابْن السكن فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ سَأَلت خَالِي هِنْد بن أبي اهالة عَن حلية النَّبِي وَكَانَ وصافا فَقَالَ كَانَ فخما مفخما يتلألأ تلألؤ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عَظِيم الهامة رجل الشّعْر إِن انفرقت عقيقته فرق وَإِلَّا فَلَا يُجَاوز شعره شحمة أُذُنه إِذا هُوَ وفره أَزْهَر اللَّوْن وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب سوابغ من غير قرن بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب أقنى الْعرنِين لَهُ نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أَشمّ كث اللِّحْيَة أدعج سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الاسنان دَقِيق المسربة كَأَن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة معتدل الْخلق بادنا متماسكا سَوَاء الْبَطن والصدر مشيح الصَّدْر بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ ضخم الكراديس أنور المتجرد مَوْصُول مَا بَين اللبة والسرة بِشعر يجْرِي كالخط عاري الثديين مِمَّا سوى ذَلِك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصَّدْر طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين سَائل الْأَطْرَاف سبط الْقصب خمصان الاخمصين مسيح الْقَدَمَيْنِ ينبو عَنْهُمَا المَاء إِذا ازال زَالَ تلقعا ويخطو تكفأ وَيَمْشي هونا ذريع المشية إِذا مَشى كَأَنَّمَا ينحط من صبب وَإِذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا خافض الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أطول من نظره إِلَى السَّمَاء جلّ نظره الملاحظة يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لقِيه بِالسَّلَامِ قلت صف لي مَنْطِقه قَالَ كَانَ متواصل الأحزان دَائِم الفكرة لَيست لَهُ رَاحَة لَا يتَكَلَّم

(1/130)


فِي غير حَاجَة طَوِيل السُّكُوت يفْتَتح الْكَلَام ويختتمه بأشداقه وَيتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فصلا لَا فضول فِيهِ وَلَا تَقْصِير دمثا لَيْسَ بالجافي وَلَا المهين يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ لَا يذم مِنْهَا شَيْئا لم يكن يذم ذواقا وَلَا يمدحه وَلَا يُقَام لغضبه إِذا تعرض للحق بِشَيْء حَتَّى ينتصر لَهُ لَا يغْضب لنَفسِهِ وَلَا ينتصر لَهَا إِذا أَشَارَ أَشَارَ بكفه كلهَا وَإِذا تعجب قَلبهَا وَإِذا تحدث اتَّصل بهَا فَضرب بابهامه الْيُمْنَى بطن رَاحَته الْيُسْرَى وَإِذا غضب أعرض وأشاح فاذا فَرح غض طرفه جلّ ضحكه التبسم ويفتر عَن مثل حب الْغَمَام
الفخم الْمُعظم والمشذب بمعجمتين مفتوحتين ثانيتهما مُشَدّدَة كالبائن والعقيقة شعر الرَّأْس أَرَادَ إِن انفرقت بِنَفسِهَا فرقها وَإِلَّا تَركهَا معقوصة وأزهر اللَّوْن نيره وَقيل حسنه الْحَاجِب الأزج المقوس الطَّوِيل الوافر الشّعْر والأشم الطَّوِيل قَصَبَة الْأنف والشنب رونق الاسنان وملؤها وَقيل رقتها وتحزيزها والفلج فرق بَين الثنايا والجيد الْعُنُق والدمية الصُّورَة من العاج والبادن ذُو اللَّحْم والمتماسك معتدل الْخلق يمسك بعضه بَعْضًا وَسَوَاء الْبَطن والصدر مستويهما ومشيح الصَّدْر يرْوى بِضَم الْمِيم وبمعجمة أَي بَادِي الصَّدْر غير قعس من أشاح بِمَعْنى أقبل وبالفتح ومهملة أَي عريض والزندان عظما الذراعين ورحب الرَّاحَة واسعها وَسَائِل الْأَطْرَاف طَوِيل الْأَصَابِع والسبط الممتد بِلَا تعقد والقصب بقاف ومهملة كل عظم أجوف وخمصان الأخمصين متجافيهما وهما بطن الْقَدَمَيْنِ الَّذِي لَا تناله الأَرْض من غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومسيح الْقَدَمَيْنِ بِالْمُهْمَلَةِ أملسهما والتقلع رفع الرجل بِقُوَّة والهون الرِّفْق وَالْوَقار والذريع الْوَاسِع الخطو أَي أَن مَشْيه كَانَ يرفع فِيهِ رجله بِسُرْعَة ويمد خطوه خلاف مشْيَة المختال ويقصد سمته كل ذَلِك بِرِفْق وَتثبت دون عجلة كَمَا قَالَ كَأَنَّمَا ينحط من صبب وَقَوله يفْتَتح الْكَلَام ويختمه بأشداقه أَي لسعة فَمه وَالْعرب تمدح بِهِ وتذم بصغر الْفَم والدمث سهل الْخلق والمهين بِالضَّمِّ من الاهانة وبالفتح من المهانة وَهِي الحقارة وأشاح الْقَبْض ويفتر يُبْدِي أَسْنَانه ضَاحِكا وَحب الْغَمَام الْبرد

(1/131)


بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَثْرَة الْأَسْمَاء الدَّالَّة على شرف الْمُسَمّى

قَالَ بعض الْعلمَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف اسْم بَعْضهَا فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَبَعضهَا فِي الْكتب الْقَدِيمَة
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جُبَير بن مطعم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن لي أَسمَاء انا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وانا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس على قدمي وانا العاقب وَالْعَاقِب الَّذِي لَيْسَ بعده نَبِي
وَأخرج احْمَد وَالطَّيَالِسِي فِي مسنديهما وَابْن سعد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول انا مُحَمَّد وَأَنا احْمَد وَأَنا الحاشر وانا الماحي والخاتم وَالْعَاقِب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انا مُحَمَّد وَأَنا احْمَد وانا الحاشر وَأَنا الماحي
وَأخرج احْمَد وَمُسلم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ سمى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه أَسمَاء مِنْهَا مَا حفظنا وَمِنْهَا مَا لم نَحْفَظ قَالَ انا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد والمقفى والحاشر وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الملحمة وَنَبِي الرَّحْمَة
وَأخرج احْمَد وَابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن حُذَيْفَة قَالَ لقِيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض طرق الْمَدِينَة فَقَالَ انا مُحَمَّد وانا احْمَد وَأَنا نَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي التَّوْبَة وَأَنا المقفى وَأَنا الحاشر وَنَبِي الْمَلَاحِم
وَأخرج ابو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي عشرَة أَسمَاء عِنْد رَبِّي أَنا مُحَمَّد وَأحمد والفاتح والخاتم وابو الْقَاسِم والحاشر وَالْعَاقِب والماحي وَيس وطه
وَأخرج ابْن سعد عَن مُجَاهِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انا مُحَمَّد وَأحمد أَنا رَسُول الرَّحْمَة أَنا رَسُول الملحمة أَنا المقفى والحاشر بعثت بِالْجِهَادِ وَلم أبْعث بالزراع

(1/132)


وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إسمي فِي الْقُرْآن مُحَمَّد وَفِي الانجيل أَحْمد وَفِي التَّوْرَاة أحيد وَإِنَّمَا سميت أحيد لِأَنِّي احيد أمتِي عَن نَار جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُسمى فِي الْكتب الْقَدِيمَة احْمَد وَمُحَمّد والماحي والمقفى وَنَبِي الْمَلَاحِم وحمطايا وفارقليطا وماذماذ
وَأخرج ابْن فَارس عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إسمي فِي التَّوْرَاة احْمَد الضحوك الْقِتَال يركب الْبَعِير ويلبس الشملة ويجتزي بالكسرة سَيْفه على عَاتِقه
وَقلت وَقد الفت كتابا فِي شرح اسمائه الْكَرِيمَة أوردت فِيهِ ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعين إسما مَأْخُوذَة من الْقُرْآن والاحاديث والكتب الْقَدِيمَة
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا سمي بِهِ من أَسمَاء الله تَعَالَى

قَالَ القَاضِي عِيَاض قد خص الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن سَمَّاهُ من اسمائه بِنَحْوِ من ثَلَاثِينَ إسما وَهِي الاكرم والامين وَالْأول وَالْآخر والبشير والجبار وَالْحق والخبير وَذُو الْقُوَّة والرؤوف والرحيم والشهيد والشكور والصادق والعظيم وَالْعَفو والعالم والعزيز والفاتح والكريم والمبين وَالْمُؤمن والمهيمن والمقدس وَالْمولى وَالْوَلِيّ والنور وَالْهَادِي وطه وَيس
قلت قد وَقع لنا عدَّة أَسمَاء أخر زِيَادَة على ذَلِك وَهِي الْأَحَد والأصدق وَالْأَحْسَن والأجود والأعلى والآمر والناهي وَالْبَاطِن وَالْبر والبرهان والحاشر والحافظ والحفيظ والحسيب والحكيم والحليم والحي والخليفة والداعي والرافع والواضع ورفيع الدَّرَجَات وَالسَّلَام وَالسَّيِّد والشاكر

(1/133)


والصابر والصاحب وَالطّيب والطاهر وَالْعدْل والعلي وَالْغَالِب والغفور والغني والقائم والقريب والماجد والمعطي والناسخ والناشر والوفي وحم وَنون
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باشتقاق اسْمه الشريف الشهير من اسْم الله تَعَالَى

قَالَ حسان بن ثَابت يمدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم ... من الله من نور يلوح وَيشْهد)
(وَضم الْإِلَه اسْم النَّبِي إِلَى اسْمه ... إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن أشهد)
(وشق لَهُ من إسمه ليحله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان قَالَ اجْتَمعُوا فتذاكروا أَي بَيت أحسن فِيمَا قالته الْعَرَب قَالُوا قَوْله
(وشق لَهُ من اسْمه ... ) الْبَيْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عق عَنهُ عبد الْمطلب بكبش وَسَماهُ مُحَمَّدًا فَقيل لَهُ يَا أَبَا الْحَارِث مَا حملك على أَن سميته مُحَمَّدًا وَلم تسمه باسم آبَائِهِ قَالَ أردْت أَن يحمده الله فِي السَّمَاء وَيَحْمَدهُ النَّاس فِي الأَرْض
بَاب مَا ظهر من الْآيَات عِنْد قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أمه الْمَدِينَة لزيارة أَخْوَاله

أخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعَن الزُّهْرِيّ وَعَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ سِنِين خرجت بِهِ أمه إِلَى أَخْوَاله بني عدي بن النجار بِالْمَدِينَةِ تزورهم وَمَعَهُ أم أَيمن فَنزلت بِهِ فِي دَار النَّابِغَة فأقامت بِهِ عِنْدهم شهرا فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر أمورا كَانَت فِي مقَامه ذَلِك وَنظر إِلَى الدَّار فَقَالَ هَا هُنَا نزلت بِي أُمِّي وأحسنت العوم فِي بِئْر بني عدي بن

(1/134)


النجار وَكَانَ قوم من الْيَهُود يَخْتَلِفُونَ ينظرُونَ إِلَيْهِ قَالَت أم أَيمن فَسمِعت احدهم يَقُول هُوَ نَبِي هَذِه الْأمة وَهَذِه دَار هجرته فوعيت ذَلِك كُله من كَلَامهم ثمَّ رجعت بِهِ امهِ الى مَكَّة فَلَمَّا كَانَت بالابواء توفيت
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه مثله وَزَاد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَظَرت إِلَى رجل من الْيَهُود يخْتَلف ينظر إِلَيّ فَقَالَ لي يَا غُلَام مَا اسْمك قلت أَحْمد وَنظر إِلَى ظَهْري فأسمعه يَقُول هَذَا نَبِي هَذِه الْأمة ثمَّ رَاح إِلَى اخوالي فَأخْبرهُم فاخبروا امي فخافت عَليّ وَخَرجْنَا من الْمَدِينَة وَكَانَت ام ايمن تحدث تَقول أَتَانِي رجلَانِ من يهود يَوْمًا نصف النَّهَار بِالْمَدِينَةِ فَقَالَا اخْرُجِي لنا احْمَد فَأَخْرَجته فَنَظَرا إِلَيْهِ وقلباه مَلِيًّا ثمَّ قَالَ احدهما لصَاحبه هَذَا نَبِي هَذِه الْأمة هَذِه دَار هجرته وسيكون بِهَذِهِ الْبَلدة من الْقَتْل والسبي أَمر عَظِيم قَالَت ام أَيمن ووعيت ذَلِك كُله من كَلَامهمَا
بَاب مَا وَقع عِنْد وَفَاة امهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْآيَات

اخْرُج ابو نعيم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أم سَمَّاعَة بنت أبي رهم عَن أمهَا قَالَت شهِدت آمِنَة أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي علتها الَّتِي مَاتَت فِيهَا وَمُحَمّد غُلَام يَقع لَهُ خمس سِنِين عِنْد رَأسهَا فَنَظَرت إِلَى وَجهه ثمَّ قَالَت
(بَارك فِيك الله من غُلَام ... يَا ابْن الَّذِي من حومة الْحمام)
(نجا بعون الْملك المنعام ... فودى غَدَاة الضَّرْب بِالسِّهَامِ)
(بِمِائَة من إبل سوام ... إِن صَحَّ مَا أَبْصرت فِي الْمَنَام)
(فَأَنت مَبْعُوث إِلَى الْأَنَام ... من عِنْد ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام)
(تبْعَث فِي الْحل وَفِي الْحَرَام ... تبْعَث بالتحقيق وَالْإِسْلَام)
(دين أَبِيك الْبر إبراهام ... فَالله أَنهَاك عَن الْأَصْنَام)
(ان لَا تواليها مَعَ الأقوام ... )
ثمَّ قَالَت كل حَيّ ميت وكل جَدِيد بَال وكل كَبِير يفنى وَأَنا ميتَة وذكري بَاقٍ وَقد تركت خيرا وَولدت طهرا ثمَّ مَاتَت فَكُنَّا نسْمع نوح الْجِنّ عَلَيْهَا فحفظنا من ذَلِك

(1/135)


(نبكي الفتاة الْبرة الأمينة ... ذَات الْجمال الْعِفَّة الرزينة)
(زَوْجَة عبد الله والقرينة ... أم نَبِي الله ذِي السكينَة)
(وَصَاحب الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ ... صَارَت لَدَى حفرتها رهينة)
بَاب استسقاء أهل مَكَّة بجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَعَه وسقياهم وَمَا ظهر فِيهِ من الْآيَات

اخْرُج ابْن سعد وَابْن ابي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن مخرمَة بن نَوْفَل عَن امهِ رقيقَة بنت صَيْفِي وَكَانَت لِدَة عبد الْمطلب قَالَت تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون جدبة أقحلت الْجلد وأدقت الْعظم فَبينا أَنا نَائِمَة أَو مهومة إِذا هَاتِف يصْرخ بِصَوْت صَحِلَ يَقُول يَا معشر قُرَيْش إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث مِنْكُم قد أظلكم ايامه وَهَذَا أبان مخرجه فحي هلا بِالْحَيَاءِ وَالْخصب أَلا فانظروا رجلا مِنْكُم وَسِيطًا عظاما جِسَامًا أَبيض بضا أَوْطَفُ الْأَهْدَاب سهل الْخَدين أَشمّ الْعرنِين لَهُ فَخر يَكْظِم عَلَيْهِ وَسنة يهدي اليه فَلْيخْلصْ هُوَ وَولده وَولد وَلَده وليهبط إِلَيْهِ من كل بطن رجل فليشنوا من المَاء وليمسوا من الطّيب ثمَّ ليستلموا الرُّكْن وليطوفوا بِالْبَيْتِ سبعا ثمَّ ليرتقوا أَبَا قبيس فليستسق الرجل وليؤمن الْقَوْم فغثتم مَا شِئْتُم إِذا قَالَت فَأَصْبَحت مَذْعُورَة قد اقشعر جلدي وَوَلِهَ عَقْلِي واقتصصت رُؤْيَايَ فَقُمْت فِي شعاب مَكَّة فَمَا بَقِي بهَا أبطحي إِلَّا قَالُوا هَذَا شيبَة الْحَمد وتتامت إِلَيْهِ رجالات قُرَيْش وَهَبَطَ إِلَيْهِ من كل بطن رجل فَشُنُّوا من المَاء وَمَسُّوا من الطّيب واستلموا وطافوا ثمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قبيس حَتَّى إِذا اسْتَووا بِذرْوَةِ الْجَبَل قَامَ عبد الْمطلب وَمَعَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَام قد أَيفع أَو كرب فَقَالَ عبد الْمطلب اللَّهُمَّ سَاد الْخلَّة وَكَاشف الْكُرْبَة انت عَالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وَهَذِه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك يَعْنِي أفنية حَرمك يَشكونَ إِلَيْك سنتهمْ أذهبت الْخُف والظلف اللَّهُمَّ فامطرن غيثا مُغْدِقًا ومريعا فَمَا راموا حَتَّى انفجرت السَّمَاء بِمَائِهَا والط الْوَادي

(1/136)


بثجيجه فلسمعت شَيْخَانِ قُرَيْش يَقُولُونَ لعبد الْمطلب هَنِيئًا يَا ابا الْبَطْحَاء هَنِيئًا أَي عَاشَ بك أهل الْبَطْحَاء وَفِي ذَلِك تَقول رقيقَة
(بِشَيْبَة الْحَمد اسقى الله بَلْدَتنَا ... لما فَقدنَا الحيا وأجلوذ الْمَطَر)
(فجاد بِالْمَاءِ جونى لَهُ سبل ... سَحا فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَام وَالشَّجر)
(منا من الله بالميمون طَائِره ... وَخير من بشرت يَوْمًا بِهِ مُضر)
(مبارك الْأَمر يَسْتَسْقِي الْغَمَام بِهِ ... مَا فِي الآنام لَهُ عدل وَلَا خطر)
رقيقَة بِضَم الرَّاء ولدة الرجل تربه وأقحلت بقاف وحاء مُهْملَة أيبست وصحل بمهملتين وَلَام فِيهِ بحة وَأَبَان الشَّيْء بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد وقته وَفُلَان وسيط فِي قومه اذا كَانَ أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا وعظاما بِضَم الْعين بِمَعْنى عَظِيم وجساما بِضَم الْجِيم بِمَعْنى جسيم وبضا بموحدة وضاد مُعْجمَة رَقِيق الْجلد ممتلئا والوطف كَثْرَة شعر الْعين والحاجبين وتتام الْقَوْم جَاءُوا كلهم وتموا والعذرة فنَاء الدَّار والملطاط حافة الْوَادي وساحل الْبَحْر والسبل بِالتَّحْرِيكِ الْمَطَر وَعدل بِكَسْر الْعين
بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذهب فِي حَاجَة لجده الا انجح فِيهَا

اخْرُج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مندة من طَرِيق كندير بن سعيد عَن أَبِيه قَالَ حججْت فِي الْجَاهِلِيَّة فَرَأَيْت رجلا يطوف بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَقُول
(رد إِلَيّ راكبي مُحَمَّدًا ... يَا رب رده واصطنع عِنْدِي يدا)
قلت من هَذَا قَالُوا هَذَا عبد الْمطلب بعث بِابْن لَهُ فِي طلب إبل لَهُ وَلم يَبْعَثهُ فِي حَاجَة قطّ إِلَّا انجح فِيهَا وَقد أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلم يلبث حَتَّى جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْإِبِل

(1/137)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عدي عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده مُعَاوِيَة بن حيدة قَالَ خرج حيدة بن مُعَاوِيَة فِي الْجَاهِلِيَّة مُعْتَمِرًا فَإِذا هُوَ بشيخ يطوف وَيَقُول
(رد إِلَيّ راكبي مُحَمَّدًا ... يَا رب رده واصطنع عِنْدِي يدا)
قلت من هَذَا قَالُوا سيد قُرَيْش عبد الْمطلب لَهُ إبل كَثِيرَة فَإِذا ضل مِنْهَا شَيْء بعث فِيهَا بنيه يطلبونها فَإِذا أعيى بنوه بعث ابْن ابْنه وَقد بَعثه فِي ضَالَّة أعيى عَنْهَا بنوه وَقد احْتبسَ عَنهُ فَمَا بَرحت حَتَّى جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء بِالْإِبِلِ
بَاب معرفَة عبد الْمطلب بشأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم من طَرِيقه قَالَ حَدثنِي الْعَبَّاس بن عبد الله ابْن معبد عَن بعض أَهله قَالَ كَانَ يوضع لعبد الْمطلب فرَاش فِي ظلّ الْكَعْبَة وَكَانَ لَا يجلس عَلَيْهِ اُحْدُ من بنيه إجلالا لَهُ وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي حَتَّى يجلس عَلَيْهِ فَيذْهب أَعْمَامه يؤخرونه فَيَقُول جده دعوا ابْني فيمسح على ظَهره وَيَقُول إِن لِابْني هَذَا لشأنا فتوفى عبد الْمطلب وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن ثَمَان سِنِين وَأوصى بِهِ أَبَا طَالب
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس مثله وَزَاد دعوا ابْني يجلس عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يحس من نَفسه بِشَيْء وَأَرْجُو انه يبلغ من الشّرف مَا لم يبلغهُ عَرَبِيّ قبله وَلَا بعده
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ وَمُجاهد وَنَافِع بن جُبَير قَالُوا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجلس على فرَاش جده فَيذْهب أَعْمَامه ليؤخروه فَيَقُول عبد الْمطلب دعوا ابْني انه ليؤنس ملكا وَقَالَ قوم من بني مُدْلِج لعبد الْمطلب احتفظ بِهِ فَإنَّا لم نر قدما أشبه بالقدم الَّتِي فِي الْمقَام مِنْهُ وَقَالَ عبد الْمطلب لأم أَيمن يَا بركَة لَا تغفلي عَنهُ فَإِن أهل الْكتاب يَزْعمُونَ ان ابْني نَبِي هَذِه الْأمة
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه قَالُوا بَينا عبد الْمطلب يَوْمًا فِي الْحجر وَعِنْده أَسْقُف نَجْرَان وَكَانَ صديقا لَهُ وَهُوَ يحادثه وَيَقُول إِنَّا نجد صفة نَبِي بَقِي

(1/138)


من ولد إِسْمَاعِيل هَذَا الْبَلَد مولده من صفته كَذَا وَكَذَا وأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر إِلَيْهِ الأسقف وَإِلَى عَيْنَيْهِ وَإِلَى ظَهره وَإِلَى قَدَمَيْهِ فَقَالَ هُوَ هَذَا اما هَذَا مِنْك قَالَ ابْني قَالَ الاسقف لَا مَا نجد أَبَاهُ حَيا قَالَ هُوَ ابْن ابْني وَقد مَاتَ أَبوهُ وَأمه حُبْلَى بِهِ قَالَ صدقت قَالَ عبد الْمطلب لِبَنِيهِ تحفظُوا بِابْن اخيكم أَلا تَسْمَعُونَ مَا يُقَال فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عفير بن زرْعَة بن سيف بن ذِي يزن عَن أَبِيه قَالَ لما ظهر سيف بن ذِي يزن على الْحَبَشَة وَذَلِكَ بعد مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ أَتَاهُ وُفُود الْعَرَب لتهنيه وَأَتَاهُ وَفد قُرَيْش مِنْهُم عبد الْمطلب فَقَالَ لَهُ سيف يَا عبد الْمطلب إِنِّي مفض إِلَيْك من سر علمي أمرا لَو غَيْرك يكون لم أبح لَهُ بِهِ وَلَكِنِّي رَأَيْتُك معدنه فأطلعتك طلعه فَلْيَكُن عنْدك مخبيا حَتَّى يَأْذَن الله فِيهِ إِنِّي اجد فِي الْكتاب الْمكنون وَالْعلم المخزون الَّذِي أدخرناه لأنفسنا واحتجبناه دون غَيرنَا خيرا عَظِيما وخطرا جسيما فِيهِ شرف الْحَيَاة وفضيلة الْوَفَاة للنَّاس عَامَّة ولرهطك كَافَّة وَلَك خَاصَّة فَقَالَ عبد الْمطلب مَا هُوَ قَالَ إِذا ولد بتهامة غُلَام بَين كَتفيهِ شامة كَانَت لَهُ الْإِمَامَة وَلكم بِهِ الزعامة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ هَذَا حِينه الَّذِي يُولد فِيهِ أَو قد ولد إسمه مُحَمَّد يَمُوت ابوه وامه ويكفله جده وَعَمه وَقد ولدناه مرَارًا وَالله باعثه جهارا وجاعل لَهُ منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم اعداءه وَيصرف بهم النَّاس عَن عرض ويستفتح بهم كرائم أهل الأَرْض يعبد الرَّحْمَن ويدحر الشَّيْطَان ويخمد النيرَان وَيكسر الْأَوْثَان قَوْله فصل وَحكمه عدل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ ويفعله وَيُنْهِي عَن الْمُنكر ويبطله وَالْبَيْت ذِي الْحجب والعلامات على النقب انك جده يَا عبد الْمطلب غير كذب فَهَل أحسست بِشَيْء مِمَّا ذكرت لَك قَالَ نعم أَيهَا الْملك إِنَّه كَانَ لي ابْن وَكنت بِهِ معجبا وَعَلِيهِ رَفِيقًا وَإِنِّي زَوجته كَرِيمَة من كرائم قومِي آمِنَة بنت وهب فَجَاءَت بِغُلَام فسميته مُحَمَّدًا مَاتَ أَبوهُ وَأمه وكفلته أَنا وَعَمه فَقَالَ لَهُ سيف إِن الَّذِي قلت لَك كَمَا قلت فاحفظه وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُود

(1/139)


فَإِنَّهُم لَهُ اعداء وَلنْ يَجْعَل الله لَهُم عَلَيْهِ سَبِيلا وَلَوْلَا أَنِّي أعلم ان الْمَوْت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حَتَّى أصير يثرب دَار ملكي فَإِنِّي اجد فِي الْكتاب النَّاطِق وَالْعلم السَّابِق ان بِيَثْرِب استحكام امْرَهْ وَأهل نَصره وَمَوْضِع قَبره
وَأخرج ابو نعيم والخرائطي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابي صَالح عَن ابْن عَبَّاس مثله سَوَاء
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ حَدثنِي شُيُوخ من قومِي أَنهم خَرجُوا عمارا وَعبد الْملك يَوْمئِذٍ حَيّ بِمَكَّة وَمَعَهُمْ رجل من يهود تيماء صحبهم للتِّجَارَة يُرِيد مَكَّة اَوْ الْيمن فَنظر إِلَى عبد الْمطلب فَقَالَ إِنَّا نجد فِي كتَابنَا الَّذِي لم يُبدل انه يخرج من ضئضئي هَذَا نَبِي يقتلنا وَقَومه قتل عَاد
واخرج ابْن سعد عَن ابي حَازِم قَالَ قدم كَاهِن بِمَكَّة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن خمس سِنِين فَنظر إِلَيْهِ الكاهن مَعَ عبد الْمطلب فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش اقْتُلُوا هَذَا الصَّبِي فانه يقتلكم ويفرقكم فَلم تزل قُرَيْش تخشى من أمره مَا كَانَ الكاهن حذرهم
بَاب مَا ظهر من الْآيَات وَهُوَ فِي كَفَالَة عَمه أبي طَالب

اخْرُج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ بَنو أبي طَالب يُصْبِحُونَ غمصا رمصا وَيُصْبِح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صقيلا دهينا قَالَ وَكَانَ أَبُو طَالب يقرب إِلَى الصّبيان بصفحتهم فَيَجْلِسُونَ وينتبهون ويكف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده لَا ينتهب مَعَهم فَلَمَّا رأى ذَلِك عَمه عزل لَهُ طَعَامه على حِدة
واخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق مُجَاهِد وَغَيره قَالُوا كَانَ إِذا اكل عِيَال أبي طَالب جَمِيعًا اَوْ فُرَادَى لم يشبعوا وَإِذا أكل مَعَهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَبِعُوا فَكَانَ إِذا أَرَادَ ان يغديهم أَو يعشيهم قَالَ كَمَا انتم حَتَّى يحضر ابْني فَيَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيأكل مَعَهم فيفضلون من طعامهم وَإِن لم يكن مَعَهم لم يشبعوا وَإِن كَانَ لَبَنًا شرب أَوَّلهمْ ثمَّ يتَنَاوَل الْقَعْب الْعِيَال فيشربون مِنْهُ

(1/140)


فيروون عَن آخِرهم من الْقَعْب الْوَاحِد وَإِن كَانَ احدهم ليشْرب قَعْبًا وَحده فَيَقُول إِنَّك لمبارك وَكَانَ الصّبيان يصيحون رمصا شعثا ويصيح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دهينا كحيلا
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحسن بن أُسَامَة بن زيد عَن أَهله عَن أم أَيمن قَالَت مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكا جوعا قطّ وَلَا عطشا وَكَانَ يَغْدُو وَإِذا اصبح فيشرب من مَاء زَمْزَم شربة فَرُبمَا عرضنَا عَلَيْهِ الْغَدَاء فَيَقُول لَا أُرِيد أَنا شبعان وَأخرجه ابْن سعد من وَجه آخر عَنْهَا وَفِيه لَا صَغِيرا وَلَا كَبِيرا
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن الْقبْطِيَّة قَالَ كَانَ أَبُو طَالب تُوضَع لَهُ وسَادَة بالبطحاء مثنية يتكئ عَلَيْهَا فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبسطها ثمَّ اسْتلْقى عَلَيْهَا فجَاء ابو طَالب فَأخْبر فَقَالَ وَحل الْبَطْحَاء ان ابْن أخي هَذَا ليحس بنعيم
وَأخرج مثله عَن عَمْرو بن سعيد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمار قَالَ كَانَ أَبُو طَالب يصنع الطَّعَام لأهل مَكَّة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل لم يجلس حَتَّى يَأْخُذ شَيْئا فيضعه تَحْتَهُ فَقَالَ ابو طَالب إِن ابْن اخي ليحس بكرامة
بَاب سفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ عَمه أبي طَالب إِلَى الشَّام وَمَا ظهر فِيهِ من الْآيَات واخبار بحيرا عَنهُ

اخْرُج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم والخرائطي فِي الهواتف عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ خرج ابو طَالب الى الشَّام فَخرج مَعَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَشْيَاخ قُرَيْش فَلَمَّا أشرفوا على الراهب هَبَطُوا فحلوا رحالهم فَخرج إِلَيْهِم الراهب وَكَانُوا قبل ذَلِك يَمرونَ بِهِ فَلَا يخرج إِلَيْهِم وَلَا يلْتَفت لَهُم فَجعل يتخللهم حَتَّى جَاءَ فَأخذ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ هَذَا سيد الْعَالمين هَذَا رَسُول رب الْعَالمين هَذَا يَبْعَثهُ الله رَحْمَة للْعَالمين فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخ قُرَيْش مَا علمك فَقَالَ إِنَّكُم حِين أشرفتم من الْعقبَة لم يمر بشجرة وَلَا حجر إِلَّا خر سَاجِدا وَلَا

(1/141)


يسجدان إِلَّا لنَبِيّ وَإِنِّي أعرفهُ بِخَاتم النُّبُوَّة فِي أَسْفَل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثمَّ رَجَعَ فَصنعَ لَهُم طَعَاما فَلَمَّا أَتَاهُم بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رعية الْإِبِل قَالَ ارسلوا إِلَيْهِ فَأقبل وَعَلِيهِ غمامة تظله فَقَالَ انْظُرُوا إِلَيْهِ عَلَيْهِ غمامة تظله فَلَمَّا دنا من الْقَوْم وجدهم قد سَبَقُوهُ إِلَى فَيْء الشَّجَرَة فَلَمَّا جلس مَال فَيْء الشَّجَرَة عَلَيْهِ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى فَيْء الشَّجَرَة مَال عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِم عَلَيْهِم وَهُوَ يناشدهم ان لَا يذهبوا بِهِ إِلَى الرّوم فَإِن الرّوم إِذا رَأَوْهُ عرفوه بِالصّفةِ فَقَتَلُوهُ فَالْتَفت فَإِذا هُوَ بِتِسْعَة نفر قد أَقبلُوا من الرّوم فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ مَا جَاءَ بكم قَالُوا جِئْنَا إِلَى هَذَا النَّبِي الَّذِي هُوَ خَارج فِي هَذَا الشَّهْر فَلم يبْق طَرِيق إِلَّا بعث إِلَيْهِ نَاس وَإِنَّا أخبرنَا خَبره فَبَعَثنَا إِلَى طريقك هَذَا قَالَ أَفَرَأَيْتُم أمرا اراد الله ان يَقْضِيه هَل يَسْتَطِيع اُحْدُ من النَّاس رده قَالُوا لَا قَالَ فَبَايعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَه فاتاهم فَقَالَ أَيّكُم وليه قَالُوا أَبُو طَالب فَلم يزل يناشده حَتَّى رده وَبعث مَعَه أَبُو بكر بِلَالًا وزوده الراهب من الكعك وَالزَّيْت قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِه الْقِصَّة مَشْهُور عِنْد أهل الْمَغَازِي
قلت وَلها شَوَاهِد عدَّة سأوردها تقضي بِصِحَّتِهَا إِلَّا ان الذَّهَبِيّ ضعف الحَدِيث لقَوْله فِي آخِره وَبعث مَعَه ابو بكر بِلَالًا فَإِن أَبَا بكر لم يكن إِذْ ذَاك متأهلا وَلَا اشْترى بِلَالًا وَقد قَالَ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة الحَدِيث رجله ثِقَات وَلَيْسَ فِيهِ مُنكر سوى هَذِه اللَّفْظَة فَتحمل على أَنَّهَا مدرجة فِيهِ مقتطعة من حَدِيث آخر وهما من أحد رُوَاته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ كَانَ أَبُو طَالب هُوَ الَّذِي يَلِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد جده فَخرج فِي ركب من النَّاس إِلَى الشَّام وَخرج بِهِ مَعَه فَلَمَّا نزل الركب بصرى وَبهَا رَاهِب يُقَال لَهُ بحيرا فِي صومعة لَهُ وَكَانَ أعلم اهل النَّصْرَانِيَّة وَلم يزل فِي تِلْكَ الصومعة قطّ رَاهِب إِلَيْهِ يصير علمهمْ عَن كتاب فِيمَا يَزْعمُونَ يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فَلَمَّا نزلُوا ذَلِك الْعَام ببحيرا وَكَانُوا كثيرا مِمَّا يَمرونَ بِهِ قبل ذَلِك لَا يكلمهم وَلَا يعرض لَهُم حَتَّى إِذا كَانَ ذَلِك الْعَام نزلُوا بِهِ قَرِيبا من صومعته فَصنعَ لَهُم

(1/142)


طَعَاما كثيرا وَذَلِكَ فِي مَا يَزْعمُونَ عَن شَيْء رَآهُ وَهُوَ فِي صومعته فِي الركب حِين اقْبَلُوا وغمامة بَيْضَاء تظله من بَين الْقَوْم ثمَّ اقْبَلُوا حَتَّى نزلُوا بِظِل شَجَرَة قَرِيبا مِنْهُ فَنظر إِلَى الغمامة حِين أظلت الشَّجَرَة وتهصرت أَغْصَان الشَّجَرَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى استظل تحتهَا فَلَمَّا رأى ذَلِك بحيرا نزل من صومعته وَقد أَمر بذلك الطَّعَام فَصنعَ ثمَّ أرسل إِلَيْهِم فَقَالَ إِنِّي قد صنعت لكم طَعَاما يَا معشر قُرَيْش وَأَنا احب ان تحضروا كلكُمْ صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم يَا بحيرا إِن لَك الْيَوْم لشأنا مَا كنت تصنع هَذَا فِيمَا مضى وَقد كُنَّا نمر بك كثيرا فَمَا شَأْنك الْيَوْم فَقَالَ لَهُ بحيرا صدقت قد كَانَ مَا تَقول وَلَكِنَّكُمْ ضيف وَقد أَحْبَبْت أَن أكْرمكُم وأصنع لكم طَعَاما تَأْكُلُونَ مِنْهُ كلكُمْ فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وتخلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين الْقَوْم لحداثة سنة فِي رحال الْقَوْم تَحت الشَّجَرَة فَلَمَّا نظر بحيرا فِي الْقَوْم لم ير الصّفة الَّتِي يعرف ويجد عِنْده فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش لَا يتَخَلَّف أحد مِنْكُم عَن طَعَامي هَذَا قَالُوا لَهُ يَا بحيرا مَا تخلف عَنْك اُحْدُ يَنْبَغِي لَهُ ان يَأْتِيك إِلَّا غُلَام هُوَ أحدث الْقَوْم سنا تخلف فِي رحالهم قَالَ فَلَا تَفعلُوا ادعوهُ فليحضر هَذَا الطَّعَام مَعكُمْ فَقَالَ رجل من قُرَيْش مَعَ الْقَوْم وَاللات والعزى إِن هَذَا للؤم بِنَا أَن يتَخَلَّف ابْن عبد الله بن عبد الْمطلب عَن الطَّعَام من بَيْننَا قَالَ ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ ثمَّ اقبل بِهِ حَتَّى أجلسه مَعَ الْقَوْم فَلَمَّا رَآهُ بحيرا جعل يلحظه لحظا شَدِيدا وَينظر إِلَى أَشْيَاء من جسده قد كَانَ يجدهَا عِنْده فِي صفته حَتَّى إِذا فرغ الْقَوْم من الطَّعَام وَتَفَرَّقُوا قَامَ بحيرا فَقَالَ لَهُ يَا غُلَام اسألك بِاللات والعزى إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي عَم أَسأَلك عَنهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بحيرا ذَلِك لِأَنَّهُ سمع قومه يحلفُونَ بهما فزعموا ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ لَا تَسْأَلنِي بِاللات والعزى شَيْئا فوَاللَّه مَا ابغضت بغضهما شَيْئا قطّ فَقَالَ لَهُ بحيرا فبالله إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي عَم أَسأَلك عَنهُ فَقَالَ سلني عَمَّا بدا لَك فَجعل يسْأَله عَن اشياء من حَاله من نَومه وهيئته واموره فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخبرهُ فَوَافَقَ ذَلِك مَا عِنْد بحيرا من صفته ثمَّ نظر إِلَى ظَهره فَرَأى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ على مَوْضِعه من صفته الَّتِي

(1/143)


عِنْده قَالَ فَلَمَّا فرغ مِنْهُ أقبل على عَمه أبي طَالب فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الْغُلَام مِنْك فَقَالَ ابْني فَقَالَ لَهُ بحيرا مَا هُوَ بابنك وَمَا يَنْبَغِي لهَذَا الْغُلَام ان يكون أَبوهُ حَيا قَالَ فانه ابْن اخي قَالَ فَمَا فعل ابوه قَالَ مَاتَ وَأمه حُبْلَى بِهِ قَالَ صدقت إرجع بِابْن اخيك إِلَى بَلَده وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُود فوَاللَّه لَئِن رَأَوْهُ وَعرفُوا مِنْهُ مَا عرفت ليبغنه شرا فانه كَائِن لِابْنِ اخيك هَذَا شَأْن فأسرع بِهِ إِلَى بِلَاده فَخرج بِهِ عَمه أَبُو طَالب سَرِيعا حَتَّى اقدمه مَكَّة حِين فرغ من تِجَارَته بِالشَّام فزعموا فِيمَا يتحدث النَّاس أَن زبيرا وتماما ودريسا وهم نفر من أهل الْكتاب قد كَانُوا رَأَوْا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك السّفر الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمه أبي طَالب أَشْيَاء فأرادوه فردهم عَنهُ بحيرا وَذكرهمْ الله وَمَا يَجدونَ فِي الْكتاب من ذكره وَصفته وَأَنَّهُمْ إِن أَجمعُوا لما ارادوا لم يخلصوا إِلَيْهِ حَتَّى عرفُوا مَا قَالَ لَهُم وَصَدقُوهُ بِمَا قَالَ فَتَرَكُوهُ وَانْصَرفُوا وَقَالَ ابو طَالب فِي ذَلِك ابياتا مِنْهَا
(فَمَا رجعُوا حَتَّى رَأَوْا من مُحَمَّد ... أَحَادِيث تجلو غم كل فؤاد)
(وَحَتَّى رَأَوْا أَحْبَار كل مَدِينَة ... سجودا لَهُ من عصبَة وفراد)
(زبيرا وتماما وَقد كَانَ شَاهدا ... دريسا وهمو كلهم بِفساد)
(فَقَالَ لَهُم قولا بحيرا وأيقنوا ... لَهُ بعد تَكْذِيب وَطول بعاد)
(كَمَا قَالَ للرهط الَّذين تهودوا ... وجاهدهم فِي الله كل جِهَاد)
(فَقَالَ وَلم يتْرك لَهُ النصح رده ... فَإِن لَهُ أرصاد كل مصاد)
(فَإِنِّي أَخَاف الحاسدين وَأَنه ... لفي الْكتب مَكْتُوب بِكُل مداد)
وَأخرج ابو نعيم عَن الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه مثله وَفِيه وَجعل ينظر الى الْحمرَة فِي عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ أخبروني عَن هَذِه الْحمرَة تَأتي وَتذهب أَو لَا تُفَارِقهُ قَالُوا مَا رأيناها فارقته قطّ وَسَأَلَهُ عَن نَومه فَقَالَ تنام عَيْنَايَ وَلَا ينَام قلبِي وَفِيه بعد قَوْله كَائِن لِابْنِ أَخِيك هَذَا شَأْن نجده فِي كتبنَا وَمَا ورثنا من آبَائِنَا وَقد اخذ علينا مواثيق قَالَ ابو طَالب من اخذ عَلَيْكُم المواثيق قَالَ الله أَخذ علينا نزل بِهِ عِيسَى ابْن مَرْيَم وَأخرج ابْن سعد مثله بِطُولِهِ عَن دَاوُد بن الْحصين وَفِيه ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة

(1/144)


وَأخرج ابو نعيم عَن عَليّ قَالَ خرج ابو طَالب فِي تِجَارَة إِلَى الشَّام فِي نفر من قُرَيْش وَأخذ مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أشرفوا على بحيرا الراهب فِي وَقت قيظ وحر رفع الراهب بَصَره فَإِذا غمامة تظل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَين من مَعَه من الشَّمْس فَصنعَ بحيرا طَعَاما ودعاهم إِلَى صومعته فَلَمَّا دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصومعة أشرقت الصومعة نورا فَقَالَ بحيرا هَذَا نَبِي الله الَّذِي يُرْسِلهُ من الْعَرَب إِلَى النَّاس كَافَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل قَالَ سَار أَبُو طَالب إِلَى الشَّام وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه فنزلوا على صَاحب دير فَقَالَ صَاحب الدَّيْر مَا هَذَا الْغُلَام مِنْك قَالَ ابْني قَالَ مَا هُوَ بابنك وَلَا يَنْبَغِي ان يكون لَهُ أَب حَيّ قَالَ وَلم قَالَ لِأَن وَجهه وَجه نَبِي وعينه عين نَبِي قَالَ وَمَا النَّبِي قَالَ الَّذِي يُوحى إِلَيْهِ من السَّمَاء فينبيء بِهِ أهل الأَرْض قَالَ الله أجل مِمَّا تَقول قَالَ فَاتق عَلَيْهِ الْيَهُود قَالَ ثمَّ خرج حَتَّى نزل براهب أَيْضا صَاحب دير فَقَالَ مَا هَذَا الْغُلَام مِنْك قَالَ ابْني قَالَ مَا هُوَ بابنك وَمَا يَنْبَغِي ان يكون لَهُ اب حَيّ قَالَ وَلم ذَاك قَالَ لِأَن وَجهه وَجه نَبِي وَعَيْنَيْهِ عين نَبِي قَالَ سُبْحَانَ الله ألله أجل مِمَّا تَقول قَالَ يَا ابْن أخي أَلا تسمع مَا يَقُولُونَ قَالَ أَي عَم لَا تنكر لله قدرَة
وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي قَالَ قَالَ الراهب لأبي طَالب لَا تخرجن بِابْن أَخِيك إِلَى مَا هَا هُنَا فَإِن يهود أهل عَدَاوَة وَهَذَا نَبِي هَذِه الْأمة وَهُوَ من الْعَرَب ويهود تحسده تُرِيدُ ان يكون من بني إِسْرَائِيل فاحذر على إِبْنِ أَخِيك
واخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي مجلز ان ابا طَالب سَافر إِلَى الشَّام وَأخذ مَعَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل منزلا فَأَتَاهُ فِيهِ رَاهِب فَقَالَ إِن فِيكُم رجلا صَالحا ثمَّ قَالَ أَيْن ولي هَذَا الْغُلَام قَالَ ابو طَالب هَا أَنا ذَا قَالَ احتفظ بِهَذَا الْغُلَام وَلَا تذْهب بِهِ الى الشَّام إِن الْيَهُود حسد وَإِنِّي أخشاهم عَلَيْهِ فَرده
وَأخرج ابْن مندة بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن أَبَا بكر الصّديق صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان عشرَة سنة وَالنَّبِيّ ابْن عشْرين سنة وهم يُرِيدُونَ الشَّام فِي تِجَارَة حَتَّى إِذا نزل منزلا فِيهِ سِدْرَة قعد فِي ظلها وَمضى أَبُو بكر إِلَى رَاهِب يُقَال لَهُ

(1/145)


بحيرا يسْأَله عَن شَيْء فَقَالَ لَهُ من الرجل الَّذِي فِي ظلّ الشَّجَرَة قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب قَالَ هَذَا وَالله نَبِي مَا استظل تحتهَا بعد عِيسَى بن مَرْيَم إِلَّا مُحَمَّد وَوَقع فِي قلب أبي بكر الصّديق فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتبعه قَالَ ابْن حجر فِي الاصابة إِن صحت هَذِه الْقِصَّة فَهِيَ سفرة أُخْرَى بعد سفرة أبي طَالب
بَاب استسقاء ابي طَالب بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن جلهمة بن عرفطة قَالَ قدمت مَكَّة وهم فِي قحط فَقَالَت قُرَيْش يَا ابا طَالب اقحط الْوَادي وأجدب الْعِيَال فَهَلُمَّ واستسق فَخرج ابو طَالب وَمَعَهُ غُلَام كَأَنَّهُ شمس دجن تجلت عَنهُ سَحَابَة قتماء وَحَوله أغيلمة فَأَخذه ابو طَالب فألصق ظَهره بِالْكَعْبَةِ ولاذ بإصبعه الْغُلَام وَمَا فِي السَّمَاء قزعة فَأقبل السَّحَاب من هَا هُنَا وَهَا هُنَا واغدق وأغدودق وانفجر لَهُ الْوَادي وأخصب البادي والنادي فَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب
(وأبيض يَسْتَسْقِي الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)
(يلوذ بِهِ الْهَلَاك من آل هَاشم ... فهم عِنْده فِي نعْمَة وفواضل)
بَاب

أخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن عون عَن عَمْرو بن سعيد قَالَ جَاءَ يهود إِلَى أبي طَالب يشْتَرونَ مِنْهُ مَتَاعا فَدخل عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام فَلَمَّا بصروا بِهِ تركُوا مَا كَانُوا فِيهِ وَخَرجُوا هاربين فَقَالَ أَبُو طَالب لرجل عِنْده اذْهَبْ فعارضهم من مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَإِذا لقوك فَاضْرب بِإِحْدَى يَديك على الْأُخْرَى وَقل رَأَيْت الْعجب كل الْعجب وَانْظُر مَاذَا يردون عَلَيْك فَذهب فَفعل فَقَالَ الْيَهُود وَأي عجب رَأَيْت قد رَأينَا نَحن أعجب مِمَّا رَأَيْت قَالَ وَأي شَيْء رَأَيْتُمْ قَالُوا رَأينَا السَّاعَة مُحَمَّدًا يمشي على وَجه الأَرْض

(1/146)


بَاب

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابي الزِّنَاد قَالَ اصطرع أَبُو طَالب وَأَبُو لَهب فصرع أَبُو لَهب أَبَا طَالب وَجلسَ على صَدره فَمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذؤابة أبي لَهب وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ غُلَام فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهب أَنا عمك وَهُوَ عمك فَلم أعنته عَليّ قَالَ لِأَنَّهُ أحب إِلَيّ مِنْك فَمن يَوْمئِذٍ عادى أَبُو لَهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واختبأ لَهُ هَذَا الْكَلَام فِي نَفسه
بَاب

أخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير العذري أَن أَبَا طَالب لما حَضرته الْوَفَاة دَعَا بني عبد الْمطلب فَقَالَ لن تزالوا بِخَير مَا سَمِعْتُمْ من مُحَمَّد وَمَا اتبعتم امْرَهْ فَاتَّبعُوهُ وأعينوه ترشدوا
وَأخرج مُسلم عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ قلت يَا رَسُول الله هَل نَفَعت أَبَا طَالب بِشَيْء فانه قد كَانَ يحوطك ويغضب لَك قَالَ نعم هُوَ فِي ضحضاح من النَّار وَلَوْلَا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار
وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا عَفَّان بن مُسلم حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله أترجو لأبي طَالب قَالَ كل الْخَيْر أَرْجُو من رَبِّي أخرجه ابْن عَسَاكِر
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة شفعت لأبي وَأمي وَعمي أبي طَالب وَأَخ لي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ تَمام فِي إِسْنَاده الْوَلِيد بن سَلمَة مُنكر الحَدِيث
واخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول شفعت فِي هَؤُلَاءِ النَّفر فِي أبي وَعمي أبي طَالب وَأخي من الرضَاعَة يَعْنِي ابْن سعدية ليكونوا بعد الْبَعْث هباء قَالَ الْخَطِيب فِي إِسْنَاده خطاب بن عبد الدَّائِم الأرسوقي وَهُوَ ضَعِيف يعرف بِرِوَايَة الْمَنَاكِير عَن يحيى بن الْمُبَارك الصَّنْعَانِيّ وَهُوَ مَجْهُول عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن لَيْث بن ابي سليم وَمَنْصُور لَا يروي عَن لَيْث وَلَيْث فِيهِ ضعف

(1/147)


بَاب

اخْرُج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْحسن بن عمَارَة عَن رجال سماهم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي بن أبي طَالب ذَهَبا إِلَى قبر أبي طَالب ليستغفرا لَهُ فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة فَاشْتَدَّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موت أبي طَالب على الْكفْر فَانْزِل الله تَعَالَى {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} يَعْنِي بِهِ أَبَا طَالب {وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} يَعْنِي بِهِ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب هَذَا مَكَان أبي طَالب عوضا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أبي طَالب وَكَانَ الْعَبَّاس أحب عمومة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أبي طَالب إِلَيْهِ
بَاب

اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ لما مَاتَ ابو طَالب عرض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَفِيه من سُفَهَاء قُرَيْش فَألْقى عَلَيْهِ تُرَابا فَأَتَتْهُ امْرَأَة من بَنَاته تمسح عَن وَجهه التُّرَاب وتبكي فَجعل يَقُول أَي بنية لَا تبكين فان الله مَانع أَبَاك
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظ الله اياه فِي شبابه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن جَابر بن عبد الله ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْقل الْحِجَارَة للكعبة وَعَلِيهِ إِزَار فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس عَمه يَا ابْن اخي لَو حللت ازارك فَجَعَلته على منكبيك يقيك الْحِجَارَة فَحله فَجعله على مَنْكِبَيْه فَسقط مغشيا عَلَيْهِ فَمَا رُؤِيَ بعد ذَلِك الْيَوْم عُريَانا

(1/148)


وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر قَالَ لما بنيت الْكَعْبَة ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعباس ينقلان الْحِجَارَة فَقَالَ الْعَبَّاس للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَل ازارك على عاتقك يقيك من الْحِجَارَة فَفعل فَخر إِلَى الأَرْض وطمحت عَيناهُ إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَامَ فَقَالَ إزَارِي فَشد عَلَيْهِ إزَاره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن الْعَبَّاس قَالَ انا وَابْن اخي نحمل على رقابنا وأزرنا تَحت الْحِجَارَة فاذا غشينا النَّاس اتزرنا فَبينا أَنا أَمْشِي وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امامي فَخر فَجئْت ابْتغِي وَهُوَ ينظر إِلَى السَّمَاء فَقلت مَا شَأْنك فَقَامَ واخذ ازاره وَقَالَ نهيت ان امشي عُريَانا فَكنت اكتمها النَّاس مَخَافَة ان يَقُولُوا مَجْنُون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ لما بنت قُرَيْش الْكَعْبَة نقلوا الْحِجَارَة من أجياد الضواحي فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينقلها إِذْ انكشفت عَوْرَته فَنُوديَ يَا مُحَمَّد عورتك فَذَلِك اول مَا نُودي فَمَا رؤيت لَهُ عَورَة بعد وَلَا قبل
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ ابو طَالب يعالج زَمْزَم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل الْحِجَارَة وَهُوَ غُلَام فَأخذ إزَاره وَاتَّقَى بِهِ الْحِجَارَة فَغشيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق سَأَلَهُ أَبُو طَالب فَقَالَ اتاني آتٍ عَلَيْهِ ثِيَاب بيض فَقَالَ لي استتر فَكَانَ اول شَيْء رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النُّبُوَّة ان قيل لَهُ استتر وَهُوَ غُلَام قَالَ فَمَا رؤيت عَوْرَته من يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة قَالَت مَا رَأَيْت ذَاك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن اسحاق وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا هَمَمْت بِشَيْء مِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يهمون بِهِ من النِّسَاء إِلَّا لَيْلَتَيْنِ كلتاهما عصمني الله مِنْهُمَا قلت لَيْلَة لبَعض فتيَان مَكَّة وَنحن فِي رِعَايَة غنم أهلنا فَقلت لصاحبي أبْصر لي غنمي حَتَّى ادخل مَكَّة فاسمر بهَا كَمَا يسمر الفتيان فَقَالَ بلَى فَدخلت حَتَّى اذا جِئْت اول دَار من دور مَكَّة سَمِعت عزفا بالغرابيل والمزامير قلت مَا هَذَا فَقيل تزوج فلَان فُلَانَة فَجَلَست انْظُر وَضرب الله على اذني فوَاللَّه مَا أيقظني إِلَّا مس الشَّمْس فَرَجَعت إِلَى صَاحِبي

(1/149)


فَقَالَ مَا فعلت قلت مَا فعلت شَيْئا ثمَّ اخبرته بِالَّذِي رَأَيْت ثمَّ قلت لَهُ لَيْلَة أُخْرَى أبْصر لي غنمي حَتَّى اسمر بِمَكَّة فَفعل فَدخلت فَلَمَّا جِئْت مَكَّة سَمِعت مثل الَّذِي سَمِعت تِلْكَ اللَّيْلَة فَجَلَست أنظر وَضرب الله على أُذُنِي فوَاللَّه مَا أيقظني إِلَّا مس الشَّمْس فَرَجَعت إِلَى صَاحِبي فَقَالَ مَا فعلت قلت لَا شَيْء ثمَّ اخبرته الْخَبَر فوَاللَّه مَا هَمَمْت وَلَا عدت بعدهمَا لشَيْء من ذَلِك حَتَّى اكرمني الله بنبوته قَالَ ابْن حجر إِسْنَاده حسن مُتَّصِل وَرِجَاله ثِقَات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عمار بن يَاسر انهم قَالُوا يَا رَسُول الله هَل أتيت فِي الْجَاهِلِيَّة من النِّسَاء شَيْئا قَالَ لَا وَقد كنت مِنْهُ على ميعادين اما احدهما فغلبتني عيناني وَأما الآخر فحال بيني وَبينهمْ سامرقوم
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} نَادَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قُرَيْش بَطنا بَطنا فَقَالَ أَرَأَيْتُم لَو قلت لكم ان خيلا بسفح هَذَا الْجَبَل أَكُنْتُم مصدقي قَالُوا نعم مَا جربنَا عَلَيْك كذبا قطّ قَالَ فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد فَقَالَ أَبُو لَهب تَبًّا لَك أَلِهَذَا جمعتنَا فَأنْزل الله {تبت يدا أبي لَهب وَتب}
واخرج أَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل يعيب أكل مَا ذبح لغير الله فَمَا ذقت شَيْئا ذبح على النصب حَتَّى اكرمني الله برسالته
وَأخرج ابو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل عبدت وثنا قطّ قَالَ لَا قَالُوا فَهَل شربت خمرًا قطّ قَالَ لَا ومازلت أعرف ان الَّذِي هم عَلَيْهِ كفر وَمَا كنت أَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الايمان

(1/150)


وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدَّثتنِي أم أَيمن قَالَت كَانَ بوانة صنما يحضرهُ قُرَيْش يَوْمًا فِي السّنة وَكَانَ أَبُو طَالب يحضرهُ مَعَ قومه وَكَانَ يكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يحضر ذَلِك الْعِيد مَعَ قومه فيأبى حَتَّى رَأَيْت أَبَا طَالب غضب عَلَيْهِ وَرَأَيْت عماته غضبن عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ أَشد الْغَضَب وجعلن يقلن إِنَّا نَخَاف عَلَيْك مِمَّا تصنع من اجْتِنَاب الهتنا وجعلن يقلن يَا مُحَمَّد مَا تُرِيدُ ان تحضر لقَوْمك عيدا وَلَا تكْثر لَهُم جمعا فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى ذهب فَغَاب عَنْهُم مَا شَاءَ الله
ثمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا مَرْعُوبًا فَزعًا فَقُلْنَ عماته مَا دهاك قَالَ إِنِّي أخْشَى ان يكون بِي لمَم فَقُلْنَ مَا كَانَ الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خِصَال الْخَيْر مَا فِيك فَمَا الَّذِي رَأَيْت قَالَ إِنِّي كلما دَنَوْت من صنم مِنْهَا تمثل لي رجل أَبيض طَوِيل يَصِيح بِي وَرَاء ك يَا مُحَمَّد لَا تمسه قَالَت فَمَا عَاد الى عيد لَهُم حَتَّى تنبئ
وَأخرج ابو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَليّ جبرئيل وَمِيكَائِيل وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان بَين الرُّكْن وزمزم فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر هُوَ هُوَ قَالَ نعم وَنعم الْمَرْء هُوَ لَوْلَا أَنه يمسح الْأَوْثَان قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا مسحتهن حَتَّى اكرمني الله بِالنُّبُوَّةِ
وَأخرج ابو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ مَعَ بني عَمه عِنْد اساف فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَصَره إِلَى ظهر الْكَعْبَة سَاعَة ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لَهُ بَنو عَمه مَالك يَا مُحَمَّد قَالَ نهيت ان اقوم عِنْد هَذَا الصَّنَم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن حَارِثَة قَالَ كَانَ صنم من نُحَاس يُقَال لَهُ اساف أَو نائلة يتمسح بِهِ الْمُشْركُونَ إِذا طافوا فَطَافَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وطفت مَعَه فَلَمَّا مَرَرْت مسحت بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تمسه قَالَ زيد

(1/151)


فطفنا بِهِ ثمَّ قلت فِي نَفسِي لأمسنه حَتَّى انْظُر مَا يكون فمسحته فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم تنه قَالَ زيد فوالذي اكرمه وَانْزِلْ عَلَيْهِ الْكتاب مَا استلمت صنما حَتَّى اكرمه الله بِالَّذِي أكْرمه وَأنزل عَلَيْهِ
واخرج احْمَد عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ حَدَّثتنِي جَار لِخَدِيجَة بنت خويلد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لِخَدِيجَة أَي خَدِيجَة وَالله لَا اعبد اللات أبدا وَالله لَا اعبد الْعُزَّى أبدا
وَأخرج ابو يعلى وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشْهد مَعَ الْمُشْركين مشاهدهم فَسمع ملكَيْنِ خَلفه واحدهما يَقُول لصَاحبه اذْهَبْ بِنَا حَتَّى نقوم خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَيفَ نقوم خَلفه وانما عَهده باستلام الاصنام قبيل فَلم يعد بعد ذَلِك يشْهد مَعَ الْمُشْركين مشاهدهم
قَالَ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ قَوْله وانما عَهده باستلام الاصنام يَعْنِي أَنه شهد مَعَ من اسْتَلم الاصنام لَا أَنه استلمها وَالْمرَاد بالمشاهد الَّتِي شَهِدَهَا مشَاهد الْحلف وَنَحْوه لَا مشَاهد استلام الْأَصْنَام
وَقَالَ ابْن حجر فِي المطالب الْعَالِيَة هَذَا الحَدِيث أنكرهُ النَّاس على عُثْمَان بن أبي شيبَة فبالغوا وَالْمُنكر مِنْهُ قَوْله عَن الْملك عَهده باستلام الاصنام فان ظَاهره انه بَاشر الاستلام وَلَيْسَ ذَلِك مرَادا بل المُرَاد انه شهد مُبَاشرَة الْمُشْركين استلام أصنامهم
واخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ يقف على بعير لَهُ بِعَرَفَات من بَين قومه حَتَّى يدْفع مَعَهم تَوْفِيقًا من الله لَهُ
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت كَانَت قُرَيْش وَمن دَان دينهَا وهم الحمس يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ نَحن أهل الْحرم
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي فِي الصَّحَابَة عَن ربيعَة الجرشِي قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِفًا فِي الْجَاهِلِيَّة بِعَرَفَات فَعرفت ان الله وَفقه لذَلِك

(1/152)


بَاب خصوصيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتعظيم قومه لَهُ فِي شبابه وتحكيمهم اياه والتماسهم دعاءه وتسميته بالأمين

أخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب أَن قُريْشًا لما بنوا الْكَعْبَة فبلغوا مَوضِع الرُّكْن اختصمت فِي الرُّكْن أَي الْقَبَائِل يَلِي رَفعه فَقَالُوا تَعَالَوْا نحكم أول من يطلع علينا فطلع عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام فحكموه فَأمر بالركن فَوضع فِي ثوب ثمَّ اخْرُج سيد كل قَبيلَة فَأعْطَاهُ نَاحيَة من الثَّوْب ثمَّ ارْتقى هُوَ فَرفعُوا إِلَيْهِ الرُّكْن فَوَضعه هُوَ ثمَّ طفق لَا يزْدَاد على السن إِلَّا رَضِي حَتَّى دَعوه الْأمين قبل ان ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فطفقوا لَا ينحرون جزور إِلَّا التمسوه فيدعو لَهُم فِيهَا
وَأخرج ابو نعيم وَابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَمُحَمّد بن جُبَير بن مطعم قَالَا لما وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّكْن ذهب رجل من أهل نجد ليناول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجرا يشد بِهِ الرُّكْن فَقَالَ الْعَبَّاس لَا وناول الْعَبَّاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجرا فَشد بِهِ الرُّكْن فَغَضب النجدي وَقَالَ وَاعجَبا لقوم أهل شرف وعقول وَسن وأموال عَمدُوا إِلَى أَصْغَرهم سنا وَأَقلهمْ مَالا فرأسوه عَلَيْهِم فِي تكرمتهم وحرزهم كَأَنَّهُمْ خدم لَهُ أما وَالله ليفوتنهم سبقا وليقسمن بَينهم حظوظا وجدودا فَيُقَال إِنَّه إِبْلِيس لَعنه الله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن دَاوُد بن الْحصين قَالَ قَالُوا شب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل قومه مروة وَأَحْسَنهمْ خلقا وَأكْرمهمْ مُخَالطَة وَأَحْسَنهمْ جوارا وأعظمهم حلما وَأَمَانَة وأصدقهم حَدِيثا وأبعدهم من الْفُحْش والأذى مَا رُؤِيَ مماريا وَلَا ملاحيا احدا حَتَّى سَمَّاهُ قومه الْأمين
وَأخرج ابو نعيم عَن مُجَاهِد قَالَ حَدثنِي مولَايَ عبد الله بن السَّائِب قَالَ كنت شريك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة قَالَ تعرفنِي قلت نعم كنت شَرِيكي فَنعم الشَّرِيك لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي

(1/153)


وَأخرج ابو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَابْن منذة فِي الْمعرفَة والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن عبد الله بن أبي الحمساء قَالَ بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ان يبْعَث بِبيع فَبَقيَ لَهُ عَليّ شَيْء فوعدته أَن آتيه فِي مَكَانَهُ فَذَهَبت فنسيت ذَلِك الْيَوْم والغد فَأَتَيْته فِي الْيَوْم الثَّالِث فَوَجَدته فِي مَكَانَهُ ذَلِك فَقَالَ لي لقد شققت عَليّ انا هَا هُنَا مُنْذُ ثَلَاث انتظرك
وَأخرج ابْن سعد عَن الرّبيع بن خثيم قَالَ كَانَ يتحاكم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الاسلام
بَاب مَا ظهر من الْآيَات فِي سَفَره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخَدِيجَة مَعَ ميسرَة

قَالَ إِبْنِ اسحاق عرضت عَلَيْهِ خَدِيجَة ان يخرج فِي مَالهَا تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَخرج وَمَعَهُ غلامها ميسرَة حَتَّى قدم الشَّام فَنزل فِي ظلّ شَجَرَة قريبَة من صومعة رَاهِب فَاطلع الراهب الى ميسرَة فَقَالَ من هَذَا الرجل الَّذِي نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قَالَ هَذَا رجل من قُرَيْش من اهل الْحرم فَقَالَ لَهُ الراهب مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي وَكَانَ ميسرَة فِيمَا يَزْعمُونَ إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر يرى ملكَيْنِ يظلانه من الشَّمْس وَهُوَ يسير على بعيره فَلَمَّا قدم مَكَّة على خَدِيجَة بمالها باعت مَا جَاءَ بِهِ فأضعف وحدثها ميسرَة من قَول الراهب وَمَا رأى من إظلال الْملكَيْنِ فرغبت فِي زواجه أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَنهُ
واخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن نفيسة بنت منية اخت يعلى بن منية قَالَت لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين سنة وَلَيْسَ لَهُ إسم بِمَكَّة إِلَّا الْأمين خرج فِي تِجَارَة لِخَدِيجَة إِلَى الشَّام وَمَعَهُ غلامها ميسرَة فَقدما بصرى فَنزلَا فِي ظلّ شَجَرَة فَقَالَ نسطور الراهب مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي ثمَّ قَالَ لِميسرَة أَفِي عَيْنَيْهِ حمرَة قَالَ نعم لَا تُفَارِقهُ قَالَ هُوَ نَبِي وَهُوَ آخر الْأَنْبِيَاء ثمَّ بَاعَ سلْعَته فَوَقع بَينه وَبَين رجل تلاح فَقَالَ لَهُ احْلِف بِاللات والعزى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حَلَفت بهما قطّ وَإِنِّي لأمر فَأَعْرض عَنْهُمَا فَقَالَ الرجل القَوْل قَوْلك ثمَّ قَالَ لِميسرَة

(1/154)


هَذَا وَالله نَبِي تَجدهُ أحبارنا منعوتا فِي كتبهمْ وَكَانَ ميسرَة إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر يرى ملكَيْنِ يظلانه من الشَّمْس فوعى ذَلِك كُله ثمَّ رجعُوا فَدَخَلُوا مَكَّة فِي سَاعَة الظهيرة وَخَدِيجَة فِي علية لَهَا فرأت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بعيره وملكان يظلان عَلَيْهِ فارته نساءها فعجبن لذَلِك وأخبرت بِهِ ميسرَة فَقَالَ قد رَأَيْت هَذَا مُنْذُ خروجنا وأخبرها بِمَا قَالَ الراهب وَبِمَا قَالَ الآخر الَّذِي حالفه فِي البيع
بَاب الْآيَة فِي نِكَاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا

اخْرُج ابْن سعد من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس ان نسَاء أهل مَكَّة اختلفن فِي عيد كَانَ لَهُنَّ فِي رَجَب فبيناهن عكوف عِنْد وثن مثل لَهُنَّ كَرجل حَتَّى صَار مِنْهُنَّ قَرِيبا ثمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا نسَاء تيماء إِنَّه سَيكون فِي بلدكن نَبِي يُقَال لَهُ أَحْمد يبْعَث برسالة الله فأيما امْرَأَة استطاعت ان تكون زوجا لَهُ فلتفعل فحصبته النِّسَاء وقبحنه واغلظن لَهُ وأغضت خَدِيجَة على قَوْله وَلم تعرض لَهُ فِيمَا عرض لَهُ النِّسَاء
بَاب مَا وَقع عِنْد المبعث من المعجزات والخصوصيات

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة قَالَت اول مَا بدىء بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي النّوم فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ ياتي حراء فَيَتَحَنَّث فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّد اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد ويتزود لذَلِك ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فتزوده لمثلهَا حَتَّى فاجأه الْحق وَهُوَ فِي غَار حراء فَأَتَاهُ الْملك فَقَالَ اقْرَأ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت مَا أَنا بقارئ فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ ارسلني فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا انا بقارئ فاخذني فغطني الثَّانِي حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ ارسلني فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا انا بقارئ فأخذني فغطني الثَّالِثَة حَتَّى بلغ مني

(1/155)


الْجهد ثمَّ ارسلني فَقَالَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} حَتَّى بلغ {مَا لم يعلم} فَرجع بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف فُؤَاده حَتَّى دخل على خَدِيجَة فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الروع فَقَالَ لِخَدِيجَة واخبرها الْخَبَر لقد خشيت على نَفسِي فَقَالَت كلا وَالله لَا يخزيك الله أبدا إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق ثمَّ انْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد الْعُزَّى وَكَانَ أمرءا تنصر فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ يكْتب الْكتاب الْعَرَبِيّ وَيكْتب من الانجيل بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ الله ان يكْتب فَقَالَت لَهُ خَدِيجَة يَا ابْن عَم اسْمَع من ابْن اخيك فَقَالَ ورقة مَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَآهُ فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي انْزِلْ على مُوسَى يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا لَيْتَني اكون حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اَوْ مخرجي هم قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودي وَإِن يدركني يَوْمك انصرك نصرا مؤزرا ثمَّ لم ينشب ورقة ان توفّي
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة نَحوه وَزَاد فِي آخِره وفتر الْوَحْي فَتْرَة فَحزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا حزنا غَدا مِنْهُ مرَارًا لكَي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِق الْجبَال كلما اوفى بِذرْوَةِ جبل لكَي يلقِي نَفسه تبدى لَهُ جبرئيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ يَا مُحَمَّد انك رَسُول الله حَقًا فيسكن لذَلِك جأشه وتقر نَفسه وَيرجع فاذا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَة الْوَحْي غَدا مثل ذَلِك فتبدى لَهُ جبرئيل فَقَالَ مثل ذَلِك
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ ذكر بَعضهم ان هَذَا الغط الَّذِي وَقع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْتِدَاء الْوَحْي من خَصَائِصه إِذْ لم ينْقل عَن أحد من الْأَنْبِيَاء أَنه جرى لَهُ عِنْد ابْتِدَاء الْوَحْي مثل ذَلِك وَالْحكمَة فِيهِ شغله عَن الِالْتِفَات لشَيْء آخر واظهار الشدَّة وَالْجد فِي الامر تَنْبِيها على ثقل القَوْل الَّذِي سيلقى اليه وَقيل ابعاد ظن التخيل والوسوسة لِأَنَّهُمَا ليسَا من صِفَات الْجِسْم فَلَمَّا وَقع ذَلِك بجسمه علم انه من أَمر الله

(1/156)


وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحدث عَن فَتْرَة الْوَحْي فَقَالَ فِي حَدِيثه فَبينا انا امشي سَمِعت صَوتا من السَّمَاء فَرفعت رَأْسِي فاذا الْملك الَّذِي جَاءَنِي بحراء جَالس على كرْسِي بَين السَّمَاء والارض فَرُعِبْت مِنْهُ فَرَجَعت فَقلت زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فزملوني فَانْزِل الله {يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر} إِلَى قَوْله {وَالرجز فاهجر} فحمي الْوَحْي وتتابع
وَأخرج احْمَد بن حَنْبَل وَيَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تاريخيهما وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ نزلت عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَهُوَ ابْن اربعين سنة فقرن بنبوته إسْرَافيل ثَلَاث سِنِين فَكَانَ يُعلمهُ الْكَلِمَة وَالشَّيْء لَا ينزل الْقُرْآن فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين قرن بنبوته جبرئيل فَنزل الْقُرْآن على لِسَانه عشْرين سنة عشرا بِمَكَّة وَعشرا بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابو نعيم عَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ إِن اول مَا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَكَانَ لَا يرى شَيْئا فِي الْمَنَام إِلَّا كَانَ كَمَا رأى
وَأخرج ابو نعيم عَن عَلْقَمَة بن قيس قَالَ إِن أول مَا يُؤْتى بِهِ الْأَنْبِيَاء فِي الْمَنَام حَتَّى تهدأ قُلُوبهم ثمَّ ينزل الْوَحْي بعد
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قَالَ بلغنَا ان اول مَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله أرَاهُ رُؤْيا فِي الْمَنَام فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَذكرهَا لِخَدِيجَة فَقَالَت اُبْشُرْ فان الله لن يصنع بك إِلَّا خيرا ثمَّ انه خرج من عِنْدهَا ثمَّ رَجَعَ اليها فَأَخْبرهَا انه رأى بَطْنه شقّ ثمَّ طهر وَغسل ثمَّ أُعِيد كَمَا كَانَ قَالَت هَذَا وَالله خير فابشر ثمَّ استعلن لَهُ جبرئيل وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّة فأجلسه على مجْلِس كريم معجب كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أجلسني على بِسَاط كَهَيئَةِ الدرنوك فِيهِ الْيَاقُوت واللؤلؤ فبشره

(1/157)


برسالة الله حَتَّى اطْمَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأ فَقَالَ كَيفَ اقْرَأ فَقَالَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله {مَا لم يعلم} فَقبل الرَّسُول رِسَالَة ربه وَانْصَرف فَجعل لَا يمر على شجر وَلَا حجر إِلَّا سلم عَلَيْهِ فَرجع مَسْرُورا إِلَى أَهله موقنا قد رأى أمرا عَظِيما فَلَمَّا دخل على خَدِيجَة قَالَ أرأيتك الَّذِي كنت اخبرتك اني رَأَيْته فِي الْمَنَام فانه جبرئيل استعلن لي أرْسلهُ إِلَيّ رَبِّي فَأَخْبرهَا بِالَّذِي جَاءَهُ من الله وَمَا سمع مِنْهُ فَقَالَت اُبْشُرْ فوَاللَّه لَا يفعل الله بك إِلَّا خيرا فَأقبل الَّذِي جَاءَك من الله فانه حق وأبشر فَإنَّك رَسُول الله حَقًا ثمَّ انْطَلَقت حَتَّى أَتَت غُلَاما لعتبة بن ربيعَة بن عبد شمس نَصْرَانِيّا من أهل نِينَوَى يُقَال لَهُ عداس فَقَالَت لَهُ يَا عداس اذكرك بِاللَّه الا مَا اخبرتني هَل عنْدكُمْ علم من جبرئيل فَقَالَ عداس قدوس قدوس مَا شَأْن جبرئيل يذكر بِهَذِهِ الأَرْض الَّتِي أَهلهَا أهل الْأَوْثَان فَقَالَت اخبرني بعلمك فِيهِ قَالَ فانه امين الله بَينه وَبَين النَّبِيين وَهُوَ صَاحب مُوسَى وَعِيسَى فَرَجَعت خَدِيجَة من عِنْده فَجَاءَت ورقة بن نَوْفَل فَأَخْبَرته فَقَالَ لَعَلَّ صَاحبك النَّبِي الَّذِي ينْتَظر أهل الْكتاب الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والانجيل ثمَّ اقْسمْ بِاللَّه لَئِن ظهر دعاؤه وانا حَيّ لأبلين الله فِي طَاعَة رَسُوله وَحسن مؤازرته فَمَاتَ ورقة
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن عُرْوَة بن الزبير نَحْو هَذِه الْقِصَّة وَفِي اولها بعد فشق عَلَيْهِ وَرَأى انه بَيْنَمَا هُوَ فِي مَكَّة أَتَى إِلَى سقف بَيته فَنزع شبحة شبحة حَتَّى إِذا نزع أَدخل فِيهِ سلم من فضَّة نزل اليه رجلَانِ قَالَ رَسُول الله فَأَرَدْت ان استغيث فمنعت الْكَلَام فَقعدَ احدهما إِلَى رَأْسِي وَالْآخر الى جَنْبي فَأدْخل احدهما يَده فِي جَنْبي فَنزع ضلعين مِنْهُ فَأدْخل يَده فِي جوفي وَأَنا أجد بردهَا فَأخْرج قلبِي فَوَضعه على كَفه فَقَالَ لصَاحبه نعم الْقلب قلب رجل صَالح ثمَّ أَدخل الْقلب مَكَانَهُ ورد الضلعين ثمَّ ارتفعا ورفعا سلمهما فَاسْتَيْقَظت فَإِذا السّقف مَكَانَهُ كَمَا هُوَ فَذكرهَا لِخَدِيجَة فَقَالَت ان الله لن يفعل بك إِلَّا خيرا ثمَّ انه خرج من عِنْدهَا وَرجع

(1/158)


فَأَخْبرهَا ان بَطْنه شقّ ثمَّ طهر وَغسل ثمَّ أُعِيد إِلَى آخر مَا تقدم وَزَاد فِيهِ فَفتح جبرئيل عينا من مَاء فَتَوَضَّأ وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر إِلَيْهِ فَغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَمسح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ نضح فرجه وَسجد سَجْدَتَيْنِ مُوَاجهَة الْبَيْت فَفعل مُحَمَّد كَمَا رأى جبرئيل يفعل
وَأخرجه ابو نعيم من وَجه ثَالِث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة مَوْصُولا بِالزِّيَادَةِ الْأَخِيرَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَمَا ذكر فِيهِ من شقّ بَطْنه يحْتَمل ان يكون حِكَايَة مِنْهُ لما صنع بِهِ فِي صباه وَيحْتَمل ان يكون شقّ مرّة اخرى ثمَّ مرّة ثَالِثَة حِين عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِبْنِ اسحاق قَالَ حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الله بن أبي سُفْيَان بن الْعَلَاء بن جَارِيَة الثَّقَفِيّ عَن بعض أهل الْعلم ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَرَادَ الله كرامته وابتدأه بِالنُّبُوَّةِ كَانَ لَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا سلم عَلَيْهِ وَسمع مِنْهُ فيلتفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَلَا يرى إِلَّا الشّجر وَمَا حوله من الْحِجَارَة وَهِي تحييه بِتَحِيَّة النُّبُوَّة السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج إِلَى حراء فِي كل عَام شهرا من السّنة يتنسك فِيهِ حَتَّى إِذا كَانَ الشَّهْر الَّذِي اراد الله بِهِ مَا اراد من السّنة الَّتِي بعث فِيهَا وَذَلِكَ الشَّهْر رَمَضَان خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا كَانَ يخرج حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي اكرمه الله تَعَالَى فِيهَا برسالته ورحم الْعباد بِهِ جَاءَهُ جبرئيل بِأَمْر الله تَعَالَى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَنِي وَأَنا نَائِم فَقَالَ إقرأ قلت مَا اقْرَأ فغطني حَتَّى ظَنَنْت انه الْمَوْت ثمَّ كشفه عني فَقَالَ اقْرَأ قلت وَمَا أَقرَأ فَعَاد لي بِمثل ذَلِك ثمَّ قَالَ اقْرَأ قلت وَمَا اقْرَأ فَقَالَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} الى قَوْله {مَا لم يعلم} ثمَّ انْتهى فَانْصَرف عني وهببت من نومي فَكَأَنَّمَا صور فِي قلبِي كتاب وَلم يكن فِي خلق الله أبْغض إِلَيّ من شَاعِر اَوْ مَجْنُون فَكنت لَا اطيق أنظر اليهما فَقلت إِن الْأَبْعَد يَعْنِي نَفسه لشاعر أَو مَجْنُون ثمَّ قلت لَا يتحدث عني قُرَيْش بِهَذَا أبدا لأعمدن إِلَى حالق من الْجَبَل فلأطرحن نَفسِي مِنْهُ فلأقتلنها فلأستريحن فَخرجت مَا

(1/159)


أُرِيد غير ذَلِك فَبَيْنَمَا انا عَامِد لذَلِك إِذْ سَمِعت مناديا من السَّمَاء يَقُول يَا مُحَمَّد انت رَسُول الله وَأَنا جبرئيل فَرفعت رَأْسِي إِلَى السَّمَاء انْظُر فَإِذا جبرئيل فِي صُورَة رجل صَاف قَدَمَيْهِ فِي أفق السَّمَاء يَقُول يَا مُحَمَّد انت رَسُول الله وانا جبرئيل وشغلني ذَلِك عَمَّا أُرِيد فوقفت وَمَا اقدر على ان اتقدم وَلَا اتأخر وَمَا أصرف وَجْهي فِي نَاحيَة من السَّمَاء إِلَّا رَأَيْته فِيهَا فَمَا زلت وَاقِفًا حَتَّى كَاد النَّهَار يتَحَوَّل ثمَّ انْصَرف عني وانصرفت رَاجعا إِلَى أَهلِي فَجَلَست اليها فَقَالَت أَيْن كنت قلت إِن الابعد لشاعر اَوْ مَجْنُون قَالَت اعيذك بِاللَّه من ذَلِك مَا كَانَ الله ليفعل بك ذَلِك مَعَ مَا أعلم من صدق حَدِيثك وَعظم أمانتك وَحسن خلقك وصلَة رَحِمك فَأَخْبَرتهَا الْخَبَر فَقَالَت أبشر يَا ابْن عَم واثبت لَهُ فَإِنِّي لأرجو ان تكون نَبِي هَذِه الْأمة ثمَّ انْطَلَقت إِلَى ورقة فَأَخْبَرته فَقَالَ إِن كنت صدقتني انه لنَبِيّ هَذِه الامة وَإنَّهُ ليَأْتِيه الناموس الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم مولى الزبير انه حدث عَن خَدِيجَة انها قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تثبته يَا ابْن عَم تَسْتَطِيع ان تُخبرنِي بصاحبك هَذَا الَّذِي يَأْتِيك اذا جَاءَك قَالَ نعم قَالَت إِذا جَاءَك فَأَخْبرنِي فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهَا إِذْ جَاءَهُ جبرئيل فَقَالَ يَا خَدِيجَة هَذَا جبرئيل قَالَت أتراه الْآن قَالَ نعم قَالَت فاجلس إِلَى شقي الْأَيْمن فتحول فَجَلَسَ قَالَت هَل ترَاهُ الْآن قَالَ نعم قَالَت فاجلس فِي حجري فتحول فَجَلَسَ قَالَت هَل ترَاهُ الْآن قَالَ نعم فحسرت عَن رَأسهَا فَأَلْقَت خمارها وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي حجرها قَالَت هَل ترَاهُ الان قَالَ لَا قَالَت مَا هَذَا شَيْطَان إِن هَذَا لملك يَا ابْن عَم فَاثْبتْ وَابْشَرْ ثمَّ آمَنت بِهِ وَشهِدت ان الَّذِي جَاءَ بِهِ لحق
قَالَ ابْن اسحاق فَحدثت عبد الله بن الْحسن بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ قد سَمِعت فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن تحدث بِهِ عَن خَدِيجَة إِلَّا أَنِّي سَمعتهَا تَقول أدخلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهَا وَبَين درعها فَذهب عِنْد ذَلِك جبرئيل وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وابو نعيم من

(1/160)


وَجه آخر عَن إِسْمَاعِيل بن ابي حَكِيم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن ابي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام عَن أم سَلمَة عَن خَدِيجَة بِهِ
واخرج الْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِخَدِيجَة إِنِّي إِذا خلوت وحدي سَمِعت نِدَاء وَقد وَالله خشيت ان يكون هَذَا أمرا فَقَالَت معَاذ الله مَا كَانَ الله ليفعل بك فوَاللَّه انك لتؤدي الْأَمَانَة وَتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث فَلَمَّا دخل ابو بكر ذكرت خَدِيجَة حَدِيثه لَهُ وَقَالَت لَهُ اذْهَبْ مَعَ مُحَمَّد إِلَى ورقة فَانْطَلقَا إِلَيْهِ فقصا عَلَيْهِ فَقَالَ إِذا خلوت وحدي سَمِعت نِدَاء خَلْفي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَانْطَلق هَارِبا فِي الأَرْض فَقَالَ لَا تفعل إِذا أَتَاك فَاثْبتْ حَتَّى تسمع مَا يَقُول ثمَّ ائْتِنِي فاخبرني فَلَمَّا خلا ناداه قَالَ يَا مُحَمَّد اشْهَدْ ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ قَالَ قل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {الْحَمد لله رب الْعَالمين} حَتَّى بلغ {وَلَا الضَّالّين} ثمَّ قَالَ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَأتى ورقة فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ لَهُ ورقة اُبْشُرْ ثمَّ أبشر فَأَنا أشهد انك الَّذِي بشر بِهِ ابْن مَرْيَم وانك على مثل ناموس مُوسَى وانك نَبِي وانك سَوف تُؤمر بِالْجِهَادِ بعد يَوْمك هَذَا وَإِن يدركني ذَلِك لاجاهدن مَعَك فَلَمَّا توفّي ورقة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد رَأَيْت القس عَلَيْهِ ثِيَاب الْحَرِير لِأَنَّهُ آمن بِي وصدقني يَعْنِي ورقة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وابو نعيم من وَجه آخر عَن ابي ميسرَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا برز سمع من يُنَادِيه يَا مُحَمَّد فاذا سمع الصَّوْت انْطلق هَارِبا فاسر ذَلِك إِلَى ابي بكر وَكَانَ نديما لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة وَأخرج ابو نعيم بِسَنَد مَوْصُول عَن بُرَيْدَة مثله
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ قَالَ ورقة لِخَدِيجَة هَل رأى زَوجك صَاحبه فِي حضر قَالَت نعم قَالَ فَإِن زَوجك نَبِي وسيصيبه من أمته بلَاء
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ ورقة لما ذكرت لَهُ خديحة انه ذكر لَهَا جبرئيل سبوح سبوح وَمَا لجبرئيل يذكر فِي هَذِه الأَرْض الَّتِي تعبد فِيهَا

(1/161)


الْأَوْثَان جبرئيل امين الله تَعَالَى بَينه وَبَين رسله اذهبي بِهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي رأى فِيهِ مَا رأى فاذا رَآهُ فتحسري فَإِن يكن من عِنْد الله لَا يرَاهُ فَفعلت قَالَت فَلَمَّا تحسرت تغيب جبرئيل فَلم يره فَرَجَعت فَأخْبرت ورقة فَقَالَ إِنَّه ليَأْتِيه الناموس الْأَكْبَر ثمَّ اقام ورقة ينْتَظر إِظْهَار الدعْوَة فَقَالَ فِي ذَلِك شعر
(لججت وَكنت فِي الذكرى لجوجا ... لَهُم طَال مَا بلغ النشيجا)
(وَوصف من خَدِيجَة بعد وصف ... فقد طَال انتظاري يَا خديجا)
(بِبَطن المكتين على رجائي ... حَدِيثك ان أرى مِنْهُ خُرُوجًا)
(بِمَا أخبرتنا من قَول قس ... من الرهبان اكره أَن يعوجا)
(بِأَن مُحَمَّدًا سيسود قوما ... ويخصم من يكون لَهُ حجيجا)
(وَيظْهر فِي الْبِلَاد ضِيَاء نور ... تُقَام بِهِ الْبَريَّة أَن تعوجا)
(فَيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا)
(فيا ليتي إِذا مَا كَانَ ذاكم ... شهِدت وَكنت اولهم ولوجا)
(ولوجا فِي الَّذِي كرهت قُرَيْش ... وَلَو عجت بمكثها عجيجا)
(أَرْجَى بِالَّذِي كَرهُوا جَمِيعًا ... إِلَى ذِي الْعَرْش إِن سلفوا عروجا)
(وَهل أَمر السفاهة غير كفر ... بِمن يخْتَار من سمك البروجا)
(فَإِن يبقوا وابق تكن أُمُور ... يضج الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجًا)
(وَإِن أهلك فَكل فَتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خُرُوجًا)
وَقَوله (بِبَطن المكتين قَالَ الْعَيْنِيّ فِي شواهده الْكُبْرَى سمي كلا من جَانِبي مَكَّة أَو كلا من اعلاها وأسفلها مَكَّة فَلذَلِك ثناها
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ والْحَارث بن أبي اسامة وَأَبُو نعيم من طَرِيق يزِيد بن بابنوس عَن عَائِشَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نذر ان يعْتَكف شهرا هُوَ وَخَدِيجَة بحراء فَوَافَقَ ذَلِك شهر رَمَضَان فَخرج ذَات لَيْلَة فَسمع السَّلَام عَلَيْك فَقَالَ فظننتها فَجْأَة الْجِنّ فَجئْت مسرعا حَتَّى دخلت على خَدِيجَة فَقَالَت مَا شَأْنك فَأَخْبَرتهَا فَقَالَت أبشر فَإِن السَّلَام خير ثمَّ خرجت مرّة أُخْرَى فاذا انا بجبرئيل على الشَّمْس جناج لَهُ بالمشرق وجناج لَهُ

(1/162)


بالمغرب فهلت مِنْهُ فَجئْت مسرعا فَإِذا هُوَ بيني وَبَين الْبَاب فكلمني حَتَّى آنست بِهِ ثمَّ وَعَدَني موعدا فَجئْت لَهُ فابطأ عَليّ فَأَرَدْت ان ارْجع فَإِذا أَنا بِهِ وبميكائيل قد سد الْأُفق فهبط جبرئيل وبقى مِيكَائِيل بَين السَّمَاء والارض فأخذني جبرئيل فالقاني لحلاوة الْقَفَا ثمَّ شقّ عَن قلبِي فاستخرجه ثمَّ استخرج مِنْهُ مَا شَاءَ الله ان يسْتَخْرج ثمَّ غسله فِي طست من ذهب بِمَاء زَمْزَم ثمَّ اعاده مَكَانَهُ ثمَّ لأمه ثمَّ اكفأني كَمَا يكفأ الْإِنَاء ثمَّ ختم فِي ظَهْري حَتَّى وجدت مس الْخَاتم فِي قلبِي ثمَّ اخذ بحلقي حَتَّى أجهشت بالبكاء ثمَّ قَالَ اقْرَأ وَلم أك قَرَأت كتابا قطّ فَلم أقدر ثمَّ قَالَ اقْرَأ قلت مَا اقْرَأ قَالَ {اقْرَأ باسم رَبك} حَتَّى انْتهى الى خمس آيَات ثمَّ وزنني بِرَجُل فوزنته ثمَّ وزنني بآخر فوزنته حَتَّى وزنت بِمِائَة رجل فَقَالَ مِيكَائِيل تَبعته أمته وَرب الْكَعْبَة فَجعل لَا يلقاني حجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِخَدِيجَة اني اسْمَع صَوتا وَأرى ضوءا فَذكرت ذَلِك لورقة قَالَ هَذَا ناموس مُوسَى فان بيعث وانا حَيّ فسأعزره وانصره وأعينه
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن ابيه ان جبرئيل اخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأجلسه على بِسَاط كَهَيئَةِ الدرنوك فِيهِ اللُّؤْلُؤ والياقوت فَقَالَ لَهُ جبرئيل {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} الى قَوْله {مَا لم يعلم} ثمَّ قَالَ لَا تخف يَا مُحَمَّد فانك رَسُول الله فاقبل رَاجعا فَجعل لَا يمر بشجر وَلَا حجر إِلَّا وَهُوَ ساجد يَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله فاطمأنت نَفسه وَعرف كَرَامَة الله إِيَّاه

(1/163)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ ورقة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يَأْتِيك جبرئيل فَقَالَ يأتيني من السَّمَاء جناحاه لُؤْلُؤ وباطن قَدَمَيْهِ أَخْضَر
وَأخرج ابْن رستة فِي كتاب الْمَصَاحِف عَن الزُّهْرِيّ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بحراء إِذا اتاه ملك بنمط من ديباج فِيهِ مَكْتُوب {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} الى قَوْله {مَا لم يعلم}
واخرج عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ جَاءَ جبرئيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنمط فَقَالَ اقْرَأ قَالَ مَا أَنا بقارئ قَالَ اقْرَأ باسم رَبك
واخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك وَهُوَ بأجياد إِذْ رأى ملكا وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى فِي أفق السَّمَاء يَصِيح يَا مُحَمَّد أَنا جبرئيل فذعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك وَجعل يرَاهُ كلما رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَرجع سَرِيعا إِلَى خَدِيجَة فَأَخْبرهَا خَبره وَقَالَ وَالله يَا خَدِيجَة مَا أبغضت بغض هَذِه الْأَصْنَام شَيْئا قطّ وَلَا الْكُهَّان وَإِنِّي لأخشى ان اكون كَاهِنًا قَالَت كلا لَا تقل ذَلِك فَإِن الله لَا يفعل ذَلِك بك أبدا انك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتُؤَدِّي الْأَمَانَة وَإِن خلقك لكريم ثمَّ انْطَلَقت إِلَى ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ اول مرّة أَتَتْهُ فَأَخْبَرته مَا أخْبرهَا بِهِ فَقَالَ وَالله إِنَّه لصَادِق وان هَذَا لبدؤ نبوة وَإنَّهُ ليَأْتِيه الناموس الاكبر فَمر بِهِ ان لَا يَجْعَل فِي نَفسه إِلَّا خيرا
واخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل عَلَيْهِ الْوَحْي بحراء مكث اياما لَا يرى جبرئيل فَحزن حزنا شَدِيدا حَتَّى كَانَ يَغْدُو إِلَى ثبير مرّة وَإِلَى حراء مرّة اخرى يُرِيد ان يلقِي نَفسه مِنْهُ فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك عَامِدًا لبَعض تِلْكَ الْجبَال إِذْ سمع صَوتا من السَّمَاء فَرفع رَأسه فَإِذا جبرئيل على كرْسِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض متربعا عَلَيْهِ يَقُول يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول الله حَقًا وَأَنا جبرئيل فَانْصَرف وَقد أقرّ الله عينه وربط جأشه ثمَّ تتَابع الْوَحْي بعد وَهِي

(1/164)


وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي عبد الْملك بن عبد الله بن ابي سُفْيَان الثَّقَفِيّ وَكَانَ وَاعِيَة قَالَ قَالَ ورقة بن نَوْفَل فِيمَا كَانَت خَدِيجَة ذكرت لَهُ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(يَا للرِّجَال وَصرف الدَّهْر وَالْقدر ... وَمَا لشَيْء قَضَاهُ الله من غير)
(حَتَّى خَدِيجَة تَدعُونِي لأخبرها ... وَمَا لَهَا بخفي الْغَيْب من خبر)
(جَاءَت لتسألني عَنهُ لأخبرها ... أمرا أرَاهُ سَيَأْتِي النَّاس من أخر)
(وخبرتني بِأَمْر قد سَمِعت بِهِ ... فِيمَا مضى من قديم الدَّهْر وَالْعصر)
(بِأَن أَحْمد يَأْتِيهِ ويخبره ... جبرئيل انك مَبْعُوث إِلَى الْبشر)
(فَقلت عل الَّذِي ترجين يُنجزهُ ... لَك الْإِلَه فَرجي الْخَيْر وانتظري)
(وأرسلته إِلَيْنَا كي نسائله ... عَن أمره مَا يرى فِي النّوم والسهر)
(فَقَالَ حِين أَتَانَا منطقا عجبا ... يقف مِنْهُ أعالي الْجلد وَالشعر)
(إِنِّي رَأَيْت أَمِين الله واجهني ... فِي صُورَة اكملت من أهيب الصُّور)
(ثمَّ اسْتمرّ فَكَانَ الْخَوْف يذعرني ... مِمَّا يسلم مَا حَولي من الشّجر)
(فَقلت ظَنِّي وَمَا ادري ايصدقني ... إِن سَوف تبْعَث تتلو منزل السُّور)
(وسوف آتِيك إِن أعلنت دعوتهم ... من الْجِهَاد بِلَا من وَلَا كدر)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن بِمَكَّة لحجرا كَانَ يسلم عَليّ ليَالِي بعثت أَنِّي لأعرفه إِذا مَرَرْت عَلَيْهِ وَأخرجه مُسلم بِلَفْظ إِنِّي لأعرف بِمَكَّة حجرا كَانَ يسلم عَليّ قبل ان أبْعث أَنِّي لأعرفه الْآن
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَخرج فِي بعض نَوَاحِيهَا فَمَا استقبله شجر وَلَا مدر وَلَا جبل إِلَّا قَالَ لَهُ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَأَنا أسمعهُ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر بِلَفْظ لقد رَأَيْتنِي أَدخل مَعَه الْوَادي فَلَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَأَنا اسْمَعْهُ

(1/165)


وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أوحى الله تَعَالَى إِلَيّ جعلت لَا أَمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن برة بنت أبي تجراة قَالَت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اراد الله كرامته وابتداءه بِالنُّبُوَّةِ كَانَ اذا خرج لِحَاجَتِهِ ابعد حَتَّى لَا يرى بَيْتا ويفضي إِلَى الشعاب وبطون الآودية فَلَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله فَكَانَ يلْتَفت عَن يَمِينه وشماله وَخَلفه فَلَا يرى أحدا وَأخرجه أَبُو نعيم من وَجه آخر بِمثلِهِ وَزَاد فِي آخِره وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد عَلَيْهِم وَعَلَيْك السَّلَام وَكَانَ جبرئيل علمه التَّحِيَّة
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابراهيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة قَالَ قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله حضرت سوق بصرى فَإِذا رَاهِب فِي صومعته يَقُول سلوا أهل هَذَا الْمَوْسِم هَل فيهم اُحْدُ من اهل الْحرم قَالَ طَلْحَة قلت نعم انا قَالَ هَل ظهر احْمَد بعد قلت وَمن أَحْمد قَالَ ابْن عبد الله بن عبد الْمطلب هَذَا شهره الَّذِي يخرج فِيهِ وَهُوَ آخر الْأَنْبِيَاء مخرجه من الْحرم وَمُهَاجره إِلَى نخل وحرة وسباخ فإياك ان تسبق اليه قَالَ طَلْحَة فَوَقع فِي قلبِي مَا قَالَ فَخرجت سَرِيعا حَتَّى قدمت مَكَّة فَقلت هَل كَانَ من حدث قَالُوا نعم مُحَمَّد بن عبد الله الْأمين قد تنبأ وَقد تبعه ابْن أبي قُحَافَة فَخرجت حَتَّى دخلت على أبي بكر فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ الراهب فَخرج ابو بكر حَتَّى دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فسر بذلك وَأسلم طَلْحَة فَأخذ نَوْفَل بن العدوية أَبَا بكر وَطَلْحَة فشدهما فِي حَبل وَاحِد فَلذَلِك سميا القرينين
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ الْعَبَّاس خرجت فِي تِجَارَة إِلَى الْيمن فِي ركب فيهم ابو سُفْيَان بن حَرْب فورد كتاب من حنظله بن أبي سُفْيَان فِيهِ أَن مُحَمَّد اقام بِالْأَبْطح فَقَالَ انا رَسُول الله ادعوكم إِلَى الله فَفَشَا ذَلِك فِي مجَالِس الْيمن فجاءنا حبر من الْيَهُود فَقَالَ بَلغنِي ان فِيكُم عَم هَذَا الرجل الَّذِي قَالَ مَا قَالَ الْعَبَّاس فَقلت نعم قَالَ أنْشدك هَل كَانَت لِأَبْنِ اخيك صبوة وسفهة قلت لَا واله عبد الْمطلب وَلَا كذب وَلَا خَان وَإِن كَانَ اسْمه عِنْد قُرَيْش الْأمين قَالَ

(1/166)


فَهَل كتب بِيَدِهِ قَالَ الْعَبَّاس فَظَنَنْت انه خير لَهُ ان يكْتب بِيَدِهِ فَأَرَدْت ان اقول نعم فَخَشِيت من أبي سُفْيَان ان يكذبنِي وَيرد عَليّ قلت لَا يكْتب فَوَثَبَ الحبر وَترك رِدَاءَهُ وَقَالَ ذبحت يهود وَقتلت يهود قَالَ الْعَبَّاس فَلَمَّا رَجعْنَا إِلَى منزلنا قَالَ أَبُو سُفْيَان يَا أَبَا الْفضل إِن الْيَهُود تفزع من ابْن اخيك قلت قد رَأَيْت مَا رَأَيْت فَهَل لَك يَا ابا سُفْيَان فِيهِ ان تؤمن بِهِ فَإِن كَانَ حَقًا كنت قد سبقت وَإِن كَانَ بَاطِلا فمعك غَيْرك من أكفائك قَالَ لَا أُؤْمِن بِهِ حَتَّى أرى الْخَيل قد طلعت فِي كداء
قلت مَا تَقول قَالَ كلمة جَاءَت على فمي إِلَّا اني أعلم ان الله لَا يتْرك خيلا تطلع على كداء قَالَ الْعَبَّاس فَلَمَّا فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة ونظرنا إِلَى الْخَيل قد طلعت من كداء قلت يَا ابا سُفْيَان تذكر الْكَلِمَة قَالَ أَي وَالله إِنِّي لذاكرها
واخرج ابو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن هِشَام بن مُسلم المَخْزُومِي عَن مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان عَن أَبِيه قَالَ خرجت انا وَأُميَّة بن أبي الصَّلْت تجارًا إِلَى الشَّام فَقَالَ لي هَل لَك فِي عَالم من عُلَمَاء النَّصَارَى إِلَيْهِ يتناهى علم الْكتاب نَسْأَلهُ قلت لَا إرب لي فِيهِ فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لي إِنِّي جِئْت هَذَا الْعَالم فَسَأَلته عَن أَشْيَاء ثمَّ قلت أَخْبرنِي عَن هَذَا النَّبِي الَّذِي ينْتَظر قَالَ هُوَ رجل من الْعَرَب قلت من أَي الْعَرَب قَالَ من اهل بَيت تحجه الْعَرَب من إخْوَانكُمْ من قُرَيْش قلت فصفه لي قَالَ رجل شَاب حِين دخل فِي الكهولية بَدَأَ امْرَهْ يجْتَنب الْمَظَالِم والمحارم ويصل الرَّحِم وَيَأْمُر بصلتها وَهُوَ سجوح كريم الطَّرفَيْنِ متوسط فِي الْعَشِيرَة اكثر جنده الْمَلَائِكَة فَقلت وَمَا آيَة ذَلِك قَالَ قد رجفت الشَّام مُنْذُ هلك عِيسَى ثَلَاثِينَ رَجْفَة كلهَا مُصِيبَة وَبقيت رَجْفَة عَامَّة فِيهَا مصائب قَالَ ابو سُفْيَان فَقلت هَذَا وَالله الْبَاطِل قَالَ امية وَالَّذِي حَلَفت بِهِ ان هَذَا لهكذا ثمَّ خرجنَا فَإِذا رَاكب من خلفنا يَقُول أصَاب اهل الشَّام بعدكم رَجْفَة دمرت أَهلهَا وأصابتهم فِيهَا مصائب عَامَّة قَالَ ابو سُفْيَان فَأقبل عَليّ أُميَّة فَقَالَ كَيفَ ترى قَول النَّصْرَانِي قلت أرى وَالله انه حق وقدمت مَكَّة فَقضيت مَا كَانَ معي ثمَّ انْطَلَقت حَتَّى جِئْت الْيمن تَاجِرًا فَمَكثت بهَا خَمْسَة أشهر ثمَّ قدمت مَكَّة فجَاء النَّاس يسلمُونَ عَليّ ويسألون عَن بضائعهم ثمَّ جَاءَنِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم عَليّ ورحب بِي وسألني عَن سَفَرِي ومقامي وَلم يسألني عَن بضاعته ثمَّ قَالَ فَقلت لهِنْد وَالله إِن هَذَا

(1/167)


ليعجبني مَا من اُحْدُ من قُرَيْش لَهُ معي بضَاعَة إِلَّا وَقد سَأَلَني عَنْهَا وَمَا سَأَلَني هَذَا عَن بضاعته قَالَت وَمَا علمت شَأْنه انه يزْعم انه رَسُول الله فوقظتني وَذكرت قَول النَّصْرَانِي قلت لَهو أَعقل من ان يَقُول هَذَا قَالَت بلَى وَالله إِنَّه ليقول ذَلِك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عُرْوَة بن الزبير عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان عَن ابيه قَالَ كُنَّا بغزة اَوْ بإيلياء فَقَالَ لي امية بن ابي الصَّلْت يَا ابا سُفْيَان إيه عَن عتبَة بن ربيعَة قلت ايه عَن عتبَة بن ربيعَة قَالَ كريم الطَّرفَيْنِ ويجتنب الْمَظَالِم والمحارم قلت نعم وشريف مسن قَالَ السن إزرى بِهِ قلت كذبت بل مَا ازْدَادَ سنا إِلَّا ازْدَادَ شرفا قَالَ لَا تعجل عَليّ حَتَّى اخبرك اني أجد فِي كتبي نَبيا يبْعَث من حرتنا هَذِه فَكنت أَظن أَنِّي هُوَ فلماذا ارست اهل الْعلم اذا هُوَ من بني عبد منَاف فَنَظَرت فِي بني عبد منَاف فَلم أجد احدا يصلح لهَذَا الامر غير عتبَة بن ربيعَة فَلَمَّا اخبرتني بسنه عرفت انه لَيْسَ بِهِ حِين جَاوز الْأَرْبَعين وَلم يُوح إِلَيْهِ قَالَ ابو سُفْيَان فَرَجَعت وَقد اوحي الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت فِي ركب فِي تِجَارَة فمررت بأمية فَقلت لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ قد خرج النَّبِي الَّذِي كنت تنعته قَالَ اما انه حق فَاتبعهُ وَكَأَنِّي بك يَا أَبَا سُفْيَان إِن خالفته ربطت كَمَا يرْبط الجدي حَتَّى يُؤْتى بك اليه فَيحكم فِيك بِمَا يُرِيد
وَأخرج الْحَارِث بن أبي اسامة فِي مُسْنده عَن عِكْرِمَة بن خَالِد ان نَاسا من قُرَيْش ركبُوا الْبَحْر عِنْد مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقتهم الرّيح الى جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَإِذا فِيهَا رجل فَقَالَ من انتم قَالُوا نَحن نَاس من قُرَيْش قَالَ وَمَا قُرَيْش قَالُوا اهل الْحرم واهل كَذَا فَلَمَّا عرف قَالَ نَحن أَهلهَا لَا انتم فَإِذا هُوَ رجل من جرهم قَالَ أَتَدْرُونَ لأي شَيْء سمي أجياد كَانَت خيولنا جيادا عطفت عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ إِنَّه قد خرج فِينَا رجل يزْعم انه نَبِي وَذكروا لَهُ أمره فَقَالَ اتَّبعُوهُ فلولا حَالي الَّتِي انا عَلَيْهَا لحقت مَعكُمْ بِهِ

(1/168)


وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَافَرت إِلَى الْيمن قبل مبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنة فَنزلت على عسكلان بن عواكن الْحِمْيَرِي وَكَانَ شَيخا كَبِيرا وَكنت لَا ازال إِذا قدمت إِلَى الْيمن نزلت عَلَيْهِ فيسألني عَن مَكَّة والكعبة وزمزم وَيَقُول هَل ظهر فِيكُم رجل لَهُ نبأ لَهُ ذكر هَل خَالف أحد مِنْكُم عَلَيْكُم فِي دينكُمْ فَأَقُول لَا حَتَّى قدمت القدمة الَّتِي بعث فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافيته وَقد ضعف وَثقل سَمعه فَنزلت عَلَيْهِ فَاجْتمع عَلَيْهِ وَلَده وَولد وَلَده فأخبروه بمكاني فشدت عِصَابَة على عَيْنَيْهِ وَأسْندَ فَقعدَ وَقَالَ لي انتسب يَا اخا قُرَيْش فَقلت أَنا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بن عبد عَوْف ابْن عبد الْحَارِث ابْن زهرَة قَالَ حَسبك يَا أَخا زهرَة أَلا أُبَشِّرك بِبِشَارَة وَهِي خير لَك من التِّجَارَة قلت بلَى قَالَ انبئك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة إِن الله قد بعث فِي الشَّهْر الأول من قَوْمك نَبيا ارْتَضَاهُ صفيا وَأنزل عَلَيْهِ كتابا وَجعل لَهُ ثَوابًا ينْهَى عَن الْأَصْنَام وَيَدْعُو إِلَى الاسلام يَأْمر بِالْحَقِّ ويفعله وَيُنْهِي عَن الْبَاطِل ويبطله فَقلت مِمَّن هُوَ قَالَ لَا من الأزد وَلَا ثماله وَلَا من السرو وَلَا تباله هُوَ من بني هَاشم وَأَنْتُم اخواله يَا عبد الرَّحْمَن أخف الْوَقْعَة وَعجل الرّجْعَة ثمَّ أمض ووازره وَصدقه واحمل إِلَيْهِ هَذِه الابيات شعر
(أشهد بِاللَّه ذِي الْمَعَالِي ... وفالق اللَّيْل والصباح)
(انك فِي السِّرّ وَمن قُرَيْش ... يَا ابْن المفدى من الذباح)
(أرْسلت تَدْعُو إِلَى يَقِين ... ترشد للحق والفلاح)
(أشهد بِاللَّه رب مُوسَى ... إِنَّك أرْسلت بالبطاح)
(فَكُن شفيعي إِلَى مليك ... يَدْعُو البرايا إِلَى الْفَلاح)
قَالَ عبد الرَّحْمَن فَحفِظت الأبيات وأسرعت فِي تقضي حوائجي وانصرفت فَقدمت مَكَّة فَلَقِيت ابا بكر فَأَخْبَرته الْخَبَر فَقَالَ هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله قد بَعثه الله رَسُولا إِلَى خلقه فآته فَأَتَيْته وَهُوَ فِي بَيت خَدِيجَة فَلَمَّا رَآنِي ضحك وَقَالَ أرى وَجها خلقا أَرْجُو لَهُ خيرا مَا وَرَاءَك قلت وَمَا ذَاك يَا مُحَمَّد قَالَ حملت إِلَيّ

(1/169)


وَدِيعَة أم ارسلك مُرْسل الي برسالة هَاتِهَا فَأَخْبَرته وَأسْلمت فَقَالَ أما أَن أَخا حمير من خَواص الْمُؤمنِينَ ثمَّ قَالَ رب مُؤمن بِي وَلم يرني ومصدق بِي وَمَا شهدني أُولَئِكَ إخْوَانِي حَقًا
بَاب مَا سمع من الْكُهَّان والآصواب بِظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد بعثته

اخْرُج البُخَارِيّ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه مر بِهِ رجل جميل فَسَأَلَهُ قَالَ كنت كاهنهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ فَمَا اعْجَبْ مَا جاءتك بِهِ جنيتك قَالَ بَينا انا يَوْمًا فِي سوق جَاءَتْنِي فِيهَا اعرف الْفَزع قَالَت
(ألم تَرَ الْجِنّ وأبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها)
(ولحوقها بالقلاص وأحلاسها ... )
قَالَ عمر صدق بَينا انا نَائِم عِنْد آلِهَتهم إِذْ جَاءَ رجل بعجل فذبحه فَصَرَخَ مِنْهُ صارخ لم أسمع صَارِخًا قطّ أَشد صَوتا مِنْهُ يَقُول يَا جليح أَمر نجيح رجل نصيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَوَثَبَ الْقَوْم قلت لَا ابرح حَتَّى اعْلَم مَا وَرَاء هَذَا ثمَّ نَادَى كَذَلِك الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَقُمْت فَمَا نشبنا ان قيل هَذَا نَبِي
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ ان بني غفار قربوا عجلا ليَذْبَحُوهُ على نصب من أنصابهم فَبَيْنَمَا هُوَ مَوْقُوف إِذْ صَاح فَقَالَ يَا لذريح أَمر نجيح صائح يَصِيح بِلِسَان فصيح يَدْعُو بِمَكَّة ان لَا إِلَه إِلَّا الله فكفوا عَنهُ وذهبوا ينظرُونَ فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ حَدثنَا شيخ أدْرك الْجَاهِلِيَّة قَالَ كنت أسوق لآل لنا بقرة فَسمِعت من جوفها يَا لذريح قَول فصيح رجل يَصِيح أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فقدمنا مَكَّة فَوَجَدنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لسواد بن قَارب حَدثنَا ببدء اسلامك قَالَ كَانَ لي رئيي من الْجِنّ فَبينا انا ذَات لَيْلَة نَائِم إِذْ

(1/170)


جَاءَنِي قَالَ قُم فَافْهَم واعقل إِن كنت تعقل قد بعث رَسُول من لؤَي بن غَالب ثمَّ أنشأ يَقُول
(عجبت للجن وانجاسها ... وشدها العيس بأحلاسها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا مؤمنوها مثل أرجاسها)
(فانهض إِلَى الصفوة من هَاشم ... وَاسم بِعَيْنَيْك إِلَى راسها)
ثمَّ انبهني وأفزعني وَقَالَ يَا سَواد بن قَارب إِن الله تَعَالَى بعث نَبيا فانهض إِلَيْهِ تهتدي وترشد فَلَمَّا كَانَت فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة أَتَانِي فأنبهني ثمَّ أنشأ يَقُول
(عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا صادقوا الْجِنّ ككذابها)
(فارحل الى الصفوة من هَاشم ... لَيْسَ قدامها كأذنابها)
فَمَا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَانِي فأنبهني ثمَّ قَالَ
(عجبت للجن وتجسارها ... وشدها العيس بأكوارها)
(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... لَيْسَ ذووا الشَّرّ كأخيارها)
(فانهض الى الصفوة من هَاشم ... مَا مؤمنو الْجِنّ ككفارها)
قَالَ فَلَمَّا سمعته يُكَرر عَليّ لَيْلَة بعد لَيْلَة وَقع فِي قلبِي حب الاسلام فَانْطَلَقت حَتَّى أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مرْحَبًا بك يَا سَواد بن قَارب قد علمنَا مَا جَاءَ بك قلت يَا رَسُول الله قد قلت شعرًا فاسمعه مني فَقلت شعر
(أَتَانِي رئيي بعد ليل وبجعة ... وَلم يَك فِيمَا قد بلوت بكاذب)
(ثَلَاث لَيَال قَوْله كل لَيْلَة ... أَتَاك رَسُول من لؤَي بن غَالب)
(فشمرت عَن ساقي الْإِزَار ووسطت ... بِي الذعلب الوجناء عِنْد السباسب)
(فاشهد ان الله لَا رب غَيره ... وَأَنَّك مَأْمُون على كل غَائِب)
(وَأَنَّك ادنى الْمُرْسلين شَفَاعَة ... إِلَى الله يَا ابْن الاكرمين الأطائب)
(فمرنا بِمَا يَأْتِيك يَا خير من مَشى ... وَإِن كَانَ فِيمَا جَاءَ شيب الذوائب)
(وَكن لي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شَفَاعَة ... سواك بمغن عَن سَواد بن قَارب)

(1/171)


هَذَا الحَدِيث لَهُ عدَّة طرق فَأخْرجهُ ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة من طَرِيق الْفضل بن عِيسَى الْقرشِي عَن الْعَلَاء بن زيدل عَن انس بن مَالك قَالَ دخل سَواد بن قَارب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْقِصَّة بِطُولِهَا
وَأخرجه الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده من طَرِيق الْحُسَيْن بن عمَارَة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن قَالَ دخل سَواد بن قَارب على عمر فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عباد بن عبد الصَّمد سَمِعت سعيد بن جُبَير أَخْبرنِي سَواد بن قَارب قَالَ كنت نَائِما فَذكره بِطُولِهِ
وَأخرجه الْحسن بن سُفْيَان وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الوقاصي عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ دخل سَواد على عمر فَذكره بِطُولِهِ
وَأخرجه ابْن ابي خَيْثَمَة وَالرُّويَانِيّ فِي مُسْنده والخرائطي من طَرِيق أبي جَعْفَر الباقر قَالَ دخل سَواد بن قَارب على عمر فَذكره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ قَالَ حَدثنِي شُيُوخ من شُيُوخ طي ان مازنا الطَّائِي كَانَ بِأَرْض عمان وَكَانَ يسدن الاصنام لأَهله وَكَانَ لَهُ صنم يُقَال لَهُ ناجز قَالَ مَازِن فعترت ذَات يَوْم عتيرة وَهِي الذَّبِيحَة فَسمِعت صَوتا من الصَّنَم يَقُول يَا مَازِن أقبل إِلَيّ أقبل تسمع مَا لَا يجهل هَذَا نَبِي مُرْسل جَاءَ بِحَق منزل فَآمن بِهِ كي تعدل عَن حر نَار تشعل وقودها بالجندل قَالَ مَازِن فَقلت إِن هَذَا وَالله لعجب ثمَّ عترت بعد ايام عتيرة أُخْرَى فَسمِعت صَوتا أبين من الأول وَهُوَ يَقُول يَا مَازِن اسْمَع تسر ظهر خير وبطن شَرّ بعث نَبِي من مُضر بدين الله الْأَكْبَر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قَالَ مَازِن فَقلت وَالله إِن هَذَا لعجب وَأَنه لخير يُرَاد بِي وَقدم علينا رجل من الْحجاز فَقُلْنَا مَا الْخَبَر وَرَاءَك قَالَ خرج رجل بتهامة يَقُول لمن اتاه اجيبوا دَاعِي الله يُقَال لَهُ أَحْمد فَقلت هَذَا وَالله نبأ مَا سَمِعت

(1/172)


فرحلت حَتَّى أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشرح لي الاسلام فَأسْلمت فَقلت يَا رَسُول الله إِن امْرُؤ مولع بالطرب وَشرب الْخمر والهلوك من النِّسَاء وألحت علينا السنون فاذهبن الْأَمْوَال واهزلن الذَّرَارِي وَالرِّجَال وَلَيْسَ لي ولد فَادع الله ان يذهب عني مَا اجد ويأتيني بِالْحَيَاءِ ويهب لي ولدا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أللهم أبدله بالطرب قِرَاءَة الْقُرْآن وبالحرام الْحَلَال وآته بِالْحَيَاءِ وهب لَهُ ولدا قَالَ مَازِن فَاذْهَبْ الله عني كلما كنت أجد وأخصبت عمان وَتَزَوَّجت ارْبَعْ حرائر ووهب الله لي حَيَّان بن مَازِن وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه عَن عبد الله الْعمانِي قَالَ كَانَ رجل منا يُقَال لَهُ مَازِن يسدن صنما قَالَ مَازِن فعترت عتيرة فَذكر نَحوه
وَأخرج ابْن سعد وَاحْمَدْ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر ابْن عبد الله قَالَ اول خبر قدم الْمَدِينَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان امْرَأَة من أهل الْمَدِينَة كَانَ لَهَا تَابع فجَاء فِي سُورَة طَائِر حَتَّى وَقع على حَائِط دِيَارهمْ فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة انْزِلْ قَالَ لَا إِنَّه بعث بِمَكَّة نَبِي منع منا الْقَرار وَحرم علينا الزِّنَا واخرجه ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عَليّ بن حُسَيْن مُرْسلا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَرْطَأَة بن الْمُنْذر قَالَ سَمِعت ضَمرَة يَقُول كَانَت امْرَأَة بِالْمَدِينَةِ يَغْشَاهَا جَان فَغَاب فَلبث مَا لبث فَلم يأتها ثمَّ أطلع من كوَّة فَقَالَت مَا كَانَت لَك عَادَة تطلع من كوَّة قَالَ إِنَّه خرج نَبِي بِمَكَّة وَإِنِّي سَمِعت مَا جَاءَ بِهِ فَإِذا هُوَ يحرم الزِّنَا فَعَلَيْك السَّلَام
وَأخرج ابو نعيم عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ خرجنَا فِي عير إِلَى الشَّام قبل أَن يبْعَث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كُنَّا بأفواه الشَّام وَبهَا كاهنة فتعرضتنا وَقَالَت أَتَانِي صَاحِبي فَوقف على بَابي فَقلت أَلا تدخل قَالَ لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك خرج احْمَد جَاءَ امْر لَا يُطَاق ثمَّ انصرفت فَرَجَعت إِلَى مَكَّة فَوجدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة يَدْعُو إِلَى الله تَعَالَى

(1/173)


وَأخرج ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة وَابْن مندة فِي دَلَائِل النُّبُوَّة والمعافي فِي الجليس عَن أبي خَيْثَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن ابي سُبْرَة قَالَ حَدثنِي ذُبَاب بن الْحَارِث الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ لِابْنِ وقشة رَأْي من الْجِنّ يُخبرهُ بِمَا يكون فَأَتَاهُ ذَات يَوْم فَأخْبرهُ بِشَيْء فَنظر اليه فَقَالَ يَا ذُبَاب يَا ذُبَاب اسْمَع الْعجب العجاب بعث مُحَمَّد بِالْكتاب يَدْعُو بِمَكَّة فَلَا يُجَاب فَقلت لَهُ مَا هَذَا قَالَ لَا أَدْرِي كَذَا قيل فَلم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى سَمِعت بمخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت
واخرج عمر بن شيبَة عَن الجموح بن عُثْمَان الْغِفَارِيّ قَالَ كُنَّا بمنازلنا فِي الْجَاهِلِيَّة فاذا صائح يَصِيح من اللَّيْل فَذكر رجزا ثمَّ عَاد اللَّيْلَة الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة فَلم ننشب إِذْ جَاءَنَا ظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ خرج عُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله فدخلا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا وَقَالَ عُثْمَان يَا رَسُول الله قدمت حَدِيثا من الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بَين معَان والزرقاء فَنحْن كالنيام إِذا مُنَاد ينادينا ايها النيام هبوا فَإِن أَحْمد قد خرج بِمَكَّة فقدمنا فسمعنا بك
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان الْهُذلِيّ قَالَ خرجنَا فِي عير لنا إِلَى الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بَين الزَّرْقَاء وَمَعَان قد عرسنا من اللَّيْل إِذا بِفَارِس يَقُول أَيهَا النيام هبوا فَلَيْسَ هَذَا بِحِين رقاد قد خرج أَحْمد وطردت الْجِنّ كل مطرد ففزعنا وَنحن رفْقَة حزاورة كلهم قد سمع هَذَا فرجعنا إِلَى أَهْلينَا فَإِذا هم يذكرُونَ اخْتِلَافا بِمَكَّة بَين قُرَيْش بِنَبِي خرج فيهم من بني عبد الْمطلب إسمه أَحْمد
وَأخرج أَبُو نعيم عَن يَعْقُوب بن يزِيد بن طَلْحَة التَّيْمِيّ ان رجلا مر على عمر فَقَالَ اكاهن أَنْت مَتى عَهْدك بصاحبتك قَالَ قبيل الاسلام اتتني فصرخت يَا

(1/174)


سَلام يَا سَلام الْحق الْمُبين وَالْخَيْر الدَّائِم غير حلم النَّائِم الله اكبر فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا امير الْمُؤمنِينَ اما احدثك مثل هَذَا وَالله انا لنسير دوية ملساء لَا نسْمع فِيهَا إِلَّا الصداء إِذْ نَظرنَا فَإِذا رَاكب مقبل فَقَالَ يَا أَحْمد يَا أَحْمد الله اعلى وأمجد اتاك مَا وَعدك من الْخَيْر يَا أَحْمد ثمَّ ذهب فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار إِنَّا احدثك مثل هَذَا انْطَلَقت إِلَى الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بقفزة من الأَرْض إِذا هَاتِف من خلفنا يَقُول
(قد لَاحَ نجم فأضاء مشرقه ... يخرج من ظلماء عسوف موبقه)
(ذَاك رَسُول مُفْلِح من صدقه ... الله أَعلَى أمره وحققه)
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ هتف هَاتِف من الْجِنّ على ابي قبيس بِمَكَّة فَقَالَ
(قبح الله رَأْي كَعْب بن فهر ... مَا أرق الْعُقُول والأحلام)
(دينهَا أَنَّهَا يعنف فِيهَا ... دين آبائها الحماة الْكِرَام)
(حَالف الْجِنّ حِين يقْضِي عَلَيْكُم ... وَرِجَال النخيل والآطام)
(يُوشك الْخَيل ان ترَاهَا تهادى ... تقتل الْقَوْم فِي الْبِلَاد الْعِظَام)
(هَل كريم مِنْكُم لَهُ نفس حر ... مَا جد الْوَالِدين والأعمام)
(ضَارب ضَرْبَة تكون نكالا ... ورواحا من كربَة واغتمام)
فَأصْبح هَذَا الحَدِيث قد شاع بِمَكَّة وَأصْبح الْمُشْركُونَ يتناشدونه بَينهم وهموا بِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا شَيْطَان يكلم النَّاس فِي الْأَوْثَان يُقَال لَهُ مسعر وَالله يخزيه فَمَكَثُوا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِذا هَاتِف على الْجَبَل يَقُول
(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)
(وسفه الْحق وَسن المنكرا ... قنعته سَيْفا جروفا مبترا)
(بشتمه نَبينَا المطهر ... )

(1/175)


فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِكُم عفريت من الْجِنّ يُقَال لَهُ سمحج سميته عبد الله آمن بِي فَأَخْبرنِي انه فِي طلبه مُنْذُ أَيَّام
وَأخرج الفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَامر بن ربيعَة قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فِي بَدْء الاسلام إِذْ هتف هَاتِف على بعض جبال مَكَّة فحرض على الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا شَيْطَان وَلم يعلن شَيْطَان بتحريض على نَبِي إِلَّا قَتله الله تَعَالَى فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَتله الله تَعَالَى بيد رجل من عفاريت الْجِنّ يدعى سمحجا وَقد سميته عبد الله فَلَمَّا أمسينا سَمِعت هاتفا بذلك الْمَكَان يَقُول
(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)
(وَصغر الْحق وَسن المنكرا ... بشتمه نَبينَا المطهرا)
وَأخرج ابو نعيم والفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لما ظهر امْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ رجل من الْجِنّ على أبي قبيس يُقَال لَهُ مسعر فَقَالَ قبح الله رَأْي كَعْب بن فهر الأبيات وأصبحت قُرَيْش تَقول توانيتم حَتَّى حرضتكم الْجِنّ فَلَمَّا كَانَت الْقَابِلَة قَامَ فِي مقَامه رجل من الْجِنّ يُقَال لَهُ سمحج فَقَالَ
(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)
(بشتمه نَبينَا المطهرا ... اوردته سَيْفا جروفا مبترا)
(إِنَّا نذود من أَرَادَ البطرا ... )
وَأخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى عَن جندل بن نَضْلَة انه اتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَانَ لي صَاحب من الْجِنّ فَأَتَانِي فدهمني وَقَالَ

(1/176)


(هَب فقد لَاحَ سراج الدّين ... لصَادِق مهذب أَمِين)
(فارحل على نَاجِية أمون ... تمشي على الصحصح والحزون)
فانتبهت مذعورا فَقلت مَاذَا قَالَ وساطح الأَرْض وفارض الْفَرْض لقد بعث مُحَمَّد فِي الطول وَالْعرض نَشأ فِي الحرمات الْعِظَام وَهَاجَر إِلَى طيبَة الأمينة فسرت فَإِذا انا بهاتف يَقُول
(يَا أَيهَا الرَّاكِب المزجى مطيته ... نَحْو الرَّسُول لقد وفقت للرشد)
وَأخرج ابْن الْكَلْبِيّ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ كَانَ لي عسيف من كلب يُقَال لَهُ حَابِس بن دغنة فَبينا انا ذَات يَوْم بفنائي إِذا انا بِهِ مروع الْفُؤَاد فَقَالَ دُونك إبلك قلت مَا هاجك قَالَ بَينا انا بالوادي إِذا بشيخ من شعب جبل تجاهي كَانَ رَأسه رخمة فانحدر عَمَّا تزلى عَنهُ الْعقَاب وَهُوَ مترسل غير منزعج حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قدماه فِي الحضيض وانا اعظم مَا أرى فَقَالَ
(يَا حَابِس بن دغنة يَا حَابِس ... لَا تعرضن إِلَيْك الوساوس)
(هَذَا سنا النُّور بكف القابس ... فاجنح إِلَى الْحق وَلَا توالس)
قَالَ ثمَّ غَابَ فروحت ابلي وسرحتها إِلَى غير ذَلِك الْوَادي ثمَّ اضطجعت فَإِذا رَاكب قد ركضني فَاسْتَيْقَظت فاذا هُوَ صَاحِبي وَهُوَ يَقُول
(يَا حَابِس اسْمَع مَا أَقُول ترشد ... لَيْسَ ضلول حائر كمهتدي)
(لَا تتركن نهج الطَّرِيق الأقصد ... قد نسخ الدّين بدين أَحْمد)
قَالَ فَأُغْمِيَ عَليّ ثمَّ افقت بعد زمن وَقد امتحن الله قلبِي لِلْإِسْلَامِ
واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ قَالَ خرجت حَاجا فَرَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا بِمَكَّة نورا ساطعا من الْكَعْبَة حَتَّى اضاء لي جبل يثرب فَسمِعت صَوتا فِي

(1/177)


النُّور وَهُوَ يَقُول انقشعت الظلماء وسطع الضياء وَبعث خَاتم الْأَنْبِيَاء ثمَّ أَضَاء إضاءة أُخْرَى حَتَّى نظرت إِلَى قُصُور الْحيرَة وأبيض الْمَدَائِن فَسمِعت صَوتا فِي النُّور وَهُوَ يَقُول ظهر الاسلام وَكسرت الاصنام ووصلت الْأَرْحَام فانتبهت فَزعًا فَقلت لقومي وَالله ليحدثن فِي هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش حدث وَأَخْبَرتهمْ بِمَا رَأَيْت فَلَمَّا انتهينا إِلَى بِلَادنَا جَاءَنَا ان رجلا يُقَال لَهُ أَحْمد قد بعث فَأَتَيْته فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت ثمَّ أسلمت وَقلت يَا رَسُول الله ابْعَثْ بِي إِلَى قومِي فَبَعَثَنِي إِلَيْهِم فدعوتهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَجَابُوا إِلَّا رجلا مِنْهُم قَامَ فَقَالَ يَا عَمْرو بن مرّة أَمر الله عيشك أَتَأْمُرُنَا ان نرفض آلِهَتنَا وتخالف دين آبَائِنَا ثمَّ قَالَ
(إِن ابْن مرّة قد أَتَى بمقالة ... لَيست مقَالَة من يُرِيد صلاحا)
(إِنِّي لأحسب قَوْله وفعاله ... يَوْمًا وَإِن طَال الزَّمَان رياحا)
(أيسفه الاشياخ مِمَّن قد مضى ... من رام ذَلِك لَا أصَاب فلاحا)
فَقَالَ عَمْرو بن مرّة الكادب مني ومنك أَمر الله عيشه وأبكم لِسَانه وأكمه بَصَره فوَاللَّه مَا مَاتَ حَتَّى سقط فوه فَكَانَ لَا يجد طعم الطَّعَام وَعمي وخرس
واخرج ابو نعيم والخرائطي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن خَرَّبُوذ الْمَكِّيّ عَن رجل من خثعم قَالَ كَانَت الْعَرَب لَا تحرم حَلَالا وَلَا تحل حَرَامًا كَانُوا يعْبدُونَ الْأَوْثَان ويتحاكمون اليها فَبينا نَحن ذَات لَيْلَة عِنْد وثن لنا جُلُوس وَقد تقاضينا إِلَيْهِ فِي شَيْء إِذْ هتف هَاتِف وَهُوَ يَقُول
(يَا ايها النَّاس ذَوُو الاجسام ... ومسندوا الحكم إِلَى الاصنام)
(مَا انتم وطائش الاحلام ... هَذَا نَبِي سيد الْأَنَام)
(أعدل ذِي حكم من الْحُكَّام ... يصدع بِالنورِ وَبِالْإِسْلَامِ)
(ويردع النَّاس عَن الآثام ... مستعلن فِي الْبَلَد الْحَرَام)
قَالَ ففزعنا وتفرقنا من عِنْده وَصَارَ ذَلِك الشّعْر حَدِيثا حَتَّى بلغنَا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة ثمَّ قدم الْمَدِينَة فَجئْت فَأسْلمت

(1/178)


وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد صنم ببوانة قبل أَن يبْعَث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَهْر نحرنا جزورا فَإِذا صائح يَصِيح من جَوف الصَّنَم يَقُول الا اسمعوا إِلَى الْعجب ذهب استراق السّمع للوحي ويرمى بِالشُّهُبِ لنَبِيّ بِمَكَّة إسمه أَحْمد مهاجره إِلَى يثرب قَالَ جُبَير فأمسكنا وعجبنا وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابو نعيم عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ كنت بِالشَّام حِين بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت إِلَى بعض حَاجَتي وأدركني اللَّيْل فَقلت انا فِي جوَار عَظِيم هَذَا الْوَادي فَلَمَّا اخذت مضجعي إِذا انا بمناد يُنَادي لَا أرَاهُ عذبا لله فَإِن الْجِنّ لَا تجير على الله أحدا فَقلت أيم الله مَا تَقول قَالَ قد خرج الرَّسُول الْأمين رَسُول الله وصلينا خَلفه بالحجون فأسلمنا واتبعناه وَذهب كيد الْجِنّ ورميت بِالشُّهُبِ فَانْطَلق إِلَى مُحَمَّد رَسُول رب الْعَالمين فَأسلم قَالَ تَمِيم فَلَمَّا اصبحت ذهبت إِلَى رَاهِب فَأَخْبَرته الْخَبَر فَقَالَ قد صدقوك يخرج من الْحرم وَمُهَاجره الْحرم وَهُوَ خير الْأَنْبِيَاء فَلَا تسبق إِلَيْهِ
واخرج ابو نعيم عَن خويلد الضمرِي قَالَ كُنَّا عِنْد صنم جُلُوسًا إِذْ سمعنَا من جَوْفه صائحا يَصِيح ذهب استراق السّمع للوحي وَرمي بِالشُّهُبِ لنَبِيّ بِمَكَّة اسْمه احْمَد وَمُهَاجره إِلَى يثرب يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالْبر والصلات للارحام فقمنا من عِنْد الصَّنَم فسالنا فَقَالُوا خرج بِمَكَّة نَبِي إسمه أَحْمد
وَأخرج ابو نعيم وَابْن جرير والمعافي بن زَكَرِيَّا وَابْن الطراح فِي كتاب الشواعر بأسانيدهم عَن الْعَبَّاس بن مرداس قَالَ كَانَ اول إسلامي ان ابي لما حَضرته الْوَفَاة أَوْصَانِي بصنم يُقَال لَهُ ضمار فَجَعَلته فِي بَيت وَجعلت آتيه كل يَوْم فَلَمَّا ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعت صَوتا من جَوف الصَّنَم بِاللَّيْلِ وَهُوَ يَقُول
(قل للقبائل من سليم كلهَا ... هلك الأنيس وعاش أهل الْمَسْجِد)
(أودى ضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الْكتاب إِلَى النَّبِي مُحَمَّد)
(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)

(1/179)


قَالَ فكتمته النَّاس فَلم احدث بِهِ احدا فَلَمَّا رَجَعَ النَّاس من غَزْوَة الاحزاب فَبينا انا فِي إبلي بِطرف العقيق من ذَات عرق سَمِعت صَوتا شَدِيدا فَرفعت رَأْسِي فَإِذا بِرَجُل على جناحي نعَامَة وَهُوَ يَقُول النُّور الَّذِي وَقع يَوْم الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَة الثُّلَاثَاء مَعَ صَاحب النَّاقة العضباء فِي ديار بني اخي العنقاء فَأَجَابَهُ هَاتِف عَن شِمَاله لَا أبصره فَقَالَ
(بشر الْجِنّ وأبلاسها ... ان وضعت الْمطِي أحلاسها)
(وبينت السَّمَاء احراسها ... )
قَالَ فَوَثَبت مذعورا وَعلمت أَن مُحَمَّدًا مُرْسل
وَأخرج الخرائطي وَالطَّبَرَانِيّ وابو نعيم من وَجه آخر عَن الْعَبَّاس بن مرداس انه كَانَ يغبر فِي لقاح لَهُ نصف النَّهَار إِذْ طلعت عَلَيْهِ نعَامَة بَيْضَاء مثل الْقطن عَلَيْهَا رَاكب عَلَيْهِ ثِيَاب بيض مثل الْقطن فَقَالَ يَا عَبَّاس بن مرداس
(ألم تَرَ ان السَّمَاء قد حفت أحراسها ... وَأَن الْحَرْب جرعت أنفاسها)
(وَأَن الْخَيل وضعت احلاسها ... )
وان الَّذِي جَاءَ بِالْبرِّ ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء صَاحب النَّاقة الْقَصْوَاء فَخرجت مَرْعُوبًا حَتَّى جِئْت وثنا يدعى ضمارا فَإِذا صائح من جَوْفه يَصِيح قل للقبائل الأبيات
وَأخرج أَبُو نعيم من وَجه ثَالِث عَن الْعَبَّاس بن مرداس قَالَ بَينا أَنا نصف النَّهَار جَالس فِي فَيْء شَجَرَة إِذْ طلعت عَليّ نعَامَة بَيْضَاء عَلَيْهَا رجل أَبيض عَلَيْهِ ثِيَاب بَيَاض فَقَالَ
(عَبَّاس يَا عباسها ... يَا ابْن قيل مرداسها)

(1/180)


(ألم تَرَ إِلَى الْجِنّ وأبلاسها ... وَالْحَرب قد جرعت انفاسها)
(وان السَّمَاء منعت احراسها ... )
فَانْصَرَفت فَلم أزل اسْأَل حَتَّى قدم عَليّ ابْن عَم لي فَأَخْبرنِي ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الله مسخفيا
وَأخرج ابْن سعد وابو نعيم عَن سعيد بن عَمْرو الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ ذبحت ذَبِيحَة على الصَّنَم فَسمِعت من جَوْفه صَوتا الْعجب كل الْعجب خرج نَبِي من بني عبد الْمطلب يحرم الزِّنَا وَيحرم الذّبْح للأصنام وحرست السَّمَاء ورمينا بِالشُّهُبِ فتفرقنا فقدمنا مَكَّة فَلم نجد أحدا يخبرنا بِخُرُوج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَقينَا أَبَا بكر الصّديق فَقُلْنَا يَا أَبَا بكر خرج بِمَكَّة اُحْدُ يَدْعُو إِلَى الله تَعَالَى يُقَال لَهُ أَحْمد قَالَ وَمَا ذَاك فَأَخْبَرته الْخَبَر قَالَ نعم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب وَهُوَ رَسُول الله
وَأَخْرَجَا من وَجه آخر عَن عبد الله بن سَاعِدَة الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ كنت عِنْد صنم لنا فَسمِعت مناديا من جَوْفه يُنَادي قد ذهب كيد الْجِنّ ورمينا بِالشُّهُبِ لنَبِيّ اسْمه احْمَد فَانْصَرَفت فَلَقِيت رجلا فخبرني بِظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مندة عَن بكر بن جبلة قَالَ كَانَ لنا صنم فعثرنا عِنْده فَسمِعت صَوتا يَقُول يَا بكر بن جبلة تعرفُون مُحَمَّدًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس ان رجلا قَالَ يَا رَسُول الله خرجت فِي الْجَاهِلِيَّة اطلب بَعِيرًا لي شرد فَهَتَفَ بِي هَاتِف فِي الصُّبْح يَقُول
(يَا ايها الراقد فِي اللَّيْل الأجم ... قد بعث الله نَبيا فِي الْحرم)
(من هَاشم أهل الْوَفَاء وَالْكَرم ... يجلود جنَّات الدياجي وَالظُّلم)
فأدرت طرفِي فَمَا رَأَيْت لَهُ شخصا فَقلت
(يَا ايها الْهَاتِف فِي داجي الظُّلم ... أَهلا وسهلا بك من طيف ألم)
(بَين هداك الله فِي لحن الْكَلم ... مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يغتنم)

(1/181)


فَإِذا أَنا بنحنحة وَقَائِل يَقُول ظهر النُّور وَبَطل الزُّور وَبعث الله مُحَمَّد بالخيور ثمَّ انشأ يَقُول
(الْحَمد لله الَّذِي ... لم يخلق الْخلق عَبث)
(أرسل فِينَا أحمدا ... خير نَبِي قد بعث)
(صلى عَلَيْهِ الله مَا ... حج لَهُ ركب وحث)
ثمَّ لَاحَ الصَّباح فَوجدت الْبَعِير
واخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى عَن الْجَعْد بن قيس الْمرَادِي قَالَ خرجنَا أَرْبَعَة أنفس نُرِيد الْحَج فِي الْجَاهِلِيَّة فمررنا بواد من أَوديَة الْيمن فَلَمَّا اقبل اللَّيْل استعذنا بعظيم الْوَادي وعقلنا رواحلنا فَلَمَّا هدأ اللَّيْل ونام أَصْحَابِي إِذا هَاتِف من بعض أرجاء الْوَادي يَقُول
(أَلا أَيهَا الركب المعرس بلغُوا ... إِذا مَا وقفتم بِالْحَطِيمِ وزمزما)
(مُحَمَّد الْمَبْعُوث منا تَحِيَّة ... تشيعه من حَيْثُ سَار ويمما)
(وَقُولُوا لَهُ إِنَّا لدينك شيعَة ... بذلك أوصانا الْمَسِيح بن مريما)
وَأخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى بِسَنَد ضَعِيف ان جندع بن الصميل أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ يَا جندع بن صميل اسْم تسلم وتغنم من حر نَار تضرم فَقَالَ مَا الاسلام قَالَ البرأة من الْأَصْنَام والاخلاص للْملك العلام قَالَ كَيفَ السَّبِيل إِلَيْهِ قَالَ إِنَّه قد اقْترب ظُهُور ناجم من الْعَرَب كريم النّسَب غير خامل النّسَب يطلع من الْحرم تدين لَهُ الْعَرَب والعجم فَأخْبر بذلك ابْن عَمه رَافع بن خِدَاش فَلَمَّا بلغه مهَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة جَاءَ فَأسلم

(1/182)


بَاب تنكس الاصنام عِنْد بعثته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا جرى على كسْرَى

اخْرُج ابْن اسحاق وَأَبُو نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ لما بعث الله تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح كسْرَى وَقد انقصم طاق ملكه وانخرقت عَلَيْهِ دجلة فَلَمَّا رأى ذَلِك أحزنه وَقَالَ قد انقصمت طاق ملكي من غير ثقل وانخرقت عَليّ دجلة انْكَسَرَ الْملك ثمَّ دَعَا الكهنة والمنجمين والسحرة فَقَالَ انْظُرُوا فِي هَذَا الامر فنظروا فَأخذ عَلَيْهِم بأقطار السَّمَاء وأظلمت الأَرْض ولكعوا فِي علمهمْ فَلَا يمْضِي لساحر سحره وَلَا لِكَاهِنٍ كهانته وَلَا لمنجم نجومه وَبَات السَّائِب فِي لَيْلَة ظلماء على ربوة من الارض يرمق برقا نَشأ من قبل الْحجاز ثمَّ استطار حَتَّى بلغ الْمشرق فَلَمَّا أصبح ذهب ينظر إِلَى مَا تَحت قَدَمَيْهِ فَإِذا رَوْضَة خضراء فَقَالَ فِيمَا يعتاف لَئِن صدق مَا أرى ليخرجن من الْحجاز سُلْطَان يبلغ الْمشرق تخصب عَنهُ الأَرْض كأفضل مَا اخصبت عَن ملك كَانَ قبله فَلَمَّا خلص الْكُهَّان والمنجمون بَعضهم إِلَى بعض قَالَ بَعضهم لبَعض تعلمُونَ وَالله مَا حيل بَيْنكُم وَبَين علمكُم إِلَّا لأمر جَاءَ من السَّمَاء وانه لنَبِيّ قد بعث يسلب هَذَا الْملك ويكسره
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ دخلت مَدَائِن كسْرَى عَام ثَمَانِينَ فَنَظَرت إِلَى بِنَاء كسْرَى فعجبت وَأَخْبرنِي شيخ لَهُم قَالَ إِن كسْرَى اول مَا انكر من امْرَهْ انه اصبح فِي اللَّيْلَة الَّتِي اوحي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودجلته قد انثلمت عَلَيْهِ وطاق ملكه قد انصدع فَذكر نَحوه
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ لما بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصبح كل صنم مُنَكسًا فَأَتَت الشَّيَاطِين إِبْلِيس فأخبروه فَقَالَ هَذَا نَبِي قد بعث فالتمسوه فَقَالُوا لم نجده فَقَالَ أَنا صَاحبه فَخرج يلْتَمس فَوَجَدَهُ بِمَكَّة فَخرج إِلَى الشَّيَاطِين فَقَالَ قد وجدته مَعَه جبرئيل
وَأخرج ابو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ رن إِبْلِيس ارْبَعْ مَرَّات حِين لعن وَحين أهبط وَحين بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحين انزلت الْحَمد لله رب الْعَالمين

(1/183)


بَاب حراسة السَّمَاء من استراق السّمع بالمبعث الشريف

قَالَ تَعَالَى فِيمَا أخبر عَن الْجِنّ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا}
وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الشَّيَاطِين كَانُوا يصعدون إِلَى السَّمَاء فيستمعون الْكَلِمَة من الْوَحْي فيهبطون إِلَى الأَرْض فيزيدون عَلَيْهَا فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمنعوا تِلْكَ المقاعد فَذكرُوا ذَلِك لإبليس فَقَالَ لقد حدث فِي الأَرْض حدث فبعثهم فوجدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ الْقُرْآن قَالُوا هَذَا وَالله الْحَدث وانهم ليرمون فَإِذا توارى النَّجْم عَنْكُم فقد أدْركهُ لَا يُخطئ أبدا وَلكنه لَا يقْتله يحرق وَجهه وجنبه وَيَده
واخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ لكل قبيل من الْجِنّ مقْعد من السَّمَاء يَسْتَمِعُون مِنْهُ الْوَحْي فيخبرون بِهِ الكهنة فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحروا فَقَالَت الْعَرَب حِين لم يُخْبِرهُمْ الْجِنّ هلك من فِي السَّمَاء فَجعل صَاحب الْإِبِل ينْحَر كل يَوْم بَعِيرًا وَصَاحب الْبَقر ينْحَر بقرة وَصَاحب الْغنم ينْحَر شَاة وَقَالَ إِبْلِيس لقد حدث فِي الأَرْض فآتوني من تربة كل أَرض فَأتوهُ بهَا فَجعل يشمها فَلَمَّا شم تربة مَكَّة قَالَ من هَا هُنَا جَاءَ الْحَدث فنصوا فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لم تكن سَمَاء الدُّنْيَا تحرس فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مِنْهَا مقاعد للسمع فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء حرسا شَدِيدا ورجمت الشَّيَاطِين

(1/184)


وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر وَقَالَ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي تنبأ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت الشَّيَاطِين السَّمَاء ورموا بِالشُّهُبِ فَذكرُوا لإبليس فَقَالَ بعث نَبِي عَلَيْكُم بِالْأَرْضِ المقدسة فَذَهَبُوا ثمَّ رجعُوا فَقَالُوا لَيْسَ بهَا اُحْدُ فَخرج إِبْلِيس فِي طلبه بِمَكَّة فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحراء منحدرا مَعَه جبرئيل فَرجع إِلَى اصحابه فَقَالَ قد بعث احْمَد وَمَعَهُ جبرئيل
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي بن كَعْب قَالَ لم يرم نجم مُنْذُ رفع عِيسَى حَتَّى تنبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمي بهَا فرأت قريس أمرا لم تكن ترَاهُ فَجعلُوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون انه الفناء ثمَّ فعلت ثَقِيف مثل ذَلِك فَبلغ عبد ياليل فَقَالَ لَا تعجلوا وانظروا فان تكن نجوما تعرف فَهُوَ عِنْد فنَاء من النَّاس وَإِن كَانَت نجوما لَا تعرف فَهُوَ عِنْد أَمر قد حدث فنظروا فَإِذا هِيَ لَا تعرف فأخبروه فَقَالَ هَذَا عِنْد ظُهُور نَبِي فَمَا مَكَثُوا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قدم الطَّائِف أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فَقَالَ ظهر مُحَمَّد بن عبد الله يَدعِي انه نَبِي مُرْسل قَالَ عبد ياليل فَعِنْدَ ذَلِك رمي بهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَت النُّجُوم لَا يرْمى بهَا حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرمي بهَا فسيبوا أنعامهم وأعتقوا رقيقهم فَقَالَ عبد يَا ليل انْظُرُوا وَذكر مثله
واخرج ابْن سعد عَن يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن أخنس قَالَ إِن اول الْعَرَب فزع لرمي النُّجُوم ثَقِيف فَأتوا عَمْرو بن أُميَّة فَقَالُوا الم تَرَ إِلَى مَا حدث قَالَ بلَى فانظروا فَإِن كَانَت معالم النُّجُوم الَّتِي يَهْتَدِي بهَا وَيعرف بهَا أنواء الصَّيف والشتاء انتثرت فَهُوَ طي الدُّنْيَا وَذَهَاب هَذَا الْخلق وَإِن كَانَت نجوما غَيرهَا فَأمر أَرَادَ الله وَنَبِي يبْعَث فِي الْعَرَب فقد تحدث بذلك
وَأخرج الخرائطي فِي الهواتف وَابْن عَسَاكِر عَن مرداس بن قيس الدوسي قَالَ حضرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ذكرت عِنْده الكهانة وَمَا كَانَ من تغييرها عِنْد مخرجه فَقلت يَا رَسُول الله قد كَانَ عندنَا من ذَلِك شَيْء أخْبرك ان جَارِيَة منا يُقَال لَهَا خلصة لم

(1/185)


نعلم عَلَيْهَا إِلَّا خيرا إِذْ جاءتنا فَقَالَت يَا معشر دوس هَل علمْتُم عَليّ إِلَّا خيرا قُلْنَا وَمَا ذَاك قَالَت اني لفي غنمي إِذْ عشيتني ظلمَة وَوجدت كحس الرجل مَعَ الْمَرْأَة فقد خشيت ان اكون قد حبلت حَتَّى إِذا ادنت وِلَادَتهَا وضعت غُلَاما أغضف لَهُ أذنان كاذني الْكَلْب فَمَكثَ فِينَا حَتَّى انه ليلعب مَعَ الغلمان إِذْ وثب وثبة وَألقى إزَاره وَصَاح بِأَعْلَى صَوته يَا ويله يَا ويله الْخَيل وَالله وَرَاء الْعقبَة فِيهِنَّ فتيَان حسان نجبة فَرَكبْنَا فوجدناهم فهزمناهم وغنمناهم وَكَانَ لَا يَقُول لنا شَيْئا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُول حَتَّى إِذا كَانَ مبعثك يَا رَسُول الله صَار يخبرنا بِشَيْء فيكذب فَقُلْنَا لَهُ وَيلك مَاذَا قَالَ مَا ادري كَذبَنِي الَّذِي كَانَ يصدقني أسجنوني فِي بَيْتِي ثَلَاثًا ثمَّ ائْتُونِي فَفَعَلْنَا بِهِ ذَلِك ثمَّ أَتَيْنَا بعد ثَلَاثَة ففتحنا عَنهُ فاذا هُوَ كَأَنَّهُ جَمْرَة نَار فَقَالَ يَا معشر دوس حرست السَّمَاء وَخرج خير الْأَنْبِيَاء قُلْنَا أَيْن قَالَ بِمَكَّة وَأَنا ميت فادفنوني فِي راس جبل فَإِنِّي سَوف اضطرم نَارا فَإِذا رَأَيْتُمْ اضطرامي فاقذفوني بِثَلَاثَة أَحْجَار قُولُوا مَعَ كل حجر بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَإِنِّي اهدأ واطفئ فَفَعَلْنَا ذَلِك وأقمنا حَتَّى قدم علينا الْحَاج فأخبرونا بمبعثك يَا رَسُول الله
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ الْوَحْي يستمع فَلَمَّا كَانَ الاسلام منعُوا وَكَانَت امْرَأَة من بني اسد يُقَال لَهَا سعيرة لَهَا تَابع من الْجِنّ فَلَمَّا رأى الْوَحْي لَا يُسْتَطَاع أَتَاهَا فَدخل فِي صدرها وَجعل يَصِيح وضع العناق وَرفع الرقَاق وَجَاء امْر لَا يُطَاق احْمَد حرم الزِّنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِن الله حجب الشَّيَاطِين عَن السّمع بِهَذِهِ النُّجُوم فَانْقَطَعت الكهنة فَلَا كهنة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن نَافِع بن جُبَير قَالَ كَانَت الشَّيَاطِين فِي الفترة تسمع فَلَا ترمى فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رميت بِالشُّهُبِ

(1/186)


وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت الشَّيَاطِين يَسْتَمِعُون الْوَحْي فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعُوا فشكوا ذَلِك إِلَى ابليس فَقَالَ لقد حدث امْر فرقي فَوق أبي قبيس فَرَأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي خلف الْمقَام فَقَالَ اذْهَبْ فاكسر عُنُقه فجَاء وجبرئيل عِنْده فركضه جبرئيل ركضة طَرحه فِي كَذَا وَكَذَا وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْحجَّاج الصَّواف عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس قَالَ لما بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتاه ابليس يكيده فانقض عَلَيْهِ جبرئيل فَدفعهُ بمنكبه فَأَلْقَاهُ بوادي الْأُرْدُن
وَأخرج ابو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وابو نعيم من طَرِيق عُثْمَان ابْن مطر عَن ثَابت عَن انس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ سَاجِدا بِمَكَّة فجَاء ابليس فَأَرَادَ ان يطَأ عُنُقه فنفحه جبرئيل نفحة فَمَا اسْتَقَرَّتْ قدماه حَتَّى بلغ الْأُرْدُن
بَاب اعجاز الْقُرْآن واعتراف مُشْركي قُرَيْش باعجازه وانه لَا يشبه شَيْئا من كَلَام الْبشر وَمن اسْلَمْ لذَلِك

قَالَ الله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله وَادعوا شهداءكم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} وَقَالَ تَعَالَى {فليأتوا بِحَدِيث مثله إِن كَانُوا صَادِقين}

(1/187)


وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من الانبياء نَبِي إِلَّا اعطي مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إِلَيّ فأرجو ان أكون اكثرهم تَابعا
قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ ان معجزات الْأَنْبِيَاء انقضرت بانقراض إعصارهم فَلم يشاهدها إِلَّا من حضرها ومعجزة الْقُرْآن مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وخرقه الْعَادة فِي أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات فَلَا يمر عصر من الْأَعْصَار إِلَّا وَيظْهر فِيهِ شَيْء مِمَّا اخبر انه سَيكون يدل على صِحَة دَعْوَاهُ وَقيل الْمَعْنى ان المعجزات الْمَاضِيَة كَانَت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صَالح وعصا مُوسَى ومعجزة الْقُرْآن تشاهد بالبصيرة فَيكون من يتبعهُ لأَجلهَا أَكثر لِأَن الَّذين يُشَاهد بِعَين الرَّأْس ينقرض بانقراض مشاهده وَالَّذِي يُشَاهد بِعَين الْعقل بَاقٍ يُشَاهِدهُ كل منم جَاءَ بعد الأول مستمرا
قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَيُمكن نظم الْقَوْلَيْنِ فِي كَلَام وَاحِد فَإِن محصلهما لَا ينافى بعضه بَعْضًا
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ رق لَهُ فَبلغ ذَلِك أَبَا جهل فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا عَم إِن قَوْمك يُرِيدُونَ ان يجمعوا لَك مَالا قَالَ لم قَالَ ليعطوكه فانك أتيت مُحَمَّدًا تتعرض لما قبله قَالَ قد علمت قُرَيْش أَنِّي من أَكْثَرهَا مَالا قَالَ فَقل فِيهِ قولا يبلغ قَوْمك إِنَّك مُنكر لَهُ أَو إِنَّك كَارِه لَهُ قَالَ وماذا أَقُول فوَاللَّه مَا فِيكُم رجل أعلم بالأشعار مني وَلَا اعْلَم برجزه وَلَا بقصيده مني وَلَا بأشعار الْجِنّ وَالله مَا يشبه الَّذِي يَقُول شَيْئا من هَذَا وَوَاللَّه ان لقَوْله الَّذِي يَقُول حلاوة وان عَلَيْهِ لطلاوة وانه لمثمر أَعْلَاهُ مغدق اسفله وَأَنه ليعلو وَمَا يعلى وانه ليحطم مَا تَحْتَهُ قَالَ لَا يرضى عَنْك قَوْمك حَتَّى تَقول فِيهِ قَالَ فَدَعْنِي حَتَّى أفكر فِيهِ فَلَمَّا فكر قَالَ هَذَا سحر يُؤثر يؤثره من غَيره فَنزلت {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا}
واخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة اَوْ سعيد عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد ابْن الْمُغيرَة اجْتمع وَنَفر من قُرَيْش وَكَانَ ذَا سنّ فيهم وَقد حضر الْمَوْسِم فَقَالَ إِن

(1/188)


وُفُود الْعَرَب ستقدم عَلَيْكُم فِيهِ وَقد سمعُوا بِأَمْر صَاحبكُم هَذَا فاجمعوا فِيهِ رَأيا وَاحِدًا وَلَا تختلفوا فيكذب بَعْضكُم بَعْضًا وَيرد قَول بَعْضكُم بَعْضًا فَقَالُوا فَأَنت يَا أَبَا عبد شمس فَقل وأقم لنا رَأيا نقوم بِهِ فَقَالَ بل أَنْتُم فَقولُوا لأسْمع فَقَالُوا نقُول كَاهِن فَقَالَ مَا هُوَ بكاهن لقد رَأَيْت الْكُهَّان فَمَا هُوَ بزمزمة الكاهن وسحره فَقَالُوا نقُول مَجْنُون فَقَالَ وَمَا هُوَ بمجنون وَلَقَد رَأينَا الْجُنُون وعرفناه فَمَا هُوَ بخنقه وَلَا تخالجه وَلَا وسوسته قَالَ فَنَقُول شَاعِر قَالَ فَمَا هُوَ بشاعر قد عرفنَا الشّعْر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فَمَا هُوَ بالشعر قَالَ فَنَقُول سَاحر قَالَ فَمَا هُوَ سَاحر قد رَأينَا السحار وسحرهم فَمَا هُوَ بنفثه وَلَا عقده فَقَالُوا مَا تَقول با ابا عبد شمس قَالَ وَالله ان لقَوْله لحلاوة وان أَصله لمعذق وَأَن فَرعه لجنى فَمَا أَنْتُم بقائلين من هَذَا شَيْئا إِلَّا عرف أَنه بَاطِل وَأَن أقرب القَوْل لِأَن تَقولُوا سَاحر فتقولوا هَذَا سَاحر يفرق بَين الْمَرْء وَبَين أَبِيه وَبَين الْمَرْء وَبَين أَخِيه وَبَين الْمَرْء وَبَين زَوجته وَبَين الْمَرْء وعشيرته فَتَفَرَّقُوا عِنْد ذَلِك فَجعلُوا يَجْلِسُونَ للنَّاس حِين قدمُوا الْمَوْسِم لَا يمر بهم أحد إِلَّا حذروه إِيَّاه وَذكروا لَهُم أمره فَأنْزل الله عز وَجل فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَذَلِكَ من قَوْله {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا} إِلَى قَوْله {سأصليه سقر} وَانْزِلْ الله عز وَجل فِي النَّفر الَّذين كَانُوا مَعَه ويصفون لَهُ القَوْل فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} أَي أصنافا {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ} أُولَئِكَ النَّفر الَّذين يَقُولُونَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن لقوا من النَّاس قَالَ وصدرت الْعَرَب من ذَلِك الْمَوْسِم بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانتشر ذكره فِي بِلَاد الْعَرَب كلهَا
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أقبل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة على أبي بكر يسْأَله عَن الْقُرْآن فَلَمَّا أخبرهُ خرج على قُرَيْش فَقَالَ يَا عجبا لما يَقُول ابْن أبي كَبْشَة فوَاللَّه مَا هُوَ بِشعر وَلَا سحر وَلَا بهذاء مثل الْجُنُون وان قَوْله لمن كَلَام الله
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس ان الْوَلِيد قَالَ لِقَوْمِهِ ان النَّاس مجتمعون غَدا فِي الْمَوْسِم وَقد فَشَا قَول هَذَا

(1/189)


الرجل فِي النَّاس وهم سائلوكم عَنهُ غَدا فَمَاذَا تردون عَلَيْهِم قَالُوا نقُول مَجْنُون مختنق قَالَ يأتونه فيكلمونه فيجدونه فصيحا عَاقِلا فيكذبونكم قَالُوا نقُول شَاعِر قَالَ هم الْعَرَب وَقد رووا الشّعْر وَقَوله لَيْسَ بنشيد الشّعْر فيكذبوكم قَالُوا نقُول كَاهِن يخبرنا بِمَا فِي غَد قَالَ انهم لقوا الْكُهَّان فاذا سمعُوا قَوْله فَلم يجدوه يشبه الكهانة فيكذبونكم
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَامَ النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّه وَالله لقد نزل بكم أَمر مَا ابتليتم بِمثلِهِ لقد كَانَ مُحَمَّد فِيكُم غُلَاما حَدثا أرضاكم فِيكُم وأصدقكم حَدِيثا وأعظمكم أَمَانَة حَتَّى اذا رَأَيْتُمْ فِي صدغيه الشيب وَجَاءَكُم بِمَا جَاءَكُم قُلْتُمْ سَاحر لَا وَالله مَا هُوَ بساحر قد رَأينَا السَّحَرَة ونفثهم وعقدهم وقلتم كَاهِن لَا وَالله مَا هُوَ بكاهن قد رَأينَا الكهنة وحالهم وَسَمعنَا سجعهم وقلتم شَاعِر لَا وَالله مَا هُوَ بشاعر لقد روينَا الشّعْر وَسَمعنَا اصنافه كلهَا هزجه ورجزه وقلتم مَجْنُون لَا وَالله مَا هُوَ بمجنون لقد رَأينَا الْجُنُون فَمَا هُوَ بجنقه وَلَا وسوسته وَلَا تخليطه يَا معشر قُرَيْش انْظُرُوا فِي شَأْنكُمْ فَإِنَّهُ وَالله لقد نزل بكم أَمر عَظِيم
وَأخرج ابْن ابي شيبَة فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ ابو جهل وَالْمَلَأ من قُرَيْش لقد انْتَشَر علينا أَمر مُحَمَّد فَلَو الْتَمَسْتُمْ رجلا عَالما بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر فَكَلمهُ ثمَّ أَتَانَا بِبَيَان من أمره فَقَالَ عتبَة لقد سَمِعت قَول السحر وَالْكهَانَة وَالشعر وَعلمت من ذَلِك علما وَمَا يخفى عَليّ إِن كَانَ كَذَلِك فَأَتَاهُ فَلَمَّا اتاه قَالَ عتبَة يَا مُحَمَّد أَنْت خير ام هَاشم أَنْت خير ام عبد الْمطلب انت خير ام عبد الله فَلم يجبهُ قَالَ فَبِمَ تَشْتُم آلِهَتنَا وتضلل أباءنا فَإِن كنت إِنَّمَا بك الرِّئَاسَة عَقدنَا ألويتنا لَك فَكنت رَأْسنَا مَا بقيت وَإِن كَانَ بك الْبَاءَة زَوَّجْنَاك عشر نسْوَة تخْتَار من أَي بَنَات قُرَيْش شِئْت وان كَانَ بك المَال جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا تستعين بهَا أَنْت وَعَقِبك من بعْدك وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاكِت وَلَا يتَكَلَّم فَلَمَّا فرغ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ فَقَرَأَ حَتَّى بلغ فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل

(1/190)


صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأمْسك عتبَة على فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِم ان يكف عَنهُ وَلم يخرج إِلَى أَهله وَاحْتبسَ عَنْهُم فَقَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش وَالله مَا نرى عتبَة إِلَّا قد صَبأ إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبهُ طَعَامه وَمَا ذَاك إِلَّا من حَاجَة أَصَابَته انْطَلقُوا بِنَا اليه فَأتوهُ فَقَالَ ابو جهل وَالله يَا عتبَة مَا حسبناك إِلَّا أَنَّك صبوت إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبَك أمره فَإِن كَانَت بك حَاجَة جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا يُغْنِيك عَن طَعَام مُحَمَّد فَغَضب وَأقسم بِاللَّه لَا يكلم مُحَمَّدًا أبدا قَالَ وَلَقَد علمْتُم اني من اكثر قُرَيْش مَالا وَلَكِنِّي أَتَيْته فَأَجَابَنِي بِشَيْء وَالله مَا هُوَ بِسحر وَلَا شعر وَلَا كهَانَة قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته حَتَّى بلغ فَقل انذرتكم صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود فامسكت بِفِيهِ وَنَاشَدْته الرَّحِم ليكف وَلَقَد علمْتُم ان مُحَمَّدًا اذا قَالَ شَيْئا لم يكذب فَخفت ان ينزل بكم الْعَذَاب
وَأخرج إِبْنِ اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ حدثت ان عتبَة بن ربيعَة قَالَ ذَات يَوْم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد يَا معشر قُرَيْش أَلا أقوم إِلَى هَذَا فأكلمه فَأَعْرض عَلَيْهِ أمورا لَعَلَّه ان يقبل مِنْهَا بَعْضهَا ويكف عَنَّا قَالُوا بلَى يَا أَبَا الْوَلِيد فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث فِيمَا قَالَ لَهُ عتبَة وَفِيمَا عرض عَلَيْهِ من المَال وَالْملك وَغير ذَلِك حَتَّى إِذا فرغ عتبَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ نعم قَالَ فاسمع مني قَالَ فافعل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا فَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقرأها عَلَيْهِ فَلَمَّا سَمعهَا عتبَة انصت لَهَا وَألقى بيدَيْهِ خلف ظَهره مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا يسمع مِنْهُ حَتَّى انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّجْدَة فَسجدَ فِيهَا ثمَّ قَالَ سَمِعت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ سَمِعت قَالَ فَأَنت وَذَاكَ فَقَامَ عتبَة إِلَى اصحابه فَقَالَ بَعضهم لبَعض نحلف بِاللَّه لقد جَاءَكُم أَبُو الْوَلِيد بِغَيْر الْوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِم قَالُوا وَمَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ ورائي إِنِّي وَالله قد سَمِعت قولا مَا سَمِعت بِمثلِهِ قطّ وَالله مَا هُوَ بالشعر وَلَا السحر وَلَا الكهانة يَا معشر قُرَيْش أَطِيعُونِي واجعلوها بِي خلوا بَين هَذَا الرجل وَبَين مَا هُوَ فِيهِ واعتزلوه فوَاللَّه لَيَكُونن لقَوْله الَّذِي سَمِعت نبأ فان تصبه الْعَرَب فقد كفيتموه بغيركم وان يظْهر على

(1/191)


الْعَرَب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد النَّاس بِهِ قَالُوا سحرك وَالله يَا ابا الْوَلِيد بِلِسَانِهِ فَقَالَ هَذَا رَأْيِي لكم فَاصْنَعُوا مَا بدا لكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عتبَة بن ربيعَة {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} أَتَى أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم يَا قوم أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْم واعصوني بعده فوَاللَّه لقد سَمِعت من هَذَا الرجل كلَاما مَا سَمِعت أذناي قطّ كلَاما مثله وَمَا دَريت مَا أرد عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حدثت أَن أَبَا جهل وَأَبا سُفْيَان والأخنس بن شريق خَرجُوا لَيْلَة ليستمعوا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيته وأخد كل رجل مِنْهُم مَجْلِسا ليستمع مِنْهُ وكل لَا يعلم بمَكَان صَاحبه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا أَصْبحُوا وطلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فتلاوموا قَالَ بَعضهم لبَعض لَا تعودوا فَلَو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم فِي نَفسه شَيْئا ثمَّ انصرفوا حَتَّى اذا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة عَاد كل رجل مِنْهُم إِلَى مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى اذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لبَعض مثل مَا قَالُوا أول مرّة ثمَّ انصرفوا فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَخذ كل رجل مِنْهُم مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالُوا لَا نَبْرَح حَتَّى نتعاهد لَا نعود فتعاهدوا على ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا فَلَمَّا أصبح الْأَخْنَس بن شريق أَخذ عَصَاهُ ثمَّ خرج حَتَّى اتى أَبَا سُفْيَان فِي بَيته فَقَالَ أَخْبرنِي يَا أَبَا حَنْظَلَة عَن رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد فَقَالَ يَا أَبَا ثَعْلَبَة لقد سَمِعت أَشْيَاء أعرفهَا وَأعرف مَا يُرَاد بهَا فَقَالَ الْأَخْنَس وَأَنا وَالَّذِي حَلَفت ثمَّ خرج من عِنْده حَتَّى أَتَى ابا جهل فَدخل عَلَيْهِ بَيته فَقَالَ يَا أَبَا الحكم مَا رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد فَقَالَ مَاذَا سَمِعت تنازعنا نَحن وَبَنُو عبد منَاف الشّرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حَتَّى إِذا تجاثينا على الركب وَكُنَّا كفرسي رهان قَالُوا منا نَبِي يَأْتِيهِ الْوَحْي من السَّمَاء فَمَتَى ندرك هَذِه وَالله لَا نؤمن بِهِ أبدا وَلَا نصدقه فَقَامَ الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ إِن اول يَوْم عرفنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي امشي أَنا وَأَبُو جهل بن هِشَام فِي بعض أَزِقَّة مَكَّة إِذْ لَقينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهل يَا ابا الحكم هَلُمَّ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله أَدْعُوك إِلَى الله

(1/192)


قَالَ أَبُو جهل يَا مُحَمَّد هَل انت منته عَن سبّ آلِهَتنَا هَل تُرِيدُ إِلَّا ان نشْهد ان قد بلغت فَنحْن نشْهد ان قد بلغت فوَاللَّه لَو أَنِّي اعْلَم أَن مَا تَقول حَقًا لاتبعتك فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبل عَليّ فَقَالَ فوَاللَّه إِنِّي لأعْلم ان مَا يَقُول حق وَلَكِن بني قصي قَالُوا فِينَا الحجابة فَقُلْنَا نعم فَقَالُوا فِينَا الندوة فَقُلْنَا نعم فَقَالُوا فِينَا اللِّوَاء فَقُلْنَا نعم قَالُوا فِينَا السِّقَايَة فَقُلْنَا نعم ثمَّ اطعموا فأطعمنا حَتَّى اذا تحاكت الركب قَالُوا منا نَبِي وَالله لَا أفعل
وَأخرج مُسلم عَن ابي ذَر قَالَ انْطلق أخي انيس الى مَكَّة ثمَّ أَتَانِي فَقَالَ لقِيت رجلا بِمَكَّة يزْعم ان الله أرْسلهُ قلت مَا يَقُول النَّاس قَالَ يَقُولُونَ انه لشاعر وساحر وكاهن وَكَانَ انيس اُحْدُ الشُّعَرَاء فَقَالَ لقد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ بقَوْلهمْ وَلَقَد وضعت قَوْله على اقراء الشّعْر فوَاللَّه مَا يلتئم على لِسَان أحد بعدِي انه شعر وَوَاللَّه انه لصَادِق وَأَنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ قَالَ أَبُو ذَر فارتحلت حَتَّى أتيت مَكَّة فأقمت بهَا ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَمَا لي طَعَام إِلَّا مَاء زَمْزَم فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع
اخْرُج ابو نعيم عَن الزُّهْرِيّ ان أسعد بن زُرَارَة قَالَ يَوْم الْعقبَة للْعَبَّاس نَحن قد قَطعنَا الْقَرِيب والبعيد وَذَا الرَّحِم ونشهد انه رَسُول الله أرْسلهُ من عِنْده لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَإِن مَا جَاءَ بِهِ لَا يشبه كَلَام الْبشر
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي اسحاق بن يسَار عَن رجل من بني سَلمَة قَالَ لما اسْلَمْ فتيَان بني سَلمَة قَالَ عَمْرو بن الجموح لِابْنِهِ اخبرني مَا سَمِعت من كَلَام هَذَا الرجل فَقَرَأَ عَلَيْهِ {الْحَمد لله رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} فَقَالَ مَا احسن هَذَا وأجمله وكل كَلَامه مثل هَذَا قَالَ يَا أبتاه وَأحسن من هَذَا
وَأخرج ابْن سعد عَن يزِيد بن رُومَان وَمُحَمّد بن كَعْب وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَغَيرهم قَالُوا قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من بني سليم يُقَال لَهُ قيس بن نسيبة

(1/193)


فَسمع كَلَامه وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَأَجَابَهُ فَأسلم وَرجع إِلَى قومه فَقَالَ قد سَمِعت تَرْجَمَة الرّوم وهينمة فَارس وأشعار الْعَرَب وكهانة الكاهن وَكَلَام مقاول حمير فَمَا يشبه كَلَام مُحَمَّد شَيْئا من كَلَامهم فأطيعوني وخذوا بنصيبكم مِنْهُ فقدموا عَام الْفَتْح فأسلموا وهم سَبْعمِائة وَقيل كَانُوا ألفا
فصل

أجمع الْعُقَلَاء على أَن كتاب الله تَعَالَى معجز لم يقدر أحد على معارضته مَعَ تحديهم بذلك قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} فلولا ان سَمَاعه حجَّة عَلَيْهِ لم يقف امْرَهْ على سَمَاعه وَلَا يكون حجَّة الا وَهُوَ معْجزَة وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين} اَوْ لم يَكفهمْ انا انزلنا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم فَأخْبر ان الْكتاب آيَة من آيَاته كَاف فِي الدّلَالَة قَائِم مقَام معجزات غَيره وآيات من سواهُ من الْأَنْبِيَاء وَقد جَاءَهُم بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا أفْصح الفصحاء ومصاقع الخطباء وتحداهم على ان يَأْتُوا بِمثلِهِ وأمهلهم طول السنين فَلم يقدروا وَكَانُوا احرص شَيْء على إطفاء نوره وإخفاء أمره فَلَو كَانَ فِي مقدرتهم معارضته لعدلوا إِلَيْهَا قطعا للحجة وَلم ينْقل عَن اُحْدُ مِنْهُم انه حدث نَفسه بِشَيْء من ذَلِك وَلَا رامه بل عدلوا إِلَى العناد تَارَة وَإِلَى الِاسْتِهْزَاء اخرى فَتَارَة قَالُوا سحر وَتارَة قَالُوا شعر وَتارَة قَالُوا أساطير الْأَوَّلين كل ذَلِك من التحير والانقطاع ثمَّ رَضوا بتحكيم السَّيْف فِي أَعْنَاقهم وَسبي ذَرَارِيهمْ وحرمهم واستباحة اموالهم وَقد كَانُوا آنف شَيْء وأشده حمية فَلَو علمُوا ان الْإِتْيَان بِمثلِهِ فِي قدرتهم لبادروا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْون عَلَيْهِم
قَالَ الْحَافِظ بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مَا كَانَت الْعَرَب شَاعِرًا وخطيبا وَأحكم مَا كَانَت لُغَة وَأَشد مَا كَانَت عدَّة فَدَعَا أقصاها وَأَدْنَاهَا إِلَى الْمُعَارضَة ثمَّ نصب لَهُم

(1/194)


الْحَرْب فَدلَّ ذَلِك الْعَاقِل على عجز الْقَوْم مَعَ كَثْرَة كَلَامهم واستحالة لغتهم وسهولة ذَلِك عَلَيْهِم وَكَثْرَة شعرائهم وخطبائهم لِأَن سُورَة وَاحِدَة وآيات يسيرَة كَانَت أنقض لقَوْله وافسد لأَمره وأسرع فِي تَفْرِيق أَتْبَاعه من بذل النُّفُوس وَالْخُرُوج من الاوطان وانفاق الْأَمْوَال وَقد اخْتلف النَّاس فِي الْوَجْه الَّذِي وَقع بِهِ إعجاز الْقُرْآن على أَقْوَال بينتها مبسوطة فِي كتاب الإتقان والملخص انه وَقع بعدة وُجُوه
مِنْهَا حسن تأليفه والتئام كَلمه وفصاحته ووجوه إعجازه وبلاغته الخارقة عَادَة الْعَرَب الَّذين هم فرسَان الْكَلَام وأرباب هَذَا الشَّأْن
وَمِنْهَا صُورَة نظمه العجيب والأسلوب الْغَرِيب الْمُخَالف لأساليب كَلَام الْعَرَب ومنهاج نظمها ونثرها الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ ووقفت عَلَيْهِ مقاطع آيَاته وانتهت إِلَيْهِ فواصل كَلِمَاته وَلم يُوجد قبله وَلَا بعده نَظِير لَهُ
وَمِنْهَا مَا انطوى عَلَيْهِ من الْأَخْبَار بالمغيبات وَمَا لم يكن فَوجدَ كَمَا ورد
وَمِنْهَا مَا أنبأ بِهِ من أَخْبَار الْقُرُون الْمَاضِيَة والشرائع السالفة مِمَّا كَانَ لَا يعلم مِنْهُ الْقِصَّة الْوَاحِدَة إِلَّا الْفَذ من أَحْبَار أهل الْكتاب الَّذِي قطع عمره فِي تعلم ذَلِك فيورده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجهه وَيَأْتِي بِهِ على نَصه وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب
وَمِنْهَا مَا تضمنه من الْأَخْبَار عَن الضمائر كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} وَقَوله تَعَالَى {وَيَقُولُونَ فِي أنفسهم لَوْلَا يعذبنا الله بِمَا نقُول}
وَمِنْهَا آي وَردت بتعجيز قوم فِي قضايا وإعلامهم أَنهم لَا يفعلونها فَمَا فعلوا وَلَا قدرُوا كَقَوْلِه فِي الْيَهُود (وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا)
وَمِنْهَا ترك الْمُعَارضَة مَعَ توفر الدَّوَاعِي وَشدَّة الْحَاجة

(1/195)


وَمِنْهَا الروعة الَّتِي تلْحق قُلُوب سامعيه عِنْد سماعهم والهيبة الَّتِي تعتريهم عِنْد سَماع تِلَاوَته كَمَا وَقع لجبير بن مطعم انه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ قَالَ فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة ام خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ إِلَى قَوْله {المصيطرون} كَاد قلبِي يطير قَالَ وَذَلِكَ أول مَا وقر الْإِسْلَام فِي قلبِي
وَمِنْهَا أَن قارئه لَا يمله وسامعه لَا يمجه بل الإكباب على تِلَاوَته يزِيد حلاوة وترديده يُوجب لَهُ محبَّة وَغَيره من الْكَلَام يعادي إِذا أُعِيد ويمل مَعَ الترديد ولهدا وصف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن بِأَنَّهُ لايخلق على كَثْرَة الرَّد
وَمِنْهَا كَونه آيَة بَاقِيَة لَا يعْدم مَا بقيت الدُّنْيَا مَعَ تكفل الله بحفظه
وَمِنْهَا جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الْكتب وَلَا أحَاط بعلمها أحد فِي كَلِمَات قَليلَة وأحرف مَعْدُودَة
وَمِنْهَا جمعه بَين صِفَتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلَام الْبشر غَالِبا
وَمِنْهَا جعله آخر الْكتب غَنِيا من غَيره وَجعل غَيره من الْكتب الْمُتَقَدّمَة قد تحْتَاج إِلَى بَيَان يرجع فِيهِ اليه كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
قَالَ القَاضِي عِيَاض وَالْوُجُوه الْأَرْبَعَة الاول هِيَ الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الإعجاز وَالْبَاقِي تقدم فِي خَصَائِصه وَبَقِي من خَصَائِصه كَونه نزل على سَبْعَة أحرف وَكَونه نزل مفرقا منجما وَكَونه ميسرًا للْحِفْظ وَسَائِر الْكتب بِخِلَاف ذَلِك فِي الثَّلَاثَة وَقد بسطت الْكَلَام فِي الْأَوَّلين فِي الإتقان وسألم بِشَيْء من ذَلِك فِي بَاب الخصائص الَّتِي امتاز بهَا عَن سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

(1/196)


فصل

قَالَ القَاضِي عِيَاض إِذا عرفت مَا ذكر من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن عرفت انه لَا يُحْصى عدد معجزاته بِأَلف وَلَا أَلفَيْنِ وَلَا اكثر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تحدى بِسُورَة مِنْهُ فعجزوا عَنْهَا قَالَ أهل الْعلم واقصر السُّور {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} فَكل آيَة اَوْ آيَات مِنْهُ بعددها وقدرها معْجزَة ثمَّ فِيهَا نَفسهَا معجزات على مَا سبق
قلت واذا عددت كَلِمَات سُورَة الْكَوْثَر وَجدتهَا بضع عشرَة كلمة وَقد عد قوم كَلِمَات الْقُرْآن سبعا وَسبعين الف كلمة وَتِسْعمِائَة وأربعا وَثَلَاثِينَ فالقدر المعجز مِنْهُ يكون فِي الْعدَد نَحْو سَبْعَة آلَاف تَقْرِيبًا تضرب فِي ثَمَانِيَة أوجه الْأَوَّلَانِ وَالسَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر تبلغ سِتَّة وَخمسين الف معْجزَة ثمَّ يَنْضَم إِلَى ذَلِك فِي بعضه من الْوَجْه الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس جملَة وافرة فتصل معجزات الْقُرْآن بذلك إِلَى سِتِّينَ الف معْجزَة أَو أَكثر وَمن اراد الْوُقُوف على تَفْصِيل إعجاز الْقُرْآن من حَيْثُ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فليمعن النّظر فِي كتَابنَا الاتقان ثمَّ فِي كتَابنَا أسرار التَّنْزِيل يجد فيهمَا مَا يشفي غليله وَقد وَقع لي اني استخرجت من آيَة وَاحِدَة مائَة وَعشْرين نوعا من انواع البلاغة وَهِي قَوْله تَعَالَى {الله ولي الَّذين آمنُوا} الْآيَة وَقد افردتها بتأليف فَليُرَاجع
فصل

روى أَحْمد وَغَيره عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ الْقُرْآن فِي اهاب مَا اكلته النَّار وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حيدث سهل بن سعد بِلَفْظ مَا مسته النَّار وَرَوَاهُ من حَدِيث عصمَة بن مَالك بِلَفْظ لَو جمع الْقُرْآن فِي إهَاب مَا احرقته النَّار
قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نِهَايَة الْغَرِيب ذكر بَعضهم أَن هَذَا معْجزَة لَهُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَط

(1/197)


بَاب مَا كَانَ يظْهر عِنْد الْوَحْي من الْآيَات

اخْرُج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف عَن أبي جَعْفَر قَالَ كَانَ أَبُو بكر يسمع مُنَاجَاة جبرئيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يرَاهُ
واخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد جيد عَن عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي نسْمع عِنْده دويا كَدَوِيِّ النَّحْل وَفِي لفظ يسمع عِنْد وَجهه كَدَوِيِّ النَّحْل
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة ان الْحَارِث بن هِشَام سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي قَالَ أَحْيَانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وَهُوَ أشده عَليّ فَيفْصم عني وَقد وعيت مَا قَالَ وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا فيكلمني فأعي مَا يَقُول
وَقَالَت عَائِشَة لقد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم عَنهُ وَأَن جَبينه ليتفصد عرقا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سَلمَة انه بلغه ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول كَانَ الْوَحْي يأتيني على نحوين يأتيني بِهِ جبرئيل فيلقيه عَليّ كَمَا يلقِي الرجل على الرجل فَذَاك يتفلت مني ويأتيني فِي شَيْء مثل صَوت الجرس حَتَّى يخالط قلبِي فَذَاك الَّذِي لَا يتفلت مني
وَأخرج مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي كرب لذَلِك وَتَربد لَهُ وَجهه
وَأخرج ابو نعيم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وجد ثقلا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا}

(1/198)


وَأخرج أَبُو نعيم عَن زيد بن ثَابت قَالَ كَانَ إِذا نزل الْوَحْي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثقل لذَلِك وتحدر جَبينه عرقا كَأَنَّهُ الجمان وَإِن كَانَ فِي الْبرد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ كنت اكْتُبْ الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ اذا نزل عَلَيْهِ أَخَذته برحاء شَدِيدَة وعرق عرقا شَدِيدا مثل الجمان ثمَّ سرى عَنهُ وَكنت اكْتُبْ وَهُوَ يملي عَليّ فَمَا أفرغ حَتَّى تكَاد رجْلي تنكسر من ثقل الْقُرْآن حَتَّى أَقُول لَا أَمْشِي على رجْلي أبدا
وَأخرج احْمَد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا انْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْي عرفُوا ذَلِك فِي تَرَبد جلده
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي تَرَبد لذَلِك وَجهه وَجَسَده وَأمْسك عَنهُ اصحابه وَلم يكلمهُ أحد مِنْهُم
وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَمْرو قَالَ قلت يَا رَسُول الله هَل تحس بِالْوَحْي قَالَ نعم اسْمَع صلاصل ثمَّ اثْبتْ عِنْد ذَلِك وَمَا من مرّة يوحي إِلَيّ إِلَّا ظَنَنْت بِأَن نَفسِي تقبض مِنْهُ
وَأخرج ابو نعيم عَن الفلتان بن عَاصِم قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ دَامَ بَصَره مَفْتُوحَة عَيناهُ وَفرغ سَمعه وَقَلبه لما يَأْتِيهِ من الله تَعَالَى
وَأخرج الشَّيْخَانِ وَأَبُو نعيم عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُوحى اليه وَله غطيط كغطيط الْبكر محمرة عَيناهُ وجبينه
واخرج ابْن سعد عَن ابي أروى الدوسي قَالَ رَأَيْت الْوَحْي ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه على رَاحِلَته فترغوا وتفتل يَديهَا حَتَّى أَظن أَن ذراعيها تنفصم فَرُبمَا بَركت وَرُبمَا قَامَت مؤتدة يَديهَا حَتَّى يسري عَنهُ من ثقل الْوَحْي وانه لينحدر مِنْهُ مثل الجمان

(1/199)


واخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قلت إِن كَانَ ليوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على نَاقَته فَتضْرب بِجِرَانِهَا من ثقل مَا يُوحى إِلَيْهِ وَإِن كَانَ جَبينه لينطف بالعرق فِي الْيَوْم الشاتي إِذا أُوحِي إِلَيْهِ
واخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي يغط فِي رَأسه ويتربد فِي وَجهه ويجد بردا فِي ثناياه ويعرق حَتَّى ينحدر مِنْهُ مثل الجمان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي يكَاد يغشى عَلَيْهِ
وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأَبُو نعيم عَن اسماء بنت يزِيد قَالَت كنت آخذه بزمام نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزلت عَلَيْهِ الْمَائِدَة فكاد ان ينكسر عضدها من ثقل الشورة
وَأخرج ابو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي صدع فيغلف رَأسه بِالْحِنَّاءِ
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ إِذا أوحى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقذ لذَلِك سَاعَة كَهَيئَةِ السَّكْرَان وقذه النعاس بذال مُعْجمَة غَلبه
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أوحى اليه لم يسْتَطع اُحْدُ منا يرفع طرفه إِلَيْهِ حَتَّى يَنْقَضِي الْوَحْي
بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرُؤْيَة جبرئيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا

اخْرُج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ير جبرئيل فِي صورته إِلَّا مرَّتَيْنِ أما وَاحِدَة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ ان يرِيه نَفسه فَأرَاهُ نَفسه فسد الْأُفق وَأما الْأُخْرَى فليلة الْإِسْرَاء عِنْد السِّدْرَة

(1/200)


وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبرئيل فِي صورته وَله سِتّمائَة جناج كل جنَاح مِنْهَا قد سد الافق يسْقط من جنَاحه من التهاويل والدر والياقوت مَا الله بِهِ عليم
وَأخرج احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبرئيل ان يرَاهُ فِي صورته فَقَالَ ادْع رَبك فَدَعَا ربه فطلع عَلَيْهِ سَواد من قبل الْمشرق فَجعل يرْتَفع وينتشر
واخرج الشَّيْخَانِ عَن عَائِشَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ير جبرئيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا إِلَّا مرَّتَيْنِ رَآهُ منهبطا من السَّمَاء إِلَى الارض سَاد اعظم خلقه مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت جبرئيل منهبطا قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَيْهِ ثِيَاب سندس مُعَلّقا بِهِ اللُّؤْلُؤ والياقوت
وَأخرج ابو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبرئيل وددت اني رَأَيْتُك فِي صُورَتك فنشر جنَاحا من اجنحته فسد افق السَّمَاء حَتَّى مَا يرى من السَّمَاء شَيْء
واخرج ابو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت جبرئيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح من لُؤْلُؤ قد نشرها مثل ريش الطواويس
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبرئيل فِي حلَّة خضراء قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبرئيل مُعَلّقا رجلَيْهِ عَلَيْهِ الدّرّ كَأَنَّهُ قطر الْمَطَر على البقل

(1/201)


وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صعد إِلَى السَّمَاء رأى جبرئيل فِي خلقه منظوم اجنحته من الزبرجد واللؤلؤ والياقوت قَالَ فخيل إِلَى ان مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الْأُفق وَكنت أرَاهُ قبل ذَلِك على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا أرَاهُ كَمَا يرى الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال
وَأخرج ابْن سعد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ جبرئيل يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن انس ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ جبرئيل يأتيني على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكَانَ دحْيَة رجلا جميلا
وَأخرج الْعجلِيّ فِي تَارِيخه عَن عوَانَة بن الحكم قَالَ اجمل النَّاس من كَانَ جبرئيل ينزل على صورته
بَاب سعي الشَّجَرَة إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الأعمس عَن أبي سُفْيَان عَن أنس قَالَ جَاءَ جبرئيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَارج من مَكَّة قد خضبه اهل مَكَّة بالدماء قَالَ مَالك قَالَ خضبني هَؤُلَاءِ بالدماء فعلوا وفعلوا قَالَ تُرِيدُ أَن أريك آيَة قَالَ نعم أدع تِلْكَ الشَّجَرَة فَدَعَاهَا فَجَاءَت تخط الأَرْض حَتَّى قَامَت بَين يَدَيْهِ قَالَ مرها فَلْتَرْجِعْ قَالَ ارجعي إِلَى مَكَانك فَرَجَعت إِلَى مَكَانهَا قَالَ حسبي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بعض شعاب مَكَّة وَقد دخله من الْغم مَا شَاءَ الله من تَكْذِيب قومه إِيَّاه فَقَالَ رب أَرِنِي مَا اطمئن إِلَيْهِ وَيذْهب عني هَذَا الْغم فَأوحى الله اليه ادْع أَي أعصان هَذِه الشَّجَرَة شِئْت فَدَعَا عصنا فَانْتزع من مَكَانَهُ ثمَّ خد فِي الأَرْض حَتَّى جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

(1/202)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْجع إِلَى مَكَانك فَرجع الْغُصْن فَخدَّ فِي الأَرْض حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ فَحَمدَ الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَابَتْ نَفسه وَرجع
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم بِسَنَد حسن عَن عَمْرو بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على الْحجُون كئيبا لما آذاه الْمُشْركُونَ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَرِنِي الْيَوْم آيَة لَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا فَأمر فَنَادَى شَجَرَة من جَانب الْوَادي فَأَقْبَلت تخد الأَرْض خدا حَتَّى وقفت بَين يَدَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ ثمَّ أمرهَا فَرَجَعت إِلَى موضعهَا فَقَالَ مَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا من قومِي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جَابر قَالَ آذَى الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ جبرئيل فَانْطَلق بِهِ الى شَفير وَاد فِيهِ شجر كثير فَقَالَ ادْع اي شَجَرَة شِئْت فَدَعَا شَجَرَة مِنْهَا فَأَقْبَلت حَتَّى قَامَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ جبرئيل انك على الْحق
بَاب در الْجَذعَة بِاللَّبنِ

أخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كنت غُلَاما يافعا ارعى عنما لعقبة بن ابي معيط بِمَكَّة فَأتى عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَقد فرا من الْمُشْركين فَقَالَا يَا غُلَام عنْدك لبن تسقينا قلت إِنِّي مؤتمن فَقَالَا هَل عنْدك من جَذَعَة لم ينز عَلَيْهَا الْفَحْل بعد قلت نعم فأتيتهما بهَا فاعتقلها أَبُو بكر وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّرع فمسحه ودعا فحفل الضَّرع فَأَتَاهُ أَبُو بكر بصخرة مقعرة فَحلبَ فِيهَا ثمَّ شرب هُوَ وَأَبُو بكر وسقاني ثمَّ قَالَ للضرع اقلص فقلص فَعَاد كَمَا كَانَ

(1/203)


بَاب رُؤْيا خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ

أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان قَالَ كَانَ إِسْلَام خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ قَدِيما وَكَانَ أول أخوته أسلم وَكَانَ بدؤ إِسْلَامه انه رأى فِي النّوم انه وقف بِهِ على شَفير النَّار فَذكر من سعتها مَا الله اعْلَم بِهِ وَيرى فِي النّوم كَانَ أَبَاهُ يَدْفَعهُ فِيهَا وَيرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخِذا بحقويه لَا يَقع فَفَزعَ من نَومه وَقَالَ احْلِف بِاللَّه ان هَذِه لرؤيا حق فَأتى أَبَا بكر فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ اريد بك خيرا هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاتبعهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِلَى م تَدْعُو قَالَ ادعو إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتخلع مَا انت عَلَيْهِ من عبَادَة حجر لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يضر وَلَا ينفع وَلَا يدْرِي من عَبده مِمَّن لم يعبده فَأسلم خَالِد وَعلم ابوه فَأرْسل فِي طلبه فأنبه وضربه وَقَالَ وَالله لأمنعنك الْقُوت قَالَ إِن منعتني فَإِن الله يَرْزُقنِي مَا أعيش بِهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن صَالح بن كيسَان ان خَالِد بن سعيد قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظلمَة غشيت مَكَّة حَتَّى مَا أرى جبلا وَلَا سهلا ثمَّ رَأَيْت نورا خرج من زَمْزَم مثل ضوء الْمِصْبَاح كلما ارْتَفع عظم وسطع حَتَّى ارْتَفع فأضاء لي أول مَا أَضَاء الْبَيْت ثمَّ عظم الضَّوْء حَتَّى مَا بَقِي من سهل وَلَا جبل إِلَّا وَأَنا أرَاهُ ثمَّ سَطَعَ فِي السَّمَاء ثمَّ انحدر حَتَّى أَضَاء لي نخل يثرب فِيهَا الْبُسْر وَسمعت قَائِلا يَقُول فِي الضَّوْء سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ تمت الْكَلِمَة وَهلك ابْن مارد بهضبة الْحَصَا بَين ادرج والأكمة سعدت هَذِه الامة جَاءَ نَبِي الْأُمِّيين وَبلغ الْكتاب أَجله كَذبته هَذِه الْقرْيَة تعذب مرَّتَيْنِ تتوب فِي الثَّالِثَة ثَلَاث بقيت ثِنْتَانِ بالمشرق وَوَاحِدَة بالمغرب فَقَصَّهَا خَالِد بن سعيد على اخيه عَمْرو بن سعيد فَقَالَ رَأَيْت عجبا وَإِنِّي لأرى هَذَا أمرا يكون فِي بني عبد الْمطلب إِذْ رَأَيْت النُّور خرج من زَمْزَم وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي اسماعيل بن ابراهيم بن عقبَة عَن عَمه مُوسَى بن

(1/204)


عقبَة سَمِعت أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ تَقول فَذكره وَفِي آخِره قَالَ خَالِد فانه لمما هَدَانِي الله بِهِ لِلْإِسْلَامِ قَالَت ام خَالِد فَأول من اسْلَمْ أبي وَذَلِكَ انه ذكر رُؤْيَاهُ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا خَالِد أَنا وَالله ذَلِك النُّور وَأَنا رَسُول الله فَأسلم
بَاب رُؤْيا سعد بن أبي وَقاص

اخْرُج ابْن ابي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام قبل ان اسْلَمْ بِثَلَاث كَأَنِّي فِي ظلمَة لَا أبْصر شَيْئا إِذْ أَضَاء لي قمر فاتبعته فَكَأَنِّي انْظُر الى من يسبقني إِلَى ذَلِك فَأنْظر إِلَى زيد بن حَارِثَة وَإِلَى عَليّ وَإِلَى أبي بكر وَكَأَنِّي أسألهم مَتى أتيتم الى هَا هُنَا قَالُوا السَّاعَة وَبَلغنِي ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى الاسلام مستخفيا فَلَقِيته فِي شعب أجياد فَقلت إِلَى م تَدْعُو قَالَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَشَهِدت
بَاب معجزته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَفْنَة الَّتِي اطعم مِنْهَا أَرْبَعِينَ رجلا من قومه

اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه حَدثنِي من سمع عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل عَن ابْن عَبَّاس عَن عَليّ بن ابي طَالب قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ يَا عَليّ اصْنَع لنا رجل شَاة على صَاع من طَعَام وَأعد لنا عس لبن ثمَّ اجْمَعْ بني عبد الْمطلب فَفعلت فَاجْتمعُوا لَهُ وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزِيدُونَ رجلا أَو ينقصونه فيهم أَعْمَامه أَبُو طَالب وَحَمْزَة وَالْعَبَّاس وابو لَهب فَقدمت إِلَيْهِم تِلْكَ الْجَفْنَة فَأخذ مِنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذْيَة فَشَقهَا

(1/205)


بِأَسْنَانِهِ ثمَّ رمى بهَا فِي نَوَاحِيهَا وَقَالَ كلوا باسم الله فَأكل الْقَوْم حَتَّى نَهِلُوا عَنهُ مَا نرى إِلَّا آثَار أَصَابِعهم وَالله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم يَأْكُل مثلهَا ثمَّ قَالَ اِسْقِهِمْ يَا عَليّ فَجئْت بذلك الْقَعْب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا وأيم الله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليشْرب مثله فَلَمَّا أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكلمهم بدره أَبُو لَهب إِلَى الْكَلَام فَقَالَ لقد سحركم صَاحبكُم فَتَفَرَّقُوا وَلم يكلمهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ يَا عَليّ عد لنا بِمثل الَّذِي صنعت بالْأَمْس من الطَّعَام وَالشرَاب فَفعلت ثمَّ جمعتهم لَهُ فَصنعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا صنع بالْأَمْس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى نَهِلُوا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي وَالله مَا أعلم شَابًّا من الْعَرَب جَاءَ قومه بِأَفْضَل مِمَّا جِئتُكُمْ بِهِ إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِأَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق إِبْنِ اسحاق عَن عبد الْغفار بن الْقَاسِم عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بِهِ
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق نَافِع عَن سَالم عَن عَليّ قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة فصنعت لَهُ طَعَاما ثمَّ قَالَ أدع لي بني عبد الْمطلب فدعوت أَرْبَعِينَ فَقَالَ هَلُمَّ طَعَامك فأتيتهم بثريدة إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليَأْكُل مثلهَا فَأَكَلُوا مِنْهَا جَمِيعًا حَتَّى أَمْسكُوا ثمَّ قَالَ أسقهم فسقيتهم بِإِنَاء هُوَ ري أحدهم فَشَرِبُوا مِنْهُ جَمِيعًا حَتَّى صدرُوا فَقَالَ أَبُو لَهب لقد سحركم مُحَمَّد فَتَفَرَّقُوا وَلم يدعهم فلبثوا أَيَّامًا ثمَّ صنع لَهُم مثله ثمَّ أَمرنِي فَجمعتهمْ فطعموا ثمَّ قَالَ لَهُم من يؤازرني على مَا أَنا عَلَيْهِ فَقلت أَنا يَا رَسُول الله وَإِنِّي لأحدثهم سنا وَسكت الْقَوْم ثمَّ قَالُوا يَا أَبَا طَالب أَلا ترى ابْنك قَالَ دَعوه فَلَنْ يألوا ابْن عَمه خيرا
وَأخرج ابو نعيم مثله من طَرِيق ربيعَة بن ناجد عَن عَليّ وَمن طَرِيق ميسرَة الْعَبْدي عَن عَليّ وَلَفظه مدا من طَعَام
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي عَن عَليّ قَالَ لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ رجلا من أهل بَيته إِن كَانَ الرجل مِنْهُم لشارب فرقا وآكل جَذَعَة فَقرب إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل شَاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ جِئْت بِقَعْبٍ من لبن فَشَرِبُوا حَتَّى رووا فَقَالَ أَبُو لَهب مَا رَأينَا كالسحر الْيَوْم ثمَّ قَالَ يَا عَليّ اصْنَع لنا غداء مثل

(1/206)


مَا صنعت فَأَكَلُوا مثل مَا أكلُوا فِي الْمرة الأولى وَشَرِبُوا مثل مَا شربوا ثمَّ عرض عَلَيْهِم مَا عرض
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آل عبد الْمطلب وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا مِنْهُم من يَأْكُل المسنة وَيشْرب الْعس فَأمر عليا بِرَجُل شَاة فصنعها لَهُم ثمَّ قربهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ مِنْهَا بضعَة فَأكل مِنْهَا ثمَّ تتبع بهَا جَوَانِب الْقَصعَة ثمَّ قَالَ أدنوا عشرَة فَدَنَا الْقَوْم عشرَة عشرَة فَأَكَلُوا حَتَّى صدرُوا ثمَّ دَعَا بِقَعْبٍ من لبن فجرع مِنْهُ جرعا فناولهم وَقَالَ اشربوا بِسم الله فَشَرِبُوا حَتَّى رووا عَن آخِرهم فَقَالَ أَبُو لَهب مَا سحركم مثل هَذَا الرجل ثمَّ دعاهم من الْغَد على مثل ذَلِك من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ بدرهم بالْكلَام
بَاب نبع المَاء من الأَرْض

قَالَ ابْن سعد نَا اسحاق بن يُوسُف الْأَزْرَق حَدثنَا عبد الله بن عَوْف عَن عَمْرو بن سعيد أَن أَبَا طَالب قَالَ كنت بِذِي الْمجَاز مَعَ ابْن اخي يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدركني الْعَطش فشكوت إِلَيْهِ فَقلت يَا ابْن اخي قد عطشت وَمَا قلت لَهُ ذَلِك وَأَنا أرى ان عِنْده شَيْئا إِلَّا الْجزع قَالَ فَثنى وركه ثمَّ نزل فَقَالَ يَا عَم أعطشت قلت نعم فَأَهوى بعقبه إِلَى الأَرْض فَإِذا بِالْمَاءِ فَقَالَ اشرب يَا عَم قَالَ فَشَرِبت أخرجه ابْن عَسَاكِر وَله طَرِيق آخر أخرجه الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن جرير الطَّبَرِيّ حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع حَدثنَا أَزْهَر بن سعد السمان حَدثنَا ابْن عَوْف عَن عَمْرو بن سعيد بِهِ
بَاب دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب بالشفاء

اخْرُج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْهَيْثَم بن حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس أَن ابا طَالب مرض فعاده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا ابْن اخي ادْع رَبك الَّذِي تعبد ان يعافيني فَقَالَ اللَّهُمَّ اشف عمي فَقَامَ ابو طَالب كَأَنَّمَا نشط من عقال قَالَ يَا ابْن

(1/207)


اخي إِن رَبك الَّذِي تعبد ليطيعك قَالَ وَأَنت يَا عماه لَئِن أَطَعْت الله ليطيعنك تفرد بِهِ الْهَيْثَم وَهُوَ ضَعِيف
بَاب استسقاء أبي طَالب بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

اخْرُج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن جلهمة بن عرفطة قَالَ انْتَهَيْت إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِذا قُرَيْش عزين قد ارْتَفَعت لَهُ ضوضاء يستسقون فَقَائِل مِنْهُم يَقُول اعمدوا للات والعزى وَقَائِل مِنْهُم يَقُول اعمدوا لمناة الثَّالِثَة الْأُخْرَى فَقَالَ شيخ مِنْهُم وسيم قسيم الْوَجْه جيد الرَّأْي أَنى تؤفكون وَفِيكُمْ بَاقِيَة إِبْرَاهِيم وسلالة اسماعيل قَالُوا لَهُ كَأَنَّك عنيت أَبَا طَالب قَالَ ايها فَقَامُوا بأجمعهم وَقمت مَعَهم فدققنا عَلَيْهِ بَابه فَخرج إِلَيْنَا رجل حسن الْوَجْه مصفر عَلَيْهِ إِزَار قد اتَّشَحَ بِهِ فثاروا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا طَالب قد اقحط الْوَادي وأجدب الْعِيَال فَهَلُمَّ فاستسق فَقَالَ دونكم زَوَال الشَّمْس وهبوب الرّيح فَلَمَّا زاغت الشَّمْس خرج ابو طَالب وَمَعَهُ غُلَام كَأَنَّهُ شمس دجن تجلت عَنهُ سَحَابَة قتماء وَحَوله أغيلمة فَأَخذه أَبُو طَالب فألصق ظَهره بِالْكَعْبَةِ ولاذ بإصبع الْغُلَام وبصبصت الأغيلمة حوله وَمَا فِي السَّمَاء قزعة فَأقبل السَّحَاب من هَهُنَا وأغدق واغدودق وانفجر لَهُ الْوَادي وأخصب النادي والبادي فَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب شعر
(وابيص يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)
(تطيف بِهِ الْهَلَاك من آل هَاشم ... فهم عِنْده فِي نعْمَة وفضائل)
(وميزان عدل لَا يخيس شعيرَة ... ووزان صدق وَزنه غير هائل)
بَاب رُؤْيَة حَمْزَة جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام

أخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمار بن أبي عمار ان حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ يَا رَسُول الله أَرِنِي جبرئيل فِي صورته قَالَ انك لَا تَسْتَطِيع ان ترَاهُ قَالَ بلَى فأرنيه قَالَ اقعد فَقعدَ فَنزل جبرئيل على خَشَبَة كَانَت فِي الْكَعْبَة يلقِي الْمُشْركُونَ عَلَيْهَا ثِيَابهمْ إِذا طافوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْفَعْ طرفك فَانْظُر فَرفع طرفه فَرَأى قَدَمَيْهِ مثل الزبرجد الْأَخْضَر فَخر مغشيا عَلَيْهِ مُرْسل

(1/208)


بَاب انْشِقَاق الْقَمَر

قَالَ الله تَعَالَى {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}
اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن انس قَالَ إِن أهل مَكَّة سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُرِيهم آيَة فَأَرَاهُم انْشِقَاق الْقَمَر مرَّتَيْنِ
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقتين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْهَدُوا
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْفَلق الْقَمَر وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَت فرْقَتَيْن فرقة من وَرَاء الْجَبَل وَفرْقَة دونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْهَدُوا
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرْقَتَيْن فرقة فَوق الْجَبَل وَفرْقَة دونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْهَدُوا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رَأَيْت الْقَمَر منشقا شقتين مرَّتَيْنِ بِمَكَّة قبل مخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فَقَالُوا سحر الْقَمَر فَنزلت {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر بِمَكَّة حَتَّى صَار فرْقَتَيْن فَقَالَ كفار اهل مَكَّة هَذَا سحر يسحركم بِهِ ابْن ابي كَبْشَة انْظُرُوا السفار فان كَانُوا رَأَوْا مثل مَا رَأَيْتُمْ فقد صدق وَإِن كَانُوا لم يرَوا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سحر سحركم بِهِ فَسئلَ السفار وَقدمُوا من كل وَجه وَقَالُوا رَأينَا
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس ان الْقَمَر انْشَقَّ على زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
واخرج مُسلم عَن ابْن عمر ان الْقَمَر انْشَقَّ فلقَتَيْنِ فلقَة من دون الْجَبَل وَفلقَة من خلف الْجَبَل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله اشْهَدْ

(1/209)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ انْشَقَّ الْقَمَر وَنحن بِمَكَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار فرْقَتَيْن على هَذَا الْجَبَل وعَلى هَذَا الْجَبَل فَقَالَ النَّاس سحرنَا مُحَمَّد فَقَالَ رجل إِن كَانَ سحركم فَلم يسحر النَّاس كلهم
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اجْتمع الْمُشْركُونَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن كنت صَادِقا فشق لنا الْقَمَر فرْقَتَيْن نصفا على ابي قبيس وَنصفا على قعيقعان وَكَانَت لَيْلَة بدر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه ان يُعْطِيهِ مَا سَأَلُوا فأمسى الْقَمَر نِصْفَيْنِ نصفا على أبي قبيس وَنصفا على قعيقعان وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اشْهَدُوا
وَأخرج من وَجه آخر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس انه صَار فرْقَتَيْن إِحْدَاهمَا على الصَّفَا وَالْأُخْرَى على الْمَرْوَة قدر مَا بَين الْعَصْر الى اللَّيْل ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ غَابَ
قَالَ الْعلمَاء انْشِقَاق الْقَمَر آيَة عَظِيمَة لَا يكَاد يعدلها شَيْء من آيَات الْأَنْبِيَاء وَذَلِكَ أَنه ظهر فِي ملكوت السَّمَاء خَارِجا من جملَة طباع مَا فِي هَذَا الْعَالم الْمركب من الطبائع فَلَيْسَ مِمَّا يطْمع فِي الْوُصُول اليه بحيلة فَلذَلِك صَار الْبُرْهَان بِهِ أظهر
بَاب مَا خصّه الله تَعَالَى بِهِ من وعده إِيَّاه بالعصمة من النَّاس

اخْرُج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس حَتَّى نزلت هَذِه الأية {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَأخْرج رَأسه من الْقبَّة فَقَالَ لَهُم يَا أَيهَا النَّاس انصرفوا فقد عصمني الله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن جعدة قَالَ شهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأتي بِرَجُل فَقيل هَذَا أَرَادَ ان يقتلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن تراع لن تراع لَو أردْت ذَلِك لم يسلطك الله عَليّ

(1/210)


بَاب عصمته اياه من ابي جهل وَمَا ظهر فِيهَا من المعجزات

أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ ابو جهل هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظْهركُم فَقيل نعم فَقَالَ وَاللات والعزى لَئِن رَأَيْته يفعل ذَلِك لَأَطَأَن على رقبته أَو لأُعَفِّرَنَّ وَجهه فِي التُّرَاب فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي ليَطَأ على رقبته فَمَا فجأهم مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكص على عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيدَيْهِ فَقيل لَهُ مَا لَك قَالَ إِن بيني وَبَينه خَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا وَأنزل الله {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد أَتَى مَا ترَوْنَ من عيب ديننَا وَشتم آبَائِنَا وتسفيه احلامنا وَسَب آلِهَتنَا وَإِنِّي اعاهد الله لاجلسن لَهُ غَدا بِحجر فَإِذا جلس فِي صلَاته فضخت بِهِ رَأسه فليصنع بعد ذَلِك بَنو عبد منَاف مَا بدا لَهُم فَلَمَّا اصبح أَخذ حجرا ثمَّ جلس وَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَقد غَدَتْ قُرَيْش فجلسوا فِي أَنْدِيَتهمْ ينظرُونَ فَلَمَّا سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتمل أَبُو جهل الْحجر ثمَّ أقبل نَحوه حَتَّى اذا دنا مِنْهُ رَجَعَ منبهتا منتقعا لَونه مَرْعُوبًا قد يَبِسَتْ يَدَاهُ على حجره حَتَّى قذف الْحجر من يَده وَقَامَت إِلَيْهِ رجال من قُرَيْش فَقَالُوا مَالك قَالَ لما قُمْت بِهِ إِلَيْهِ عرض لي دونه فَحل من الْإِبِل وَالله مَا رَأَيْت مثل هامته وَلَا قصرته وَلَا أنيابه لفحل قطّ فهم ان يأكلني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك جبرئيل لَو دنا مني لأَخذه
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ ابو جهل لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة لَأَطَأَن على عُنُقه فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فَقَالَ لَو فعل لَأَخَذته الْمَلَائِكَة أعيانا
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن عَبَّاس عَن ابيه الْعَبَّاس قَالَ كنت يَوْمًا فِي الْمَسْجِد فَقَالَ ابو جهل إِن لله عَليّ إِن رَأَيْت مُحَمَّدًا سَاجِدا أَن أَطَأ على رقبته فَخرجت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بقول أبي جهل فَخرج غَضْبَان حَتَّى جَاءَ الْمَسْجِد فَعجل ان يدْخل من الْبَاب فاقتحم

(1/211)


الْحَائِط فَقلت هَذَا يَوْم شَرّ فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {اقْرَأ باسم رَبك} فَلَمَّا بلغ شَأْن أبي جهل {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} قَالَ إِنْسَان لأبي جهل هَذَا مُحَمَّد فَقَالَ ابو جهل الا ترَوْنَ مَا أرى وَالله لقد سد أفق السَّمَاء عَليّ
وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيقه حَدثنِي عبد الْملك بن أبي سُفْيَان الثَّقَفِيّ قَالَ قدم رجل من أراش بِإِبِل لَهُ مَكَّة فابتاعها مِنْهُ أَبُو جهل بن هِشَام فمطله بأثمانها فَأقبل حَتَّى وقف على نَادِي قُرَيْش فَقَالَ من رجل يعديني على أبي الحكم فَإِنِّي غَرِيب وَابْن سَبِيل وَقد غلبني على حَقي فَقَالَ أهل الْمجْلس ترى ذَلِك الرجل يهوون إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد لما يعلمُونَ بَينه وَبَين أبي جهل من الْعَدَاوَة إذهب إِلَيْهِ فَهُوَ يعديك عَلَيْهِ فَأَتَاهُ فَذكر لَهُ ذَلِك فَقَامَ مَعَه حَتَّى جَاءَهُ فَضرب على بَابه فَقَالَ من هَذَا قَالَ مُحَمَّد فَخرج إِلَيْهِ وَقد انتقع لَونه فَقَالَ اعط هَذَا الرجل حَقه قَالَ لَا تَبْرَح حَتَّى أعْطِيه الَّذِي لَهُ فَدخل فَخرج إِلَيْهِ بِحقِّهِ فَدفعهُ إِلَيْهِ ثمَّ انْصَرف فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الحكم جِئْت عجبا من الْعجب قَالَ وَيحكم وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن ضرب على بَابي فملئت رعْبًا ثمَّ خرجت إِلَيْهِ وَأَن فَوق رَأْسِي لفحلا من الْإِبِل مَا رَأَيْت مثل هامته وَلَا قصرته وَلَا أنيابه لفحل قطّ فوَاللَّه لَو أَبيت لأكلني
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق سَلام بن مِسْكين قَالَ حَدثنِي ابو يزِيد الْمدنِي وَأَبُو قزعة الْبَاهِلِيّ ان رجلا كَانَ لَهُ على أبي جهل دين فَلم يُعْطه فَقيل لَهُ أَلا ندلك على من يسْتَخْرج حَقك قَالَ بلَى قَالُوا عَلَيْك بِمُحَمد بن عبد الله فَأَتَاهُ فجَاء مَعَه إِلَى ابي جهل فَقَالَ اعطه حَقه قَالَ نعم فَدخل الْبَيْت فَأخْرج دَرَاهِمه فَأعْطَاهُ فَقَالُوا لأبي جهل فرقت من مُحَمَّد كل هَذَا قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَأَيْت مَعَه رجَالًا مَعَهم حراب تلمع لَو لم أعْطه لخفت أَن يبعج بهَا بَطْني

(1/212)


بَاب ستْرَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحجاب عَن عين العوراء بنت حَرْب

قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا} وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فهم لَا يبصرون}
اخْرُج ابو يعلى وَابْن ابي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن اسماء بنت ابي بكر قَالَت لما نزلت {تبت يدا أبي لَهب} اقبلت العوراء بنت حَرْب وَلها ولولة وَفِي يَدهَا فهر وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي الْمَسْجِد وَمَعَهُ أَبُو بكر فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بكر قَالَ يَا رَسُول الله قد أَقبلت وَأَنا أَخَاف أَن تراك قَالَ انها لن تراني وَقَرَأَ قُرْآنًا فاعتصم بِهِ فوقفت على أبي بكر وَلم تَرَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَنِّي اخبرت ان صَاحبك هجاني قَالَ لَا وَرب هَذَا الْبَيْت مَا هجاك فَوَلَّتْ وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن اسماء بِنَحْوِهِ وَفِيه فَقَالَ وَالله مَا صَاحِبي بشاعر وَمَا يدْرِي مَا الشّعْر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَهَا تَرين عِنْدِي أحدا فَإِنَّهَا لن تراني جعل بيني وَبَينهَا حجاب فَسَأَلَهَا أَبُو بكر فَقَالَت أتهزأ بِي وَالله مَا أرى عنْدك أحدا
وَأخرج ابْن ابي شيبَة وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {تبت يدا أبي لَهب} جَاءَت امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله لَو تنحيت عَنْهَا فَإِنَّهَا امْرَأَة بذئة اللِّسَان قَالَ انه سيحال بيني وَبَينهَا فَلم تره فَقَالَت يَا أَبَا بكر هجانا صَاحبك قَالَ وَالله مَا ينْطق بالشعر وَلَا يَقُوله قَالَت انك لمصدق فاندفعت رَاجِعَة فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله مَا رأتك قَالَ كَانَ بيني وَبَينهَا ملك يسترني بجناحه حَتَّى ذهبت

(1/213)


بَاب عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المخزوميين

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى (وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا) قَالَ كفار قُرَيْش غطاء {فأغشيناهم} يَقُول ألبسنا أَبْصَارهم {فهم لَا يبصرون} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيؤذونه وَذَلِكَ أَن أُنَاسًا من بني مَخْزُوم تواصوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه مِنْهُم أَبُو جهل والوليد بن مُغيرَة فَبينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي سمعُوا قِرَاءَته فأرسلوا اليه الْوَلِيد ليَقْتُلهُ فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَجعل يسمع قِرَاءَته وَلَا يرَاهُ فَانْصَرف اليهم فاعلمهم بذلك فَأتوهُ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ يُصَلِّي فِيهِ سمعُوا قِرَاءَته فيذهبون الى الصَّوْت فَإِذا الصَّوْت من خَلفهم فيذهبون اليه فيسمعونه أَيْضا من خَلفهم فانصرفوا وَلم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا فَذَلِك قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم} الْآيَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة مَا يُؤَيّد هَذَا
قلت يُشِير إِلَى مَا اخرجه ابْن جرير فِي تَفْسِيره عَن عِكْرِمَة قَالَ قَالَ ابو جهل لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَن فَنزلت {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالا} إِلَى قَوْله تَعَالَى {لَا يبصرون} فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّد فَيَقُول ايْنَ هُوَ أَيْن هُوَ لَا يبصره
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فيجهر بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى تأذى بِهِ نَاس من قُرَيْش حَتَّى قَامُوا ليأخذوه وَإِذا أَيْديهم مَجْمُوعَة إِلَى أَعْنَاقهم وَإِذا هم عمي لَا يبصرون فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا ننشدك الله وَالرحم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ذهب ذَلِك عَنْهُم فَنزلت {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} الْآيَات
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه أَن رجلا من بني مَخْزُوم قَامَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده فهر ليرمي بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أَتَاهُ وَهُوَ ساجد رفع

(1/214)


يَده فيبست على الْحجر فَلم يسْتَطع ارسال الفهر من يَده فَرجع إِلَى اصحابه فَقَالُوا اجبنت عَن الرجل قَالَ لَا وَلَكِن هَذَا فِي يَدي لَا استطيع إرْسَاله فعجبوا من ذَلِك فوجدوا أَصَابِعه قد يَبِسَتْ على الْحجر فعالجوا اصابعه حَتَّى خلصوها وَقَالُوا هَذَا شَيْء يُرَاد
بَاب عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّضر

أخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ كَانَ النَّضر بن الْحَارِث يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتعرض لَهُ فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يُرِيد حَاجته نصف النَّهَار فِي حر شَدِيد فَبلغ أَسْفَل من ثنية الْحجُون وَكَانَ يبعد إِذا ذهب لِحَاجَتِهِ فَرَآهُ النَّضر فَقَالَ لَا اجده أبدا اخلى مِنْهُ السَّاعَة فاغتاله فَدَنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انْصَرف رَاجعا مَرْعُوبًا إِلَى منزله فلقي أَبَا جهل فَقَالَ من أَيْن قَالَ النَّضر اتبعت مُحَمَّدًا رَجَاء أَن أغتاله وَهُوَ وَحده فَإِذا أسود تضرب بأنيابها على رَأْسِي فَاتِحَة أفواهها فذعرت مِنْهَا وَوليت رَاجعا قَالَ أَبُو جهل هَذَا بعض سحره
بَاب عصمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الحكم

أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مندة وَأَبُو نعيم من طَرِيق قيس بن حبر قَالَ قَالَت ابْنة الحكم قَالَ لي جدي الحكم يَا بنية احدثك مَا رَأَيْت بعيني هَاتين تواعدنا يَوْمًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنأخذه فَجِئْنَا إِلَيْهِ فسمعنا صَوتا مَا ظننا انه بَقِي جبل بتهامة إِلَّا تفتت فَغشيَ علينا فَمَا عقلنا حَتَّى قضى صلَاته وَرجع إِلَى أَهله ثمَّ تواعدنا لَهُ لَيْلَة أُخْرَى فَلَمَّا جَاءَ نهضنا إِلَيْهِ فَجَاءَت الصَّفَا والمروة حَتَّى الْتَقت إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى فحالتا بَيْننَا وَبَينه فوَاللَّه مَا نفعنا ذَلِك حَتَّى رزقنا الله الْإِسْلَام وَأذن لنا فِيهِ
بَاب الْآيَة فِي مصارعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق قَالَ حَدثنِي وَالِدي إِسْحَق بن يسَار ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لركانة بن عبد بزيد أسلم فَقَالَ لَو أعلم ان مَا تَقول حق لفَعَلت

(1/215)


فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ركَانَة من أَشد النَّاس أَرَأَيْت إِن صرعتك اتعلم ان ذَلِك حق قَالَ نعم فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصرعه فَقَالَ لَهُ عد يَا مُحَمَّد فَعَاد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه الثَّانِيَة فصرعه على الارض فَانْطَلق ركَانَة وَهُوَ يَقُول هَذَا سَاحر لم أر مثل سحر هَذَا قطّ وَالله مَا ملكت من نَفسِي شَيْئا حِين وضعت جَنْبي إِلَى الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ركَانَة بن عبد يزِيد وَكَانَ من أَشد النَّاس قَالَ كنت أَنا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عنيمة لأبي طَالب نرعاها فِي اول مَا رأى إِذْ قَالَ لي ذَات يَوْم هَل لَك ان تصارعني قلت لَهُ أَنْت قَالَ أَنا فَقلت على مَاذَا قَالَ على شَاة من الْغنم فصارعته فصرعني فَأخذ مني شَاة ثمَّ قَالَ لي هَل لَك فِي الثَّانِيَة قلت نعم فصارعته فصرعني فَأخذ مني شَاة فَجعلت الْتفت هَل يراني إِنْسَان فَقَالَ مَا لَك قلت لَا يراني بعض الرُّعَاة فيجترؤون عَليّ وَأَنا فِي قومِي من أَشَّدهم قَالَ هَل لَك فِي الصراع الثَّالِثَة وَلَك شَاة قلت نعم فصارعته فصرعني وَأخذ مني شَاة فَقَعَدت كئيبا فَقَالَ مَا لَك قلت إِنِّي ارْجع الى عبد يزِيد وَقد أَعْطَيْت ثَلَاثًا من غنمه وَالثَّانيَِة إِنِّي كنت اظن اني اشد قُرَيْش فَقَالَ هَل لَك فِي الرَّابِعَة فَقلت لَا بعد ثَلَاث فَقَالَ أما قَوْلك فِي الْغنم فَإِنِّي أردهَا عَلَيْك فَرد عَليّ فَلم يلبث ان ظهر أمره فَأَتَيْته فَأسْلمت فَكَانَ مِمَّا هَدَانِي الله عز وَجل أَنِّي علمت انه لم يصرعني يَوْمئِذٍ بقوته وَلم يصرعني يَوْمئِذٍ إِلَّا بِقُوَّة غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَ رجل من بني هَاشم يُقَال لَهُ ركَانَة وَكَانَ من أَشد النَّاس وأفتكهم وَكَانَ مُشْركًا وَكَانَ يرْعَى غنما لَهُ فِي وَاد يُقَال لَهُ أضم فَخرج نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَتوجه قبل ذَلِك الْوَادي فَلَقِيَهُ ركَانَة وَلَيْسَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اُحْدُ فَقَامَ إِلَيْهِ ركَانَة فَقَالَ يَا مُحَمَّد انت الَّذِي تَشْتُم آلِهَتنَا اللات والعزى وَتَدْعُو إِلَى إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وَلَوْلَا رحم بيني وَبَيْنك مَا كلمتك الْكَلَام حَتَّى أَقْتلك وَلَكِن ادْع إلهك الْعَزِيز ينجيك مني الْيَوْم وسأعرض عَلَيْك أمرا هَل لَك ان أصارعك وَتَدْعُو إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم يعينك عَليّ وَأَنا أَدْعُو اللات والعزى فان أَنْت صرعتني فلك عشر من غنمي هَذِه تختارها فَقَالَ عِنْد ذَلِك نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِن

(1/216)


شِئْت فآخذها ودعا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلهه الْعَزِيز الْحَكِيم ان يُعينهُ على ركَانَة ودعا ركَانَة اللات والعزى أَعنِي الْيَوْم على مُحَمَّد فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصرعه وَجلسَ على صَدره فَقَالَ ركَانَة قُم فلست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا إِنَّمَا فعله إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى وَمَا وضع اُحْدُ قطّ جَنْبي قبلك ثمَّ قَالَ ركَانَة عد فَإِن أَنْت صرعتني فلك عشر أُخْرَى تختارها فَأَخذه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّانِيَة ودعا كل وَاحِد مِنْهُمَا إلهه كَمَا فعلا أول مرّة فصرعه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ على كبده فَقَالَ لَهُ ركَانَة قُم فلست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا إِنَّمَا فعله إلهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى وَمَا وضع جَنْبي اُحْدُ قطّ قبلك ثمَّ قَالَ ركَانَة عد فان أَنْت صرعتني فلك عشر أُخْرَى تختارها فَأَخذه فصرعه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّالِثَة فَقَالَ لَهُ ركَانَة لست أَنْت الَّذِي فعلت بِي هَذَا وَإِنَّمَا فعله الهك الْعَزِيز الْحَكِيم وخذلني اللات والعزى فدونك ثَلَاثِينَ شَاة من غنمي فاخترها فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُرِيد ذَلِك وَلَكِنِّي أَدْعُوك إِلَى الاسلام يَا ركَانَة وأنفس بك ان تصير الى النَّار إِنَّك ان تسلم تسلم فَقَالَ لَهُ ركَانَة لَا إِلَّا ان تريني آيَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله عَلَيْك شَهِيد إِن أَنا دَعَوْت رَبِّي فأريتك آيَة لتجيبني إِلَى مَا دعوتك إِلَيْهِ قَالَ نعم وَقَرِيب مِنْهُ شَجَرَة سمر ذَات فروع وقضبان فَأَشَارَ اليها نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا اقبلي باذن الله تَعَالَى فانشقت بِاثْنَيْنِ فَأَقْبَلت على نصف شقها وقضبانها وفروعها حَتَّى كَانَت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين ركَانَة فَقَالَ لَهُ ركَانَة اريتني عَظِيما فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ فَقَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك الله شَهِيد لَئِن انا دَعَوْت رَبِّي وَرجعت تُجِيبنِي إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ قَالَ نعم فَرَجَعت بقضبانها وفروعها حَتَّى التأمت لشقها فَقَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم تسلم فَقَالَ لَهُ ركَانَة مَا بِي إِلَّا ان اكون رَأَيْت عَظِيما وَلَكِنِّي رَأَيْت ان تحدث نسَاء الْمَدِينَة وصبيانهم أَنِّي انما جئْتُك لرعب دخل فِي قلبِي مِنْك وَلَكِنِّي قد علمت نسَاء أهل الْمَدِينَة وصبيانهم أَنه لم يضع جَنْبي قطّ أحد وَلم يدْخل قلبِي رعب سَاعَة قطّ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَلَكِن دُونك فاختر غنمك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ لي حَاجَة إِلَى غنمك إِذْ أَبيت ان تسلم فَانْطَلق نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجعا فَأقبل ابو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يلتمسانه فأخبرا انه قد توجه قبل وَادي أضم وَقد عرفا انه وَادي ركَانَة لَا يكَاد يخطئه فَخَرَجَا فِي طلبه وأشفقا أَن يلقاه

(1/217)


ركانه فيقتله فَجعلَا يصعدان على كل شرف ويتشرفان مخرجا لَهُ إِذْ نظرا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقبلا فَقَالَا يَا نَبِي الله كَيفَ تخرج إِلَى هَذَا الْوَادي وَحدك وَقد عرفت انه جِهَة ركَانَة وَأَنه من أفتك النَّاس وأشدهم تَكْذِيبًا لَك فَضَحِك اليهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ الْيَسْ يَقُول الله عز وَجل {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} انه لم يكن يصل إِلَى وَالله معي فَأَنْشَأَ يحدثهما حَدِيثه الَّذِي فعل بِهِ وَالَّذِي اراه فعجبا من ذَلِك فَقَالَا يَا رَسُول الله أصرعت ركَانَة فَلَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا نعلم انه وضع جنبه إِنْسَان قطّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي دَعَوْت رَبِّي فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ إِن رَبِّي أعانني ببضع عشرَة وَقُوَّة عشرَة
بَاب مَا وَقع فِي اسلام عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ

اخْرُج ابْن عَسَاكِر عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت رجلا مستهترا بِالنسَاء فَإِنِّي ذَات لَيْلَة بِفنَاء الْكَعْبَة قَاعد فِي رَهْط من قُرَيْش إِذْ اتينا فَقيل لنا إِن مُحَمَّدًا قد انكح عتبَة بن أبي لَهب من رقية ابْنَته وَكَانَت رقية ذَات جمال رائع فدخلتني الْحَسْرَة لما لَا أكون سبقت إِلَى ذَلِك فَلم ألبث ان انصرفت إِلَى منزلي فَأَصَبْت خَالَة لي قَاعِدَة وَكَانَت قد تكهنت عِنْد قَومهَا فَلَمَّا رأتني قَالَت
(أبشر وحييت ثَلَاثًا تترا ... ثمَّ ثَلَاثًا أُخْرَى)
(ثمَّ بِأُخْرَى كي تتمّ عشرا ... أَتَاك خير ووقيت شرا)
(انكحت وَالله حصانا زهرا ... وَأَنت بكر وَلَقِيت بكرا)
(وافيتها بنت عَظِيم قدرا ... )
قَالَ عُثْمَان فعجبت من قَوْلهَا وَقلت يَا خَالَة مَا تَقُولِينَ فَقَالَت عُثْمَان لَك الْجمال وَلَك اللِّسَان هَذَا نَبِي مَعَه الْبُرْهَان أرْسلهُ بِحقِّهِ الديَّان وجاءه التَّنْزِيل وَالْفرْقَان فَاتبعهُ لَا تغتالك الْأَوْثَان قلت يَا خَالَة إِنَّك لتذكرين شَيْئا مَا وَقع ذكره ببلدنا فأبينيه لي فَقَالَت مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول من عِنْد الله جَاءَ بتنزيل الله يَدْعُو بِهِ إِلَى ربه ثمَّ

(1/218)


قَالَت مصباحه مِصْبَاح وَدينه فلاح وَأمره نجاح وقرنه نطاح ذلت لَهُ البطاح مَا ينفع الصياح لَو وَقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قَالَ ثمَّ انصرفت وَوَقع كَلَامهَا فِي قلبِي وَجعلت أفكر فِيهِ وَكَانَ لي مجْلِس عِنْد أبي بكر فَأَتَيْته فَأَخْبَرته بِمَا سَمِعت من خَالَتِي فَقَالَ وَيحك يَا عُثْمَان إِنَّك رجل حَازِم مَا يخفى عَلَيْك الْحق من الْبَاطِل مَا هَذِه الْأَوْثَان يَعْبُدهَا قَومنَا أليست من حِجَارَة صم لَا تسمع وَلَا تبصر وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع قلت بلَى وَالله إِنَّهَا كَذَلِك قَالَ فقد وَالله صدقتك خالتك هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن عبد الله قد بَعثه الله تَعَالَى برسالته إِلَى خلقه قَالَ فوَاللَّه مَا تمالكت حِين سَمِعت قَوْله أَن أسلمت ثمَّ لم ألبث ان تزوجت رقية فَكَانَ يُقَال أحسن زوج رقية وَعُثْمَان
بَاب مَا وَقع فِي اسلام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من الْآيَات

اخْرُج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن انس قَالَ خرج عمر مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ لَهُ ايْنَ تعمد يَا عمر قَالَ اريد ان اقْتُل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَبني زهرَة فَقَالَ عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صبوت وَتركت دينك قَالَ أَفلا أدلك على الْعجب ان اختك وختنك قد صبوا وتركا دينك فَمشى عمر ذامر أَي غَضْبَان حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خباب فَلَمَّا سمع خباب بحس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل عَلَيْهِمَا فَقَالَ مَا هَذِه الهينمة الَّتِي قد سَمعتهَا عنْدكُمْ وَكَانُوا يقرءُون طه فَقَالَا مَا عدا حَدِيثا تحدثنا بِهِ قَالَ فلعلكما قد صبوتما فَقَالَ لَهُ ختنه يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عمر على ختنه فوطئه وطئا شَدِيدا فَجَاءَت اخته لتدفعه عَن زَوجهَا فنفحها نفحة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا فَقَالَ عمر اعطوني الْكتاب الَّذِي هُوَ عنْدكُمْ فاقرأه فَقَالَت لَهُ اخته إِنَّك رِجْس وانه لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ فَتَوَضَّأ فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ اخذ الْكتاب فَقَرَأَ طه حَتَّى انْتهى إِلَى {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد

(1/219)


فَلَمَّا سمع خباب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ أبشر يَا عمر فَإِنِّي ارجو ان تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك لَيْلَة الْخَمِيس اللَّهُمَّ أعز الاسلام بعمر بن الْخطاب أَو بعمر ابْن هِشَام فَخرج حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عمر بن الْخطاب قَالَ كنت من أَشد النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا أَنا فِي يَوْم حَار شَدِيد الْحر بالهاجرة فِي بعض طرق مَكَّة إِذْ لَقِيَنِي رجل من قُرَيْش فَقَالَ لي أَيْن تُرِيدُ يَا ابْن الْخطاب فَقلت أُرِيد إلهي وإلهي وإلهي قَالَ عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب إِنَّك تزْعم أَنَّك كَذَلِك وَقد دخل عَلَيْك الامر فِي بَيْتك قَالَ فَقلت وَمَا ذَاك قَالَ أختك قد اسلمت قَالَ فَرَجَعت مغضبا حَتَّى قرعت الْبَاب وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أسلم الرجل وَالرجلَانِ مِمَّن لَا شَيْء لَهُ ضمهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرجل الَّذِي فِي يَده السعَة فينالا من فَضله طَعَامه وَقد كَانَ ضم إِلَى زوج اختي رجلَيْنِ فَلَمَّا قرعت الْبَاب قيل من هَذَا قلت عمر فتبادروا فاختفوا مني وَقد كَانُوا يقرأون صحيفَة بَين أَيْديهم تركوها أَو نسوها فَقَامَتْ اختي تفتح الْبَاب فَقلت يَا عدوة نَفسهَا صبوت وضربتها بِشَيْء فِي يَدي على رَأسهَا فَسَالَ الدَّم فَلَمَّا رَأَتْ الدَّم بَكت فَقَالَت يَا ابْن الْخطاب مَا كنت فَاعِلا فافعله فقد صبوت قَالَ وَدخلت حَتَّى جَلَست على السرير فَنَظَرت الى الصَّحِيفَة وسط الْبَيْت فَقلت مَا هَذَا ناولينيها فَقَالَت لست من اهلها أَنْت لَا تطهر من الْجَنَابَة وَهَذَا كتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَمَا زلت بهَا حَتَّى ناولتنيها ففتحتها فَإذْ فِيهَا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَلَمَّا مَرَرْت باسم من اسماء الله تَعَالَى ذعرت مِنْهُ فألقيت الصَّحِيفَة ثمَّ رجعت الى نَفسِي فتناولتها فَإِذا فِيهَا {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَلَمَّا مَرَرْت باسم من اسمائه تَعَالَى ذعرت ثمَّ رجعت الى نَفسِي فقرأتها حَتَّى بلغت {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} إِلَى آخر الْآيَة فَقلت أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد ان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَخَرجُوا إِلَيّ متبادرين وَكَبرُوا وَقَالُوا

(1/220)


أبشر يَا بن الْخطاب فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا يَوْم الِاثْنَيْنِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اعز دينك بِأحب الرجلَيْن اليك اما ابو جهل بن هِشَام واما عمر بن الْخطاب وانا نرجو ان تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك
وَأخرج أَحْمد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ خرجت أتعرض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ان اسْلَمْ فَوَجَدته قد سبقني الى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت اعْجَبْ من تأليف الْقُرْآن فَقلت هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون} فَقلت كَاهِن قَالَ {وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ تَنْزِيل من رب الْعَالمين} إِلَى آخر السُّورَة فَوَقع الاسلام فِي قلبِي كل موقع
واخرج ابْن ابي شيبَة فِي مُسْنده عَن جَابر قَالَ قَالَ عمر ضرب اختي الْمَخَاض لَيْلًا فَخرجت حَتَّى أتيت الْكَعْبَة فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى فَسمِعت شَيْئا لم اسْمَع مثله ثمَّ انْصَرف فتبعته فَقَالَ يَا عمر مَا تتركني لَيْلًا وَلَا نَهَارا فَخَشِيت أَن يَدْعُو عَليّ فَقلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
وَأخرج ابو نعيم عَن عمر قَالَ كنت جَالِسا مَعَ أبي جهل وَشَيْبَة بن ربيعَة فَقَالَ ابو جهل يَا معشر قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد شتم آلِهَتكُم وسفه احلامكم وَزعم ان من مضى من آبائكم يتهافتون فِي النَّار أَلا وَمن قتل مُحَمَّدًا فَلهُ عَليّ مائَة نَاقَة حَمْرَاء وسوداء وَألف أُوقِيَّة فضَّة قَالَ عمر فَخرجت مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ متنكبا كِنَانَتِي أُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمررت على عجل يذبحونه فَقُمْت أنظر إِلَيْهِم فاذا صائح يَصِيح من جَوف الْعجل يَا آل ذريح أَمر نجيح رجل يَصِيح بِلِسَان فصيح يَدْعُو إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ عمر فَعلمت انه أرادني ثمَّ مَرَرْت بِغنم فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَيَقُول

(1/221)


(يَا أَيهَا النَّاس ذَوُو الْأَجْسَام ... مَا أَنْتُم وطائش الأحلام)
(ومسندو الحكم إِلَى الْأَصْنَام ... فكلكم أوره كالنعام)
(أما ترَوْنَ مَا أرى أَمَامِي ... من سَاطِع يجلود حَيّ الظلام)
(قد لَاحَ للنَّاظِر من تهام ... أكْرم بِهِ لله من إِمَام)
(قد جَاءَ بعد الْكفْر بِالْإِسْلَامِ ... وَالْبر والصلات للأرحام)
قَالَ عمر فَقلت وَالله مَا أرَاهُ إِلَّا أرادني ثمَّ مَرَرْت بالضمار فاذا هَاتِف من جَوْفه يَقُول
(ترك الضمار وَكَانَ يعبد وَحده ... بعد الصَّلَاة مَعَ النَّبِي مُحَمَّد)
(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)
(سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله ... لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد)
(فاصبر أَبَا حَفْص فَإنَّك آمن ... يَأْتِيك عز غير عز بني عدي)
(لَا تعجلن فَأَنت نَاصِر دينه ... حَقًا يَقِينا بِاللِّسَانِ وباليد)
قَالَ عمر فوَاللَّه لقد علمت انه أرادني فَجئْت حَتَّى دخلت على أُخْتِي فَإِذا خباب ابْن الْأَرَت عِنْدهَا وَزوجهَا فَقَالَ خباب وَيحك يَا عمر أسلم فدعوت بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأت ثمَّ خرجت الى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي اسْتُجِيبَ لي فِيك يَا عمر أسلم فَأسْلمت وَكنت تَمام أَرْبَعِينَ رجلا مِمَّن أسلم وَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بِأحب هذَيْن الرجلَيْن إِلَيْك بِأبي جهل ابْن هِشَام أَو عمر بن الْخطاب وَأخرج الْبَيْهَقِيّ مثله من حَدِيث عمر نَفسه وَمن حَدِيث أنس

(1/222)


وَأخرج إِبْنِ ماجة وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بعمر خَاصَّة وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ اعز الاسلام بعمر أَو بِأبي جهل فَجعل الله دَعْوَة رَسُوله لعمر فَبنى عَلَيْهِ ملك الاسلام
واخرج البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ مَا زلنا أعزة مُنْذُ أسلم عمر
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَنهُ قَالَ وَالله مَا استطعنا ان نصلي عِنْد الْكَعْبَة ظَاهِرين حَتَّى أسلم عمر
وَأخرج الْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ كَانَ الاسلام فِي زمَان عمر كَالرّجلِ الْمقبل لَا يزْدَاد إِلَّا قربا فَلَمَّا قتل عمر كَانَ كَالرّجلِ الْمُدبر لَا يزْدَاد إِلَّا بعدا
وَأخرج ابْن سعد عَن عُثْمَان بن الارقم ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا اللَّهُمَّ اعز الْإِسْلَام بِأحب الرجلَيْن إِلَيْك عمر بن الْخطاب أَو عَمْرو بن هِشَام فجَاء عمر من الْغَد بكرَة فَأسلم
واخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَشِيَّة الْخَمِيس فَقَالَ اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الْخطاب اَوْ بِعَمْرو بن هِشَام فاصبح عمر يَوْم الْجُمُعَة فَأسلم
واخرج ابْن سعد عَن صُهَيْب بن سِنَان لما اسْلَمْ عمر ظهر الاسلام ودعي اليه عَلَانيَة وَجَلَسْنَا حول الْبَيْت حلقا وطفنا بِالْبَيْتِ وانتصفنا مِمَّن غلظ علينا ورددنا بعض مَا يَأْتِي بِهِ
واخرج عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ اسْلَمْ عمر بعد أَرْبَعِينَ رجلا وَعشر نسْوَة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أسلم فَظهر الاسلام بِمَكَّة
واخرج الْحَاكِم وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما اسْلَمْ عمر نزل جبرئيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد لقد استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر

(1/223)


بَاب مَا وَقع فِي إِسْلَام ضماد

اخْرُج احْمَد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم ضماد مَكَّة وَهُوَ رجل من أَزْد شنُوءَة وَكَانَ يرقي من هَذِه الرِّيَاح فَسمع سُفَهَاء النَّاس يَقُولَن ان مُحَمَّدًا مَجْنُون فَقَالَ آتِي هَذَا الرجل لَعَلَّ الله ان يشفيه على يَدي فَلَقِيت مُحَمَّدًا فَقلت إِنِّي أرقي من هَذِه الرِّيَاح وَإِن الله يشفي على يَدي من يَشَاء فَهَلُمَّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الْحَمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن بِهِ ونتوكل عَلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من شرور انفسنا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلله فَلَا هادي لَهُ واشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وان مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَقَالَ ضماد اعدهن عَليّ فأعادهن فَقَالَ وَالله لقد سَمِعت قَول الكهنة وَقَول السَّحَرَة وَقَول الشُّعَرَاء فَمَا سَمِعت مثل هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات وَلَقَد بلغن قَامُوس الْبَحْر فَهَلُمَّ يدك أُبَايِعك على الْإِسْلَام فَبَايعهُ
بَاب مَا وَقع فِي اسلام عَمْرو بن عبد الْقَيْس

اخْرُج ابْن شاهين من طَرِيق حُسَيْن بن مُحَمَّد حَدثنَا ابي حَدثنَا جُبَير بن الحكم الْعَبْدي عَن صحار بن الْعَبَّاس ومزيدة ابْن مَالك فِي نفر من عبد الْقَيْس قَالُوا كَانَ الْأَشَج أشج عبد الْقَيْس صديقا لراهب ينزل بدأرين فَلَقِيَهُ عَاما فَأخْبرهُ ان نَبيا يخرج بِمَكَّة يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة بَين كَتفيهِ عَلامَة يظْهر على الاديان ثمَّ مَاتَ الراهب فَبعث الاشج ابْن اخت لَهُ يُقَال لَهُ عَمْرو بن عبد الْقَيْس وَهُوَ على ابْنَته امامة بنت الْأَشَج فَأتى مَكَّة عَام الْهِجْرَة فلقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأى صِحَة الْعَلامَة فَأسلم وَعلمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله واقرأ باسم رَبك وَقَالَ لَهُ ادْع خَالك إِلَى الْإِسْلَام فَرجع وَأخْبر الاشج الْخَبَر فَأسلم الْأَشَج وكتم اسلامه حينا ثمَّ خرج فِي سِتَّة عشر رجلا فَقدم الْمَدِينَة فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيْلَة الَّتِي قدمُوا فِي صبيحتها فَقَالَ ليَأْتِيَن ركب من قبل الْمشرق لم يكرهوا على الْإِسْلَام لصَاحِبِهِمْ عَلامَة فقدموا وَكَانَ قدومهم عَام الْفَتْح وَذكره ابْن سعد فِي طبقاته بِلَا إِسْنَاد

(1/224)


بَاب مَا وَقع فِي اسلام الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي من الْآيَات

اخْرُج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قدم الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله ان دوسا قد عَصَتْ وأبت فَادع الله عَلَيْهَا فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهد دوسا وأت بهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ كَانَ الطُّفَيْل بن عمر والدوسي يحدث انه قدم مَكَّة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا فَمشى اليه رجال من قُرَيْش وَكَانَ الطُّفَيْل رجلا شريفا شَاعِرًا لبيبا فَقَالُوا لَهُ إِنَّك قدمت بِلَادنَا وَهَذَا الرجل الَّذِي بَين أظهرنَا فرق جماعتنا وشتت امرنا وانما قَوْله كالسحر يفرق بَين الْمَرْء وَأَبِيهِ وَبَين الرجل وأخيه وَبَين الرجل وَزَوجته وَإِنَّا نخشى عَلَيْك وعَلى قَوْمك مَا دخل علينا فَلَا تكَلمه وَلَا تسمعن مِنْهُ قَالَ فوَاللَّه مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجمعت على ان لَا أسمع مِنْهُ شَيْئا وَلَا اكلمه حَتَّى حشوت فِي اذني حِين غَدَوْت إِلَى الْمَسْجِد كرسفا فرق من ان يبلغنِي شَيْء من قَوْله فَغَدَوْت الى الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة فَقُمْت قَرِيبا مِنْهُ فَأبى الله إِلَّا ان يسمعني بعض قَوْله فَسمِعت كلَاما حسنا فَقلت فِي نَفسِي إِنِّي لرجل لَبِيب شَاعِر مَا يخفي عَليّ الْحسن من الْقَبِيح فَمَا يَمْنعنِي من أَن أسمع من هَذَا الرجل مَا يَقُول فَإِن كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حسنا قبلت وَإِن كَانَ قبيحا تركت فَمَكثت حَتَّى انْصَرف إِلَى بَيته فتبعته فَقلت إِن قَوْمك قد قَالُوا لي كَذَا وَكَذَا فاعرض عَليّ امرك فَعرض عَليّ الاسلام وتلا عَليّ الْقُرْآن فَلَا وَالله مَا سَمِعت قولا قطّ احسن مِنْهُ وَلَا أمرا اعْدِلْ مِنْهُ فَأسْلمت وَقلت يَا نَبِي الله إِنِّي امْرُؤ مُطَاع فِي قومِي وَإِنِّي رَاجع إِلَيْهِم فداعيهم إِلَى الاسلام فَادع الله ان يَجْعَل لي آيَة تكون لي عونا عَلَيْهِم فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل لَهُ آيَة فَخرجت إِلَى قومِي حَتَّى إِذا كنت بثنية كداء وَقع نور بَين عَيْني مثل الْمِصْبَاح فَقلت اللَّهُمَّ فِي غير وَجْهي إِنِّي اخشى ان يَظُنُّوا انها مثلَة وَقعت فِي وَجْهي فتحول فَوَقع فِي رَأس سَوْطِي كالقنديل الْمُعَلق ثمَّ دَعَوْت قومِي الى الاسلام فابطأوا عَليّ فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت إِن دوسا غلبتني فَادع الله عَلَيْهِم فَقَالَ اهد دوسا ارْجع إِلَى قَوْمك فادعهم وارفق بهم فَرَجَعت فَلم أزل بِأَرْض دوس

(1/225)


أدعوهم حَتَّى هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قدمت عَلَيْهِ بِخَيْبَر بِمن أسلم من قومِي سبعين أَو ثَمَانِينَ بَيْتا من دوس
اخرجه ابو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عبد الله بن جَعْفَر عَن عبد الْوَاحِد بن أبي عون الدوسي بِهِ وَوَصله ابْن اسحاق فِي بعض نسخ الْمَغَازِي من طَرِيق صَالح بن كيسَان عَن الطُّفَيْل بن عمرويه وَهُوَ فِي سَائِر النّسخ بِغَيْر إِسْنَاد
وَقَالَ ابو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني أَخْبرنِي عمي حَدثنَا الحزنبل بن عَمْرو ابْن أبي عَمْرو عَن أَبِيه وَاللَّفْظ لَهُ وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد حَدثنِي عمي عَن الْعَبَّاس بن هِشَام عَن أَبِيه ان الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي خرج حَتَّى أَتَى مَكَّة وَقد بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَاجَر إِلَى الْمَدِينَة فأرسلته قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا لَهُ انْظُر لنا هَذَا الرجل وَمَا عِنْده فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض عَلَيْهِ الاسلام فَقَالَ لَهُ اني رجل شَاعِر فاسمع مَا اقول فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَات فانشده فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانا اقول فاسمع ثمَّ قرا اعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّحِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} إِلَى آخرهَا ثمَّ قَرَأَ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} وَدعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَعَاد إِلَى قومه فَأَتَاهُم فِي لَيْلَة مطيرة ظلماء فَلم يبصر أَيْن يسْلك فأضاء لَهُ نور فِي طرف سَوْطه فَأتى النَّاس فعلقوا يَأْخُذُونَ بِسَوْطِهِ فَيخرج النُّور من بَين أَصَابِعهم فَدَعَا أَبَوَيْهِ إِلَى الاسلام فَأسلم أَبوهُ وَلم تسلم أمه ثمَّ دَعَا قومه فَلم يجبهُ إِلَّا أَبُو هُرَيْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ سَبَب تَسْمِيَة الطُّفَيْل بِذِي النُّور أَنه لما وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا لِقَوْمِهِ قَالَ لَهُ ابعثني اليهم وَاجعَل لي آيَة فَقَالَ اللَّهُمَّ نور لَهُ فسطع نور بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ يَا رب أَخَاف ان يَقُولُوا مثله فتحول إِلَى طرف سَوْطه فَكَانَ يضيء لَهُ فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة

(1/226)


واخرج ابو الْفرج الاصبهاني فِي الاغاني عَن ابْن الْكَلْبِيّ ان الطُّفَيْل لما قدم مَكَّة ذكر لَهُ نَاس من قُرَيْش أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فأنشده من شعره فَتلا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاخلاص والمعوذتين فَأسلم فِي الْحَال وَعَاد إِلَى قومه وَذكر قصَّة سَوْطه ونوره قَالَ فَدَعَا أَبَوَيْهِ فَأسلم أَبوهُ وَلم تسلم أمه ودعا قومه فَلم يُجِيبُوهُ ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَلَمَّا دَعَا لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ الطُّفَيْل مَا كنت أحب هَذَا فَقَالَ إِن فيهم مثلك كثير
بَاب مَا وَقع فِي اسلام عُثْمَان بن مَظْعُون

اخْرُج احْمَد وَابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفنَاء بَيته بِمَكَّة جَالس إِذْ مر بِهِ عُثْمَان بن مَظْعُون فكشر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ أَلا تجْلِس قَالَ بلَى فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثه إِذْ شخص رَسُول الله ببصره إِلَى السَّمَاء فَنظر سَاعَة إِلَى السَّمَاء فَأخذ يضع بَصَره حَتَّى وَضعه على يَمِينه فِي الأَرْض فتحرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جليسه عُثْمَان إِلَى حَيْثُ وضع بَصَره فَأخذ ينغض رَأسه كَأَنَّهُ يستفقه مَا يُقَال لَهُ وَابْن مَظْعُون ينظر فَلَمَّا قضى حَاجته شخص بصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء كَمَا شخص اول مرّة فَأتبعهُ بَصَره حَتَّى توارى فِي السَّمَاء فَأقبل الى عُثْمَان بجلسته الأولى فَقَالَ عُثْمَان يَا مُحَمَّد مَا رَأَيْتُك تفعل كفعلك بِالْغَدَاةِ قَالَ وَمَا رَأَيْتنِي فعلت فَأخْبرهُ قَالَ أوفطنت لذَلِك قَالَ نعم قَالَ إِن جبرئيل أَتَانِي آنِفا فَقَالَ فَمَا قَالَ لَك قَالَ {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} قَالَ عُثْمَان فَذَلِك حِين اسْتَقر الاسلام فِي قلبِي وأحببت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/227)


بَاب اسلام الْجِنّ وَمَا ظهر فِي ذَلِك من الْآيَات

قَالَ الله تَعَالَى وَإِذ صرفنَا لَك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن الْآيَات وَقَالَ تَعَالَى {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} الْآيَات
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَة من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين الى قَومهمْ فَقَالُوا مالكم فَقَالُوا حيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء فَأرْسلت علينا الشهب قَالُوا مَا حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وانظروا مَا هَذَا الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السما فَانْطَلقُوا يضْربُونَ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا أُولَئِكَ النَّفر الَّذين توجهوا نَحْو تهَامَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بنخلة وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن وَاسْتَمعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَالله الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فهنالك حِين رجعُوا إِلَى قَومهمْ قَالُوا يَا قَومنَا و {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا}
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت ابْن مَسْعُود من آذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجن لَيْلَة اسْتَمعُوا الْقُرْآن قَالَ آذنته بهم شَجَرَة
وَأخرج مُسلم وَاحْمَدْ وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَلْقَمَة قَالَ قلت لِابْنِ مَسْعُود هَل صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ مِنْكُم أحد قَالَ مَا صَحبه منا أحد لَكنا فقدناه ذَات لَيْلَة بِمَكَّة فَقُلْنَا اغتيل اَوْ استطير مَا فعل بِهِ قَالَ فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم فَلَمَّا كَانَ فِي وَجه الصُّبْح إِذا نَحن بِهِ يَجِيء من قبل حراء فاخبرناه فَقَالَ انه أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فأتيتهم فَقَرَأت عَلَيْهِم فَانْطَلق فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم

(1/228)


وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عُثْمَان الْخُزَاعِيّ عَن ابْن مَسْعُود ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاصحابه وَهُوَ بِمَكَّة من أحب مِنْكُم ان يحضر اللَّيْلَة امْر الْجِنّ فَلْيفْعَل فَلم يحضر مِنْهُم اُحْدُ غَيْرِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى اذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة خطّ لي بِرجلِهِ خطا ثمَّ امرني ان اجْلِسْ فِيهِ ثمَّ انْطلق حَتَّى قَامَ فَافْتتحَ الْقُرْآن فَغَشِيتهُ أسوده كَثِيرَة حَتَّى حَالَتْ بيني وَبَينه حَتَّى مَا اسْمَع صَوته ثمَّ انْطَلقُوا فطفقوا يَتَقَطَّعُون مثل قطع السَّحَاب ذَاهِبين حَتَّى بَقِي مِنْهُم رَهْط وَفرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْفجْر فَانْطَلق فبرز ثمَّ اتاني فَقَالَ مَا فعل الرَّهْط فَقلت هم اولئك يَا رَسُول الله فَأخذ عظما وَرَوْثًا فاعطاهم إيَّاهُمَا ثمَّ نهى ان يَسْتَطِيب اُحْدُ بِعظم اَوْ بروث
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَليّ بن رَبَاح عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن نَفرا من الْجِنّ خَمْسَة عشر بني أخوة وَبني عَم يأتوني اللَّيْلَة فاقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَانْطَلَقت مَعَه إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَرَادَ فَخط لي خطا فأجلسني فِيهِ وَقَالَ لي لَا تخرج من هَذَا فَبت فِيهِ حَتَّى أَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ السحر فَلَمَّا أَصبَحت قلت لاعلمن حَيْثُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَهَبت فَرَأَيْت مَوضِع مبرك سِتِّينَ بَعِيرًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي الجوزاء عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ حَتَّى اتى الْحجُون فَخط عَليّ خطا ثمَّ تقدم اليهم فازدحموا عَلَيْهِ فَقَالَ سيد لَهُم يُقَال لَهُ وردان إِنِّي أَنا أرحلهم عَنْك فَقَالَ انه لن يجيرني من الله أحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَن ابْن مَسْعُود أبْصر زطا فِي بعض الطَّرِيق فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الزط قَالَ مَا رَأَيْت شبههم إِلَّا الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ وَكَانُوا مستنفرين يتبع بَعضهم بَعْضًا
وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة صرف إِلَيْهِ النَّفر من الْجِنّ فَأتى رجل من الْجِنّ بشعلة من نَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ جبرئيل يَا مُحَمَّد أَلا اعلمك كَلِمَات إِذا قلتهن طفئت شعلته وانكب لمنخره قل أعوذ بِوَجْه الله

(1/229)


الْكَرِيم وكلماته التَّامَّة الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ مَا ذَرأ فِي الارض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمن شَرّ فتن اللَّيْل وَمن شَرّ طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن
واخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابي التياح أَن عبد الرَّحْمَن بن خنبش سُئِلَ كَيفَ صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كادته الشَّيَاطِين قَالَ تحدرت عَلَيْهِ شياطين من الْجبَال والأودية يُرِيدُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَفِيهِمْ شَيْطَان بِيَدِهِ شعلة من نَار يُرِيد ان يحرق بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَهُ جبرئيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد قل أَعُود بِكَلِمَات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا خلق وذرأ وبرأ وَمن شَرّ فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن شَرّ كل طَارق إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن فقالهن فطفئت نَار الشَّيَاطِين وَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى
واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي زيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ فِي نفر من أَصْحَابه اذ قَالَ ليقمْ مِنْكُم معي رجل وَلَا يقومن رجل فِي قلبه من الْغِشّ مِثْقَال ذرة فَقُمْت مَعَه وَأخذت اداوة وَلَا احسبها إِلَّا مَاء فَخرجت مَعَه حَتَّى اذا كُنَّا بِأَعْلَى مَكَّة رَأَيْت أَسْوِدَة مجتمعة فَخط لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا ثمَّ قَالَ قُم هَهُنَا حَتَّى آتِيك فَقُمْت وَمضى اليهم فرأيتهم يتثورون إِلَيْهِ فسمر مَعَهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا حَتَّى جَاءَنِي مَعَ الْفجْر فَقَالَ مَا زلت قَائِما يَا ابْن مَسْعُود قلت أَو لم تقل لي قُم حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ لي هَل مَعَك من وضوء فَقلت نعم ففتحت الأداوة فَإِذا هُوَ نَبِيذ فَقلت وَالله لقد اخذت الأداوة وَلَا احسبها إِلَّا مَاء فَإِذا هُوَ نَبِيذ فَقَالَ ثَمَرَة طيبَة وَمَاء طهُور ثمَّ تَوَضَّأ مِنْهَا فَلَمَّا قَامَ يُصَلِّي أدْركهُ شخصان مِنْهُم فَقَالَا لَهُ يَا رَسُول الله إِنَّا نحب ان تؤمنا فِي صَلَاتنَا فصفهما خَلفه ثمَّ صلى بِنَا ثمَّ انْصَرف فَقلت لَهُ من هَؤُلَاءِ يَا رَسُول الله قَالَ هَؤُلَاءِ جن نَصِيبين جَاءُونِي يختصمون إِلَيّ فِي امور كَانَت بَينهم وَقد سَأَلُونِي الزَّاد فزودتهم فَقلت مَا

(1/230)


زودتهم قَالَ الرّجْعَة وَمَا وجدوا من رَوْث وجدوه تَمرا وَمَا وجدوا من عظم وجدوه كاسيا وَعند ذَلِك نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يستطاب بالروث والعظم
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق أبي الْمُعَلَّى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْهِجْرَة إِلَى نواحي مَكَّة فَخط لي خطا وَقَالَ لَا تحدثن شَيْئا حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ لَا يروعنك اَوْ لَا يهولنك شَيْء ترَاهُ فَتقدم شَيْئا ثمَّ جلس فَإِذا رجال سود كَأَنَّهُمْ رجال الزط وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} فَأَرَدْت ان اقْربْ فأذب عَنهُ بَالغا مَا بلغت ثمَّ ذكرت عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَكثت ثمَّ انهم تفَرقُوا عَنهُ فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ يَا رَسُول الله إِن شقتنا بعيدَة وَنحن منطلقون فزودنا قَالَ لكم الرجعى وَمَا أتيتم عَلَيْهِ من عظم فلكم عَلَيْهِ لحم وَمَا أتيتم من الروث فَهُوَ لكم تمر فَلَمَّا ولوا قلت من هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ جن نَصِيبين
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابي ظبْيَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْطَلق بِي مَعَه حَتَّى أَتَى البرَاز ثمَّ خطّ لي خطا ثمَّ قَالَ لي لَا تَبْرَح حَتَّى أرجع إِلَيْك فَمَا جَاءَ حَتَّى السحر فَقَالَ أرْسلت إِلَى الْجِنّ قلت فَمَا هَذِه الْأَصْوَات الَّتِي أسمعها قَالَ هَذِه أَصْوَاتهم حِين ودعوني وسلموا عَليّ
واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ فَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى بلغنَا أَعلَى مَكَّة فَخط لي خطا فَقَالَ لَا تَبْرَح ثمَّ انصاع فِي الْجبَال فَرَأَيْت الرِّجَال ينحدرون عَلَيْهِ من رُؤُوس الْجبَال حَتَّى حالوا بيني وَبَينه فاخترطت السَّيْف وَقلت لَأَضرِبَن حَتَّى استنقذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكرت قَوْله لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَلم أزل كَذَلِك حَتَّى أَضَاء الْفجْر فجَاء وَأَنا قَائِم فَقَالَ مَا زلت على حالك قلت لَو لَبِثت شهرا مَا بَرحت حَتَّى تَأتِينِي ثمَّ أخْبرته بِمَا أردْت ان اصْنَع فَقَالَ لَو خرجت مَا التقيت أَنا وَلَا أَنْت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

(1/231)


ثمَّ شَبكَ أَصَابِعه فِي أصابعي وَقَالَ إِنِّي وعدت ان يُؤمن بِي الْجِنّ وَالْإِنْس فَأَما الانس فقد آمَنت بِي وَأما الْجِنّ فقد رَأَيْت
واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَمْرو الْبكالِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ استتبعني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا مَكَان كَذَا وَكَذَا فَخط خطة فَقَالَ لي كن بَين ظهراني هَذِه لَا تخرج مِنْهَا فَإنَّك إِن خرجت مِنْهَا هَلَكت فَكنت فِيهَا فَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذفة ثمَّ انه ذكر هنيئة فَأتوا كَأَنَّهُمْ الزط لَيْسَ عَلَيْهِم ثِيَاب وَلَا أرى سوءاتهم طوَالًا قَلِيلا لحمهم فَأتوا فَجعلُوا يركبون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ عَلَيْهِم وَجعلُوا يأتوني فيجلبون حَولي ويعترضون بِي فَرُعِبْت مِنْهُم رعْبًا شَدِيدا فَلَمَّا انْشَقَّ عَمُود الصُّبْح جعلُوا يذهبون فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فِي حجري ثمَّ ان هنيئة اتوا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض طوال وَقد أغفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرعبت أَشد مِمَّا أرعبت الأولى فَقَالَ بَعضهم لبَعض فلنضرب لَهُ مثلا فَقَالَ بَعضهم اضربوا لَهُ مثلا ونأول نَحن ونضرب نَحن وتأولون فَقَالَ بَعضهم مثله كَمثل رجل سيد ابتنى بِنَاء حصينا ثمَّ ارسل إِلَى النَّاس بِالطَّعَامِ فَمن لم يَأْتِ عذبه عذَابا شَدِيدا قَالَ الْآخرُونَ اما السَّيِّد فَهُوَ رب الْعَالمين وام الْبُنيان فَهُوَ الاسلام وَالطَّعَام الْجنَّة وَهُوَ الدَّاعِي فَمن اتبعهُ كَانَ فِي الْجنَّة وَمن لم يتبعهُ عذب ثمَّ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استيقط قَالَ مَا رَأَيْت يَا ابْن أم عبد فَقلت رَأَيْت كَذَا وَكَذَا قَالَ مَا خَفِي عَليّ شَيْء مِمَّا قَالُوا هم نفر من الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابي رَجَاء قَالَ كُنَّا فِي سفر حَتَّى نزلنَا على المَاء فضربنا أخبيتنا وَذَهَبت أقيل فَإِذا انا بحية دخلت الخباء وَهِي تضرب فمددت أداوتي فنضحت عَلَيْهَا من المَاء كلما نضحت عَلَيْهَا من المَاء سكنت وَكلما حبست عَنْهَا اضْطَرَبَتْ فَلَمَّا صليت الْعَصْر مَاتَت الْحَيَّة فعمدت الى عيبتي فأخرجت مِنْهَا خرقَة بَيْضَاء فلففتها وكفنتها وحفرت لَهَا ودفنتها ثمَّ سرنا يَوْمنَا ذَلِك وليلتنا حَتَّى إِذا اصبحت ونزلنا على المَاء وضربنا أخبيتنا فَذَهَبت اقيل فَإِذا انا بِأَصْوَات سَلام عَلَيْكُم مرَّتَيْنِ لَا وَاحِد وَلَا

(1/232)


عشرَة وَلَا مائَة وَلَا الف اكثر من ذَلِك فَقلت مَا انتم قَالُوا نَحن الْجِنّ بَارك الله عَلَيْك قد صنعت إِلَيْنَا مَا لَا نستطيع ان نجازيك فَقلت مَاذَا قَالُوا إِن الْحَيَّة الَّتِي مَاتَت عنْدك كَانَ آخر من بَقِي مِمَّن بَايع من الْجِنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابو نعيم عَن معَاذ بن عبد الله بن معمر قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان فجَاء رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَينا انا بفلاة كَذَا وَكَذَا إِذا اعصاران قد اقبلتا إِحْدَاهمَا من مَكَان وَالْأُخْرَى من مَكَان فالتقتا فاعتركتا ثمَّ تفرقتا واحدهما اقل مِنْهَا حِين جَاءَت فَذَهَبت حَتَّى جِئْت معتركيهما فَإِذا من الْحَيَّات شَيْء مَا رَأَيْت مثله قطّ فَإِذا ريح مسك من بَعْضهَا فَجعلت أقلب الْحَيَّات أنظر من أَيهَا هَذَا الرّيح فَإِذا ذَلِك من حَيَّة صفراء دقيقة فَظَنَنْت ان ذَلِك لخير فِيهَا فلففتها فِي عمامتي ثمَّ دفنتها فَبينا انا امشي اذ ناداني مُنَاد وَلَا أرَاهُ فَقَالَ يَا عبد الله مَا هَذَا الَّذِي صنعت فَأَخْبَرته بِالَّذِي رَأَيْت فَقَالَ إِنَّك قد هديت هَذَانِ حَيَّان من الْجِنّ من بني شعيبان وَبني أَقيس الْتَقَوْا وَكَانَ من الْقَتْلَى مَا رَأَيْت وَاسْتشْهدَ الَّذِي اخذته وَكَانَ من الَّذين اسْتَمعُوا الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابو نعيم عَن ابراهيم النَّخعِيّ قَالَ خرج نفر من أَصْحَاب عبد الله يُرِيدُونَ الْحَج حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق اذا هم بحية تنثني على الطَّرِيق أَبيض ينفح مِنْهُ ريح الْمسك فَقلت لِأَصْحَابِي امضوا فلست ببارح حَتَّى أنظر إِلَى مَا يصير امْر هَذِه الْحَيَّة فَمَا لَبِثت ان مَاتَت فعمدت الى خرقَة بَيْضَاء فلففتها فِيهَا ثمَّ نحيتها عَن الطَّرِيق فدفنتها وَأدْركت اصحابي فوَاللَّه إِنَّا لقعود إِذْ أقبل ارْبَعْ نسْوَة من قبل الْمغرب فَقَالَت وَاحِدَة مِنْهُنَّ أَيّكُم دفن عمرا قُلْنَا وَمن عمر وَقَالَت أَيّكُم دفن الْحَيَّة قلت انا قَالَت أما وَالله لقد دفنت صواما قواما يَأْمر بِمَا انْزِلْ الله وَلَقَد آمن بنبيكم وَسمع صفته فِي السَّمَاء قبل ان يبْعَث بأربعمائة سنة فحمدنا الله ثمَّ قضينا حجنا ثمَّ مَرَرْت بعمر بن الْخطاب بِالْمَدِينَةِ فأنبأته بِأَمْر الْحَيَّة فَقَالَ صدقت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لقد آمن بِي قبل أَن أبْعث بأربعمائة سنة

(1/233)


وَأخرج الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل قَالَ خرجنَا حجاجا فَلَمَّا كُنَّا بالعرج إِذا نَحن بحية تضطرب فَلم تلبث ان مَاتَت فلفها رجل فِي خرفة ودفنها ثمَّ قدمنَا مَكَّة فَإنَّا لبالمسجد الْحَرَام إِذْ وقف علينا شخص فَقَالَ ايكم صَاحب عَمْرو بن جَابر فَقُلْنَا مَا نَعْرِف عمرا قَالَ أَيّكُم صَاحب الجان قَالُوا هَذَا قَالَ أما انه آخر التِّسْعَة موتا الَّذين اتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون الْقُرْآن
وَأخرج ابو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَابت بن قُطْبَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ إِنَّا كُنَّا فِي سفر فمررنا بحية مقتولة مشعرة فِي دَمهَا فواريناها فَلَمَّا نزلُوا أَتَاهُم نسْوَة أَو نَاس فَقَالَ أَيّكُم صَاحب عَمْرو قُلْنَا أَي عَمْرو قَالُوا الْحَيَّة الَّتِي دفنتموها امس اما انه كَانَ من النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن قُلْنَا مَا شَأْنه قَالُوا كَانَ بَين حيين من الْجِنّ قتال مُسلمين ومشركين فَقَالُوا إِن شِئْتُم عوضناكم قُلْنَا لَا
وَأخرج ابو نعيم عَن أبي بن كَعْب قَالَ خرج قوم يُرِيدُونَ الْحَج فأضلوا الطَّرِيق فَلَمَّا عاينوا الْمَوْت اَوْ كَادُوا أَن يموتوا لبسوا اكفانهم وتضجعوا للْمَوْت فَخرج عَلَيْهِم جني يَتَخَلَّل الشّجر وَقَالَ انا بَقِيَّة النَّفر الَّذين اسْتَمعُوا على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْمُؤمن اخو الْمُؤمن عينه وَدَلِيله لَا يَخْذُلهُ هَذَا المَاء وَهَذَا الطَّرِيق ثمَّ دلهم على المَاء وأرشدهم الى الطَّرِيق
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي معشر الْمدنِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جبل من جبال تهَامَة إِذْ اقبل شيخ فِي يَده عَصا فَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ نَغمَة الْجِنّ وغنتهم من أَنْت قَالَ أَنا هَامة بن هيم بن لاقيس بن إِبْلِيس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَيْنك وَبَين إِبْلِيس إِلَّا أَبَوَانِ فكم أَتَى عَلَيْك من الدَّهْر قَالَ قد افنيت الدُّنْيَا عمرها إِلَّا قَلِيلا ليَالِي قتل قابيل هابيل كنت غُلَاما ابْن اعوام أفهم الْكَلَام وآمر بالآكام وآمر بإفساد الطَّعَام وَقَطِيعَة الْأَرْحَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس عمل الشَّيْخ المتوسم

(1/234)


والشاب المتلوم قَالَ ذَرْنِي إِنِّي تائب إِلَى الله إِنِّي كنت مَعَ نوح فِي مَسْجده مَعَ من آمن بِهِ من قومه فَلم أزل أعاتبه على دَعوته على قومه حَتَّى بكي وأبكاني وَقَالَ لَا جرم اني على ذَلِك من النادمين وَأَعُوذ بِاللَّه ان اكون من الْجَاهِلين قلت يَا نوح إِنِّي مِمَّن أشرك فِي دم السعيد الشَّهِيد هابيل ابْن آدم فَهَل تَجِد لي عِنْد رَبك تَوْبَة قَالَ يَا هَامة هم بِالْخَيرِ وافعله قبل الْحَسْرَة والندامة إِنِّي قَرَأت فِيمَا أنزل الله عَليّ أَنه لَيْسَ من عبد تَابَ إِلَى الله بَالغا ذَنبه مَا بلغ إِلَّا تَابَ الله عَلَيْهِ فَقُمْ فَتَوَضَّأ واسجد سَجْدَتَيْنِ فَفعلت من سَاعَتِي مَا أَمرنِي بِهِ فناداني أرفع رَأسك فقد نزلت توبتك من السَّمَاء فَخَرَرْت لله سَاجِدا حولا وَكنت مَعَ هود فِي مَسْجده مَعَ من آمن بِهِ من قومه فَلم أزل اعاتبه على دَعوته على قومه حَتَّى بَكَى عَلَيْهِم وأبكاني وَكنت زوارا ليعقوب وَكنت من يُوسُف بِالْمَكَانِ الْأمين وَكنت ألْقى إلْيَاس فِي الأودية وَأَنا القاه الْآن وَإِنِّي لقِيت مُوسَى بن عمرَان فعلمني من التَّوْرَاة وَقَالَ ان أَنْت لقِيت عِيسَى بن مَرْيَم فاقرأه مني السَّلَام وَإِنِّي لقِيت عِيسَى بن مَرْيَم فاقرأته مِنْهُ السَّلَام وان عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ لي إِن انت لقِيت مُحَمَّدًا فَأَقْرَأهُ مني السَّلَام فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَيْنَيْهِ فَبكى ثمَّ قَالَ وعَلى عِيسَى السَّلَام مَا دَامَت الدُّنْيَا وَعَلَيْك السَّلَام يَا هَامة بإدائك الْأَمَانَة قَالَ يَا رَسُول الله إفعل بِي مَا فعل مُوسَى بن عمرَان إِنَّه عَلمنِي من التَّوْرَاة فَعلمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وَقعت الْوَاقِعَة والمرسلات وَعم يتساءلون وَإِذا الشَّمْس كورت والمعوذتين وَقل هُوَ الله اُحْدُ وَقَالَ ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتك يَا هَامة وَلَا تدع زيارتنا
قَالَ عمر فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينعه إِلَيْنَا فلست أَدْرِي أَحَي هُوَ ام ميت
قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَبُو معشر روى عَنهُ الْكِبَار إِلَّا أَنه ضَعِيف قَالَ وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر هَذَا أقوى مِنْهُ
قلت أخرجه ابو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن بركَة الْحلَبِي عَن عبد الْعَزِيز بن سُلَيْمَان الْموصِلِي عَن يَعْقُوب بن كَعْب عَن عبد الله بن نوح الْبَغْدَادِيّ عَن عِيسَى بن سوَادَة عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر بِهِ

(1/235)


وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق أبي سَلمَة مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن مَالك بن دِينَار عَن أنس وَمن طَرِيق زيد بن أبي الزَّرْقَاء الْموصِلِي عَن عِيسَى بن طهْمَان عَن انس بِهِ بِطُولِهِ
واخرجه عبد الله بن احْمَد فِي زَوَائِد الزّهْد حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح مولى بني هَاشم الْبَصْرِيّ حَدثنِي أَبُو سَلمَة مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا مَالك بن دِينَار عَن أنس بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أسيدة قَالَ بَيْنَمَا عمر بن عبد الْعَزِيز يمشي إِلَى مَكَّة بفلاة من الأَرْض إِذْ رأى حَيَّة ميته فَقَالَ عَليّ بمحفار فحفر لَهُ ولفه فِي خرقَة وَدَفنه فَإِذا هَاتِف يَهْتِف لَا يرونه رَحْمَة الله عَلَيْك يَا سرق فاشهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تَمُوت يَا سرق فِي فلاة من الأَرْض فيدفنك خيرا مَتى فَقَالَ لَهُ عمر بن عبد الْعَزِيز من أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ أَنا رجل من الْجِنّ وَهَذَا سرق وَلم يكن مِمَّن بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد من الْجِنّ غَيْرِي وَغَيره وَأشْهد لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تَمُوت يَا سرق بفلاة من الأَرْض ويدفنك خير أمتِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَاشد قَالَ نزل بِنَا عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا رَحل قَالَ لي مولَايَ اركب مَعَه فشيعه فركبت فمررنا بواد فَإِذا نَحن بحية ميتَة مطروحة على الطَّرِيق فَنزل عمر فنحاها وواراها ثمَّ ركب فَبينا نَحن نسير إِذا هَاتِف يَهْتِف يَقُول يَا خرقاء يَا خرقاء فالتفتنا يَمِينا وَشمَالًا فَلم نر أحدا فَقَالَ عمر اسألك بِاللَّه أَيهَا الْهَاتِف إِن كنت مِمَّن يظْهر أَلا ظَهرت وَإِن كنت مِمَّن لَا يظْهر أخبرنَا مَا الخرقاء قَالَ الْحَيَّة الَّتِي دفنتم بمَكَان كَذَا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهَا يَوْمًا يَا خرقاء تموتين بفلاة من الأَرْض يدفنك خير مؤمني أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ قَالَ لَهُ عمر من أَنْت يَرْحَمك الله قَالَ انا من التِّسْعَة الَّذين بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْمَكَان فَقَالَ لَهُ عمر آللَّهُ انت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم فَدَمَعَتْ عينا عمر وانصرفنا

(1/236)


بَاب قصَّة الرّوم وَمَا ظهر فِيهَا من الْآيَات
قَالَ تَعَالَى {الم غلبت الرّوم} الْآيَات
اخْرُج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم اهل كتاب وَكَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم لأَنهم اهل اوثان فَذكر ذَلِك الْمُسلمُونَ لأبي بكر فَذكر أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما انهم سيظهرون فَذكر أَبُو بكر لَهُم ذَلِك فَقَالُوا أجعَل بَيْننَا وَبَيْنكُم أَََجَلًا إِن ظَهَرُوا كَانَ لَك كَذَا وَكَذَا وَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا فَجعل بَينهم أجل خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكر ذَلِك ابو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلا جعلته دون الْعشْرَة فظهرت الرّوم بعد ذَلِك يَوْم بدر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ كَانَ الْمُشْركُونَ يجادلون الْمُسلمين وهم بِمَكَّة يَقُولُونَ الرّوم اهل كتاب وَقد غلبتهم الْفرس وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ انكم ستغلبون بِالْكتاب الَّذِي أنزل على نَبِيكُم فسنغلبكم كَمَا غلبت فَارس الرّوم فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين}
قَالَ ابْن شهَاب فَأَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَنه لما نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ ناحب ابو بكر بعض الْمُشْركين قبل ان يحرم الْقمَار على شَيْء إِن لم تغلب فَارس فِي سبع سِنِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم فعلت فَكل مَا دون الْعشْر بضع فَكَانَ ظُهُور فَارس على الرّوم فِي تسع سِنِين ثمَّ أظهر الله الرّوم على فَارس زمن الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ لما انْزِلْ الله هَؤُلَاءِ الْآيَات صدق الْمُسلمُونَ رَبهم وَعرفُوا ان الرّوم ستظهر على أهل فَارس فاقتمروا هم وَالْمُشْرِكُونَ خمس قَلَائِص

(1/237)


وأجلوا بَينهم خمس سِنِين فولي قمار الْمُسلمين ابو بكر وَولي قمار الْمُشْركين أبي بن خلف وَذَلِكَ قبل ان ينْهَى عَن الْقمَار فجَاء الْأَجَل وَلم تظهر الرّوم على فَارس فَسَأَلَ الْمُشْركُونَ قمارهم فَذكر ذَلِك أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لم يَكُونُوا أحقاء ان يؤجلوا أَََجَلًا دون عشر فان الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث الى الْعشْر فزايدوهم ومادوهم فِي الْأَجَل فَفَعَلُوا فأظهر الله الرّوم على فَارس عِنْد رَأس التسع من قمارهم الأول فَكَانَ ذَلِك مرجعهم من الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب على الْمَجُوس وَكَانَ ذَلِك مِمَّا شدّ الله بِهِ الاسلام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزبير قَالَ رَأَيْت غَلَبَة فَارس الرّوم ثمَّ غَلَبَة الرّوم فَارِسًا ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الْمُسلمين فَارِسًا وَالروم وظهورهم على الشَّام وَالْعراق كل ذَلِك فِي خمس عشرَة سنة
بَاب امتحانهم إِيَّاه بالسؤال

اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان مُشْركي قُرَيْش بعثوا النَّضر بن الْحَارِث وَعقبَة بن أبي معيط إِلَى أَحْبَار يهود بِالْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهما سلاهم عَن مُحَمَّد وصفالهم صفته وأخبراهم بقوله فَإِنَّهُم اهل الْكتاب الاول وَعِنْدهم مَا لَيْسَ عندنَا من علم الْأَنْبِيَاء فَخَرَجَا حَتَّى قدما الْمَدِينَة فسألا أَحْبَار الْيَهُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووصفا لَهُم أمره فَقَالُوا أسلوه عَن ثَلَاث فَأن أخْبركُم بِهن فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَإِن لم يفعل فالرجل متقول
سلوه عَن فتية ذَهَبُوا فِي الدَّهْر الأول مَا كَانَ من أَمرهم فَإِنَّهُ كَانَ لَهُم حَدِيث عَجِيب وَسَلُوهُ عَن رجل طواف قد بلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَمَا كَانَ نبأه وَسَلُوهُ عَن الرّوح مَا هُوَ فَأقبل النَّضر وَعقبَة حَتَّى قدما مَكَّة على قُرَيْش فَقَالَا يَا معشر قُرَيْش قد جئناكم بفصل مَا بَيْنكُم وَبَين مُحَمَّد ثمَّ سَأَلُوهُ عَمَّا أمروا بِهِ فَجَاءَهُ جبرئيل بِسُورَة أَصْحَاب الْكَهْف وَخبر مَا سَأَلُوهُ عَنهُ من أَمر الْفتية وَالرجل

(1/238)


الطّواف وَقَوله تَعَالَى {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي}
واخرج احْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَت قُرَيْش للْيَهُود أعطونا شَيْئا نسْأَل عَنهُ هَذَا الرجل فَقَالُوا سلوه عَن الرّوح فَنزلت {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} الْآيَة
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن قُريْشًا بعثوا رهطا إِلَى الْمَدِينَة يسْأَلُون الْيَهُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أمره وَصفته ومبعثه فأصدقوهم نَعته قَالُوا إِنَّه يزْعم انه نَبِي مُرْسل واسْمه احْمَد وَهُوَ يَتِيم فَقير وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة فَسَأَلُوهُمْ عَنهُ ووصفوا لَهُم صفته فَقَالُوا لَهُم لم نجد نَعته وَصفته ومبعثه فِي التَّوْرَاة وَخَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ فَإِن كَانَ كَمَا وصفتم لنا فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَأمره حق وَلَكِن سلوه عَن ثَلَاث خِصَال فَإِنَّهُ يُخْبِركُمْ بخصلتين وَلَا يُخْبِركُمْ بالثالثة إِن كَانَ نَبيا ذِي القرنين وَالروح وَأَصْحَاب الْكَهْف فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة فَسَأَلُوهُ فَأخْبرهُم بِخَبَر ذِي القرنين وَأَصْحَاب الْكَهْف وَقَالَ لَهُم الرّوح من أَمر رَبِّي يَقُول من علم رَبِّي لَا علم لي بِهِ فَلَمَّا وَافق قَول الْيَهُود انه لَا يُخْبِركُمْ بالثالثة قَالُوا سَاحر ان تظاهر ايعنون التَّوْرَاة وَالْفرْقَان وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون
واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه ان عبد الله بن سَلام قَالَ لأحبار الْيَهُود إِنِّي أردْت ان أحدث بِمَسْجِد أَبينَا ابراهيم عهدا فَانْطَلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة فوافاه بمنى وَالنَّاس حوله فَقَامَ مَعَ النَّاس فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَنْت عبد الله بن سَلام قَالَ نعم قَالَ أدن فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ انشدك بِاللَّه أما تجدني فِي التَّوْرَاة رَسُول الله فَقَالَ لَهُ انعت لنا رَبك فجَاء جبرئيل فَقَالَ لَهُ {قل هُوَ الله أحد} الى آخر السُّورَة فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابْن سَلام أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وانك رَسُول الله ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة وكتم إِسْلَامه فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدم الْمَدِينَة قَالَ ابْن سَلام وَأَنا فَوق نَخْلَة لي أَجدهَا فألقيت نَفسِي فَقَالَت لي امي لله أَنْت لَو كَانَ مُوسَى

(1/239)


بن عمرَان مَا كَانَ نرَاك ان تلقي نَفسك من أَعلَى النَّخْلَة فَقَالَت وَالله لأَنا أسر بقدوم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُوسَى بن عمرَان إِذْ بعث
بَاب مَا ظهر عِنْد أَذَى الْمُشْركين لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْآيَات)
اخْرُج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وابو نعيم عَن عُرْوَة قَالَ قلت لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَا أَكثر مَا رَأَيْت قُريْشًا أَصَابَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا كَانَت تظهره من عداوته فَقَالَ لقد رَأَيْتهمْ وَقد اجْتمع اشرافهم فِي الْحجر يَوْمًا فَذكرُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا مَا رَأينَا مثل صَبرنَا عَلَيْهِ سفه أَحْلَامنَا وَشتم آبَاءَنَا وَعَابَ ديننَا وَفرق جماعتنا وَسَب آلِهَتنَا وصبرنا مِنْهُ على أَمر عَظِيم فَبَيْنَمَا هم فِي ذَلِك طلع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل يمشي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن ثمَّ مر بهم طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَغَمَزُوهُ بِبَعْض القَوْل فَعرفت ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمضى فَلَمَّا مر بهم الثَّانِي غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فعرفتها فِي وَجهه فَمضى ثمَّ مر الثَّالِثَة فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَوقف ثمَّ قَالَ اتسمعون يَا معشر قُرَيْش أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد جِئتُكُمْ بِالذبْحِ فَأخذت الْقَوْم كَلمته حَتَّى مَا مِنْهُم من رجل إِلَّا وكأنما على رَأسه طَائِر وَاقع حَتَّى ان اشدهم فِيهِ وضاءة قبل ذَلِك ليرفأه بِأَحْسَن مَا يجد من القَوْل حَتَّى أَنه ليقول انْصَرف يَا أَبَا الْقَاسِم راشدا فَمَا أَنْت بجهول وَأخرجه ابو نعيم من وَجه آخر عَن عبد الله بن عَمْرو وَأخرجه أَيْضا من وَجه آخر عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَفِيه بعد قَوْله مَا أرْسلت إِلَيْكُم إِلَّا بِالذبْحِ فَقَالَ أَبُو جهل يَا مُحَمَّد مَا كنت جهولا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت مِنْهُم
وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق عُرْوَة حَدثنِي عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ أَكثر مَا نَالَتْ قُرَيْش من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي رَأَيْته يَوْمًا يطوف بِالْبَيْتِ وَفِي الْحجر ثَلَاثَة جُلُوس عقبَة بن أبي معيط وَأَبُو جهل وَأُميَّة بن خلف فَلَمَّا حاذاهم اسمعوه بعض مَا يكره فَعرف ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصنعوا مثل ذَلِك فِي الشوط الثَّانِي وَالثَّالِث فَوقف وَقَالَ أما وَالله لَا تنتهون حَتَّى يحل الله عِقَابه عَاجلا

(1/240)


قَالَ عُثْمَان فوَاللَّه مَا مِنْهُم رجل إِلَّا وَقد أَخذه أفكل يرتعد ثمَّ انْصَرف إِلَى بَيته وتبعناه فَقَالَ أَبْشِرُوا فَإِن الله مظهر دينه ومتم كَلمته وناصر دينه إِن هَؤُلَاءِ الَّذين ترَوْنَ مِمَّن يذبح الله بِأَيْدِيكُمْ عَاجلا فوَاللَّه لقد رَأَيْتهمْ ذبحهم الله بِأَيْدِينَا
وَأخرج ابو نعيم عَن جَابر قَالَ قَالَ أَبُو جهل ان مُحَمَّدًا يزْعم انكم إِن لم تطيعوه كَانَ لكم مِنْهُ ذبح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنا أَقُول ذَاك وانت من ذَلِك الذّبْح فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ يَوْم بدر مقتولا قَالَ اللَّهُمَّ قد أنجزت لي مَا وَعَدتنِي
واخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق ابْن عَبَّاس عَن فَاطِمَة قَالَت اجْتمع مُشْرِكُوا قُرَيْش فِي الْحجر فَقَالُوا إِذا مر مُحَمَّد عَلَيْهِم ضربه كل وَاحِد منا ضَرْبَة فَسَمعته فَدخلت على أَبِيهَا فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ يَا بنية اسكتي ثمَّ خرج فَدخل عَلَيْهِم الْمَسْجِد فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَا هُوَ ذَا وخفضوا أَبْصَارهم وَسَقَطت أذقانهم فِي صُدُورهمْ وعقروا فِي مجَالِسهمْ فَلم يرفعوا إِلَيْهِ بصرا وَلم يقم إِلَيْهِ رجل مِنْهُم فَأقبل حَتَّى قَامَ على رؤوسهم فَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب فَرمى بهَا نحوهم ثمَّ قَالَ شاهدت الْوُجُوه فَمَا أصَاب رجلا مِنْهُم من ذَلِك الْحَصَى حَصَاة إِلَّا قتل يَوْم بدر كَافِرًا
واخرج الشَّيْخَانِ عَن خباب قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُتَوَسِّد بردة فِي ظلّ الْكَعْبَة وَقد لَقينَا من الْمُشْركين شدَّة شَدِيدَة فَقلت يَا رَسُول الله أَلا تَدْعُو الله لنا فَقعدَ وَهُوَ محمر وَجهه فَقَالَ إِن كَانَ من قبلكُمْ ليمشط أحدهم بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا دون عظمه من لحم اَوْ عصب مَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وَيُوضَع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه فَيشق بِاثْنَيْنِ مَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وليتمن الله هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله
واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن أبي اسحاق قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي جهل وَأبي سُفْيَان وهما جالسان فَقَالَ أَبُو جهل هَذَا نَبِيكُم يَا بني عبد شمس فَقَالَ أبوسفيان وتعجب ان يكون منا نَبِي فَقَالَ أَبُو جهل عجبت ان يخرج غُلَام من بَين شُيُوخ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمع فاتاهم فَقَالَ أما أَنْت يَا أَبَا سُفْيَان فَمَا لله وَرَسُوله غضِبت وَلَكِنَّك حميت الأَصْل وَأما أَنْت يَا أَبَا الحكم فوَاللَّه لتضحكن قَلِيلا

(1/241)


ولتبكين كثيرا قَالَ بئس مَا تعدني ابْن اخي من نبوتك
وَأخرج الْبَزَّار عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ كَانَ نفر من الْمُشْركين حول الْكَعْبَة فيهم ابو جهل فاقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف عَلَيْهِم فَقَالَ قبحت الْوُجُوه فخرسوا فَمَا اُحْدُ مِنْهُم يتَكَلَّم بِكَلِمَة وَلَقَد نظرت إِلَى أبي جهل يعْتَذر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول امسك وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا امسك عَنْكُم اَوْ اقتلكم فَقَالَ أَبُو جهل انت تقدر على ذَلِك فَقَالَ الله يقتلكم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ لما بعث الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَظهر امْرَهْ بِمَكَّة خرجت الى الشَّام فَلَمَّا كنت ببصرى أَتَتْنِي جمَاعَة من النَّصَارَى فَقَالُوا لي أَمن الْحرم أَنْت قلت نعم قَالُوا فتعرف هَذَا الَّذِي تنبأ فِيكُم قلت نعم فَأخذُوا بيَدي فأدخلوني ديرا لَهُم فِيهِ تماثيل وصور فَقَالُوا لي أنظر هَل ترى صُورَة هَذَا النَّبِي الَّذِي بعث فِيكُم فَنَظَرت فَلم أر صورته قلت لَا أرى صورته فأدخلوني اكبر من ذَلِك الدَّيْر وَإِذا فِيهِ تماثيل وصور اكثر مِمَّا فِي ذَلِك الدَّيْر فَقَالُوا لي انْظُر هَل ترى صورته فَنَظَرت فَإِذا انا بِصفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصورته وَإِذا انا بِصفة أبي بكر وَصورته وَهُوَ آخذ بعقب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا لي هَل ترى صفته قلت نعم قَالُوا أهوَ هَذَا وأشاروا إِلَى صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت اللَّهُمَّ نعم أشهد إِنَّه هُوَ قَالُوا أتعرف هَذَا الَّذِي أَخذ بعقبه قلت نعم قَالُوا نشْهد ان هَذَا صَاحبكُم وَأَن هَذَا الْخَلِيفَة من بعده
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن جُبَير بن مطعم قَالَ كنت أكره أَذَى قُرَيْش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ظَنَنْت انهم سيقتلونه خرجت حَتَّى لحقت بدير من الديارات فَذهب أهل الدَّيْر إِلَى رَأْسهمْ فأخبروه فَانْطَلقُوا بِي إِلَى صَاحبهمْ فَذكر قصَّة الصُّورَة قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت صورته قلت مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه بِشَيْء من هَذِه الصُّورَة كَأَنَّهُ طوله وَبعد مَا بَين مَنْكِبَيْه قَالَ فتخاف ان يقتلوه قلت أظنهم قد فرغوا مِنْهُ قَالَ وَالله لَا يقتلونه وليقتلن من يُرِيد قَتله وَأَنه لنَبِيّ وليظهرنه الله

(1/242)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من وَجه ثَالِث عَن جُبَير بن مطعم قَالَ خرجت تَاجِرًا إِلَى الشَّام فَلَمَّا كنت باد فِي الشَّام لَقِيَنِي رجل من أهل الْكتاب قَالَ هَل عنْدكُمْ رجل تنبأ قلت نعم قَالَ هَل تعرف صورته إِذا رَأَيْتهَا قلت نعم فَأَدْخلنِي بَيْتا فِيهِ صُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا انا كَذَلِك إِذْ دخل علينا رجل مِنْهُم فَقَالَ فيمَ أَنْتُم فَأَخْبَرنَاهُ فَذهب بِنَا إِلَى منزله فساعة مَا دخلت نظرت إِلَى صُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله فَإِذا رجل آخذ بعقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت من هَذَا الرجل الْقَائِم على عقبه قَالَ إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا كَانَ بعده نَبِي إِلَّا هَذَا فَإِنَّهُ لَا نَبِي بعده وَهَذَا الْخَلِيفَة بعده وَإِذا صفة ابي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
بَاب الْآيَة فِي صرف شتم الْمُشْركين عَنهُ

اخْرُج البُخَارِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تعْجبُونَ كَيفَ يصرف الله عني شتم قُرَيْش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وَأَنا مُحَمَّد
بَاب قَوْله تَعَالَى إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ وَمَا ظهر فِي ذَلِك من الْآيَات

أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ المستهزءون الْوَلِيد بن الْمُغيرَة والاسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب والْحَارث بن عيطل السَّهْمِي وَالْعَاص بن وَائِل فَأَتَاهُ جبرئيل فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاراه الْوَلِيد فَأومى جبرئيل إِلَى اكحله قَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته ثمَّ أرَاهُ الاسود بن الْمطلب فَأومى إِلَى عَيْنَيْهِ فَقَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته ثمَّ أرَاهُ الاسود بن عبد يَغُوث فَأومى إِلَى رَأسه فَقَالَ مَا صنعت قَالَ كفيته فاما الْوَلِيد فَمر بِهِ رجل من خُزَاعَة وَهُوَ يريش نبْلًا لَهُ فَأصَاب أكحله فقطعها وَأما الاسود بن الْمطلب فَنزل تَحت سَمُرَة فَجعل يَقُول يَا بني الا تدفعون عني فَجعلُوا يَقُولُونَ مَا نرى شَيْئا وَهُوَ يَقُول قد هَلَكت هَا هُوَ ذَا أطعن بالشوك فِي عَيْني فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى عميت عَيناهُ وَأما الاسود بن عبد يَغُوث فَخرج فِي رَأسه قُرُوح فَمَاتَ مِنْهَا وَأما

(1/243)


الْحَارِث فَأَخذه المَاء الْأَصْفَر فِي بَطْنه حَتَّى خرج من فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا وَأما الْعَاصِ فَركب الى الطَّائِف على حمَار فَرَبَضَ على شبْرقَة فَدخل فِي أَخْمص قدمه شَوْكَة فَقتلته لَهُ طرق عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره أوردتها فِي التَّفْسِير الْمسند
بَاب دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْن ابي لَهب

أخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق أبي نَوْفَل بن أبي عقرب عَن أَبِيه قَالَ أقبل لَهب بن أبي لَهب يسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كلبك قَالَ وَكَانَ أَبُو لَهب يحْتَمل الْبَز إِلَى الشَّام وَيبْعَث بولده مَعَ غلمانه ووكلائه وَيَقُول إِن ابْني اخاف عَلَيْهِ دَعْوَة مُحَمَّد فتعاهدوه فَكَانُوا إِذا نزلُوا الْمنزل ألزقوه إِلَى الْحَائِط وغطوا عَلَيْهِ الثِّيَاب وَالْمَتَاع فَفَعَلُوا ذَلِك بِهِ زَمَانا فجَاء سبع فتله فَقتله فَبلغ ذَلِك أَبَا لَهب فَقَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أَخَاف عَلَيْهِ دَعْوَة مُحَمَّد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة ان عتبَة بن أبي لَهب تسلط على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَنِّي أسأَل الله ان يُسَلط عَلَيْهِ كَلْبه فَخرج فِي نفر من قُرَيْش حَتَّى نزلُوا فِي مَكَان من الشَّام يُقَال لَهُ الزَّرْقَاء لَيْلًا فأطاف بهم الْأسد فَجعل عتبَة يَقُول يَا ويل امي هُوَ وَالله آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّد عَليّ قتلني مُحَمَّد وَهُوَ بِمَكَّة وانا بِالشَّام فَعدا عَلَيْهِ الاسد من بَين الْقَوْم وَأخذ بِرَأْسِهِ فضغمه ضغمة فذبحه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة ان الاسد لما طَاف بهم تِلْكَ اللَّيْلَة انْصَرف عَنْهُم فَقَامُوا وَجعلُوا عتبَة فِي وَسطهمْ فَأقبل الْأسد يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخذ بِرَأْس عتبَة ففدغه
وَأخرج ابو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عُرْوَة عَن هَبَّار بن الْأسود قَالَ كَانَ ابو لَهب وَابْنه عتبَة قد تجهزا إِلَى الشَّام وتجهزت مَعَهُمَا فَقَالَ ابْن أبي لَهب وَالله لأنطلقن إِلَى مُحَمَّد فلاؤذيته فِي ربه فَانْطَلق حَتَّى أَتَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد هُوَ يكفر بِالَّذِي دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ ابْعَثْ

(1/244)


عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَي بني مَا قلت لَهُ وَمَا قَالَ لَك فَأخْبرهُ قَالَ أَي بني وَالله مَا آمن عَلَيْك دَعْوَة مُحَمَّد فسرنا حَتَّى نزلنَا السراة وَهِي مأسدة فَقَالَ لنا أَبُو لَهب إِنَّكُم قد عَرَفْتُمْ سني وحقي وَأَن مُحَمَّدًا قد دَعَا على ابْني دَعْوَة وَالله مَا آمنها عَلَيْهِ فَأَجْمعُوا مَتَاعكُمْ إِلَى هَذِه الصومعة ثمَّ افرشوا الأينى عَلَيْهِ ثمَّ افرشوا حوله فَفَعَلْنَا وَبَات هُوَ فَوق الْمَتَاع وَنحن حوله فجَاء الْأسد فشم وُجُوهنَا فَلَمَّا لم يجد مَا يُرِيد تقبض ثمَّ وثب فاذا هُوَ فَوق الْمَتَاع فشم وَجهه ثمَّ هَزَمه هزمة ففضخ رَأسه وَانْطَلق فَقَالَ ابو لَهب قد وَالله عرفت مَا كَانَ لينفلت من دَعْوَة مُحَمَّد
واخرجه ابْن اسحاق وابو نعيم من طرق اخرى مُرْسلَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره وَزَاد ان حسان بن ثَابت قَالَ فِي ذَلِك
(سَائل بني الْأَشْقَر إِن جئتهم ... مَا كَانَ ابناء أبي وَاسع)
(لَا وسع الله قَبره ... بل ضيق الله على الْقَاطِع)
(رحم بني جده ثَابت ... يَدْعُو إِلَى نور لَهُ سَاطِع)
(أسبل بِالْحجرِ لتكذيبه ... دون قُرَيْش نهزة القادع)
(فاستوجب الدعْوَة مِنْهُ بِمَا ... بَين للنَّاظِر وَالسَّامِع)
(إِن سلط الله بهَا كَلْبه ... يمشي الهوينا مشْيَة الخادع)
(حَتَّى أَتَاهُ وسط أَصْحَابه ... وَقد علتهم سنة الهاجع)
(فالتقم الرَّأْس بيافوخه ... والنحر مِنْهُ فغرة الجائع)
وَأخرج أَبُو نعيم عَن طَاوُوس قَالَ لما تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والنجم إِذا هوى} قَالَ عتبَة بن أبي لَهب كفرت بِرَبّ النَّجْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلط الله عَلَيْك كَلْبا من كلابه فَخرج مَعَ أَصْحَاب لَهُ إِلَى الشَّام فزار الْأسد فَجعلت فرائصه ترْعد فَقَالُوا لَهُ من أَي شَيْء ترْعد فوَاللَّه مَا نَحن وَأَنت إِلَّا سَوَاء قَالَ إِن مُحَمَّد دَعَا عَليّ وَلَا وَالله مَا أظلت هَذِه السَّمَاء على ذِي لهجة اصدق من مُحَمَّد ثمَّ وضعُوا

(1/245)


الْعشَاء فَلم يدْخل يَده فِيهِ ثمَّ جَاءَ النّوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بَينهم وناموا فجَاء الْأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فضغمه ضغمة فَفَزعَ وَهُوَ بآخر رَمق وَهُوَ يَقُول ألم اقل لكم أَن مُحَمَّدًا اصدق النَّاس وَمَات
وَأخرج ابو نعيم عَن ابي الضُّحَى قَالَ قَالَ ابْن أبي لَهب هُوَ يكفر بِالَّذِي قَالَ {والنجم إِذا هوى} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَسى ان يُرْسل عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه فَبلغ ذَلِك أَبَاهُ فأوصى أَصْحَابه إِذا نزلتم منزلا فَاجْعَلُوهُ وسطكم فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة بعث الله عَلَيْهِ سبعا فَقتله
بَاب دُعَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قُرَيْش بِالسنةِ

اخْرُج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود أَن قُريْشًا لما اسْتَعْصَتْ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبطأوا عَن الاسلام قَالَ اللَّهُمَّ اعني عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَصَابَتْهُمْ سنة فحصت كل شَيْء حَتَّى أكلُوا الْجِيَف وَالْميتَة حَتَّى أَن أحدهم كَانَ يرى مَا بَينه وَبَين السَّمَاء كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجُوع ثمَّ دعوا رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ فَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا لَو كشفنا الْعَذَاب عَنْهُم عَادوا فكشف عَنْهُم فعادوا فانتقم مِنْهُم يَوْم بدر فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّاس إدبارا قَالَ اللَّهُمَّ سبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم سنة حَتَّى أكلُوا الْميتَة والجلود وَالْعِظَام فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان وناس من أهل مَكَّة فَقَالُوا يَا مُحَمَّد إِنَّك تزْعم انك بعثت رَحْمَة وَأَن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقوا الْغَيْث فأطبقت عَلَيْهِم سبعا فَشَكا النَّاس كَثْرَة الْمَطَر فَقَالَ اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا فانحدرت السحابة عَن رَأسه فسقي النَّاس حَولهمْ قَالَ لقد مَضَت آيَة الدُّخان وَهُوَ الْجُوع الَّذِي أَصَابَهُم وَآيَة الرّوم وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى وانشقاق الْقَمَر

(1/246)


وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خمس قد مضين اللزام وَالروم وَالدُّخَان وَالْبَطْشَة وَالْقَمَر قَالَ الْبَيْهَقِيّ المُرَاد بذلك ان هَذِه الْآيَات قد وجدن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أخبر بِهن قبل وجودهن
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ ابو سُفْيَان الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد أنْشدك الله وَالرحم قد أكلنَا العلهز الْوَبر وَالدَّم فَانْزِل الله تَعَالَى {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى فرج عَنْهُم قَالَ الْبَيْهَقِيّ قد رُوِيَ فِي قصَّة أبي سُفْيَان مَا دلّ على أَن ذَلِك كَانَ بعد الْهِجْرَة وَلَعَلَّه كَانَ مرَّتَيْنِ
بَاب الَّتِي عميت من المسلمات ورد عَلَيْهَا بصرها

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة أَن أَبَا بكر أعتق مِمَّن كَانَ يعذب فِي الله سَبْعَة مِنْهُم الزنيرة فَذهب بصرها وَكَانَت مِمَّن يعذب فِي الله فتأبى إِلَّا الْإِسْلَام فَقَالَ الْمُشْركُونَ مَا أصَاب بصرها إِلَّا اللات والعزى فَقَالَت كلا وَالله مَا هُوَ كَذَلِك فَرد الله عَلَيْهَا بصرها
بَاب مَا وَقع فِي هِجْرَة الْحَبَشَة من الْآيَات

أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ خرج جَعْفَر بن أبي طَالب فِي رَهْط من الْمُسلمين فِرَارًا بدينهم ان يفتنوا عَنهُ إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَبعثت قُرَيْش عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وأمروهما ان يسرعا السّير ففعلا وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج وأهدوا لعظماء الْحَبَشَة هَدَايَا فَلَمَّا قدما على النَّجَاشِيّ قبل هداياهم وأجلس عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن بأرضك رجَالًا مِنْهَا سُفَهَاء لَيْسُوا على دينكُمْ وَلَا على ديننَا فادفعهم إِلَيْنَا فَقَالَت عُظَمَاء الْحَبَشَة للنجاشي اجل فادفعهم اليهم فَقَالَ النَّجَاشِيّ لَا وَالله لَا أدفعهم إِلَيْهِ حَتَّى أكلمهم وَاعْلَم على أَي شَيْء

(1/247)


هم فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ هم أَصْحَاب الرجل الَّذِي خرج فِينَا وسنخبرك بِمَا تعرف من سفههم وخلافهم الْحق إِنَّهُم لَا يشْهدُونَ ان عِيسَى ابْن الله وَلَا يَسْجُدُونَ لَك إِذا دخلُوا عَلَيْك كَمَا يفعل من أَتَاك فِي سلطانك فَأرْسل النَّجَاشِيّ الى جَعْفَر وَأَصْحَابه وَقد أَجْلِس النَّجَاشِيّ عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَلم يسْجد لَهُ جَعْفَر وَلَا أَصْحَابه وحيوه بِالسَّلَامِ فَقَالَ عَمْرو وَعمارَة ألم نخبرك خبر الْقَوْم فَقَالَ النَّجَاشِيّ أَلا تحدثوني ايها الرَّهْط مَا لكم لَا تحيوني كَمَا يحييني من اتاني من قومكم وأخبروني مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَمَا دينكُمْ أنصارى أَنْتُم قالو لَا قَالَ فيهود انتم قَالُوا لَا قَالَ فعلى دين قومكم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا دينكُمْ قَالُوا الاسلام قَالَ وَمَا الْإِسْلَام قَالُوا نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا قَالَ من جَاءَكُم بِهَذَا قَالُوا جَاءَنَا بِهِ رجل من أَنْفُسنَا قد عرفنَا وَجهه وَنسبه قد بَعثه الله إِلَيْنَا كَمَا بعث الرُّسُل إِلَى من قبلنَا فَأمرنَا بِالْبرِّ للْوَالِدين والصدق وَالْوَفَاء وَأَدَاء الامانة ونهانا ان نعْبد الْأَوْثَان وأمرنا ان نعْبد الله وَحده وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فَصَدَّقْنَاهُ وعرفنا كَلَام الله وَعلمنَا ان الَّذِي جَاءَ بِهِ من عِنْد الله فَلَمَّا فعلنَا ذَلِك عَادَانَا قَومنَا وعادوا النَّبِي الصَّادِق وكذبوه وارادوا قَتله وأرادونا على عبَادَة الْأَوْثَان ففررنا إِلَيْك بديننا ودمائنا من قَومنَا فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَالله إِن خرج هَذَا الامر إِلَّا من الْمشكاة الَّتِي خرج مِنْهَا امْر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ جَعْفَر واما التَّحِيَّة فان رَسُولنَا اُخْبُرْنَا ان تَحِيَّة أهل الْجنَّة السَّلَام فَأمرنَا بذلك فحييناك بِالَّذِي يحيي بِهِ بَعْضنَا بَعْضًا وَأما عِيسَى فَهُوَ عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَابْن الْعَذْرَاء البتول فخفض النَّجَاشِيّ يَده إِلَى الارض وَأخذ مِنْهَا عودا وَقَالَ وَالله مَا زَاد ابْن مَرْيَم على هَذَا وزن هَذَا الْعود فَقَالَ عُظَمَاء الْحَبَشَة وَالله لَئِن سَمِعت هَذَا الْحَبَشَة لتخلعنك فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَالله لَا اقول فِي عِيسَى غير هَذَا أبدا ثمَّ قَالَ ارْجعُوا إِلَى هَذَا هديته يُرِيد عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله لَو رشوني فِي هَذَا دبر ذهب والدبر فِي لِسَان الْحَبَشَة الْجَبَل مَا قبلته وَقَالَ لجَعْفَر وَأَصْحَابه امكثوا فانتم سيوم والسيوم الآمنون وَأمر لَهُم بِمَا يصلحهم من الرزق وَقَالَ من نظر إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْط نظرة تؤذيهم فقد عرم اي فقد عَصَانِي وَكَانَ الله قد ألْقى الْعَدَاوَة بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة فِي مسيرهما قبل أَن يقدما الى النَّجَاشِيّ ثمَّ اصطلحا حِين قدما على النَّجَاشِيّ ليدركا حاجتهما الَّتِي

(1/248)


خرجا اليها من طلب الْمُسلمين فَلَمَّا أخطأهما ذَلِك رجعا إِلَى شَرّ مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْعَدَاوَة فمكر عَمْرو بعمارة فَقَالَ يَا عمَارَة إِنَّك رجل جميل فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَة النَّجَاشِيّ فَتحدث عِنْدهَا إِذا خرج زَوجهَا فَإِن ذَلِك عون لنا فِي حاجتنا فراسلها عمَارَة حَتَّى دخل عَلَيْهَا فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا انْطلق عَمْرو إِلَى النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ إِن صَاحِبي هَذَا صَاحب نسَاء وَإنَّهُ يُرِيد أهلك فَاعْلَم علم ذَلِك فَبعث النَّجَاشِيّ فَإِذا عمَارَة عِنْد امْرَأَته فَأمر بِهِ فَنفخ فِي أحليله ثمَّ القى فِي جَزِيرَة من الْبَحْر فجن واستوحش مَعَ الْوَحْش وَرجع عَمْرو الى مَكَّة قد أهلك الله صَاحبه وَخيَّب مسيره وَمنعه حَاجته وَورد نَحْو ذَلِك من طرق موصوله عَن ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَأم سَلمَة
بَاب مَا وَقع فِي قصَّة الصَّحِيفَة من الْآيَات

اخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِن الْمُشْركين اشتدوا على الْمُسلمين كأشد مَا كَانُوا حَتَّى بلغ الْمُسلمين الْجهد وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء حِين هَاجر الْمُسلمُونَ إِلَى النَّجَاشِيّ وبلغهم إكرامه إيَّاهُم وَاجْتمعت قُرَيْش أَن يقتلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَانيَة فَلَمَّا رأى ابو طَالب عمل الْقَوْم جمع بني عبد الْمطلب وَأمرهمْ ان يدخلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شِعْبهمْ ويمنعوه مِمَّن ارادوا قَتله فَاجْتمعُوا على ذَلِك مسلمهم وكافرهم فَلَمَّا عرفت قُرَيْش ان الْقَوْم قد منعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاجْتمعُوا فَأَجْمعُوا امرهم ان لَا يجالسوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يدخلُوا بُيُوتهم حَتَّى يسلمُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْقَتْل وَكَتَبُوا فِي مَكْرهمْ صحيفَة وعهودا ومواثيق لَا يقبلُوا من بني هَاشم أبدا صلحا حَتَّى يسلموه للْقَتْل فَلبث بَنو هَاشم فِي شِعْبهمْ ثَلَاث سِنِين وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء والجهد وَقَطعُوا عَنْهُم الْأَسْوَاق فَلَا يتركون طَعَاما يقدم مَكَّة وَلَا بيعا إِلَّا بادروهم إِلَيْهِ فاشتروه فَلَمَّا كَانَ رَأس ثَلَاث سِنِين تلاوم رجال من بني عبد منَاف وَمن بني قصي وَرِجَاله سواهُم من قُرَيْش قد ولدتهم نسَاء من بني هَاشم وَرَأَوا انهم قد قطعُوا الرَّحِم واستخفوا بِالْحَقِّ وَأَجْمعُوا أَمرهم من ليلتهم على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة مِنْهُ وَبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل مَا كَانَ فِيهَا من عهد وميثاق وَكَانَت معلقَة فِي سقف الْبَيْت فَلم تتْرك إسما لله فِيهَا إِلَّا لحسته وَبَقِي مَا

(1/249)


كَانَ فِيهَا من شرك أَو ظلم اَوْ قطيعة رحم واطلع الله رَسُوله على الَّذِي صنع بصحيفتهم فَذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب فَقَالَ أَبُو طَالب لَا والثواقب مَا كَذبَنِي فَانْطَلق يمشي بعصابة من بني عبد الْمطلب حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد وَهُوَ حافل من قُرَيْش فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدين بجماعتهم أَنْكَرُوا ذَلِك وظنوا انهم قد خَرجُوا من شدَّة الْبلَاء فَأتوا ليعطوهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتكلم أَبُو طَالب فَقَالَ قد حدثت امور بَيْنكُم لم نذكرها لكم فَأتوا بصحيفتكم الَّتِي تعاهدتم عَلَيْهَا فَلَعَلَّهُ ان يكون بَيْننَا وَبَيْنكُم صلح وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك خشيَة ان ينْظرُوا فِي الصَّحِيفَة قبل ان يَأْتُوا بهَا فَأتوا بصحيفتهم معجبين بهَا لَا يَشكونَ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدفوعا اليهم فَوَضَعُوهَا بَينهم فَقَالَ ابو طَالب إِنَّمَا أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فِيهِ نصف أَن ابْن أخي قد أَخْبرنِي وَلم يكذبنِي ان الله بَرِيء من هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم ومحا كل اسْم هُوَ لَهُ فِيهَا وَترك فِيهَا غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم فان كَانَ الحَدِيث الَّذِي قَالَ ابْن اخي كَمَا قَالَ فأفيقوا فوَاللَّه لَا يسلم أبدا حَتَّى نموت من عِنْد آخِرنَا وَإِن كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلا رفعناه إِلَيْكُم فقتلتم أَو استحييتم قَالُوا قد رَضِينَا بِالَّذِي تَقول ففتحوا الصَّحِيفَة فوجدوا الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اخبر خَبَرهَا فَلَمَّا رأتها قُرَيْش كَالَّذي قَالَ قَالُوا وَالله إِن كَانَ هَذَا قطّ إِلَّا سحر من صَاحبكُم فَقَالَ اولئك النَّفر من بني عبد الْمطلب ان الأولى بِالْكَذِبِ وَالسحر غَيرنَا فَإنَّا نعلم ان الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ من قطيعتنا اقْربْ الى الجبت وَالسحر وَلَوْلَا انكم اجْتَمَعْتُمْ على السحر لم تفْسد صحيفتكم وَهِي فِي أَيْدِيكُم طمس الله مَا كَانَ فِيهَا من اسْم لَهُ وَمَا كَانَ من بغى تَركه أفنحن السَّحَرَة أم أَنْتُم فَقَالَ عِنْد ذَلِك النَّفر من بني عبد منَاف وَبني قصي نَحن برءاء من هَذِه الصَّحِيفَة وَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورهطه فعاشوا وخالطوا النَّاس
وَقَالَ ابْن سعد أَنا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي الحكم بن الْقَاسِم عَن زَكَرِيَّا بن عمر وَعَن شيخ من قُرَيْش ان قُريْشًا لما كتبت الصَّحِيفَة وَمَضَت ثَلَاث سِنِين أطلع الله نبيه على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا كَانَ فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَانَ

(1/250)


فِيهَا من ذكر الله فَذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب فَقَالَ وَالله مَا كَذبَنِي ابْن أخي قطّ ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فجيء بالصحيفة فَوجدت كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسقط فِي ايدي الْقَوْم ونكسوا على رؤوسهم فَقَالَ ابو طَالب يَا معشر قُرَيْش علام نحصر ونحبس وَقد بَان الْأَمر وَتبين انكم اولى بالظلم والقطيعة والإساءة
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا لما بلغ قُريْشًا فعل النَّجَاشِيّ بِجَعْفَر وَأَصْحَابه وإكرامه إيَّاهُم كبر ذَلِك عَلَيْهِم وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم ان لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يخالطوهم وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشلت يَده وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة وحصروا بني هَاشم فِي شعب أبي طَالب لَيْلَة هِلَال الْمحرم سنة سبع من حِين تنبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَطعُوا عَنْهُم الْميرَة والمادة فَكَانُوا لَا يخرجُون إِلَّا من موسم إِلَى موسم حَتَّى بَلغهُمْ الْجهد فَقَالَ من سَاءَهُ ذَلِك من قُرَيْش انْظُرُوا مَاذَا أصَاب مَنْصُور بن عِكْرِمَة فأماموا فِي الشّعب ثَلَاث سِنِين ثمَّ اطلع الله رَسُوله على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من ذكر الله
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة وَمُحَمّد بن عَليّ قَالَا أرسل الله على الصَّحِيفَة دَابَّة فَأكلت كل شَيْء فِيهَا إِلَّا اسْم الله وَفِي لفظ إِلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزبير بن بكار قَالَ قَالَ أَبُو طَالب فِي قصَّة الصَّحِيفَة
(ألم يأتكم أَن الصَّحِيفَة مزقت ... وَأَن كل مَا لم يرضه الله يفْسد) فِي أَبْيَات أخر

(1/251)


وَأخرج ابو نعيم عَن عُثْمَان بن ابي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم قَالَ كَانَ كَاتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشلت يَده حَتَّى يَبِسَتْ فَمَا كَانَ ينْتَفع بهَا فَكَانَت قُرَيْش تَقول بَينهَا إِن الَّذِي صنعنَا إِلَى بني هَاشم لظلم أنظروا مَا أصَاب مَنْصُور بن عِكْرِمَة
بَاب خصوصيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالإسراء وَمَا رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى

قَالَ الله تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
أعلم ان الاسراء ورد مطولا ومختصرا من حَدِيث أنس وَأبي بن كَعْب وَبُرَيْدَة وَجَابِر بن عبد الله وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَسمرَة بن جُنْدُب وَسَهل بن سعد وَشَدَّاد بن أَوْس وصهيب وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن عَمْرو وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن اِسْعَدْ بن زُرَارَة وَعبد الرَّحْمَن بن قرط وَعلي بن أبي طَالب وَعمر بن الْخطاب وَمَالك بن صعصعة وَأبي امامة وَأبي ايوب الانصاري وَأبي حَبَّة وَأبي الْحَمْرَاء وَأبي ذَر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي سُفْيَان بن حَرْب وَأبي ليلى الْأنْصَارِيّ وَأبي هُرَيْرَة وعاشئة واسماء بِنْتي أبي بكر وَأم هَانِيء وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُم وَهَا أَنا أسوق أَحَادِيثهم على التَّرْتِيب الْمَذْكُور